22 ـ السيد محمد حسن الزنوزي الخوئي ( المتوفّى 1246 هـ ) موَلّف كتاب ( رياض الجنة ) و ( دوائر العلوم ) .
  23 ـ شمس الدين بن جمال الدين البهبهاني ( المتوفّى 1247 هـ ) .
  24 ـ السيد محمد القصير الخراساني ( المتوفّى 1255 هـ ) .
  هه كوكبة زاهرة من تلاميذ المحقّق البهبهاني .
  ثمّ أعقبهم جيل آخر كانوا من تلامذة تلاميذه أمثال :
  1 ـ السيد محسن الاَعرجي ( المتوفّى 1227 هـ ) موَلّف كتاب ( المحصول في الاَُصول ) .
  2 ـ شريف العلماء محمد شريف بن حسن علي ( المتوفّى 1245 هـ ) .
  3 ـ المولى أحمد النراقي ( المتوفّى 1245 هـ ) صاحب الموسوعة الفقهية المسمّاة بـ ( مستند الشيعة ) .
  4 ـ الشيخ محمد نقي عبد الرحيم( المتوفّى 1248 هـ ) موَلّف كتاب ( هداية المسترشدين في شرح أُصول معالم الدين ) .
  5 ـ السيد عبد الفتـاح المراغي ( المتوفّى نحـو 1250 هـ ) موَلّف ( عناوين الاَُصول ) في القواعد الفقهية في جزءين .
  6 ـ السيد محمد باقر الشفتي الاصفهاني ( المتوفّى 1260 هـ ) موَلّف كتاب ( مطالع الاَنوار في شرح شرائع الاِسلام ) المطبوع .
  7 ـ الشيخ محمد إبراهيم بن محمد حسن الخراساني الاِصفهاني المعروف بالكلباسي ( 1180 ـ 1261 هـ ) موَلّف كتاب ( إشارات الاَُصول ) في مجلدين .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 427 ـ
  8 ـ السيد إبراهيم القزوينـي ( المتوفّـى 1264 هـ ) صاحب ( ضـوابـط الاَُصول ) .
  9 ـ الشيخ محمد حسن بن محمد باقر ( المتوفّى 1266 هـ ) صاحب ( جواهر الكلام ) .
  إلى غير ذلك من الاَعلام الذين بذلوا جهودهم في إرساء دعائم الفقه وإحياء النهج الاجتهادي ، ولكلّ آثار وكتب وموسوعات .
  وقد اقتصرنا على ذكر أسمائهم محيلين ترجمتهم إلى كتاب طبقات الفقهاء الذي أخذ على عاتقه ترجمة هوَلاء الاَعلام .

ميزات الدور السادس
  لقد تبيّن ممّا ذكرنا ميزات هذا الدور وأهمها :
  1 ـ تصعيد النشاط الفقهي ، ومكافحة الرجعية والجمود ، وإعادة العقل إلى ساحة الاستدلال ، وإحياء الدور الذي قام به المحقّق الاَوّل ومن أعقبه خصوصاً المحقّق الثاني والمحقّق الاَردبيلي ـ قدّس اللّه سرّهم ـ .
  2 ـ ظهور ابتكارات أُصولية على يد الوحيد البهبهاني ، سار على ضوئها تلامذته في كتبهم الاَُصولية والفقهية كـ ( رياض المسائل ) للسيد علي الطباطبائي و ( قوانين الاَُصول ) للميرزا القمي و ( المستند ) لاَحمد النراقي .
  3 ـ تم في هذا الدور القضاء على الاَخبارية وأفكارها وتقلّص نشاطها ولم يبق منهم إلاّ النزر اليسير .
  واستطاع المحقّق البهبهاني أن يغيّـر وجهة نظر زعيم الاَخباريين في

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 428 ـ
  عصره ، فقد بدأ الشيخ يوسف البحراني يميل إلى مدرسة الاَُصوليّين شيئاً فشيئاً حتى أنّه أخذ يقول في المقدمة الثانية عشرة من مقدّمات الحدائق :
  وقد كنت في أوّل الاَمر انتصر لمذهب الاَخباريين ، وقد أكثرت البحث فيه مع بعض المجتهدين من مشايخنا المعاصرين ، إلاّ أنّ الذي ظهر لي بعد إعطاء التأمل حقّه في المقام ، و إمعان النظر في كلام علمائنا الاَعلام هو إغماض النظر عن هذا الباب و إرخاء الستر دونه و الحجاب ، و إن كان قد فتحه أقوام وأوسعوا فيه دائرة النقض والاِبرام .
  أمّا أوّلاً : فلاستلزامه القدح في علماء الطرفين .
  وأمّا ثانياً : فلاَنّ ما ذكروه في وجوه الفرق بينهما جلّه بل كلّه عند التأمل لا يثمر فرقاً .
  وأمّا ثالثاً : فلاَنّ العصر الاَوّل كان مملوءاً من المحدّثين و المجتهدين ، مع أنّه لم يرتفع بينهم صيت هذا الخلاف ، ولم يطعن أحد منهم على الآخر بالاتصاف بهذه الاَوصاف .
  ولم يرتفع صيت هذا الخلاف ولا وقوع هذا الاعتساف إلاّمن زمن صاحب ( الفوائد المدنية ) سامحه اللّه تعالى برحمته المرضية ، فإنّه قد جرّد لسان التشنيع على الاَصحاب ، وأسهب في ذلك أيّ إسهاب ، وأكثر من التعصبات التي لا تليق بمثله من العلماء الاَطياب . (1)
  ولاَجل الوقوف على العناية التي أولاها المحقّق البهبهاني على إزالة الفكرة ، فقد كانت المناظرة بينه و بين صاحب الحدائق على قدم وساق ، يحكي المحدّث القمي عن الحاج كريم أحد سدنة الروضة الحسينية المقدسة انّه كان

