33

النصرة لشيعة البصرة


الفصل الثالث

       دور شيعة البصرة في اللغة العربية وعلومها :

   تعتبر البصرة مدينة ذات سبق في ميدان اللغة العربية وعلومها ، ففيها نشأ علم النحو على يد ابي الاسود الدؤلي ، ومن مدرستها تخرج الخليل بن احمد الفراهيدي الشيعي ، واضع علم العروض كاملاً تقريباُ ، وبفضل علمائها انتشرت اللغة العربية كعلم يدرس ، وتصنف فيه الكتب ، ومن علومها :

   1- علم النحو :

   سمي بذلك لان المتكلم ينحو به منهاج كلام العرب افراداً وتركيباً (1)،وقال ابن النديم : سمي بذلك لان ابا الاسود الدؤلي قال للامام علي (ع) ، وقد القى عليه شيئاً من اصول النحو : ائذن لي ان اصنع نحو ما صنعت فسمى بذلك نحواً (2).
   وذكر القفطي ، وابن الانباري : ان الجمهور من اهل الرواية ، يقولون ان اول من وضع النحو ، امير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجه (3).
   وهكذا نجد ان ان علم النحو نشأ بالبصرة ، ونبغ به علماؤها الشيعة وبرعوا فيه ، واصبحت تعقد الحلقات والدروس لتعليم النحو ، فتخرج من ابنائها ائمة اعلام نشروا هذا العلم في كل مكان ، وكانوا يشكلون مدرسة مستقلة لها منهجها



(1)انظر المصباح المنير للفيومي :ص596 .
(2) الفهرست ، ابن النديم :ص59.
(3) انظر انباه الرواة على انباء النحاة ، للقفطي :ح1/4، ونزهة الألباء في طبقات الأدباء ، لابن الانباري :ص4.


34 النصرة لشيعة البصرة

وآراؤها .
   وقال عمر بن الخطاب : وليعلم ابو الأسود اهل البصرة الاعراب ـ أي النحو ـ(1).
   وقال ابو الطيب اللغوي (351هـ) : (( واعلم ان اول ما اختل من كلام العرب فاحوج الى التعلم الاعراب ، لان اللحن ظهر في كلام الموالي والمتعربين من عهد النبي ، فقد روينا ان رجلاً لحن بحضرته فقال : (( ارشدوا اخاكم فقد ضل )).
   ثم اتى على واضعه فقال : (( ثم كان اول من رسم للناس النحو ابو الاسود الدؤلي فيما حدثنا به ابو الفضل جعفر بن محمد بن بابتويه ، قال : حدثنا ابو اسحاق ابراهيم بن حميد قال : اخبرنا ابو حاتم السجستاني ، واخبرنا ابو بكر محمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال : حدثنا ابو عمر الجرمي عن الخليل قالوا وكان ابو الاسود اخذ ذلك عن امير المؤمنين علي (ع) لانه سمع لحناً ، فقال لابي الاسود :اجعل للناس حروفاً ، واشار له الى الرفع والنصب والجر ، فكان ابو الاسود ضنيناً بما اخذه من ذلك عن امير المؤمنين (ع) (2).
   واما رواية ابي بكر الزبيدي (379هـ) فقد ذكر ان ابا الاسود ((اول من اسس العربية ، ونهج سبلها ، ووضع قياسها ... ))(3).
   وقال علي النجدي ناصف :(( نعم فعندي ان واضع النحو هو ابو الاسود الدؤلي ، والموجه اليه هو الامام علي (ع) ....))(4).
   وقال الدكتور عبد الفتاح شلبي :(( ولا يسع الباحث ان ينكر ما كان لابي الاسود الدؤلي من باكورة في هذا النشاط ، وما يؤثر على ابي الاسود يعد بذرة تعهدها



(1) التحفة البهية :49.
(2) مراتب النحويين :23.
(3) طبقات النحويين واللغويين :21.
(4) سيبويه امام النحاة : 132.


35 دور الشيعة البصرة في اللغة العربية

النحاة من بعده ، ورعوها حق رعايتها ))(1).
   ويقول محمد الطنطاوي :((فليس بغريب على ابي الاسود الذي اوتي العلم الواسع ان يلهم هذا الفن (2).
   ويضيف الدكتور مازن المبارك :((فأية غرابة اذاً في ان تدور بين ابي الاسود وصديقه ابن ابي طالب احاديث باللغة وكلاهما بها عالم وشغوف (3).
   وصحبة ابي الاسود للامام علي (ع) معروفة ومشهورة ، وهي تدل على ملازمة الرجل لصاحبه ، والحوار معه حول مجمل القضايا اللغوية التي يعنى بها الاثنان (4).


2- علم اللغة:

   نشأ علم اللغة في البصرة في عهد مبكر ، فقد كان سوق المربد بالبصرة مكاناً لمفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء ، فكان يلتقي فيه اهل البصرة بالاعراب الذين قدموا للبيع والشراء .
   الا ان اهتمام علماء شيعة البصرة باللغة لم يقف عند هذا الحد بل شرعوا في تدوين اللغة ، فقد صنف الخليل بن احمد الفراهيدي ( 100- 175 هـ) كتابه المشهور ((العين)) ويعتبر من اقدم القواميس والمعاجم العربية التي دونت فيها الفاظ اللغة العربية ، وقد رتبها الخليل على حروف المعجم بحسب مخارجها بادئاً بحرف العين ، وبه سمي الكتاب .


3- علم العروض :

   وهنا لابد من الوقوف امام علم جديد كان منشؤه البصرة على يد احد رجالاتها الشيعة الافذاذ ، ذلك هو علم العروض وهو علم بقوانين يعرف به صحيح



(1) ابو علي الفارسي :50.
(2) نشأة النحو : 12.
(3) النحو العربي -العلة النحوية - :30 .
(4) موسوعة البصرة الحضارية ، الموسوعة الفكرية : 173.


36 النصرة لشيعة البصرة

وزن الشعر العربي من سقيمه .
   وقد كان الشعراء من قبل ينظمون الشعر مهتدين بحاسة السمع ، وليس هناك قانون مكتوب يلتزمون به ، الى ان جاء الخليل بن احمد الفراهيدي فاستنبط من العروض وعلله مالم يستخرجه احد ، ولم يسبقه الى علمه سابق من العلماء كلهم ، فقد وضع الخليل علم العروض كاملاً تقريباً . قال السكاكي : فلا يظن احد الفضول ان عنده زيادة على ما ذكره الخليل بن احمد ، ذلك البحر الزاخر ، مخترع هذا النوع(1).
   هذا وقد صنف الخليل في ذلك كتابين هما : كتاب العروض ، وكتاب النغم (2).



(1) انظر مفتاح العلوم ، لابي يعقوب بن ابي بكر السكاكي : ص245.
(2)انظر طبقات فحول الشعراء ، ابن سلام :ص22، وانباه الرواة :ص341.


37 النصرة لشيعة البصرة

الفصل الرابع
تعريف التشيع

   معنى الشيعة :

   الشيعة : القوم الذين يجتمعون على الامر ، وكل قوم اجتمعوا على امر فهم شيعة . وكل قوم امرهم واحد يتبع بعضهم راي بعض فهم شيعة (1).والشيعة ايضاً اتباع الرجل وانصاره وجمعها شيع(2). والشيعة : الفرقة (3).
   وقد اطلقت كلمة شيعة على الذين شايعوا امير المؤمنين علياً (ع) وقالوا بامامته وخلافته نصاً ووصية ، إما جليا واما خفياً . وان الامامة لا تخرج عن اولاده ، وان خرجت فبظلم يكون من غيره او بتقية من عنده (4).
   وقد وردت كلمة شيعة ، اشارة الى اتباع امير المؤمنين (ع) في العديد من الاحاديث النبوية الشريفة .
   وعن ابن عباس قال : قال رسول الله (ص) :(( شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة )). وقال رسول الله (ص) :(( ياعلي انا منك وانت مني ، روحك روحي ، وشيعتك شيعتي ، واولياؤك اوليائي ، من احبهم فقد احبني ، ومن ابغضهم فقد ابغضني ،



(1) ابن منظور لسان العرب : مادة تشيع .
(2) المصدر السابق .
(3) المصدر السابق .
(4) الشهرستاني الملل والنحل : 1/131.


38 النصرة لشيعة البصرة

ومن عاداهم فقد عاداني )) .
   (( يا علي : شيعتك مغفور لهم ... )) . (( يا علي : شيعتك شيعة الله ... ))(1).
   وعن ابي رافع (رض) ان رسول الله قال لعلي (ع) : ((انت وشيعتك تردون عليّ الحوض رواءً مرويين مبيضة وجوهكم ، وان عدوك يردون عليّ ظماء مقمحين ))(2).وعن عليّ : (( ان قد غفر لشيعتك ولمحبي شيعتك ))(3).   وعن علي بن ابي طالب (ع) رفعه :(( يا علي ان اهل شيعتنا يخرجون من قبورهم يوم القيامة على ما بهم من الذنوب والعيوب ، وجوههم كالقمر ليلة البدر ))(4).



