والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فكانت أول من انزلت فيها العدة للطلاق .
  وفي تفسير العياشي في قوله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ، عن زرارة ، قال : سمعت ربيعة الرأي وهو يقول : ان من رأيي ان الاقراء التي سمى الله في القرآن انما هي الطهر فيما بين الحيضتين وليس إ بالحيض ، قال : فدخلت على أبي جعفر ( عليه السلام ) فحدثته بما قال ربيعة فقال : ولم يقل برأيه انما بلغه عن علي ( عليه السلام ) فقلت : اصلحك الله أكان علي ( عليه السلام ) يقول ذلك ؟ قال : نعم ، كان يقول : انما القرء الطهر ، تقرأ فيه الدم فتجمعه فإذا جاءت دفعته ، قلت : اصلحك الله رجل طلق امرأته طاهرا غير جماع بشهادة عدلين ؟ قال : إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها وحلت للازواج ، الحديث.
  اقول : هذا المعنى مروي بعدة طرق عنه ( عليه السلام ) ، وقوله : قلت : اصلحك الله أكان علي ( عليه السلام ) يقول ذلك إنما استفهم ذلك بعد قوله ( عليه السلام ) : إنما بلغه عن علي ، لما اشتهر بين العامة عن علي أنه كان يقول : إن القروء في الآية هي الحيض دون الاطهار كما في الدر المنثور عن الشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : تحل لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل للازواج ، لكن أئمة أهل البيت ينكرون ذلك وينسبون إليه ( عليه السلام ) : أن الاقراء الاطهار دون الحيض كما مرت في الرواية ، وقد نسبوا هذا القول إلى عدة أخرى من الصحابة غيره ( عليه السلام ) كزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وعائشة ورووه عنهم.
  وفي المجمع عن الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : ( وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ) الآية : الحبل والحيض.
  وفي تفسير القمي : وقد فوض الله إلى النساء ثلاثة اشياء : الطهر والحيض والحبل.
  وفي تفسير القمي أيضا في قوله تعالى : وللرجال عليهن درجة ، قال : قال ( عليه السلام ) حق الرجال على النساء أفضل من حق النساء على الرجال.
  اقول : وهذا لا ينافي التساوي من حيث وضع الحقوق كما مر.
  وفي تفسير العياشي في قوله تعالى : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، عن ابي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : إن الله يقول الطلاق مرتان فإمساك بمعروف

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 252 _
  أو تسريح بإحسان والتسريح بالاحسان هو التطليقة الثالثة.
  وفي التهذيب عن ابي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : طلاق السنة يطلقها تطليقة يعني على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ثم يدعها حتى تمضي أقرائها فإذا مضت اقرائها فقد بانت منه وهو خاطب من الخطاب : إن شاءت نكحته ، وإن شاءت فلا ، وإن أراد ان يراجعها أشهد على رجعتها قبل ان تمضي اقرائها ، فتكون عنده على التطليقة الماضية ، الحديث.
  وفي الفقيه عن الحسن بن فضال ، قال : سألت الرضا عن العلة التي من اجلها لا تحل المطلقة لعدة لزوجها حتى تنكح زوجا غيره فقال ( عليه السلام ) : إن الله عز وجل إنما أذن في الطلاق مرتين فقال عز وجل : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، يعني في التطليقة الثالثة ، ولدخوله فيما كره الله عز وجل من الطلاق الذي حرمها عليه فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره لئلا يوقع الناس في الاستخفاف بالطلاق ولا تضار النساء ، الحديث.
  اقول : مذهب أئمة اهل البيت : ان الطلاق بلفظ واحد أو في مجلس واحد لا يقع إلا تطليقة واحدة ، وإن قال طلقتك ثلاثا على ماروته الشيعة ، واما اهل السنة والجماعة فرواياتهم فيه مختلفة : بعضها يدل على وقوعه طلاقا واحدا ، وبعضها يدل على وقوع الثلاثة ، وربما رووا ذلك عن علي وجعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ، لكن يظهر من بعض رواياتهم التي رواها أرباب الصحاح كمسلم والنسائي وأبي داود وغيرهم : ان وقوع الثلاث بلفظ واحد مما أجازه عمر بعد مضي سنتين أو ثلاثة من خلافته ، ففي الدر المنثور : اخرج عبد الرزاق ومسلم وابو داود والنسائي والحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وابي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدا فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في امر كان لهم فيه أناة فلو أمضينا عليهم فامضاه عليهم.
  وفي سنن ابي داود عن ابن عباس قال : طلق عبد يزيد أبو ركانة ام ركانة ونكح امرأة من مزينة فجائت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة لشعرة اخذتها من رأسها ، ففرق بيني وبينه فأخذت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حميه فدعا بركانه واخوته ثم قال لجلسائه : أترون فلانا يشبه منه كذا وكذا وفلان منه كذا وكذا

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 253 _
  قالوا نعم ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعبد يزيد : طلقها ففعل ، قال : راجع امرأتك ام ركانة فقال : اني طلقتها ثلاثا يا رسول الله ، قال : قد علمت ارجعها وتلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ).
  وفي الدر المنثورعن البيهقي عن ابن عباس ، قال : طلق ركانة امراة ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كيف طلقتها ؟ قال طلقتها ثلاثا في مجلس واحد ، قال : نعم فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت فراجعها فكان ابن عباس يرى انما الطلاق عند كل طهر فتلك السنة التي امر الله بها : فطلقوهن لعدتهن .
  اقول : وهذا المعنى مروي في روايات أخرى ايضا والكلام على هذه الاجازة نظير الكلام المتقدم في متعة الحج.
  وقد استدل على عدم وقوع الثلاث بلفظ واحد بقوله تعالى : الطلاق مرتان فإن المرتين والثلاث لا يصدق على ما انشئ بلفظ واحد كما في مورد اللعان بإجماع الكل ، وفي المجمع في قوله تعالى : أو تسريح بإحسان ، قال : فيه قولان ، احدهما : انه الطلقة الثالثة ، والثاني انه يترك المعتدة حتى تبين بانقضاء العدة ، عن السدي والضحاك ، وهو المروي عن ابي جعفر وابي عبد الله ( عليهما السلام ).
  اقول : والاخبار كما ترى تختلف في معنى قوله : أو تسريح بإحسان .
  وفي تفسير القمي في قوله تعالى : ( وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ ) الآية ، عن الصادق ( عليه السلام ) قال : الخلع لا يكون إلا ان تقول المرأة لزوجها : لاابرلك قسما ، ولاخرجن بغير اذنك ، ولاوطئن فراشك غيرك ولااغتسل لك من جنابة ، أو تقول : لا أطيع لك امرا أو تطلقني ، فإذا قالت ذلك فقد حل له ان يأخذ منها جميع ما اعطاها وكل ما قدر عليه مما تعطيه من مالها ، فإذا تراضيا على ذلك طلقها على طهر بشهود فقد بانت منه بواحدة ، وهو خاطب من الخطاب ، فإن شائت زوجته نفسها ، وان شائت لم تفعل ، فإن زوجها فهي عنده على اثنتين باقيتين وينبغي له ان يشترط عليها كما اشترط صاحب المباراة فإذا ارتجعت في شيء مما اعطيتني فأنا املك ببضعك ، وقال ( عليه السلام ) : لا خلع ولا مباراة ولا تخيير الا

