9 ـ السيد نعمة اللّه بن عبد اللّه الموسوي الجزائري ( المتوفّى 1113 هـ ) يعرّفه الشيخ الحر العاملي ، بقوله : عالم ، فاضل ، محقّق ، علاّمة ، جليل القدر ، مدرّس ، من المعاصرين. له كتب ، منها : ( شرح التهذيب ) ، و ( حواشي الاستبصار ) إلى آخر ما ذكر.
  وشرحه على التهذيب في نحو 12 مجلداً ، وهو من الكتب الممتعة. (1)
  وقد أخذ عنه جماعة كثيرون منهم :
  1 ـ السيد محمود الميمندي.
  2 ـ علي بن الحسين بن محيي الدين بن عبد اللطيف الهمداني العاملي.
  3 ـ الشيخ الورع الفقيه محمد بن يوسف بن علي بن كنبار.
  10 ـ سليمان بن عبد اللّه البحراني ( 1075 ـ 1121 هـ )
  هو الشيخ أبو الحسن سليمان بن الشيخ عبد اللّه بن علي بن حسن بن أحمد ابن يوسف بن عمّار البحراني.
  يعرّفه شيخنا النوري في كتابه :علاّمة الزمان ، ونادرة الاَوان ، الشيخ سليمان ابن الشيخ عبد اللّه الماحوزي البحراني ، المحقّق ، المدقّق ، صاحب الموَلّفات الاَنيقة التي منها : كتاب ( الاَربعين في الاِمامة ) و هو صاحب ( المعراج ) شرح فيه فهرست الشيخ إلى آخر باب التاء ، وقد أكثر النقل عنه المحقّق البهبهاني في التعليقة ، توفي وعمره يقرب من خمسين سنة ، في السابع عشر من شهر رجب سنة 1121 هـ .

(1) مستدرك الوسائل : 3|404 ، روضات الجنات :8|150 برقم 726 ، أمل الآمل :2|336برقم 1035.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 402 ـ
  ويعرّفه تلميذه الشيخ عبد اللّه بن صالح البحراني ، بقوله : وكان هذا الشيخ أُعجوبة في الحفظ والدقة ، وسرعة الانتقال في الجواب ، و المناظرات وطلاقة اللسان ، لم أر مثله قط ، و كان ثقة في النقل ، ضابطاً ، إماماً في عصره ، وحيداً في دهره ، إلى أن قال : و كان أعظم علومه ، الحديث والرجال و التواريخ. (1)
  11 ـ عبد اللّه بن صالح البحراني السماهيجي ( 1086 ـ 1130 هـ )
  هو الشيخ عبد اللّه بن الحاج صالح بن جمعة بن علي السماهيجي ، ترجمه السيد عبد اللّه حفيد السيد نصر اللّه الجزائري ، في إجازته الكبيرة لبعض علماء الحويزة ، قال : كان عالماً ، فاضلاً ، محدّثاً ، متبحراً في الاَخبار ، عارفاً بأساليبها ووجوهها ، بصيراً في أغوارها ، خبيراً بالجمع بين متنافياتها و تطبيق بعضها على بعض ، له سليقة حسنة في فهم الروايات ، و أُنس تام بمعانيها ، كثير الاحتياط على طريقة الاَخباريين ، شديد الاِنكار على أهل الاجتهاد ، و من إفراطه وغلوّه في هذا الباب منعه من العمل بظواهر الكتاب ، ودعواه أنّ القرآن كلّه متشابه على الرعية ، و هذه المقالة نقلها العلاّمة في ( النهاية الاَُصولية ) عن بعض الحشوية ، و اقتفى أثرهم طائفة من الاَخباريين من المتأخرين.
  ومن تأليفاته :
  1 ـ ( جواهر البحرين في أحكام الثقلين ).
  2 ـ كتاب ( منية الممارسين في جوابات مسائل الشيخ ياسين ).
  إلى غير ذلك من التآليف ، و يروي عن جماعة من فضلاء البحرين أعظمهم شأناً الشيخ سليمان بن عبد اللّه المتقدم ذكره. (2)

(1) انظر ترجمته في لوَلوَة البحرين :8 ، روضات الجنات : 4|160 برقم 319 ، مستدرك الوسائل : 3|388.
(2) الاِجازة الكبيرة :200 ، روضات الجنات :4|247 برقم 390 ، لوَلوَة البحرين :96 برقم 38.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 403 ـ
  12 ـ الشيخ يوسف البحراني ( 1107 ـ 1186 هـ )
  هو المحدّث الكبير ، والفقيه المتبحّر ، الجامع بين التوغّل في الحديث والاِحاطة بالفروع.
  يصفه تلميذه أبو علي الحائري موَلّف ( منتهى المقال ) ، بقوله : عالم ، فاضل ، متبحر ، ماهر ، متتبّع ، محدّث ، ورع ، عابد ، صدوق ، دين ، من أجلّة مشايخنا وأفاضل علمائنا المتبحّرين.
  وقال تلميذه الاَمير عبد الباقي سبط العلاّمة المجلسي في ( منتخب لوَلوَة البحرين ) : كان فاضلاً ، عالماً ، محقّقاً ، نحريراً ، مستجمعاً للعلوم العقلية والنقلية ، إلى غير ذلك من جمل الثناء وحلل الاِطراء ممّا ذكره المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي (رحمه الله) في مقدّمته على كتاب ( الحدائق الناضرة ).
  وشيخنا هذا انتهت إليه سلسلة الاِجازات وحلقات الروايات ، يروي عنه لفيف من العلماء أشهرهم : المولى محمد مهدي النراقي صاحب ( المستند ) ، و السيد مهدي بحر العلوم و يوجد نص الاِجازة في ذيل فوائده الرجالية.
  وقد ألّف كتباً كثيرة أشهرها : ( الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ) وقد طبع في 25 جزءاً.
  يقول الموَلف في حقّ هذا الكتاب : لم يعمل مثله في كتب الاَصحاب ، ولم يسبق إليه سابق في هذا الباب ، لاشتماله على جميع النصوص المتعلّقة بكل مسألة وجميع الاَقوال ، و جملة الفروع التي ترتبط بكلّ مسألة إلاّ ما زاغ عنه البصر وحاد عنه النظر.
  إلى أن قال : وبالجملة ، فإنّ قصدنا فيه إلى أنّ الناظر فيه لا يحتاج إلى مراجعة غيره من الاَخبار ، ولا كتب الاستدلال ، ولهذا صار كتاباً كبيراً واسعاً

