فما من مدينة إلاّ وفيها خريج من هذه الحوزة المباركة من تلامذته ، أو من المتخرجين على يدي تلامذته ، منهم : الاِمام الخميني ، وسيد الطائفة آية اللّه الكلبايكاني ، وشيخ الفقهاء آية اللّه الاَراكي (قدس سرهم) .
  14 ـ السيد حسين البروجردي ( 1292 ـ 1380 هـ )
  هو السيد حسين بن السيد علي بن السيد أحمد بن السيد علي نقي بن السيد جواد ، أخو بحر العلوم ، ولد في بيت عريق في العلم والفضل ، وتلقّى المقدّمات في موطنه ثمّ غادر إلى إصفهان يوم كانت حوزة علمية كبيرة تكتظ بأساتذة ذوي اختصاص في المعقـول والمنقـول عام 1309 هـ ، فبقي فيها إلى سنة 1318 هـ ثمّ غادرها متوجّهاً إلى النجف الاَشرف ، فحضر بحث المحقّق الخراساني ما يقرب من عشر سنين .
  وقد شهد له أُستاذه بالعلم والفقاهة ، فلمّا هبط سيدنا المترجم موطنه ، عكف على دراسة الفقه و الاَُصول والرجال وغيرها بعيداً عن الاَجواء المتوترة ، فصار ذا منهج في استنباط الاَحكام وعلم الرجال ، ذا أفكار رائعة في المسائل الاَُصولية ، قام ( قدس سره ) بتدوين الرجال على حسب الطبقـات ، فهو أوّل من أحيا ذلك المنهج بعد صاحب ( جامع الرواة ) وإن كان هناك فرق بينهما في الاِحاطة وكيفية العرض ، وفي مستهل سنة 1364 هـ غادر مسقط رأسه إلى قم بعد فترة قصيرة قضاها في طهران لتدهور حالته الصحية ، فاستقبله العلماء بحفاوة بالغة ، فعادت روح جديدة في عروق الحوزة ، وتجسّدت الآمال الكبيرة في شخصه وشخصيته وزعامته .
  قام السيد بإلقاء الدروس ورعاية الحوزة إلى أن هزّ البلاد الاِسلامية نبأ وفاة زعيم الشيعة آية اللّه العظمى السيد أبو الحسن الاِصفهاني ، في الثامن من ذي الحجـة الحـرام من شهـور عام 1365 هـ (رضـوان اللّه عليه) ومنذ ذلك

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 452 ـ
  الحين استقطب أنظار الشيعة في كل أرجاء المعمورة ، وتجسدت فيه الزعامة الدينية للشيعة الاِمامية .
  وكان ذا ولع خاص بإلقاء الدروس والمحاضرات ، وتربية الفقهاء بالرغم من قيامه بأعباء الزعامة .
  وتعبّر محاضراته الفقهية عن نتاج أفكاره ، فتطرق في غير واحد من أبواب الفقه ، كالاِجازة ، والوصية ، والصلاة ، والخمس ، والطهارة ، وغير ذلك .
  وأمّا أُصول الفقه فقد جعل محور دراستها كتاب ( كفاية الاَُصول ) لاَُستاذه المحقّق الخراساني ، فألقى محاضرات في معظم مباحث الاَلفاظ ، ثمّ في المباحث العقلية ، فأكمل البحث في القطع والظن والبراءة ، وشيئاً من مباحث الاشتغال ، حتى عاقته أُمور الزعامة عن مواصلتها .
  كان السيد البروجردي آية في جل العلوم الاِسلامية ، فما منعه سبر الغور في الفقه وأُصوله ، عن دراسة المعقول والكلام والتاريخ والرجال ، وكان هو الدافع الرئيسي لانكباب الفضلاء وعلماء الحوزة على محاضراته ، مع أنّهم كانوا في الرعيل الاَوّل من الاَساتذة .