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 254 _
  على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ، والمختلعة إذا تزوجت زوجا آخر ثم طلقها يحل للآول ان يتزوج بها ، وقال : لا رجعة للزوج على المختلعة ولا على المباراة إلا ان يبدو للمرأة فيرد عليها ما أخذ منها .
  وفي الفقيه عن الباقر ( عليه السلام ) قال : إذا قالت المرأة لزوجها جملة : لااطيع لك أمرا مفسرة أو غير مفسرة حل له ان يأخذ منها ، وليس له عليها رجعة.
  وفي الدر المنثور : أخرج احمد عن سهل بن أبي حثمة ، قال : كانت حبيبة ابنة سهل تحت ثابت بن قيس بن شماس فكرهته ، وكان رجلا دميما فجائت وقالت يا رسول الله إني لا أراه ، فلولا مخافة الله لبزقت في وجهه فقال لها : أتردين عليه حديقته التي أصدقك ؟ قالت : نعم فردت عليه حديقته وفرق بينهما ، فكان ذلك اول خلع كان في الاسلام.
  وفي تفسير العياشي عن الباقر ( عليه السلام ) في قول الله تبارك وتعالى : وتلك حدود الله فلا تعتدوها الآية ، فقال إن الله غضب على الزاني فجعل له مأة جلدة فمن غضب عليه فزاد فأنا إلى الله منه برئ فذلك قوله تعالى : تلك حدود الله فلا تعتدوها.
  وفي الكافي عن ابي بصير قال : المرأة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره ، قال : هي التي تطلق ثم تراجع ثم تطلق الثالثة ، وهي التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره ويذوق عسيلتها.
  اقول : العسيلة الجماع ، قال في الصحاح : وفي الجماع العسيلة شبهت تلك اللذة بالعسل ، وصغرت بالهاء لان الغالب في العسل التأنيث ويقال : إنما انث لانه اريد به العسلة وهي القطعة منه كما يقال للقطعة من الذهب : ذهبة ، انتهى.
  وقوله ( عليه السلام ) : ويذوق عسيلتها ، كالاقتباس من كلمة رسول الله لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ، في قصة رفاعة.
  ففي الدر المنثور : عن البزاز والطبراني والبيهقي : ان رفاعة بن سموأل طلق امرأته فأتت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : يا رسول الله قد تزوجني عبد الرحمن وما معه إلا مثل هذه ، وأومأت إلى هدبة من ثوبها ، فجعل رسول الله يعرض عن كلامها ثم قال

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 255 _
  لها : تريدين ان ترجعي إلى رفاعة : لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.
  أقول : والرواية من المشهورات ، رواها جمع كثير من الرواة من ارباب الصحاح وغيرهم من طرق أهل السنة ، والجماعة وبعض الخاصة ، وألفاظ الروايات وإن كانت مختلفة لكن أكثرها تشتمل على هذه اللفظة.
  وفي التهذيب عن الصادق ( عليه السلام ) عن تزويج المتعة أيحلل؟ قال : لا لان الله يقول فإن طلقها فلا تحل له أن تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما ان يتراجعا ، والمتعة ليس فيه طلاق.
  وفيه أيضا عن محمد بن مضارب قال : سئلت الرضا ( عليه السلام ) عن الخصي يحلل ؟ قال : لا يحلل.
  وفي تفسير القمي : في قوله تعالى : ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ ) الآية ، قال : قال ( عليه السلام ) : إذا طلقها لم يجز له ان يراجعها إن لم يردها.
  وفي الفقيه عن الصادق ( عليه السلام ) قال : لا ينبغي للرجل ان يطلق امرأته ثم يراجعها ، وليس له فيها حاجة ثم يطلقها ، فهذا الضرار الذي نهى الله عنه ، الا ان يطلق ثم يراجع وهو ينوي الامساك.
  وفي تفسير العياشي في قوله تعالى : ( وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا ) الآية ، عن عمر ابن الجميع رفعه إلى امير المؤمنين ( عليه السلام ) في حديث ، قال : ومن قرأ القرآن من هذه الامة ثم دخل النار فهو ممن كان يتخذ آيات الله هزوا ، الحديث.
  في صحيح البخاري في قوله تعالى : ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) ، الآية أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها فتركها حتى انقضت عدتها فخطبها فأبى معقل فنزلت : فلا تعضلوهن ان ينكحن ازواجهن.
  أقول : وروى هذا المعنى في الدر المنثور عنه وعن عدة من ارباب الصحاح كالنسائي وابن ماجة والترمذي وابن داود وغيرهم.
  وفي الدر المنثور ايضا عن السدي ، قال : نزلت هذه الآية في جابر بن عبد الله

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 256 _
  الانصاري كانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطليقة وانقضت عدتها فأراد مراجعتها فأبى جابر فقال : طلقت ابنة عمنا ثم تريد ان تنكحها الثانية وكانت المرأة تريد زوجها فأنزل الله وإذا طلقتم النساء ، الآية.
  أقول : لاولاية للاخ ولا لابن العم على مذهب أئمة أهل البيت فلو سلمت إحدى الروايتين كان النهي في الآية غير مسوق لتحديد ولاية ، ولا لجعل حكم وضعي بل للارشاد إلى قبح الحيلولة بين الزوجين أو لكراهة أو حرمة تكليفية متعلقة بكل من يعضلهن عن النكاح لاغير.
  وفي تفسير العياشي في قوله تعالى : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُن ) ، الآية عن الصادق ( عليه السلام ) ، قال : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ، قال : ما دام الولد في الرضاع فهو بين الابوين بالسوية فإذا فطم فالوالد أحق به من العصبة وإن وجد الاب من يرضعه بأربعة دراهم ، وقالت الام : لاأرضعه إلا بخمسة دراهم فإن له أن ينزعه منها ، إلا ان ذلك اجبر له وأقدم وأرفق به أن يترك مع أمه.
  وفيه أيضا عنه في قوله تعالى : ( لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ ) الآية ، قال ( عليه السلام ) : كانت المرأة ممن ترفع يدها إلى الرجل إذا أراد مجامعتها فتقول : لا أدعك ، إنى أخاف أن احمل على ولدي ، ويقول الرجل للمرأة : لااجامعك إنى أخاف ان تعلقي فأقتل ولدي ، فنهى الله أن يضار الرجل المرأة والمرأة الرجل.
  وفيه ايضا عن احدهما ( عليهما السلام ) في قوله تعالى : وعلى الوارث مثل ذلك قال : هو في النفقة : على الوارث مثل ما على الوالد.
  وفيه أيضا عن الصادق ( عليه السلام ) في الآية : قال لا ينبغي للوارث ايضا ان يضار المرأة فيقول : لاأدع ولدها يأتيها ، ويضار ولدها إن كان لهم عنده شيء ، ولا ينبغي له ان يقتر عليه.
  وفيه ايضا عن حماد عن الصادق ( عليه السلام ) قال : لارضاع بعد فطام ، قال : قلت له : جعلت فداك وما الفطام؟ قال : الحولين الذي قال الله عز وجل.
  اقول : قوله : الحولين ، حكاية لما في لفظ الآية ولذا وصفه ( عليه السلام ) بقوله : الذي قال الله.

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 257 _
  وفي الدر المنثور : اخرج عبد الرزاق في المصنف وابن عدي عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لايتم بعد حلم ، ولا رضاع بعد فصال ، ولا صمت يوم إلى الليل ، ولا وصال في الصيام ، ولا نذر في معصية ، ولا نفقة في المعصية ، ولا يمين في قطيعة رحم ، ولا تعرب بعد الهجرة ، ولا هجرة بعد الفتح ، ولا يمين لزوجة مع زوج ، ولا يمين لولد مع والد ، ولا يمين لمملوك مع سيده ، ولا طلاق قبل نكاح ، ولا عتق قبل ملك.
  وفي تفسير العياشي عن ابي بكر الحضرمي عن الصادق ( عليه السلام ) قال : لما نزلت هذه الآية : والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بأنفسهن أربعة اشهر وعشرا جئن النساء يخاصمن رسول الله وقلن : لا نصبر ، فقال لهن رسول الله : كانت إحديكن إذا مات زوجها اخذت بعرة فألقتها خلفها في دبرها في خدرها ثم قعدت فإذا كان مثل ذلك اليوم من الحول اخذتها ففتقتها ، ثم اكتحلت بها ، ثم تزوجت فوضع الله عنكن ثمانية اشهر.
  وفي التهذيب عن الباقر ( عليه السلام ) كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو امة ، وعلى اي وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة اربعة اشهر وعشرا.
  وفي تفسير العياشي عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر ( عليه السلام ) قال : قلت له : جعلت فداك كيف صارت عدة المطلقة ثلاث حيض أو ثلاثة اشهر وصارت عدة المتوفي عنها زوجها أربعة اشهر وعشرا؟ فقال : اما عدة المطلقة ثلاث قروء فلاجل استبراء الرحم من الولد ، وأما عدة المتوفى عنها زوجها فإن الله شرط للنساء شرطا وشرط عليهن : وأما ما شرط لهن ففي الايلاء اربعة اشهر إذ يقول : للذين يؤلون من نسائهم تربص اربعة أشهر ، فلن يجوز لاحد اكثر من اربعة اشهر لعلمه تبارك وتعالى انها غاية صبر المرأة من الرجل ، وأما ما شرط عليهن فإنه أمرها أن تعتد إذا مات زوجها أربعه أشهر وعشرا فأخذ له منها عند موته ما أخذ لها منه في حياته.
  أقول : وهذا المعنى مروي أيضا عن الرضا والهادي ( عليهما السلام ) بطرق أخرى