(1) الحدائق الناضرة : 1|167ـ170 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 429 ـ
  يقوم بخدمة الحرم في شبابه ، وذات ليلة التقى بالشيخ يوسف البحراني و الوحيد البهبهاني داخل الحرم و هما واقفان يتحاوران ، وطال حوارهما حتى حان وقت إغلاق أبواب الحرم ، فانتقلا إلى الرواق المحيط بالحرم ، واستمرا في حوارهما وهما واقفان ، فلمّا أراد السدنة إغلاق أبواب الرواق انتقلا إلى الصحن وهما يتحاوران ، فلما حان وقت إغلاق أبواب الصحن انتقلا خارج الصحن من الباب الذي ينفتح على القبلة ، واستمرا في حوارهما و هما واقفان ، فتركهما وذهب إلى بيته ونام ، فلمّا حلّ الفجر ورجع إلى الحرم صباح اليوم الثاني سمع صوت حوار الشيخين من بعيد ، فلمّا اقترب منهما وجدهما على نفس الهيئة التي تركهما عليها في الليلة الماضية مستمرين في الحوار والنقاش ، فلمّا أذّن الموَذن لصلاة الصبح رجع الشيخ يوسف إلى الحرم ليقيم الصلاة جماعة ، ورجع الوحيد البهبهاني إلى الصحن وافترش عباءته على طرف مدخل باب القبلة ، وأذّن وأقام وصلّى صلاة الصبح .
  4 ـ تأليف موسوعات في علم الاَُصول قام بها جملة من فطاحل العلماء كالميرزا القمي صاحب ( قوانين الاَُصول ) والشيخ محمد تقي الاِصفهاني صاحب ( الحاشية على المعالم ) ، والسيّد إبراهيم القزويني صاحب ( الضوابط ) ، والشيخ محمد إبراهيم الكلباسي موَلّف ( إشارات الاَُصول ) .
  5 ـ ظهور موسوعات فقهية كبيرة كـ ( معتمد الشيعة في أحكام الشريعة ) للشيخ مهدي النراقي و ( مستند الشيعة في أحكام الشريعة ) للشيخ أحمد النراقي و ( جواهر الكلام ) للشيخ محمد حسن النجفي ، وبعين اللّه انّ ما ألّفه هوَلاء الاَقطاب الثلاثة تعد موسوعات فقهية لم ير الزمن مثلها إلى أعصارهم ، فقد طبع الجواهر في 42 جزءاً ، كما انّ ( مستند الشيعة ) على طريق الطبع ، وقد خرج منه عدّة أجزاء ، وأمّا ( المعتمد ) فقد طبع في جزءين كبيرين رحليّين عسى أن يقيض اللّه سبحانه أصحاب الهمم لتحقيقه وعرضه في أُسلوب أنيق .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 430 ـ
المراكز العلمية في الدور السادس
  كانت للشيعة يومذاك حوزات علمية عامرة في مناطق مختلفة ، فكانت حوزة إصفهان ذات نشاط كبير ، تخرّج منها علماء أفذاذ ، ذوو اختصاصات مختلفة ، وقد مر انّ المحقّق البهبهاني كان إصفهانياً ، وإنّما أُطلق عليه البهبهاني نظراً لمكثه الطويل في مدينة بهبهان أحد معاقل الاَخباريين يومذاك .
  وقد انقرضت الدولة الصفوية عام 1135 هـ في هذا الدور على يد الاَفاغنة ، وأوجدت قلاقل و اضطرابات لم تدم طويلاً حتى تسلمت الدولة الزندية زمام الاَُمور ، ودامت إلى أواخر القرن الثاني عشر .
  وتليها حوزة شيراز حيث عجّت بالاَُصوليين والاَخباريين والرياضيين والحكماء والفلاسفة .
  ومع أنّ نور العلم لم يطفأ في سائر المراكز كجبل عامل وحلب وخراسان ، إلاّ أنّ حوزة كربلاء و النجف قد نشطت من بينها وصعّدت من جهودها .
  وقد تقلّص النشاط الاَخباري وانحصر في البحرين والقطيف و الاَحساء حيث يشاركون الاَُصوليين في جميع المواقف وينتفعون بوسائل الحياة العصرية كما ينتفع منها الاَُصوليون مع أنّ الاَصل عندهم هو الحظر إلاّأن يقوم دليل على الحلية .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 431 ـ
أدوار الفقه الشيعي
7 ـ الدور السابع

  عصر الاِبداع والتطور الفقهي
  ( 1260 ـ 1414 هـ )
  رائد الحركة الفكرية : مرتضى الاَنصاري
  إنّ الحركة العلمية التي قادها رائد الفكر والتحقيق المحقّق البهبهاني خلفت وراءها أجيالاً من العلماء الفطاحل ، وتراثاً علمياً ضخماً في مجالي الفقه والاَُصول ، وقد مرّ انّ ثلّة من تلامذته ألّفوا موسوعات فقهية وأُصولية دحضوا بها حجج الاَخباريين الباطلة ، ومهّدوا الطريق لظهور حركة علمية جديدة تتمتع بالاستضاءة من التراث العلمي الذي خلّفه المحقّق البهبهاني وتلامذته مع إبداع أُسلوب جديد في الاَُصول والفقه ، ورائد هذه الحركة الجديدة ـ وإن كان في الحقيقة استمراراً للنهج العلمي الذي قاده البهبهاني ـ هو الشيخ المحقّق المدقّق مرتضى بن محمد أمين المعروف بالاَنصاري ، الذي ولد عام 1214 هـ في بلدة دزفول ، وتعلّم الدروس الابتدائية في موطنه ، ثمّ شرع في الاَُصول والفقه ، ونال مرتبة سامية فيها ، ولم تقنع نفسه بما تعلّم فيه ، فأعدّ العدّة مع والده لزيارة العتبات المقدّسة عام 1232 هـ وله من العمر آنذاك 18 سنة ، فورد كربلاء

