موضوعات علم الاَُصول ولم يصل إلينا كتاب جامع لجميع أبوابه ، ومن هوَلاء :
  أ ـ هشام بن الحكم صنّف كتاب ( الاَلفاظ ).
  ب ـ يونس بن عبد الرحمن صنّف كتاب ( اختلاف الحديث ).
  ج ـ أبو سهل النوبختي صنّف كتاب ( الخصوص والعموم ).
  د ـ الحسن بن موسى النوبختي ألّف كتاب ( خبر الواحدوالعمل به ) ، وكتاب ( الخصوص والعموم ).
   هـ ـ ابن الجنيد له كتاب ( كشف التمويه والالباس على اعمال (1) الشيعة في أمر القياس ).
  و ـ أبو منصور السرام النيسابوري له كتاب في إبطال القياس.
  ز ـ محمد بن أحمد بن داود المعروف بـ ( ابن داود ) له كتاب مسائل الحديثين المختلفين.
  لكنّها لا تعدو أن تكون في نطاق مسائل خاصة من علم أُصول الفقه ، وقد قام المفيد بتأليف كتاب جامع لمباحث علم الاَُصول الدارجة في تلك الاَزمنة أسمّـاه بـ ( التذكرة بأُصول الفقه ) (2) ، وقد ذكره النجاشي باسم كتاب ( أُصول الفقه ) وقام تلميذه الكراجكي بتلخيصه في كتابه ( كنز الفوائد ) المطبوع قديماً وحديثاً.
  ثمّ توالى التأليف في أُصول الفقه بعد شيخنا المفيد ، فألّف تلميذه المرتضى ( الذريعة ) في جزءين ، كما ألّف تلميذه الآخر الطوسي كتاب ( العدّة ) وألّف تلميذه الآخر سلاّر الديلمي كتاب ( التقريب في أُصول الفقه ) إلى غير ذلك.

(1) وفي نسخة : اعمار .
(2) طبع في ضمن مصنفاته لاحظ الجزء 9|5 ، نشره الموَتمر العالمي بمناسبة الذكرى الاَلفية لوفاة الشيخ المفيد.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدوارهـ 252 ـ
المفيد وابتكاره للفقه المقارن
  إنّ الفقيه تارةً يستعرض آراءه الشخصية أو آراء إمام نحلته ويستدل عليها دون أن يستعرض آراء فقهاء بقية النِحَلْ وهذا هو النمط السائد في أكثر الكتب الفقهية.
  وأُخرى يستعرض آراءه الشخصية وآراء إمامه مع ذكر آراء فقهاء سائر النحل وذكر حججهم والمناقشة فيها ، وهذا اللون من التأليف يتوقف على مقدرة علمية فائقة ليكون الممارس لها قادراً على عرض الآراء وترجيح بعضها على بعض.
  وشيخنا المفيد أوّل من فتح هذا الباب على مصراعيه فألّف كتابه ( الاِعلام فيما اتفقت عليه الاِمامية من الاَحكام ) وجعله ذيلاً لكتاب أوائل المقالات الذي ذكر فيه ما اتّفقت عليه الاِمامية من الاَُصول مع الاِشارة إلى آراء المخالفين ، فبالاِمعان في هذين الكتابين يقف القارىَ على آراء الاِمامية في الفقه والعقائد.
  وقد ورث تلميذاه هذا اللون من التأليف عنه في الفقه.
  فألّف السيد المرتضى ( الانتصار ) في ما انفردت به الاِمامية مع ذكر آراء الآخرين ، كما تبع الشيخ الطوسي أثر أُستاذه فألّف كتاب ( الخلاف ) حيث ذكر فيه آراء الفقهاء الاِسلاميين وناقشها ورجح منها المذهب المختار.
  نعم تكامل ما ابتكره الشيخ المفيد على يد تلميذه الشيخ الطوسي بتأليف كتاب ( الخلاف ) الذي تمتع بالدقة والعمق والاَمانة في نقل الاَقوال الفقهية من مصادرها الموثوقة حتى أنّوفداً مصرياً من الجامع الاَزهر زار سيدنا المحقّق البروجردي نحو سنة 1377 هـ فأهدى السيد لهم كتاب ( الخلاف ) ليكون رمزاً للوحدة.
  وقد أعربوا عن رأيهم وإعجابهم بالكتاب بعد مطالعته بدقة وإمعان وأذعنوا بأمانة الشيخ في نقل أقوالهم والاَُسلوب الدقيق المتبع فيه.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 253 ـ
مشايخ الشيخ المفيد
  1 ـ أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمي.(1)
  2 ـ جعفر بن محمد بن قولويه. (2)
  3 ـ محمد بن أحمد بن الجنيد الكاتب الاسكافي. (3)
  4 ـ الحسن بن علي بن الحسين بن بابويه. (4)
  5 ـ أبو الحسين علي بن عبد اللّه بن وصيف الناشىَ الصغير. (5)
  6 ـ عمر بن محمد بن علي الصيرفي المعروف بابن الزيات. (6)
  7 ـ محمد بن أحمد بن داود بن علي القمي. (7)
  8 ـ محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (8) (أبو جعفر الصدوق).
  9 ـ أحمد بن إبراهيم بن أبي رافع الصيمري. (9)
  10 ـ أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري. (10)

(1) أمالي المفيد : ص 1.
(2) رجال النجاشي : 318 ، أمالي المفيد :9.
(3) رجال النجاشي : برقم 1048 ، فهرست الشيخ برقم 590.
(4) الاِقبال :5 ، أوّل أعمال شهر رمضان.
(5) فهرست الشيخ : برقم 373.
(6) رجال النجاشي : برقم 1153 ، أمالي المفيد :22.
(7) رجال النجاشي : برقم 1045 ، الفهرست ، برقم 592.
(8) فهرست الشيخ : برقم 695 ، أمالي المفيد :9.
(9) فهرست الشيخ : برقم 32 و183 ، رجال الشيخ الطوسي : 445 برقم 411 ، الاستبصار :4|308.
(10) رجال الشيخ :443 برقم 35.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 254 ـ
  11 ـ أحمد بن محمد بن سليمان الزراري. (1)
  12 ـ الحسن بن حمزة بن علي بن عبد اللّه العلوي الحسيني الطبري. (2)
  13 ـ الحسن بن عبد اللّه المرزباني. (3)
  14 ـ الحسن بن محمد بن يحيى العطشي. (4)
  15 ـ الحسن بن علي بن إبراهيم البصري المعروف بالجعل . (5)
  16 ـ الحسين بن علي بن سفيان البزوفري. (6)
  17 ـ الحسين بن علي بن شيبان القزويني. (7)
  18 ـ أبو الطيب الحسين بن علي بن محمد التمار النحوي. (8)
  19 ـ زيد بن محمد بن جعفر السلمي (المعروف بابن أبي اليابس). (9)
  20 ـ سهل بن أحمد الديباجي. (10)
  21 ـ عثمان بن أحمد الدقاق المعروف بابن السماك (المتوفّى344هـ).(11)

