رمكة
(1) فلما رأى فرس فرعون الرمكة اتبعها فدخل البحر هو وأصحابه فغرقوا
(2)
42 ـ عن محمد بن سعيد الازدى ان موسى بن محمد بن الرضا عليه السلام أخبره ان يحيى بن اكثم كتب اليه يسئله عن مسائل اخبرنى عن قول الله تبارك وتعالى
( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ) من المخاطب بالاية فان كان المخاطب فيها النبى صلى الله عليه واله ليس قد شك فيما أنزل الله ، وان كان المخاطب به غيره فعلى غيره اذا أنزل الكتاب ؟ قال موسى : فسألت أخى عن ذلك قال : فاما قوله :
( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ) فان المخاطب بذلك رسول الله صلى الله عليه واله ولم يك في شك مما انزل الله ولكن قالت الجهلة كيف لم يبعث الينا نبيا من الملئكة انه لم يفرق ، بينه وبين نبيه في الاستغناء في المأكل والمشرب والمشى في الاسواق ، فاوحى الله إلى نبيه
( فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ) بمحضر الجهلة هل بعث الله رسولا . قبلك الا و هو يأكل الطعام ويشرب ويمشى في الاسواق ، ولك بهم اسوة ، وانما قال : ( فان كنت في شك ) ولم يكن ولكن ليتبعهم كما قال له عليه السلام
( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) ولو قال : تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم لم يكونوا يجيئون للمباهلة ، وقد عرف ان نبيكم مؤد عنه رسالته ، وما هو من الكاذبين ، وكذلك عرف النبى عليه وآله السلام انه صادق فيما يقول ، ولكن أحب أن ينصف من نفسه
(3)
43 ـ عن عبدالصمد بن بشير عن أبى عبدالله عليه السلام في قول الله :
( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ) قال لما اسرى بالنبى صلى الله عليه واله ففرغ من مناجات ربه رد إلى البيت المعمور وهو بيت في السماء الرابعة بحذاء الكعبة ، فجمع الله النبيين والرسل والملئكة ، وأمر جبرئيل فاذن واقام ، فتقدم فصلى بهم فلما فرغ التفت اليه فقال :
( فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ) إلى قوله : ( من المهتدين )
(4) .
--------------------
(1) الرمك ـ محركة ـ : الفرس والبرذونة تتخذ للنسل .
(2) البحار ج 5 : 255 ، البرهان ج 2 : 196 ، الصافى ج 1 : 762 .
(3 ـ 4) البحار ج 6 : 214 ، البرهان ج 2 : 197 ـ 198 ، الصافى ج 1 : 766 .
تفسير العياشي (الجزء الثاني) _ 129 _
44 ـ عن أبى عبيدة الحذاء عن أبى جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : وجدنا في بعض كتب أمير المؤمنين عليه السلام قال : حدثنى رسول الله صلى الله عليه واله ان جبرئيل عليه السلام حدثه ان يونس بن متى عليه السلام بعثه الله إلى قومه وهو ابن ثلثين سنة ، وكان رجلا يعتريه الحدة
(1) وكان قليل الصبر على قومه والمداراة لهم ، عاجزا عما حمل من ثقل حمل أوقار النبوة وأعلامها وانه تفسخ تحتها كما يتفسخ الجذع تحت حمله
(2)
وانه اقام فيهم يدعوهم إلى الايمان بالله والتصديق به وأتباعه ثلثا وثلثين سنة ، فلم يؤمن به ولم يتبعه من قومه الا رجلان ، اسم أحدهما روبيل واسم الآخر تنوخا وكان روبيل من اهل بيت العلم والنبوة والحكمة وكان قديم الصحبة ليونس بن متى من
قبل أن يبعثه الله بالنبوة ، وكان تنوخا رجلا مستضعفا عابدا زاهدا منهمكا في
العبادة
(3) وليس له علم ولا حكم ، وكان روبيل صاحب غنم يرعاها ويتقوت منها ، وكان تنوخا رجلا حطابا يحتطب على رأسه ويأكل من كسبه ، وكان لروبيل منزلة
من يونس غير منزلة تنوخا لعلم روبيل وحكمته وقديم صحبته فلما رأى يونس
ان قومه لا يجيبونه ولا يؤمنون ضجر وعرف من نفسه قلة الصبر ، فشكى ذلك إلى
ربه وكان فيما يشكى ان قال : يا رب انك بعثتنى إلى قومى ولى ثلثون سنة ،
فلبثت فيهم أدعوهم إلى الايمان بك والتصديق برسالاتى وأخوفهم عذابك ونقمتك
ثلثا وثلثين سنة ، فكذبونى ولم يؤمنوا بى ، وجحدوا نبوتى ، واستخفوا برسالاتى
وقد تواعدونى وخفت أن يقتلونى فأنزل عليهم عذابك فانهم قوم لا يؤمنون ، قال : فأوحى الله إلى يونس أن فيهم الحمل والجنين والطفل والشيخ الكبير والمرأة الضعيفة والمستضعف المهين ، وأنا الحكم العدل ، سبقت رحمتى غضبى لا أعذب الصغار بذنوب الكبار من قومك ، وهم يا يونس عبادى وخلقى وبريتى في بلادى وفى عيلتى احب أن أتأناهم
(4) وأرفق بهم وانتظر توبتهم ، وانما بعثتك
--------------------
(1) اى يصيبه البأس والغضب .