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 404 ـ
  كالبحر الزاخر باللوَلوَ الفاخر.
  وقال الخوانساري : كان هو أخبارياً صرفاً ، ثمّ رجع إلى الطريقة الوسطى ، وكان يقول : إنّها طريقة العلاّمة المجلسي.
  توفي (رحمه الله) سنة 1186 هـ ، و تولّى غسله الشيخ محمد علي الشهير بابن سلطان وهو من أجلِّ تلاميذه ، وصلّـى عليه المحقّق البهبهاني.
  وقد ذكر المحدّث النوري أسماء من روى عنهم كالشيخ حسين بن الشيخ محمدجعفر الماحوزي البحراني. (1)
  13 ـ محمد بن عبد النبي بن عبد الصانع النيسابوري ( 1178 ـ 1235 هـ )
  هو أبو أحمد الشريف محمد بن عبد النبي بن عبد الصانع المحدّث النيسابوري المعروف بميرزا محمد الاَخباري.
  يذكره في ( الروضات ) و يقول : لا شبهة في غاية فضله ووفور علمه وجامعيته لفنون المعقول والمنقول ، إلاّ أنّه لما تجاهر بتحقير علمائنا الاَعلام ، صرف اللّه عنه قلوب أهل القلوب ، وهو من المتطرّفين في الاَخبارية ، وله آثار كثيرة تدل على توقّده وذكائه.
  وقد ذكر النيسابوري سلسلة مشايخ الاَخبارية بقوله : مولانا محمد أمين الاسترابادي الاَخباري هو أوّل من تكلّم على المتأخّرين لمخالفتهم طريقة قدماء الاَصحاب وأحسن وأتقن ، ثمّ تكلّم المحدّث القاساني في ( سفينة النجاة ) بقليل لا يشفي العليل ، ثمّ المحدّث العاملي في ( الفوائد الطوسية ) أتى بما يروي

(1) الحدائق الناضرة :1 ، المقدمة ، بقلم السيدعبد العزيز الطباطبائي (رحمه الله) ، مستدرك الوسائل : 3|387، روضات الجنات :8|203 ، وقد ترجم لنفسه في لوَلوَة البحرين :442.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 405 ـ
  الغليل ، ثم ّالشيخ حسين بن شهاب الدين العاملي في ( هداية الاَبرار ) أشبع التفصيل ، ثمّ الشيخ أبو الحسن الغروي أراد التكميل ، وسادسهم مولانا رضي الدين القزويني في ( لسان الخواص ) أقام الدليل ، والسابع هذا العبد الذليل ، انتهى. (1)
  ومن تأليفه ( قبسة العجول في الاَخبار والاَُصول ) وقد رد عليه المحقّق القمّي في كتاب أسماه ( عين العين ) ، فلمّا وصل إلى يد الشيخ الاَخباري رد عليه بكتاب آخر أسماه ( إنسان العين في ردّ كتاب عين العين ) ، و قد ألّف دورة فقهية من الطهارة إلى الديات أسماه ( التحفة ).
  ومهما يكن في أمره غمة فقد تجاهر في الطعن بالعلماء والتشنيع بهم ، ممّا حدا العوام إلى الهجوم عليه انتهت بقتله في الكاظمية عام 1235 هـ .
  هذه لمحة خاطفة عن سيرة أقطاب الحركة الاَخبارية منذ أن رفع رايتها الاَمين الاسترابادي إلى محمد بن عبد النبي الاَخباري بعد أن دامت ما يقرب القرنين، وانتهت بظهور الوحيد البهبهاني الذي هدّم أركانها بمعوله ، وقضى عليها بفكره الوقّاد ، و حججه الباهرة القاهرة وبراهينه الساطعة القانعة ، وجهاده المتواصل ، فدحض حججها واستطاع أن يوقفها عند حدها ، ومنذ ذلك الوقت بدأ النشاط الاَخباري بالفتور ، و لم يبق من معالمه شيء إلاّ أنّه ترك مخلّفات وآثاراً غير محمودة عند المتأخّرين من العلماء.
  ثمّ قام تلميذ منهجه الشيخ مرتضى الاَنصاري (قدس سره) في مواصلة منهج أُستاده بإزالة ما بقي من تلك الرواسب في الاَذهان بكتبه القيّمة ، وأفكاره الناضجة ، وبحوثه الرائعة التي ألقاها في النجف الاَشرف ، فاستتب الاَمر

(1) روضات الجنات :7|138ـ 139.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 406 ـ
  للاَُصوليين ، ولم يبق من أتباع المذهب المبتدع إلاّ كصبابة الاِناء تظهر بين فترة وأُخرى.
  ونحن على يقين بأنّ بث هذه الفكرة في هذه الاَيّام في الحوزاتّ موَامرة حيكت لاِفراغ التشيّع من طابعه العلمي الذي هو سلاحه في مواجهة الاَعداء عبر القرون ، و من الواضح بمكان انّ كلّ أُمّة إذا تخلّت عن العقل والبرهان السليم أصبحت فريسة سائغة للاستعمار .