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 258 _
  وفي تفسير العياشي عن الصادق ( عليه السلام ): في قوله تعالى : ( وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء ) ، الآية : المرأة في عدتها تقول لها قولا جميلا ترغبها في نفسك ، ولا تقول : إني أصنع كذا أو كذا أو أصنع كذا القبيح من الامر في البضع وكل أمر قبيح ، وفي رواية أخرى تقول لها وهي في عدتها : يا هذه لا أحب إلا ما أسرك ولو قد مضى عدتك لا تفوتيني إنشاء الله ، ولا تستبقي بنفسك ، وهذا كله من غير أن يعزموا عقدة النكاح.
  اقول : وفي هذا المعنى روايات أخر عنهم ( عليهم السلام ).
  وفي تفسير العياشي : في قوله تعالى : ( لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء ) ، الآية ، عن الصادق( عليه السلام ) ، قال : إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف مهرها وإن لم يكن سمى لها مهرا فمتاع بالمعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وليس لها عدة وتزوج من شاءت من ساعتها.
  وفي الكافي عن الصادق ( عليه السلام ) في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها قال : عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا وإن لم يكن فرض لها فليمتعها على نحو ما يمتع مثلها من النساء.
  اقول : وفيه تفسير المتاع بالمعروف .
  وفي الكافي والتهذيب وتفسير العياشي وغيرها عن الباقر والصادق ( عليهما السلام ) في قوله تعالى : الذي بيده عقدة النكاح ، قالا : هو الولي.
  اقول : والروايات فيه كثيرة ، وقد ورد في بعض الروايات من طرق أهل السنة والجماعة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلي ( عليه السلام ) : ان الذي بيده عقدة النكاح الزوج.
  في الكافي والفقيه وتفسير العياشي والقمي في قوله تعالى : حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى الآية بطرق كثيرة عن الباقر والصادق ( عليهما السلام ) : أن الصلاة الوسطى هي الظهر.
  اقول : هذا هو المأثور عن أئمة اهل البيت في الروايات المروية عنهم لسانا واحدا.
  نعم في بعضها انها الجمعة إلا أن المستفاد منها انهم اخذوا الظهر والجمعة نوعا

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 259 _
  واحدا لا نوعين اثنين كما رواه في الكافي وتفسير العياشي عن زرارة عن أبي جعفر ( عليه السلام ) واللفظ لما في الكافي ، قال الله تعالى : حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى ، وهي صلاة الظهر أول صلاة صلاها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهي وسط النهار ، ووسط صلوتين بالنهار صلوة الغداة وصلوة العصر ، قال : ونزلت هذه الآية ورسول الله في سفره فقنت فيها رسول الله وتركها على حالها في السفر والحضر وأضاف للمقيم ركعتين ، وإنما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الامام فمن صلى يوم الجمعه في غير جماعة فليصلها اربع ركعات كصلاة الظهر في سائر الايام ، الحديث ، والرواية كما ترى تعد الظهر والجمعة صلاة واحدة وتحكم بأنها هي الصلاة الوسطى ولكن معظم الروايات مقطوعة ، وما كان منها مسندا فمتنه لا يخلو عن تشويش كرواية الكافي وهي مع ذلك غير واضحة لانطباق على الآية ، والله العالم.
  وفي الدر المنثور : اخرج احمد وابن المنيع والنسائي وابن جرير والشاشي والضياء من طريق الزبرقان : ان رهطا من قريش مر بهم زيد بن ثابت وهم مجتمعون فإرسلوا إليه غلامين لهم يسألانه عن الصلاة الوسطى فقال : هي الظهر ، ثم انصرفا إلى أسامة بن زيد فسألاه فقال : هي الظهر ، إن رسول الله كان يصلي الظهر بالهجير فلا يكون ورائه إلا الصف والصفان ، والناس في قائلتهم وتجارتهم فأنزل الله : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لينتهين رجال أو لاحرقن بيوتهن.
  اقول : وروي هذا السبب عن زيد بن ثابت وغيره بطرق أخرى.
  واعلم : أن الاقوال في تفسير الصلاة الوسطى مختلفة معظمها ناش من اختلاف روايات القوم : فقيل إنها صلاة الصبح ورووه عن علي ( عليه السلام ) وبعض الصحابة ، وقيل : إنها صلاة الظهر ورووه عن النبي وعدة من الصحابة ، وقيل : إنها صلاة العصر ورووه عن النبي وعدة من الصحابة ، وقد روى السيوطي في الدر المنثور فيه بضعا وخمسين رواية ، وقيل : إنها صلاة المغرب ، وقيل انها مخفية بين الصلوات كليلة القدر بين الليالي ، وروى فيهما روايات عن الصحابة ، وقيل : إنها صلاة العشاء وقيل : إنها الجمعة.
  وفي المجمع في قوله تعالى : وقوموا لله قانتين ، قال : هو الدعاء في الصلاة حال القيام ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( عليهما السلام )

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 260 _
  أقول : وروي ذلك عن بعض الصحابة.
  وفي تفسير العياشي عن الصادق ( عليه السلام ) في الآية : إقبال الرجل على صلاته ومحافظته على وقتها حتى لا يلهيه عنها ولا يشغله شئ .
  اقول : ولا منافاة بين الروايتين وهو ظاهر.
  في الكافي عن الصادق في قوله تعالى : فإن خفتم فرجالا أو ركبانا الآية : إذا خاف من سبع أو لص يكبر ويومي إيمائا.
  وفي الفقيه عنه ( عليه السلام ) في صلاة الزحف ، قال : تكبير وتهليل ثم تلا الآية.
  وفيه عنه ( عليه السلام ) : إن كنت في ارض مخوفة فخشيت لصا أو سبعا فصل الفريضة وأنت على دابتك.
  وفيه عن الباقر ( عليه السلام : الذي يخاف اللصوص يصلي إيمائا على دابته.
  اقول : والروايات في هذه المعاني كثيرة.
  وفي تفسير العياشي عن أبي بصير قال : سألته عن قول الله : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ، قال ( عليه السلام ) : هي منسوخة ، قلت : وكيف كانت ؟ قال : كان الرجل إذا مات أنفق على امرأته من صلب المال حولا ثم أخرجت بلا ميراث ثم نسختها آية الربع والثمن ، فالمرأة ينفق عليها من نصيبها .
  وفيه عن معاوية بن عمار قال : سألته عن قول الله : والذين يتوفون الخ ، قال : منسوخة نسختها آية يتربصن بأنفسهن اربعة اشهر وعشرا ، ونسختها آية الميراث.
  وفي الكافي وتفسير العياشي : سئل الصادق ( عليه السلام ) عن الرجل يطلق امرأته يمتعها ؟ قال : نعم ، أما يحب أن يكون من المحسنين أما يحب ان يكون من المتقين ؟
  ( بحث علمي )
  من المعلوم أن الاسلام ـ والذي شرعه هو الله عز اسمه ـ لم يبن شرائعه على اصل التجارب كما بنيت عليه سائر القوانين لكنا في قضاء العقل في شرائعه ربما احتجنا إلى