(2) فسخ الرجل : ضعف .
(3) انهمك في الامر : جد فيه ولج .
(4) من التأنى بمعنى الرفق والمداراة .
تفسير العياشي (الجزء الثاني) _ 130 _
إلى قومك لتكون حيطا عليهم
(1) تعطف عليهم لسخاء
(2) الرحمة الماسة منهم ، وتأنأهم برأفة النبوة فاصبر معهم باحلام الرسالة ، وتكون لهم كهيئة الطبيب المداوى العالم بمداواة الدواء ، فخرقت بهم
(3) ولم تستعمل قلوبهم بالرفق ولم تسسهم بسياسة المرسلين ، ثم سألتنى عن سوء نظرك العذاب لهم عند قلة الصبر منك وعبدى نوح كان أصبر منك على قومه ، وأحسن صحبة وأشد تأنيا في الصبر عندى ، وأبلغ في العذر فغضبت له حين غصب لى ، وأجبته حين دعانى ،
فقال يونس : يارب انما غضبت عليهم فيك ، وانما دعوت عليهم حين عصوك فوعزتك لا أتعطف عليهم برأفة أبدا ولا أنظر اليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم و تكذيبهم اياى ، وجحدهم نبوتى ، فأنزل عليهم عذابك فانهم لا يؤمنون أبدا ، فقال الله : يا يونس انهم مائة ألف او يزيدون من خلقى يعمرون بلادى ويلدون عبادى ومحبتى ان أتأناهم للذى سبق من علمى فيهم وفيك ، وتقديرى وتدبيرى غير علمك وتقديرك ، وانت المرسل وأنا الرب الحكيم وعلمى فيهم يا يونس باطن في الغيب عندى لا يعلم ما منتهاه ، وعلمك فيهم ظاهر لا باطن له ، يا يونس قد أجبتك إلى ما سئلت من إنزال العذاب عليهم وما ذلك يا يونس بأوفر لحظك عندى ، ولا اجمل لشأنك ، وسيأتيهم العذاب في شوال يوم الاربعاء وسط الشهر بعد طلوع
الشمس فأعلمهم ذلك ، قال فسر ذلك يونس ولم يسوئه ولم يدر ما عاقبته وانطلق يونس إلى تنوخا العابد
--------------------
(1) وفى نسخة الصافى ( حفيظا عليهم )
(2) وفى نسخة الصافى ( لسجال الرحمة ) والسجل كفلس : الدلو العظيمة اذا
كان فيها ماء قل او كثر وهو مذكر ولا يقال لها فارغة سجل وقولهم سجال عطيتك من
هذا المعنى .
(3) وفى نسخة الصافى ( فخرجت بهم ) وقوله فخرقت بهم اى لم تتصرف فيهم
حسن التصرف ويمكن ان يكون مصحف ( حزقت ) بالزاى المعجمة من حزق الوتر : جذبه
وشده .