  15 ـ السيد الاِمام روح اللّه الموسوي الخميني
  (رحمه الله) ( 1320 ـ 1409 هـ )
  هو السيد روح اللّه بن السيد مصطفى ، الزعيم الاَكبر ، والاِمام الاَعظم ، أحد الشخصيات القلائل التي يضنّ بهم الدهر إلاّ في فترات يسيرة .
  والكلام عنه وخدماته الجليلة وآثاره ومعطياته للاَُمّة خاصة رهن مقال مسهب بل كتاب مفرد .
  تلقى المقدّمات في موطنه ( خمين ) ثمّ انتقل إلى أراك عام 1339 هـ يوم كان شيخه المحقّق الحائري زعيماً لحوزة أراك ، ولمّا انتقل الاَُستاذ إلى مدينة قم

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 453 ـ
  غادرها الاِمام الخميني إلى قم ، فأقام فيها قرابة 43 سنة أي إلى عام 1383 هـ ، فحضر دروس أُستاذه الحائري في الفقه و الاَُصول ، كما حضر دروس الشيخ محمد علي الشاه آبادي في المعقول والعرفان ، ولم يقتصر نشاطه العلمي على هذين الاَُستاذين بل أخذ عن غيرهما وإن كان أكثر استفادته منهما .
  ولمّا لبّى المحقّق الحائري نداء ربّه عام 1355 هـ استقل بالتدريس في كلا المجالين المعقول والمنقول ، وربّى جيلاً كبيراً في هذه البرهة ، ولمّا حلّ السيد البروجردي بمدينة قم وأضفى على الحوزة نشاطاً علمياً خاصاً ، حضر سيدنا الاِمام الخميني أندية دروسه حضوراً فعالاً للاستفادة من منهل علمه ورحيق فكره ، وقد كتب من دروس السيد البروجردي شيئاً كثيراً ، فكتب محاضراته في علم الاَُصول من أوّله إلى حجّية الظن ، وفي الوقت نفسه كان يلقي محاضرات في الفقه وأُصوله ، وكانت له حوزة فقهية كبيرة تضم عدداً كبيراً من الفضلاء .
  ترك سيدنا الاِمام الخميني ثروة فقهية كبيرة نشير إلى بعضها :
  1 ـ ( المكاسب ) في خمسة أجزاء تبحث عن : المكاسب المحرّمة ، وأحكام البيع ، والخيارات ، وهي من جلائل آثاره تتمتع بقوة التعبير ، وعمق الفكر .
  2 ـ ( تحرير الوسيلة ) ، والاَصل للسيد الاصفهاني وقد أكملها السيد الاِمام الخميني بتحرير جديد ، وصارت رسالة عملية له ، وهي تكشف عن إحاطته بالفروع ، وقوة عارضه في إرجاعها إلى الاَُصول .
  3 ـ ( دورات أُصولية ) ألقاها في حوزة قم دورة بعد دورة ، أوسطها ما حررناها ونشرناها تحت عنوان : ( تهذيب الاَُصول ) في جزءين ، وقد أشرف على عامة ما حررته ، فصحّح ما طغى عليه الفكر أو زاغ عنه البصر .
  4 ـ وللسيد الاِمام الخميني رسائل فقهية وأُصولية أُخرى مذكورة في ترجمته .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 454 ـ
  وله (قدس سره) وراء ما ألّفه في الفقه والاَُصول تآليف أُخرى في الفلسفة والعرفان والاَخلاق وذبِّ الشبهات عن حياض الاِسلام ، فقد كان لكتابه ( كشف الاَسرار ) صدى واسع في المحافل العلمية والشعبية ، ألّفه رداًعلى بعض الشبهات المطروحة حول الاِسلام والتشيّع .
  كما انّ لكتابه ( مصباح الهداية إلى الخلافةوالولاية ) مكانة عالية في سماء العرفان قلَّ نظيره .
