فخرج ابن عباس يقول : إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللّه و بين كتابه. (1)
  ولم يكن الهدف وراء طلب الدواة والقلم إلاّ التنويه على فضل العترة والاَمر بالانصياع لها كما يشهد به قوله في تلك الرزية : ( لن تضلّوا بعده ) .
  فقد جاء نفس النص في حديث الثقلين حيث قال : ( ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ) .
  إنّ الحيلولة بين النبي والكتابة كان تقدّماً على الرسول ، وقد أُمر الموَمنون بعدم التقدّم عليه ، قال سبحانه : ( يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَي اللّه وَرَسُوله ) . (2)
  ولكنّ الواعين من الاَُمّة أدركوا ـ بعد أن قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الرفيق الاَعلى ـ خطورة الموقف ، فاتجهت أنظارهم صوب العترة ، ولا سيما علي بن أبي طالب (عليه السّلام) خازن علم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحافظ السنّة وكاتبها ، فالتفوا حوله ونهلوا من رحيق علمه ، فأخذوا بتدوين الحديث وتعليمه دون أن يعيروا أهمية للاَبواق الناهية عن كتابة الحديث.
  قال السيوطي في ( تدريب الراوي ) : اختلف السلف من الصحابة والتابعين في كتابة العلم ، فكرهها طائفة منهم ... وأباحها طائفة وفعلوها ، منهم : علي وابنه الحسن (عليهما السلام) ، (3)كما و كتب (عليه السّلام) ( الجامعة ) وهي من إملاء رسول اللّهص وخط علي (عليه السّلام) ، وكانت تبلغ سبعين ذراعاً ، وقد تواتر نقلها في أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) . (4)


(1) البخاري : الصحيح : 1| باب كتابة العلم ، ص 30.
(2) الحجرات :1.
(3) السيوطي : تدريب الراوي : 2|61 ، ط دار الكتاب العربي ، بتلخيص.
(4) أعيان الشيعة :1|290.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 177 ـ
  وقد قام بتدوين السنّة لفيف من الصحابة والتابعين ، نشير إليهم حسب زمنهم :

الطبقة الاَُولى
  1 ـ أبو رافع ، صحابي ، له كتاب ( السنن والاَحكام والقضايا ).
  2 ـ سلمان الفارسي ، قال الشيخ الطوسي : سلمان الفارسي (رحمه الله) روى حديث الجاثليق الذي بعثه ملك الروم بعد النبي.
  وقد روى له البخاري ومسلم 60 حديثاً ، توفي بالمدائن سنة 35 هـ (1).
  3 ـ أبو ذر الغفاري ، ( المتوفّى 32 هـ ) له خطبة يشرح فيها الاَُمور بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) . (2)
  وأمّا الذين تربّوا على يد الاِمام أمير الموَمنين (عليه السّلام) ، فنخبة من التابعين منهم :
  1 ـ الاَصبغ بن نباتة المجاشعي ، والذي هو من خواص أمير الموَمنين (عليه السلام) ، روى عنه (عليه السّلام) عهده إلى مالك الاَشتر ووصيته إلى ابنه محمد.
  2 ـ ربيعة بن سميع ، له كتاب في زكاة النعم عن أمير الموَمنين (عليه السّلام) .(3)
  3 ـ سليم بن قيس الهلالي ، أبو صادق ، له كتاب باسم أصل ( سليم بن قيس ) .

(1) الطوسي : الفهرست :106برقم 340.
(2) الطوسي : الفهرست :70 ، برقم160.
(3) النجاشي : الرجال :1|67.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 178 ـ
  4 ـ علي بن أبي رافع ، قال النجاشي : ولابن أبي رافع كتاب آخر، (1)وهو علي ابن أبي رافع ، تابعي من خيار الشيعة ، كانت له صحبة من أمير الموَمنين (عليه السلام) ، وكان كاتباً له ، وحفظ كثيراً ، وجمع كتاباً في فنون من الفقه : الوضوء و الصلاة وسائر الاَبواب. (2)
  5 ـ عبيد اللّه بن حر الجعفي الفارس ، الفاتك ، الشاعر ، له نسخة يرويها عن أمير الموَمنين (عليه السّلام) . (3)
  6 ـ زيد بن وهب الجهني ، له كتاب خطب أمير الموَمنين (عليه السّلام) على المنابر في الجمع والاَعياد وغيرها. (4)

الطبقة الثانية
  ارتحل الوصي أمير الموَمنين (عليه السّلام) عن هذه الدنيا فتوجهت أنظار الشيعة نحو الحسن (عليه السّلام) خليفته الشرعي ، ولكن الضغوط المتزايدة التي مارسها معاوية بحق الاِمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) وشيعتهما حالت دون تدوين الاَحاديث المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يتسنّ لهما تربية جيل يأخذ على عاتقه تدوين الاَحاديث ، إلى أن وصل الاَمر إلى ابن الحسين الاِمام السجاد (عليه السّلام) صاحب ( الصحيفة الكاملة ) فربّى جيلاً واعياً ، منهم :
  1 ـ جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي ، أبو عبد اللّه ( المتوفّى 128 هـ ).
  2 ـ زياد بن المنذر ، كان مستقيماً ثمّ انحرف ، له أصل و كتاب التفسير.

(1) هكذا من جميع النسخ ، ولعلّ الصحيح ابن آخر.
(2) النجاشي : الرجال :1|65.
(3) النجاشي : الرجال :1|170 ، برقم 5.
(4) الطوسي : الفهرست :97 ، برقم 303.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 179 ـ
  3 ـ لوط بن يحيى بن سعيد ، شيخ أصحاب الاَخيار بالكوفة ، له كتب كثيرة ذكر أسماءها الشيخ في ( رجاله ). (1)
  4 ـ جارود بن المنذر الثقة ، أورده الشيخ في أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام) ، له كتب. (2)

