النجف ، ومن الطبيعي انّالحوزة الفتية التي نشأت حول الشيخ في النجف أن لا ترقى إلى مستوى التفاعل المبدع مع التطور الذي أنجزه الطوسي في الفكر العلمي لحداثتها ، وأمّا الحوزة الاَساسية ذات الجذور في بغداد فلم تتفاعل مع أفكار الشيخ ولم يهاجر منهم إلى النجف إلاّ القليل ، ولهذا لم يتسرّب الاِبداع الفقهي العلمي من الشيخ إلى تلك الحوزة التي كان ينتج ويبدع بعيداً عنها ، وفرق كبير بين المبدع الذي يمارس إبداعه العلمي داخل نطاق الحوزة ويتفاعل معها باستمرار وتواكب الحوزة إبداعه بوعي وتفتّح ، وبين المبدع الذي يمارس إبداعه خارج نطاقها وبعيداً عنها. (1)
  ولنا مع هذا الكلام وقفة قصيرة وهي :
  1 ـ انّالشيخ قام بجهد علمي كبير في مهجره ، وهو تأليف كتاب ( المبسوط ) الذي يعتبر من أوسع الموسوعات الفقهية للشيعة الاِمامية التي ذكر فيها فروعاً وتخريجات لم يكن لها حلول في كتب السابقين ، فلو كان الجو العلمي في مهجره غير بالغ إلى هذا المستوى فالقيام بهذا الجهد يكون أمراً غريباً.
  2 ـ انّ لازم ذلك طروء الركود في بعض الحوزات دون بعض ، وقد كانت للشيعة آنذاك حوزة في الكوفة وفي قم والري وخراسان لا سيما في منطقة بيهق وكيدر ونيسابور ، فلو كان هذا مبرراً لطروء الركود فيجب أن يختص بحوزة دون أُخرى.
  ومهما يكن من أمر فإنّ ظاهرة الركود قد تفشّت في كافة الحوزات وكان النتاج الفقهي في تلك الفترة أقلّ بكثير ممّا كان عليه في الدور المتقدّم.

(1) الشهيد محمد باقر الصدر : المعالم الجديدة : 65ـ 66.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 302 ـ
ميزات هذا الدور
  القضاء الحاسم في نتائج الجهود التي بذلها فقهاوَنا في هذه الفترة بحاجة إلى دراسة الكتب المدوّنة فيها وهي بين مسهب ومقتضب ، وهي فوق ما نرومه في هذا المقال ، ويمكن أن نلخّص نتائج الجهود العلمية في هذه الفترة بالاَُمور التالية :
  الاَوّل : الموسوعة الفقهية
  قد ألّف ابن البرّاج الطرابلسي (400 ـ 481 هـ )موسوعة على ضوء المبسوط للشيخ الطوسي ، ولكن بإيجاز وتلخيص ، وقد فرغ من تأليفها عام 467 هـ ، وهي موسوعة دون ( المبسوط ) وفوق ما ألّف قبله .
  الثاني : تدوين المتون الفقهية
  قد أُلّفت في هذه الفترة متون فقهية على صعيد عال فوق ما تحظى به المتون السابقة كالمقنعة والنهاية للمفيد والشيخ.
  1 ـ فقد ألّف الفقيه أبو جعفر محمد بن علي الطوسي المعروف بـ ( ابن حمزة ) (المتوفّى نحـو 550 هـ) كتــاب ( الوسيلة ) وهو كتـاب فقهي يشتمل على جميع الاَبواب الفقهية مقروناً بالاستدلال الموجز.
  2 ـ كما ألّف السيد حمزة بن علي بن زهرة كتاب ( غنية النزوع إلى علمي الاَُصول والفروع ) ومع أنّه كتاب واحد إلاّ أنّه يشتمل على متون في العقائد ، وأُصول الفقه ، والفقه.
  وقد أسهب في الاستدلال أكثر ممّن سبقه.
  3 ـ كما ألّف محمد بن الحسن الكيدري ( إصباح الشيعة بمصباح الشريعة ) وقد مشى على ضوء غنية النزوع ، وهو مع اشتماله على جميع الاَبواب لا يسهب

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 303 ـ
  في الاستدلال.
  وهناك متون فقهية أُخرى أُلّفت في تلك الفترة ، فمن أراد فليرجع إلى طبقات الفقهاء في القرن الخامس والسادس.
  الثالث : العناية بعلم الاَُصول
  نجد في هذه الفترة عناية بعلم الاَُصول لا سيما العنصر العقلي وإدخاله في مصب الاستدلال ، فقد جعله ابن زهرة قسماً من كتاب ( الغنية ) في علم الاَُصول ، و القارىَ يجد فيه الاعتماد الواضح على العقل في مجالات خاصة كما يعتمد على سائر الاَدلّة.
  كما ألّف الاِمام سديد الدين الحمصي الرازي كتاباً باسم ( المصادر في أُصول الفقه ) تناول فيه العنصر العقلي أكثر ممّن سبقه لضلوعه في المسائل العقلية كما يظهر ذلك من كتابه القيّم ( المنقذ من التقليد ) .
  الرابع : العناية بفقه القرآن
  يعد القرآن أساس التشريع الاِسلامي ، ففيه آيات تعدّ أُسساً للتشريع ، وقد أفردها قطب الدين الراوندي بالتأليف أسماه ( فقه القرآن ) وقد طبع في ثلاثة أجزاء ، وهو كتاب ممتع جداً.
  نعم بحث عنها غيره في ثنايا تفسير القرآن الكريم كالطبرسي في ( مجمع البيان ) ، وأبي الفتوح الرازي في ( روض الجنان ) .
  هذا بعض ما يمكن أن يعد ميزة لهذا الدور ، و استيعاب الميزات رهن الاِحاطة بكافة تصانيف هذا الدور من الكتب لا سيّما الفقهية والاَُصولية منها.
  وهدفنا من هذه الدراسة تمهيد السبيل أمام المعنيين بتاريخ علم الفقه كي يتناولوا تلك التصانيف بشيء من الدقة والعناية والاِحاطة.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 304 ـ
أدوار الفقه الشيعي
4 ـ الدور الرابع