روّاد الاجتهاد في العصر الاَخباري
  ثمّة علماء مفكّرون لم ينخرطوا في تيار الاَخبارية الجارف بل صمدوا أمامه وأخذوا يدافعون عن منهج الاجتهاد بالاَدلّة القاطعة على الرغم من قلّة عددهم ، ونشير هنا إلى أسماء أكابرهم :
  1 ـ سلطان العلماء ( المتوفّى 1064 هـ )
  هو السيد حسين بن رفيع الدين محمد بن الاَمير شجاع الدين محمود الآملي الاصفهاني الملقب بـ ( سلطان العلماء ).
  يعرّفه الخوانساري بقوله : كان من أعاظم الفقهاء الاَعيان ، محقّقاً ، مدقّقاً ، بديع التصرّف في العلوم ، تقلّد الوزارة للسلطان شاه عباس الصفوي ، وتزوج بابنته ، فرُزق منها أولاداً ، كلّهم فضلاء أذكياء ، علماء أصفياء ، قرأ على والده ، وشارك المولى خليلاً القزويني في التتلمذ على شيخنا البهائي ، ومن أشهر تآليفه : تعليقته على أُصول المعالم ، وعلى شرح مختصر العضدي ، وعلى زبدة الشيخ البهائي.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 407 ـ
  وتوفي عند عودته من فتح قندهار ، ثمّ نقل جثمانه إلى النجف الاَشرف ، وقبره بها معروف يزار (1).
  2 ـ الفاضل التوني ( المتوفّى 1071 هـ )
  هو الشيخ عبد اللّه بن محمد التوني البشروي الرضوي.
  يعرّفه الحر العاملي بقوله : عالم ، فاضل ، فقيه ، زاهد ، عابد ، معاصر ، له كتاب شرح الاِرشاد في الفقه ، ورسالة في الاَُصول ، ورسالة في الجمعة ، ومن أشهر تآليفه ( الوافية ) التي فرغ منها سنة 1059 هـ ، وهو كما يصفه الخوانساري نقلاً عن خط أخي صاحب الترجمة : جمعت بدائع التحقيق وودائع التدقيق ، وطبع عام 1412 هـ ، وهو كتاب في أُصول الفقه.
  وتظهر قوة عارضته من المنهجية الجديدة التي مشى عليها في كتاب ( الوافية ) حيث وضع للمباحث الاَُصولية تبويباً غير معهود عند المتقدّمين عليه ، وانفرد بعدة آراء لم يسبقه إليها أحد.
  وقد اهتم الشيخ الاَنصاري بأفكاره وتحقيقاته ، فيذكر نصه ثمّ يناقش في غير واحد من فرائد الاَُصول. (2)
  3 ـ حسام الدين محمد صالح المازندراني ( المتوفّى 1080 هـ )
  هو مولانا حسام الدين محمد صالح بن أحمد المازندراني ، أحد

(1) روضات الجنات : 2|346 برقم 218 ، وقد ترجمه المدني في سلافة العصر :499 ، أمل الآمل :2|92 برقم 249.
(2) له ترجمة ضافية في روضات الجنات :4|244 برقم 389، أمل الآمل :2|163 برقم 477 ، رياض العلماء :3|237 ، وقد استوفى ترجمته محقّق كتاب (الوافية) السيد محمد حسين الرضوي الكشميري في المقدّمة.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 408 ـ
  الاَُصوليين في العهد الاَخباري يصفه الحر العاملي بقوله : فاضل ، عالم ، محقّق ، له كتب ، منها : شرح الكافي ، كبير حسن ، وشرح الفقيه ، و شرح المعالم ، وحاشية شرح اللمعة.
  وتعرب تعليقته على أُصول الكافي عن تضلّعه في المعقول والحكمة الاِلهية ، كما يكشف شرحه على مقدمة ( المعالم ) عن توغله في الاَُصول وتمتعه بذهنية وقّادة ، وفكر ثاقب.
  قرأ على المولى عبد اللّه التستري الرجالي المعروف والمولى محمد تقي المجلسي.
  يقول الخوانساري في روضاته : ومن لاحظ شرح معالم الاَُصول علم مهارته في قواعد الاجتهاد وله شرح مزجي على زبدة الاَُصول لشيخنا بهاء الدين العاملي. (1)
  4 ـ فخر الدين الطريحي ( المتوفّى 1085 هـ )
  هو الشيخ فخر الدين بن محمد بن علي بن أحمد بن طريح.
  يعرّفه الحر العاملي بقوله : فاضل ، زاهد ، ورع ، فقيه ، شاعر ، جليل القدر ، له كتب ، منها : ( مجمع البحرين ) وهو عند الشيعة كالنهاية عند السنة ، فقد استعرض فيه اللغات الواردة في الكتاب والسنّة، و ( الفخرية ) في الفقه، و ( المنتخب ) في المقتل.
  وله كتاب آخر في بيان لغات القرآن سماه ( نزهة الخاطر وسرور الناظر ).
  وله في أُصول الفقه شرح المبادىَ الاَُصولية للعلاّمة ، ومنها فوائد الاَُصول.(2)

(1) أمل الآمل : 2|276 برقم 816، وله ترجمة ضافية في روضات الجنات :4|118 برقم 355، مستدرك الوسائل : 3|412.
(2) لاحظ ترجمته في أمل الآمل :2|215 برقم 648 ، روضات الجنات : 5|349 برقم 541 ، رياض العلماء :4|332.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 409 ـ
  5 ـ محمد باقر السبزواري ( 1018 ـ 1090 هـ )
  هو المولى الفاضل الفقيه محمد باقر بن محمد موَمن الخراساني السبزواري ، يعرّفه الحر العاملي بقوله : عالم ، فاضل ، محقّق ، متكلّم ، حكيم ، فقيه ، محدّث ، جليل القدر.
  ويقول الخوانساري : كان فاضلاً ، عالماً ، حكيماً ، متكلماً ، فقيهاً ، أُصولياً ، محدّثاً ، نبيلاً ، له شرح على إرشاد العلاّمة سمّاه ( ذخيرة المعاد في شرح الاِرشاد ) خرج منه إلى آخر كتاب الحج ، وله شرح على زبدة الاَُصول ، وقد تتلمذ عليه زوج أُخته السيد حسين الخوانساري.
  وقد طبعت ( الذخيرة ) بالقطع الرحلي. (1)
  6 ـ حسين الخوانساري ( المتوفّى 1098 هـ )
  هو الحسين بن جمال الدين محمد الخوانساري.
  يعرّفه الحر العاملي بقوله : فاضل ، عالم ، حكيم ، متكلم ، محقّق ، مدقّق ، ثقة ثقة ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، علاّمة العلماء ، فريد العصر ، له موَلفات ، منها : ( شرح الدروس ) حسن لم يتم ، وله كتب في الكلام والحكمة.
  وقد ترجمه السيد علي المدني في ( سلافة العصر في محاسن أعيان العصر ).
  وله رسالة في مقدّمة الواجب تعرض فيها للرد على الفاضل القزويني والفاضل النائيني ، وقد ذكر أسماء تآليفه ولده جمال الدين محمد. (2)