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 261 _
  التأمل في الاحكام والقوانين والرسوم الدائرة بين الامم الحاضرة والقرون الخالية ، ثم البحث عن السعادة الانسانية ، وتطبيق النتيجة على المحصل من مذاهبهم ومسالكهم حتى نزن به مكانته ومكانتها ، ونميز به روحه الحية الشاعرة من أرواحها ، وهذا هو الموجب للرجوع إلى تواريخ الملل وسيرها ، واستحضار ما عند الموجودين منهم من الخصائل والمذاهب في الحياة.
  ولذلك فإنا نحتاج في البحث عما يراه الاسلام ويعتقده في.
  1 ـ هوية المرأة والمقايسة بينها وبين هوية الرجل.
  2 ـ وزنها في الاجتماع حتى يعلم مقدار تأثيرها في حياة العالم الانساني.
  3 ـ حقوقها والاحكام التي شرعت لاجلها.
  4 ـ الاساس الذي بنيت عليه الاحكام المربوطة بها.
  إلى استحضار ما جرى عليه التاريخ في حياتها قبل طلوع الاسلام وما كانت الامم غير المسلمة يعاملها عليه حتى اليوم من المتمدنة وغير ها ، والاستقصاء في ذلك وإن كان خارجا عن طوق الكتاب ، لكنا نذكر طرفا منه :

( حياة المرأة في الامم غير المتمدنة )
  كانت حياة النساء في الامم والقبائل الوحشية كالامم القاطنين بإفريقيا وأستراليا والجزائر المسكونة بالاوقيانوسية وامريكا القديمة وغيرها بالنسبة إلى حياة الرجال كحياة الحيوانات الاهلية من الانعام وغيرها بالنسبة إلى حياة الانسان.
  فكما أن الانسان لوجود قريحة الاستخدام فيه يرى لنفسه حقا أن يمتلك الانعام وسائر الحيوانات الاهلية ويتصرف فيها كيفما شاء وفي أي حاجة من حوائجه شاء ، يستفيد من شعرها ووبرها ولحمها وعظمها ودمها وجلدها وحليبها وحفظها وحراستها وسفادها ونتاجها ونمائها ، وفي حمل الاثقال ، وفي الحرث ، وفي الصيد ، إلى غير ذلك من الاغراض التي لا تحصى كثرة.
  وليس لهؤلاء العجم من الحيوانات من مبتغيات الحياة وآمال القلوب في المأكل

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 262 _
  والمشرب والمسكن والسفاد والراحة إلاما رضي به الانسان الذي امتلكها ولم يرضى إلا بما لا ينافي أغراضه في تسخيرها وله فيه نفع في الحياة ، وربما أدى ذلك إلى تهكمات عجيبة ومجازفات غريبة في نظر الحيوان المستخدم لو كان هو الناظر في امر نفسه : فمن مظلوم من غير أي جرم كان اجرمه ، ومستغيث وليس له أي مغيث يغيثه ، ومن ظالم من غير مانع يمنعه ، ومن سعيد من غير استحقاق كفحل الضراب يعيش في انعم عيش وألذه عنده ، ومن شقي من غير استحقاق كحمار الحمل وفرس الطاحونة.
  وليس لها من حقوق الحياة إلا ما رآه الانسان المالك لها حقا لنفسه فمن تعدى إليها لا يؤاخذ إلا لانه تعدى إلى مالكها في ملكه ، لا إلى الحيوان في نفسه ، كل ذلك لان الانسان يرى وجودها تبعا لوجود نفسه وحياتها فرعا لحياته ومكانتها مكانة الطفيلي.
  كذلك كانت حياة النساء عند الرجال في هذه الامم والقبائل حياة تبعية ، وكانت النساء مخلوقة عندهم لاجل الرجال بقول مطلق : كانت النساء تابعة الوجود والحيوة لهم من غير استقلال في حياة ، ولافي حق فكان آبائهن ما لم ينكحن ، وبعولتهن بعد النكاح أولياء لهن على الاطلاق.
  كان للرجل ان يبيع المرأة ممن شاء وكان له ان يهبها لغيره ، وكان له ان يقرضها لمن استقرضها للفراش أو الاستيلاد أو الخدمة أو غير ذلك ، وكان له ان يسوسها حتى بالقتل ، وكان له ان يخلي عنها ، ماتت أو عاشت ، وكان له ان يقتلها ويرتزق بلحمها كالبهيمة وخاصة في المجاعة وفي المآدب ، وكان له ما للمرأة من المال والحق وخاصة من حيث إيقاع المعاملات من بيع وشرى وأخذ ورد.
  وكان على المرأة ان تطيع الرجل ، أباها أو زوجها ، في ما يأمر به طوعا أو كرها ، وكان عليها ان لا تستقل عنه في امر يرجع إليه أو إليها ، وكان عليها ان تلي امور البيت والاولاد وجميع ما يحتاج إليه حياة الرجل فيه ، وكان عليها ان تتحمل من الاشغال أشقها كحمل الاثقال وعمل الطين وما يجري مجراهما ومن الحرف والصناعات أرديها وسفسافها ، وقد بلغ عجيب الامر إلى حيث ان المرأة الحامل في بعض القبائل إذا وضعت حملها قامت من فورها إلى حوائج البيت ، ونام الرجل على فراشها أياما يتمرض ويداوي نفسه ، هذه كليات ماله وعليها ، ولكل جيل من هذه الاجيال

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 263 _
  الوحشية خصائل وخصائص من السنن والآداب القومية باختلاف عاد اتها الموروثة في مناطق حياتها والاجواء المحيطة بها يطلع عليه من راجع الكتب المؤلفة في هذه الشؤون.

( حياة المرئة في الامم المتمدنة قبل الاسلام )
  نعني بهم الامم التي كانت تعيش تحت الرسوم الملية المحفوظة بالعادات الموروثة من غير استناد إلى كتاب أو قانون كالصين والهند ومصر القديم وإيران ونحوها.
  تشترك جميع هؤلاء الامم : في ان المرأة عندهم ما كانت ذات استقلال وحرية ، لافي إرادتها ولافي أعمالها ، بل كانت تحت الولاية والقيمومة ، لا تنجز شيئا من قبل نفسها ولا كان لها حق المداخلة في الشؤون الاجتماعية من حكومة أو قضاء أو غيرهما.
  وكان عليها : ان تشارك الرجل في جميع أعمال الحياة من كسب وغير ذلك.
  وكان عليها : ان تختص بامور البيت والاولاد ، وكان عليها ان تطيع الرجل في جميع ما يأمرها ويريد منها .
  وكانت المرأة عند هؤلاء أرفه حالا بالنسبة إليها في الامم غير المتمدنة ، فلم تكن تقتل وتؤكل لحمها ، ولم تحرم من تملك المال بالكلية بل كانت تتملك في الجملة من إرث أو ازدواج أو غير ذلك وإن لم تكن لها ان تتصرف فيها بالاستقلال ، وكان للرجل ان يتخذ زوجات متعددة من غير تحديد وكان لها تطليق من شاء منهن ، وكان للزوج ان يتزوج بعد موت الزوجة ولاعكس غالبا ، وكانت ممنوعة عن معاشرة خارج البيت غالبا.
  ولكل أمة من هذه الامم مختصات بحسب اقتضاء المناطق والاوضاع : كما ان تمايز الطبقات في ايران ربما أوجب تميزا لنساء الطبقات العالية من المداخلة في الملك والحكومة أو نيل السلطنة ونحو ذلك أو الازدواج بالمحارم من ام أو بنت أو اخت أو غيرها.
  وكما انه كان بالصين الازدواج بالمرأة نوعا من اشتراء نفسها ومملوكيتها ، وكانت هي ممنوعة من الارث ومن ان تشارك الرجال حتى ابنائها في التغذي ، وكان للرجال

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 264 _
  ان يتشارك اكثر من واحد منهم في الازدواج بمرأة واحدة يشتركون في التمتع بها ، والانتفاع من اعمالها ، ويلحق الاولاد بأقوى الازواج غالبا.
  وكما ان النساء كانت بالهند من تبعات ازواجهن لا يحل لهن الازدواج بعد توفي ازواجهن أبدا ، بل إما أن يحرقن بالنار مع جسد أزواجهن أو يعشن مذللات ، وهن في ايام الحيض انجاس خبيثات لازمة الاجتناب وكذا ثيابها وكل ما لامستها بالبشرة.
  ويمكن ان يلخص شأنها في هذه الامم : انها كالبرزخ بين الحيوان والانسان يستفاد منها استفادة الانسان المتوسط الضعيف الذي لا يحق له إلا ان يمد الانسان المتوسط في امور حياته كالولد الصغير بالنسبة إلى وليه غير انها تحت الولاية والقيمومة دائما.

