ذكرى اغتيال وأستشهاد الامام الرضا (ع)

الاستاذ مجاهد منعثر منشد الخفاجي

   المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
  قال الصوليّ بمدح الامام الرضا ( ع) :
ألاَ إنّ خيرَ الناسِ نفْساً ووالداً      ورهطاً  وأجداداً عليُّ iiالمعظَّمُ
    أتـتنا بـه للعلمِ والحِلْمِ iiثامناً      إمـاماً يـؤدّي حجّةَ اللهِ iiتُكْتَمُ(1)
  فهو ابن الامام موسى بن جعفر (ع) الذي قال فيه قاتله هارون العبّاسيّ يشير إليه ويقول لابنه المأمون: هذا إمام الناس ، وحجّة الله على خلْقه، وخليفته على عباده ... موسى بن جعفر إمام حق ، والله يا بُنيّ ، إنّه لأحقّ بمقام رسول الله صلّى الله عليه وآله منّي ومن الخلق جميعاً ، واللهِ لو نازعتَني هذا الأمر لأخذتُ الذي فيه عيناك ، فإنّ المُلك عقيم (2) .
  ويقول أبوعليّ الخلاّل ـ شيخ الحنابلة ـ في والد امامنا الرضا موسى بن جعفر (عليهما السلام ) : ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به ، إلاّ وسهّل الله تعالى لي ما أُحبّ (3) .
  من الروايات الواردة في استشهاد الامام علي بن موسى الرضا هو يوم الجمعة أو الاثنين أخر شهر صفر أو آخره سنة203 أو 206 أو 202 .
  ويقول علمائنا الاعلام (رض) في أستشهاد الامام الرضا (ع) أنه استشهد مسموما ,و أنّه سمّه المأمون (لعنة الله عليه ) روى ذلك الشيخ الصدوق في العيون والمفيد في الارشاد .
  وان عمر الإمام المبارك كان (49) سنة على قول مشهور ، لأن ولادته (عليه السلام) في سنة ( 153 ) واستشهاده في سنة (202) ، وإنه عاش مع والده موسى بن جعفر (عليه السلام )( 29 سنة وأشهر ) إي ما يكون إلى سنة ( 183 ) سنة وفاة الإمام موسى بن جعفر( عليه السلام )، وهو يوم الذي شرفه الله تعالى بالإمامة ، فتكون مدة إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) في حياته الشريفة وقيامه بعد أبيه الإمام موسى بن جعفر(ع) هي (20 ) سنة ، وقيل مدة إمامته خمسة وعشرين سنه أو إلا اشهراً حسب القول بسنة وفاته ووفاة أبيه (عليهما السلام ).
  وكانت في أيام إمامته (عليه السلام) بقية ملك الرشيد ، وملك محمد الأمين بعده ثلاث سنين وخمسة وعشرين يوما ، ثم خلع الأمين واجلس عمه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة أربعة عشر يوما ، ثم اُخرج محمد ثانية وبويع له ، وبقي بعد ذلك سنة وسبعة أشهر ، وقتله طاهر بن الحسين .
  ثم ملك المأمون : عبد الله بن هارون بعده عشرين سنة واستشهد (عليه السلام ) في أيام ملكه (4) .
  أسم الإمام الشريف :علي : ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وهو أشرف وأنبل نسب في الوجود ، وهو في زمانه : سيد ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله من ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام ، وإمام المسلمين وخليفة الله على خلقه وحجته المبين لتعاليمه وسيد البشر وعظيم أهل البيت صلى الله عليهم وسلم .
  كنيته : أبو الحســـــن .