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 432 ـ
  المقدّسة يوم كانت تعجّ حوزتها العلمية بفضلاء وعلماء كبار وعلى رأسهم العلمان الجليلان :
  1 ـ السيد محمد بن السيد علي المعروف بـ ( السيد المجاهد ) ( المتوفّى 1243 هـ ) موَلّف كتاب ( المناهل في الفقه ) .
  2 ـ الشيخ محمد شريف العاملي المازندراني المعروف بـ ( شريف العلماء ) ( المتوفّى 1245 هـ ) .
  فمكث الشيخ في كربلاء أربع سنين تردّد خلالها إلى حلقات دروس العلمين الجليلين إلى أن احتل والي بغداد مدينة كربلاء المقدّسة ، فغادر الشيخ مهجره ونزل الكاظمية ، وبقي فيها سنة واحدة ، ثمّ هاجر إلى النجف الاَشرف ، فحضر هناك دروس المحقّق الشيخ موسى كاشف الغطاء قرابة سنتين .
  ثمّ غادر العراق متوجهاً إلى موطنه عام 1239 هـ ، فمكث فيها مدّة قليلة ، ثمّ جاب مدن إيران للاستفادة من علمائها .
  ينقل لنا التاريخ انّه بدأ برحلته العلمية من دزفول ونزل في مدينة بروجرد ، فحضر بحث الشيخ أسد اللّه البروجردي ( المتوفّى 1270 هـ ) موَلّف كتاب ( فوائد الاَحكام ) فأقام فيها شهراً تاماً لم يجد فيها بغيته ، فغادرها متوجهاً إلى إصفهان يوم كان زعيمها العلمي هو السيد محمد باقر الشفتي ( المتوفّى 1260 هـ ) وقد جرت بينه و بين الشيخ مباحثات ومناظرات وقف من خلالها السيّد ، على عظمة الشيخ ومكانته وسمو منزلته ، فطلب منه الاِقامة في إصفهان وإلقاء المحاضرات فيها ، لكن الشيخ رجح أن يغادرها ليواصل رحلته العلمية حتى هبط بلدة كاشان التي كان زعيمها العلمي يومذاك هو الشيخ أحمد النراقي ( المتوفّى 1245 هـ ) موَلّف كتاب ( مستند الشيعة في أحكام الشريعة ) وقد وجد في محاضراته ضالّته ، فمكث فيها أربع سنين حضر خلالها دروسه ونبغ في الفقه والاَُصول على يديه .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 433 ـ
  كما اشتغل بالتأليف والتصنيف .
  ولما عزم الشيخ على مغادرة كاشان عام 1244 هـ نال من أُستاذه الروَوف إجازة مفصلة أدّى فيها حقّ الشيخ ، ثمّ واصل رحلته العلمية إلى مشهد الرضا (عليه السلام) ، فبقي هناك مدّة ثمّ رجع قافلاً إلى العراق ، فهبط النجف الاَشرف عام 1246 هـ ، وكانت يومذاك المدرسة الكبرى للشيعة ، وكانت الرئاسة العلمية على عاتق العلمين الجليلين الكبيرين :
  1 ـ الشيخ علي بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء ( المتوفّى 1254 هـ) .
  2 ـ الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ( المتوفّى 1266 هـ ) .
  وقد حضر دروس الشيخ كاشف الغطاء إلى أن استقل بالتدريس وطار صيته في أوساط النجف العلمية ، وأقبل على دروسه بشغف ، العديد من العلماء والفضلاء ، و اشتهر بالنبوغ والتفوق العقلي .
  ولما لبّى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر نداء ربه عام 1266 انتخب الشيخ بإيصاء منه مرجعاً للشيعة خضعت له القلوب والاَفكار ، وانتقلت الزعامة العلمية إليه بلا منازع ، وقام بأعبائها بحزم وحكمة وإرادة صلبة إلى أن لبّى نداء ربه ليلة الثامن عشر من شهر جمادى الاَُولى من شهور عام 1281 هـ .
  هذه إلمامة عابرة ، وعرض خاطف لحياة الشيخ الاَعظم الذي كرّس حياته في التدريس والتأليف ، وإعداد الفضلاء ، وتربية المجتهدين ، وإرساء دعائم النهضة العلمية الحديثة التي تعد بحق ثورة علمية كبرى قلّما اتّفق نظيرها في العصور السابقة ، وقد حفلت كتب التراجم بالثناء عليه وإطرائه وخدماته الجليلة ، وتلامذته ، والتراث الذي تركه .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 434 ـ
  إبداعاته العلمية
  ترك الشيخ آثاراً جليلة لم يزل بعضها مداراً للتدريس في الحوزات العلمية ، وأخص بالذكر كتابين قيمين وهبا للشيخ خلوداً في التاريخ ، هما :
  الاَوّل : كتاب ( الفرائد ) المشهور بالرسائل ، وهو يضم رسائل مختلفة تبحث عن أحكام القطع والظن ، ثمّتحدّد مجرى أصل البراءة والاشتغال ، وتتطرّق إلى مبحث الاستصحاب ، ثمّ إلى أحكام التعادل والتراجيح ، وقد علّق عليه تعاليق كثيرة تربو على سبعين تعليقة .
  والحقّ انّ الشيخ خدم العلم وأهله بهذا الكتاب القيّم خدمة عظيمة لما قدم لاَبناء جيله من أفكار .
  1 ـ تحرير أحكام القطع والظن ، وقد قسّم الظن إلى ظن خاص وظن مطلق ، وأعطى لكلّ حكمه .
  2 ـ قام في رسالة البراءة والاشتغال بتبيين مجاريهما ، وقد كانت غير منقّحة ومهذّبة في كلمات السابقين ، و انّهم ربما كانوا يحتجون بالبراءة بدل الاشتغال مع أنّ المحل كان مجرى للثاني وبالعكس . فهذّب الشيخ مجاري الاَصلين بوجه لا يختلط أحدها بالآخر .
  3 ـ قرّر موقف الدليل الاجتهادي من الاَصل العملي وبالعكس ، وانّهما لا يُحتَجّان بهما معاً وإن كان مضمونهما واحداً .
  وهذا الاَمر وإن كان موروثاً عن المحقّق البهبهاني إلاّ أنّ الشيخ بعقليّته الخلاّقة طرح تقسيماًجديداً لتقديم الدليل الاجتهادي على الاَصل العملي ، وأسماها بالشكل التالي : التخصيص والتقييد ، الحكومة ، الورود .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 435 ـ
  4 ـ قام في رسالة الاستصحاب بعقد تنبيهات بعد الفراغ من إثبات حجيته عن طريق الاَخبار ، أودع فيها أفكاره الاَبكار وآراءه البديعة ، فمن راجعها يقف على أنّه الموَسس لكثير من القواعد الواردة فيها وإن كان لبعضها خلفيات في كلمات المتقدمين عليه .
  وخلاصة الكلام أنّه (قدس سره) أحدث الاِبداعات التالية :
  1 ـ مبحث الاستصحاب الكلي .
  2 ـ مبحث الاستصحاب التعليقي .
  3 ـ مبحث الاَصل المثبت .
  4 ـ مبحث بقاء الموضوع في المستصحب .
  5 ـ مبحث دوران الاَمر بين التمسك بالعام أو استصحاب حكم المخصّص .
  6 ـ مبحث تقدّم الاَصل السببي على المسببي .
  وبعين اللّه انّما استعرضه في هذه الفصول الستة تعد أفكاراً أبكاراً لم تقرط بها اذن الدهر قبل ذلك .
  الثاني : كتاب ( المكاسب )، هذا هو الكتاب الثاني الذي تدور حوله حلقات الدراسة والبحث في الحوزات العلمية الشيعية .
  يبحث فيه عن أحكام المكاسب المحرّمة بأنواعها المختلفة :
  ثمّ عن أحكام البيع بمختلف فصوله .
  ثمّ عن أحكام الخيارات بأقسامها المختلفة .
  ثمّ عن الشروط الشرعية وغيرها .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 436 ـ
  ثمّ عن أحكام القبض والنقد والنسيئة .
  ففيها دقائق علمية تعرب عن أنّ الكتاب وليد فكر خارق العادة ، والموَلف لا يغوص في بحار الفقه إلاّ ويخرج بالدرر والدراري والجواهر الثمينة ، وقد قال الدكتور السنهوري في حقّه : لو وقفت على كتاب ( المكاسب ) للشيخ الاَنصاري قبل تأليفي لكتاب الوسيط لغيّرت كثيراً من الاَُسس التي بنيت عليها ، وللكتاب تعاليق ربما تربو على 30 تعليقة ، أفضلها تعليقة السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي ( المتوفّـى 1337 هـ ) .
  والكتاب لم يزل محور الدراسات في الاَُصول والمعاملات إلى يومنا هذا أودع فيه حصيلة أفكاره وإبداعاته .
  قال المحدّث النوري وهو أحد تلاميذه : قد عكف على كتبه وموَلّفاته وتحقيقاته كلّ من نشأ بعده من العلماء الاَعلام والفقهاء الكرام الذين صرفوا هممهم وبذلوا جهودهم وحبسوا أفكارهم فيها وعليها . (1)