  وقد قام السيد الاِمام بقيادة الثورة الاِسلامية بعد الاِطاحة بنظام الشاه ما يربو على 11 سنة ألقى خلالها العديد من المحاضرات السياسية والاجتماعية والاَخلاقية وقد طبع الجميع باسم ( صحيفة النور ) في أزيد من عشرين جزءاً .
  إنّ شخصية الاِمام الخميني شخصية لامعة أثبت بثورته انّ الاِسلام دين للماضي والحاضر والمستقبل ، وانّه ليس للاِنسان المتحضر بدٌّ إلاّ التمسك بأهداب ذلك الدين القيم .
  وظل الاِمام قائماً بأعباء الزعامة الدينية والسياسية إلى أن وافاه الاَجل في 29 من شهر شوال المكرم عام 1409 هـ ، وقد شُيع جثمانه الطاهر تشييعاً جماهيرياً حاشداً قلّما شهد التاريخ مثله .
  وأنا شخصياً أرفع أسمى آيات الاعتذار إلى سماحة أُستاذي الكبير الاِمام الخميني (قدس سره) فإنّ ما ذكرته هنا ليست ترجمة لحياته أو إشارة إلى جانب من خدماته ، فإنّ هذا رهن كتاب مفرد ، وقد قمت بترجمته في مقال مسهب نشر في مجلة ( مكتب إسلام ) أيام رحيله قد استوفيت فيه بعض الحقّ .
  فَسَلام اللّه عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيّاً .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 455 ـ
  16 ـ السيد أبو القاسم الخوئي ( 1317 ـ 1413 هـ )
  هو السيد الفقيه الكبير ، والاَُصولي البارع ، السيد أبو القاسم بن السيد علي أكبر الخوئي ، ولد في مدينة ( خوي ) إحدى مدن إيران ، وانتقل مع والده إلى النجف الاَشرف عام 1330 هـ ، فقرأ المقدّمات والسطوح العالية عند أساتذة الفن حتى حضر بحث الشيخ المحقّق شيخ الشريعة الاِصفهاني عام 1338 هـ ، ولمّا التحق شيخ الشريعة بالرفيق الاَعلى عام 1339هـ اختص بشيخيه الجليلين :
  أ ـ الشيخ محمد حسين النائيني ( المتوفّى 1355 هـ ) .
  ب ـ الشيخ محمد حسين الاِصفهاني ( المتوفّى 1361 هـ ) .
  فقد عكف على دروسهما ، وكتب شيئاً كثيراً منها ، حتى أصبح أُستاذاً بارزاً يشار إليه بالبنان في الفقه والاَُصول ، واكتظت دروسه برواد العلم والمعرفة ، وأصبح مرجعاًعلمياً ، وزعيماً دينياً للطائفة الشيعية بعد رحيل السيد محسن الحكيم ( قدس سره ) .
  إنّ السيد الخوئي كان صاحب مدرسة في الفقه و الاَُصول ، وقد انتشرت عنه تقريرات ومحاضرات كثيرة لم ينتشر عن أحد قبله ، وهذا يعرب عن أنّه كان أُستاذاً مربياً للجيل ، حنوناً ، وعطوفاً على التلاميذ ، يرعاهم ويرشدهم إلى معالم العلم ، ويذاكرهم ، ولا يمل ، ويباحثهم ولا يكل .
  أمّا ما انتشر بقلمه ، فهو عبارة عن الكتب التالية :
  1 ـ ( أجود التقريرات ) في جزءين ، تقريراً لمحاضرات أُستاذه المحقّق النائيني .
  2 ـ رسالة في ( اللباس المشكوك ) نشر عام 1361 ، وهي مفعمة بالتحقيق .
  3 ـ ( البيان في تفسير القرآن ) وهو أحد المصادر لمن يكتب عن علوم القرآن .