  ألقابه : الرضا ، والصابر ، والرضي ، والوفي ، وأشهرها : الـرضــــا وكان يقال له : الرضا ، والصادق ، والصابر ، والفاضل ، وقرة أعين المؤمنين ، وغيظ الملحدين
  فعن عبد العظيم الحسني ، عن سليمان بن حفص قال :
  كان موسى بن جعفر عليهما السلام يسمي ولده علياً عليه السلام الرضا ، وكان يقول : ادعوا لي ولدي : الرضا ، وقلت لولدي : الرضا ، وقال لي ولدي : الرضا (ع) ، وإذا خاطبه قال : يا أبا الحسن ، ( وهو اسم لقب له (عليه السلام )من جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كما علمه الله تعالى )
  عن البزنطي قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) : إن قوما من مخالفيكم يزعمون أن أباك إنما سماه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده ؟
  فقال (عليه السلام ): كذبوا والله وفجروا ، بل الله تبارك وتعالى سماه بالرضا (عليه السلام) ، لأنه كان رضي لله عز وجل في سمائه ورضي لرسوله والأئمة بعده صلوات الله عليهم في أرضه .
  قال : فقلت له : ألم يكن كل واحد من آبائك الماضين (عليهم السلام) رضيّ لله عز وجل ولرسوله (ص) والأئمة بعده عليهم السلام ؟ فقال : بلى .
  فقلت : فلم سمي أبوك (عليه السلام) من بينهم الرضا ؟
  قال : لأنه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه ، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه عليهم السلام ، فلذلك سمي من بينهم الرضا (عليه السلام) (5).
  وألقابه : سراج الله ، ونور الهدى ، وقرة عين المؤمنين ، ومكيدة الملحدين ، كفو الملك ، وكافي الخلق ، ورب السرير ، ورءاب التدبير ، والفاضل ، والصابر ، والوفي ، والصديق ، والرضي .
  أقوال علماء السنة في اغتيال الامام الرضا (ع) في كتاب خلاصة تهذيب الكمال في أسماء الرجال .
  عن سنن ابن ماجة القزويني ـ من يذهب إلى أنّ الرضا مات مسموماً بطوس. وفي مقاتل الطالبيين: كان المأمون عقد له على العهد من بعده ودسّ له فيما ذكر بعد ذلك سمّاً فمات منه .
  وقال الحافظ ابن حجر عن الحاكم فيى تاريخ نيسابور : استشهد علي بن موسى بسندآباد ، وفيه عن أبي حاتم بن حبّان أنّه(عليه السلام) مات آخر يوم من صفر ، وقد سمّ في ماء الرمّان وسقي .
  ودفن الإمام في طوس ـ مدينة مشهد في خراسان.
  وممّا قيل في رثائه (عليه السلام):
يـا  أرض طوس سقاك الله iiرحمته      ماذا حويت من الخيرات يا iiطوس؟!
طـابت بـقاعك فـي الدُّنيا وطيّبها      شـخص ثـوى بـسناآباد iiمرموس
شخص عزيز على الإسلام مصرعه      فـي  رحـمة الله مغمور iiومغموس
يـا  قـبره أنـت قـبر قد iiتضمّنه      حـلمٌ  وعـلمٌ وتـطهيرٌ iiوتـقديس
فـافـخر  فـإنّك مـغبوطٌ iiبـجثّته      وبـالـملائكة الأبـرار iiمـحروس
فـي  كلّ عصر لنا منكم إمام iiهُدى      فـربـعه آهـل مـنكم iiومـأنوس
أمـست  نـجوم سـماء الدين iiآفلةً      وظلّ  أسد الشرى قد ضمّها iiالخيس
حـتى  متى يظهر الحقّ المنير iiبكم      فالحقّ  في غيركم داج iiومطموس ؟!