الطبقة الثالثة
  ثمّ جاء دور الباقر و الصادق (عليهما السلام) بعد وفاة الاِمام زين العابدين (عليه السلام) في ظروف مهيَّأة بعدما أصاب كيان بني أُميّة الضعف والانهيار تحت وطأة النزاعات التي نشبت مع خصومها وخاصة بني العباس ، فوجد الاِمامان فرصة ذهبية لاِشاعة حديث الرسول ، فشيّدوا أُسس جامعة إسلامية قلّ نظيرها ، قصدها رواد العلم من كل صوب وحدب.
  قال المفيد : لم يظهر من أحد من ولد الحسن والحسين ما ظهر في علم الدين والآثار والسنّة وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهر من أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) . (3)
  وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين وفقهاء المسلمين ، وسارت بذكر علومه الاَخبار ، وأُنشدت في مدائحه الاَشعار. (4)
  وأمّا الاِمام الصادق (عليه السّلام) فحدّث عنه ولا حرج ، فقد ذاع صيته في جميع الاَمصار الاِسلامية ، وأصبح قدوة لرواد العلم ، روى عنه جماعة من أعيان

(1) الطوسي : الرجال :279.
(2) الطوسي : الرجال : 112 في أصحاب الباقر (عليه السّلام) .
(3) المفيد : الاِرشاد : 261.
(4) ابن الصباغ المالكي : الفصول المهمة : 210.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 180 ـ
  الاَُمّة ، منهم : يحيى بن سعيد ، وابن جريج ، ومالك بن أنس ، والثوري ، وابن عيينة ، وأبو حنيفة ، وشعبة ، وأبو أيوب السجستاني ، وغيرهم. (1)
  قام الاِمام بهداية الاَُمّة إلى النهج الصواب في عصر تضاربت فيه الآراء ، والاَفكار ، واشتعلت فيه نار الحرب بين الاَُمويين ومعارضيهم من العباسيين ، ففي تلك الظروف الصعبة والقاسية استغل الاِمام الفرصة لنشر أحاديث جدّه وعلوم آبائه ما سارت إليه الركبان ، وتربّى على يديه آلاف من المحدّثين والفقهاء ، ولقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلاف آرائهم ومقالاتهم ، فكانوا أربعة آلاف رجل ، وهذه فضيلة رابية لم تكتب لاَحد من الاَئمّة قبله ولا بعده. (2)
  وليس بإمكاننا أن نذكر قائمة بأسماء المحدّثين الذين رووا عن الاِمام الصادق (عليه السّلام) وتربّوا في مدرسته ، وكفانا في ذلك ما كتبه علماء الرجال في ذلك المضمار .
  يقول الحسن بن علي الوشاء : قال : أدركت في مسجد الكوفة تسعمائة شيخ كلّ يقول : حدّثني جعفر بن محمد (عليه السّلام) . (3)
  وكان (عليه السّلام) يقول : ( حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدّي ، وحديث جدّي حديث علي بن أبي طالب ، وحديث علي حديث رسول اللّه ، وحديث رسول اللّه قول اللّه عزّ وجلّ ) . (4)
  وتعاقبت أئمّة أهل البيت بعد الصادق (عليه السّلام) ، فغدوا قمماً شامخة في

(1) المصدر السابق :222.
(2) الاِرشاد : 270 ، المناقب لابن شهر آشوب :4|247.
(3) النجاشي : الرجال :139 ، برقم 79.
(4) الوسائل : 18|58 ح 26 ، الباب 8 من أبواب صفات القاضي.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 181 ـ
  سماء الحديث ، وعنهم أخذت شيعتهم أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فدوّنوها في جوامعهم الحديثية واحداً تلو الآخر.
  وثمّة نقطة جديرة بالبحث ، وهي انّ الجهود لم تقتصر على نشر السنّة وتبيين الاَحكام والاِجابة على المستجدات ، بل تعدتها إلى نهج إحياء الفكر ، وبث الوعي في الاَُمّة الاِسلامية خصوصاً بين شيعتهم وحواريّيهم الّذين أناخوا ركائبهم عند عتبة أبواب الاَئمّة (عليهم السلام) ، فنُهلوا من العلم الناجع حتى بلغوا مكانة سامية في الذب عن حياض العقائد جعلتهم سدّاً منيعاً أمام شبهات المعاندين والمغرضين ، وفي الاِحاطة بالفروع جعلتهم محنكين في رد الفروع إلى الاَُصول ، واستنباط الاَحكام من الكتاب والسنّة.
  وهكذا نشأ المنهجان في أحضان الاَئمّة (عليهم السلام) منذ عهد الصادقين إلى عهد الاِمام العسكري (عليه السّلام) ، فلم تمنعهم العناية بالحديث ونشر السنّة عن تربية جيل واعٍ في مجالي العقائد و الاَُصول ، وها نحن نذكر أسماء ثلّة من متكلّمي تلك العصور وفقهائهم.
  فمن المتكلّمين :
  1 ـ زرارة بن أعين ( 80 ـ 150 هـ ) : كان فقي هـ اً ، متكلمـاً ، شاعراً ، أديباً ، قد اجتمعت فيه خصال الفضل والدين.
  2 ـ أبو جعفر محمد بن علي بن النعمان ، موَمن الطاق : توفّي نحو 160 هـ ، من متكلّمي عصر الاِمام الصادق (عليه السّلام) ، قال ابن النديم : كان متكلّماً حاذقاً ، ثمّذكر كتبه. (1)
  3 ـ هشام بن الحكم : هو من متكلّمي الشيعة الاِمامية وبطانتهم ، وأكبر

(1) ابن النديم : الفهرست :264.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 182 ـ
  شخصية في الكلام ، توفّي عام 199 هـ .
  4 ـ عيسى بن روضة ، حاجب المنصور : كان متكلّماً ، وله كتاب في الاِمامة ، من متكلّمي القرن الثاني.
  5 ـ الضحاك أبو مالك الحضرمي : كوفي عربي أدرك أبا عبد اللّه (عليه السّلام) وروى عن أبي الحسن (عليه السّلام) وكان متكلماً ، ثقة ثقة في الحديث ، وله كتاب في التوحيد. (1)
  6 ـ علي بن محمد بن حسن الطائي : عدّه ابن النديم من متكلّمي الشيعة ، وله من الكتب كتاب ( الاِمامة ) كما ذكره ابن النديم.
  7 ـ الحسن بن علي بن يقطين بن موسى : كان فقيهاً ، متكلّماً ، روى عن أبي الحسن والرضا (عليهما السلام) ، ذكره الشيخ في ( رجاله ) في أصحاب الرضا (عليه السلام). (2)
  8 ـ حديد بن حكيم ، أبو علي الاَزدي المدائني : متكلّم ، جليل ، يروي عن الصادق والكاظم (عليهما السلام) . (3)
  9 ـ فضال بن الحسن بن فضال : من متكلّمي عصر الصادق (عليه السّلام) ، وله مناظرات مع أبي حنيفة.
  إلى غير ذلك من متكلّمي الشيعة الكبار ، كحمران بن أعين الشيباني ، وهشام بن سالم الجواليقي ، والسيد الحميري ، والكميت الاَسدي. (4)
  هذه نظرة عابرة حول مفكّري الشيعة ومتكلّميهم في العقائد في عهد الاَئمّة.