(1) رجال النجاشي : برقم 201 ، أمالي المفيد :20.
(2) رجال النجاشي : برقم 150 ، أمالي المفيد :8.
(3) أمالي الشيخ : 130 ، المجلس الخامس.
(4) أمالي الشيخ : 136 ، المجلس الخامس.
(5) السرائر : 3|648.
(6) رجال الشيخ :466 برقم 27.
(7) مشيخة التهذيب :80.
(8) أمالي المفيد :96.
(9) أمالي الشيخ : 153 ، المجلس السادس.
(10) الفصول المختارة :2|121.
(11) أمالي المفيد :340.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 255 ـ
  22 ـ علي بن عيسى الرماني. (1)
  23 ـ محمد بن عمر بن محمد بن سالم بن براء التميمي البغدادي المعروف بالجعابي. (2)
  24 ـ محمد بن عمر بن يحيى العلوي الحسيني. (3)
  25 ـ أبوالحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري. (4)
  26 ـ مظفر بن محمد البلخي الوراق الخراساني. (5)

تلامذة الشيخ المفيد
  أشار ابن أبي طي إلى كثرة تلامذة الشيخ المفيد ، ولكن لم تذكر كتب التراجم إلاّ أسماء عدد قليل منهم ، ورغم قلّة ما ذكر فإنّه يلاحظ بينهم وجوه علمية لامعة ، وسأذكر فيما يلي جملة من تلامذته :
  1 ـ إسحاق بن الحسن بن محمد البغدادي. (6)
  2 ـ جعفر بن محمد الدوريستي (380 ـ كان حياً عام 473 هـ). (7)
  3 ـ الحسن بن عنبس بن مسعود بن سالم بن محمد شريك المرافقي. (8)

(1) السرائر : 3|648.
(2) رجال النجاشي : برقم 1055 ، فهرست الشيخ برقم 641 ، أمالي المفيد :14.
(3) فهرست الشيخ برقم 52.
(4) فرج المهموم :236.
(5) رجال النجاشي : برقم 1130 ، أمالي المفيد :286.
(6) لسان الميزان :1|360 برقم 1106.
(7) فهرست الشيخ منتجب الدين :66.
(8) لسان الميزان :2|242 برقم 1118.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 256 ـ
  4 ـ الحسين بن أحمد بن محمد بن القطان (كان حياً عام 420 هـ). (1)
  5 ـ ذو الفقار بن معبد الحسني ( المتوفّـى 536). (2)
  6 ـ سلاّر بن عبد العزيز الديلمي (المتوفّـى 448). (3)
  7 ـ علي بن الحسين الموسوي المعروف بالسيد المرتضى (355 ـ 436 هـ).
  8 ـ أبو الحسن علي بن محمد الدقاق. (4)
  9 ـ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 ـ 460 هـ).
  10 ـ أبو يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري ( المتوفّـى 463 هـ).
  11 ـ محمد بن الحسين الموسوي المعروف بالسيد الرضي (359 ـ 406 هـ).
  12 ـ أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي (المتوفّـى 449 هـ).
  13 ـ أبو الحسن محمد بن محمد بن أحمد البصري (المتوفّـى 443). (5)
  14 ـ أبو الفرج مظفر بن علي بن الحسين الحمداني. (6)
  15 ـ أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون الحسني (المتوفّـى 424 هـ).(7)
  إنّ النهج الذي اختطه الشيخ المفيد في الفقه والاَُصول والكلام بقي يفيض عطاءً على يد تلاميذه وتلامذة تلاميذه ، وكأنّها صارت كلمة باقية في عقبه ، فقد استنار من علومه أكابر العلماء والفضلاء عبر الزمان ، وما زالت كتبه اليوم مصدر إلهام وإشعاع تنير الدرب امام رواد العلم والمعرفة.

(1) لسان الميزان :2|267 ، برقم 1115.
(2) البحار : 107|156.
(3) فهرست الشيخ منتجب الدين :85 ، الحاشية.
(4) أمالي المفيد : بداية المجلسين :17و20.
(5) تقريب المعارف :122.
(6) فهرست الشيخ منتجب الدين :156.
(7) تاريخ طبرستان :101.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 257 ـ
  13 ـ السيد المرتضى (355 ـ 436 هـ)
  كان لمدرسة المفيد التي أسّسها في حاضرة العالم الاِسلامي معطيات جمة وثمرات يانعة ، حيث أنجبت أعلاماً وأفذاذاً للاَُمّة يضنُّ بهم الدهر إلاّ في فترات خاصة ، منهم : السيد علي بن الحسين بن محمد ، الذي ينتهي نسبه إلى الاِمام موسى ابن جعفر بخمس وسائط ، يعرّفه تلميذه النجاشي بقوله :
  حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحد في زمانه ، وسمع من الحديث فأكثر ، وكان متكلماً شاعراً أديباً ، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا ، ثمّ ذكر أسماء كتبه وقال : إنّه مات (رض) لخمس بقين من شهر ربيع الاَوّل سنة 436 هـ ، وصلّى عليه ابنه في داره ، وتولّيتُ غسله ومعي الشريف أبو يعلى محمد بن الحسن الجعفري وسلار بن عبد العزيز. (1)
  ويقول تلميذه الآخر الشيخ الطوسي : كنيته أبو القاسم ، لقبه علم الهدى ، الاَجل المرتضى ، متوحّد في علوم كثيرة ، مجمع على فضله ، مقدّم في العلوم ، مثل علم الكلام والفقه وأُصول الفقه والاَدب والنحو والشعر ومعاني الشعر واللغة وغير ذلك، له ديوان شعر يزيد على عشرين ألف بيت ، ثمّ ذكر أسماء تصانيفه.
  إنّ نواحي فضل سيدنا المبجّل لا تنحصر بواحدة ولا انّمآثره معدودة فإلى أي فضيلة نحوت فله فيها الموقف الاَسمى ، فهو إمام الفقه ، وموَسس أُصوله ، وأُستاذ الكلام ، ونابغة الشعر ، وراوية الحديث ، وبطل المناظرة ، والقدوة في اللغة ، والاَُسوة في العلوم العربية كلّها ، وهو المرجع في تفسير كتاب اللّه العزيز ، وجماع القول إنّك لا تجد فضيلة إلاّ وهو ابن بجدتها. (2)