تفسير العياشي (الجزء الثاني) _ 131 _
ـ تفسير العياشى مجلد : 2 من ص 131 سطر 1 الى ص 140 سطر 23
فأخبره بما أوحى الله اليه من نزول العذاب على قومه في ذلك اليوم ، وقال له : انطلق حتى اعلمهم بما أوحى الله الي من نزول العذاب ، فقال تنوخا : فدعهم في غمرتهم
(1) ومعصيتهم حتى يعذبهم الله ، فقال له يونس : بل نلقى روبيل فنشاوره فانه رجل عالم حكيم من أهل بيت النبوة فانطلقا إلى روبيل فأخبره يونس بما أوحى الله اليه من نزول العذاب على قومه في شوال يوم الاربعاء في وسط الشهر بعد طلوع الشمس فقال له : ماترى انطلق بنا حتى أعلمهم ذلك ، فقال له روبيل : ارجع إلى ربك رجعة
نبى حكيم ورسول كريم ، واسئله أن يصرف عنهم العذاب فانه غنى عن عذابهم و
هو يحب الرفق بعباده وما ذلك بأضر لك عنده ، ولا اسوأ لمنزلتك لديه ، ولعل قومك
بعد ما سمعت ورأيت من كفرهم وجحودهم يؤمنون يوما فصابرهم وتأناهم ، فقال له
تنوخا : ويحك يا روبيل ـ على ـ ما أشرت على يونس وامرته به بعد كفرهم بالله وجحدهم
لنبيه وتكذيبهم اياه واخراجهم اياه من مساكنه ، وما هموا به من رجمه فقال
روبيل لتنوخا : اسكت فانك رجل عابد لا علم لك .
ثم اقبل على يونس فقال : ارأيت يا يونس اذا أنزل الله العذاب على قومك
انزله فيهلكهم جميعا أو يهلك بعضا ويبقى بعضا ؟ فقال له يونس : بل يهلكهم الله
جميعا وكذلك سألته ما دخلتنى لهم رحمة تعطف فأرجع الله فيهم وأسئله ان يصرف عنهم
فقال له روبيل : أتدرى يا يونس لعل الله اذا أنزل عليهم العذاب فأحسوا به ، ان تتوبوا اليه ويستغفروه فيرحمهم فانه أرحم الراحمين ويكشف عنهم العذاب من بعد ما أخبرتهم
عن الله انه ينزل عليهم العذاب يوم الاربعاء فتكون بذلك عندهم كذابا .
فقال له تنوخا : ويحك يا روبيل لقد قلت عظيما يخبرك النبى المرسل ان
الله أوحى اليه بان العذاب ينزل عليهم فترد قول الله وتشك فيه وفى قول رسوله ؟ !
اذهب فقد حبط عملك ، فقال روبيل لتنوخا : لقد فشل رأيك
(2) ثم اقبل على
--------------------
(1) اى في جهلهم وغفلتهم .
(2) فشل الرجل : ضعف وجبن وتراخى عند حرب او شدة وفى نسخة الصافى
( فسد ) بدل ( فشل ) وهو الظاهر .
تفسير العياشي (الجزء الثاني) _ 132 _
يونس فقال : انزل الوحى والامر من الله فيهم على ما أنزل عليك فيهم من انزال العذاب عليهم ، وقوله الحق ، أرايت اذا كان ذلك فهلك قومك كلهم وخربت قريتهم
أليس يمحو الله اسمك من النبوة وتبطل رسالتك وتكون كبعض ضعفاء الناس ، ويهلك على يديك مائة ألف او يزيدون من الناس ، فأبى يونس أن يقبل وصيته فانطلق ومعه تنوخا من القرية وتنحيا عنهم غير بعيد ، ورجع يونس إلى قومه فأخبرهم ان الله أوحى اليه انه منزل العذاب
(1) عليكم يوم الاربعاء في شوال في وسط الشهر بعد طلوع الشمس ، فردوا عليه قوله فكذبوه واخرجوه من قريتهم اخراجا عنيفا
(2)
فخرج يونس ومعه تنوخا من القرية وتنحيا عنهم غير بعيد واقاما ينتظران
العذاب ، واقام روبيل مع قومه في قريتهم حتى اذا دخل عليهم شوال صرخ روبيل