(1) النجاشي : الرجال : برقم 544.
(2) الطوسي : الرجال : برقم 7.
(3) النجاشي : الرجال : برقم 383.
(4) لاحظ أعيان الشيعة :1|134 ـ 135.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 183 ـ
  وأمّا الفقهاء الكبار الّذين رزقوا ملكة الاستنباط في عهد أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) حتى صاروا أئمّة في الفقه ، متضلّعين في استنباط الفروع ، فنذكر منهم على سبيل المثال ما يلي :

الطبقة الاَُولى من الفقهاء
  1 ـ سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب القرشي المدني الفقيه : أحد الفقهاء الثمانية ، ولد في أيام خلافة عمر بن الخطاب ، وتوفّي عام 94 هـ .
  2 ـ القاسم بن محمد بن أبي بكر : أحد الفقهاء في المدينة ، توفّي عام 106 هـ .
  3 ـ أبو خالد الكابلي : روى الكليني عن إسحاق بن جرير ، قال : قال أبو عبد اللّه (عليه السّلام) : ( كان سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأبو خالد الكابلي ، من ثقات علي بن الحسين ) . (1)

الطبقة الثانية
  ثمّ أعقبتهم طبقة أُخرى كانوا من فقهاء عصر الصادقين (عليهما السلام) ومن بعدهم من الاَئمّة ، وقد تربّى جلّهم في أحضان الاَئمّة حتى بلغوا القمة في رد الفروع إلى الاَُصول ، نذكر أسماءهم على وجه الاِيجاز ، فإنّ التفصيل يحوجنا إلى تأليف مفرد ، والاَصل في هذا ما ذكره الرجالي الكبير الكشي المتوفّى نحو ( 320 هـ ) في كتابه القيّم المعروف الذي لخّصه الشيخ الطوسي.
  عقد الكشي باباً أسماه ( تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عليهما السلام) ) قال : أجمعت العصابة على تصديق هوَلاء الاَوّلين من أصحاب أبي جعفر (عليه السّلام) وأصحاب أبي عبد اللّه (عليه السّلام) وانقادوا لهم بالفقه فقالوا :

(1) الكليني ، الكافي : 1|472 ، باب مولد أبي عبد اللّه الصادق (عليه السّلام) .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 184 ـ
  أفقه الاَوّلين ستة :
  1 ـزرارة ، 2 ـ معروف بن خرّبوذ ، 3 ـ بريد بن معاوية ، 4 ـ أبو بصير الاَسدي ، 5 ـ الفضيل بن يسار ، 6 ـ محمد بن مسلم الطائفي .
  قالوا : أفقه الستة زرارة .
  هوَلاء الستة تخرجوا على يدي الصادقين (عليهما السلام) .
  وهناك طبقة أُخرى تلتهم ، وهم خرّيجو مدرسة الاِمام الصادق (عليه السّلام) ولم يدركوا عهد الباقر (عليه السّلام) ، ذكرهم الكشي في باب أسماه ( تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللّه (عليه السّلام) ) :
  أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هوَلاء ، وتصديقهم بما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه ، من دون أُولئك الستة الذين عددناهم وسمّيناهم ، وهم ستة :
  1 ـ جميل بن دُرّاج ، 2 ـ عبد اللّه بن مسكان ، 3 ـ عبد اللّه بن بكير ، 4 ـ حماد ابن عثمان ، 5 ـ حماد بن عيسى ، 6 ـ أبان بن عثمان .
  وقال أبو إسحاق الفقيه ، وهو ثعلبة بن ميمون : إنّ أفقه هوَلاء جميل بن درّاج ، وهم أحداث أصحاب أبي عبد اللّه (عليه السّلام) .

الطبقة الثالثة
  وهناك طبقة ثالثة تربّوا على يدي الاِمام موسى بن جعفر وعلي بن موسى الرضا (عليهما السلام) ذكرهم الكشي في باب أسماه ( تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن (عليهما السلام) ) قال :
  أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هوَلاء وتصديقهم ، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم ، وهم ستة :

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 185 ـ
  1 ـ يونس بن عبد الرحمن ، 2 ـ صفوان بن يحيى بياع السابري ، 3 ـ محمد بن أبي عمير ، 4 ـ عبد اللّه بن مغيرة ، 5 ـ الحسن بن محبوب ، 6 ـ أحمد بن محمد بن أبي نصر.
  وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب ، الحسن بن علي بن فضال ، وفضالة ابن أيوب.
  وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوب ، عثمان بن عيسى ، وعلى كلّتقدير ، فأفقه هوَلاء يونس بن عبد الرحمن ، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري.
  هوَلاء هم أقطاب الاجتهاد في عهد الاَئمّة الاَربعة : الباقر والصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام) واستمرّ الركب سارياً على هذا المنوال في عصر الاَئمّة الآخرين.
  ومن النجوم اللامعة في هذه الطبقة هو الفضل بن شاذان بن الخليل ، أبو محمد الاَزدي النيسابوري ( المتوفّى 260 هـ ) كان أبوه من أصحاب يونس ، وروى عن أبي جعفر الثاني ، وقيل الرضا أيضاً ، وكان ثقة ، أخذ عنه أصحابنا الفقهاء والمتكلمون ، وله جلالة في هذه الطائفة ، وهو في قدره أشهر من أن يوصف ، ونقل الكشي أنّه صنّف 160 كتاباً. (1)
  وقد ألّف في الفقه غير واحد من الكتب ، منها : كتاب ( الطلاق ) ، ومنها كتاب ( الفرائض الكبير ) وكتاب ( الفرائض الاَوسط ) وكتاب ( الفرائض الصغير ) إلى غير ذلك من الكتب.
  وكتبه هذه وإن لم تصل إلينا ، ولكن نقل الشيخ الكليني شطراً وافراً من كتاب الطلاق والفرائض ، والمتتبع في ما نقله يقف على أنّ الفقه الشيعي قد