  تجديد الحياة الفقهية
  (600 ـ 1030 هـ)
  الضابطة في تمييز كلّدور عمّا سبقه وجود تفاوت جوهري بين الدورين ، ففي الفترة التي سبقت هذا الدور كان الركود سائداً على ربوع التفكير الفقهي لكن بإبداع في العرض وتغيير في البيان ، ولم يكن ثمّة تطور جوهري طرأ على التفكير الفقهي ، وهذا بخلاف ما سنستعرضه في هذا الدور ففيه تجديد للحياة الفقهية بأساليب مبتكرة ، وقواعد غير مذكورة في كتب السابقين وعناية وافرة بأُصول الفقه وتنوّع في التأليف.
  وقد سبق انّ مشايخنا انقادوا وأذعنوا لفتاوى الشيخ واستدلالاته فلم يخرجوا عن ذلك الطور إلاّقليلاً ، حتى ظهر على مسرح الفكر الفقهي فقيه فذ ، ذو فكر وقّاد ، وذهن جوّال ، آب عن التقليد تابع لما يقوده إليه فكره ألا وهو محمد بن إدريس الحلّي ، فإنّه وقف وهو في العقد الرابع من عمره على توقف الركب الفقهي عن السير ، وانّ كلّ ما تمخّضت عنه الساحة الفكرية كان في الواقع تقليداً للشيخ الطوسي ليس إلاّ ، فشمّر عن ساعد الجدّ وأحدث انقلاباً عارماً في حقل الاجتهاد والاستنباط ، وإليك البيان.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 305 ـ
فقهاء الدور الرابع
  1 ـ ابن إدريس مجدّد الحياة الفقهية (543 ـ 598 هـ)
  يعد ابن إدريس أوّل من خطا بالفقه خطوات واسعة ، فلنبدأ بذكر سيرته .
  يعرّفه التستري بقوله : الشيخ الفاضل ، الكامل ، المحقّق المدقّق ، عين الاَعيان ، ونادرة الزمان ، فخر الدين ، أبو عبد اللّه محمد بن إدريس أو أحمد بن إدريس العجلي الربعي الحلّي نور اللّه مرقده.
  روى عنه : الشيخ النبيل الجليل ، قدوة المذهب ، صاحب المصنّفات ، نجيب الدين أبو إبراهيم محمد بن نما الربعي ، والسيد السند قدوة الاَدباء والنسابة والفقهاء صاحب المصنّفات شمس الدين أبو علي فخار بن معد الموسوي الحائري. (1)
  يقول المحدّث النوري : الشيخ الفقيه ، والمحقّق النبيه ، فخر الدين أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن إدريس الحلّي العجلي ، العالم الجليل ، المعروف الذي أذعن بعلو مقامه في العلم و الفهم والتحقيق والفقاهة أعاظم الفقهاء في إجازاتهم وتراجمهم ، ثمّ ذكر وصف العلماء إيّاه في إجازاتهم. (2)
  ولاَجل أن يقف القارىَ على مدى الجهود العلمية التي بذلها ابن إدريس في رفع المستوي العلمي والفقهي نذكر نصّ عبارته في أوّل ( السرائر ) ، وإن مرّ ذكره في الدور السابق أيضاً.
  إنّي لمّا رأيت زهد أهل هذا العصر في علم الشريعة المحمدية والاَحكام الاِسلامية ، وتثاقلهم عن طلبها ، وعداوتهم لما يجهلون ، وتضييعهم لما يعلمون ، ورأيت ذا السن من أهل دهرنا هذا لغلبة الغباوة عليه ، وملكه الجهل لقياده ،

(1) مقابس الاَنوار :11.
(2) مستدرك الوسائل : 3|481.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 306 ـ
  مضيعاً لما استودعته الاَيام ، مقصراً في البحث عمّا يجب عليه علمه حتى كأنّه ابن يومه ونتيج ساعته ... ورأيت العلم عنانه في يد الامتهان ، وميدانه قد عطل من الرهان ، تداركت منه الذماء الباقي ، وتلافيت نفساً بلغت التراقي. (1)
  فابن إدريس بكتابه هذا أوّل من نفض غبار الركود عن كاهل الفقه الشيعي ، واقتفاه جلّمن تأخّروا عنه وإن اختلفوا معه في أشياء وأشياء ، ولكن الضجة التي أثارها تركت أثرها في شحذ الهمم نحو عرض الفقه بأُسلوب أكثر علميّة.
  وقد أُصيب في جهاده العلمي بوابل من الطعنات اللاذعة ، لكنّها لم توَثر في عزمه الراسخ نحو ما تصبو إليه نفسه ، وهو بتأليف كتابه الرائع ( السرائر ) قد قضى على التقليد الفكري ، وأطاح به ، وأخذ بطرح أفكاره في ثنايا كتابه ، مندداً بالمتفقّهة والمقلّدة ، وهو مع إجلاله للشيخ الطوسي أخذ ببيان المواضع التي يخالفه فيها مدعومة بالبرهان .
  وأخذ يدافع عن وجهة نظره بأمرين :
  الاَوّل : بإقامة البراهين الدامغة على رأيه وفق منهجه ، وهو عدم حجّية خبر الواحد ، وانحصار الحجية بالكتاب والخبر المتواتر والاِجماع والعقل .
  الثاني : محاولة عدم الانفراد بالرأي وتعزيزه بموافقة الشيخ الطوسي له على هذا الرأي في بعض كتبه ، أو أنّ ما ذكره الشيخ إنّما ذكره إيراداً لا اعتقاداً ، إلى غير ذلك من المحاولات التي كان الهدف من ورائها استقطاب موافقة من تقدّم عليه حتى ربما يقتصر على الموافقة التي ربما تلوح من عبارة الشيخ.
  يقول هو في حكم الماء النجس المتمم كراً : الشيخ أبو جعفر الطوسي

(1) مقدّمة الموَلّف على كتابه السرائر : 1|41.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 307 ـ
  (رحمه الله) الذي يُتمسّك بخلافه ، ويُقلّد في هذه المسألة ويُجعل دليلاً ، يقوِّي القول والفتيا بطهارة هذا الماء في كثير من أقواله ، وأنا أُبيّن إن شاء اللّه انّ أبا جعفر(رحمه الله) يفوح من فيه رائحة تسليم المسألة بالكلية ، إذا توَمّل كلامه وتصنيفه حقّ التأمّل ، وأُبصربالعين الصحيحة ، وأحضر له الفكر الصافي فانّه فيه نظر ولبس ، ولتفهم عني ما أقول (1) مراسلاته مع فقهاء عصره.
  كان ابن إدريس فقيهاً دوَوباً في العمل ، وكانت له صلة وثيقة بمعاصريه من فقهاء كلا الفريقين ، وثمة وثيقتان تاريخيتان توَكّدان ذلك.
  1 ـ قال في كتاب المزارعة : وانّ الزكاة على المزارع أوالعامل ، وقال بعض أصحابنا المتأخرين في تصنيف له : كلّ ما كان البذر منه وجب عليه الزكاة ، ولا يجب الزكاة على من لا يكون البذر منه ، قال : لاَنّ ما يأخذه كالاَُجرة (فعلى ما ذكره ، الزكاة على المزارع دون العامل) ثمّ قال : والقائل بهذا هو السيد العلوي أبو المكارم ابن زهرة الحلبي(رحمه الله) شاهدته ورأيته وكاتبته وكاتبني وعرّفته ما ذكره في تصنيفه من الخطأ ، فاعتذر (رحمه الله) بأعذار غير واضحة ، وأبان بها انّه ثقل عليه الرد ، ولعمري انّ الحق ثقيل كلّه ، ومن جملة معاذيره ومعارضاته لي في جوابه ، انّ المزارع مثل الغاصب للحب إذا زرعه ، فإنّ الزكاة تجب على ربّ الحب دون الغاصب.
  وهذا من أقبح المعارضات وأعجب التشبيهات ، وإنّما كانت مشورتي عليه أن يطالع تصنيفه وينظر في المسألة ويغيّرها قبل موته ، لئلاّ يستدرك عليه مستدرك بعد موته ، فيكون هو المستدرك على نفسه ، فعلت ذلك ، علم اللّه