  من زاروا قبر الامام الرضا (ع) من علماء السنة :

  أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم زار قبر أُمّه فبكُى وأبكى مَن حَوله، وقال: استأذنتُه ( أي الله تعالى ) في أن أزور قبرها فأذِن لي، فزوروا القبور فإنّها تذكّر الموت (6) .
  روى الشيخ الصدوق في خاتمة كتابه ( عيون اخبار الرضا (ع) ) أخباراً عن زيارة علماء السنّة لمرقد هذا الإمام الرؤوف (ع) ، فضلاً عن شيعته .
  وهذه أسماء بعض أعلام أهل السنّة ورجالاتهم ممّن تشرّفوا بزيارة المرقد الطاهر للإمام الرضا عليه السّلام.
  أبو بكر بن خُزَيمة وأبو علي الثقفي وأبو علي محمّد بن عبدالوهاب الثقفي أحد علماء نيشابور الأعلام، وكان يحظى بمنزلة علميّة مرموقة ، إلاّ أنّه لزم بيته جرّاء مخالفته لابن خُزيمة في أبحاثه العقائديّة.
  ويقول ابن حَجَر : كتب الحاكم النيسابوري في تاريخ نيشابور يقول :
  سمعتُ أبا بكر محمّد بن مؤمّل يقول : خَرَجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خُزيمة وعَديلِه أبي علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا ـ وهم إذ ذاك متوفّرون ـ إلى زيارة عليّ بن موسى الرضا بطوس ، قال : فرأيت من تعظيمه ـ يعني ابن خُزيمة ـ لتلك البُقعة وتواضعه لها وتضرّعه عندها ما حَيَّرنا (7).
  ابن حَبّان البُستي ,أبو حاتم محمّد بن حَبّان البُستي
  يقول ابن حَبّان في كتاب « الثقات » ي خاتمة ترجمته للإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام : مات عليّ بن موسى الرضا بطوس من شربةٍ سقاه إيّاها المأمون ، فمات من ساعته ، وذلك في يوم السبت آخر يوم سنة ثلاث ومائتين ، وقبره بسناباد خارج النُّوقان مشهور يُزار بجنب قبر الرشيد. قد زُرتُه مراراً كثيرة ، وما حَلّت بي شدّةٌ في وقتِ مقامي بطوس ، فزُرتُ قبرَ عليّ بن موسى الرضا صلوات الله على جدّه وعليه ودعوتُ الله إزالتها عنّي ، إلاّ استُجيب لي وزالت عني تلك الشدّة ، وهذا شيءٌ قد جرّبتُه مِراراً فوجدتُه كذلك ، أماتَنا الله على محبّة المصطفى وأهل بيته صلّى الله عليه وعليهم أجمعين (8) .
  السلطان محمود الغَزنَوي و أبو الفضل البَيهقي و منتجب الدين الجُوَيني و فخر الدين الرازي و السيّد بهاء الدين محمد مهدي الروّاس أبو منصور بن عبدالرزّاق والأبِيوَردي ( النصف الثاني من القرن الرابع الهجري ) ينقل الشيخ الصدوق عن أبي طالب حسين بن عبدالله بن بنان الطائي ، أنّ أبا منصور خاطب الأبيوردي ـ حاكم طوس ، وكان لم يُرزق أولاداً ـ بقوله :
  لِم لا تقصد مشهد الرضا عليه السّلام وتدعو الله عنده ، حتّى يرزقك ولداً ؟ فإنّي سألتُ الله تعالى هناك في حوائج قُضيت لي .
  قال الحاكم: فقصدتُ المشهد ـ على ساكنه السّلام ـ ودعوتُ الله عزّوجلّ عند الرضا عليه السّلام أن يرزقني ولداً ، فرزقني الله عزّوجلّ ولداً ذَكراً ، فجئتُ إلى أبي منصور بن عبدالرزاق وأخبرتُه باستجابة الله تعالى في هذا المشهد ، فوهب لي وأعطاني وأكرمني على ذلك (9) .
  ونقل الشيخ الصدوق واقعةً أُخرى عن أبي منصور بن عبدالرزّاق تتضمّن أخباراً عن المضايقات التي كان يتعرّض لها زائرو مرقد الإمام الرضا عليه السّلام في طريقهم إليه، وتفاصيل الحادثة التي وقعت له، فكان لها الأثر الكبير في تغيير وجهة نظره (10) .
  وكان من اخلاق الامام الرضا (ع) ما جفا أحداً بكلامه ولا قطع على أحد كلامه وما رد أحداً في حاجة يقدر عليها ولا مد رجله بين يدي جليسه ولا شتم أحداً من مواليه ومماليكه وخدمه ، وكان إذا نصب مائدته أجلس عليها مواليه وخدمه حتى البواب والسائس .
  وكان يقول لخدمه : إذا قمت على رؤوسكم وأنتم تأكلون فلا تقوموا حتى تفرغوا .

  ومن حكمه (عليه السلام):

  1 ـ خيار العباد هم الذين إذا أحسنوا استبشروا ، وإذا أساؤوا استغفروا، وإذا أعطوا شكروا ، وإذا ابتلوا صبروا ، وإذا غضبوا عفوا .
  2 ـ عونك للضعيف أفضل من الصدقة.
  3 ـ خَمْسُ مَنْ لَمْ تَكُنْ فيه فلا ترجوه بشئ من الدنيا والآخرة :
  ـ من لم تعرف الوثاقة في أرومته.
  ـ والكرم في طباعه.
  ـ والرصانة في خلقه.
  ـ والنبل في نفسه.
  ـ والمخافة لربه.
  4 ـ صل رحمك ولو بشربة من ماء .