(3) بأعلى صوته في رأس الجبل إلى القوم انا روبيل شفيق عليكم الرحيم بكم
ـ إلى ربه قد أنكرتم عذاب الله ـ هذا شوال قد دخل عليكم وقد دخل عليكم وقد أخبركم يونس نبيكم ورسول ربكم ان الله اوحى اليه ان العذاب ينزل عليكم في شوال في وسط
الشهر يوم الاربعاء بعد طلوع الشمس ، ولن يخلف الله وعده رسله ، فانظروا ما انتم
صانعون فأفزعهم كلامه ووقع في قلوبهم تحقيق نزول العذاب ، فأجفلوا نحو روبيل
(4) وقالوا له : ماذا أنت مشير به علينا يا روبيل ؟ فانك رجل عالم حكيم لم نزل نعرفك بالرقة ( الرأفة خ ل ) علينا والرحمة لنا ، وقد بلغنا ما اشرت به على يونس
فينا : فمرنا بأمرك واشر علينا برأيك ، فقال لهم روبيل : فانى ارى لكم واشير
عليكم ان تنظروا وتعمدوا اذا طلع الفجر يوم الاربعاء وسط الشهر ان تعزلوا
الاطفال عن الامهات في اسفل الجبل في طريق الاودية ، وتقفوا النساء في سفح
--------------------
(1) وفى نسخة البرهان ( انى منزل اه ) وفى البحار ( انه ينزل اه ) .
(2) العنف ضد الرفق والعنيف : الشديد من القول والسير .
(3) صرخ صراخا : صاح شديدا .
(4) اى اسرعوا نحوه بالذهاب .
تفسير العياشي (الجزء الثاني) _ 133 _
الجبل
(1) ـ وكل المواشى جميعا عن أطفالها ـ ويكون هذا كله قبل طلوع الشمس ـ فاذا رايتم ريحا صفراء أقبلت من المشرق ـ فعجوا عجيج الكبير منكم والصغير
(2) بالصراخ والبكاء والتضرع إلى الله والتوبة اليه والاستغفار له ، وارفعوا رؤسكم إلى السماء وقولوا : ربنا ظلمنا أنفسنا وكذبنا نبيك وتبنا اليك من ذنوبنا ، وان لمن تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين المعذبين ، فاقبل توبتنا وارحمنا يا أرحم الراحمين ثم لا تملوا من البكاء والصراخ والتضرع إلى الله والتوبة اليه حتى توارى الشمس بالحجاب او يكشف الله عنكم العذاب قبل ذلك .
فأجمع رأى القوم جميعا على أن يفعلوا ما اشار به عليهم روبيل ، فلما كان
يوم الاربعاء الذى توقعوا فيه العذاب تنحى روبيل عن القرية حيث يسمع صراخهم و
يرى العذاب اذا نزل ، فلما طلع الفجر يوم الاربعاء فعل قوم يونس ما أمرهم روبيل
به فلما بزغت الشمس
(3) اقبلت ريح صفراء مظلمة مسرعة لها صرير وحفيف و هدير
(4) فلما رأوها عجوا جميعا بالصراخ والبكاء والتضرع إلى الله وتابوا اليه واستغفروه وصرخت الاطفال بأصواتها تطلب امهاتها ، وعجت سخال البهايم
(5) تطلب الثدى وعجت الانعام تطلب الرعى ، فلم يزالوا بذلك ويونس وتنوخا يسمعان ضجيجهم ( صيحتهم خ ل ) وصراخهم ويدعوان الله عليهم بتغليظ العذاب عليهم ،
وروبيل في موضعه يسمع صراخهم وعجيجهم ويرى ما نزل وهو يدعو الله بكشف العذاب عنهم .
فلما ان زالت الشمس وفتحت أبواب السماء وسكن غضب الرب تعالى رحمهم
--------------------
(1) السفح : عرض الجبل المنسبط أو أسفله
(2) عج الرجل عجا وعجيجا : صاح ورفع صوته .
(3) بزغ الشمس : طلعت .
(4) الصرير : الصوت الشديد ، وحفيف الريح : صوتها في كل ما مرت به و
الهدير بمعناه .
(5) السخال جمع السخلة : ولد الشاة .