تلاميذه
  كان الشيخ يلقي دروسه في الجامع الهندي في النجف الاَشرف ، ويغص فضاوَه بما ينوف على الاَربعمائة من العلماء والطلاب ، وقد تخرج عليه عدد كبير من الفقهاء والمجتهدين الذين تسلّموا منصة الرئاسة العلمية والزعامة الدينية فيما بعد ، وقد أنهى بعضهم أسماء تلاميذه فبلغوا 315 مجتهداً عالماً ، وسنشير هنا إلى أسماء مشاهيرهم الذين لعبوا دوراً هاماً في حفظ التراث الفكري الذي خلفه الشيخ الاَنصاري وتطويره وإكماله وهم كثيرون .

(1) مستدرك الوسائل : 3|392 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 437 ـ
  1 ـ السيد حسين الكوهكمري ( المتوفّى 1299 هـ )
  هو السيد حسين بن السيد محمد بن السيد حسن بن حيدر التبريزي الكوهكمري ، تلقّى المقدّمات في بلدة تبريز ، وحضر بحوث العلاّمة الميرزا أحمد المجتهد التبريزي ، ثمّ غادرها صوب النجف الاَشرف فحضر بحث الاَعلام الثلاثة :
  أ ـ الشيخ محمد حسين الاصفهاني ( المتوفّى 1261 هـ ) المعروف بصاحب ( الفصول ) .
  ب ـ السيد إبراهيم القزويني ( المتوفّى 1264 هـ ) صاحب ( الضوابط ) .
  ج ـ الشيخ محمد حسن النجفي ( المتوفّى 1266 هـ ) صاحب ( الجواهر ) .
  ثمّ لازم بحوث شيخنا الاَنصاري وصار من أقرب تلامذته وقد استقل بالتدريس بعد رحيل أُستاذه إلى أن صار مشاراً إليه بالبنان وكان يحضر مجلس درسه عدد غفير من العلماء الفضلاء يتجاوز 600 ، بين فاضل وعالم ، ومن أفاضل تلامذته العلاّمـة الشيخ موسى التبريزي ( المتوفّى 1307 هـ ) موَلف كتاب ( أوثق الوسائل في شرح الرسائل ) والعلاّمة الشيخ محمد حسن المامقاني ( المتوفّى 1323 هـ ) مصنف ( الذرائع ) و التعليقة على المكاسب .
  توفي السيد الكوهكمري عام 1299 هـ وله من الآثار : كتاب ( الاِجارة ) ، كتاب ( الاِرث) ، ( الحج ) ، ( الزكاة ) ، ( الصلاة ) ، ( القضاء ) ، ( مقدّمة الواجب ) ، و ( الاستصحاب ) .
  2 ـ السيد المجدّد الشيرازي ( 1230 ـ 1312 هـ )
  السيد المجدّد ميرزا حسن الشيرازي الذي كان من أشهر تلامذة شيخنا

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 438 ـ
  الاَنصاري ، وصار زعيماً للطائفة بعد رحيله ، ولد في مدينة شيراز عام 1230 هـ بدأ فيها بتعلم المقدّمات ، ثمّ غادر مسقط رأسه متوجهاً إلى إصفهان عام 1248 هـ ، وحضر هناك درس الشيخ محمد تقي الاصفهاني صاحب ( هداية المسترشدين ) والشيخ محمد إبراهيم الكلباسي موَلّف كتاب ( الاِشارات ) ، ثمّ غادرها إلى النجف الاَشرف عام 1259 هـ ، فحضر بحوث الشيخ حسن كاشف الغطاء والشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ، ولمّا لبّى صاحب الجواهر دعوة ربّه عام 1266 هـ اتجهت الاَنظار صوب الشيخ الاَنصاري فالتحق به وحضر دروسه ولازمه حتى ارتحل الشيخ إلى جوار ربّه عام 1281 هـ ، ولم يلبث حتى صار مرجعاً دينياً وأُستاذاً في الفقه والاَُصول ، التف حوله عدد غفير من الفضلاء ومن يشار إليهم بالبنان
   ، وعلى أثر نشوب القلاقل والفتن غادر السيد النجف الاَشرف وألقى الرحل في سامراء ، فأسس فيها حوزة علمية كبيرة تقاطر إليها الفضلاء والعلماء من كل صوب وحدب ، وذاع صيته في الاَوساط الاِسلامية .
  تخرّج على يديه لفيف من المجتهدين الذين ساروا على نهجه وصاروا مراجع للفتيا وأساتذة للفقه والاَُصول فيما بعد .
  ولم يترك تأليفاً في الفقه و الاَُصول ، واعتذر عن ذلك بأنّ في كتب أُستاذه الشيخ الاَنصاري غنى وكفاية ، ولكن دوّنت له تقريرات ومحاضرات نشرت بعضها .
  3 ـ ميرزا أبو القاسم النوري الطهراني ( 1236 ـ 1292 هـ )
  هو الشيخ أبو القاسم النوري الطهراني ، رجل العلم والفضيلة ، والقلم والبيان ، الاَوحدي في تلاميذ شيخنا الاَنصاري ، حضر مبحثه سنين متمادية إلى أن بعثه أُستاذه إلى طهران بغية إقامة الدروس والمحاضرات فيها ، ولمّا هبط