(1) رجال الكشي :456 ، ورجال النجاشي رقم 838.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 186 ـ
  استقل بالتأليف في عصره ، وانّهم لم يكونوا ملتزمين بالاِفتاء بنفس النص ، أو التأليف بتجريد الاَسانيد عن المتون ، وتخصيص المتن بالذكر ، بل قام الفضل بالتأليف على غير هذا النمط ، فلاحظ المصادر أدناه (1)لتقف بجلاء على ما قلناه.
  فقد نقل في كتاب المواريث ـ باب ميراث ولد الولد ـ شيئاً كثيراً من كتاب الفرائض للفضل. (2)
  و باب ميراث ولد الولد مع الاَبوين ، فنقل فيه شيئاً كثيراً عن الفضل. (3)
  وأيضاً باب ميراث الاَبوين مع الزوج ، فنقل شيئاً من عبارات الفضل. (4)
  وقد وصل إلينا من كتب الفضل كتاب ( الاِيضاح ) وهو مطبوع منتشر ، وقد وردت فيه مسائل فقهية ، استدلّ عليها وبحث عنها على نمط المتأخرين.
  ولا نستبعد أن يكون كتب بعض الفقهاء المتقدّمين على الفضل ، على هذا النمط أيضاً ، فإنّ يونس بن عبد الرحمن أحد الفقهاء الكبار من أصحاب الرضا وألّف في الفقه شيئاً كثيراً ، كما سيوافيك.
  ولو أردنا استعراض أسمائهم إلى عصر الاِمام الحجّة لطال بنا الكلام.
  والغرض من استعراض أسماء هوَلاء الايعاز إلى أنّ الجهود لم تكن منصبَّة على نشر السنّة النبوية وتربية المحدّثين فحسب ، بل كان يواكبه خط آخر وهو تربية أهل الفكر في كلا المجالين ، وهذا من خصائص الشيعة الاِمامية ، خصوصاً عهد الاِمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) الذي أخرج في خطبه كثيراً من المعارف والمسائل التي صار لها دور موَثر في العصور المتأخّرة ، ومن قارن كتاب ( التوحيد ) للشيخ الصدوق (306 ـ 381 هـ ) وكتاب ( التوحيد ) لابن خزيمة

(1) الكافي : 6|92ـ96 ، كتاب الطلاق ، باب الفرق بين من طلّق على غير السنّة.
(2) لاحظ الكافي :7|88 ـ 90 ، كتاب المواريث ، باب ميراث ولد الولد.
(3) لاحظ الكافي :7|90 ـ 96 ، كتاب المواريث ، باب ميراث ولد الولد.
(4) لاحظ الكافي : 7|98 ، كتاب المواريث ، باب ميراث الاَبوين مع الزوج.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 187 ـ
  الذي تنشره السلفية ، لرأى بوناً شاسعاً بين الكتابين ، فالثاني يركز على النقل ، وفيه من الاِسرائيليات والمسيحيات والمجوسيات مالا يحصى بخلاف الاَوّل ، فإنّه يركز على القرآن والسنّة القطعية والفكر والتفكير ويدعم العقيدة بالبرهان.
  الاجتهاد الصحيح عند الشيعة هو استنطاق الكتاب والسنّة ، وليس الاجتهاد شريعة لكل وارد ، وإنّما يطّلع عليه من نهل من معين علم الاَئمّة (عليهم السلام) ، وها نحن نذكر نماذج لكيفية تعليمهم ردّ الفروع إلى الاَُصول ، وقد كان هتافهم على روَوس أصحابهم : إنّما علينا إلقاء الاَُصول وعليكم التفريع. (1)
  كان الاَئمّة ينهضون همم أصحابهم في إعمال التدبّر والفكر في فهم السنّة ، وهذا هو الاِمام الصادق (عليه السّلام) يقول : ( أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ، انّ الكلمة لتصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب ). (2)
  ولاَجل إيقاظ روح التفكير في صفوف أصحابهم كانوا يرشدونهم بالقول : ( إنّ في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن ، ومتشابهاً كمتشابه القرآن ، فردّوا متشابهها إلى محكمها ، ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا ). (3)
  وقد أنهضت هذه الكلمات روح الاجتهاد ، وأوجدت نشاط الاستنباط ، فبلغت رتبة بعض أصحابهم درجة عالية صالحة للاِفتاء ، فهذا أبو جعفر الباقر (عليه السلام) يقول لاَبان بن تغلب : ( اجلس في المسجد وافتِ الناس ، فإنّي أُحب أن يرى في شيعتي مثلك ) . (4)

(1) الوسائل : ج18 ، الباب 6 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 52.
(2) الوسائل : ج18 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 6.
(3) الوسائل : ج18 ، الباب 9 من أبواب صفات ا لقاضي ، الحديث 22.
(4) النجاشي : 1|73 ، في ترجمة أبان بن تغلب.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 188 ـ
تدريب السائل للاجتهاد
  1 ـ اختلفت كلمة الفقهاء في مقدار المسح الواجب على الرأس عند الوضوء ، وقد سأل زرارة الاِمام الصادق (عليه السّلام) عن مقدار المسح ، فقال له : ألا تخبرني من أين علمت ، وقلت إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين ؟ فضحك ، وقال : ( يا زرارة ، قاله رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ونزل به الكتاب عن اللّه عزّ وجلّ قال : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) فعرفنا انّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل ، ثمّ قال : ( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) فوصل اليدين إلى المرافق بالوجه ، فعرفنا انّه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين ، ثمّفصل بين الكلام فقال : ( وَامْسَحُوا بِرُوَوسِكُمْ ) فعرفنا حين قال : بروَوسكم أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء ، ثمّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال : ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن) فعرفنا حين وصلهما بالرأس انّ المسح على بعضها ، ثمّفسّر ذلك رسول اللّه فضيّعوه).(1)
  2 ـ سأل عبد الاَعلى ، مولى آل سام ، الاِمام الصادق عن كيفية المسح على الظفر الذي أصابه الجرح وجعل عليه جبيرة ؟ قال : ( هذا وأشباهه يعرف من كتاب اللّه ، قال اللّه تعالى : ( ما جَعَلَعَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (2) امسح على المرارة ) . (3)
  فقد أوضح للسائل كيفية الاستنباط وردّ الفرع إلى الاَصل.
  3 ـ روى زرارة وبكير ، انّهما سألا أبا جعفر عن وضوء رسول اللّه ، فدعا بطست ، إلى أن قال : إنّاللّه عزّوجلّ يقول : ( يا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى

(1) الوسائل :1 ، الباب 23 من أبواب الوضوء ، الحديث 1. والآية 6 من سورة المائدة.
(2) الحج :78.
(3) الوسائل :1|290 ح1 ، الباب 23 من أبواب الوضوء .