(1) مشارق انوار اليقين في اسرار امير المؤمنين (ع) :45.
(2) اخرجه الطبراني في الكبير :ج1/319 برقم 948، واورده الهيثمي في مجمع الزوائد : 9/131 ، والسيوطي في البدر المنثور : 6/379 ، والشوكاني في الفوائد :380، والسمهودي في جواهر العقدين : 295 ، والسخاوي في استجلاب ارتقاء الغرف :177 ، بتحقيقنا ، والحموئي في فرائد السمطين :1/308 قال اخبرني الامام العالم المرتضى شرف الدين الاشرف بن محمد الحسيني المدائني بهذه الرواية ، وبهذا الاسناد العالي العنعنة الشريفة والبنبنة الكريمة على التعاقب والتوالي الى السيد الكرار قسيم الجنة والنار اسد الله الغالب علي بن ابي طالب قال :
   قال رسول الله :(( يا علي ان الله غفر لك ، ولاهلك ، ولشيعتك ، ولمحبي شيعتك ، ومحبي محبي شيعتك ، فابشر فانك الانزع البطين ، منزع من الشرك ، بطين من العلم )) ورواه الديلمي في الفردوس :8/329.برقم 8337 ، وفي زهر الفردوس : 4/298 ، والسخاوي في استجلاب ارتقاء الغرف : 177 .
(3) قريب منه رواه ابن المغازلي في المناقب :ح455 ص400 ، والخوارزمي في المناقب : 209 ط الحيدرية ، والعاصمي في زين الفتى :2/203 رقم 431 ، والخفاجي مرسلاً في الفصل الثالث من الدرة الفاخرة المعروفة بتفسير اية المودة : 177 ط1 .
(4) اورده السخاوي في استجلاب ارتقاء الغرف :183، والسمهودي في جواهر العقدين :
>>>

39 النصرة لشيعة البصرة
الفصل الخامس

    نشأة التشيع في البصرة :

   التشيع في البصرة بدا بنزول ابي الاسود الدؤلي البصرة زمن عمر بن الخطاب ، وسكنها وبنى فيها مسجداً خاصاً به ، غير ان الروايات لم تذكر السنة التي نزل فيها ابو الاسود .
    ونستطيع ان نقول ان التشيع في البصرة نشأ في العشرة الثانية من القرن الاول الهجري ، اي بعد تمصير البصرة بقليل ، وان في الابلة جذور تشيع سبقت البصرة وذلك بسبب وجود قبائل عبد القيس .
   ويقول العلامة المظقر : كان التشيع شائعا في قبائل البصرة ، وكفى البصرة ان يكون فيهم مثل يزيد بن مسعود النهشلي صهر امير المؤمنين وشيعته الذين لولا حيلولة القدر لنصر الحسين (ع) ، وبين يديه ما يربو على عشرة آلاف مقاتل (1).
   وقال : مهما اجتهدوا في جعل العراق اموياً كانت تلك الجهود فاشلة ، وكانت الروح السائدة علية هاشمية وعلوية خاصة ، الا في البصرة في عهود قليلة (2).
   ولم تمض السنون حتى تغلب حب اهل البيت في البصرة على المشايعة لبني امية فعادت علوية شيعية ، فهي اليوم ومن قبل اليوم بقرون شيعة ، وبوجد في البصرة على غير مذهب اهل البيت نفر وان قلوا في العدد الا انهم كثيرون بالمال



<<<
337، وابن المغازلي في مناقب علي بن ابي طالب : 296 رقم 339 .
(1) تاريخ الشيعة :113 .
(2) المصدر السابق :76


40 النصرة لشيعة البصرة

والملك (1).
   ويقول ابن ابي الحديد : ذهب بعض البصريين الى ان عليّاً (ع) افضل من ابي بكر كل من : ابو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي اخيراً، وكان من قبل من المتوقفين ، وكان يميل الى التفضيل ولا يصرح به ، واذا صنف ذهب الى الوقف في مصنفاته . وقال في كثير من تصانيفه : ان صح خبر الطائر فعلي افضل . ثم ان قاضي القضاة (رح) ذكر في شرح ((المقالات)) لابي القاسم البلخي ان ابا علي (رح) ما مات حتى قال بتفضيل علي (ع)، وقال : انه نقل ذلك عنه سماعاً ; ولم يوجد في شيء من مصنفاته . وقال ايضاً: ان ابا علي (رح) يوم مات استدنى ابنه ابا هاشم اليه ، كان قد ضعف عن رفع الصوت فالقى اليه اشياء ، من جملتها القول بتفضيل علي (ع) .
    وممن ذهب من البصريين الى تفضيله [علي ] (ع) الشيخ ابو عبد الله الحسين بن علي البصري (رض) ، كان متحققا نتفضيله ، ومبالغا في ذلك ، وصنف فيه كتابا مفردا .
   وممن ذهب الى تفضيله (ع) من البصريين قاضي القضاة ابو الحسن عبد الجبار ابن احمد (رح) ; ذكر ابن متويه عنه في كتاب ((الكفاية )) في علم الكلام انه كان من المتوقفين بين علي (ع) وابي بكر ، ثم قطع على تفضيل علي (ع) بكامل المنزلة .
   ومن البصريين الذاهبين الى تفضيله (ع) ابو محمد الحسن بن متويه صاحب (( التذكرة )) نص في كتابه((الكفاية )) على تفضيله (ع) على ابي بكر ; واحتج لذلك واطال في الاحتجاج (2).
   وقد بايع اهل البصرة الامام علي بن ابي طالب (ع) بعد بيعة الاشتر والزبير وطلحة ، فقد قام بعدهما البصريون ; واولهم عبد الرحمن بن عديس البلوي



(1)المصدر السابق :113 .
(2) شرح نهج البلاغة : 1/11 .


41 نشأة التشيع في البصرة

فبايعوا ، وقال عبد الرحمن :

   خذها اليك واعلمن أبا الحسن          انا نمر الأمر امرار الرسن (1)

   ويقول امين القضاة : البصرة لم تكن مسرحا للفتنة ، كما كانت الكوفة ، اذ ان علي بن ابي طالب قد اتخذ الكوفة مقراً له ، وبها نشأ التشيع ، وان كان قد انتقل الى البصرة ولكنه لم يكن بالدرجة التي اشتهر بها الكوفة .
   ومع ذلك فانا نجد بعض البصريين يضعون في فضائل علي (ع) واحقيته بالخلافة منهم : مطر بن ميمون الاسكاف(2) وخالد بن عبيد العتكي .
   فقد روى خالد بن عبيد ، عن انس ، عن سلمان ، عن النبي انه قال عن علي بن ابي طالب :((هذا وصيي وموضع سري وخير من اترك بعدي (3)))(4).

    تشويه حقيقة التشيع في البصرة :

   لم يرق للعثمانية ومن سار على نهجها ان يصرحوا بان البصرة كانت موالية للامام علي (ع) لان هذا سوف يكون سندا ودرعا حصينا لعلي بن ابي طالب (ع) لان في الكوفة كانت هناك شيعة لعلي (ع) فلا يمكن للعثمانية ان يصرحوا بان البصرة كذلك شيعة علي (ع) لذا حاولوا تشويه صورتها وجعلها عثمانية ومخالفة لعلي (ع) كما دنسوا التاريخ في مقالاتهم التي تسيء الى الشيعة في البصرة .
   لذا ينبغي ان ينظر اهل الانصاف الى ان الحملة الاموية ضد البصرة كانت



(1) في شرح نهج البلاغة : 5/130 ، ان هذا البيت قاله عمرو بن العاص وارسله الى الامام علي (ع).
(2) اقوال هذا : مطر بن ميمون المحاربي الاسكاف ابو خالد الكوفي . تهذيب التهذيب : 10/154.
(3) المجروحين لابن حبان :1/279.
(4) مدرسة الحديث في البصرة :537- 538 .


42 النصرة لشيعة البصرة

واضحة وكذلك حملة المثلث الذي خرج الى البصرة - عائشة وطلحة والزبير - كانوا يحاولون اضعاف الشيعة في البصرة باساليبهم الشيطانية وهذه كانت من دعايات الناكثين على الامام علي (ع) بجعل الامام وحيدا وتصويره للمسلمين بان عليا (ع) ماله الا الكوفة حتى تضعف قدرته لدى المسلمين في انحاء المعمورة ولكن ابى الله الا ان يظهر فضائل الشيعة في البصرة وولاءها لعلي منذ اوائل القرن الاول الهجري .
   واذكر هنا نموذجا من مقالات المدنسين للحقائق اذ يقول صاحب كتاب نشأة الفكر الفلسفي في الاسلام :((لم تكن البصرة في الحقيقة هي المدينه المثلى التي تقوم فيها حركة علوية شيعية ، فقد اشتهرت تلك المدينه طوال تاريخها بانها عثمانية احياناً ، واموية احياناً اخرى ، ولعل البصرة وجدت في حركة ابراهيم [ ابن عبد الله بن الحسن بن علي بن ابي طالب (ع) ] متنفسا لها تعبر بها عن سخطها على الحكم العباسي ))(1).
    اقول لقد تغافل الكاتب عن دور شيعة البصرة في معركة صفين ومن قبلها الجمل وبعدها دور الشيعة في البصرة في نصرة الامام الحسن والحسين (ع)، ولو كانت البصرة عثمانية لما كتب طلحة والزبير ، الى عبد الله بن حكيم بن جبلة التميمي البصــري العبدي (2)، يدعوانه الى خلع عثمان وقتله .
   فيقول عبد الله بن حكيم الى طلحة :امس تدعونا الى خلع عثمان وقتله ، حتى اذا قتلته اتيتنا ثائراً بدمه (3).
   وكذلك قالت الناس في مسجد البصرة لطلحة : يا ابا محمد قد كانت كتبك تأتينا



(1) نشأة الفكر الفلسفي في الاسلام :ص179 .
(2)عدّة الشيخ الطوسي في رجاله تارة من اصحاب امير المؤمنين (ع) ، واخرى من اصحاب الحسين (ع) : ص51 رقم 75 ، وص78 رقم 39 .
(3) الفتنة الكبرى ، علي وبنوه لطه حسين :ص8 .