( وهيهنا امم أخرى )
  كانت الامم المذكورة آنفا امما تجري معظم آدابهم ورسومهم الخاصة على اساس اقتضاء المناطق والعادات الموروثة ونحوها من غير ان تعتمد على كتاب أو قانون ظاهرا لكن هناك أمم أخرى كانت تعيش تحت سيطرة القانون أو الكتاب ، مثل الكلدة والروم واليونان.
  اما الكلدة والاشور فقد حكم فيهم شرع حامورابي بتبعية المرأة لزوجها وسقوط استقلالها في الارادة والعمل ، حتى ان الزوجة لو لم تطع زوجها في شيء من امور المعاشرة أو استقل بشيء فيها كان له ان يخرجها من بيته ، أو يتزوج عليها ويعامل معها بعد ذلك معاملة ملك اليمين محضا ، ولو اخطأت في تدبير البيت بإسراف أو تبذير كان له ان يرفع امرها إلى القاضي ثم يغرقها في الماء بعد إثبات الجرم.
  واما الروم فهي ايضا من اقدم الامم وضعا للقوانين المدنية ، وضع القانون فيها أول ما وضع في حدود سنة أربعمائة قبل الميلاد ثم اخذوا في تكميله تدريجا ، وهو يعطي للبيت نوع استقلال في إجراء الاوامر المختصة به ، ولرب البيت وهو زوج المرأة وأبو اولادها نوع ربوبية كان يعبده لذلك اهل البيت كما كان يعبد هو من تقدمه من آبائه السابقين عليه في تأسيس البيت ، وكان له الاختيار التام والمشية النافذة في جميع ما

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 265 _
  يريده ويأمر به على اهل البيت من زوجة واولاد حتى القتل لو رأى ان الصلاح فيه ، ولا يعارضه في ذلك معارض ، وكانت النساء نساء البيت كالزوجة والبنت والاخت أردء حالا من الرجال حتى الابناء التابعين محضا لرب البيت ، فإنهن لم يكن أجزاء للاجتماع المدني فلا تسمع لهن شكاية ، ولا ينفذ منهن معاملة ، ولا تصح منهن في الامور الاجتماعية مداخلة لكن الرجال اعني الاخوة والذكور من الاولاد حتى الادعياء ( فإن التبني والحاق الولد بغير أبيه كان معمولا شائعا عندهم وكذا في يونان وايران والعرب ) كان من الجائز أن يأذن لهم رب البيت في الاستقلال بامور الحياة مطلقا لانفسهم.
  ولم يكن اجزاء اصيلة في البيت بل كان اهل البيت هم الرجال ، واما النساء فتبع ، فكانت القرابة الاجتماعية الرسمية المؤثرة في التوارث ونحوها مختصه بما بين الرجال ، واما النساء فلا قرابة بينهن انفسهن كالام مع البنت أو الاخت مع الاخت ، ولا بينهن وبين الرجال كالزوجين أو الام مع الابن أو الاخت مع الاخ أو البنت مع الاب ولا توارث فيما لا قرابة رسمية ، نعم القرابة الطبيعية ( وهي التي يوجبها الاتصال في الولادة ) كانت موجودة بينهم ، وربما يظهر أثرها في نحو الازدواج بالمحارم ، وولاية رئيس البيت وربه لها.
  وبالجملة كانت المرأة عندهم طفيلية الوجود تابعة الحياة في المجتمع ( المجتمع المدني والبيتي ) زمام حياتها وإرادتها بيد رب البيت من ابيها إن كانت في بيت الاب أو زوجها إن كانت في بيت الزوج أو غيرهما ، يفعل بها ربها ما يشاء ويحكم فيها ما يريد ، فربما باعها ، وربما وهبها ، وربما اقرضها للتمتع ، وربما أعطاها في حق يراد استيفائه منه كدين وخراج ونحوهما ، وربما ساسها بقتل أو ضرب أو غيرهما ، وبيده تدبير مالها إن ملكت شيئا بالازدواج أو الكسب مع إذن وليها لابالارث لانها كانت محرومة منه ، وبيد ابيها أو واحد من سراة قومها تزويجها ، وبيد زوجها تطليقها.
  واما اليونان فالامر عندهم في تكون البيوت وربوبية أربابها فيها كان قريب الوضع من وضع الروم.
  فقد كان الاجتماع المدني وكذا الاجتماع البيتي عندهم متقوما بالرجال ، والنساء تبع لهم ، ولذا لم يكن لها استقلال في إرادة ولافعل إلاتحت ولاية الرجال ، لكنهم

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 266 _
  جميعا ناقضوا انفسهم بحسب الحقيقة في ذلك ، فإن قوانينهم الموضوعة كانت تحكم عليهن بالاستقلال ولاتحكم لهن إلا بالتبع إذا وافق نفع الرجال ، فكانت المرأة عندهم تعاقب بجميع جرائمها بالاستقلال ، ولاتثاب لحسناتها ولاتراعى جانبها إلا بالتبع وتحت ولاية الرجل.
  وهذا بعينه من الشواهد الدالة على ان جميع هذه القوانين ما كانت تراها جزء ضعيفا من المجتمع الانساني ذات شخصية تبعية ، بل كانت تقدر أنها كالجراثيم المضرة مفسدة لمزاج الاجتماع مضرة بصحتها غير ان للمجتمع حاجة ضرورية إليها من حيث بقاء النسل ، فيجب ان يعتني بشأنها ، وتذاق وبال أمرها إذا جنت أو أجرمت ، ويحتلب الرجال درها إذا احسنت أو نفعت ، ولا تترك على حيال إرادتها صونا من شرها كالعدو القوي الذي يغلب فيؤخذ اسيرا مسترقا يعيش طول حياته تحت القهر ، إن جاء بالسيئة يؤاخذ بها وإن جاء بالحسنة لم يشكر لها .
  وهذا الذي سمعته : ان الاجتماع كان متقوما عندهم بالرجال هو الذي الزمهم ان يعتقدوا ان الاولاد بالحقيقة هم الذكور ، وأن بقاء النسل ببقائهم ، وهذا هو منشأ ظهور عمل التبني والالحاق بينهم ، فإن البيت الذي ليس لربه ولد ذكر كان محكوما بالخراب ، والنسل مكتوبا عليه الفناء والانقراض ، فاضطر هؤلاء إلى اتخاذ ابناء صونا عن الانقراض وموت الذكر ، فدعوا غير ابناءهم لاصلابهم أبنائا لانفسهم فكانوا ابنائا رسما يرثون ويورثون ويرتب عليهم آثار الابناء الصلبيين ، وكان الرجل منهم إذا زعم انه عاقر لا يولد منه ولد عمد إلى بعض اقاربه كأخيه وابن اخيه فأورده فراش اهله لتعلق منه فتلد ولدا يدعوه لنفسه ، ويقوم بقاء بيته.
  وكان الامر في التزويج والتطليق في اليونان قريبا منهما في الروم ، وكان من الجائز عندهم تعدد الزوجات غير ان الزوجة إذا زادت على الواحدة كانت واحدة منهن زوجة رسمية والباقية غير رسمية.