(1) ابن إدريس : السرائر : 1|66 ، أحكام المياه.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 308 ـ
  شفقة وسترة عليه ونصيحة له ، لاَنّ هذا خلاف مذهب أهل البيت. (1)
  2 ـ يقول في مسألة الطلاق ثلاثاً : وقد كتب إليّ بعض فقهاء الشافعية وكانت بيني وبينه موَانسة ومكاتبة : هل يقع الطلاق الثلاث عندكم ، وما القول عند فقهاء أهل البيت (عليهم السلام) ؟
  فأجبته أمّا مذهب أهل البيت فإنّهم يرون أنّ الطلاق الثلاث بلفظ واحد في مجلس واحد وحالة واحدة ومن دون تخلّل المراجعة لا يقع منه إلاّ واحدة ، ومن طلق امرأته تطليقة واحدة وكانت مدخولاً بها كان له مراجعتها بغير خلاف بين المسلمين ، إلى آخر ما ذكره من المطالب الشيقة ، وقد استغرق عدّة صحائف . (2)
  توفي ابن إدريس وترك تراثاً علمياً وربّى جيلاً من روّاد العلم ، انتهلوا من معين علمه ، ونذكر الآن أسماء لفيف من المشاهير الذين لم تخمد جذوة الاِبداع التي أوجدها ابن إدريس في قلوبهم ، بل واصلوا النهج الذي اختطّه لهم وبثّوا أفكاره في جميع المحافل العلمية .
  2 ـ الفقيه معين الدين المصري (كان حياً عام 629 هـ)
  سالم بن بدران بن علي المصري المازني صاحب كتاب ( التحرير ) الحاوي على أحكام المواريث ، وقد ذكر بعض كلماته المحقّق الطوسي في ( الفرائض النصيرية ) معبّراً عنه : شيخنا الاِمام معين الدين ، وقد قرأ عليه المحقّق الطوسي كتاب ( إصباح الشيعة بمصباح الشريعة ) وأجاز له عام 629 هـ ، والاِجازة مطبوعة في تقديمنا على كتاب الغنية . (3)

(1) ابن إدريس : السرائر : 2|443 .
(2) ابن إدريس : السرائر : 2|678ـ685 .
(3) مقابس الاَنوار : 12 ، وله ترجمة في رياض العلماء :2|408 ـ 411 وأعيان الشيعة :7|172 ـ 173 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 309 ـ
  3 ـ شمس الدين فخار بن معد بن فخار (المتوفّى 630 هـ)
  شمس الدين فخار بن معد بن فخار الموسوي الحائري ، قال الشيخ الحر العاملي : كان عالماً ، فاضلاً ، أديباً ، محدثاً ، له كتب ، منها : كتاب ( الرد على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ) حسن جيد ، وغير ذلك ، يروي عنه المحقّق المتوفّى (676هـ) ويروي هو عن ابن إدريس الحلّي ، وعن ابن شاذان بن جبرئيل القمي وغيرهما . (1)
  ووصفه شيخنا الشهيد الثاني في إجازته : بإمام الاَُدباء والفقهاء .
  ويروي عنه من علماء أهل السنّة ابن أبي الحديد (المتوفّى 655 هـ) وأبو الفرج الجوزي ، والقاضي أبو الفتح محمد بن أحمد المنداني الواسطي ، الذي يروي هو عن ابن الجواليقي وغيره (2).
  4 ـ نجيب الدين محمد بن جعفر بن نما الحلي (565 ـ 645 هـ)
  إنّ بيت ابن نما من أعرق البيوت العلمية في الحلّة الفيحاء ، التي انجبت العديد من العلماء الفطاحل الذين ضنّ بهم الدهر إلاّ في فترات يسيرة ، فلنقتصر على ترجمة الوالد والولد .
  أمّا الوالد ، فهو نجيب الدين أبو إبراهيم محمد بن جعفر بن هبة اللّه بن نما ابن علي بن حمدون الحلّي ، شيخ الفقهاء في عصره ، أحد مشايخ المحقّق الحلّي المتوفّى ( 676 هـ ) و الشيخ سديد الدين ، والد العلاّمة الحلّي ، و السيد أحمد بن طاووس ، والسيد رضي الدين بن طاووس .

(1) أمل الآمل : 2|214 برقم 646 .
(2) وقد ترجمه الخوانساري في ( روضات الجنات ) :5|346 برقم 540 ، و البحراني في لوَلوَة البحرين :280 ، والنوري في مستدرك الوسائل : 3|479 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 310 ـ
  قال المحقّق الكركي في وصف المحقّق الحلّي : وأعْلَمُ مشايخه بفقه أهل البيت الشيخ الفقيه السعيد الاَوحد محمد بن نما الحلّي ، وأجلّ أشياخه الاِمام المحقّق قدوة المتأخرين فخر الدين محمد بن إدريس الحلّي العجلي برّد اللّه مضجعه .
  فالمترجَم من خريجي مدرسة ابن إدريس .
  وأمّا الولد ، فهو الشيخ الفقيه نجم الدين جعفر بن محمد بن هبة اللّه بن نما الحلي ، كان عظيم الشأن ، جليل القدر ، من مشايخ آية اللّه العلاّمة الحلّي المتوفّى ( 726 هـ ) وصاحب المقتل الموسوم بـ ( مثير الاَحزان ) .
  فالوالد من مشايخ المحقّق الحلّي ، والولد من مشايخ العلاّمة الحلّي ، ويظهر من القصيدة التي نظمها جواباً لبعض الحاسدين انّ بيت ابن نما كان بيتاً رفيعاً مرموقاً مشهوراً بالفضائل ، قال :
أنـا  ابـن نما إن نطقت iiفمنطقي      فـصيح إذا ما مصقع القوم iiاعجما
بـنى والـدي نهجاً إلى ذلك iiالعلى      بـأفعاله كـانت إلـى المجد iiسلّما
كبنيان جدي جعفر خير ماجدٍوجدي      فقد  كان بالاِحسان والفضل iiمغرماً
أبـا الـخير الـفقيه أبـي iiالـبقا      فـما زال في نقل العلوم مقدما (1)
  5 ـ المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلّي ( 602 ـ 676 هـ )
  هو الشيخ أبو القاسم نجم الملة والدين ، الملقّب بالمحقّق على الاِطلاق ،