(1) انظر ترجمته في روضات الجنات : 2|68 برقم 141 ، رياض العلماء :5|44 وغيرهما.
(2) لاحظ ترجمته في أمل الآمل :2|101 برقم 276 ، رياض العلماء :2|57 ، روضات الجنات :2|349 برقم 219.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 410 ـ
  7 ـ جمال الدين الخوانساري ( المتوفّى 1125 هـ )
  هو جمال الدين بن الفاضل المحقّق حسين الخوانساري الذي تقدّم ذكره.
  يعرفه موَلّف ( جامع الرواة ) المعاصر له ، بقوله : جمال الدين الحسين بن جمال الدين الخوانساري جليل القدر ، عظيم المنزلة ، رفيع الشأن ، ثقة ، ثبت عين ، صدوق ، عارف بالاَخبار والفقه والاَُصول و الحكمة ، له تأليفات ، منها ( شرح مفتاح الفلاح ( وحاشية على ) شرح مختصر الاَُصول ).
  ويعرّفه الاَفندي بقوله : عالم ، فاضل ، حكيم ، محقّق ، مدقّق ، معاصر ، له موَلفات ، توفّي عام 1125 هـ (1) و له تعليقة على الروضة البهية المطبوعة معها.
  8 ـ محمد بن الحسن الشيرواني ( المتوفّى 1099 هـ )
  هو المولى الشيخ محمد حسن الشيرواني مولداً ، و الاصفهاني مسكناً ، له حاشية على أُصول المعالم ماهر في الاَُصولين والفقه والحديث ، وله مصنّفات ، منها : شرحه على شرائع المحقّق ، وغير ذلك. (2)
  9 ـ بهاء الدين محمد بن الحسن المعروف بالفاضل
  الهندي ( 1062 ـ 1137 هـ )
  هو الشيخ محمد بن تاج الدين حسن بن محمد الاِصفهاني المشهور بالفاضل الهندي ، تاج المحقّقين والفقهاء ، فخر المدقّقين والعلماء ، وحيد عصره ، وأُعجوبة دهره ، مروج الاَحكام صاحب ( كشف اللثام عن قواعد

(1) انظر ترجمته في روضات الجنات :2|214 برقم 177، رياض العلماء :1|114.
(2) انظر ترجمته في روضات الجنات :7|93 برقم 604، تنقيح المقال :3|103، جامع الرواة :2|92.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 411 ـ
  الاَحكام ) الذي حكي عن صاحب الجواهر انّه كان له اعتماد عجيب فيه ، وفي فقه موَلفه و انّه كان لا يكتب شيئاً من الجواهر لو لم يحضره ذلك الكتاب.
  وكتابه هذا شرح على قواعد العلاّمة الحلّي ، وأنهى الشرح إلى ختام القواعد شرحاً مبسطاً أقرب إلى الاختصار ، وطبع في جزءين كبيرين.
  ثمّ ابتدأ من أوّل القواعد مستوفياً مستقصياً للاَدلّة و الاَقوال ، خرج منه كتاب الطهارة والصلاة والحج ، فرغ من الكتاب عام 1105 هـ ، و توفي عام 1137 هـ. (1)

ميزات الدور الخامس
  لقد ترك التيار الاَخباري مضاعفات خطيرة على الصعيد الفقهي أدّت إلى فتور النشاط الاجتهادي ، وتصاعد النشاط الاَخباري الحديثي ، ولا يخفى انّه إلى جانب تلك الآثار السلبية ، وجدت آثار إيجابية سنشير إلى الجميع على حد سواء ، ونترك فرز الاَثر الاِيجابي عن السلبي إلى القارىَ الكريم.
  1 ـ تشتّت الصف الفقهي
  كانت الحركة الاَخبارية عنصرَ إثارة في الاَجواء الفقهية الشيعية ، وكان النشاط الاجتهادي في تصاعد مستمر نحو الاَمام ، وإذا به يُهاجم من قبل التيار الاَخباري بغتة ، و لم يكن له أي اطّلاع عن واقع الحركة وخلفياتها ، فوقف أمامها في بداية الاَمر عاجزاً مخلوع السلاح ، فتكتل العلماء إلى تكتلات بين أخباري لا يقيم للاَُصولي وزناً ويتّهمه بالتطفّل على موائد الآخرين ، وأُصولي يتهم الاَخباري بالجمود والركود ، ولا شكّ انّ الوحدة بشارة الرحمة والتشتت آية العذاب.

(1) لاحظ ترجمته في روضات الجنات :7|111 برقم 608، الكنى والاَلقاب :3|11 وغيره.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 412 ـ
  قال سبحانه : ( قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَ يُذيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُر كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُون ) . (1)
  كان الوضع سائداً على هذا المنوال إلى أن قيّض اللّه رجل العلم والفكر الوحيد البهبهاني ( 1118 ـ 1206 هـ ) فقام بمناهضة التيار الاَخباري بالدليل القاطع و البرهان الساطع ، و ربّى جيلاً كبيراً من الفقهاء ساروا على نهج أُستاذهم في دحض حجج ذلك التيار المناوىَ ، حتى انجلى وجه الحقيقة ، واتضح زيف الاَدلّة التي أقامها الاَمين الاسترابادي ومن لفَّ لفّه ، فرجع الكثير منهم إلى صف الاجتهاد ، وأعقبه فتور النشاط الاَخباري ، وهدأت الزوبعة الفكرية التي قادتها الاَخبارية ما يقارب القرنين .
  2 ـ كثرة المناظرات الفقهية
  تزامنت الحركة الاَخبارية مع ظهور مستجدات لم يكن لها نظير فيما سبق ، كشرب التتن ، وبما انّ الاَصل عندهم فيما لا نصّ فيه في الشبهة التحريمية هو الاحتياط ، فصار ترك شرب التتن شعاراً لهم ، كما انّ تجويز استعماله أضحى شعاراً للاَُصوليين ، وألَّف ذلك منعطفاً في تاريخ الفقه حيث طرحت لاَوّل مرّة مسائل لم يرد فيها نص في الكتاب والسنّة ، وكثرت المناظرات حولها بغية وضع الحلول المناسبة لها.
  وقد تناول الشيخ الاَنصاري هذا الموضوع بتقسيم مالا نص فيه إلى شبهة حكمية ، وأُخرى موضوعية ، والاَُولى إلى شبهة تحريمية ووجوبية ، إلى غير ذلك من الاَقسام.