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 189 ـ
  الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) فليس له أن يدع شيئاً من وجهه إلاّغسله ، وأمر أن يغسل اليدين إلى المرفقين ، فليس له أن يدع شيئاً من يديه إلى المرفقين إلاّ غسله ، لاَنّ اللّه تعالى يقول : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيديَكُمْ إِلَى الْمَرافِق) ) . (1)
  4 ـ عن حكم بن الحكم ، قال : سمعت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) يقول ، وسئل عن الصلاة في البيع والكنائس ، فقال : ( صل فيها قد رأيتها ما أنظفها ) قلت : أيصلّى فيها وإن كانوا يصلّون فيها ؟ فقال : ( نعم أما تقرأ القرآن ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً ) (2)صل إلى القبلة وغرّ بهم ). (3)
  5 ـ روى سماعة بن مهران ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : ( إنّ اللّه فرض للفقراء في أموال الاَغنياء فريضة لا يحمدون إلاّ بأدائها ، وهي الزكاة بها حقنوا دماءهم وبها سمّوا مسلمين ، ولكن اللّه فرض في أموال الاَغنياء حقوقاً غير الزكاة ، فقال عزّ وجلّ :( وَ الّذينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ ) (4)فالحقّ المعلوم غير الزكاة ، وهو شيء يفرضه الرجل على نفسه في ماله يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته و سعة ماله ). (5)
  6 ـ روى سماعة عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : قلت له : جعلت فداك ، يدخل عليّ شهر رمضان فأصوم بعضه فتحضرني نيّة زيارة قبر أبي عبد اللّه (عليه السلام) فأزوره وأفطر ذاهباً وجائياً ، أو أُقيم حتى أفطر وأزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين ؟

(1) الوسائل : 1 ، الباب 15 من أبواب الوضوء ، الحديث 3 ، والآية 6 من سورة المائدة.
(2) الاِسراء :84.
(3) الوسائل : 3 ، الباب 13 من أبواب مكان المصلّي ، الحديث 3.
(4) المعارج :25.
(5) الوسائل : 6 ، الباب 7 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الحديث 2.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 190 ـ
  فقال : ( أقم حتى تفطر ) فقلت له : جعلت فداك فهو أفضل ، قال : ( نعم ، أما تقرأ في كتاب اللّه (فَمَنْ شَهِدَمِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ) (1)، (2) وكيفية الاستدلال واضحة حيث إنّ الكتاب لم يوجب شهود أشهر ، وإنّما علّق الصيام على من شهد اختياراً ، وأمّا من لم يشهد ولو بالسفر ، فلم يكتب عليه الصيام وإن كتب عليه القضاء.
  7 ـ روى أبو حمزة ، عن أبي جعفر في حديث قال : إنّاللّه جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء ، فقال تبارك وتعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَأَنَّ للّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبيلِ ) (3) ، فنحن أصحاب الخمس والفيء ، وقد حرمنا على جميع الناس ما خلا شيعتنا ). (4)
  وقد استفاد الاِمام من اللام الواردة في قوله : ( وَلِذِي القُربى ) انّ اختيار الخمس بيدهم ، فلهم أن يبيحوه أو يحرّموه لمن شاءوا.
  8 ـ روى الكليني في ( الكافي ) مرفوعاً ، انّه خطب أمير الموَمنين (عليه السّلام) وقال : ( يا أيّها الناس إنّ آدم لم يلد عبداً ولا أمة ، وإنّ الناس كلّهم أحرار ، ولكن اللّه خوّل بعضكم بعضاً ، فمن كان له بلاء فصبر في الخير ، فلا يمن به على اللّه عزّوجلّ ، ألا وقد حضر شيء و نحن مسوُّون فيه بين الاَسود والاَحمر ، فقال مروان لطلحة والزبير : ما أراد بهذا غيركما ، قال : فأعطى كلّواحد ثلاثة دنانير وأعطى رجلاً من الاَنصار ثلاثة دنانير ، وجاء بعد غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير ، فقال الاَنصاري : يا أمير الموَمنين هذا غلام اعتقته بالاَمس تجعلني وإياه سواءً ،

(1) البقرة :185.
(2) الوسائل : 7|130 ، الباب 3 من أبواب من يصحّ منه الصوم ، الحديث 7.
(3) الاَنفال :41.
(4) الوسائل : 6|385 ، الباب 4 من أبواب الاَنفال ، الحديث 19.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 191 ـ
  فقال (عليه السّلام) : (إنّي نظرت في كتاب اللّه ، فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلاً ). (1)
  هذه نماذج من الاَساليب التعليمية التي علم بها الاَئمّة (عليهم السلام) أصحابهم نهج الاستنباط والاجتهاد ، ولو أردنا استقصاء ما ورد في ذلك المضمار لطال فيها الكلام ، ويكفيك النظر في الروايات الواردة في أبواب الحيض حيث إنّ الاِمام يستدل في كثير من الروايات على أحكام الحيض عن طريق السنّة. (2)
  فخرجنا من هذا الدور بميزتين :
  الاَُولى : انّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) صرفوا همهم إلى نشر السنّة النبوية في مجال تفسير الكتاب وبيان الاَحكام والحقوق والعقائد بعد التحاق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرفيق الاَعلى ، وقد ألّفت لتلك الغاية آلاف من الكتب والرسائل بألوان مختلفة.
  الثانية : قد واكب الخط الحديثي خط إنهاض الفكر واعماله في الكتاب والسنّة بُغية استنباط الاَحكام من مظانّها ، ولم يكن بين أصحاب المنهجين أي تعارض ، كل يمارس ما يوافق ذوقه ويتجاوب مع سليقته ونزعته النفسية ، وليس الناس على وتيرة واحدة في الحفظ والتعقّل.
  فأصحاب المنهج الاَوّل يهتمون بنقل النصوص و ضبطها في كتبهم ورسائلهم ، بيد انّ أصحاب المنهج الثاني يهتمون بالتفكّر والتعقّل فيما روي عنهم (عليهم السلام) .
  ولم يول الاَئمّة (عليهم السلام) اهتماماً لمنهج دون آخر ، بل قد شجعوا على كلا المنهجين على حدّ سواء.