(1) اقرأ ترجمة الوالد والولد في روضات الجنات : 6|294 برقم 586 ، 2|179برقم 169 ، والكنى والاَلقاب :1|441 ، وغيرها .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 311 ـ
  الغني عن الاِطراء ، المشهور بالآفاق بتلاميذه وتآليفه ، ويكفي في مقامه انّ كتابه "شرائع الاِسلام" أصبح كتاباً دراسياً منذ تأليفه إلى يومنا هذا ، وصار محطاً للشرح و التعليق عبر القرون ، وقد وصفه العلاّمة الحلّي في إجازته لبني زهرة من أنّه كان أفضل أهل عصره في الفقه ، واستدركه الشيخ حسن صاحب المعالم بقوله : لو كان ترك التقييد بأهل زمانه كان أصوب إذ لا أرى في فقهائنا مثله على الاِطلاق .
  وذكره ابن داود في ( رجاله ) بقوله : جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلّي ، شيخنا نجم الدين ، أبو القاسم المحقّق المدقّق الاِمام العلاّمة ، واحد عصره ، كان ألسَن أهل زمانه ، وأقومَهم بالحجة ، وأسرعهم استحضاراً ، وقرأت عليه ، وربّاني صغيراً ، وكان له عليّ إحسان عظيم والتفات ، وأجاز لي جميع ما صنّفه وقرأه ورواه ، وكلّ ما يصح روايته عنه ، توفي في شهر ربيع الآخر سنة 676 هـ ، وله تصانيف حسنة محقّقة محررة عذبة ، فمنها : كتاب ( شرائع الاِسلام ) مجلدان ، وكتاب ( المختصر النافع ) مجلد ، وكتاب ( المعتبر في شرح المختصر ) لم يتم مجلدان ، وكتاب ( نكت النهاية ) مجلدان ، وكتاب : ( المسائل الغرية ) مجلد ، وكتاب ( المسائل المصرية ) مجلد ، وكتاب ( المسلك ) في أُصول الدين مجلد ، وكتاب ( الكهنة ) في المنطق مجلد ، وله كتب أُخرى ليس هذا موضع استيفائها فأمرها ظاهر ، وله تلاميذ فقهاء فضلاء . (1)
  حكي أنّ المحقّق نصير الدين الطوسي حضر درس المحقّق وطلب منه إكمال الدرس ، فجرى البحث في مسألة استحباب التياسر (يعني في العراق) فقال المحقّق الطوسي : لا وجه للاستحباب ، لاَنّ التياسر إن كان من القبلة إلى

(1) ابن داود : الرجال :1برقم 300، وانظر ترجمته في روضات الجنات :2|183 ، برقم 170 . ولشيخنا المحقّق ترجمة وافية في غير واحد من الكتب ، فلاحظ رجال ابن داود : القسم الاَوّل برقم300 ، وأعيان الشيعة : 4|89 ، مقابس الاَنوار :12 ، والكنى والاَلقاب :2|154 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 312 ـ
  غيرها فهو حرام ، وإن كان من غيرها إليها فواجب ، فقال المحقّق في الحال : بل منها إليها ، فسكت المحقّق الطوسي .
  ثمّ ألّف المحقّق في ذلك رسالة لطيفة أوردها الشيخ أحمد بن فهد في ( المهذّب ) بتمامها ، وأرسلها إلى المحقّق الطوسي فاستحسنها ، وكان مرجع أهل عصره في الفقه ، يروي عن أبيه عن جده يحيى الاَكبر . (1)   إنّ كلّ ما انتج يراع شيخنا المحقّق أثر خالد على جبين الدهر ، لا سيّما كتابيه ( شرائع الاِسلام ) و ( المعتبر ) ، فإنّ لهما قيمة علمية كبيرة لم تتطاول يد الزمان عليهما .
  فكتاب شرائع الاِسلام في مسائل الحلال والحرام ، وهو من أحسن المتون الفقهية ترتيباً ، وأجمعها للفروع ، وقد ولع به الاَصحاب من لدن عصر موَلّفه إلى الآن ، ولا يزال من الكتب الدراسية في حواضر العلم الشيعية ، وقد اعتمد عليه الفقهاء خلال هذه القرون العديدة فاتخذوه محوراً لبحوثهم ودراساتهم ، وكتبوا عليه شروحاً وحواشي كثيرة ، ويكفيك انّ معظم الموسوعات الفقهية الضخمة التي أُلّفت بعد عصر المحقّق كلّها شروح له ، وقد ذكر أسامي تلك الشروح شيخنا المجيز في ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ) . (2)
  وأمّا كتاب ( المعتبر في شرح المختصر ) فقد شرح فيه كتابه الآخر ( المختصر النافع ) الذي هو مختصر كتابه ( شرائع الاِسلام ) خرج منه العبادات إلى كتاب الحج وبعض التجارات ، وطبع أخيراً في جزءين .
  والكتاب من أنفس الكتب الفقهية الاستدلالية لا يقاس بغيره ، وقد كان السيد المحقّق البروجردي ( 1292 ـ 1380 هـ ) يذكره في دروسه الشريفة بإجلال وإكبار ، ويقول لم يوَلّف على غراره تأليف .

(1) الكنى والاَلقاب :2|154 .
(2) الذريعة :13|47 برقم 161 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 313 ـ
  6 ـ أحمد بن موسى بن جعفر بن طاووس (المتوفّى 673 هـ)
  يعرفه تلميذه ابن داود بقوله : سيدنا الطاهر ، الاِمام المعظّم ، فقيه أهل البيت جمال الدين أبو الفضائل ، مات سنة ثلاث وسبعين وستمائة ، مصنف ، مجتهد ، كان أورع فضلاء زمانه ، قرأت عليه أكثر ( البشرى ) و ( الملاذ ) وغير ذلك من تصانيفه ، وأجاز لي جميع تصانيفه ورواياته ، وكان شاعراً مصقعاً ، بليغاً منشئاً مجيداً ، من تصانيفه : كتاب ( بشرى المحقّقين ) في الفقه ستة مجلدات ، وكتاب ( الملاذ ) في الفقه أربعة مجلدات ، كتاب ( الكر ) مجلد ، كتاب ( السهم السريع ) في تحليل المبايعة مع القرض مجلد ، كتاب ( الفوائد العد ) في أُصول الفقه مجلد ، كتاب ( الثاقب المسخر على نقض المشجر ) في أُصول الدين ، كتاب ( الروح ) نقضاً على ابن أبي الحديد ، كتاب ( شواهد القرآن ) مجلدان ، كتاب ( بناء المقالة العلوية في نقض الرسالة العثمانية ) مجلد ، كتاب ( المسائل ) في أُصول الدين مجلد ، كتاب ( عين العبرة في غبن العترة ) مجلد ، كتاب ( زهرة الرياض ) في المواعظ مجلد ، كتاب ( الاختيار في أدعية الليل والنهار ) مجلد ، كتاب ( الازهار ) في شرح لامية مهيار مجلدان ، كتاب ( عمل اليوم والليلة ) مجلد ، وحقق الرجال والرواية والتفسير تحقيقاً لا مزيد عليه ، رباني وعلمني وأحسن إليّ ، وأكثر فوائد هذا الكتاب من إشاراته وتحقيقاته جزاه اللّه عنّي أفضل جزاء المحسنين . (1)
  وممّا يجب إلفات نظر القارىَ إليه هو انّه (قدس سره) أوّل من اخترع تفريع الخبر إلى أقسامه الاَربعة المشهورة : الصحيح ، الحسن ، الموثق ، والضعيف ، بعدما كان الصحيح عند القدماء بغير المعنى الذي اصطلحه هو عليه ، وقد ذكرنا وجه