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 439 ـ
  العاصمة اشتغل بمهمته وربّى جيلاً فيها ، وله من الآثار ( مطارح الاَنظار ) الذي هو تقرير لبحوث أُستاذه الاَُصولية في مباحث الاَلفاظ .
  وكوَّن هذا الكتاب إذا ضم إلى كتاب ( الفرائد ) دورة أُصولية كاملة ، توفي عام 1292 هـ ، ورثاه ولده العلاّمة الميرزا أبو الفضل الطهراني بقصيدة مطلعها :
دع الـعبث والآمـال واطـو iiالاَمانيا      فـما  أنـت طـول الدهر واللّه iiباقيا
رمى الدهر من سهم النوائب ماجداًأعز      كـريـماً طـاهـر الاَصـل iiزاكـيا
  4 ـ الشيخ ميرزا حبيب اللّه الرشتي ( 1234 ـ 1312 هـ )
  هو الشيخ حبيب اللّه بن محمد علي الرشتي ، أحد الاَكابر من تلاميذ شيخنا الاَنصاري ، تلقّى دروسه في مسقط رأسه رشت ، ثمّ ارتحل إلى قزوين ، فمكث فيها مدّة حتى برز في الفقه والاَُصول ، ثمّ غادرها إلى النجف الاَشرف فحضر درس صاحب الجواهر ، ولمّا توفي أُستاذه تردّد إلى أندية دروس شيخنا الاَنصاري ، وقد وقف على منزلته ومكانته في العلم ولازمه طيلة عمره ، ولما لبّى شيخنا الاَنصاري دعوة ربّه استقل بالتدريس والتأليف ، وله آثار في الفقه والاَُصول أهمها :
  1 ـ ( بدائع الاَُصول ) في أُصول الفقه مطبوع .
  2 ـ ( المشتق ) مطبوع أيضاً .
  3 ـ ( القضاء والشهادات ) طبع في جزءين .
  4 ـ ( الاِجارة ) طبع في جزء واحد . (1)

(1) له ترجمة ضافية في مقدّمة كتابه ( القضاء ) بقلم السيد أحمد الحسيني .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 440 ـ
  5 ـ الشيخ محمد حسن الآشتياني ( 1248 ـ 1320 هـ )
  هو الشيخ محمد حسن بن جعفر الآشتياني الطهراني من تلامذة شيخنا الاَنصاري ، ومن مشاهير علماء طهران وأعلمهم في عصره .
  ولد في ناحية آشتيان حدود 1248 هـ ، فتعلم القراءة والكتابة ، ثمّ انتقل إلى بروجرد وكانت يومذاك دار العلم ، وبقي فيها أربع سنين ، ثمّ غادرها إلى النجف الاَشرف ، وحضر هناك دروس العلاّمة الاَنصاري ولازمه طيلة عمره .
  ولما ارتحل أُستاذه غادر النجف الاَشرف وهبط طهران العاصمة ، وأصبح فيها زعيماً ومدرّساً كبيراً ، عكف على دروسه عدد غفير من روّاد العلم .
  ومن آثاره العلمية : تعليقته على الرسائل المطبوع باسم ( بحر الفوائد ) وهو أحد الثلاثة ـ بعد الشيخ أبي القاسم كلانتر و المجدّد الشيرازي ـ الذين نشروا أفكار شيخنا الاَنصاري وحقّقوها و بيّنوها .
  6 ـ الشيخ محمد رضا الهمداني ( 1250 ـ 1322 هـ )
  الشيخ محمد رضا بن الشيخ محمد هادي الهمداني النجفي ، من أجلّة الفقهاء الورعين ، ومن الاَُصوليين المحقّقين ، ومن مشاهير فقهائنا العظام ، أخذ المبادىَ والسطوح في مدينة همدان ، ثمّ غادرها إلى النجف الاَشرف ، فحضر دروس شيخنا المحقّق الاَنصاري ، ثمّ السيد محمد حسن المجدّد الشيرازي .
  يعرّفه شيخنا الطهراني بقوله : كان من أجلّة الفقهاء ، هاجر إلى سامراء ، فلازم درس السيد المجدّد الشيرازي سنين طوال إلى أن عاد إلى النجف في حياة أُستاذه ، فالتف حوله جمع من أهل الفضل و اشتغل بالتدريس والتأليف ،

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 441 ـ
  وكان ذا اطّلاع واسع في الفقه وأُصوله . (1)
  ويعد كتابه ( مصباح الفقيه ) الذي كتبه شرحاً مزجياً على كتاب ( شرائع الاِسلام ) للمحقّق الحلّي ، من جلائل الكتب في الفقه الاستدلالي في القرن الرابع عشر ، ولا تجد له مثيلاً بين ما أُلّف في هذا القرن، خرج منه كتاب الطهارة والصلاة والزكاة والخمس وكتاب الصوم والرهن ، وهو في باب العبادات يعادل كتاب المكاسب في المعاملات .
  ولعمر القارىَ انّ شيخنا المحقّق الهمداني جمع بين عذوبة القلم ووضوحه ، والدقة والعمق في الموضوع ، فالقارىَ كلّما يسبر في رياضه ويسبح في حياضه لا يكلّ ولا يمل ، وكأنّه يتكلّم مع القارىَ بلسان ذلق وبيان واضح مع التدقيق والتحقيق ، والكتاب من حسنات الدهر ، يعد محوراً للبحوث العليا في الفقه ، وكان سيدنا المحقّق البروجردي يعظّمه ويجلّله ويثني عليه في دروسه ، وله وراء المصباح كتب أُخرى أهمها تعليقته على الفرائد ، وقد طبع في جزء واحد .
  7 ـ السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي (2) ( 7421 ـ 7331 هـ)
  هو السيد محمد كاظم بن السيد عبد العظيم الطباطبائي اليزدي النجفي ، أحد الفقهاء الكبار في القرن الرابع عشر ، والمرجع الديني الاَعلى بعد رحيل شيخنا المحقّق الخراساني ، تتلمذ على يد الشيخ محمد باقر بن الشيخ محمد تقي صاحب الحاشية على المعالم في إصفهان إلى أن غادرها عام 1381 هـ إلى النجف الاَشرف ، وقد وصل إليه نعي شيخنا الاَنصاري وهو في طريقه إلى