(1) النجاشي : الرجال : برقم 706.
(2) الاَميني : الغدير :4|264 ـ 265.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 258 ـ
  وقد ترك سيدنا الجليل آثاراً وتآليف عديدة تصل إلى 86 كتاباً أو موسوعة أو رسالة ، وإليك بعض ما ألّف في الفقه وأُصوله :
  1 ـ الذريعة في أُصول الفقه في جزءين.
  2 ـ مسائل المفردات في أُصول الفقه.
  3 ـ مسائل الخلاف في أُصول الفقه.
  هذا ما ألّفه في الاَُصول، وأمّا في الفقه ، فقد ألّف الكتب التالية :
  1 ـ إبطال القول بالعدد.
  2 ـ مسائل الخلاف في الفقه.
  3 ـ الناصرية في الفقه ،وهي عبارة عن 207 مسائل استلّها الشريف المرتضى من فقه الناصر الكبير (جدّه لاَُمّه) وشرحها وصحّحها ، واستدل على صحتها من الكتاب والسنّة والاِجماع.
  4 ـ الديلمية في الفقه.
  5 ـ الرد على أصحاب العدد في شهر رمضان.
  6 ـ المصباح في الفقه. (1)
  إلى غير ذلك من المسائل التي ألّفها في جواب الاَسئلة والاستفسارات التي كانت ترد إليه من نواحي شتّى ، وكفى في فضله انّ المعرّي لمّا خرج من العراق سئل عن السيد المرتضى ، فقال :
  يا سائلي عنه لما جئت تسأله ألا هو الرجل العاري من العار لو جئته لرأيت الناس في رجل والدهر في ساعة والاَرض في دار (2)

(1) الطوسي : الفهرست : برقم 433 ، الغدير : 4|265ـ266.
(2) المجلسي : بحار الاَنوار : 10|408.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 259 ـ
  مشايخه و من يروي هو عنه :
  1 ـ الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ، المتوفّى عام 413 هـ.
  2 ـ أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري ، المتوفّى عام 385 هـ.
  3 ـ الحسين بن علي بن بابويه ، أخو الصدوق.
  4 ـ أبو الحسن أحمد بن علي بن سعيد الكوفي.
  5 ـ أبو عبد اللّه محمد بن عمران الكاتب المرزباني الخراساني.
  6 ـ الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، المتوفّى 381 هـ.
  7 ـ أبو يحيى بن نباتة عبد الرحيم بن الفارقي ، المتوفّى عام 374 هـ .
  8 ـ أبو الحسن علي بن محمد الكاتب.
  9 ـ أبو القاسم عبيد اللّه بن عثمان بن يحيى.
  10 ـ أحمد بن سهل الديباجي.
  تلامذته
  1 ـ شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي ( المتوفّى سنة 460 هـ ).
  2 ـ أبو يعلى سلاّر بن عبد العزيز الديلمي ( المتوفّى 448 هـ )
  3 ـ أبو الصلاح تقي الدين بن نجم الحلبي ( المتوفّى 447 هـ ).
  4 ـ القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي ( المتوفّى 481 هـ ).
  5 ـ محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري ( المتوفّى 463 هـ ).

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 260 ـ
  6 ـ أبو الصمصام ذو الفقار بن معبد الحسيني المروزي.
  7 ـ نجيب الدين أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن الموسوي.
  8 ـ أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي( المتوفّى 449 هـ).
  9 ـ أبو الحسن سليمان الصهرشتي ، صاحب كتاب ( النفيس ) و ( التنبيه ).
  10 ـ الشيخ أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الدوريستي.
  11 ـ أحمد بن الحسن بن أحمد النيسابوري الخزاعي.
  12 ـ أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الرازي.
  13 ـ أبو المعالي أحمد بن قدامة.
  14 ـ أبو عبد اللّه محمد بن علي الحلواني.
  15 ـ أبو زيد عبد اللّه بن علي الكيابكي الحسيني الجرجاني ، كان حياً بعد 436 هـ.
  16 ـ أبو غانم العصمي الهروي.
  17 ـ الحسين بن الحسن بن زيد الجرجاني.
  18 ـ أبو الفرج يعقوب بن إبراهيم البيهقي.
  19 ـ أبو الحسن محمد بن محمد البصري.
  وبما انّ كتاب ( الانتصار ) من تصانيفه المعروفة ، وقد ذكر في مقدّمته الداعي إلى تأليف هذا الكتاب قال : فإنّي ممتثل ما رسمته الحضرة السامية الوزيرية العميدية (1) أدام اللّه سلطانها ، وأعلى أبداً شأنها ومكانها ، من بيان

(1) المراد هو أبو نصر محمد بن منصور ، الملقّب بـ ( عميد الملك ) الكندري النيسابوري ، استوزره السلطان طغرل بك السلجوقي والب أرسلان ، وقتل بتفطين نظام الملك الطوسي يوم الاَحد 16 ذي الحجة سنة 456 هـ كما ذكره محقّق الكتاب.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 261 ـ
  المسائل الفقهية التي شُنع بها على الشيعة الاِمامية ، وادّعي عليهم مخالفة الاِجماع وأكثرها موافق فيه الشيعة غيرهم من العلماء والفقهاء المتقدّمين والمتأخّرين ، وما ليس لهم فيه موافق من غيرهم فعليه من الاَدلّة الواضحة والحجج اللامعة ما يغني عن وفاق الموافق ، ولا يوحش معه خلاف المخالف ، وان أُبيّـن ذلك وأُفصّله وأُزيل الشبهة المعترضة فيه. (1)