  4 ـ معجم رجال الحديث في 23 جزءاً وهو من حسنات الدهر .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 456 ـ
  وأمّا ما انتشر بقلم تلامذته فحدث عنها ولا حرج ، فقد انتشر منها :
  أ ـ ( التنقيح ) في سبعة أجزاء ، لتلميذه المحقّق ميرزا علي الغروي التبريزي دام ظلّه .
  ب ـ ( مستند العروة ) وهو شرح استدلالي على العروة الوثقى .
  وأمّا ما انتشر عنه في الاَُصول فكثير كـ ( مصباح الاَُصول ) ، ( المحاضرات ) في خمسة أجزاء ، وغيرها .
  توفي (رحمه الله) عام 1413 هـ في مدينة النجف الاَشرف .
  يعد السيد الخوئي أحد الاَعلام الكبار الذين يقف القلم عند تحليل شخصيتهم ، ولنقتصر بما ذكره تلميذه الطائر الصيت الشيخ محمد جواد مغنية حيث يقول :
  السيد الخوئي : عالم لم يقف عند جهة واحدة من جهات العلم والفكر ، بل أتقن منها ما أتقن ، وألمّ بما ألمّ ، وأحاط وتعمّق في أشرفها وأعظمها حتى أصبح علماً من أعلامها الاَمثلين ، ورائداً من روّادها المقلدين ، فقد لبث زمناً يدنو من السبعين يتعلم ويعلم ويوَلّف ويخرج العلماء ويناقش الجدد منهم والقدماء .
  أمّا أُسلوبه في الجدال والنقاش ، فهو أُسلوب سقراط يتجاهل ويتظاهر بتسليم قول الطرف المقابل ثمّ يعرض عليه الشكوك والتساوَلات ، ويتصنّع الاستفادة والاسترشاد ، وشأن الطالب والتلميذ ، حتى إذا أجاب المسكين ببراءة وسذاجة انقض عليه ، وانتقل به إلى حقائق تلزم أقواله ، ولا يستطيع التخلص منها ، ويوقعه في التناقض من حيث لا يشعر ، ويحمله قهراً على الاعتراف بالخطأ والجهل .
  أمّا الّذين تخرّجوا عليه فلا يعلم عددهم إلاّ اللّه وحده ، ولكنّي على علم اليقين انّهم يعدون بالمئات وانّهم يملاَون جامعة كبرى ومازالوا على ازدياد ،

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 457 ـ
  والآن تنضوي المئات تحت منبره ، وفيهم الشيوخ والشباب والاَساتذة والطلاب والكثير منهم يهضم أفكاره وآراءه بل ويلتهمها بشوق . (1)   17 ـ السيد محمد رضا الكلبايكاني ( 1316 ـ 1414 هـ )
  هو السيد محمد رضا بن السيد محمد الكلبايكاني ، أحد أكابر تلامذة الشيخ عبد الكريم الحائري موَسس الحوزة العلمية وأحد المراجع الكبار في عصره ، قرأ المقدمات في موطنه ، ثمّانتقل إلى مدينة ( أراك ) عام 1336 هـ وهو في نهاية العقد الثاني من عمره ، وحضر هناك دروس الشيخ الحائري والشيخ محمد تقي الگوگدي ، ولما غادر شيخنا الموَسس إلى مدينة قم المقدسة وحط الرحال فيها ، التحق به سيدنا المترجم مستفيضاً من دروس أُستاذه الكبير ، إلى أن قضى شيخنا الحائري نحبه ، فاستقل سيدنا بالتدريس والتأليف .
  ولما نزل السيد البروجردي في مدينة قم بدعوة من علمائها لا سيما سيدنا المترجم ، أخذ السيّد يتردد إلى اندية دروسه فقهاً وأُصولاً مدّة مديدة ولمّا وافى السيد البروجردي الاَجل ، عُيّن للمرجعيّة وزعامة الحوزة الدينية وتربية الاَفاضل والمجتهدين ، وقد تزامنت مرجعيته مع ظهور النهضة الاِسلامية الكبرى فساهم فيها مع أُستاذنا الكبير الاِمام الخميني (قدس سره) مساهمة فعالة بغية ارساء قواعدها ، وقد تحمل في هذا السبيل الكثير من الصعاب والمشاق من قبل السلطات الغاشمة .