(1) نقباء البشر : 2|776 .
(2) كان المفروض تأخير ترجمته على ترجمة المحقّق الخراساني ، ولمّا كان للثاني دور فعال في تخريج جيل من العلماء الفطاحل آثرنا تأخير ترجمة الثاني ليتسلسل ترجمة الاَُستاذ و تلاميذه .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 442 ـ
  النجف ، فحضر بحث السيد المجدّد الشيرازي ، واستقل بالتدريس بعد رحيله ، وكان معاصراً للشيخ الهمداني ، وقد تألّق نجمهما في سماء الفقه .
  وقد ترك في الفقه تراثاً فكرياً قيّماً ، نشير إلى قسم من تآليفه :
  أ ـ تعليقته على مكاسب الشيخ الاَنصاري ، طافحة بالتحقيق والتدقيق ، وقد صدر عنه أكثر من علق بعده على مكاسب الشيخ .
  ب ـ العروة الوثقى المشتملة على الفروع التخريجية في الكتب التالية : الطهارة ، الصلاة ، الصوم ، الخمس ، الزكاة ، الحج ، النكاح لم يوَلف مثله ، وقدعلق عليه كلّ من جاء بعده .
  ج ـ التكملة على العروة الوثقى في جزءين ، وهو كتاب استدلالي يبحث في القضاء على وجه التفصيل ويشتمل على كتب فقهية أُخرى من كتب المعاملات .
  توفي (رحمه الله) عام 1337 هـ في النجف الاَشرف ، ودفن في الصحن الحيدري .
  8 ـ المحقّق الخراساني ( 1255 ـ 1329 هـ )
  هو الشيخ محمد كاظم الخراساني الهروي ، ولد عام 1255 هـ ، واشتغل في خراسان بتعلم المقدّمات ، ثمّانتقل إلى مدينة سبزوار للاستضاءة من دروس الحكيم المتألّه الشيخ محمد هادي السبزواري ( المتوفّى 1278 هـ ) ، فبقى هناك مدة إلى أن أعدّالعدّة للسفر إلى النجف الاَشرف ، فحضر بحوث العلاّمة الاَنصاري ، ولمّا لبّى الاَُستاذ دعوة ربّه حضر بحوث السيد المجدّد الشيرازي .
  ويعد شيخنا هذا الحلقة الاَخيرة من تلامذة الشيخ الاَنصاري ، وهو في الوقت نفسه أضاف إلى ما استفاده من أفكار شيخه الاَنصاري ، إبداعات وابتكارات جديدة جعلته صاحب منهج متكامل في الاَُصول ، وصاحب مدرسة

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 443 ـ
  خاصة به ، ولولا انّ إبداعاته قد اقتصرت على الاَُصول ولم تشمل الفقه إلاّ شيئاً يسيراً لجعلناه مبدأ دور جديد .
  كان شيخنا المحقّق الخراساني من أعاظم المدرسين يحضر في محاضراته أكثر من ألف طالب ، كما ذكره شيخنا الطهراني في ( الذريعة ) (1) حيث قال : وقد سمعت ممّن أحصى تلاميذ شيخنا الاَُستاذ الاَعظم المولى محمد كاظم الخراساني في الدورة الاَخيرة انّه زادت عدّتهم على الاَلف والمائتين ، وكان كثير منهم يكتب تقريراته ، ورأيت تقريراتهم الكثيرة في الكراريس والمجلدات .
  ولقد خلّف شيخنا الخراساني ثروة علمية ، منها : ( كفاية الاَُصول ) الذي عليه محور البحث و الدراسة في الحوزات العلمية ، وقد كتب عليها تعليقات وشروح كثيرة .
  وتلاه تعليقته على الرسائل ، وتعليقته على المكاسب ، والكتاب الثالث يتمتع بتحقيق رائع وعمق واسع .
  ابداعاته الاَُصولية
  ثمّ إنّ شيخنا المحقّق الخراساني يتفق مع شيخه الاَنصاري في قسم من المسائل فمثلاً : اتفق معه في عدم صحّة أخذ قصد الاَمر في متعلّقه ، لمشاكل في الاَخذ ، ولكن يختلف معه في كثير من المباحث الآتية :
  1 ـ انّ الشرط في الواجب المشروط قيد للهيئة عند المحقّق الخراساني ، وهو قيد للمادة عند شيخنا الاَنصاري .
  2 ـ العام بعد التخصيص مجاز عند الشيخ الاَنصاري ، وهو حقيقة عند

