آل ابي شوارب ودورهم في القضاء ( 234 ـ 417 هـ )

الاستاذ علي غانم جثير

بسم الله الرحمن الرحيم

  يعد القضاء من المؤسسات الادارية التي حظيت باهمية كبيرة في المجتمعات كلها على مر العصور وذلك لاهمية تحقيق العدالة بين افراد المجتمع ، ولقد لعبت اسرة آل ابي الشوارب دوراً مهماً في خدمة المؤسسة القضائية في العصر العباسي فيذكر ابن حزم ( ت 456 هــ / 1063 م ) ( أن القضاء في بغداد متردد في بني ابي عثمان بن عبد الله بن خالد بن ابي العيص بن امية من عهد المتوكل الى زماننا ، وهم بنو ابي الشوارب ) ويعزز ذلك الخطيب البغدادي ( ت 463 هـ ـ 1070 م ) عندما يذكر انه تولى ( منهم اربعة وعشرون قاضياً ، منهم ثمانية تقلدوا قضاء القضاة ) ، واسرة آل ابي الشوارب من الاسر البصرية العريقة والمشهورة حيث يمتد عمر استقرارها في البصرة الى منتصف القرن الاول الهجري ، فالعائلة قرشية تنتمي الى اسرة اموية الاصل ترجع بنسبها الى خالد بن اسيد بن ابي العيص بن امية بن عيد شمس بن قصي بن كلاب نويمكن القول بوجود مرحلتين مفصليتين في تاريخ الاسرة ، تتميز الاولى بدورهم الاداري في العصر الاموي عندما كانت السلطة سلطتهم بينما لم يكن لهم حظ كبير في الجانب العلمي ، ويشير الخطيب البغدادي الى الماضي العريق لهذه الاسرة بقوله " ولم يزل في اهل هذا البيت امارة وقيادة ورياسة ، منهم عتاب بن اسيد ولاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مكة وله سبع وعشرون سنة ، ومنهم خالد بن اسيد وهو جد ابي الشوارب " وابرز المعلومات المتعلقة بالعصر الاموي :

1 ـ ارتفاع مكانة عبد الله بن خالد بن اسيد عند تبوء عثمان بن عفان ( رض ) الخلافة ( 24 هـ / 644 م ـ 35 هـ / 655 م ) ، نظراً لصلة الدم وللمصاهرة التي تمت بينهما فمثلما تزوج عبد الله بن خالد من أم سعيد بنت عثمان بن عفان ، فان الاخير قد تزوج من احدى بنات خالد بن اسيد .
2 ـ ساند عبد الله بن خالد اصحاب الجمل في باديء الامر وخرج معهم من مكة الى البصرة عام ( 36 هـ / 656 م ) ولكنه في الطريق قرر الاعتزال وانسحب راجعاً الى مكة .
3 ـ استعمله زياد بن ابيه اثناء ولايته على العراق ( 50 هـ/ 670 م ـ 53 هـ / 672 م ) على مدينة اردشير خرة من اقليم فارس ، ويقال انه ولاه فارس بأسرها .
4 ـ زياد بن ابيه يختاره بموافقة من معاوية خليفة من بعده على الكوفة عام 53 كي شغل منصبه في حال وفاته .
5 ـ مصادقة الخليفة على هذا التعيين وبقائه في منصبه والياً للكوفة اكثر من سنة ونصف حيث عزل عام ( 55 هـ / 674 م ) .
6 ـ تشير رواية الطبري الى استقرار بنية خالد وامية في البصرة .
7 ـ رواية مصعب الزبيري تقول ان خالداً وامية كانا مع مصعب بن الزبير اثناء ولايته على البصرة ( 66 هـ / 685 م ـ 67 هـ / 686 م ) من قبل اخيه عبد الله بن الزبير ، وانه شك في ولائهما له عندما اراد المسير لمحاربة المختار بن ابي عبيد الثقفي عام ( 67 هـ / 686 م ) فأبعدهما عنه ، فتوجه خالد الى دمشق وتوثقت علاقته بعبد الملك بن مروان .
8 ـ في عام ( 69 هـ / 688 م ) اقترح خالد على عبد الملك ان يسيطر له على البصرة على ان يمده بالرجال لان مصعب بن الزبير كان قد اتخذ من مدينة الكوفة مقراً له بعد انتصاره على المختار ، الا ان جهوده في السيطرة عليها باءت بالفشل .
9 ـ ومع ذلك كرم من قبل عبد الملك في اعقاب قضائه على الفتن الداخلية في عام ( 72 هـ / 691 م ) فعين خالد بن عبد الله بن خالد والياً على البصرة في السنة نفسها ، وعين اخاه امية والياً على خراسان واخاهم عبد العزيز والياً على مكة .
10 ـ كانت لخالد واخيه عبد العزيز دور في محاربة الازارقة عام ( 72 هـ / 691 م ) ، وكذلك كانت هناك حملة فاشلة لاخيهم امية على خوارج اليمامة ( 73 هـ / 691 م ) .
11 ـ اما ابو عثمان بن عبد الله بن خالد الجد المباشر لابي الشوارب فلا نملك عنه معلومات واضحة .
12 ـ ولكن ابن حزم يقول ان لبنيه عقب بالبصرة كثيرة ، وبشكل خاص لعبد الله مكانة مرموقة في المجتمع البصري .
13 ـ تولى عبد الله بن ابي عثمان امارة البصرة فقد اصطلح اهلها عليه حين قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك وهرب القاسم بن محمد الثقفي عامل يوسف بن عمر عليها في عام ( 126 هـ / 743 م ) ، وبعد ذلك لا نعرف شيئاً عن الاسرة وخاصةً عن كل من ابي الشوارب ( محمد ) وابنه عبد الملك فهناك فجوة كبيرة في المعلومات تمتد حتى عام ( 234 هـ / 848 م ) عندما تبدأ المصادر بمطالعتنا بدور محمد بن عبد الملك بن ابي الشوارب في الوقوف الى جانب الخليفة المتوكل الذي قام في هذا العام بأبعاد المعتزلة والقضاء على نفوذهم والاستعانة بالمحدثين من اهل السنة .