(1) الاَنعام :65.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 413 ـ
  3 ـ تأليف جوامع حديثية
  ألّف المحمدون الثلاثة كتباً أربعة هي : الكافي ، والفقيه ، والتهذيب ، و الاستبصار ، فصارت المرجع الوحيد للفقهاء فيما بعد منذ أواسط القرن الخامس إلى أواخر القرن الحادي عشر.
  ولا شكّ انّ الاستنباط فرع الاِحاطة بالاَحكام ، وهذا يستدعي رجوع الفقيه في مسألة واحدة إلى تلك الكتب بأبوابها المختلفة ، ممّا يوَلِّف صعوبة في الاستنباط وعثرة أمامه.
  ولمّا كانت الاَجواء مناسبة لتدوين الحديث ونشره عاد لفيف من كبار الاَخباريين إلى تأليف جوامع حديثية تضم كل ما يحتاج إليه الفقيه في مقام الاستنباط ، فألّفوا جوامع حديثية أُخرى تتمتع بمنهجية وتبويب رائع فاقت الجوامع السابقة ونشير إلى بعض منها :
  1 ـ ( وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ) في الفروع والاَحكام والسنن ، تأليف محمد بن الحسن الحر العاملي ( المتوفّى 1104 هـ ).
  2 ـ ( الوافي ) لوفائه بالمهمات وكشف المبهمات ، للمحدّث العارف محمد بن مرتضى المعروف بالفيض الكاشاني ( 1007 ـ 1091 هـ ) جمع فيه روايات الكتب الاَربعة ، فرغ منه عام 1086 هـ .
  3 ـ ( بحار الاَنوار في درر الاَخبار ) للعلاّمة المجلسي ( 1037 ـ 1110 هـ ) ويعد كتابه هذا موسوعة كبيرة في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) في مختلف المجالات ، وقد غصت الاَجزاء الاَخيرة بالروايات الفقهية ، ثمّ سلسلة الاِجازات ، وقد طبع في 110 أجزاء.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 414 ـ
  4 ـ ( عوالم المعالم ) للشيخ عبد اللّه بن نور اللّه البحراني ، تلميذ العلاّمة المجلسي ، وكتابه هذا في مائة جزء ، طبع بعض أجزائه ، والباقي لم يزل مخطوطاً.
  5 ـ ( الشفا في أحاديث آل المصطفى ) تأليف العلاّمة الشيخ محمد رضا بن عبد اللطيف التبريزي ، المتوفى عام 1158هـ.
  إلى غير ذلك من الجوامع الحديثية التي حازت على منزلة كبيرة ، لما تمتعت به من جودة الترتيب وحسن العرض.
  4 ـ إعادة التفسير الروائي
  كان التفسير للاَثر هو المنهج السائد منذ عصر الاَئمّة إلى زمان الشريف الرضي ( 395 ـ 406 هـ ) حيث تذكر الآية ثمّ تتبع بالآثار الواردة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ، و النموذج البارز لهذا النمط من التفسير هو ( تفسير علي بن إبراهيم القمّي ) المطبوع المنتشر ، ثمّ ترك هذا النوع من التفسير ، وحل محلّه التفسير العلمي كـ ( التبيان ) للشيخ الطوسي ، و ( مجمع البيان ) للشيخ الطبرسي ، ودام هذا النمط إلى أواخر القرن الحادي عشر حيث عاد التفسير بالاَثر إلى الساحة من جديد ، فألّف السيد هاشم البحراني ( المتوفّى 1107 هـ ) كتابه ( البرهان في تفسير القرآن ) المطبوع في ستة أجزاء ، و الشيخ عبد علي العروسي الحويزي كتابه ( نور الثقلين ) إلى غير ذلك من التفاسير بالاَثر التي هي من حسنات تلك الحقبة.
  5 ـ قلّة الاهتمام بعلم الاَُصول
  إنّ المصدر الوحيد للاستنباط لدى الاَخباريين هو الكتاب والسنّة ، ولا قيمة للعقل ، ولا اعتبار للاَُصول العقلية لديهم ، وقد تطرق أُصول الفقه في قسم من مباحثه إلى العقل وأحكامه مما حدا إلى قلة الاهتمام به ، حتى بين

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 415 ـ
  المجتهدين أنفسهم ، فتجد أنّ أكثر التآليف تدور حول كتاب ( زبدة الاَُصول ) للشيخ بهاء الدين العاملي ، وقد كثرت عليه الشروح والتعاليق ، ولم نجد كتاباً مستقلاً في علم الاَُصول دوّن في هذه الحقبة سوى ( الوافية ) للفاضل التوني.
  6 ـ تطوير الفقه في المرحلة اللاحقة
  نادت الحركة الاَخبارية بنبذ كلّ ألوان التفكير العقلي الاَُصولي ، وفي تلك الاَجواء المشحونة ظهر رواد أدركوا خطورة الموقف وانّ علم الاَُصول بثوبه القديم لا يصمد امام التيار الاَخباري المناهض ، وانّالواجب يحتم عليهم الاَخذ بزمام المبادرة وإعادة النظر فيما ورثوه من سلفهم الصالح من أُصول وطوروا الفقه بمسائل أُصولية جديدة لم تكن معنونة في كتب الماضين استطاعت أن تعالج المشاكل العالقة التي دخل منها الاَخباري ، وبالتالي تم إنعاش الحركة الفقهية في المرحلة اللاحقة كما سنستعرضه إن شاء اللّه.

المراكز العلمية التي نشطت في الدور الخامس
  قد مر آنفاً انّأوّل من نادى بالفكرة الاَخبارية هو محمد أمين الاسترابادي ، فقد ألّف كتابه ( الفوائد المدنية ) في المدينة المنورة ، ومكث بها طيلة عمره ، إلى أن وافاه الاَجل عام 1036 هـ ، وقد أرسل كتابه هذا إلى كافة المراكز العلمية التي كان لها نشاط فعال ، كالنجف الاَشرف وكربلاء وإصفهان ، ثمّ البحرين ،فأوجد صدىً واسعاً في تلك المراكز ، وعقد حوله مناظرات كثيرة كانت حصيلتها موافقة بعض ورفض بعض آخر ، إلاّ انّ أنصار الحركة الاجتهادية وبفضل الجهود الحثيثة التي بذلوها على هذا الصعيد استطاعوا أن يسددوا الضربات للحركة الاَخبارية ويفنّدوا جميع مزاعمها.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 416 ـ
  وأخيراً تمّ القضاء عليها ، ولم يبق منها شيء يذكر إلاّ صبابة كصبابة الاِناء توجد في مناطق مختلفة كالبحرين والاَحساء.
 رحم اللّه الماضين من علمائنا و حفظ اللّه الباقين منهم و جمع كلمتهم ، وشملهم.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 417 ـ
أدوار الفقه الشيعي
6 ـ الدور السادس