(1) الذريعة : 4|366 ، مادة التقريرات .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 444 ـ
  المحقّق الخراساني .
  3 ـ تقوم الاَمارة مقام القطع الموضوعي الطريقي بنفس دليل حجّيتها عند الشيخ الاَنصاري ، وليس كذلك عند المحقّق الخراساني .
  4 ـ الاَُصول العملية لا تجري في أطراف العلم الاِجمالي عند الشيخ الاَنصاري لاستلزامه وجود التناقض في دليلها ، أعني قوله (عليه السّلام) :( لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين آخر ) .
  وليس كذلك عند المحقّق الخراساني ، فهو يشاركه في عدم الشمول ، لكن لا لاَجل التناقض في مدلول دليل الاستصحاب بل لاَجل تعارض الاَصلين .
  5 ـ يفسّـر الشيخ الاَنصاري الاِمكان في قولهم إمكان التعبّد بالاَمارات بالاِمكان الاحتمالي ، بينما المحقّق الخراساني يفسّره بالاِمكان الوقوعي بمعنى عدم ترتب المفسدة على إمكان التعبد به .
  6 ـ الاستصحاب عند الشيخ الاَنصاري حجّة في الشكّ في الرافع ، وليس حجّة في الشك في المقتضي ، ولكنّه حجّة مطلقاً عند المحقّق الخراساني .
  7 ـ الاَحكام الوضعية انتزاعية عند شيخنا الاَنصاري كالسببية والشرطية والجزئية والمانعية ، ولكنّها على أقسام ثلاثة عند المحقّق الخراساني .
  8 ـ انّالشيخ الاَنصاري يقسم المكلّف الملتفت إلى أقسام ثلاثة : قاطع ، وظان ، وشاك في الحكم، بينما المحقّق الخراساني جعل التقسيم ثنائياً لا ثلاثياً ، وذلك لاَنّ الظن لو كان حجّة يدخل تحت القطع بالحكم الظاهري ، وإن لم يكن حجّة فيدخل تحت الشك .
  إلى غير ذلك من الفروق بين الاَُستاذ والتلميذ في الآراء والمباني .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 445 ـ
  انتقل شيخنا المحقّق الخراساني إلى رحمة الباري أواخر عام 1329 هـ ، ولكنّه ربّى جيلاً كبيراً من فطاحل الفقه والاَُصول ، ولكلّ دور فعّال في تطوير الفقه والاَُصول .
  9 ـ العلاّمة المحقّق الشيخ ميرزا محمد حسين النائيني ( 1274 ـ 1355 هـ )
  أحد أقطاب العلم في النجف الاَشرف ، ورافع راية الاجتهاد بعد رحيل أُستاذه المحقّق الخراساني ، وقد استقل بالتدريس وإلقاء المحاضرات بعد رحيله قرابة ربع قرن ، فتخرج على يديه جمع غفير حملوا أفكاره وصاروا مراجع للعلم والفكر بعده .
  ترك شيخنا النائيني تراثاً علمياً إمّا بقلمه الشريف ، كرسالة ( في حكم اللباس المشكوك ) أو بقلم تلامذته ، فإنّ أكثر أفكاره في الفقه و الاَُصول دوّنت بقلم لفيف منهم ، و من تلك الآثار :
  أ ـ ( فوائد الاَُصول ) بقلم الشيخ محمد علي الكاظمي ( 1309 ـ 1365 هـ ) في أربعة أجزاء .
  ب ـ ( أجود التقريرات ) بقلم المرجع الديني الاَعلى السيد أبو القاسم الخوئي ( 1317 ـ 1413 هـ ) في جزءين .
  ج ـ ( منية الطالب في أحكام المكاسب ) في جزأين بقلم العلاّمة الشيخ موسى الخوانساري ( 1303 ـ 1365 هـ ) .
  وقد كانت الحوزات العلمية الشيعية عامرة بفضل أفكار مترجمنا وتلاميذه ، وكان السيد الخوئي أحد أبرز تلاميذه إذا جلس على منصة التدريس لا يبدأ بالدرس إلاّ بعد قراءة الحمد على روح أُستاذه المحقّق النائيني أداءً لبعض حقوقه .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 446 ـ
  10 ـ ضياء الدين العراقي ( 1278 ـ 1361 هـ )
  هو الشيخ ضياء الدين بن محمد العراقي النجفي ، من أكابر تلاميذ شيخنا المحقّق الخراساني ، قد عرف بالذكاء المفرط منذ صباه ، حضر بحوث أُستاذه المحقّق الخراساني وعلا أمره ، وعرف بالتحقيق والتدقيق ، تخرج على يده عدد كبير من المجتهدين العظام ، منهم : العلاّمة المرجع الاَعلى السيد محسن الحكيم ( 1306 ـ 1390 هـ ) ، والسيد المحقّق العلاّمة السيد حسن البجنوردي ( 1316 ـ 1396 هـ ) صاحب كتاب القواعد الفقهية .
  ترك شيخنا ثروة علمية في الاَُصول باسم ( المقالات الاَُصولية ) ، ودورة فقهية استدلالية ، وقد طبع بعض أجزائها ، وهو أحد الاَعاظم القلائل الذين دوّنوا دورة كاملة في الفقه .
  وقد دوّن تلاميذه أفكاره باسم التقريرات ، أذكر منهم :
  1 ـ ( بدائع الاَفكار ) للعلاّمة الشيخ ميرزا هاشم الآملي ( 1323 ـ 1414 هـ ) في أربعة أجزاء .
  2 ـ ( نهاية الاَفكار ) للعلاّمة الشيخ محمد تقي البروجردي ( 1316 ـ 1391 هـ ) وهي دورة كاملة لدروس أُستاذه العراقي في الاَُصول ، وطبع منه في حياته المباحث العقلية ضمن الجزءين الثالث و الرابع من الكتاب ، ثمّ طبع الجزءان الاَوّلان في مجلد واحد .
  11 ـ الشيخ محمد حسين الاِصفهاني ( 1296 ـ 1361 هـ ) هو الشيخ محمد حسين بن محمد حسن الاصفهاني النجفي من تلامذة شيخنا المحقّق الخراساني ، وهو حكيم متألّه ، وأُصولي بارع ، وفقيه مدقّق ، عكف

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 447 ـ
  على كتبه ودروسه لفيف من الفضلاء العلماء ، وربّى جيلاً كبيراً ، منهم : الف . السيد العلاّمة محمد حسين الطباطبائي ( 1321 ـ 1402 هـ ) الغنيّ عن الاطراء والتعريف صاحب كتاب ( الميزان في تفسير القرآن ) .
  ب ـ العلاّمة السيد محمد هادي الميلاني ( 1313 ـ 1394 هـ ) : كان رحمه اللّه آية في الذكاء والدقّة ، وله آثار فقهية مطبوعة وغير مطبوعة ، وكان زعيماً علمياً في خراسان منذ هبوطه بها عام 1371 هـ .
  ج ـ الشيخ محمد رضا المظفر ( 1322 ـ 1384 هـ ) .
  وقد ترك ثروة علمية نذكر منها ما يلي :
  1 ـ ( نهاية الدراية في شرح الكفاية ) طبع في جزءين .
  2 ـ التعليقة على مكاسب الشيخ الاَنصاري في جزء واحد .
  3 ـ الاجتهاد والتقليد والعدالة .
  إلى غير ذلك من الآثار العلمية المذكورة في ترجمته . (1)
  12 ـ السيد أبو الحسن الاِصفهاني ( 1284 ـ 1365 هـ )
  هو السيد أبو الحسن الاِصفهاني زعيم الشيعة في وقته ، ومن أشهر مراجعهم وفقهائهم ، أتقن المقدّمات في إصفهان ، ثمّ هاجر إلى النجف الاَشرف ، وحضر بحث شيخنا المحقّق الخراساني ، واستقل بالتدريس بعده ، ورزق ذاكرة وقّادة قلّما ير مثله عند أقرانه .
  ويعد كتابه ( وسيلة النجاة ) دورة فقهية كاملة ، يشمل عامة الكتب الفقهية