43 تشويه حقيقة التشيع في البصرة

بغير هذا ، اي بقتل عثمان ، عندما طالبهم بدم عثمان (1).
   واليك نص الحوار الذي دار بين احد اشراف البصرة وهو يزيد بن الحارث اليشكري مع طلحة عندما قدما البصرة :
   اتى يزيد بن الحارث بكتاب كتبه طلحة الى اهل البصرة في التأليب على قتل عثمان الى طلحة ، والزبير وعائشة ، فقال لطلحة : هل تعرف هذا الكتاب ؟ قال : نعم ، قال : فما ردك على ماكنت عليه ، وكنت امس تكتب الينا تؤلبنا على قتل عثمان ، وانت اليوم تدعونا الى الطلب بدمه ؟ وقد زعمتما ان علياً دعاكما الى ان تكون البيعة لكما قبله اذ كنتما اسن منه ، فأبيتما الا ان تقدماه لقرابه وسابقته ، فبايعتماه ، فكيف تنكثان بيعتكما بعد الذي عرض عليكما ؟ قال طلحة : دعانا الى البيعة بعد ان اغتصبها ، وبايعه الناس فعلمنا حين عرض علينا انه غير فاعل ، ولو فعل ابى ذلك المهاجرون والانصار ، وخفنا ان نرد بيعته فنقتل فبايعناه كارهين ، قال : فما بدا لكما في عثمان ؟ قالا : ذكرنا ما كان من طعننا عليه ، وخذلاننا اياه ، فلم نجد من ذلك مخرجاً الا الطلب بدمه .
   قال : فما تأمرانني به ؟ قالا : بايعنا على قتال علي ونقض بيعته .قال : ارايتما ان اتانا بعدكما من يدعونا الى ما تدعوان اليه ما نصنع ؟ قالا : لا تبايعه.
   قال : ما انصفتما ، اتامرانني ان اقاتل علياً وانقض بيعته وهي في اعناقكما ، وتنهياني عن بيعة من لا بيعة له عليكما ، اما اننا قد بايعنا علياً ، فان شئتما بايعناكما بيسار أيدينا ، ثم تفرق الناس (2).
    وقال الطبري :نادى طلحة ، والزبير في البصرة : من لم يكن من قتلة عثمان فليكفف عنا فانّا لا تريد الا قتلة عثمان . فأنشب حكيم القتال ولم يرع للمنادي ،



(1)علي ومناوؤه لجورج جرداق :ص150
(2) الامامة والسياسة لابن قتيبة :1/65 ، ومواقف الشيعة للميانجي : 3/31 ، والمسترشد للطبري :101.


44 النصرة لشيعة البصرة

فقال طلحة والزبير : الحمد لله الذي جمع لنا ثأرنا من اهل البصرة ، اللهم لا تبق منهم احداً ، واقد منهم اليوم فاقتلهم ....؟ (1).
   واما قول عبيد الله بن عمر بن الخطاب في اهل البصرة وخاصة ربيعة في قتل عثمان : قال ابن ابي الحديد : كان عبيد الله بن عمر بن الخطاب يقول لاهل الشام يوم صفين وكان مع معاوية : يا اهل الشام هذا الحي من العراق - يعني ربيعة البصرة - قتله عثمان بن عفان ، وانصار علي بن ابي طالب - اي انصار الامام علي (ع) - ولئن هزمتم هذه القبيلة ادركتم ثأركم من عثمان ، وهلك علي واهل العراق (2).
   ويقول ابن كثير : هاجم جماعة من اهل البصرة من قوم ، قتلة عثمان وانصارهم فركبوا في جيش قريب من ثلاثمائة ومقدمهم حكيم بن جبلة ، وهو احد من باشر قتل عثمان ، ثم مات حكيم قتيلاً هو ونحو من سبعين من قتلة عثمان (3).
   اقول : نحن لا ننكر ان في البصرة كانت بعض الشرذمة من العثمانية وكانت من الموالي وابناءهم الذين جاءوا للبصرة للتجارة فسكنوها امثال : ازد عمان ، وابناء العجم و... ، وهم ليسوا من عرب البصرة الاصليين .
    ويمكن لنا ان نستنتج من كلام الطبري ان الذين كانوا مع طلحة والزبير وعائشة من البصريين نسبتهم 5/33% اذ يقول الطبري : اصبح اهل البصرة - يوم الجمل - فرقاً ، فرقة مع طلحة والزبير وعائشة ، وفرقة مع علي ، وفرقة لا ترى القتال (4).
    قلت لم يعتزل احد يوم الجمل وانما جاء الاحنف بن قيس للامام علي (ع) فقال له : معي ستة الاف قوس فان شئت قاتلت معك ، وان شئت كففت عنك عشرة



(1) تارخ الطبري :3/19
(2) شرح نهج البلاغة : 5/151 .
(3) البداية والنهاية :7/233- 234 .
(4) تارخ الطبري :3/39 .


45 تشوية حقيقة التشيع في البصرة

آلاف سيف ، فقال الامام علي (ع) : اكفف عنا عشرة آلاف سيف ، فكان هذا الاعتزال بامر الامام (ع) .
   وهذا ما يؤيده الامام علي (ع) اذ يقول : ان عامة من بها - اي البصرة - ووجهها واهل الفضل والدين قد اعتزلوها ورغبوا عنها - يعني الجمل -(1).
   وقالت عائشة لابي الاسود الدؤلي البصري جئت استنهض اهل البصرة ، انغضب لكم من سوط عثمان ، ولا نغضب لعثمان من سيوفكم (2).
   وكذلك يفند الدكتور يوسف جعفر القول بان البصرة اموية احياناً فيقول : (( عاشت في البصرة جماعة من عبد القيس فآزرت الحركات والثورات المعارضة للحكم الاموي ، والعباسي ))(3).
   وكذلك لو كانت البصرة عثمانية لما رفضت قبيلة بني مجاشع ، وعبد القيس ، وبني سعد ، وربيعة و... مبايعه طلحة والزبير وعائشة عندما قدموا البصرة واليك شعر غلام شاب من بني سعد الى طلحة والزبير وقال : هل جئتما بنسائكما ؟ فقال :
صـنتم  حلائلكم وقدمتم iiامكم        هـذا  لـعمرك قلة iiالانصاف
امـرت  بجر ذيولها في iiبيتها        فـهوت  تشق البيد iiبالايجاف
غـرضاً  يقاتل دونها iiابناؤها        بـالنبل  والـخطي iiوالاسياف
هتكت بطلحة والزبير ستورها        هذا  المخبر عنهم والكاف(4)

    واذا كانت البصرة عثمانية فلماذا يتهمها التايخ بانها شاركت في قتل عثمان واليك ما قاله عبد الفتاح عبد المقصود :



(1)نهج السعادة :1/314 .
(2) بحار الانوار :32/139 .
(3) القوى السياسية في كوت الاحساء ودورها في تشكيل الاحداث في منطقة الخليج : ص126 .
(4)عليّ ومناوؤه لجورج جرداق : ص149 .


46 النصرة لشيعة البصرة

   وقال الامام علي (ع) الى المصريين : (( ما ردكم بعد ذهابكم ورجوعكم عن رايكم )) ، فأجابه متحدث من المصريين : اخذنا مع بريد كتاباً بقتلنا - يعني بريد عثمان الى والي مصر - وسلموا الامام علياً (ع) الوثيقة التي عثروا عليها مع خادم الخليفة عثمان اوشك ان يجتاز بها الصحراء الى مصر لولا ان صادفوه ، وعجب الامام علي (ع) دون ان يبدي لهم ، فهذا كتاب عثمان لعاملهم ، يأمره ان يقتل نفراً ويحبس اخرين ، وكانت علائم الغدر واضحة في الكلمات ، وهذا خاتم الشيخ - يعني عثمان - على الكتاب ، وهذا خادمه ايضاً بعد ان امسكوا به قبل ان يقطع شوطه ، ويبرم لهم اسوأ مصير .
   وتفكر ابو الحسن ملياً في الامر ، وادار بصره بحذر في القوم وفيمن تزاحم حولهم من الناس ... ها هنا طلحة يحدث نفراً من البصريين ... وثمة الزبير يحدث نفراً من الكوفيين ... وفي لمحة خاطفة كومض البرق قفز خاطر الى ذهن علي (ع) فهذه ثغرة يستطيع ان بنفذ منها شكه . قال وهو يجيل عينه في انصار صاحبيه : أي طلحة والزبير :(( وانتم فيم جئتم )) ؟
   فأجابوه : لننصر اخواننا هؤلاء ونمنعهم ، فما اسرع ان صاح بهم وهو يرمق متحدث البصريين بجانب عينه :
   (( او كيف علمتم يا اهل الكوفة ، ويا اهل البصرة بما لقي اهل مصر وقد سرتم مراحل ))(1).
   ويقول سيف بن عمر الضبي الاسدي (ت 200 هـ) : (( وقد كان اهل مصر كاتبوا اشياعهم من اهل الكوفة ، واهل البصرة وجميع من اجابهم ان يثوروا خلاف امرائهم ... )) (2).