( حال المرأة عند العرب ومحيط حياتهم محيط نزول القرآن )
  وقد كانت العرب قاطنين في شبه الجزيرة وهي منطقة حارة جدبة الارض

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 267 _
  والمعظم من امتهم قبائل بدوية بعيدة عن الحضارة والمدنية ، يعيشون بشن الغارات ، وهم متصلون بإيران من جانب وبالروم من جانب وببلاد الحبشه والسودان من آخر.
  ولذلك كانت العمدة من رسومهم رسوم التوحش ، وربما وجد خلالها شيء من عادات الروم وإيران ، ومن عادات الهند ومصر القديم أحيانا.
  كانت العرب لا ترى للمرأة استقلالا في الحياة ولا حرمة ولا شرافة إلا حرمة البيت وشرافته ، وكانت لا تورث النساء ، وكانت تجوز تعدد الزوجات من غير تحديد بعدد معين كاليهود ، وكذا في الطلاق ، وكانت تئد البنات ، ابتدء بذلك بنو تميم لوقعة كانت لهم مع النعمان بن المنذر ، أسرت فيه عدة من بناتهم ، والقصة معروفة فأغضبهم ذلك فابتدروا به ، ثم سرت السجية في غيرهم ، وكانت العرب تتشأم إذا ولدت للرجل منهم بنت يعدها عارا لنفسه ، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ، لكن يسره الابن مهما كثر ولو بالدعاء والالحاق حتى انهم كانوا يتبنون الولد لزنا محصنة ارتكبوه ، وربما نازع رجال من صناديدهم وأولي الطول منهم في ولد ادعاه كل لنفسه.
  وربما لاح في بعض البيوت استقلال لنسائهم وخاصة للبنات في امر الازدواج فكان يراعي فيه رضى المرأة وانتخابها ، فيشبه ذلك منهم دأب الاشراف بإيران الجاري على تمايز لطبقات.
  وكيف كان فمعاملتهم مع النساء كانت معاملة مركبة من معاملة اهل المدينة من الروم وإيران كتحريم الاستقلال في الحقوق ، والشركة في الامور العامة الاجتماعية كالحكم والحرب وامر الازدواج إلا استثنائا ، ومن معاملة أهل التوحش والبربرية ، فلم يكن حرمانهن مستندا إلى تقديس رؤساء البيوت وعبادتهم ، بل من باب غلبة القوي واستخدامه للضعيف.
  واما العبادة فكانوا يعبدون جميعا ( رجالا ونسائا ) اصناما يشبه امرها امر الاصنام عند الصابئين أصحاب الكواكب وارباب الانواع ، وتتميز أصنامهم بحسب تميز القبائل وأهوائها المختلفة ، فيعبدون الكواكب والملائكة ( وهم بنات الله سبحانه بزعمهم ) ويتخذونها على صور صورتها لهم أوهامهم ، ومن اشياء مختلفة كالحجارة والخشب ، وقد بلغ هواهم في ذلك إلى مثل ما نقل عن بني حنيفة انهم اتخذوا لهم

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 268 _
  صنما من الحيس فعبدوه دهرا طويلا ثم اصابتهم مجاعة فأكلوه فقيل فيهم :

أكـلت  حـنيفة iiربها      زمن التقحم iiوالمجاعة
لـم يحذروا من iiربهم      سوء العواقب والتباعة
  وربما عبدوا حجرا حتى إذا وجدوا حجرا أحسن منه طرحوا الاول وأخذوا بالثاني وإذا لم يجدوا شيئا جمعوا حفنة من تراب ثم جاؤا بغنم فحلبوه عليها ثم طافوا بها يعبدونها .
  وقد أودعت هذا الحرمان والشقاء في نفوس النساء ضعفا في الفكرة يصور لها أوهاما وخرافاه عجيبة في الحوادث والوقائع المختلفة ضبطتها كتب السير والتاريخ.
  فهذه جمل من احوال المرأة في المجتمع الانساني من ادواره المختلفة قبل الاسلام وزمن ظهوره ، آثرنا فيها الاختصار التام ، ويستنتج من جميع ذلك : اولا : انهم كانوا يرونها إنسانا في أفق الحيوان العجم ، أو إنسانا ضعيف الانسانية منحطا لا يؤمن شره وفساده لو أطلق من قيد التبعية واكتسب الحرية في حياته ، والنظر الاول أنسب لسيرة الامم الوحشية والثاني لغيرهم ، وثانيا : انهم كانوا يرون في وزنها الاجتماعي انها خارجة من هيكل المجتمع المركب غير داخلة فيه ، وإنما هي من شرائطه التي لا غناء عنها كالمسكن لا غناء عن الالتجاء إليه ، أو انها كالاسير المسترق الذي هي من توابع المجتمع الغالب ، ينتفع من عمله ولا يؤمن كيده على اختلاف المسلكين ، وثالثا : انهم كانوا يرون حرمانها في عامة الحقوق التي أمكن انتفاعها منها إلا بمقدار يرجع انتفاعها إلى انتفاع الرجال القيمين بأمرها ، ورابعا : ان اساس معاملتهم معها فيما عاملوا هو غلبة القوي على الضعيف وبعبارة أخرى قريحة الاستخدام ، هذا في الامم غير المتمدنة ، واما الامم المتمدنة فيضاف عندهم إلى ذلك ما كانوا يعتقدونه في امرها : انها انسان ضعيف الخلقة لا تقدر على الاستقلال بأمرها ، ولا يؤمن شرها ، وربما اختلط الامر اختلاطا باختلاف الامم والاجيال.

( ماذا أبدعه الاسلام في أمرها )
  لا زالت بأجمعها ترى في أمر المرأة ما قصصناه عليك ، وتحبسها في سجن الذلة

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 269 _
  والهوان حتى صار الضعف والصغار طبيعة ثانية لها ، عليها نبتت لحمها وعظمها وعليها كانت تحيا وتموت ، وعادت ألفاظ المرأة والضعف والهوان كاللغات المترادفة بعد ما وضعت متبائنة ، لا عند الرجال فقط بل وعند النساء ـ ومن العجب ذلك ـ ولا ترى أمة من الامم وحشيها ومدنيها إلا وعندهم أمثال سائرة في ضعفها وهو ان أمرها ، وفي لغاتهم على اختلاف اصولها وسياقاتها وألحانها أنواع من الاستعارة والكناية والتشبيه مربوطة بهذه اللفظة ( المرأة ) يقرع بها الجبان ، ويؤنب بها الضعيف ، ويلام بها المخذول المستهان والمستذل المنظلم ، ويوجد من نحو قول القائل :
وما أدري وليت إخال ادري      أقـوم آل حـصن أم iiنساء
  مئات وألوف من النظم والنثر في كل لغة.
  وهذا في نفسه كاف في ان يحصل للباحث ما كانت تعتقده الجامعة الانسانية في أمر المرأة وإن لم يكن هناك ما جمعته كتب السير والتواريخ من مذاهب الامم والملل في امرها ، فإن الخصائل الروحية والجهات الوجودية في كل أمة تتجلى في لغتها وآدابها.
  ولم يورث من السابقين ما يعتنى بشأنها ويهم بأمرها إلا بعض ما في التوراة وما وصى به عيسى بن مريم ( عليهما السلام ) من لزوم التسهيل عليها والارفاق بها.
  وأما الاسلام أعني الدين الحنيف النازل به القرآن فإنه أبدع في حقها أمرا ما كانت تعرفه الدنيا منذ قطن بها قاطنوها ، وخالفهم جميعا في بناء بنية فطرية عليها كانت الدنيا هدمتها من اول يوم وأعفت آثارها ، والغى ما كانت تعتقده الدنيا في هويتها اعتقادا وما كانت تسير فيها سيرتها عملا.
  اما هويتها : فإنه بين أن المرأة كالرجل إنسان وأن كل إنسان ذكرا أو أنثى فإنه انسان يشترك في مادته وعنصره إنسانان ذكر وانثى ولا فضل لاحد على أحد إلا بالتقوى ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) الحجرات ـ 13 ، فجعل تعالى كل إنسان مأخوذا مؤلفا من انسانين ذكر وأنثى هما معا وبنسبة واحدة مادة كونه ووجوده ، وهو سواء كان ذكرا أو انثى مجموع المادة المأخوذة منهما ، ولم يقل تعالى : مثل ما قاله القائل :