(1) له ترجمة ضافية في مقدمة كتابه ( تحفة الحكيم ) و ( الاَنوار القدسية ) و ( تعليقته على المكاسب ) ، فقد قام الشيخ محمد علي الاَردوبادي ، والشيخ المظفر بترجمة أُستاذهما .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 448 ـ
  غير القضاء والشهادات والحدود و الديات ، وله حقّعظيم على الحوزة العلمية في النجف الاَشرف ، وقد تسلّم مقاليد الزعامة في عصر عصيب وزمان كثرت فيه الاضطرابات .
  13 ـ الشيخ عبد الكريم الحائري ( 1274 ـ 1355 هـ )
  هو الشيخ عبد الكريم بن محمد جعفر اليزدي الحائري ، تلقّى المقدّمات في مدينة يزد ، ثمّ غادرها إلى النجف الاَشرف ، فحضر بحث أُستاذه السيد محمد الفشاركي (المتوفّى 1315هـ) والمحقّق الخراساني ، ثمّاستقل بالتدريس .
  ثمّ إنّه (قدس سره) غادر العراق ونزل مدينة أراك عام 1316 هـ ، فمكث فيها إلى سنة 1324 هـ ، وقد كان لاِقامته في تلك المدينة أثر بالغ في تربية جيل جديد للفقه والاَُصول ، ولكنّه سرعان ما انتقل إلى النجف الاَشرف عام 1324 هـ ، ولما قامت الحركة الدستورية انشقت عصا الوحدة بين العلماء ، فآثر شيخنا مغادرة النجف والاِقامة في كربلاء المقدسة البعيدة عن هذه الاَجواء السياسية ، ولما كثرت عليه الطلبات للعودة إلى ( أراك ) والقيام بوظيفته الرسالية السابقة غادر الحائر الشريف عام 1332هـ فهبط مدينة ( أراك ) وأخذ بالتدريس والتربية إلى عام 1340 هـ ، وفي هذ السنة غادر المدينة فهبط مدينة قم حيث عزم الاِقامة فيها .

جامعة قم وعطاوَها
  إنّ مدينة قم المقدسة كانت بلدة عامرة بالعلم والفقه منذ القرن الثاني إلى أواخر القرن الرابع ، حيث اكتظت بعباقرة الحديث والفقه والرجال ، ومنها انتشر العلم إلى سائر الاَمصار .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 449 ـ
  فالمحدّثون القميّون عرفوا في سماء الحديث والفقه ، وكفاك أنّ إبراهيم بن هاشم ، وابنه علي بن إبراهيم ، وأحمد بن محمد بن خالد البرقي ، وأحمد بن محمد بن عيسى الاَشعري ، ومحمد بن أحمد بن عمران الاَشعري ، وغيرهم من جهابذة الحديث والفقه خرّيجو مدرسة قم ، وتركوا مصنّفات ثمينة بقيت مصونة عن حوادث الزمان .
  لم يبق تألّق نجم العلم في هذه البلدة على منوال و احد ، بل كان له طلوع وغروب مرّة تلو أُخرى ، إلى أن ساق القضاء رجل العلم والفضيلة ، مثال الزهد والتقوى ، آية اللّه العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي ـ قدّس اللّه سرّه ـ إليها عام 1340 هـ ، فقام بتأسيس الحوزة العلمية فيها ، ونفض الغبار عن كاهل حوزتها ، ونفث روحاً جديدة في عروقها ، في حين كانت رياح الضلال تعصف في أرجاء العالم كلّه ، ووقعت إيران العزيزة في مهب رياحه ، لكن شاءت الاَقدار الاِلهية أن تكون تلك الحوزة العلمية سدّاً منيعاً أمام التيارات الاِلحادية ، ووتداً راسخاً يحول دون الهزة العلمانية ، فأضحت مناراً فيّاضاً يشع نوراً وهداية في قلب الاَُمّة الاِسلامية على وجه تمثل قول أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في حقّ هذه البلدة الطيبة : ( منها يفيض العلم ) .
  هبط الموَسس آية اللّه الحائري مدينة قم في 22 من شهر رجب المرجب من شهور عام1340هـ ، وتقاطر روّاد العلم إليها من كلّ فجّ عميق ، فانتعش العلم ببركته ، وخرّج طليعة من روّاد العلم والعلماء إلى أن لبّى نداء ربّه في أواخر سنة 1355 هـ ، وبذلك فقدت الحوزة العلمية زعيمها وموَسسها ، ولكن دام عطاء الحوزة العلمية على يد تلامذته ، فقاموا برعاية الجامعة العلمية بعد رحيله على أحسن ما يرام ، وأخذوا بزمام الاَُمور بعزم سديد ، ويد من حديد في جو مشحون بأنواع من المحن والشدائد التي كادت أن تقلع جذور تلك الشجرة المباركة

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 450 ـ
  الطيبة ، ولا غرو أن نذكر أسماءهم إجلالاً للجهود الثمينة التي بذلوها والعناية التي أولوها :
  1 ـ آية اللّه السيد محمد الحجة ( 1301 ـ 1372 هـ ) .
  2 ـ آية اللّه السيد صدر الدين الصدر ( 1299 ـ 1373 هـ ) .
  3 ـ آية اللّه السيد محمد تقي الخوانساري ( 1306 ـ 1371 هـ ) .
  وهوَلاء الاَقطاب الثلاثة كانوا مراجع العلم وأساتذة الحوزة وزعماءها ، صابرين على المحن و الكوارث ، غيرمكترثين بما ينتابهم من صروف الدهر ، وغير الزمان ، مجابهين ضوضاء الباطل بحكمة عملية وعظة بالغة ، وفي الختام نذكر ما تركه شيخنا ـ المترجم له ـ من آثار علمية في الفقه والاَُصول ، ونخص منها بالذكر كتابين مهمين :
  أ ـ (درر الفوائد) وهي دورة أُصولية كاملة كان عليه مدار تدريسه ، وقد طبع في جزءين ، وللموَلّف على الكتاب تعليقات علّقها حسب ما بدا له من الآراء الجديدة في خلال دوراته الاَُصولية .
  ب ـ كتاب ( الصلاة ) وهو و إن اختص بكتاب الصلاة ، ولكنّ فيه بحوثاً علميةً تتمتع بالعمق ، يستفيد منها القارىَ في أبواب أُخر ، وقد كان سيدنا البروجردي ـ حسب ما سمعته منه شفهياً ـ يثني عليه بأنّه مع الاختصار قل نظيره بين موَلّفات المعاصرين متضمن لمطالب كثيرة .
  ثمّ أُتيحت لشيخنا المترجم فرصة تربية جيل كبير من الفقهاء الذين أضحوا فيما بعد عمد الدين ، وأساطين الحوزة ، ومراجع للفقه والاَُصول ، ولا يمكن في هذه العجالة الاِشارة إلى أسمائهم ، وكفانا في ذلك ما أُلّف في هذا المجال من الرسائل والكتب ، وقد غطى البلاد جل المتخرّجين من هذه الحوزة ،