(1) علي بن ابي طالب لعبد الفتاح عبد المقصود :1/160 .
(2) الفتنة ووقعة الجمل :1/54.


47 تشوية حقيقة التشيع في البصرة

   وتذكر سير التاريخ ان من بين الذين حاصروا عثمان ، حكيم بن جبلة العبدي البصري . وكذلك كان موقف والي البصرة من قبل عثمان : عبد الله عامر سلبياً من قبيلة عبد القيس اذ نفى بعضهم الى الشام (1).
   اذ يقول الشيخ محب الدين الخطيب (2): تخلف الاشتر وحكيم بن جبلة [ في المدينة ] بحجة الحج ثم تدبير الكتاب وحاملة [ اي كتاب عثمان الذي ارسله الى عبد الله بن سعد بن ابي سرح والى مصر لقتل محمد بن ابي بكر ] للتذرع بهما في تجديد الفتنة ورد الثوار .
   ويضيف محب الدين الوهابي : لما قدم عبد البه بن سبا البصرة نزل على حكيم ابن جبلة واجتمع اليه فنفث سمومه ، فاخرج ابن عامر - عبد الله بن عامر بن كريز - عبد الله بن سبا من البصرة ، ورحل الى الفسطاط وجعل يكاتب اهل البصرة والكوفة .
   ويضيف : ان السبائية لما قرروا الزحف من الامثار على مدينة الرسول (ص) كان عدد من خرج منهم من البصرة كعدد من خرج من مصر ، وهم مقسمون الى اربع فرق ، والامير على احدى هذه الفرق حكيم بن جبلة ، ونزلوا في المدينة في مكان يسمى ذا خشب ، ولما حصبوا عثمان وهو يخطب على المنبر النبوي كان حكيم واحدً منهم (3).
   ويعتبر محب الدين الوهابي اتباع حكيم بن جبلة حمقى لان عبد الله بن سبأ استغل ضعف قلوبهم فدفعهم الى الفتنة والفساد والعقائد الضالة (4).



(1) المصدر السابق :1/42.
(2) محقق كتاب العواصم من القواصم لابن عربي ، والمحقق من الحجاز وهو وهابي .
(3) تاريخ الطبري :104- 106 ، عنه محب الدين : ص115 هامش .
(4) العقائد الضالة لدى هذا الوهابي هو تمسك حكيم بن جبلة واصحابه بما قاله رسول الله (ص) في غدير خم بحق علي (ع) ويوم المباهلة وفي شأن نزول اية التطهير .


48 النصرة لشيعة البصرة

   ويضيف الوهابي وصف ابن الكواء لشيعة البصرة الذين اعتبروا بأنهم كانوا من اهل الفتنة مع الثوار الذين خرجوا على عثمان وكان هذا الوصف من ابن الكواء لمعاوية :
    (( اما الاحداث من اهل البصرة فانهم يردون جميعا ويصدون شتى ))(1).
   ويضيف الوهابي :(( لما اخفق السبأيون في الوثوب على ولاتهم سنة 34 هـ في الموعد الذي وقعت فيه الفتنة عند استعداد حجاج بيت الله لقصد الحرمين الشريفين من مصر والبصرة والكوفة ، وقد نظموا انفسهم في اثنتي عشرة فرقة : اربع فرق من مصر ، واربع من البصرو ، واربع من الكوفة ، وفي كل فرقة نحو مائة وخمسين ، اي من كل بلد نحو ستمائة رجل )) (2). ويضيف الوهابي : ان حكيم بن جبلة اسرف في انشاب القتل ، ويطيل لسانه بسب ام المؤمنين ، وكان على اهل البصرة حكيم بن جبلة (3).
   ويقول الوهابي : حكيم بن جبلة امير احدى الفرق الاربع البصرية والثلاثة الآخرون : ذريح بن عباد العبدي ، وبشر بن شريح الحطم ، وابن المحرش الحنفي ورئيسهم الاعلى حرقوص بن زهير السعدي (4) .
   ويضيف الوهابي : لما انتقل علي من المدينةالى العراق ليكون على مقربة من الشام انتقل معه قتلة عثمان ولا سيما اهل البصرة والكوفة منهم ، فلما صاروا في بصرتهم وكوفتهم صاروا في معقل قوتهم وعنجهية قبائلهم (5).
   ويضيف الوهابي : ان اهل البصرة كانت لهم معركة في الزابوقة التي كانت فيها



(1) العواصم :121 عن الطبري :5/92 .
(2) المصدر السابق :123 .
(3) العواصم من القواصم : 124.
(4) المصدر السابق .
(5) المصدر السابق :146 .


49 تشوية حقيقة التشيع في البصرة

وقعة الجمل وهذه المعركو قبل المعركة التي قادها حكيم بن جبلة لان الوهابي يقول اما مصرع حكيم بن جبلة فكان بعد المعارك الاولى التي انتهت لغلبة اصحاب الجمل واستيلائهم على الحكم في البصرة ، فتمرد حكيم بن جبلة على هذه الحالة الجيدة وقاتل مع ثلاثمائة من اعوانه حتى قتل (1).
   ويقول ابن العربي : لما وصلوا - اصحاب الجمل - الى البصرة تلقاهم الناس باعلى المربد مجتمعين ، حتى لو رُمي حجر ما وقع الا على راس انسان ، فتكلم طلحة [ وتكلم الزبير ] وتكلمت عائشة ، [ وكان اصحاب الجمل في ميمنة المربد ، وعثمان بن حنيف ومن معه في ميسرته ] (2). وكثر اللفظ (3) وطلحة يقول :(( انصتوا )) فجعلوا يركبونه ولا يتصنتون ، فقال :(( اف فراش نار ، وذباب طمع )) ، وانقلبوا على غير بيان(4)
   اقول : هناك حلقة وصل شيعية بين مصر والبصرة والكوفة اذ يعتبر الناصبون العداء لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) ان هذه الحلقة هي من اعمال عبد الله ابن سبأ الذي ترفض شيعة علي (ع) وجود مثل هذه الشخصية المفتعلة وقد صنفت شيعة علي (ع) كتباً في تفنيد هذه الشخصية ، اذن الحقد على هذه الولايات الثلاث ناشىء عن ولائها لعلي (ع) وليس اكثر .
   فيقول محب الدين الوهابي : كان السبأيون في مصر يكاتبون اشياعهم في الكوفة والبصرة بأن يثوروا على أمرائهم (5).



(1) المصدر السابق :153.
(2) حاشية العواصم وهو قول الوهابي محب الدين :ص154 .
(3) لان الذين في الميسرة كانوا يقولون تعليقا على خطبتي طلحة والزبير : فجرا ، وغدرا، وقالا الباطل ، وامرا به ، قد بايعا ثم جاءا يقولان ما يقولان .
(4) العواصم :154.
(5) هامش العواصم من القواصم :116 .


50 النصرة لشيعة البصرة

   ويضيف الوهابي : تمكن اصحاب الجمل من قتل البصريين من قتلة عثمان الا واحدا من بني سعد بن زيد مناة بن تميم حمته قبيله (1)
   والدليل الاخر على ان البصرة ليست عثمانية انظر ما قالتة عائشة في كتابها لاهل الكوفة :
   انّا قدمنا البصرة فدعوناهم الى اقامة كتاب الله باقامة حدوده فأجابنا الصالحون الى ذلك ، واستقبلنا من لا خير فيه بالسلاح ، وقالوا : لنتبعنكم عثمان ، ليزيدوا الحدود تعطيلاً ، فعاندوا فشهدوا علينا بالكفر وقالوا لنا المنكر .
   أما قول الكاتب : (( بان البصرة كانت اموية احياناً))
   اقول : يجب على الكاتب ان يقول كانت الكوفة اموية لانها رفضت قتال معاوية يوم صفين ، بينما خرجت البصرة لقتال معاوية ولم تتردد لحظة ، الم يكن معاوية اموياً فكيف استنتج الكاتب ذلك ، وموقف شيعة البصرة من الامويين يظهره الاحنف بن قيس ، وجارية بن قدامة:
   اما موقف الاحنف بن قيس من معاوية ، وابنه يزيد عليه لعنة الله والناس اجمعين ، حينما اجتمع معاوية بالاحنف بن قيس وكان الزعيم الاول الذي ترجع اليه قبيلة تميم في جميع مشاكلها ولا تعصي له امراًَ ، وعرض عليه معاوية ولاية العهد ليزيد من بعده رد عليه الاحنف قائلاً :
   لقد علمت يا معاوية بانك لم تفتح العراق عنوة ولم تظهر عليها تعصباً ولكنك اعطيت الحسن بن علي من العهود والمواثيق ما قد علمت ليكون له ألامر من بعدك فان تف فانت اهل الوفاء وان تغدر فانت تعلم انو وراء الحسن خيولاً جياداً واذرعاً شداداً وسيوفاً حداداً وان السيوف التي قابلناك بها لفي اغمادها والقلوب التي ابغضناك بها لفي صدورنا ، وان تدن من الحرب فتراً ندن منها شبراً ، وان تمش



(1)هامش العواصم من القواصم : ص118 .