ميزات فقهه
  قدتعرفت أنّ لسيدنا المرتضى تآليف عديدة في الفقه ، وحيث إنّ كتاب ( الانتصار ) من أشهر تآليفه ، فنستعرض ميزات الكتاب ، وبها يعلم ميزات فقهه.
  1 ـ قد ذكر السيد في مقدّمة كتابه : أنّالداعي وراء تأليفه هو تشنيع المخالفين على الشيعة بانفرادهم بمسائل تخالف الاِجماع ، وذكر انّ المسائل التي صارت سبباً للتشنيع على صنفين ، فصنف انفردت بها الاِمامية وليس لهم موافق من أتباع سائر المذاهب ، وصنف آخر وافق فيها بعض الفقهاء من المتقدّمين والمتأخّرين.
  فالثاني لا يخالف الاِجماع لوجود الموافق ، وأمّا الصنف الاَوّل فلا غرو فيه إذا عضده الدليل.
  إنّما الشناعة على المذهب الذي لا يعاضده الدليل ولا توَيده الحجة.
  2 ـ قد اشتمل كتاب ( الانتصار ) على 334 مسألة ، فالمسائل التي انفردت بها الاِمامية هي 252 مسألة ، والمسائل التي ظن الانفراد بها و لهم موافق في المذاهب الاَُخرى 82 مسألة ، فيكون مجموع المسائل المبحوث عنها 334 مسألة.

(1) الانتصار : 1.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 262 ـ
  3 ـ ينقل عند استعراض المسائل آراء سائر المذاهب (1).
  وبذلك أصبح كتابه فقهاً مقارناً ، فهو يجمع الآراء الفقهية المختلفة لسائر المذاهب ويقيمها ويوازن بينها بالتماس أدلّتها ، وترجيح بعضها على بعض ، فهذا هو الفقه المقارن أو علم الخلاف أو علم الخلافيات ، وقد كان العلم بالخلافيات معدوداً من مبادىَ الاجتهاد ، وعرف بأنّه علم يقتدر به على حفظ الاَحكام الفرعية المختلف فيها بين الاَئمّة ، أو هدمها بتقرير الحجج الشرعية وقوادح الاَدلّة.
  وقد تبع السيد في ذلك أُستاذه الشيخ المفيد في كتابه ( الاِعلام بما اتفقت عليه الاِمامية من الاَحكام ) وقد ألّفه الشيخ المفيد بطلب من الشريف فقال في أوّله :
  أدام اللّه للسيد الشريف التأييد ، ووصل له التوفيق والتسديد ، فإنّي ممتثل ما رسمه من جمع ما اتفقت عليه الاِمامية من الاَحكام الشرعية على الآثار المجتمعة عليها بينهم عن الاَئمّة المهدية من آل محمد صلوات اللّه عليهم ممّن اتفقت العامة على خلافهم فيه.
  من جملة ما طابقهم عليه جماعتهم أو فريق منهم على حسب اختلافهم في ذلك لاختلافهم في الآراء والمذاهب لتنضاف إلى كتاب أوائل المقالات في المذاهب المختارات ، ويجتمع بهما للناظر فيهما علم خواص الاَُصول والفروع ، ويحصل له منهما ما لم يسبق أحد إلى ترتيبه على النظام في المعقول. (2)
  وبالمقارنة بين الكتابين يظهر انّ المفيد سلك مسلك الاقتضاب بخلاف تلميذه فقد استعرض المسائل بإسهاب.

(1) وقد ورد فيها من أعلام الرأي والفقه ما يناهز 54 شخصاً ، ذكره محقّق الكتاب ص 46.
(2) الاعلام بما اتفقت عليه الاِمامية من الاَحكام :16.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 263 ـ
  4 ـ يستدل السيد في بعض المسائل بالاِجماع ، وقال : وممّا يجب علمه انّ حجّة الاِمامية في صواب جميع ما انفردت به أو شاركت فيه غيرها من الفقهاء ، هي إجماعها عليه ، لاَنّ إجماعها حجّة قاطعة ، ودلالة موجبة للعلم ، فإن انضاف إلى ذلك ظاهر كتاب اللّه تعالى أو طريقة أُخرى توجب العلم وتثمر اليقين فهي فضيلة ودلالة تنضاف إلى أُخرى وإلاّففي إجماعهم كفاية. (1)
  ويظهر من الاِمعان في الاِجماعات التي استدل بها انّه يقول بحجّية الاِجماع من باب دخول الاِمام المعصوم في المجمعين ، وأمّا أنّه كيف يمكن أن يستحصل العلم بدخول المعصوم في هذه المسائل الكثيرة ، فهو موكول إلى مكان آخر.
  ولما كان وجود الاِمام هو السبب لحجّية الاِجماع وليس للاِجماع قيمة علمية إلاّ كونه كاشفاً عن وجود الحجّة الشرعية بين المجمعين ، فلا يرى لمخالفة بعض العلماء قيمة تذكر ، ففي مسألة لا تجب الزكاة إلاّ في تسعة أصناف ، يقول :
  فإن قيل : كيف تدّعون إجماع الاِمامية وابن الجنيد يخالف في ذلك و يذهب إلى أنّ الزكاة واجبة في جميع الحبوب التي تخرجها الاَرض وإن زادت على التسعة أصناف التي ذكرتموها ، وروى في ذلك أخباراً عن أئمتهم ، وذكر انّ يونس كان يذهب إلى ذلك ؟ فأجاب بقوله : قد تقدّم إجماع الاِمامية وتأخّر عن ابن الجنيد ويونس ، والاَخبار التي تعلّق ابن الجنيد بها الواردة من طرق الشيعة الاِمامية معارضة بأكثر وأقوى منها في رواياتهم المعروفة المشهورة . (2)
  وصرّح بما ذكرنا (عدم قدح مخالفة معلوم النسب) في عدّة من المسائل كبعض نصب الاِبل ، وفي مسألة الفرار من الزكاة ، أو عدم الشفعة مع تعدّد