تفسير العياشي (الجزء الثاني) _ 134 _
الرحمن فاستجاب دعائهم وقبل توبتهم واقالهم عثرتهم ، وأوحى الله إلى اسرافيل عليه السلام ان اهبط إلى قوم يونس فانهم قد عجوا إلى البكاء والتضرع وتابوا إلى واستغفرونى فرحمتهم وتبت عليهم ، وانا الله التواب الرحيم اسرع إلى قبول توبة عبدى التائب من الذنوب وقد كان عبدى يونس ورسولى سألنى نزول العذاب على قومه وقد أنزلته عليهم ، وأنا الله أحق من وفى بعهده وقد أنزلته عليهم ، ولم يكن اشترط يونس حين سألنى ان أنزل عليهم العذاب ان أهلكهم فأهبط اليهم فأصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابى ، فقال اسرافيل : يارب ان عذابك قد بلغ أكتافهم وكاد ان يهلكهم وما أراه الا وقد نزل بساحتهم فالى اين أصرفه ؟ فقال الله : كلا انى قد أمرت ملائكتى ان يصرفوه ( يوقفوه خ ل ) فلا ينزلوه عليهم حتى يأتيهم أمرى فيهم وعزيمتى فاهبط يا اسرافيل عليهم واصرفه عنهم واصرف به إلى الجبل بناحية مفاوض العيون ومجارى السيول في الجبال العاتية
(1) العادية المستطيلة على الجبال فاذلها به ولينها حتى تصير ملينة حديدا جامدا .
فهبط اسرافيل عليهم فنشر اجنحته فاستاق بها
(2) ذلك العذاب حتى ضرب بها الجبال التى أوحي الله اليه أن يصرفه اليها ، قال أبوجعفر عليه السلام : وهى الجبال التى بناحية الموصل اليوم ، فصارت حديدا إلى يوم القيمة ، فلما رأى قوم يونس ان العذاب قد صرف عنهم هبطوا إلى منازلهم من رؤس الجبال وضموا اليهم نساءهم وأولادهم وأموالهم ، وحمدوا الله على ما صرف عنهم ، وأصبح يونس وتنوخا يوم الخميس في موضعهما التى كانا فيه لا يشكان ان العذاب قد نزل بهم وأهلكهم جميعا ، لما خفيت أصواتهم عنهما ، فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشمس ينظران إلى ما صار اليه القوم فلما دنوا من القوم واستقبلتهم الحطابون والحمارة
(3) والرعاة باغنامهم ونظروا إلى أهل القرية مطمئنين قال يونس لتنوخا : يا تنوخا كذبنى الوحى
(4) و
--------------------
(1) الجبال العاتية : الكبيرة الطويلة .
(2) استاق الماشية : حثها على السير من خلف ، عكس قادها .
(3) الحمارة : اصحاب الحمير في السفر وفى بعض النسخ ( الحماة )
(4) اى باعتقاد القوم كما قاله المجلسى رحمه الله .
تفسير العياشي (الجزء الثاني) _ 135 _
وكذبت وعدى لقومى لا وعزة ربى لا يرون لى وجها أبدا بعد ما كذبنى الوحى
فانطلق يونس هاربا على وجهه مغاضبا لربه
(1) ناحية بحر ايلة
(2) متنكرا فرارا من أن يراه أحد من قومه ، فيقول له : يا كذاب ، فلذلك قال الله :
( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) الاية ورجع تنوخا إلى القرية فلقى روبيل فقال له : يا تنوخا أى الرأيين كان أصوب وأحق ان يتبع رأيى أو رأيك ؟ فقال له تنوخا : بل رأيك كان أصوب ، ولقد كنت اشرت برأى الحكماء والعلماء ، وقال له تنوخا : اما انى لم أزل أرى انى أفضل منك لزهدى وفضل عبادتى ، حتى استبان فضلك بفضل علمك وما أعطاك الله ربك من الحكمة مع ان التقوى أفضل من الزهد والعبادة بلا علم ، فأصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهما ومضى يونس على وجهه مغضبا لربه ، فكان من قصته ما أخبر الله به في كتابه إلى قوله :
( فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ) قال أبوعبيدة قلت لابى جعفر عليه السلام : كم كان غاب يونس عن قومه حتى رجع اليهم بالنبوة والرسالة فآمنوا به وصدقوه ؟ قال : أربعة اسابيع سبعا منها في ذهابه إلى البحر ، وسبعا منها في رجوعه إلى قومه ، فقلت له : وما هذه الاسابيع شهور او ايام او ساعات ؟ فقال : يا با عبيدة ان العذاب اتاهم يوم الاربعاء في النصف من شوال ، و صرف عنهم من يومهم ذلك ، فانظلق يونس مغاضبا ، فمضى يوم الخميس سبعة أيام في مسيره إلى البحر ، وسبعة ايام في بطن الحوت ، وسبعة أيام تحت الشجرة بالعراء وسبعة ايام في رجوعه إلى قومه ، فكان ذهابه ورجوعه مسير ثمانية وعشرين يوما ثم أتاهم فآمنوا به وصدقوه واتبعوه ، فلذلك قال الله
( فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ ) (3) .