  ولسيدنا المترجم مصنفات ومشاريع خيرية كثيرة ، منها :
  1 ـ كتاب الحج ، 2 ـ ولاية الفقيه ، 3 ـ الشهادات ، 4 ـ الدر المنضود في أحكام الحدود ، 5 ـ نتائج الاَفكار ، 6 ـ كتاب الطهارة .
  وهذه كلّها محاضرات ألقاها في أندية دروسه وحرّرها تلامذته الاَفاضل .

(1) محمد جواد مغنية : من هنا و هناك :155ـ 156 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 458 ـ
  وأما ما يرجع إلى ما ألّفه بقلمه فهو تعليقته على درر الفوائد في علم الاَُصول وقد طبع في جزءين .
  ومن مشاريعه الخيرية :
  1 ـ تأسيس دار القرآن الكريم ، 2 ـ إنشاء مستشفى كبير في مدينة قم ، 3 ـ إنشاء مركز ديني للجاليات الاِسلامية في لندن ، 4 ـ إنشاء مساجد عديدة في أنحاء إيران .
  كان سيدنا قائماً بأعباء الزعامة إلى أن وافاه الاَجل يوم الخميس ، الرابع والعشرين من جمادى الآخرة من شهور عام 1414 هـ
  وقد شيّع جثمانه الطاهر تشييعاً جماهيرياً حاشداً ، ودفن ـ قدس اللّه سرّه ـ في حرم السيدة معصومة (عليها السلام) .

ميزات الدور السابع
  1 ـ كان الدور السابع في الحقيقة إكمالاً للاَُسس التي ورثها الشيخ الاَنصاري وتلاميذه عن المحقّق البهبهاني ومن أعقبه ، فإنّ أكثر ما ورد في كلمات علماء هذا الدور تجد لها جذوراً في كتب المحقّق البهبهاني وتلاميذه ، ولكن مع فارق جليّ ، وهو إعطاء منهجية لتلك الاَُصول وتنظيمها بشكل أضفى عليها شكلاً جديداً أصبح بذلك يمثل دوراً على حدة .
  2 ـ انّ الفقه وإن كان ذا أبواب متعدّدة ، كالعبادات والمعاملات والعقود والاِيقاعات والسياسات ، ولكن فقهاء هذا الدور صبّوا اهتماماتهم على العبادات والعقود بالاَخص المعاملات منها ، وتجلّى هذا بشكل واضح في كتاب ( المكاسب ) للشيخ الاَنصاري ، و ( مصباح الفقيه ) للمحقّق الهمداني ، وتعليقة

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 459 ـ
  السيد الفقيه اليزدي على المكاسب ، وكتاب ( العروة الوثقى ) ولا تجد فقيهاً إلاّ وله تأليف في أحدهما .
  وبذلك قلّ التصنيف في الاَحوال الشخصية مقارنة بهما وأقل منه ما يرجع إلى الاَحكام والسياسات ، وذلك لاَنّ الفقهاء في أكثر هذه الفترة كانوا بمعزل عن السياسات والاَحكام وإجراء الحدود .
  نعم بعدما قامت الثورة الاِسلامية المباركة في إيران كثر التأليف حول السياسات والاَحكام ، والركب بعد سائر .
  3 ـ تبويب المسائل الاَُصولية بشكل قلّ نظيره في الاَدوار السابقة ، ثمّ تقسيمها إلى مباحث الاَلفاظ و المباحث العقلية ، وأشبعوا الكلام في الثاني على وجه لم يكن له نظير في السابق .