(1) الانتصار :6 .
(2) الانتصار :77 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 264 ـ
  الشركاء .
  وقال بتقدّم الاِجماع على ابن الجنيد وابن بابويه وعدم العبرة بخلافهما لمعلومية نسبهما . (1)
  وهكذا في غير تلك المواضع :
  5 ـ قد يستمد السيد في تحقيق المسألة بالبحوث الاَدبية واللغوية ويعطي لها قسطاً وافراً ، نظير :
  أ ـ تحقيق في الاعراب بالمجاورة في آية الوضوء .
  ب ـ تحقيق في معنى المسح والغسل .
  ج ـ تحقيق في معنى القرء .
  د ـ تحقيق في معنى النذر .
  هـ ـ تحقيق في معنى قوله تعالى : ( مكلبين ) .
  و ـ تحقيق لغوي في معنى الغبيراء ، والفقاع .
  ز ـ تحقيق في معنى الباغي . (2)
  ولا غرو في ذلك ، فإنّ السيد هو اللغوي الباحث الذي يكون قوله حجّة كغيره من أعلام اللغة ، وهذا ما أذعن به الموافق والمخالف .
  6 ـ انّ السيد لا يعمل إلاّ بالسنّة المتواترة أو المحفوفة بالقرائن دون أخبار الآحاد ، ولكنّه يدّعي انّأكثر ما نسمّيه خبر الواحد فهو خبر متواتر .
  هذا كلّ ما يمكن أن يقال في ملامح فقهه إذا نظرنا إليه من منظار كتاب

(1) لاحظ الانتصار : 80 و 83 و 216 .
(2) لاحظ الانتصار :21 ، 22 ، 151 ، 164 ، 183 ، 198 ، 232 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 265 ـ
  ( الانتصار ) ولا يفوتنا القول بأنّ هناك ملامح أُخر لفقهه لم نستعرضها خوفاً من الاِطالة .
  وقد طبع ( الانتصار ) طبعة جديدة بتحقيق السيد محمد رضا الخرسان في النجف الاَشرف ، قدّم له مقدّمة نافعة شكر اللّه مساعيه ، ومع الاعتراف بذلك فالكتاب بحاجة إلى تخريج الاَحاديث .
  ويظهر ممّا ذكره السيد في صفحة 6 من مقدّمة الكتاب انّه ألّفه بعد سنة 420هـ ، عن عمر يتراوح بين 60 و70 عاماً أي في أوج نضوجه العلمي .

آراوَه في غير الانتصار
  وللسيد آراء في الاَُصول والفقه نشير إليها بوجه موجز :
  1 ـ يقول بجواز استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى واحد ، فإذا قال : لا تنكح ما نكح أبوك ، يعم المعقودة والموطوءة ، وإذا قال : إن كنت محدثاً فتوضّأ يعم الحدثين .
  2 ـ يعد الاستعمال علامة للحقيقة ، حتى جعل صيغة الاَمر مشتركة بين الوجوب والندب .
  3 ـ يذهب إلى :أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كما هم مكلّفون بالاَُصول .
  4 ـ القضاء بأمر جديد .
  5 ـ يذهب إلى أنّالجمل الشرطية والغائية فاقدة للمفهوم .
  6 ـ لم يثبت حجية الاستصحاب عنده . (1)

(1) انظر في الوقوف على مصادر هذه الآراء والآراء الاَُخر كتاب الذريعة في أُصول الفقه :17 ، 250 ، 78 ، 116 ، 406ـ 407 ، 829 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 266 ـ
  14 ـ أبو الصلاح الحلبي (374 ـ 447 هـ)
  تقي الدين بن نجم الدين بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن محمد الحلبي ، وكنيته أبو الصلاح ، علم من أعلام الطائفة ، وفقيه متبحّر ، قرأ على الشيخ الطوسي ، ومن الاَمر الطريف ، أن يقوم أُستاذ بترجمة تلميذه .
  قال أُستاذه الشيخ الطوسي في رجاله : تقي بن نجم الحلبي ، ثقة ، له كتب ، قرأ علينا وعلى المرتضى . (1)
  وقد أطراه غير واحد من المتأخّرين ، كابن شهر آشوب في ( معالمه ) (2) ومنتجب الدين في ( فهرسته ) (3) وابن إدريس في ( سرائره ) (4) قال الاَخير في مسألة من مسائل المزارعة : وما اخترناه مذهب السيد المرتضى وخيرته في ( الناصريات ) في مسألة المائتين ومذهب أبي الصلاح الحلبي في كتابه ( الكافي ) وهو كتاب حسن فيه تحقيق مواضع ، وكان هذا المصنف من أصحابنا الحلبيّين من تلامذة المرتضى .
  كما أطراه أيضاً غير واحد من علماء أهل السنّة .
  قال ابن حجر في ( لسان الميزان ) : تقي الدين عمر (5)بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن محمد الحلبي ، أبو الصلاح مشهور بكنيته من علماء الاِمامية ولد لسنة أربع وسبعين وثلاثمائة وطلب وتمهّر وصنّف ، وأخذ عن أبي جعفر الطوسي وغيره ورحل إلى العراق فحمل عن الشريف المرتضى ، ومات سنة 447 هـ . (6)