51 تشوية حقيقة التشيع في البصرة

لها نهرول اليها ، وان تضمر له شبراً من غدر تجد وراءه باعاً من نصر ، ثم قام من مجلسه وخرج .
   وتضيف الرواية ان اختاً لمعاوية كانت من وراء الستار تسمع ما جرى بين الاحنف واخيها ، فقالت : من هذا الذي يهدد ويتوعد ؟ قال : هذا الذي اذا غضب غضب لغضبه مائة الف من تميم ولا يسألون لماذا غضب (1).


    اما موقف جارية بن قدامة مع معاوية :

    قال معاوية لجارية بن قدامة : ما كان اهونك على اهلك اذ سموك جارية ! قال : ما كان اهونك على اهلك اذ سموك معاوية ! وهي الانثى من الكلاب . قال : لا ام لك ! قال : امي ولدتني للسيوف التي لقيناك بها في ايدينا . قال : انك لتهددني . قال : انك لم تفتحنا قسرا ولم تملكنا عنوة ، ولكنك اعطيتنا عهداً وميثاقاً واعطيناك سمعا وطاعة ؟ فان وفيت لنا وفينا لك ، وان فزعت الى غير ذلك فانا تركنا وراءنا رجالاً شداداُ والسنة مداداً .
   وفد جارية بن قدامة على معاوية ، فقال له معاوية : انت الساعي مع علي بن ابي طالب والموقد النار في شعلك تجوس قرى عربية تسفك دماءهم ؟ قال جارية : يا معاوية ! دع عنك علياً فما ابغضنا علياً منذ احببناه ولا غششناه منذ صحبناه .
   وقد بينت الحقائق التي اخفتها الاقلام المأجورة الأموية ، والعثمانية والتي اعتبرت البصرة اموية احياناً ، وعثمانية احياناً اخرى بقياساتها الباطلة فهل يمكننا القول الآن بأن العراق عمري او عثماني والنسبة الشيعية فيه من 65-70 % ، فقط نظروا الى الولاة الذين حكموا البصرة وان لم يُدن اهل البصرة بمذهبهم ؟ وهل يمكننا القول بان الكوفة اشعرية عندما عزل اهل الكوفة سعيد بن العاص الأموي



(1)الامامة والسياسة: 1/175 .

52 تشوية حقيقة التشيع في البصرة

ونصبوا أبا موسى الأشعري مكانه واقره عثمان عليها فهل انهم اشاعرة وكان بينهم عبد الله بن مسعود الموالي للامام علي (ع) مالكم كيف تحكمون ؟ ولو كانت البصرة اموية لما قام عبيد الله بن زياد والي البصرة من قبل الامويين ببناء اربعة مساجد بالبصرة تقوم على بغض علي بن ابي طالب ، والوقيعة فيه : مسجد بني عديّ ، ومسجد بني مجاشع (1)، ومسجد كان في العلافين على فُرضة البصرة ، ومسجد في الأزد (2)

      دور البصرة في وقعة الجمل :

    وبعد ان اصبحت الخلافة للامام علي (ع) ، راح الامويين ، وطلحة والزبير يأتمرون بمن حملته الثورة الاجتماعية الى الخلافة ويكيدون له ويبذلون المال في التأليب عليه، يعاونهم في ذلك عمال عثمان امثال : عبد الله بن عامر ، الذين عزلهم الامام علي (ع) فاتخذوا مكة مقراً لهم وقد حملوا اليها ما تحت ايديهم من مال وسلاح ، وكانت عائشة بنت ابي بكر زوجح الرسول ، الباعث النشيط على الصراع الرهيب الذي بدا يوم استخلف الامام علي (ع) ، ولم ينته في قرون طوال !
    واليك كيف تلقت عائشة خبر استخلاف الامام علي (ع) : لقيها رجل من اخوالها من بني ليث يقال له عبيد بن ابي سلمة ، فسألته ، فقال لها : اجتمعوا على الامام علي بن ابي طالب ! فقال :(( ليت هذه انطبقت على هذه - تريد الارض والسماء - ان تم الامر لعلي )) وكانت اذ ذاك خارجة من مكة ، فارتدت اليها وهي تقول كلمتها : قتل والله ، عثمان مظلوماً ، والله لاطلبن بدمه ! فسألها عبيد : ولم ؟



(1) اقول : هذه القبيلة كانوا ذوي دين وفضل ، ولم تبايع طلحة والزبير عندما قدما البصرة ، ولهذا السبب جعل ابن زياد لعنه الله مسجداً في الحي الذي ينزلونه للوقيعة بالامام علي (ع)
(2) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد :4/304 .


53 دور البصرة في وقعة الجمل


فوالله ، ان اول من امال حرفة لأنت ! كنت تقولين : اقتلوا نعثلة فقد كفر ! وسارت عائشة الى مكة لا تلوي على شيء ، فلما بلغتها لقيعا طلحة فاخبرها بما كان من امر الامام علي (ع) وامره مع الناس قائلا : ((بايعوا علياً ثم اتوني فاكرهوني حتى بايعت )) . فقالت :((وما لعلي يستوي على رقابنا ؟ لا ادخل المدينة ولعلي فيها سلطان !)) وهناك جعلت تثيرها فتنة طاغية على ابن ابي طالب (ع) ، وتحرض الناس على قتله ثأراً لعثمان .
   والذي يتابع سيرة عائشة في هذه المرحلة يدرك اي كره هو ذاك الذي كانت تضمره للامام علي (ع) ، ولكي ينجلي موقفها اكثر لا بد من الاشارة الى اسباب ما تحمل في نفسها من الامام علي (ع) .
   ان كره عائشة للامام علي (ع) قديم يعود تاريخه الى اليوم الذي دخلت فيه بيت الرسول (ص) على ما يذكر اكثر المؤرخين ، ومن اسباب كرهها للامام علي (ع) منذ تلك الساعة انه زوج فاطمة ، وفاطمة بنت خديجة التي شغلت وجدان النبي (ص) بنبلها وسمو اخلاقها ، شغلت وجدانه في حياتها ، وبعد وفاتها .
   ومن اسباب كره عائشة الشديد للامام علي (ع) ايضاً ما يعود الى موقفه منها يوم كانت قصة الافك واشار على الرسول بطلاقها (1)، ثم انها كانت ترغب في ان تؤول الخلافة الة طلحة بعد مقتل عثمان .
   وجمعت عائشة الجموع لدى وصولها الى مكة ، واشتد ساعد الأمويين وطلحة والزبير ومن والاهم بهذا الموقف العدائي الصريح الذي تقفة عائشة من الامام علي (ع) وخلافته ، فاصبحوا كتله واحدة في الخروج على الامام علي بن ابي طالب ، ورفع راسه كل من كان قد استتر من بني امية في الحجاز وغيره ، واستغلوا خروج المثلث القرشي -طلحة و الزبير وعائشة - النافذ على الخليفة الجديد ،



(1)تاريخ المدينة المنورة لابن شبة :1/322.

54 النصرة لشيعة البصرة

فضموا اصواتهم الى صوته ، وبذلوا الاموال التي كانوا قد نهبوها من الامصار والولايات تاييداً للمعارضة وافساداً لامر الامام علي (ع) ، واقبلوا من كلّ حدب وصوب الى مكّة يعينون عائشة في اثارة الجماهير ويحتجون في ذلك بدم عثمان .
   وتم لعائشة جيش في مكة عدته بضعة ألاف (1)، واختلف رؤساء القوم في طريق الزحف وكبق يتجهون اول الأمر ، ومن تتبع اخبار زعماء المعارضة في هذه المرحلة ، وتقصي ما يريد كل منهم بهذا الزحف الذي يتشاورون فيه ، ادرك انّ هؤلاء لم يجتمعوا للمطابة بدم عثمان كما يزعمون ، ولا لاصلاح الأمر الذي لم ينهض الامام علي (ع) لاصلاحه كما يدّعون ، ولا لشيء يتظاهرون به وبه يخطبون الناس ويؤلبون الجماهير ، بل اجتمعوا وكل منهم ينظر الى الأمر من جهته الخاصة ، يريد انتقاماً لأمل ضائع في الخلافة ، او لرأى شخصي يراه في الإمام علي (ع) او لمجد عائلي يراه قد انهار ولا سبيل الى استعادته والامام علي (ع) هو الخليفة .
   اما عائشة ، فقد كان هواها في ان يتجهوا توّاً الى المدينة عاصمة الخلافة لتقويض خلافة الإمام علي (ع) قبل ان يتمكن من تعبئة جيش يقابل به جيش مكّة ، واعترض بعضهم قائلاً : بل نقصد الشام ، فاندفع بنو أمية صفاً واحداً في اسقاط هذا الرأي ، ذلك لأن الأمويين جميعاً ينزعون عن راي واحد هو ابعاد الخطر عو الولايات التي تثبت بها اقدامهم ، فهم يعلمون ان الأمر مستتب لمعاوية في الشام لذلك يسعون في ألا يجعلوا ارض الشام موطئاً لسنابك الخيل ، وفي ان يبقوا عليها موئلاً لهم اذا هم انهزموا امام الامام علي (ع) في المعركة المقبولة ، ومعاوية على كل حال ، يضع الحجر الاساس للملك الاموي ، فلماذا يعرقلون مسعاه ، ولماذا لايشغلون علياً (ع) وخصومه من اهل الحجاز والعراق بمواقع



(1)عليّ وعصره لجورج جرداق: 4/202 .