   ويتبين مما تقدم اجمالاً انه لم يكن لابي الشوارب محمد او اجداده نشاط قضائي في العصر الاموي وربما يفسر ذلك بأن مكانتهم في ذلك العصر بحكم كونهم من الامويين اغنتهم عن الاهتمام بأشغال مناصب قضائية او حتى الاهتمام بدراسة الحديث النبوي والعلوم الدينية الاخرى ومع تغيير الاحوال السياسية بعد عام ( 132 هـ / 749 م ) اصبح ابو الشوارب وبنيه على هامش الاحداث فأخذت اهتماماتهم تتغير نحو دراسة العلوم الدينية والتميز فيها كنوع من التعويض وسد النقص الحاصل في مكانتهم المفقدة ثم سعوا بعد ذلك نحو تولي المناصب القضائية ولاسيما منصب قاضي القضاة في سامراء وبغداد ليكونوا على مقربة من الخلفاء العباسيين وليطلعوا كسابق عهدهم على مجريات الاحداث السياسية وربما طمح البعض منهم ان يلعب دوراً كبيراً فيها ، وهي المرحلة الثانية التي ارتكزت على اهتماماتهم العلمية حيث اهتم معضمهم بالعلوم الدينية كتفسير القرآن ورواية الحديث والتأليف قي المسائل الدينية ، وكانوا من الثقاة عند المحدثين ولعل ابرزهم كان محمد بن عبد الملك ( 244 هـ / 858 م ) الذي يعد من شيوخ الطبري الذي اخذ عنه روايات عديدة في موضوعات تاريخية متنوعة ، وابنه علي ( ت 283 هـ / 896 م ) ، وحفيده محمد بن الحسن ( ت 347 هـ ) الذي الف كتاباً بعنوان مقاليد السماء ، حتى اصبح لهم موروث علمي كانوا يتناقلونه وساهم بصورة كبيرة في ان تقدم هذه الاسرة عدد كبير من القضاة الذين كانوا يفتون على المذهب الحنفي ، وقد قدمت هذه الاسرة مايقارب احد عشر قاضيا للمؤسسة القضائية سواء في البصرة او في العاصمة على مدة الفترة الزمنية الممتدة بين عامي ( 241 ـ 417 ) ، ونظراً لمكانتهم العلمية كان الخلفاء يستدعونهم لتبوء مناصب قضائية حساسة متنوعة في بغداد كقاضي القضاة وقاضي مدينة المنصور والشرقية .