(1) الطوسي : الرجال :457 ، باب من لم يرو عن الاَئمّة .
(2) ابن شهر آشوب : معالم العلماء :29 .
(3) منتجب الدين : الفهرست : 30 برقم 60 ، باب التاء .
(4) ابن إدريس : السرائر : 266 ، الطبعة القديمة .
(5) هو مصحف نجم .
(6) ابن حجر : لسان الميزان :2|71 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 267 ـ
  آثاره في الفقه
  1 ـ البداية ذكره ابن شهر آشوب في معالم العلماء .
  2 ـ الكافي في الفقه ، وقد طبع وانتشر .
  3 ـ اللوامع في الفقه .
  4 ـ مختصر الفرائض الشرعية .
  وله في غير الفقه تآليف أشهرها : ( تقريب المعارف ) في الكلام ، وتجد له ترجمة وافية في مقدمة كتاب ( الكافي ) ،و يعرب كتابه هذا عن استقلاله في الفكر واعتماده على تفكيره الذاتي .
  15 ـ أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي (المتوفّى 448 هـ)
  لقد كانت مدرسة شيخنا المفيد ذات عطاءٍ و افرٍ ومن خرّيجيها شيخنا أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز المعروف بـ ( سلاّر الديلمي ) .
  قال العلاّمة في ( الخلاصة ) : سلاّر بن عبد العزيز الديلمي أبو يعلى (قدس سره) شيخنا المقدّم في الفقه والاَدب وغيرهما ، وكان ثقة وجهاً ، له : ( المقنع ) في المذهب ، و ( التقريب ) في أُصول الفقه ، والمراسم ، والرد على أبي الحسين البصري في نقض الشافي ، والتذكرة في حقيقة الجوهر والعرض ، قرأ على المفيد وعلى السيد المرتضى قدّس سرّهما . (1)
  وعن الشيخ البهائي انّ السيد المرتضى أمر سلاّراً بنقض نقض الشافي فنقضه . (2)

(1) ابن المطهر : الخلاصة : 86 برقم 10 ، طبع النجف .
(2) بحر العلوم في رجاله :3|11 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 268 ـ
  ألّف القاضي عبد الجبار المتوفّـى (415 هـ) كتاباً في إبطال مذهب الشيعة وسمّـاه الكافي ، فألّف السيدالمرتضى المتوفّـى (436 هـ) كتاباً سمّـاه الشافي في نقض الكافي .
  ثمّ صنّف أبو الحسين البصري المتوفّى ( 436 هـ ) كتاباً في نقض الشافي ، فألّف سلاّر كتاباً في نقض نقض الشافي بأمر من أُستاذه ، وترجمه منتجب الدين في ( فهرسته ) (1) وابن شهر آشوب في ( معالم العلماء ) . (2)
  مشايخه وتلامذته
  تخرّج كما عرفت على يدي الشيخ المفيد والسيد المرتضى كما نص به العلاّمة في ( خلاصته ) .
  وقال الخوانساري : إنّه كان من أخص خواص سيدنا المرتضى ومعتمداً على فقهه وفهمه وجلالته عنده في الغاية ، فعيّنه في جملة من عيّنه للنيابة عنه في البلاد الحلبية باعتبار مناصب الحكام ، بل ربما كان يدرّس الفقه نيابة عنه ببغداد كما حكي عن خط الشهيد ، وأضاف بأنّ أبا الحسين البصري لما كتب نقض الشافي لسيدنا المرتضى أمر السيد سلاّراً بنقض نقضه فنقضه . (3)
  وممّن تخرّج على يده لفيف من أعلام الطائفة ،نذكر جملة منهم :
  1 ـ الفقيه شمس الاِسلام الحسن بن الحسين بن بابويه ، ذكره الشيخ منتجب الدين في ( الفهرست ) . (4)

(1) منتجب الدين : الفهرست : 84 برقم 183 .
(2) ابن شهر آشوب : معالم العلماء :135 ، باب الكنى .
(3) الخوانساري : روضات الجنات :2|371 .
(4) منتجب الدين :الفهرست :46 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 269 ـ
  2 ـ أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين النيسابوري الخزاعي شيخ الاَصحاب . (1)
  3 ـ عبد الجبار بن عبد اللّه المقري الرازي . (2)
  4 ـ عبيد اللّه بن الحسن بن الحسين بن بابويه . (3)
  5 ـ الشيخ أبو علي الطوسي ، وهو ابن شيخ الطائفة الطوسي المتوفّى (515 هـ) فإنّه يروي عن سلاّر . (4)
  6 ـ أبو الكرم المبارك بن فاخر النحوي ، قال الصفدي : كما في بغية الوعاة للسيوطي بأنّه قرأ على المترجم له . (5)
  وقد عصفت الحوادث بآثاره ، فلم يصل إلينا سوى كتاب واحد ، وهو ( المراسم العلوية في الاَحكام النبوية ) وقد اختصره المحقّق الحلّـي بالتماس بعض أصحابه . (6)
  وقد طبع الكتاب عدّة مرّات أفضلها ما قام بها المجمع العالمي لاَهل البيت مع مقدّمة للسيد محسن الحسيني الاَميني شكر اللّه مساعيه .
  16 . محمد بن الحسن الطوسي (385 ـ 460 هـ)
  يمتاز الشيخ محمد بن الحسن الطوسي عن أكثر معاصريه بأنّه كان ذا مواهب كثيرة ، ففي حين أنّه محدّث كبير ، و ألّف للشيعة الاِمامية الجامعين

(1) منتجب الدين : الفهرست : برقم 219 .
(2) منتجب الدين : الفهرست : برقم 220 .
(3) بحر العلوم : الفوائد الرجالية :3|5 .
(4) الحر العاملي : أمل الآمل :2|127 .
(5) السيوطي : بغية الوعاة :594 .
(6) رياض العلماء : 2|443 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 270 ـ
  الكبيرين ( التهذيب ) و ( الاستبصار ) فهو فقيه متضلّع في الفقه .
  ولقد مرّتْ ترجمته في هذا الدور عند ذكر كبار المحدّثين الذين دوّنوا جوامع الحديث ، فلا حاجة إلى تكرار ما سبق ، إلاّ أنّه نشير إلى شخصيته الفقهية ، وكفى في حقّه انّه تتلمذ على علمين كبيرين هما : المفيد و المرتضى ، فصار علماً للفقه ، ومرجعاً للشيعة على الاِطلاق بعد رحيل أُستاذه الشريف المرتضى عام 436 هـ ، وصارت كتبه مرجعاً ومصدراً لروّاد العلم ، حتى أضحى كتابه ( النهاية ) في مجرّد الفقه كتاباً دراسياً عدّة قرون .
  يقول الشيخ النجاشي في حقّه : محمد بن الحسن بن علي الطوسي ، أبو جعفر ، جليل من أصحابنا ، ثقة ، عين ، من تلامذة شيخنا أبي عبد اللّه ، ثمّ ذكر أسماء كتبه .
  وقد ترجم الشيخ نفسه في كتاب ( الفهرست ) وقال :محمد بن الحسن الطوسي مصنّف هذا الفهرست ، له مصنّفات ، ثمّذكر أسماء ما ألّفه بوجه مبسوط .
  وقال العلاّمة :شيخ الاِمامية ، ورئيس الطائفة ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، ثقة ، عين ، صدوق ، عارف بالاَخبار والرجال والفقه والاَُصول والكلام والاَدب ، وجميع الفضائل تنسب إليه .
  صنف في كلّ فنون الاِسلام ، وهو المهذّب للعقائد في الاَُصول و الفروع ، والجامع لكمالات النفس في العلم والعمل . (1)
  وقد أثنى عليه أعلام الفريقين عبر القرون ، ويطول بنا الكلام عند ذكر إطراءاتهم ، فمن أراد الوقوف على ترجمته ، فليرجع إلى مقدمة كتابيه ( التبيان )