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 270 _
  وإنما أمهات الناس اوعية
  ولا قال مثل ما قاله الآخر :
بـنونا  بـنو ابنائنا وبناتنا      بنوهن ابناء الرجال الاباعد
  بل جعل تعالى كلا مخلوقا مؤلفا من كل. فعاد الكل امثالا ، ولا بيان اتم ولا ، ابلغ من هذا البيان ، ثم جعل الفضل في التقوى.
  وقال تعالى : ( أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) آل عمران ـ 195 ، فصرح أن السعي غير خائب والعمل غير مضيع عند الله وعلل ذلك بقوله : بعضكم من بعض فعبر صريحا بما هو نتيجة قوله في الآية السابقة : إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وهو ان الرجل والمرأة جميعا من نوع واحد من غير فرق في الاصل والسنخ.
  ثم بين بذلك ان عمل كل واحد من هذين الصنفين غير مضيع عند الله لا يبطل في نفسه ، ولا يعدوه إلى غيره ، كل نفس بما كسبت رهينة ، لا كما كان يقوله الناس : إن عليهن سيئاتهن ، وللرجال حسناتهن من منافع وجودهن ، وسيجئ لهذا الكلام مزيد توضيح.
  وإذا كان لكل منهما ما عمل ولا كرامة إلا بالتقوى ، ومن التقوى الاخلاق الفاضلة كالايمان بدرجاته ، والعلم النافع ، والعقل الرزين ، والخلق الحسن ، والصبر ، والحلم فالمرأة المؤمنة بدرجات الايمان ، أو المليئة علما ، أو الرزينة عقلا ، أو الحسنة خلقا أكرم ذاتا وأسمى درجة ممن لا يعادلها في ذلك من الرجال في الاسلام ، كان من كان ، فلا كرامة إلا للتقوى والفضيلة.
  وفي معني الآية السابقة وأوضح منها قوله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) النحل ـ 97 ، وقوله تعالى : ( وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) المؤمن ـ 40 ، وقوله تعالى : ( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) النساء ـ 124.

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 271 _
  وقد ذم الله سبحانه الاستهانة بأمر البنات بمثل قوله وهو من أبلغ الذم : ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ) النحل ـ 59 ، ولم يكن تواريهم إلا لعدهم ولادتها عارا على المولود له ، وعمدة ذلك انهم كانوا يتصورون أنها ستكبر فتصير لعبة لغيرها يتمتع بها ، وذلك نوع غلبة من الزوج عليها في أمر مستهجن ، فيعود عاره إلى بيتها وأبيها ، ولذلك كانوا يئدون البنات وقد سمعت السبب الاول فيه فيما مر ، وقد بالغ الله سبحانه في التشديد عليه حيث قال : ( وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) التكوير ـ 9.
  وقد بقي من هذه الخرافات بقايا عند المسلمين ورثوها من أسلافهم ، ولم يغسل رينها من قلوبهم المربون ، فتراهم يعدون الزنا عارا لازما على المرأة وبيتها وإن تابت دون الزاني وإن أصر ، مع أن الاسلام قد جمع العار والقبح كله في المعصية ، والزاني والزانية سواء فيها.
  واما وزنها الاجتماعي : فإن الاسلام ساوى بينها وبين الرجل من حيث تدبير شئون الحياة بالارادة والعمل فإنهما متساويان من حيث تعلق الارادة بما تحتاج إليه البنية الانسانية في الاكل والشرب وغيرهما من لوازم البقاء ، وقد قال تعالى : ( بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) آل عمران ـ 195 ، فلها ان تستقل بالارادة ولها أن تستقل بالعمل وتمتلك نتاجهما كما للرجل ذلك من غير فرق ، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت.
  فهما سواء فيما يراه الاسلام ويحقه القرآن والله يحق الحق بكلماته غير أنه قرر فيها خصلتين ميزها بهما الصنع الالهي : احديهما : أنها بمنزلة الحرث في تكون النوع ونمائه فعليها يعتمد النوع في بقائه فتختص من الاحكام بمثل ما يختص به الحرث ، وتمتاز بذلك من الرجل. والثانية أن وجودها مبني على لطافة البنية ورقة الشعور ، ولذلك أيضا تأثير في أحوالها والوظائف الاجتماعية المحولة إليها.
  فهذا وزنها الاجتماعي ، وبذلك يظهر وزن الرجل في المجتمع ، واليه تنحل جميع الاحكام المشتركة بينهما وما يختص به احدهما في الاسلام ، قال تعالى : ( وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 272 _
  وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) النساء ـ 32 ، يريد أن الاعمال التي يهديها كل من الفريقين إلى المجتمع هي الملاك لما اختص به من الفضل ، وان من هذا الفضل ما تعين لحوقه بالبعض دون البعض كفضل الرجل على المرأة في سهم الارث ، وفضل المرأة على الرجل في وضع النفقة عنها ، فلا ينبغي أن يتمناه متمن ، ومنه ما لم يتعين إلا بعمل العامل كائنا من كان كفضل الايمان والعلم والعقل والتقوى وسائر الفضائل التي يستحسنها الدين ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، واسئلوا الله من فضله ، والدليل على هذا الذي ذكرنا قوله تعالى بعده : الرجال قوامون ، على ما سيجئ بيانه.
  واما الاحكام المشتركة والمختصة : فهي تشارك الرجل في جميع الاحكام العبادية والحقوق الاجتماعية فلها أن تستقل فيما يستقل به الرجل من غير فرق في إرث ولا كسب ولا معاملة ولا تعليم وتعلم ولا اقتناء حق ولا دفاع عن حق وغير ذلك إلا في موارد يقتضى طباعها ذلك.
  وعمدة هذه المورد : أنها لا تتولى الحكومة والقضاء ، ولا تتولى القتال بمعنى المقارعة لا مطلق الحضور والاعانة على الامر كمداواة الجرحى مثلا ، ولها نصف سهم الرجل في الارث ، وعليها : الحجاب وستر مواضع الزينة ، وعليها : أن تطيع زوجها فيما يرجع إلى التمتع منها ، وتدورك ما فاتها بأن نفتتها في الحياة على الرجل : الاب أو الزوج ، وان عليه ان يحمي عنها منتهى ما يستطيعه ، وأن لها حق تربية الولد وحضانته.
  وقد سهل الله لها أنها محمية النفس والعرض حتى عن سوء الذكر ، وان العبادة موضوعة عنها أيام عادتها ونفاسها ، وأنها لازمة الارفاق في جميع الاحوال.
  والمتحصل من جميع ذلك : انها لا يجب عليها في جانب العلم إلا العلم باصول المعارف والعلم بالفروع الدينية ( أحكام العبادات والقوانين الجارية في الاجتماع ) ، واما في جانب العمل فأحكام الدين وطاعة الزوج فيما يتمتع به منها ، وأما تنظيم الحياة ـ الفردية بعمل أو كسب بحرفة أو صناعة وكذا الورود فيما يقوم به نظام البيت وكذا ـ المداخلة في ما يصلح المجتمع العام كتعلم العلوم واتخاذ الصناعات والحرف المفيدة ـ للعامة والنافعة في الاجتماعات مع حفظ الحدود الموضوعة فيها فلا يجب عليها شيء من