55 دور البصرة في وقعة الجمل

دامية تبعد عن جنان دمشق ودسائس ابن ابي سفيان ؟
   اما طلحة والزبير فقد كان هواهما في ترك المدينة والشام والاتجاه الى البصرة وحجتهما في هذا المذهب ان لهما في البصرة وشقيقتها الكوفة انصاراً واعواناً ، فهما اصلح الامصار ، وهما بهذا التوجيه ، يصدران عن حقيقة موقفهما من الموقعة التي يتهيأون لها ، ومن نتائجها البعيدة فيما اذا تم لهما النصر ، فان المعارضة ان انتصرت على ايدي اهل البصرة او الكوفة آل الأمر الى احدهما لا شك ، الى الذي يكثر في هذا النصر او ذاك اعوانه ومريدوه .
   ووافق هذا الرأي هوى الأمويين ، فأيدوه وجاؤوا جميعاً يعرضون الامر على عائشة قائلين :(( يا ام المؤمنين ، دعي المدينة فان من معنا لا يقرنون لتلك الغوغاء التي بها ، واشخصي معنا الى البصرة فانا نأتي بلداً مضيعاً ، وسيحتجون علينا فيه ببيعة علي بن ابي طالب (ع) فتنهضنهم كما نهضت اهل مكة ثم تقعدين ، فان اصلح الله الامر كان الذي تريدين ، والا احتسبنا ودفعنا عن هذا الامر بجهدنا حتى يقضي الله ما اراد ! )) .
  وبذل بنو امية المال بسخاء لهذا الخروج ، ونادى المنادي يقول : (( ان ام المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون الى البصرة ، فمن كان يريد اعزاز الاسلام وقتال المحلين والطلب بثأر عثمان ولم يكن عنده مركب ولم يكن له جهاز ، فهذا جهاز وهذه نفقة ! ))
   وسارت الجموع تحت لواء عائشة في اتجاه البصرة .
   وبلغ الامام علياً (ع) ان جيشاً كثيفاً قد تحرك من مكة الى البصرة للطلب بدم عثمان ، فآلمه ان تكون الكلمة قد اشرفت على التفرق ، وآلمه ان يكون في هذا التفرق ما يعوق حركة الاصلاح عن ان تستمر وتسير الى غاياتها ، فان في خروج اهل مكة على الامام علي (ع) لايثاراً للفوضى وايذاناً بحركة عصيان واسعة النطاق قد يلجأ اليها العمال المتمردون في بعض الامصار أسوة بمعاوية ، وهو ما


56 النصرة لشيعة البصرة

بلغة الخبر حتى جمع اهل المدينة فخطبهم قائلاً :
   (( ان الله عز وجل ، جعل لظالم هذه الامة العفو والمغفرة ، وجعل لمن لزم الامر واستقام الفوز والنجاة ، فمن لم يسعه الحق اخذ بالباطل ، الا وان طلحة والزبير وام المؤمنين قد تمالؤوا على سخط امارتي ودعوا الناس الى الاصلاح ، وساصبر ما اخف على جماعتكم ، واكف ان كفوا ، واقتصر على ما بلغني عنهم ! )) .
   وشاء ان يقضي على الفتنة قبل ان يستفحل خطرها فرأى ان الحؤول دون وصول المكّيين الى المدينة اجدى في قمع الفتنة وحقن الدماء ، فاستخلف على المدينة سهل بن حنيف وخرج في اتجاه مكّة بجيشة الذي كان قد اعده لغزو الشام ، ولحق به قوم كثير من اهل البصرة والكوفة ، فلما بلغ بجيشة قفر الربذة ، اخبر ان جنود المثلث القرشي قد غادروا مكّة وفاتوا المكان الذي هو فيه ، وان هدفهم انما كان البصرة ، فاقام قليلاً حيث هو يحكم أمره ويسعى في اصلاح ما فسد من رغبات القوم ، وبعث الى عائشة يقول :
   (( اما بعد فانك خرجت من بيتك عاصية لله ولرسوله ، وتطلبين امراً كان عنك موضوعاً ثم تزعمين انك تريدين الاصلاح بين الناس ؟ فخبريني : ما للنساء وقعود العساكر ؟ وزعمت انك طالبة لدم عثمان ، وعثمان رجل من بني امية ، وانت امراة من بني تميم بن مرة ! ولعمري ان الذي عرضك للبلاء وحملك على المعصية لاعظم اليك ذنباً من قتله عثمان ، وما غضبت حتى اغضبت ، وما هجت حتى هيجت ، فاتقي الله يا عائشة وارجعي الى منزلك واسلبي عليك سترك ، والسلام !))
   غير ان عائشة لم تلتفت الى هذه النصيحة بل مضت في ما هي ماضية فيه وبعثت اليه بهذه الكلمة الموجزة التي حددت بها موقفها منه واعلنت عن عدائها الشخصي للامام علي (ع) وكانت القول الفصل في الحرب والسلم : (( يا ابن ابي طالب ، جل الأمر عن العتاب ، ولن ندخل في طاعتك ابداً ، فاقض


57 دور البصرة في واقعة الجمل

ما انت قاض ، والسلام ! )) وجاء مثل هذا القول من طلحة والزبير !
   ولما كان جيش عائشة على مقربة من البصرة تشاور قادة الرأي في أمر دخول المدينة ، فهم مدركون ان في البصرة انصاراً لابن ابي طالب (ع) غير قليل ، فمن الحكمة ان يتشاوروا في أمرهم ويراسلوهم ليقفوا منهم على مبلغ طاعتهم للامام علي (ع) واجمعوا الراي على ان يؤلبوا رؤوس اهل البصرة على الامام علي (ع) قبل ان يدخلوها ، فكتب طلحة والزبير الى القاضي كعب بن سرور :
   (( اما بعد ، فانك قاضي عمر بن الخطاب وشيخ اهل البصرة وسيد اهل اليمن، وقد كنت غضبت لعثمان من الاذى ، فاغضب له من القتل والسلام )) .
    فأجبهما قائلاً :(( فأن يك عثمان قتل ظالماً فما لكما وله ؟ وان قتل مظلوماً فغيركما اولى به ! وان كان اشكل على من شهده فهو على من غاب عنه اشكل ! )) .
   وكتبا معاً الى المنذر بن الجارود :(( اما بعد ، فان اباك كان رئيساً في الجاهلية وسيداً في الاسلام ، وانك من ابيك بمنزلة المصلي من السابق : يقال كاد او لحق وقد قتل عثمان من انت خير منه ، وغضب له من هو خير منك والسلام ! ))
   فأجابهما يقول :(( اما بعد : فانّه لم يلحقني باهل الخير الا ان اكون خيراً من اهل الشر ، وانما اوجب حق عثمان اليوم حقه امس ، وقد كان بين اظهركم فخذلتموه فمتى استنبطتم هذا العلم وبدا لكم هذا الرأي !)) .
   وكتبت عائشة الى زيد ين صوحان وهو من اهل الكوفة : (( من عائشة بنت ابي بكر ام المؤمنين حبيبة رسول الله الى ابنها الخالص زيد بن صوحان ! اما بعد ، فاذا اتاك كتابي هذا فاقدم فانصرنا على امرنا هذا ، فان لم تفعل فخذل الناس عن علي ! )) .
   فكتب اليها يقول :(( من زيد بن صوحان الى عائشة بنت ابي بكر حبيبة رسول الله اما بعد ، فأنا ابنك الخالص ان اعتزلت هذا الأمر ورجعت الى بيتك ، والا فانا اول من نابذك ! )) .


58 النصرة لشيعة البصرة

    وفي العقد الفريد ، وجمهرة رسائل العرب ، وشرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ان الجواب كان على هذه الصورة :
   (( سلام عليك ، اما بعد ، فان الله أمرك بأمر وامرنا بأمر :أمرك ان تقري في بيتك ، وأمرنا ان نقاتل الناس حتى لا تكون فتنة ، فتركت ما أمرت به وكتبت تنهيننا عما أمرنا به ! فأمرك عندي غير مطاع ، وكتابك غير مجاب ، والسلام )) ،
    اما الأمويين فلم يكونوا ليراسلوا انصارهم جهاراً كما فعل طلحة والزبير وعائشة ، بل راحوا يكاتبون سراً كل من يرجونه في ان يعين على الامام علي (ع) ويزعزع اركان خلافته ، وكان في هذه المراسلة السرية دلائل نفسية تفضح حقيقة امرهم في حكم التاريخ ، فلو انهم خرجوا على الامام علي (ع) للطلب بدم عثمان كما يزعمون ، لما وافقهم ان ينفردوا بمراسلة انصارهم سراً ، ولو انهم خرجوا على الامام علي (ع) نصرة للمثلث القرشي في خروجه على الخليفة ، لما نظروا في امورهم على حدة من حيث لا يشعر الناس ، لقد كانوا يعملون على توجيه الامر ناحيتهم وحدهم ، ويتصلون بمن يرجون على يده نصرتهم وحدهم ، فكان من ثم هذا العمل السري .
   من هذه الرسائل وهذه الاحوبة التي تبودلت بين اصحاب الجمل واهل البصرة ، وبين الموالين لاهل الجمل في بعض الامصار وغير الموالين ، يتبين لنا نظر ابناء ذلك العصر الى اسباب الفتنة الحقيقية من جهة ، والى شخصية الامام علي (ع) من جهة ثانية ، كما يتبين لنا صور من العطف الشديد يوليه ذوو النيات السليمة الى ابن ابي طالب (ع) ويحيطون به نظرة الحق وقولة الحق ! يتبين لنا كذلك امر ذو بال ، وهو ان انصار الامام علي (ع) من اهل البصرة لا يالون جهداً في ان ينصحوا لاصحاب الجمل بالكف عن الفتنة وفي ان يدعوهم لان يلزموا العافية ويتدبروا بالتي هي احسن ، فكأنهم ينزعون جميعاً عن حنان الامام وعن لسانه وقد علمهم كثيراً بالسيرة وبالقول ان الفتنة من عمل الشيطان وان السلم اولى ،