(1) الخلاصة :148 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 271 ـ
  و ( الرجال ) .
  وقد ذاع صيته في آفاق واسعة ، وعلت منزلته حتى نرى أنّ الخليفة القائم بأمر اللّه بن القادر باللّه ، جعل للشيخ الطوسي كرسي الاِفادة والبحث ، وكان لكرسي الاِفادة والكلام مقام كبير يومذاك .
  وقد خدم الشيخ الطوسي علم الفقه بأساليب شتى ، فتارة ألّف في الفقه على مسلك الاَخباريين وأصحاب الحديث ، فجرّد النصوص عن الاَسانيد وأسماه بـ ( النهاية ) في مجرّد الفتاوى ، وكان الكتاب كتاباً دراسياً إلى زمن المحقّق الحلّي قبل تأليف الشرائع .
  كما ألّف في الفقه على مسلك المجتهدين وأسماه بـ ( المبسوط ) وآثر فيه طريق المجتهدين ، وقال في مقدمته : إنّه كتاب لم يصنف مثله ، ولا نظير له بين كتب الاَصحاب ، ولا في كتب المخالفين ، إلى أن قال :
  إنّ أصحابنا ألفوا الاَخبار وما رووه من صريح الاَلفاظ ، حتى أنّ مسألة لو غيّر لفظها وعبّر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم ، تعجبوا منها ، وقصر فهمهم عنها . (1)
  كما انّه خدم الفقه بتأليف كتاب على نمط ثالث ، وهو العلم بالمسائل الخلافية ، فكتابه ( الخلاف ) يعد فقهاً مقارناً يوقف القارىَ على آراء فقهاء مختلف النحل ، وهو ليس ممّن يجمع الآراء المختلفة في المسائل الفقهية دون إجراء موازنة بينها ، بل يذكر الآراء ويقوّمها ويوازنها بترجيح ما اختاره على غيره من الآراء .
  وقد ألّف في مضمار الفقه كتباً ورسائل كثيرة ذكرت أسماوَها في ترجمته ، ولا نطيل بها الكلام ، وإنّما نلفت نظر القارىَ الكريم إلى نكتة مهمة وهي : انّ

(1) المبسوط :1|2 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 272 ـ
  الشيخ ألّف ( تهذيب الاَحكام ) شرحاً لكتاب ( المقنعة ) في حال حياة أُستاذه ، ولم يتجاوز عمره 27 سنة ، ولكنّه عندما يستدل على المسألة يستدل كأنّه فقيه متبحّر أفنى قسماً كبيراً من عمره في دراسة الفقه .
  يقول سيد مشايخنا المحقّق البروجردي : وأنت إذا نظرت إلى كلماته في الكتابين (الطهارة والصلاة) وما جادل به المخالفين في المسائل الخلافية ، كمسألة مسح الرجلين ، وما أفاده في مقام الجمع بين الاَخبار واختياراته في المسائل ، وما يستند فيه إليها ، وما يورده من الاَخبار في كلّ مسألة ، تخيّلته من أبناء السبعين وأنّه صرف عمره الطويل في تحصيل العلوم الاَدبية والاَُصولين و القراءات والتفسير ومسائل الخلاف والوفاق ، وطاف البلاد في طلب أحاديث الفريقين وما يتعلّق بها من الجرح والتعديل ، حتّى صارت له قدم راسخة في جميع العلوم الدينية ، ولو قيل لك إنّه كان شاباً حدثاً من أبناء أربع أو ثمان وعشرين لاَنكرت ذلك وقلت انّهذا لشي عجاب . (1)

آثاره الاَُصولية والرجالية
  إنّالاجتهاد المنهجي يعتمد على قواعد أُصولية تمهّد للمجتهد طريق الاستنباط ، وليس لمن يريد وضع الحلول للتفريعات إلاّ دراسة تلك القواعد بدقة وإمعان ، فلولاها لما قام للفقه عمود ولا اخضرَّ له عود ، فالمستنبط يعتمد في استنباطه على الاِجماع وخبر الواحد ، فلولا إثبات حجيتهما في علم آخر لما صحّ له الاستناد إليها ، كما انّه يفتي بالاِجزاء عند امتثال الاَوامر الواقعية الاَوّلية أو الثانوية أو الظاهرية ، فلولا إثبات الاِجزاء في علم آخر لعرقلت خطاه في الفقه ، وهكذا في سائر المسائل الفقهية .