(1) الكليني : الكافي :8|69.
(2) لاحظ الوسائل :2 ، الباب 3 من أبواب الحيض ، الحديث 3و4 ، والباب 5 ، الحديث 1 من تلك الاَبواب أيضاً.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 192 ـ
الاَساليب المختلفة لتدوين الفقه
  وبالسبر في الكتب الموَلّفة في تلك الفترة من لدن رحيل الرسول إلى عصر الغيبة يقف الباحث على أنّه كانت لهم في تدوين الفقه أساليب مختلفة ، منها :
  أ ـ تدوين الفقه عن طريق جمع الاَحاديث بلا ترتيب وتنظيم ، كالاَُصول الاَربعمائة ، فإنّ صاحب كلّ أصل يذكر جميع الروايات التي سمعها من الاِمام ، أو ممّن سمعه منه ، دون التزام بذكر كلّ رواية في باب خاص ، كما هو المشاهد من النماذج الباقية من الاَُصول الاَربعمائة المطبوعة ، وهذا كان تدويناً للحديث من جانب ، وتدويناً للفقه من جانب آخر ، لما عرفت انّ بين تاريخي العلمين صلة وثيقة.
  ب ـ تدوين الفقه عن طريق ترتيب الاَحاديث وتنظيمها في أبوابها الخاصة بنقل كلّ ما يمتُّ إلى الطهارة بصلة في بابها وإلى الصلاة في بابها ، وهذه هي الصورة الغالبة على تأليفات تلك الفترة.
  ج ـ الفقه الروائي الممزوج بتعابير الموَلّف ، وهذا هو الفقه المنصوص.
  إنّ هناك نمطاً آخر لعرض الفقه هو الاستمداد من ألفاظ الروايات ، لكن بإنشاء من الموَلّف فلا يعد الكتاب فقهاً منصوصاً ، (1)كالمقنع للشيخ الصدوق ، ولا فقهاً تفريعياً على الاَُصول والقواعد ، بل كتاباً يستمد من النصوص و

(1) سيوافيك انّ أوّل من جرّد المتون عن الاَسانيد وصنّف على هذا النمط كتاباً فقهياً هو علي بن بابويه القمي المتوفّى ( 329 هـ ).

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 193 ـ
  يستعرض المسائل بتعبير الموَلّف ، وأظن انّ هذا النمط من الكتابة وجدت في الكتب المعروضة على أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ، كالكتب التالية :
  1 ـ كتاب عبيد اللّه الحلبي
  عرض عبيد اللّه بن أبي شعبة الحلبي كتابه على أبي عبد اللّه (عليه السّلام) وصحّحه ، وقال عند قراءته : ( أترى لهوَلاء مثل هذا ؟ ). (1)
  2 ـ كتاب يونس بن عبد الرحمن
  قال أحمد بن أبي خلف : كنت مريضاً فدخل عليَّ أبو جعفر يعودني عند مرضي ، فإذا عند رأسي كتاب ( يوم و ليلة ) فجعل يصفح ورقه حتى أتى عليه من أوّله إلى آخره ، وجعل يقول : ( رحم اللّه يونس ، رحم اللّه يونس ، رحم اللّه يونس ). (2)
  وروي أيضاً عن أبي هاشم الجعفري قال : أدخلت كتاب ( يوم وليلة ) الذي ألّفه يونس بن عبد الرحمن على أبي محمد الحسن العسكري فنظر فيه وتصفّحه ، ثمّقال : (هذا ديني ودين آبائي وهو الحقّ كلّه ). (3)
  روى محمد بن إبراهيم الورّاق السمرقندي في حديثه مع بورق قال : فقال بورق : فخرجت إلى سرّ من رأى ومعي كتاب ( يوم وليلة ) فدخلت على أبي محمد وأرايته ذلك الكتاب ، فقلت له : جعلت فداك انّي رأيت أن تنظر فيه ، فلما

(1) النجاشي : الرجال : برقم 610.
(2) الكشي :الرجال : برقم 351.
(3) الكشي : الرجال : برقم 351.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 194 ـ
  نظر فيه وتصفّحه ورقة ورقة ، قال : ( هذا صحيح ينبغي أن يعمل به ). (1)
  والذي يوَيد كون هذه الكتب إما من هذا اللون من التأليف ، أو من النمط الرابع ، ما ذكره الكشي حيث قال : كان ليونس بن عبد الرحمن أربعون أخاً يدور عليهم في كلّيوم مسلّماً يرجع إلى منزله فيأكل ويتهيأ للصلاة ثمّ يجلس للتصنيف وتأليف الكتب. (2)
  3 ـ كتاب الفضل بن شاذان
  روى الكشي أنّ أبا محمد الفضل بن شاذان (رحمه الله) كان وجّه حامد بن محمد الاَزدي إلى حيث به أبو محمد الحسن بن علي ، فذكر انّه دخل على أبي محمّد ، فلمّـا أراد أن يخرج سقط منه كتاب في حضنه ملفوف في ردائه ، فتناوله أبو محمد ونظر فيه ، وكان الكتاب من تصنيف الفضل بن شاذان وترحّم عليه وذكر انّه قال : ( اغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم ) .(3)
  د ـ إفراغ المسائل الفقهية في قوالب خاصة وتخريج الفروع غير المنصوصة ، ويدل على وجود هذا النمط من التأليف في عصر الاَئمّة ما رواه ( الكافي ) عن زرارة ، والفضل بن شاذان ، وما رواه الشيخ ، عن عبد اللّه بن بكير ، و نحن نستعرض النصوص الباقية من هوَلاء الاَقطاب في هذا الصدد.