59 دور البصرة في وقعة الجمل

وكانهم يصدرون جميعاً عما يرونه حقاً في موقف الامام علي (ع) من شؤون زمانه قبل الولاية وبعدها ! فماذا ياخذ هؤلاء القوم على الامام وما استوت له قدم بعد ؟ ماذا ياخذون عليه وقد بدأوه العداء الشديد والبوا عليه الجماعات منذ اللحظة التي بلغهم فيعا نبا استخلافه ؟ ماذا ياخذون عليه وهم لا يثبتون لحجته لو انهم اخذوا المنطق دليلاً ومشيراً ؟ ماذا ياخذون عليه في مقتل عثمان وهم قاتلوه ؟
   ان هذه الاسئلة تطوف ابداً في رسائل ذوي النوايا السليمة من اهل البصرة الى اصحاب الجمل ، وهي تطوف كذلك على السنة وفود البصرة اليهم ، فان جيش عائشة ما كان ينزل بجوار البصرة ، وان رسائلها ورسائل طلحة والزبير ما كادت تتزاحم في طريقها الى البصريين ، حتى خف عاملها عثمان بن حنيف الى ابي الاسود الدؤلي ، وعمران بن حصين يراسلهما الى عائشة فينظران في ما اخرجهما على الامام علي (ع) وينصحانها بالرجوع عما هي سائرة فيه ، ثم ارسل وفوداً اخرى الى طلحة والزبير.
   غير ان المثلث القرشي لم يقل الا بمقالته الاولى ، وابوا الا دخول البصرة عنوة ، فأبى عثمان بن حنيف عليهم ذلك ، فعبّا الناس والبسهم السلاح ثم خرج على راس من اراد الخروج معه الى محلة المربد حيث كان جيش عائشة عند ذاك ، فتكلم طلحة وتكلم الزبير ، فقال من هم في صفهما :(( صدقا وبرا وقالا الحق وامرا بالحق !)) .
   فأجابهم من هم في صف ابن الاحنف :(( فجرا وغدرا وقالا الباطل وامرا به ، قد بايعا ثم جاءا يقولان ! وتراشق الفريقان بالقول ثم تحاصبوا ، فما كان من عائشة الا ان خطبت الفريقين تقول :
   (( كان الناس يتجنون على عثمان ، ويزرون على عماله ، وياتوننا بالمدينة ليستشيروننا ، فننظر في ذلك فنجده بريئاً نقياً وفياً ، ونجدهم فجرة كذبة ، يحاولون غير ما يظهرون ، فلما قووا على المكاثرة كاثروه فاقتحموا عليه داره ، واستحلوا


60 النصرة لشيعة البصرة

الدم الحرام والمال الحرام والبلد الحرام بلا عذر !))
    وقاطعها اهل البصرة بالتذمر والجلبة ، فصاحت بهم :(( اسكتوا ايها الناس )) .
    وفي هذه الخطبة تقول : (( وبايعتم علي بن ابي طالب بغير مشورة من الجماعة : ابتزازاً وغصباً !)) .
    وهكذا راحت عائشة تحرض الجموع المتحشدة على قتل الامام علي (ع) فهي ترى ان مبايعة الناس اياه (( بغير مشورة الجماعة )) ليست الا ابتزازاً وغصباً ، وان الامام علياً (ع) حسب ادعاء عائشة شرك في دم عثمان فلا بد ان يقتل ، وهو على كل حال لا يجوز له ان يدخل من جديد في اصحاب الشورى الذين اختارهم عمر ، لشركه في دم عثمان لان عائشة قالت في خطبتها :(( اجعلوا الامر شورى بين رهط الدين واختارهم امير المؤمنين عمر ، ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان )).
    وهال امرها السامعين من اهل البصرة ، فتصدى لها بالسؤال المحرج قوم كثير من اهل البصرة بينهم الاحنق بن قيس ، وبينهم جارية بن قدامة السعدي الذي اقبل عليها بعد ان انهت خطبتها قائلاً لها :
   (( يا ام المؤمنين ، والله لقتل عثمان بن عفان اهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح ! انه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وابحت حرمتك : انه من راء قتالك فانه يرى قتلك ، ان كنت اتيتنا طائعة فارجعي الى منزلك ، وان كنت مستكرهة فاستعيني بالناس ! )) .
   وتصدى كذلك قوم كثير من اهل البصرة لطلحة والزبير فأحرجوهما ، وكان حوار طويل لم ينته الا ليزيد المعارضين الثلاثة غيظاً وميلاً الى القتال !
   واحجم عن تلبية عائشة قوم كثير من اهل البصرة وغيرها . وكانت عائشة تعمل على الهاب نار الحماسة والانتقام في صدور عسكرها وكان عددهم قد بلغ ثلاثين الفا اذ ذاك ، على صورة عنيفة ، وجعلت تخاطب قواد القبائل والعشائر


61 دور معاوية في وقعة الجمل

الموالية لها واحداً واحداً ، وتمتدح شجاعتهم وبأسهم ، وتذكي في نفوسهم حب القتال حتى غدا جيشها جحيماً ناره الحماسة والاندفاع .
    وكان لواء عائشة يخفق على خطام جملها يحمله اللاحق من افراد جيشها بعد ان يقتل السابق وكلهم من قريش .
    وقال ابن ابي الحديد : كان عبد الله بن الزبير منحرفاً ومبغضاً للامام علي (ع) وكان (ع) يقول : ما زال الزبير منا اهل البيت حتى نشا ابنه عبد الله ، فأفسده .
    وعبد الله هو الذي حمل الزبير على الحرب ، وهو الذي زين لعائشة مسيرها الى البصرة ، وكان سباباً فاحشاً ، يبغض بني هاشم ، يلعن ويسب علي بن ابي طالب (1).

دور معاوية بن ابي سفيان في وقعة الجمل :

   قال ابان بن تغلب : ان اهل الجمل قتل طلحة والزبير وان معاوية كان قائماً بعينه وكان قائدهم (2).
   كتب معاوية كتابا الى الزبير ، ومروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص ، وعبد الله ابن عامر ، والوليد بن عقبة ، بعد ان اصبحت الخلافة للامام علي (ع) :
بسم الله الرحمن الرحيم

    لعبد الله الزبير امير المؤمنين ، من معاوية بن ابي سفيان ، سلام عليك
  اما بعد :
  فاني قد بايعت لك اهل الشام فاجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب ، فدونك



(1) شرح نهج البلاغة :4/293 .
(2) الكافي : 5/33 .


62 دور معاوية في وقعة الجمل

الكوفة والبصرة ؛ لا يسبقك اليها ابن ابي طالب فانه لا شيء بعد هذين المصرين ، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك ، فاظهر الطلب بدم عثمان (1)، وادعوا الناس الى ذلك ، وليكن منكما الجد والتشمير ، واظفركما الله وخذل مناوئكما !
    فلما وصل الكتاب الى الزبير ؛ سربه واعلم به طلحة واقراه اياه ، فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية ، واجمعا عند ذلك على خلاف علي (ع) (2) .
    وكان الامام علي (ع) يعلم بكتاب معاوية للزبير فيقول (ع) :
   لقد كان معاوية كتب اليهما - طلحة والزبير - من الشام كتاباً يخدعهما فيه فكتما عني وخرجا يوهمان الطّغام أنهما يطلبان بدم عثمان .
   و أمّا كتاب معاوية ال مروان بن الحكم :
   أمّا بعد ، فقد وصل إليّ كتابك بشرح خير قتل عثمان أمير المؤمنين (رض) ... اقتضهم بانشوطة فخة ، فعلى رسلك يا عبد الله تمشي الهوينى وتكون اولاً ، فاذا قرأت كتابي هذا فكن كالفهد الذي لا يصطاد الا غيلة .... وأفل الحجاز - أي أفسده - فإني منفل الشام والسلام (3).
   وكتب إلى سعيد بن العاص :
    أمّا بعد ... فإذا قرأت كتابي هذا فدب دبيب البرد في الجسد النحيف ، وسر سير النجوم تحت الغمام ، واحتشد حشد الذرة في الصيف لأنجحارها في الصرد فقد أيدتكم بأسد ويتم (4).



(1)اقول : الم يكن عثمان قد ارسل الى معاوية يستنجده عندما حاصره اهل مصر ومن كان معهم ، ولكن معاوية قد جاء وعسكر بجنده بعيداً عن المدينة يراقب الأمور عن قرب ، ولم يستجب لنداءات عثمان !؟
(2) نهج السعادة : 1/321 .
(3) جمهرة رسائل العرب :1/301.
(4) المصدر السابق :1/302 .