(1) ابن داود الحلي : الرجال ، برقم 137،وانظر ترجمته في روضات الجنات :7|66 برقم 15 ، والكنى والاَلقاب :1|340 ، إلى غير ذلك من الكتب .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 314 ـ
  الفرق وسبب تنويع الاَخبار إلى الاَقسام الاَربعة في كتابنا ( كليات في علم الرجال ) . (1)
  وممّا يوَسف له انّ موسوعاته الفقهية باسم ( بشرى المحقّقين ) في ستة أجزاء ، وكتاب ( ملاذ العلماء ) في أربعة أجزاء ممّا لعب به الزمان ، فلم نعثر على نسخة منها .
  ثمّ إنّ من تآليفه ( حلّ الاِشكال في معرفة الرجال ) وكانت نسخة الكتاب موجودة عند الشهيد الثاني ، ثمّ انتقلت إلى ولده الشيخ حسن صاحب المعالم ، فجدّد صياغة الكتاب وأسماه بـ ( التحرير الطاووسي ) .
  وقد صبت الحركة الاَخبارية ـ التي ظهرت في أوائل القرن الحادي عشر ـ حمم غضبها على ابن طاووس وتلميذه العلاّمة الحلّي من جرّاء تنويعهما الاَخبار بهذا النحو الذي ذكرناه .
  7 ـ الفقيه البارع يحيى بن سعيد الحلي ( 601 ـ 689 )
  عرّفه ابن داود في رجاله بقوله : يحيى بن أحمد بن سعيد ، شيخنا الاِمام الورع القدوة ، كان جامعاً لفنون العلم الاَدبية والفقهية والاَُصولية ، وكان أورع الفضلاء وأزهدهم ، له تصانيف جامعة للفوائد ، منها : كتاب ( الجامع للشرائع ) في الفقه ، كتاب ( المدخل ) في أُصول الفقه ، وغير ذلك ، مات سنة 689 هـ . (2)
  وقال الاَفندي التبريزي في كتابه القيم ( رياض العلماء ) : كان (قدس سره) مجمعاً على فضله وعلمه بين الشيعة وعظماء أهل السنّة . (3)

(1) كليات في علم الرجال : 359 .
(2) ابن داود : الرجال : برقم 1660 .
(3) رياض العلماء : 5|336 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 315 ـ
  قال السيوطي في ( بغية الوعاة ) في طبقات اللغويين والنحاة نقلاً عن الذهبي انّه قال : لغوي ، أديب ، حافظ للآثار ، بصير باللغة والاَدب ، من كبار الرافضة . (1)
  وقد ترجمنا له ترجمة وافية في تقديمنا لكتابه ( الجامع للشرائع ) .
  ومن لطائف آثاره كتابه ( نزهة الناظر في الجمع بين الاَشباه والنظائر ) وقد غفل عن ذكره ابن داود في ( رجاله ) وهو كتاب شيق في الفقه يذكر لمسألة واحدة نظائرها وأشباهها .
  وقد طبع من آثاره : ( الجامع للشرائع ) بتقديم منّا و ( نزهة الناظر ) .
  8 ـ غياث الدين عبد الكريم بن أحمد بن طاووس ( 648 ـ 693 هـ )
  يعرّفه المحدّث النوري في ( المستدرك ) بقوله : نادرة الزمان ، وأُعجوبة الدهر ، صاحب المقامات والكرامات .
  ويعرّفه أيضاً تلميذه ابن داود في ( رجاله ) : سيدنا الاِمام المعظّم ، غياث الدين ، الفقيه النسّابة النحوي العروضي الزاهد العابد أبو المظفر ، انتهت رئاسة السادات وذوي النواميس إليه ، وكان أوحد زمانه ، حائري المولد ، حلّي المنشأ ، بغدادي التحصيل ، كاظمي الخاتمة ، ولد في شعبان سنة 648 هـ ، وتوفي في شوال سنة 693 هـ ، وكان عمره خمساً وأربعين سنة وشهرين وأياماً ، كنت قرينه طفلين ، إلى أن توفّي قدس اللّه روحه ، ما رأيت قبله ولا بعده بخلقه وجميل قاعدته وحلو معاشرته ثانياً ، ولا لذكائه وقوة حافظته مماثلاً ، ما دخل في ذهنه شيء فكاد ينساه ، حفظ القرآن في مدّة يسيرة وله إحدى عشرة سنة ، استقل بالكتابة واستغنى عن المعلم في أربعين يوماً وعمره إذ ذاك أربع سنين ، ولا تحصى مناقبه وفضائله .