(1) الكشي : الرجال : 451 ، برقم 416.
(2) الكشي : الرجال : برقم 351.
(3) الكشي : الرجال :451 ، برقم 416.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 195 ـ
نماذج من فتاوى أصحاب الاَئمّة
  قد أوقفك البحث على أنّ أئمّة أهل البيت ساهموا في تربية محدّثين كبار وفقهاء عظام ، يرجع الناس إليهم في الاَخذ بالاَحكام الشرعية ، وسنقوم بذكر مقتطفات من فتاواهم ، ونحيل القارىَ الكريم في الهامش إلى مواضع أُخرى من فتاواهم ممّا لم نذكرها :
  أ ـ فتاوى زرارة ( المتوفّـى عام 150 هـ )
  يعد زرارة بن أعين أحد الفقهاء العظام ، ممّن يوَخذ عنه الحلال والحرام والفتيا والاَحكام ، وكفى في حقّه قول الاِمام الصادق (عليه السّلام) : ( إنّ زرارة من أُمناء اللّه على حلاله وحرامه ، ومن الذين ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأويل الغالين ، ومن القوّامين بالقسط ، والسابقين إلينا في الدنيا ، والسابقين إلينا في الآخرة ، وهو أحب الناس إليّ أحياءً وأمواتاً ، ولولاه لظننت انّ أحاديث أبي ستذهب ). (1)
  قال ابن النديم : وزرارة أكبر رجال الشيعة فقهاً وحديثاً ومعرفة بالكلام والتشيع. (2)
  وقال النجاشي : شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم ، وكان قارئاً فقيهاً متكلماً شاعراً أديباً ، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين ، صادقاً فيما يرويه. (3)
  وقد كان مرجعاً في عصره لتمييز الصحيح من الروايات عن سقيمها.

(1) الكشي : الرجال : برقم 431.
(2) ابن النديم : الفهرست : 323.
(3) النجاشي : الرجال : برقم 463.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 196 ـ
  روى الكليني عن عمر بن أُذينة ، أنّه قال : قلت لزرارة : إنّ أُناساً حدّثوني عنه ـ يعني الصادق (عليه السّلام) ـ وعن أبيه (عليه السّلام) بأشياء في الفرائض ، فأعرضها عليك ، فما كان منها باطلاً فقل هذا باطل ، وما كان منها حقاً فقل هذا حقّ ، ولا تروِهِ واسكت ، فحدّثته بما حدّثني به محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر في الابنة والاَب ، والابنة والاَُم ، والابنة والاَبوين ، فقال : ( هو واللّه الحق). (1)
  وإليك نماذج من فتاواه :
  1 ـ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة ، قال : إذا ترك الرجل أُمّه أو أباه أو ابنه أو ابنته ، فإذا ترك واحداً من الاَربعة فليس بالذي عنى اللّه عزّ وجلّ في كتابه : ( قُلِ اللّهُ يُفْتيكُمْ في الكَلالَة ) (2)ولا يرث مع الاَُم ولا مع الاَب ولا مع الابن ولا مع الابنة أحد خلقه اللّه عزّوجلّ ، غير زوج أو زوجة. (3)
  2 ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة قال : قال زرارة : إذا أردت أن تلقى العول ، فإنّما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد والاِخوة من الاَب ، وأمّا الزوج والاِخوة من الاَُم ، فإنّهم لا ينقصون ممّا سمّى لهم اللّه شيئاً. (4)
  3 ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن عبد اللّه بن المغيرة ، عن موسى بن بكر قال : قلت لزرارة : إنّ بكيراً حدّثني عن أبي جعفر (عليه السّلام) ، انّالاِخوة للاَب والاَخوات للاَب والاَُمّ يُزادون وينقصون لاَنهنَّ

(1) الكافي : 7|95 ، 98.
(2) النساء : 176.
(3) وسائل الشيعة :17|428 ، الحديث 8 ، كتاب الفرائض ، باب 7 من أبواب موجبات الاِرث، مسند زرارة بن أعين ، الحديث 1682.
(4) وسائل الشيعة :17|425 ، الحديث 1 ، كتاب الفرائض والمواريث ، باب 7 من أبواب موجبات الارث.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 197 ـ
  لا يكنَّ أكثر نصيباً من الاِخوة والاَخوات للاَب والا َُمّ لو كانوا مكانهن لاَنّ اللّه عزّوجلّ يقول : (إِنِ امْرُوٌَا هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُن لَـها وَلَدٌ" (1)يقول : يرث جميع مالها إن لم يكن لها ولد ، فاعطَوا من سمّى اللّه له النصف كملاً ، وعمدوا فاعطوا الذي سمّى اللّه له المال كلّه أقل من النصف ، والمرأة لا تكون أبداً أكثر نصيباً من رجل لو كان مكانها ، قال : فقال زرارة : وهذا قائم عند أصحابنا لا يختلفون فيه. (2)
 ب ـ فتاوى محمد بن مسلم الثقفي ( المتوفّى عام 150 هـ )
  يذكر النجاشي لمحمد بن مسلم كتاباً باسم ( الاَربعمائة مسألة في أبواب الحلال والحرام ) وحيث إنّ محمد بن مسلم قد حفظ عن الصادقين آلافاً من الاَحاديث ، كما ذكرت في ترجمته ، يبدو انّ هذا الكتاب كان جامعاً لاَحاديث جامعة متضمّنة لقواعد كلية ، وإلاّ فلما خصص هذا العدد القليل بالنسبة إلى ما حفظه بالتأليف ، وقد كان مرجعاً للاَحكام ، وكان القضاة يرجعون إليه فيما لا يعلمون ، ونذكر هنا القضيتين التاليتين :
  1 ـ روى الشيخ في ( التهذيب ) أنّه قَدَّم إلى ابن أبي ليلى رجلٌ خصماً له فقال :
  إنّ هذا باعني هذه الجارية ، فلم أجد على ركبها (3)حين كشفتها شعراً ، وزعمت انّه لم يكن لها قط ، فقال ابن أبي ليلى : إنّ الناس ليحتالون لهذا بالحيل حتى يذهب به ، فما الذي كرهت ؟ ! قال : أيّها القاضي إن كان عيباً فاقض لي به ، قال : حتى أخرج إليك ، فإنّي أجد أذى في بطني ، ثمّ إنّه دخل فخرج من باب