  نعم بعض ما عدّ من مباحث الاَلفاظ ، كباب الملازمات العقلية يلزم أن يعد من المباحث العقلية كما حقّقناه في محله .
  4 ـ ظهور نمط من التأليف في الفقه والاَُصول باسم التقريرات ، وهو كالاَمالي بين القدماء ، فإنّ الاَُستاذ كان يملي دروسه فيحرره التلميذ ، ثمّ ينشر باسم الاَُستاذ ، كأكثر الاَمالي الموروثة من القدماء ، وهذا بخلاف التقريرات ، فإنّ الاَُستاذ يملي والتلميذ يكتب ، وينتشر باسم التلميذ مضيفاً إلى أنّ المحتوى من الاَُستاذ .
  وأمّا عدد التقريرات التي دونت من عصر شيخنا الاَنصاري إلى يومنا هذا ممّا لا يحصيه إلاّ اللّه سبحانه ، كما ذكره شيخنا الطهراني في ( الذريعة ) .
  5 ـ ظهور رسائل عملية بلغات مختلفة ليرجع إليها المسلمون في أعمالهم الدينية والدنيوية ، وأفضل ما أُلّف في هذا المضمار هو :

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 460 ـ
  أ ـ ( العروة الوثقى ) للسيد الفقيه محمد كاظم اليزدي الطباطبائي (قدس سره) .
  ب ـ ( وسيلة النجاة ) للسيد أبو الحسن الاِصفهاني (قدس سره) .
  ج ـ ( منهاج الصالحين ) للسيد الحكيم (قدس سره) .
  د ـ ( تحرير الوسيلة ) للسيد الاِمام الخميني (قدس سره) .
  هـ . ( تكملة منهاج الصالحين ) للسيد الخوئي (قدس سره) .
  و ـ ( توضيح المسائل ) وعليها التعليقات .
  وخصوصية هذه الرسائل انّها تشتمل على آراء الفقيه بصورة مختصرة دون أن يتطرّق إلى الاستدلال في كافة الجوانب المادية والمعنوية .
  الميزة الجامعة بينها هي الدقة والعمق وكثرة التفريع ممّا خلف تراثاً فقهياً ضخماً تفتخر به الشيعة قلّ نظيره عند المذاهب المختلفة .

المراكز العلمية في هذا الدور
  تمتعت أكثر البلدان في هذا الدور بحوزات علمية فقهية كبرى ، إلاّ أنّ المراكز المهمة التي نشطت فيها عبارة عن الحوزات التالية :
  1 ـ حوزة النجف الاَشرف المدرسة الكبرى للشيعة .
  2 ـ حوزة كربلاء المقدسة .
  3 ـ حوزة سامراء .
  4 ـ حوزة إصفهان .
  5 ـ حوزة خراسان .
  6 ـ حوزة تبريز .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 461 ـ
  وأخيراً حوزة قم التي أسّسها الزعيم الديني الاَكبر الشيخ عبد الكريم الحائري (قدس سره) مضافاً إلى الحوزات العلمية للشيعة في الهند وباكستان ولبنان والشام وغيرها التي كانت عامرة بعلمائها وفضلائها ، وبذلك لا يتمكن أي أحد من أداء حق هذا الدور على وجه يليق به .
  هذه إلمامة عابرة بالاَدوار الفقهية للشيعة الاِمامية ، وكان الطريق وعراً غير مذلّل ولا معبّد لكن سلكناه ـ بفضل اللّه سبحانه ـ بعزم راسخ ، آملين أن يقع مورد القبول .
  تمّ الكتاب بقلم موَلفه جعفر السبحاني
  في صبيحة يوم الاَحد المصادف خامس ربيع الثاني عام 1418 هـ
  في موَسسة الاِمام الصادق (عليه السّلام)
  للدراسات والاَبحاث الاِسلامية
  في مدينة قم المقدسة صانها اللّه من عوائد الدهر .
  وآخر دعوانا أن الحمد للّه رب ّالعالمين