(1) بغية الوعاة :2|331 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 316 ـ
  له كتب ، منها : كتاب ( الشمل المنظوم في مصنفي العلوم ) ما لاَصحابنا مثله ، وكتاب ( فرحة الغري ) وغير ذلك . (1)
  9 ـ سديد الدين يوسف بن المطهّر الحلّي
  هو الشيخ يوسف بن الشيخ شرف الدين علي بن مطهّر الحلّي ، والد العلاّمة الحلّي ، وأُستاذه الاَقدم في الفقه والاَدب والاَُصول ، يعرفه ابن داود في ( رجاله ) بقوله : كان فقيهاً ، محقّقاً ، مدرساً ، عظيم الشأن . (2)
  وقال الحر العاملي : فاضل ، فقيه ، متبحر ، نقل ولده العلاّمة أقواله في كتبه .(3)
  ويكفي في عظمته وسعة آفاق علمه انّ ولده العلاّمة تتلمذ عليه .
  ويظهر من أجوبة العلاّمة لاَسئلة السيد المهنا انّ والده كان فقيهاً فحلاً ، حيث يذكر هناك ما دار بينه وبين والده من الاختلاف في مسألة ، فمن أراد فليرجع إليه . (4)
  10 ـ الحسن بن أبي طالب اليوسفي الآبي (كان حياً عام 673 هـ)
  هو عز الدين الحسن بن أبي طالب اليوسفي المكنّى بـ ( أبي زينب ) المعروف بالفاضل الآبي ، وصفه العلاّمة المامقاني بقوله : عالم ، فاضل .
  ترجمه العلاّمة الطباطبائي بقوله : أحد تلامذة المحقّق الحلّي وشارح كتابه

(1) ابن داود : الرجال : برقم 947 .
(2) ابن داود : الرجال : برقم 461 .
(3) أمل الآمل :2| برقم 1081 .
(4) أجوبة المسائل المهنائية .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 317 ـ
  ( النافع ) المسمّى ( كشف الرموز ) وهو أوّل من شرح هذا الكتاب ، عالم ، فاضل ، محقّق ، فقيه ، قوي الفقاهة ، حكى الاَصحاب كالشهيدين والسيوري وغيرهم أقواله ومذاهبه في كتبهم ، ويعبرون عنه بالآبي وأبي زينب ، وشارح النافع ، وتلميذ المحقّق . وشهرة هذا الرجل دون فضله وعلمه أكثر من ذكره ونقله ، وكتابه ( كشف الرموز ) كتاب حسن مشتمل على فوائد كثيرة وتنبيهات جيدة مع ذكر الاَقوال والاَدلّة على سبيل الاِيجاز والاختصار ، ويختص بالنقل عن السيد ابن طاووس أبي الفضائل في كثير من المسائل ، وله مع شيخه المحقّق مخالفات ومباحثات في كثير من المواضع، وهو ممّن اختار المضايقة في القضاء ، وتحريم الجمعة في زمان الغيبة ، وحرمان الزوجة من الرباع وإن كانت ذات ولد ، وقد فرغ من كتابه سنة 672 هـ . (1)
  وقد توفي المحقّق الماتن عام 676هـ وشيخنا الآبي قد فرغ من شرح الكتاب والماتن على قيد الحياة .
  يقول في مقدّمة الكتاب : بعد ذكر توجهه إلى الحلة السيفية ، يعرّفها بقوله : فكم بها من أعيان العلماء بهم التقيت ، والمعارف الفقهاء ، بأيّهم اقتديت اهتديت، وكان صدر جريدتها ، وبيت قصيدتها ، جمال كمالها ، وكمال جمالها ، الشيخ الفاضل الكامل ، عين أعيان العلماء ، ورأس روَساء الفضلاء ، نجم الدين حجّة الاِسلام أبا القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد عظّم اللّه قدره وطوّل عمره .
  فاستسعدت بهاء طلعته ، واستفدت من جَني ثمرته في كلّ فصل من كلّ فن ، وصرفت أكثر همي وسابق فهمي إلى العلوم الدينية الفقهية والكلامية ، إذ لا تدرك إلاّ بكمال العقل وصفاء الذهن ، وعليها مدار الدين وتحقيق اليقين . (2)

(1) انظر إلى الفوائد الرجالية : 2|179 وترجمه أيضاً المامقاني في تنقيح المقال : 1|267 .
والحقّانّ فضل الرجل قد اختفى ، لاَجل عدم توفر ترجمة وافية له في المعاجم .
(2) المحقّق الآبي : مقدّمة كشف الرموز :1|38 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 318 ـ
  ثمّ يذكر انّ لاَُستاذه المحقّق كتابين : 1 ـ شرائع الاِسلام ، 2 ـ منتخبه النافع .
  فيقول : التمس منّي بعض إخواني في الدين أن أكشف قناع الاِشكال عن رموزات كتاب ( النافع ) أعني : كتاب ( مختصر الشرائع ) إلى أن يقول : فوجدت طاعته راحة ، وإجابته طاعة ، فقمت به مستعيناً بمسبّب الاَسباب ومسهّل الصعاب .
  ويقول في آخر الكتاب :واتّفق فراغ مصنّفه في سنة 672 هـ ، وكلّما يذكر قول الماتن يردفه بقوله دام ظله إلى آخر الكتاب ، و هو يدل على أنّ التلميذ برع في عهد أُستاذه حتى صنّف دورة فقهية استدلالية في زمن الموَلّف ، وقد طبع الكتاب في جزءين طبعة محقّقة .
  11 ـ الشيخ عماد الدين علي بن محمد الطبري (كان حياً عام 698 هـ) عماد الدين الحسن بن علي بن محمد بن علي بن حسن الطبري المعروف بـ ( عماد الدين الطبري ) كان حياً سنة 698 هـ .
  يعرّفه سيدنا الاَمين بقوله : متكلّم ، فقيه ، معاصر للمحقّق الطوسي والمحقّق الحلّي ، وأقواله منقولة في كتب الفقه ، ويعبّرون عنه فيها بالعماد الطبري ، وبعماد الدين الطبري ، وقد نقل شيخنا الشهيد الثاني رأيه في رسالة الجمعة ، وليس رأيه إلاّ أنّ وجوب الجمعة موقوف على حضور السلطان العادل المبسوط اليد . (1)   وقال الاَفندي التبريزي : هو عالم ، فاضل ، متبحّر ، جامع ، دين ، كان من أفاضل علماء طبرستان ، ومن المعاصرين لنصير الدين الطوسي .
  وقد ألّف في غير واحد من الموضوعات تربو على17 كتاباً ، ففي الفقه

(1) السيد الاَمين : أعيان الشيعة :5|212 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 319 ـ
  ألّف ( المنهج ) في فقه العبادات ، والاَدعية والآداب الدينية ، وكتاب ( العمدة ) في أُصول الدين وفروعه الفرضية والنقلية ، و ( نهج الاِيمان إلى هداية الاِيمان ) وهو أيضاً في الفروع الفقهية .
  إلى غير ذلك من التآليف .
  ويظهر من كتابه ( أسرار الاِمامة ) انّه كان حياً إلى سنة 698 هـ فقال : حين البحث عن الاِمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف : فإن قيل ألا يمكن أن يعيش أحد من سنة 255 إلى سنة 698 ... (1)