(1) النساء : 176.
(2) الكافي : 7|104 ، ولاحظ أيضاً ص91 ، 92 ، 93 ، 94 ، 96 ، 97 ، 100.
(3) الركب : موضع العانة.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 198 ـ
  آخر ، فأتى محمد بن مسلم الثقفي فقال : أيّ شيء تروون عن أبي جعفر (عليه السّلام) في المرأة لا يكون على ركبها شعر أيكون ذلك عيباً ؟ فقال له محمد بن مسلم : أمّا هذا نصاً فلا أعرفه ، ولكن حدّثني أبو جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال : كلّ ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب ، فقال له ابن أبي ليلى : حسبك ، ثمّ رجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب. (1)
  2 ـ روى الكشي عن محمد بن مسلم ، قال : ما شجر في رأيي شيء قط إلاّ سألت عنه أبا جعفر ، حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث ، وسألت أبا عبد اللّه عن ستة عشر ألف حديث . (2)
  روى محمد بن مسلم قال :إنّـي لنائم ذات ليلة على السطح ، إذ طرق الباب طارق ، فقلت : من هذا ؟ فقال : شريك رحمك اللّه ، فأشرفت فإذا امرأة ، فقالت : لي بنت عروس ضربها الطلق ، فما زالت تطلق حتى ماتت والولد يتحرك في بطنها ويذهب ويجيء فما أصنع ؟ فقلت : يا أمة اللّه سئل محمد بن علي بن الحسين الباقر (عليه السّلام) عن مثل ذلك ، فقال : يشق بطن الميت ويستخرج الولد ، يا أمة اللّه افعلي مثل ذلك ، انا يا أمة اللّه رجل في ستر ، من وجّهك ، إليّ ؟ قال : قالت لي : رحمك اللّه جئت إلى أبي حنيفة صاحب الرأي ، فقال : ما عندي في هذا شيء ، ولكن عليك بمحمد بن مسلم الثقفي ، فإنّه يخبر ، فما أفتاك به من شيء فعودي إليّ فاعلمينيه ، فقلت لها : امضي بسلام.
  فلمّا كان الغد خرجت إلى المسجد ، وأبو حنيفة يسأل عنها أصحابه فتنحنحت ، فقال : اللّهمّ اغفر دعنا نعيش. (3)

(1) التهذيب :7|65 ، ح282 ، الكافي : 5|215ح12.
(2) الكشي : الرجال : 147 برقم 67 ، ولاحظ أيضاً الكافي : 7|93.
(3) الكشي : الرجال : 147 برقم 67 ، ولاحظ أيضاً الكافي : 7|93.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 198 ـ
  ج ـ فتاوى عبد اللّه بن بكير بن أعين الشيباني
  قال عنه المفيد في رسالته العددية : من الفقهاء الاَعلام والروَساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والاَحكام الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم.
  روى محمد بن أبي عبد اللّه ، عن معاوية بن حكيم ، عن عبد اللّه بن المغيرة ، قال : سألت عبد اللّه بن بكير عن رجل طلّق امرأته واحدة ثمّ تركها حتى بانت منه ثمّ تزوجها ؟ قال : هي معه كما كانت في التزويج.
  قال : قلت : فإنّ رواية رفاعة إذا كان بينهما زوج ؟ فقال لي عبد اللّه : هذا زوج وهذا ممّا رزق اللّه من الرأي. (1) وللفقهاء حول رأيه هذا كلام في كتاب الطلاق فراجعه.
  د ـ فتاوى يونس بن عبد الرحمن (المتوفّى 208 هـ )
  كان يونس بن عبد الرحمن وجهاً في أصحابنا ، متقدّماً ، عظيم المنزلة ، روى الفضل بن شاذان قال : حدثني عبد العزيز بن المهتدي ـ وكان خير قمي رأيته ، وكان وكيل الرضا (عليه السّلام) وخاصته ـ فقال : إنّي سألته وقلت : لا أقدر على لقائك في كلّ وقت فعمّن آخذ معالم ديني ؟ فقال : ( خذ عن يونس بن عبد الرحمن).
  يقول النجاشي بعد نقل هذه الرواية : ( وهذه منزلة عظيمة ) ويظهر في غير واحد من مواضع في ( الكافي ) انّه كان يفتي الناس ، وإليك نموذجين منها :
  1 ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس قال : العلّة في وضع السهام على ستة لا أقل ولا أكثر لعلة وجوه أهل الميراث ، لاَنّالوجوه التي منها

(1) الكافي : 2|103 ، تهذيب الاَحكام :8|30 ح8 ، الاستبصار : 3|271 ح 6.

تاريخ الفقه الاسلامي وأدواره ـ 200 ـ
  سهام المواريث ستة جهات ، لكلّ جهة سهم ، فأوّل جهاتها : سهم الولد ، والثاني : سهم الاَب ، والثالث : سهم الاَُم ، والرابع : سهم الكلالة ـ كلالة الاَب ـ و الخامس : سهم كلالة الاَُم ، والسادس : سهم الزوج والزوجة، فخمسة أسهم من هذه السهام الستة ، سهام القرابات ، والسهم السادس هو سهم الزوج والزوجة من جهة البيّنة والشهود ، فهذه علّة مجاري السهام وإجرائها من ستة أسهم لا يجوز أن يُزاد عليها ولا يجوز أن ينقص منها إلاّعلى جهة الرد ، لاَنّه لا حاجة إلى زيادة في السهام ، لاَنّ السهام قد استغرقها سهام القرابة ولا قرابة غير من جعل اللّه عزّوجلّ لهم سهماً ، فصارت سهام المواريث مجموعة في ستة أسهم ، مخرج كلّ ميراث منها ، فإذا اجتمعت السهام الستة للّذين سمّى اللّه لهم سهماً ، فكان لكلّ مسمّى له سهم على جهة ما سُمّي له ، فكان في استغراقه سهمه ، استغراق لجميع السهام لاجتماع جميع الورثة الذين يستحقون جميع السهام الستة ، وحضورهم في الوقت الذي فرض اللّه لهم في مثل ابنتين وأبوين فكان للابنتين أربعة أسهم وكان للاَبوين سهمان ، فاستغرقوا السهام كلّها ولم يحتج أن يزاد في السهام ولا ينقص في هذا الموضع ، إذ لا وارث في هذا الوقت غير هوَلاء مع هوَلاء ، وكذلك كلّ ورثة يجتمعون في الميراث فيستغرقونه ، يتم سهامهم باستغراقهم تمامَ السهام ، وإذا تمت سهامهم ومواريثهم لم يجز أن يكون هناك وارث يرث بعدَ استغراق سهام الورثة كملاً التي عليها المواريث ، فإذا لم يحضر بعض الورثة كان من حضر من الورثة يأخذ سهمه المفروض ثمّيردّ ما بقي من بقية السهام على سهام الورثة الذين حضروا بقدرهم ، لاَنّه لا وارث معهم في هذا الوقت غيرهم.
  2. علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس قال : إنّما جعلت المواريث من ستة أسهم على خلقة الاِنسان ، لاَنّ اللّه عزّ وجلّ بحكمته خلق الاِنسان من ستة أجزاء ، فوضع المواريث على ستة أسهم ، وهو قوله