  كيفية استشهاد الامام (ع) على يد المأمون ( لعنة الله عليه )

  اوعز المأمون لغلام له أسمه عبدالله بن بشير ان يسم الإمام بعنب وحبات رمان ، ثم يقدمها للإمام (ع) ليأكلها واوصاه أن يجعل السم تحت أظفاره ثم يحوله إلى كفه ، ثم يفرك بكفه حبات الرمان ويناولها الإمام (ع) بمرأ من حضار المجلس ، لكي لا يتهمه احد بانه هو قاتل الإمام (ع) كما أوصاه أيضاً بأن يغمس سلكاً بالسم ثم يدخله في حبات العنب من الطرف إلى الطرف بابرة ويقدم من ذلك العنب إلى الإمام أيضاً أمام أنظار الناس .
  فلما اعدَّ عبدالله بن بشر ذلك وحدد المامون اليوم لا غتيال الإمام (ع) بعث للإمام (ع) وحضر للمجلس ، وقدم له العنب والرمان المسمومين ، فامتنع الإمام عن الأكل واستعفى المأمونَ من ذلك ، ولكن المامون أصرأصراراً شديداً وقال للإمام (ع) لا بد لك من الله ، فلعلك تتهمنا بشيئ ، فتناول الإمام (ع) من العنقود ثلاث حبات ثم رمى به وقام فقال إلى أين يا بن العم فقال (ع) : إلى حيث وجهتني ، وخرج (ع) مغطى الرأس ، حتى دخل داره وامر بسد أبوابها فاغلقت ، ولم يكن في الدار غير خادمة ابي الصلت الهروي فلم يلبث إلا يومين استشهد بعدهما (ع) في بلاد الغربة في تلك القرية وحيداً غريباَ مسموماً ، وكان استشهاده يوم الثلاثاء السابع عشر من شهر صفر من سنة ثلاث ومئتين للهجرة النبوية الشريفة .
  وكتم المامون (لعنه الله ) موته (ع) يوماً وليله ، ثم انفذ إلى محمد بن جعفر الصادق (ع) عم الإمام ، فلما حضروه ا نعاه إليهم وبكى متظاهراً ، وأراهم أياه مبيناً انه صحيح الجسد ، وعلمت الشيعة بذلك فا جتمعوا لتشييع الإمام (ع) ففزع من وقوع الفتنة ، فخرج محمد بن الصادق (ع) بامر من المامون ، وفرق الناس ، قائلاً لهم ان امر الجنازة قد اخر إلى الغد .
  فلما تفرق الناس ، اخرج المامون الجنازة الطاهرة ، ثم ان الإمام (ع) غسل وكفن وصلى عليه الإمام الجواد (ع) في جوف الليل ثم أمر المأمون بدفن الإمام (ع) بجوار قبر أبيه ، بحيث يكون قبر أبيه امام قبر الإمام (ع) فلم تؤثر المعاول ولم تحفر شيئاً ، فتعجب المأمون في ذلك واستدعى احد مقربي الإمام (ع) وكان يدعى هرثمة الذي كان الإمام (ع) يسر له بكثير من المغيبات ، فاقترح هرثمه ان يجعل قبر الإمام أمام قبر هارون ففعلوا ذلك .
  ومما رثاه من الشعراء دعبل الخزاعي بقصيدة يقول فيها :
قـوم  قـتلتم عـلى الإسـلام iiأولهم
حتى إذا استمسكوا جازوا على iiالكفر
قـبران فـي طوس خير الناس كلهم
وقـبر  شـرهم هـذا مِـنَ iiالـعِبَرِ
ما  ينفع الرجس من قرب الزكي وما
على الزكي بغرب الرجس من ضرر
هـيهات  كل امرئ رهن بما iiكسبت
لـه  يـداه فـخذ مـا شئت أو iiفذرِ

المصادر

(1) (كشف الغمة ج 3| 1 4 9).
(2) ( عيون اخبار الرضا (ع) للشيخ الصدوق ج 1|91 ـ ح 11) .
(3) (تاريخ بغداد ـ للخطيب البغدادي ج 1|120 ) .
(4) (عن كشف الغمة ج 3 ص 90 ) .
(5) (عيون أخبار الرضا ج 1 ص 13 ، علل الشرائع ج 1 ص 226 ، معاني الأخبار ص 65 ، بحار الأنوار ج 45 ص 4 ب 1ح 5 ) .
(6) ( صحيح مسلم ج 3| 65 باب استئذان ربه في زيارة القبور ).
(7) ( تهذيب التذهيب لابن حجر 7| 339 ) .
(8) ( الثقات لابي منصور محمد بن عبد الرزاق ج 8| 456 _ 457).
(9) ( عيون اخبار الرضا ج 2 | 312 حديث 2 ) .
(10) ( عيون اخبار الرضا ج 2 | 312 حديث 11 ).







BASRAHCITY.NET