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 273 _
  ذلك ، ولازمه أن يكون الورود في جميع هذه الموارد من علم أو كسب أو شغل أو تربية ونحو ذلك كلها فضلا لها تتفاضل به ، وفخرا لها تتفاخر به ، وقد جوز الاسلام بل ندب إلى التفاخر بينهن ، مع أن الرجال نهوا عن التفاخر في غير حال الحرب.
  والسنة النبوية تؤيد ما ذكرناه ، ولو لا بلوغ الكلام في طوله إلى ما لا يسعه هذا المقام لذكرنا طرفا من سيرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع زوجته خديجة ومع بنته سيدة النساء فاطمة ( عليها السلام ) ومع نسائه ومع نساء قومه وما وصى به في أمر النساء والمأثور من طريقة أئمة أهل البيت ونسائهم كزينب بنت علي وفاطمة وسكينة بنتي الحسين وغيرهن على جماعتهم السلام ، ووصاياهم في أمر النساء.
  ولعلنا نوفق لنقل شطر منها في الابحاث الروائية المتعلقة بآيات النساء فليرجع المراجع إليها.
  واما الاساس الذي بنيت عليه هذه الاحكام والحقوق فهو الفطرة ، وقد علم من الكلام في وزنها الاجتماعي كيفية هذا البناء ونزيده هيهنا إيضاحا فنقول :
  لا ينبغي أن يرتاب الباحث عن أحكام الاجتماع وما يتصل بها من المباحث العلمية أن الوظائف الاجتماعية والتكاليف الاعتبارية المتفرعة عليها يجب انتهائها بالاخرة إلى الطبيعة ، فخصوصية البنية الطبيعية الانسانية هي التي هدت الانسان إلى هذا الاجتماع النوعي الذي لا يكاد يوجد النوع خاليا عنه في زمان ، وإن أمكن أن يعرض لهذا الاجتماع المستند إلى اقتضاء الطبيعة ما يخرجه عن مجرى الصحة إلى مجرى الفساد كما يمكن أن يعرض للبدن الطبيعي ما يخرجه عن تمامه الطبيعي إلى نقص الخلقة ، أو عن صحته الطبيعية إلى السقم والعاهة.
  فالاجتماع بجميع شؤنه وجهاته سواء كان اجتماعا فاضلا أو اجتماعا فاسدا ينتهي بالاخرة إلى الطبيعة وان اختلف القسمان من حيث ان الاجتماع الفاسد يصادف في طريق الانتهاء ما يفسده في آثاره بخلاف الاجتماع الفاضل.
  فهذه حقيقة ، وقد أشار إليها تصريحا أو تلويحا الباحثون عن هذه المباحث وقد سبقهم إلى بيانه الكتاب الالهي فبينه بأبدع البيان ، قال تعالى : ( الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) طه ـ 50 ، وقال تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 274 _
   فَهَدَى ) الاعلى ـ 3 ، وقال تعالى : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) الشمس ـ 8 ، إلى غير ذلك من آيات القدر.
  فالاشياء ومن جملتها الانسان إنما تهتدي في وجودها وحياتها إلى ما خلقت له وجهزت بما يكفيه ويصلح له من الخلقة ، والحياة القيمة بسعادة الانسان هي التي تنطبق أعمالها على الخلقة والفطرة انطباقا تاما ، وتنتهي وظائفها وتكاليفها إلى الطبيعة انتهائا صحيحا ، وهذا هو الذي يشير إليه قوله تعالى : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) الروم ـ 30 ، والذي تقتضيه الفطرة في أمر الوظائف والحقوق الاجتماعية بين الافراد ـ على أن الجميع إنسان ذو فطرة بشرية ـ أن يساوي بينهم في الحقوق والوظائف من غير ان يحبا بعض ويضطهد آخرون بإبطال حقوقهم ، لكن ليس مقتضى هذه التسوية التي يحكم بها العدل الاجتماعي أن يبذل كل مقام اجتماعي لكل فرد من أفراد المجتمع ، فيتقلد الصبي مثلا على صباوته والسفيه على سفاهته ما يتقلده الانسان العاقل المجرب ، أو يتناول الضعيف العاجز ما يتناوله القوي المتقدر من الشؤون والدرجات ، فإن في تسوية حال الصالح وغير الصالح إفسادا لحالهما معا.
  بل الذي يقتضيه العدل الاجتماعي ويفسر به معنى التسوية ، ان يعطى كل ذي حق حقه وينزل منزلته ، فالتساوي بين الافراد والطبقات إنما هو في نيل كل ذي حق خصوص حقه من غير أن يزاحم حق حقا ، أو يهمل اويبطل حق بغيا أو تحكما ونحو ذلك ، وهذا هو الذي يشير إليه قوله تعالى : ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة الآية ، كما مر بيانه ، فإن الآية تصرح بالتساوي في عين تقرير الاختلاف بينهن وبين الرجال.
  ثم إن اشتراك القبيلين اعني الرجال والنساء في اصول المواهب الوجودية اعني ، الفكر والارادة المولدتين للاختيار يستدعي اشتراكها مع الرجل في حرية الفكر والارادة اعني الاختيار ، فلها الاستقلال بالتصرف في جميع شؤون حياتها الفردية والاجتماعية عدا ما منع عنه مانع ، وقد اعطاها الاسلام هذا الاستقلال والحرية على أتم الوجوه كما سمعت فيما تقدم ، فصارت بنعمة الله سبحانه مستقلة بنفسها منفكة الارادة والعمل عن

الميزان في تفسير القران (الجزء الثاني)_ 275 _
  الرجال وولايتهم وقيمومتهم ، واجدة لما لم يسمح لها به الدنيا في جميع ادوارها وخلت عنه صحائف تاريخ وجودها ، قال تعالى : ( فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) الآية البقرة ـ 234.
  لكنها مع وجود العوامل المشتركة المذكورة في وجودها تختلف مع الرجال من جهة أخرى ، فإن المتوسطة من النساء تتأخر عن المتوسط من الرجال في الخصوصيات الكمالية من بنيتها كالدماغ والقلب والشرائين والاعصاب والقامة والوزن على ما شرحه فن وظائف الاعضاء ، واستوجب ذلك أن جسمها ألطف وأنعم كما أن جسم الرجل أخشن وأصلب ، وأن الاحساسات اللطيفة كالحب ورقة القلب والميل إلى الجمال والزينة أغلب عليها من الرجل كما أن التعقل أغلب عليه من المرأة ، فحياتها حياة إحساسية كما أن حياة الرجل حياة تعقلية .
  ولذلك فرق الاسلام بينهما في الوظائف والتكاليف العامة الاجتماعية التي يرتبط قوامها بأحد الامرين أعني التعقل ، والاحساس فخص مثل الولاية والقضاء والقتال بالرجال لاحتياجها المبرم إلى التعقل والحياة التعقلية إنما هي للرجل دون المرأة ، وخص مثل حضانة الاولاد وتربيتها وتدبير المنزل بالمرأة ، وجعل نفقتها على الرجل ، وجبر ذلك له بالسهمين في الارث ( وهو في الحقيقة بمنزلة ان يقتسما الميراث نصفين ثم تعطى المرأة ثلث سهمها للرجل في مقابل نفقتها أي للانتفاع بنصف ما في يده فيرجع بالحقيقة إلى أن ثلثي المال في الدنيا للرجال ملكا وعينا وثلثيها للنساء انتفاعا فالتدبير الغالب إنما هو للرجال لغلبة تعقلهم ، والانتفاع والتمتع الغالب للنساء لغلبة إحساسهن ، وسنزيده إيضاحا في الكلام على آيات الارث إنشاء الله تعالى ) ثم تمم ذلك بتسهيلات وتخفيفات في حق المرأة مرت الاشارة إليها.
  فان قلت : ما ذكر من الارفاق البالغ للمرأة في الاسلام يوجب انعطالها في العمل فإن ارتفاع الحاجة الضرورية إلى لوازم الحياة بتخديرها ، وكفاية مؤونتها بإيجاب الانفاق على الرجل يوجب إهمالها وكسلها وتثاقلها عن تحمل مشاق الاعمال والاشغال فتنمو على ذلك نمائا رديا وتنبت نباتا سيئا غير صالح لتكامل الاجتماع ، وقد أيدت التجربة ذلك.