--------------------
(1) اى على قومه لربه تعالى ، اى كان غضبه لله تعالى لا للهوى ، أو خائفا عن
تكذيب قومه لما تخلف عنه من وعد ربه ( قاله المجلسى رحمه الله ) .
(2) ايلة : جبل بين مكة والمدينة قرب ينبع ، وبلد بين ينبع ومصر .
(3) البحار ج 5 : 425 ، البرهان ج 2 : 200 ، الصافى ج 1 : 767 .
تفسير العياشي (الجزء الثاني)
_ 136 _
45 ـ عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه السلام قال : لما اظل قوم يونس العذاب دعوا الله فصرفه عنهم ، قلت : كيف ذلك ؟ قال : كان في العلم انه يصرفه عنهم (1) .
46 ـ عن الثمالى عن ابى جعفر عليه السلام قال : ان يونس لما آذاه قومه دعا الله عليهم فأصبحوا اول يوم ووجوههم صفرة واصبحوا اليوم الثانى ووجوههم سود ، قال : و كان الله واعدهم ان يأتيهم العذاب فأتاهم العذاب حتى نالوه برماحهم ، ففرقوا
بين النساء وأولادهن والبقر وأولادها ولبسوا المسوح والصوف (2) ووضعوا الحبال في أعناقهم والرماد على رؤسهم وضجوا ضجة واحدة إلى ربهم ، وقالوا آمنا بإله
يونس ، قال : فصرف الله عنهم العذاب إلى جبال آمد (3) قال : وأصبح يونس وهو يظن انهم هلكوا فوجدهم في عافية فغضب وخرج كما قال الله : ( مغاضبا ) حتى ركب
سفينة فيها رجلان ، فاضطربت السفينة فقال الملاح : يا قوم في سفينتى مطلوب ، فقال
يونس : أنا هو ، وقام ليلقى نفسه فابصر السمكة وقد فتحت فاها فهابها ، وتعلق به الرجلان ، وقالا له : أنت وحدك ونحن رجلان فساهمهم فوقعت السهام عليه ، فجرت السنة بان السهام اذا كانت ثلث مرات انها لا يخطى ، فألقى نفسه فالتقمه الحوت فطاف به البحار سبعة حتى صار إلى البحر المسجور وبه يعذب قارون ، فسمع قارون دويا (4) فسأل الملك عن ذلك فأخبره انه يونس ، وان الله قد حبسه في بطن الحوت فقال له قارون : أتأذن لى ان اكلمه فاذن له فسأله عن موسى فاخبره انه مات وبكا ثم سأله عن هارون فاخبره انه مات (5) فبكا وجزع جزعا شديدا وسأله عن اخته كلثم وكانت مسماة
--------------------
(1) البحار ج 5 : 424 ، البرهان ج 2 : 202 .
(2) المسوح جمع المسح ـ بالكسر ـ : الكساء من شعر كثوب الرهبان .
(3) قال الحموى : آمد ـ بكسر الميم ـ : اعظم ديار بكر .
(4) الدوى : الحفيف وقد مر معناه آنفا فراجع .
(5) وفى نسخة البرهان هكذا ( فقال يا يونس : فما فعل الشديد الغضب لله موسى
بن عمران ؟ فأخبره انه مات ، قال : فما فعل الرؤوف العطوف على قومه هارون بن عمران ؟
فأخبره انه مات ) .
تفسير العياشي (الجزء الثاني)
_ 137 _