63 دور معاوية في وقعة الجمل

وكتب الى عبد الله بن عامر :
   اما بعد ، ... وساورا الامر مساورة الذئب الاطلس كسيرة القطيع ، ونازل الرأي ، وانصب الشرك ، وارم عن تمكن ، وضع الهناء مواضع النقب ، واجعل اكبر عدتك الحذر ، وأحد سلاحك التحريض ، واغض عن العوراء ، وسامح عن اللجوج ، واستعطف الشارد ، ولاين الاشوس ، وقو عزم المريد ، وبادر العقبة ، وازحف زحف الحية ، واسبق قبل ان تسبق ، وقم قبل ان يقام اليك ، واعلم أنك غير متروك ولا مهمل ، فأني لك ناصح أمين ، والسلام (1).
   وكتب إلى الوليد بن عقبة بن ابي معيط :
   اما بعد ، ...الا ان اخاك عثمان اصبح منك بعيداً ، فصرت بعده مزيداً ، فأطلب لنفسك ظلاً تأوي اليه فتستكن له ، فأني اراك على التراب رقوداً ... فلو قد استتب هذا الأمر لمريده الغيث كشريد النعام يفزع من ظل الطائر ، وعن قليل تستشعر الخوف ... وعن ليل يجتث اصلك والسلام (2).
   وبعد انهزام الأمويين يوم الجمل أمثال مروان بن الحكم ، واتباعه ذهبوا الى معاوية ، اذ يقول معاوية إلى عمر بن العاص:
   وقد سقط الينا مروان في جماعة قادماً من البصرة (3).
   أما كتاب طلحة والزبير وعائشة الى اهل الشام بعد أن أغاروا على بيت مال المسلمين في البصرة واستتب لهم الأمر :
   إنّا خرجنا لوضع الحرب , وإقامة كتاب الله غزّ وجلّ ... فبايعنا خيار أهل البصرة ونجباؤهم ، وخالفنا شرارهم ونزاعهم فردونا بالسلاح وقالوا فيما قالوا نأخذ أم المؤمنين رهينة(4).



(1) جمهرة رسائل العرب : 1/303.
(2) المصدر السابق :1/304 .
(3) نهج السعادة : 1/480.
(4) تاريخ الطبري : 3/20.


64 النصرة لشيعة البصرة
        من هم أهل الجمل

يقول الطبري : قال روح بن زنباع الجذامي : أما مروان بن الحكم فوالله ما كان في الإسلام صدع قط إلاّ كان مروان ممن يشعب ذلك الصدع وهو الذي قاتل عليّ بن أبي طالب يوم الجمل (1).
   وقال خليفة بن الخياط : تسمية من حفظ لنا ممن قتل يوم الجمل :
   من بني أمية ، عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد (2).
   ومن بني حبيب بن عبد شمس : عبد الرحمن بن عبد الله بن عامر .
   ومن بني عبد العزى بن عبد شمس : عليّ بن عدي بن محرز بن حارثة بن ربيعة ابن عبد العزى .
   ومن بني أسد بن عبد العزى : الزبير بن العوام ، قتله عمير بن جرموز ، وعبد الله ابن حكيم بن حزام .
   ومن بني عبد الدار بن قصي : عبد الله بن مسافع بن طلحة بن ابي صالحة .
   ومن بني عبد بن قصي : عبد الله مولى الحارث بن نقيد .
   ومن بني زهرة بن كلاب : الأسود بن عوف ، وعبد الله بن المغيرة بن الأخنس ابن شريق ، وعبد الله بن ابي عثمان بن الأخنس بن شريق ، حليفان لهم من ثقيف ، ومعبد بن المقداد بن الأسود ، حليف لهم من بهراء .
   ومن بني مخزوم بن يقظة :عبد الرحمن بن الوليد بن عبد شمس ، وعبد الله بن أبي بردة بن معبد بن وهب بن عائذ ، ومعبد بن زهير بن أبي أمية .
   ومن بني تيم بن مرة : طلحة بن عبيد الله ، وابنه محمد بن طلحة ، وعبد الرحمن ابن عبد الله بن عثمان ، وعبد الرحمن بن أبي سلمة بن الحارث .



(1)تاريخ الطبري :3/382.
(2)تاريخ خليفة بن الخياط :ص187.


65 من هم أهل الجمل

ومن بني جمح : صفوان مولى مطيع ، وعبد الرحمن بن وهب بن أسيد ، وعبد الله ابن أبي بن خلف ، وابن لعميرة بن وهب ، ومسلم بن عامر بن حميل ، ونعيم بن الصلت ، حليف لهم من كندة ، وعبد الله بن هانىء مولى عبد الله بن أبي سلمة .
   ومن بني سهم بن عمرو: ابن لقيس بن عدي .
   ومن بني عامر بن لؤي : عمرو بن عبد الله بن أبي قيس ، وأبو سفيان بن حويطب ، وأبو الأخنس ، مولى لهم .
   ومن بني الحارث بن فهر : رجل .
   ومن بني تميم : هلال بن وكيع الدارمي ، وأبو الجرباء الغيلاني.
   ومن بني غيلان بن مالك : اخوه مازن بن مالك بن عمرو بن تميم .
   قال أبو اليقظان : وقتل السجف بن سعد بن عوف العجيفي ، وفرافصة وعمار رجلان من بلهجيم ، وحنظلة بن ضرار الضبي .
   ومن قيس بن عيلان ثم بني سليم : عاصم بن قيس بن الصلت ، وابنه عمرو بن عاصم ، وشبيب بن الهيثم ، ومعوض بن أسماء بن الصلت ، ومعوض بن علاط أخو الحجاج بن علاط .
   وقتل من باهلة :كليب بن عمرو عم قتيبة بن مسلم .
   ومن اليمن : كعب بن سور اللقيطي ، وابن لصبرة بن شيمان الحداني .
   قال أبو اليقظان: وقتل من طاحية ثلاثون رجلاً دفنوا عند مسجد نافع بن خالد الطاحي .
   وقتل من الجهاضم ثلاثون رجلاً منهم : قيس بن صهبان ، وجودان بن عائذ أبو عبد الله بن جودان ، وقتل عمرو بن الأشرف وهو أبو زياد بن عمرو ، وهو آخذ بخطام الجمل قتله الحارث بن عبد الشارق الغامدي ، وقتله عمرو بن الأشرف قتل كل واحد منهما صاحبه .
   فهؤلاء الذين ذكرهم ابن الخياط من قريش ومن قبائل مكّة والمدينة .

  • تمهيد
  • نشأة البصرة
         التطور العمراني
  • فضل الاُبلة والبصرة

    فضل مسجد البصرة

    من وصف البصرة

  • دور شيعة البصرة في اللغة
          العربية وعلومها

    علم النحو

    علم اللغة

    علم العروض

  • تعريف التشيع ، معنى
         التشيع
  • نشأة التشيع في البصرة

    تشويه حقيقية التشيع في البصرة

    موقف جارية بن قدامة من معاوية

  • دور البصرة في وقعة الجمل

    دور معاوية بن أبي سفيان في وقعة الجمل

    من هم أهل الجمل

    شبهات أهل البصرة في يوم الجمل

    دور شيعة البصرة في قتال أصحاب الجمل

    دور القبائل الشيعية في البصرة يوم الجمل

    انتهاكات عائشة وطلحة والزبير لشيعة البصرة

  • دور أهل البصرة في نصرة
         الامام علي بن أبي طالب
         عليه السلام في صفين

    ولاء شيعة البصرة للامام علي بن أبي طالب عليه السلام

  • قوة العقيدة الشيعية لدى
         أهل البصرة
  • دور نساء شيعة البصرة
  • شيعية البصرة والامام
         الحسن بن علي عليه
         السلام

    موقف البصرة من الامام الحسين بن علي عليه السلام

    دور شيعية البصرة في الاخذ بثأرات الحسين عليه السلام

  • دور علماء شيعة البصرة في
          نشر التشيع والحديث في

    مكة المكرمة

    المدينة المنورة

    الكوفة

    بغداد

    بخارى

    خراسان

    كابل

    حيدر آباد

    الري

    حضر موت

    اليمن

    البحرين

  • الاحاديث الموضوعة في
         شيعة البصرة
  • الشيعة في البصرة في زمن
         الدولة العباسية
  • الحركات الشيعية التي
         ظهرت في البصرة وايدتها
         شيعة البصرة
  • الحكومات الشيعية في
         البصرة
  • شيعة البصرة والمرجعية
         الدينية
  • الحالة السياسية في البصرة
  • شيعية البصرة سياساً في
         ظل الحكم الملكي
  • شيعة البصرة في ظل الحكم
         العارفي الطائفي
  • شيعة البصرة في ظل الحكم
         البعثي
  • الاحتفال السنوي في ذكرى
         شهادة الامام علي عليه
         السلام
  • دور عشيرة بني منصور
         وعلماء شيعة البصرة في
         مقاومة الاحتلال البريطاني
         في العراق
  • أعيان الشيعة في البصرة
  • البصريون الشيعة من أصحاب
         رسول الله صلى الله عليه
         وآله والائمة عليهم السلام

    أصحاب الامام علي عليه السلام

    أصحاب الامام الحسن عليه السلام

    أصحاب الامام الحسين عليه السلام

    أصحاب الامام علي بن الحسين عليه السلام

    اصحاب الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام

    أصحاب الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

    أصحاب الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

    أصحاب الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام

    أصحاب الامام محمد بن علي الجواد عليه السلام

    اصحاب الامام علي بن محمد الهادي عليه السلام

    أصحاب الامام الحسن بن علي العسكري عليه السلام

    أصحاب الامام المهدي - عجل الله تعالى فرجه -

    الذين لم يرووا عن الائمة عليهم السلام

  • النساء
    BASRAHCITY.NET