  عصر تصعيد الاجتهاد والنشاط الفقهي
  ( 1180 ـ 1260 هـ )
  لقد بلغ النشاط الاَخباري ذرْوته ، وعمّت أفكاره كافة المراكز على الرغم من بذل محاولات جادَّة للحد من نشاطه ، والحيلولة دون انتشاره من قبل لفيف من المحقّقين أمثـال : سلطان العلماء ( المتوفّى 1064 هـ) ، والفاضل التوني صاحب الوافية ( المتوفّى 1071 هـ ) ، والمحقّق الشيرواني صاحب الحاشية على المعالم ، ولم تتكلّل جهودهم بالنجاح ، إلى أن قام رجل العلم والقلم ، والتحقيق والتدقيق ، المحقّـق البهبهـاني ( 1118 ـ 1206 هـ ) وأحسَّ بخطورة الموقـف ، فانتقل من النجف الاَشرف إلى كربلاء ، وهي يومئذ معقل الاَخباريين يتزعمها الفقيه الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق ، فحضر أبحاثه أياماً ، ثمّ وقف يوماً في الصحن الشريف ، ونادى بأعلى صوته : أنا حجة اللّه عليكم ، فاجتمعوا عليه ، و قالوا ماتريد : فقال : أُريد من الشيخ يوسف يمكّنني من منبره و يأمر تلامذته أن يحضروا تحت منبري ، فأخبروا الشيخ يوسف بذلك ، وحيث إنّه كان يومئذٍعادلاً عن مذهب الاَخبارية ، خائفاً من إظهار ذلك من جُهّالهم ، طابت

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 418 ـ
  نفسه بالاِجابة (1) وألَّفت هذه الحادثة منعطفاً تاريخياً في قلب الموازين لصالح الاَُصوليين ، حيث وضع المحقّق البهبهاني أصابعه على النقاط الحسّاسة التي كانت الاَخبارية تتشدّق بها.
  وقبل أن ندخل في صلب الموضوع نسلط الاَضواء على سيرة المحقّق البهبهاني ، والدور الذي لعبه في إحياء التيار الاجتهادي ، وإخراج المجتمع من ورطة الاَخبارية.

حياة المحقّق البهبهاني و سيرته
  ولد المحقّق محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني سنة 1118 هـ في إصفهان ، وقرأ المقدّمات فيها ، ثمّ انتقل إلى النجف من جرّاء نشوب القلاقل والفتن وأكمل فيها دروسه عند العلمين الجليلين : السيد محمد الطباطبائي البروجردي ـ جدّ السيد بحر العلوم ـ و السيد صدر الدين القمي المشهور بالهمداني شارح كتاب ( وافية الاَُصول ) ولمّا تزوّد من معين تلك الحوزة و صاهر أُستاذه السيد محمداً الطباطبائي ، انتقل حينها إلى بهبهان معقل الاَخباريين في ذلك الزمان ، ومكث هناك ما يربو على ثلاثين سنة ، لعب فيها دوراً هاماً في التعليم والتربية والتأليف والتصنيف ، وقد أحسَّ بعد حقبة من الزمن انّه لو هاجر إلى الاَماكن المقدسة لبذل عطاءً ضخماً.
  فنزل النجف الاَشرف ، ولم يلبث فيها إلاّ قليلاً ، ثمّ انتقل إلى كربلاء حيث كانت تعجّ بالاَخباريين يومذاك.

(1) المامقاني : تنقيح المقال :2|85.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 419 ـ
  يقول شيخنا المجيز الطهراني : لما ورد المترجم كربلاء المشرّفة قام بأعباء الخلافة ، ونهض بتكاليف الزعامة والاِمامة ، ونشر العلم بها ، واشتهر تحقيقه وتدقيقه ، وبانت للملاَ مكانته السامية ، وعلمه الكثير ، فانتهت إليه زعامة الشيعة ورئاسة المذهب الاِمامي في سائر الاَقطار ، وخضع له جميع علماء عصره ، وشهدوا له بالتفوّق والعظمة والجلالة ، ولذا اعتبر مجدّداً للمذهب على رأس هذه المائة ، وقد ثنيَّت له الوسادة زمناً ، استطاع خلاله أن يعمل و يفيد ، وقد كانت في أيامه للاَخبارية صولة ، وكان لجهّالهم جولة ، وفلتات وجسارات و تظاهرات أُشير إلى بعضها في "منتهى المقال" وغيره ، فوقف المترجم آنذاك موقفاً جليلاً كسر به شوكتهم ، فهو الوحيد من شيوخ الشيعة الاَعاظم ، الناهضين بنشر العلم والمعارف ، وله في التاريخ صحيفة بيضاء يقف عليها المتتبع في غضون كتب السير ومعاجم الرجال. (1)
  والذي يعرب عن خطورة الموقف و انّه بلغ الاَمر إلى الطعن بالعلماء والتشنيع بهم ، هو ما ذكره المحقّق البهبهاني وتلميذه.
  أمّا الاَوّل فيشتكي المحقّق في رسالة ( الاجتهاد والاَخبار ) من الاَخباريين ويخاطبهم بقوله : ما الوجه في مطاعنكم الشديدة المنكرة بالنسبة إلى المجتهدين ، والتشنيعات المتكثّرة الركيكة على هوَلاء المتقين الورعين ، وما المحلّل لهتك حرمة الاَحياء والاَموات من الموَمنين ، وإيذائهم مع كونهم من أزهد الزاهدين ، وأصلح المتدينين ؟ ! بل ربما تأمّلتم في عدالة من يقرأ كتبهم ويسلك سبيلهم ؟ ! ولم هذه التفرقة بين الموَمنين ؟ وممّ هذه المعركة المهيّأة بين العالمين ؟ وما هذه البغضاء والنفرة الحادثة بين الشيعة ؟ ومن أين اجترأ الجهلة على الطعن في الاَعاظم والاَجلّة بنسبتهم إلى متابعة أهل السنّة وأبي حنيفة ؟ ! وغيرها من