(1) الخلاف : مقدّمة السيد المحقّق البروجردي ، ص 2 ، الطبعة الاَُولى .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 273 ـ
  وقد خدم الشيخ الفقه بتأليف كتاب ثالث أوسع ممّا ألّفه أُستاذاه المفيد والمرتضى ، فقد ألّف كتاب ( العدّة ) وهو كتاب مبسوط حاو لجميع المسائل الاَُصولية ، وفيه بعض المسائل الكلامية التي كانت تدرس في الاَُصول ، ويظهر إخلاص الشيخ في منهجه العلمي بأنّه ما ترك باباً إلاّ وطرقه ، ولا ثغراً إلاّ وسدّه .
  وقد كان لاَصحابنا موَلّفات كثيرة متعدّدة في الرجال ولكنّها دون المستوى المطلوب فأخذ الشيخ بزمام المبادرة وألّف كتباً رجالية مختلفة منها :
  1 ـ الرجال : ألّف هذا الكتاب بصورة الطبقات ، فذكر أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ أصحاب كلّ واحد من الاَئمّة على حسب الحروف الهجائية ، وهو أحد الاَُصول الاَربعة الرجالية المعتمد عليها عند علمائنا يتضمن زهاء ثمانية آلاف وتسعمائة اسم ، و الغرض من وراء هذا التأليف تمييز طبقاتهم لا تمييز الممدوح من المذموم ، ولو وثّق بعضهم في خلال ترجمته فإنّما كان استطراديّاً .
  2 ـ اختيار الرجال : وهو تلخيص رجال الكشي الموسوم بمعرفة الناقلين عن الاَئمّة الصادقين، فقد عمد الشيخ الطوسي إلى تهذيبه وتجريده من الزيادات والاَغلاط وأملاه على تلاميذه في المشهد الغروي ، و كان بدء إملائه يوم الثلاثاء 26 من صفر سنة 456هـ ، كما حكاه السيد رضي الدين علي بن طاووس في ( فرج المهموم ) عن نسخة خط الشيخ .
  3 ـ الفهرست : ذكر فيه أصحاب الكتب والاَُصول وأنهى إليهم وإليها أسانيده عن مشايخه ، وهو يحتوي على ما يقارب التسعمائة اسم من أسماء المصنّفين ، وهو من الآثار الثمينة الخالدة .
  وقد ألّف ( الفهرست ) بعد تأليفه لكتاب الرجال ، ويشهد عليه أنّه ذكر كتاب ( الرجال ) في فهرسته . (1)

(1) الفهرست :برقم 713 .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 274 ـ
  كان الشيخ الطوسي فيّاضاً في العلم ، سبّاقاً في حلبة البحث ، فلم يقتصر على التأليف والتدريس في الفقه وأُصوله ورجاله ، بل ألّف أيضاً كتاب ( التبيان ) في التفسير ، وهو كتاب جامع لعلوم القرآن ، يصدر عنه شيخنا الطبرسي في ( مجمع البيان ) ويغترف منه .
  كان درس الشيخ يعجّ بعلماء كلا الفريقين ، ولكن في عام 448 هـ تعرضت بغداد لاَزمات شديدة رافقتها فتن طائفية ، ولم ينج الشيخ الطوسي من شرارتها ، فلم يجد بدّاً من مغادرة بغداد إلى النجف الاَشرف .
  لم يكن إحراق مكتبة الشيخ وكرسيّه ونهب داره أمراً سهلاً ، فقد ترك مضاعفات خطيرة أدناها تشتّت أصحابه في الاَمصار الاِسلامية ، فهاجر سلاّر إلى إيران ، وتوفي في قرية ( خسرو شاه ) من اعمال تبريز ، وله هناك مزار ، كما هاجر النجاشي إلى ( مطير آباد ) من اعمال سامراء ، وهاجر لفيف مع الشيخ إلى النجف الاَشرف ، وتوفّي الشيخ في مهجره في محرم عام 460 هـ ، وقبره هناك مزار يقصده الخاص والعام وهو في المسجد الذي سمّي باسمه .
  لقد بلغ الشيخ الذروة في مختلف العلوم الاِسلامية اعترف بفضله القريب والبعيد حتى اتخذت كتبه مصدراً للفتيا قرابة قرن و احد ، وما هذا إلاّ لغزارة علمه وتألّق نجمه في حياته وبعد مماته .

خصائص فقه الشيخ الطوسي
  1 ـ اتبع الشيخ الطوسي في فتاواه وتآليفه الفقهية نهج أُستاذيه المفيد والمرتضى ، وقد أُتيحت له فرصة الوقوف على الكتب الفقهية أكثر ممّا وقف عليه أُستاذاه ، فأحاط بآراء المذاهب الاَُخرى إحاطة تامة لا نجد مثيلها في كتب المفيد والمرتضى .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 275 ـ
  2 ـ بلغ التفريع والتخريج على يده القمة ، فما ترك فرعاً إلاّ خاضه ويعد كتابه ( المبسوط) خير شاهد على ذلك ، وقد مضى على تأليفه قرابة عشرة قرون ومع ذلك لم يوَلّف كتاب مثله ، والكتاب مع كونه يحتوي على دورة فقهية كاملة ، لكنّه سلس الاَلفاظ ، سهل التناول ، موجز في النقل ، مختصر في الاستدلال ، على خلاف ما نراه في كتابي ( التذكرة ) و ( المنتهى ) فإنّهما في غاية البسط خصوصاً الاَخير .
  3 ـ استخرج قواعد عقلية واعتمد عليها في مقام التفريع ، وبذلك ردّ على خصوم الشيعة وصمة العار التي ألصقوها بهم ، قال في أوّل ( المبسوط ) :
  ( إنّي لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة والمنتسبين إلى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الاِمامية ، ويستنزرونه ، وينسبونهم إلى قلّة الفروع وقلّة المسائل ، ويقولون : إنّهم أهل حشو ومناقضة ، وإنّ من ينفي القياس و الاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ولا التفريع على الاَُصول ، لاَنّ جل ذلك وجمهوره مأخوذ من هذين الطريقين، وهذا جهل منهم بمذهبنا ، وقلّة تأمل لاَُصولنا ، ولو نظروا في أخبارنا وفقهنا لعلموا أنّ جلّما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا ومنصوص عليه تلويحاً عن أئمتنا الذين قولهم في الحجة يجري مجرى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إمّا خصوصاً ، أو عموماً ، أو تصريحاً ، أو تلويحاً.
  وأمّا ما كثّروا به كتبهم من مسائل الفروع ، فلا فرع من ذلك إلاّ وله مدخل في أُصولنا ومخرج على مذهبنا لا على وجه القياس ، بل على طريقة يوجب علماً ويجب العمل عليها ويسوغ الوصول إليها من البناء على الاَصل ، وبراءة الذمة ، وغير ذلك مع أنّ أكثر الفروع لها مدخل فيما نص عليه أصحابنا ، وإنّما كثر عددها عند الفقهاء لتركيبهم المسائل بعضها على بعض وتعليقها والتدقيق فيها ، حتى أنّ كثيراً من المسائل الواضحة دق لضرب من الصناعة وإن كانت المسألة معلومة واضحة ).