حصيلة الجهود الفقهية في القرن السابع
  إنّ هذا القرن يوَلِّف جزءاً من الدور الرابع ، ولكنّه بالنسبة إلى سائر القرون قرن زاهر بالفقهاء العظام الذين يضنَّ بهم الدهر إلاّ في فترات يسيرة ، فقد ساهموا مساهمة فعّالة في تنشيط الحركة الفقهية والاَخذ بزمامها نحو الاَمام ، و تمخضت جهودهم المبذولة في هذا القرن بالاَُمور التالية :
  1 ـ تأليف متون فقهية
  فقد أُلّفت في هذا القرن متون فقهية لم تزل تحتفظ بصدارتها إلى عصرنا الحاضر بين مسهب كشرائع الاِسلام ، ومتوسط كالجامع للشرائع لابن سعيد الحلّي ، ومقتضب كالمختصر النافع .
  2 ـ تأليف موسوعات فقهية
  شهد هذا القرن تأليف موسوعات فقهية على غرار مبسوط الشيخ

(1) اقرأ ترجمته الوافية في روضات الجنات برقم 194 ، ورياض العلماء .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 320 ـ
  الطوسي ، كالمعتبر للمحقّق الحلّي وإن لم يتم .
  وكتاب ( بشرى المحقّقين ) في ستة أجزاء ، وكتاب ( الملاذ ) في أربعة أجزاء لاَحمد بن موسى بن طاووس ، و ( كشف الرموز ) للمحقّق الآبي .
  3 ـ الاهتمام بأُصول الفقه
  اهتم المحقّقون في هذا القرن بأُصول الفقه أيضاً ، فقد أُلّفت كتب في هذا المضمار ، نذكر على سبيل الاختصار :
  أ ـ ( المعارج ) للمحقّق الحلّي ، وهو مطبوع منتشر .
  ب ـ ( المدخل في أُصول الفقه ) ليحيى بن سعيد الحلّي .
  ج ـ ( الفوائد العدة ) في أُصول الفقه لاَحمد بن طاووس .
  4 ـ إبداع نهج جديد في الفقه الشيعي
  يبتني الفقه الشيعي على رفض القياس والاَخذ بالسنّة وترك العمل بالاستحسان ، ولربّما تشترك مسائل كثيرة في أصل واحد وتتفرع عليه ، ويعبّر عنه بالاَشباه والنظائر وبالاطلاع على شبيه المسألة ونظيرها يكسب الفقيه خبرة وإحاطة بالفقه ، وقد كان هذا اللون من الاستنباط شائعاً بين مشايخنا ، فإذا طرحت مسألة استدل عليها بطرح أشباهها ونظائرها بوجه يكشف عن تضلّعه في الفقه ، وقد تبع هذا النهج ـ الذي وضع لبناته الاَُولى الفقيه البارع يحيى بن سعيد بتأليف كتابه ( نزهة الناظر في الجمع بين الاَشباه والنظائر ) والحسن بن علي بن داود الحلي فألّف كتابه ( عقد الجواهر في الاَشباه والنظائر ) ، و الحافظ جلال الدين السيوطي فألّف كتابه الرائج ( الاَشباه والنظائر ) .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 321 ـ
  وممّا يوَسف له انّ هذا النوع من التأليف لم يدم طويلاً ، فلا نكاد نعثر على كتب فقهية أُلّفت على هذا الغرار بين فقهائنا ، وقد كان بعض مشايخنا العظام ـ قدس اللّه سرهم ـ يسلك هذا المنهج في دراساته الفقهية العليا .
  5 ـ تهذيب الاَخبار
  قد كان الحديث الصحيح عند القدماء هو الخبر الذي دلّت القرائن على صحّته وصدوره عن المعصوم ، وقد كان الوقوف على تلك القرائن متوفراً في القرون الاَُولى ، وكلّما ابتعد الفقهاء عن عصر النصّ ، أخذ الغموض يكتنف تلك القرائن ، فمسّت الحاجة إلى إبداع أساليب يعرف بها الصحيح عن غيره ، فأوّل من شمّر عن ساعد الجد لهذا الاَمر هو السيد أحمد بن طاووس ، فأخذ بتنويع الاَحاديث إلى أربعة أنواع حسب القواعد الرجالية التي أبدعها ، فصار التنويع أمراً متبعاً إلى يومنا هذا ، غير انّ الاَخبارية التي ظهرت في أوائل القرن الحادي عشر شنّت حملات شعواء على هذا التنويع ، وسيوافيك تفصيله .
  وثمة نكتة جديرة بالاِشارة وهي انّ الحملة الشرسة التي قادها الوثنيون المغول في غضون القرن السادس بدءاً من خراسان وانتهاءً ببغداد تركت مضاعفات خطيرة على الحوزات الاِسلامية ، لا سيما الحوزات التي كانت في مسيرهم نحو بغداد ، كحوزة نيسابور وبيهق ، ولمّا انتهى الاَمر إلى سقوط بغداد والقضاء على الخلافة العباسية حاول المغول تدمير سائر المدن العراقية ، ككربلاء والنجف الاَشرف والحلّة الفيحاء ، ولكنّه سبحانه صانها عن شرّهم وكيدهم بتدبير من علمائها ، وقد ذكر العلاّمة الحلّي بعض تلك التدابير في كتابه ( كشف اليقين في فضائل أمير الموَمنين ) فمن أراد فليرجع إليه . (1)

(1) نقلها الخوانساري في روضات الجنات :8 | برقم 749 عن كتاب ( كشف اليقين ) للعلاّمة الحلّي .

(1) نقلها الخوانساري في روضات الجنات :8 | برقم 749 عن كتاب ( كشف اليقين ) للعلاّمة الحلّي .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 322 ـ
القرن الثامن (من الدور الرابع)
  قد اطّلعت على الجهود التي بذلت في الارتقاء بالمستوى الفقهي وعلى أسماء نخبة من الفقهاء الشامخين وكتبهم في القرن السابع .
  فهلمّ معي نبحث عن تقدّم الركب الفقهي في القرن الثامن ، وسيرة الفقهاء الذين برزوا فيه ، والجهود التي بذلوها بغية إنعاش هذا العلم .
  والجهود العلمية التي انصبّت في هذا القرن ليس إلاّ إكمالاً للجهود التي بذلت في القرن السابع ، فالاَساليب المتبعة هي نفس الاَساليب السابقة دون أن يطرأ عليها أي جديد ، ولو كان هناك تطور فإنّما هو في العرض والبيان كما سيوافيك .
  1 ـ الحسن بن علي بن داود الحلّي ( 647 ـ 707 هـ )
  الشيخ تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي المعروف بـ ( ابن داود ) من العلماء البارعين في الفقه والاَُصول والرجال والكلام .
  يصفه الشهيد الثاني بقوله : صاحب التصانيف الغزيرة ، والتحقيقات الكثيرة ، التي من جملتها كتاب ( رجاله ) سلك فيه مسلكاً لم يسلكه فيه أحد من الاَصحاب ، وله من التصنيفات في الفقه نظماً ونثراً مختصراً ومطولاً وفي العربية والمنطق والعروض وأُصول الدين نحوٌ من ثلاثين مصنفاً . (1)
  وقد قرأ على المحقّق نجم الدين الحلّـي و السيد جمال الدين بن طاووس كما مرّ في ترجمة المحقّق وابن طاووس .