(1) الطهراني : الكرام البررة :1|171.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 420 ـ
  الاَُمور السخيفة ؟ ! وأدخلوا أنفسهم بين العلماء وآرائهم في الآراء مع أنّهم لا يعرفون الهرّ من البرّ ، مهدوا لاَنفسهم قواعد مضحكة ، ويفتون بفتاوى ركيكة ، يدّعون أنّهم أخباريون و انّكم لو اطّلعتم على فتاويهم وقواعدهم لتنفّرتم عنهم ، وحذرتم منهم ووجدتم إياهم لا هم منكم ولا أنتم منهم. (1)
  وأمّا تلميذه فقال : وقد كانت بلدان العراق لا سيّما المشهدين الشريفين مملوءة قبل قدومه من معاشر الاَخباريين ، بل و من جاهليهم والقاصرين ، حتى أنّ الرجل منهم إذا أراد حمل كتاب من كتب فقهائنا ـ رضي اللّه عنهم ـ حمله مع منديل ، وقد أخلى اللّه البلاد منهم ببركة قدومه ، واهتدى المتحيِّر في الاهتمام بأنوار علومه. (2)
  هذه إلمامة عابرة عن اتساع نفوذ الاَخبارية في الربوع العلمية ، فحان الوقت الآن لبيان أنّه كيف عولج هذا الداء المستعصي على يد المحقّق البهبهاني.
  فقد قام (قدس سره) بذلك عن طريق تقويض الاَُصول التي ركن إليها الاَخباريون ، وقد أوعزنا إلى تلك الاَُصول سابقاً ، ونعود إليها الآن لغاية التوضيح ، ولمعرفة الاَساليب التي اتخذها البهبهاني لمعالجة الموقف.
  1 ـ ذهبت الاَخبارية إلى أنّ العمل بظواهر القرآن تفسير بالرأي تشمله الروايات المستفيضة الواردة في النهي عن تفسير القرآن بالرأي ، كقولهم : من فسّر القرآن برأيه فقد افترى على اللّه الكذب. (3)
  وأجاب المحقّق : انّ التمسّك بظواهر القرآن بعد الفحص عن مخصصها ومقيدها وناسخها وما ورد حولها من أئمّة أهل البيت ليس إلاّ عملاً بالقرآن

(1) الرسائل الاَُصولية : رسالة الاجتهاد والاَخبار :216.
(2) أبو علي الحائري : منتهى المقال في أحوال الرجال :6|178 برقم 2852.
(3) الصدوق : إكمال الدين وتمام النعمة :256 الحديث 1.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 421 ـ
  وتدبّراً فيه ، وأين هو من تفسير القرآن بالرأي ؟ ! فشتّان بين من ينظر إلى القرآن بذهن صاف وخال من كل الشوائب يستهدي به ، ومن اتخذ موقفاً خاصاً حياله ، فينظر إليه ليستخرج منه الدليل الدال على معتقده وإن لم يكن على صواب.
  2 ـ زعمت الاَخبارية انّ الحجّة عبارة عن الكتاب والسنّة وليس للعقل دور في استنباط الاَحكام الشرعية فيما له مجال ، واستدلوا على ذلك بأنّ دين اللّه لا يصاب بالعقول. (1)
  وقد قام المحقّق البهبهاني بتأليف رسالة في الحسن والقبح العقليين ، وأثبت فيها حجّية حكم العقل في المستقلات العقلية ، وانّه لا صلة لقولهم إنّ دين اللّه لا يصاب بالعقول إلى هذا النمط من الاستدلال ، فإنّ ما ورد في الحديث عبارة عن الظنون المتراكمة من هنا وهناك باسم القياس والاستحسان و المصالح المرسلة فانّ دين اللّه لا يصاب بهذه الظنون دون الاَحكام العقلية القطعية التي لا يشكّ فيها ذو فطرة سليمة كاستقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان ، أو حكمه بأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، إلى غير ذلك من الاَحكام الفطرية الواضحة.
  3 ـ اتخذت الاَخبارية سنداً على الاَُصوليين بأنّهم يعتمدون على الاِجماع مع أنّ الاِجماع أصل لاَهل السنّة ، وهم أصل له يستعملونه في الفقه ويستدلّون عليه.
  غير انّ محقّقنا البهبهاني نبه على أنّ الاشتراك في اللفظ لا يكون سنداً لصالح الاَخباريين ، فإنّ الاِجماع عند الاَُصوليين يختلف جوهراً عن الاِجماع عند أهل السنّة ، إذ انّ الطائفة الثانية يتّكلون على الاِجماع بما هو إجماع ، فالاِجماع بما هوهو حجّة عندهم ، والشيعة ترى أنّ الاِجماع طريق إلى تحصيل قول المعصوم على الاَساليب المقررة في علم الاَُصول.

(1) الفوائد المدنية :162.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 422 ـ
  4 ـ لقد أفرط الاَخباريون إذ قالوا بقطعية تمام الاَحاديث الواردة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ، وبذلك استغنوا عن علم الرجال.
  قال الاَمين الاسترابادي : إنّ العلم بأحوال الرجال غير محتاج إليه ، لاَنّ أحاديثنا كلّها قطعية الصدور عن المعصوم ، فلا نحتاج إلى ملاحظة سنده ، وأمّا الكبرى فظاهر ، وأمّا الصغرى فلاَنّ أحاديثنا محفوفة بالقرائن المفيدة للقطع بصدورها عن المعصوم ، ثمّذكر القرائن المدعاة. (1)
  ثمّ إنّ المحقّق البهبهاني أخذ بتفنيد تلك القرائن التي اعتمد عليها الاَخباري في قطعية الاَخبار في رسالة الاجتهاد والاَخبار. (2)
  وبما انّ نقل كلامه في المقام يخرجنا عن إطار البحث ، فنحيل القارىَ الكريم إلى رسالة الاجتهاد والاَخبار.