قاضي القضاة
1 ـ الحسن بن محمد ( ت 261 ) في خلافة المعتز ( 252 ـ 255 ) وخلافة المهتدي والمعتمد ( 255 ـ 261 ) .
2 ـ اخوه علي بن محمد ( ).

مدينة المنصور
 1 ـ علي بن محمد من 283 لمدة ستة اشهر حيث توفي في السنة نفسها .
 2 ـ عبد الله بن علي ( ت ) في عام 292 ـ 296 .
 3 ـ الحسن بن عبد الله بن علي ( ت 325 ) عام 316 ـ 320 من قبل المقتدر .
 4 ـ محمد بن عبد الله بن العباس عام 330 لثلاثة اشهر استخلاف من قبل الخرقي .

الجانب الشرقي
 1 ـ عبد الله بن علي عام 296 ـ 298 .
2 ـ محمد بن عبد الله بن علي 298 .

الجانب الغربي ( مدينة المنصور والشرقية )
1 ـ محمد بن الحسن بن عبد الله ( ت 347 ) في خلافة المستكفي عام 333 ـ 334 هـ.

تكريت وطريق الموصل
1 ـ علي بن محمد في خلافة المعتمد عام 262 هـ .
2 ـ عبد الله بن علي عام 296 ـ 298 .
3 ـ الحسن بن عبد الله بن علي ( ت 325 ) .

البصرة
1 ـ العباس بن محمد عام 252 ـ 255 من قبل الخليفة المعتز .
2 ـ محمد بن عبد الله بن علي 299 .
3 ـ احمد بن محمد بن عبد الله ( ت 417 ) في عام 399 ـ 417 .

مكة والمدينة
1 ـ محمد بن عبد الله بن علي ( ) .
2 ـ محمد بن الحسن بن عبد الله ( ت 347 ) في خلافة المطيع عام 334 .

طريق خراسان والمدائن والنهروانات ومايسقي الفرات
1 ـ عبد الله بن علي من 296 ـ 298 .
2 ـ محمد بن عبد الله بن علي 298 .
3 ـ الحسن بن عبد الله بن علي ( ت 325 ) .

واسط
1 ـ محمد بن عبد الله بن علي 299 ـ 301 .

اصبهان
1 ـ العباس بن محمد ( ت ) .

فارس
1 ـ الحسن بن محمد ( ت ) قبل 241 هـ لمدة قصيرة .

مصر
1 ـ محمد بن الحسن بن عبد الله ( ت 347 ) عام 321 في خلافة القاهر حتى نهاية خلافة الراضي ، ثم في خلافة المطيع عام 334 .

ملاحظات اجمالية لتقييم دورهم القضائي
 أ / غيابهم عن الساحة القضائية بين عامي 283 ـ 292 ، نظراً لقوة علاقة المعتضد بن الموفق مع آل حماد وسوء علاقته بآل ابي الشوارب .
 ب / تعاظم دورهم لاسيما بعد مشاركة آل حمالد في حركة ابن المعتز وفشله في خلع المقتدر عام 296 .
 ج / غيابهم عام 301 وزحف آل حماد عليهم بعودة اقاضي ابو عمر الازدي بدعم من الوزير علي بن عيسى الذي لم يكن على علاقة طيبة بآل ابي الشوارب .
 د / عام 320 تقلص الى حدٍ كبير دورهم القضائي في بغداد ليقتصر على مناطق اخرى تعد على الاصابع .

كفائتهم القضائية
 ان من اهم الملاحظات على تاريخ الاسرة هناك فرقاً واضحاً بين الجيل الاول منهم والذي أمتاز بالنزاهة والدور القضائي الفاعل ، ولكن بعد عام 320 نلاحط ان الذي جاءوا منهم للقضاء لم يكونوا بنفس كفاءة الرعيل الاول وبدأنا نشهد ظهور ممارسات سلبية ، فقد رفض محمد بن الحسن تولي قضاء مدينة المنصور في عهد الراضي ووسط من يبقيه على ولاية مصر طمعاً في الغنيمة ، محمد بن الحسن بن عبد الله ( ت 347 ) عزل عن القضاء في خلافة المستكفي بسبب الرشوة ، وضمان القضاء من قبل اخيه ابو العباس عام 356 .