(1) الخوانساري : روضات الجنات : 2|287 ، نقلاً عن إجازات الشهيد الثاني .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 323 ـ
  وهو (قدس سره) يعرّف نفسه في رجاله كعادة الرجاليين قائلاً : الحسن بن علي بن داود مصنف هذا الكتاب ، مولده خامس جمادى الآخرة من سنة سبع وأربعين وستمائة .
  له كتب ، منها في الفقه : كتاب ( تحصيل المنافع ) و كتاب ( التحفة السعدية ) وكتاب ( المقتصر من المختصر ) وكتاب ( الكافي ) وكتاب ( النكت ) و كتاب ( الرائع ) وكتاب ( خلاف المذاهب الخمسة ) و كتاب ( تكملة المعتبر ) لم يتم ، وكتاب ( الجوهرة في نظم التبصرة ) وكتاب ( اللمعة ) في فقه الصلاة نظماً ، وكتاب ( عقد الجواهر في الاَشباه والنظائر ) نظماً ، وكتاب ( اللوَلوَة ) في خلاف أصحابنا لم يتم نظماً ، وكتاب ( الرائض في الفرائض ) نظماً ، وكتاب ( عدة الناسك في قضاء المناسك ) نظماً ، وكتاب ( الرجال ) وهو هذا الكتاب ، وله في الفقه غير ذلك .
  ومنها في أُصول الدين وغيره : ( الدر الثمين في أُصول الدين ) نظماً ، وكتاب ( الخريدة العذراء في العقيدة الغرّاء ) نظماً ، وكتاب ( الدرّج ) و كتاب ( إحكام القضية في أحكام القضية ) في المنطق ، وكتاب ( حل الاِشكال في عقد الاشكال ) في المنطق ، وكتاب ( البغية ) في القضايا ، وكتاب ( الاِكليل التاجي ) في العروض ، وكتاب ( قوة عين الخليل في شرح النظم الجليل ) لابن الحاجب في العروض أيضاً ، وكتاب ( شرح قصيدة صدر الدين الساوي ) في العروض أيضاً ، وكتاب ( مختصر الاِيضاح ) في النحو ، وكتاب ( حروف المعجم ) في النحو ، وكتاب ( مختصر أسرار العربية ) في النحو . (1)
  ومن جميل ما ألّفه هو كتابه ( خلاف المذاهب الخمسة ) ، وهو فقه مقارن وقد تبع فيه خلاف الشيخ الطوسي إلاّ أنّ الثاني أعمّ منه من حيث بيان المذاهب .
  وأمّا سلوكه في الرجال فرتّبه على الحروف ، فالاَوّل في الاَسماء وأسماء

(1) ابن داود الحلي : الرجال : برقم 434 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 324 ـ
  الآباء والاَجداد ، وجمع في كتابه ما وصل إليه من كتب الرجال مع حسن الترتيب وزيادة التهذيب ، فنقل فيه ما في رجال النجاشي وفهرست الشيخ ورجاله ورجال الكشي وكتاب ابن الغضائري والبرقي وابن عقدة والفضل بن شاذان وابن عبدون وغيرها . (1)
  وهذه ميزة لا توجد في سائر الكتب الرجالية الموَلّفة إلى عصره .
  2 ـ العلاّمة الحلّي ( 648 ـ 726 هـ )
  هو الشيخ الاَجل ، العلاّمة على الاِطلاق ، أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلّي ، قدس اللّه نفسه وروح رمسه .
  تتلمذ على عدد كبير من علماء عصره ، كما تتلمذ عليه جمع غفير من العلماء .
  فمشاهير أساتذته : المحقّق الحلّي ، نصير الدين محمد بن حسن الطوسي ، والده سديد الدين يوسف بن مطهر الحلّي ، والشيخ كمال الدين ميثم البحراني ، والشيخ نجم الدين علي بن عمر الكاتب القزويني الشافعي ، والشيخ شمس الدين محمد ابن محمد بن أحمد الكيشي .
  ومن تلامذته : ولده فخر المحقّقين ، والسيد عميد الدين ، و السيد ضياء الدين ، ومحمد بن علي الجرجاني ، والشيخ قطب الدين محمد بن محمد الرازي البويهي .
  هذه نماذج من تلامذته ، وإلاّ فقد تخرج على يديه واستجاز منه أُناس كثيرون يطول بنا المقام بذكرهم ، كيف وقد كان في عصره في الحلّة أربعمائة وأربعون مجتهداً ؟ ! (2)

(1) الطهراني : الحقائق الراهنة :53 .
(2) رياض العلماء : 1|361 ، أعيان الشيعة : 5|401 في ترجمة العلامة الحلّـي .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 325 ـ
  ويصفه ولده في شرحه على القواعد بقوله :الموَيد بالنفس القدسية والاَخلاق النبوية . (1)
  ويعرفه الحسن بن داود الذي كان معاصراً له في رجاله ويقول : الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّـي ، شيخ الطائفة ، وعلاّمة وقته ، صاحب التحقيق والتدقيق ، كثير التصانيف ، انتهت رئاسة الاِمامية إليه في المعقول والمنقول . (2)
  وقد حفلت كتب الرجال والتراجم بترجمة العلاّمة ترجمة وافية ، وقام بذلك غير واحد من المحقّقين في تقديماتهم على كتبه المنتشرة .
  فنحن لا نرى حاجة في التبسط في المقام ، والذي يجدر بنا ذكره هو (قدس سره) انّه قد ألّف ست دورات فقهية لكلّ ميزتها الخاصة ، وقد ذكرها في ترجمته في رجاله (الخلاصة) ، وقال فيها :
  1 ـ ( منتهى المطلب في تحقيق المذهب ) لم يعمل مثله ، ذكرنا فيه جميع مذاهب المسلمين في الفقه ، ورجحنا ما نعتقده بعد إبطال حجج من خالفنا فيه يتم إن شاء اللّه تعالى عملنا منه إلى هذا التاريخ ، وهو شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين وستمائة في سبعة مجلدات .
  2 ـ كتاب ( تلخيص المرام في معرفة الاَحكام ) .
  3 ـ كتاب ( غاية الاَحكام في تصحيح تلخيص المرام ) .
  4 ـ كتاب ( تحرير الاَحكام الشرعية على مذهب الاِمامية ) حسن جيد ، استخرجنا فيه فروعاً لم نسبق إليها مع اختصاره.
  5 ـ كتاب ( مختلف الشيعة في أحكام الشريعة ) ذكرنا فيه خلاف علمائنا

(1) إيضاح الفوائد في شرح القواعد :1|10 .
(2) ابن داود الحلّي : الرجال : 119 برقم 461.