ابتكاراته الاَُصولية
  لقد تمتع البهبهاني بذهن وقّاد ، و ذكاء مفرط ساعده على ابتكار قواعد وأساليب جديدة في علم الاَُصول ، منها :
  1 ـ إذا تعلّق الشكّ بأصل التكليف فالاَصل هو البراءة ، وقد استدل عليه بحكم عقلي فطري من قبح العقاب بلا بيان ، وعزّزها بآيات وروايات قد ذكرت في مبحث البراءة من فرائد الشيخ الاَنصاري.
  2 ـ كان الاَصل عند العلماء هو تقديم الجمع على الترجيح في تعارض الاَخبار وعليه سار شيخنا الطوسي في كتابيه حتى اشتهر بأنّ الجمع أولى من

(1) الفوائد المدنية :89.
(2) لاحظ الرسائل الاَُصولية ، رسالة الاجتهاد والاخبار :115ـ162.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 423 ـ
  الطرح ، إلى أن جاء المحقّق البهبهاني فعين للجمع والترجيح ضابطة كلية ، وهي انّ الجمع لو كان أمراً مقبولاً عند العقلاء وسائداً بينهم ، فالجمع مقدَّم على الترجيح ، كما هو الحال في العام والخاص والمطلق والمقيد.
  وأمّا إذا لم يكن الجمع مقبولاً فهو من موارد الترجيح ، وبذلك أثبت انّ الجمع التبرعي أي الجمع بلا شاهد لا دليل عليه ، وقد كان لهذه الضابطة آثار مهمة في الاستنباط والتحقيق.
  3 ـ إذا تعارضت الرواية مع القاعدة القطعية العامة ، فالمشهور هو تقديم النصّ على القاعدة ، على خلاف ما عليه المحقّق البهبهاني فقدم القطعي على النص الظني.
  فمثلاً انّ مقتضى القاعدة القطعية هي حرمة التصرّف في مال الغير بلا رضاه ، وإليه يشير قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( لا يحل مال امرىَ مسلم إلاّ بطيب نفسه ) لكن وردت الرواية على أنّ العابر يجوز له أن يأكل من ثمار الاَشجار حين اجتيازه من دون أن يحوز منها.
  فعلى قول البهبهاني لا يعمل بالرواية أمام القاعدة القطعية ولا يمكن الصمود أمامها.
  وعلى ذلك بنينا في بحوثنا الاَُصولية بأنّ القرآن لا يخصص بالخبر الواحد ، والتفصيل في محله.
  4 ـ كان الطابع العام السائد على فقه القدماء هو جعل الاَُصول العملية في رتبة الاَمارات ، ولذا يستدلّون على المسألة بالخبر الواحد ، وفي الوقت نفسه يستدلّون بالاَصل.
  وقد جاء المحقّق البهبهاني وفرّق بين الاَمارات و الاَُصول ، وجعل لكلّ

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 424 ـ
  حداً ، وأثبت انّ الاَصل دليل حيث لا دليل (الاَمارة).
  وعلى ضوء ذلك قسم الاَدلّة إلى الاجتهادية والفقاهية ، كما نقله الشيخ عنه في أوائل أصل البراءة من الفرائد.
  إلى غير ذلك من الاَفكار الرائعة و التحليلات الرائقة ، التي استطاع بها تصعيد النشاط الاجتهادي.
  تلاميذه
  غاب نجم العلم وتوفي المحقّق البهبهاني عام 1205 هـ ، ولكن الركب الفقهي الذي أشاد معالمه لم يزل سائراً نحو الاَمام بفضل تلامذة مدرسته وهم :
  1 ـ السيد محمد التستري ( المتوفّى 1206 هـ ).
  2 ـ السيد أحمد الطالقاني النجفي ( المتوفّى 1208 هـ ).
  3 ـ المولى مهدي النراقي ( المتوفّى 1209 هـ ).
  4 ـ السيد محمد مهدي بحـر العلوم ( المتوفّى 1212 هـ ) موَلف ( الفوائـد الرجالية ) في ثلاثة أجزاء وغيرها.
  5 ـ السيد أحمد العطار البغدادي ( المتوفّى 1215 هـ ).
  6 ـ الشيخ أبو علي الحائري صاحب ( منتهى المقال ) ( المتوفّى 1216 هـ ).
  7 ـ الشيخ عبد الصمد الهمداني الشهيد ( المتوفّى 1216 هـ ).
  8 ـ ولد المحقّق البهبهاني الاَكبر محمد علي ( المتوفّى 1216 هـ ).

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 425 ـ
  9 ـ المولى محمد كاظم الهزار جريبي الشهيد في كربلاء عند هجوم الوهابيّين عام 1234هـ ، موَلّف كتاب ( إرشاد المنصفين ) .
  10 ـ الشيخ محمد هادي الشهرستاني ( المتوفّى 1216 هـ ).
  11 ـ الميرزا مهدي بن هداية اللّه بن طاهر الخراساني الشهيد ( المتوفّى 1218 هـ ) .
  12 ـ السيد ميرزا مهدي القاضي الطباطبائي ( المتوفّى 1222 هـ ) .
  13 ـ السيد جواد العاملـي ( المتوفّى 1226 هـ ) موَلّف الموسوعة الفقهية الشهيرة المسمّاة ( مفتاح الكرامة ) في عشرة أجزاء .
  14 ـ الشيخ جعفر كاشف الغطاء ( المتوفّى 1227 هـ ) موَلّف ( كشف الغطاء ) .
  15 ـ الميرزا أبوالقاسم القمي ( المتوفّى 1231 هـ ) موَلّف كتاب ( قوانين الاَُصول ) .
  16 ـ السيد علي الطباطبائي صاحب الموسوعة الفقهية المسمّاة بـ ( رياض المسائل ) ( المتوفّى 1231 هـ ) .
  17 ـ السيدمير محمد حسين بن مير عبد الباقي ( المتوفّى 1233 هـ ) .
  18 ـ السيد دلدار علي نصر آبادي الهندي ( المتوفّى 1235 هـ ) صاحب كتاب ( مسكن الفوَاد ) و ( دعائم الاِسلام ) و ( الشهاب الثاقب ) .
  19 ـ الشيخ أسد اللّه التستري الدزفولي الكاظمي صاحب كتاب ( كشف القناع ) و ( المقابس ) ( المتوفّى 1237 هـ ) .
  20 ـ عبد الحسين الابن الثاني للوحيد ( المتوفّى 1240 هـ ) .
  21 . السيد ميرزا يوسف التبريزي ( المتوفّى 1242 هـ ) .