موقف النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من علم الكلام

الاستاذ حيدر عبد الحسين قيصر

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم

  انطلاقا من تعريف علم الكلام الذي يقصد به المناظرة في العقائد الدينية والاحتجاج على صحتها بالادلة العقلية والمنطقية ومحاولة دفع الشبهات عنها وموضوعاته التي تبجث في اثبات وجود خالق الكون وصفاته وافعاله .

وغايته :

  هي الرقي الفهم الايماني للفرد المسلم لكي ينصر عقيدته الاسلامية .
  لقد جاء القرآن الكريم الذي انزله الله تعالى على قلب الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليكون نذيرا وبشيرا لينقذهم من الضلال ويهديهم الى الصراط المستقيم .
  الرسول الذي نشر القرآن بكلماته المضيئة عالج ذات الموضوعات التي عانى منها النشر وهي التيه والضلال ، ومن السفه ان نقول ان القرآن او الرسول لم يقصد الرد على الافلاطونية الجديدة او القديمة او لم يتناول مثلا مسالة الخلق او الارادة او ما اشبه ذلك ، مما كانت مثارا لجدل بين البشرية منذ عهد الاغريق ، والاشد سفاهة هو القول بأن القرآن لم يعط حلاً للمشاكل الفلسفية وهو الذي تحدى البشرية ان يأتوا مثله او بمثل بعض سوره .
  وقد كان الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يرى المستقبل القريب والبعيد بنور الرسالة ويعلم ان امته سوف تتعرض لموجات الضلالة القادمة من كل افق ، ولذلك فقد اجتهد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من اجل بيان الحقائق القرآنية ببلاغة نافذة ، وايضا حذر الامة من الشعور بالضعف امام ثقافات الاخرين ، وذلك عبر طريقتين :
  اولا : بيان اخطار بعض الافكار الضالة ، اذ كانت المسألة الاهم في تاريخ الثقافية عند المسلمين في مسألة الجبر والاختيار ، والفرقة الاخطر هي القدرية ، وقد ذمها الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحذر منها المرة بعد الاخرى ، اذ روي عنه انه قال ( صنفان من امتي ليس لهما في الاسلام نصيب ، المرجئة والقدرية ) .
  ثانيا : بيان قواعد عامة تضبط مسيرة الامة الثقافية وتحضنها من الضلالة وهذا ما فعله رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عندما رسم لهم طريق الهدى وسبل النجاة عبر التمسك بالقرآن والعترة الطاهرة .
  واذا كان التمسك بالقرآن يعني الاعتصام بحبل الله المتين ، فإن التمسك بالعترة المعصومين من آل الرسول ( عليه وعليهم السلام ) يعني التثبت بعرى هذا الحبل الوثيق بالقرآن ـ كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ بحاجه الى تفسير وتأويل ، لان فيه المحكم والمتشابه ، والعام والخاص ، والناسخ والمنسوخ ، وأهل بيت الرسول ـ من بعده ـ هم الراسخون في العلم ، الذين لا بد ان نرجع اليهم في فهم المتشابه والمنسوخ والخاص .
  ولقد روي حديث الثقلين عن الرسول بطرق شتى حتى يكاد المرء يكون على يقين من ان الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد نطق به نطقا فقال ( اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تظلوا من بعدي : كتاب الله وعترتي اهل بيتي ) .
  وفي ذات الوقت الذي كان الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوصي التمسك بالقرآن والعترة ، كان ينهي بشدة عن الاعجاب بثقافات اهل البيت النابع من الشعور بالضعف تجاهها ، منها ما جاء في ( غريب الحديث ) لابي عبد الله ان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حين اتاه عمر فقال : انا نسمع احاديثاً من اليهود تعجبنا ، فنرى ان نكتب بعضها ؟ فقال الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( افتهوكون انتم كما تهوكت اليهود والنصارى ؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، ولو كان موسى حياً ما وسعه الا اتباعي ) ، قال ابو عبيد وهو يفسر الحديث امتحيرون انتم في الاسلام ، ولا تعرفون دينكم ، حتى تأخذوه من اليهود والنصارى كأنه كره ذلك منه .
  وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ينهي اصحابه بشده ان يسلكوا سبيل الجدل لفهم حقائق الدين التي لا تفهم الا بالتسليم للحق وتزكية النفس وصدق العمل .





BASRAHCITY.NET