وجهت إلى نسائه التسع قرصة قرصة ومرقاً ، ثم قال : اغرفي لأبيك وبعلك ، ثم قال : اغرفي وكلي واهدي لجاراتك ، ففعلت وبقي عندهم أياماً يأكلون (1) .
  ومن ذلك : أن امرأة عبد الله بن مسلم أتته بشاة مسمومة ، ومع النبي صلّى الله عليه وآله بشر بن البراء بن عازب ، فتناول النبي صلى الله عليه واله الذراع وتناول بشر الكراع ، فأما النبي عليه السلام فلاكها ولفظها وقال : إنها لتخبرني انها مسمومة ، وأما بشر فلاك المضغة وابتلعها فمات ، فأرسل إليها فأقرت ، وقال : ما حَمَلَك على ما فعلت ؟ قالت : قتلت زوجي وأشراف قومي ، فقلت : إن كان ملكاً قتلته ، وإن كان نبياً فسيطلعه الله تبارك وتعالى على ذلك (2) .
  ومن ذلك : أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : رأيت الناس يوم الخندق يحفرون وهم خماص ، ورأيت النبي عليه السلام يحفر وبطنه خميص ، فأتيت أهلي فأخبرتها فقالت : ما عندنا إلا هذه الشاة ومحرز من ذرة .
  قال : فاخبزي ، وذبح الشاة وطبخوا شقها وشووا الباقي ، حتى أذا أدرك أتى النبي صلّى الله عليه واله فقال : يا رسول الله ، اتخذت طعاماً فائتني أنت ومن أحببت ، فشبك اصابعه في يده ثم نادى : ألا إن جابراً يدعوكم إلى طعامه .
  فأتى أهله مذعوراً خجلأ فقال لها : هي الفضيحة قد حفل بهم أجمعين ، فقالت : أنت دعوتهم أم هو ؟ قال : هو ، قالت : فهو أعلم بهم .
  فلما رآنا أمر بالأنطاع فبسطت على الشوارع ، وأمره ان يجمع التواري ـ يعني قصاعاً كانت من خشب ـ والجفان ، ثم قال : ما عندكم من الطعام ؟ فاعلمته ،

------------------------------------
(1) رواه الرواندي في الخرائج والجرائح 1 : 108| 179 ، ونقله المجلسي في بحاره 17 : 232| 1 .
(2) اورد نحوه البيهقي في دلائل النبوة 4 : 262 ، وابن شهر اشوب في المناقب 1 : 91 ، 92 ، ورواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 108| 180 وفيها : بشر بن البراء بن معرور بدل بشر بن البراء بن عازب ، ونقله المجلسي في بحاره 17: 232| 1 .

قــرب الاســنــاد _ 327 _

  فقال : غطوا السدانة والبرمة والتنور واغرفوا وأخرجوا الخبز واللحم وغطوا ، فما زالوا يغرفون وينقلون ولا يرونه ينقص شيئاً حتى شبع القوم ، وهم ثلاثة آلاف ، ثم أكل جابر وأهله وأهدوا وبقي عندهم أياماً (1) .
  ومن ذلك : أن سعد بن عبادة الأنصاري اتاه عشية وهو صائم فدعاه إلى طعامه ، ودعا معه علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلما أكلوا قال النبي صلّى الله عليه وآله :
  نبي ووصي ، يا سعد أكل طعامك الأبرار ، وافطر عندك الصائمون ، وصلت عليكم الملائكة ، فحمله سعد على حمار قطوف وألقى عليه قطيفة ، فرجع الحمار وإنه لهملاج ما يساير (2) .
  ومن ذلك : أنه أقبل من الحديبية ، وفي الطريق ماء يخرج من وشل بقدر ما يروي الراكب والراكبين ، فقال : من سبقنا إلى الماء فلا يستقين منه .
  فلما انتهى إليه دعا بقدح فتمضمض فيه ثم صبه في الماء ، ففاض الماء فشربوا وملؤوا أدواتهم ومياضيهم وتوضؤوا ، فقال النبي عليه السلام : لئن بقيتم ، او بقي منكم ، ليتسعن بهذا الوادي بسقي ما بين يديه من كثرة مائه ، فوجدوا ذلك كما قال (3) .
  ومن ذلك : إخباره عن الغيوب ، وما كان ومايكون ، فوجد ذلك موافقا لما يقول .
  ومن ذلك : أنه أخبر صبيحة الليلة التى أسري به ، بما رأى في سفره ، فانكر ذلك بعض وصدقه بعض ، فأخبرهم بما رأى من المارّة والممتارة وهيآتهم ومنازلهم ومامعهم من الأمتعة ، وأنه رأى عيراً أمامها بعير أورق ، وانه يطلع يوم

------------------------------------
(1) روى نحوه ابن شهراشوب في المناقب 1 : 103 ، ونقله المجلسي في بحاره 17 : 232| 1 .
(2) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 109| 181 ، ونقله المجلسي في بحاره 17 : 233| 1 .
(3) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 109| 182 ، ونقله المجلسي في بحاره 7 1 : 233| 1 .

قــرب الاســنــاد _ 328 _

  كذا من العقبة مع طلوع الشمس ، فغدوا يطلبون تكذيبه للوقت الذي وقّته لمم ، فلما كانوا هناك طلعت الشمس فقال بعضهم : كذب الساحر ، وابصر آخرون بالعير قد أقبلت يقدمها الأورق فقالوا : صدق ، هذه نعم قد أقبلت (1) .
  ومن ذلك : أنه أقبل من تبوك فجهدوا عطشاً ، وبادر الناس إليه يقولون : الماء الماء ، يارسول الله ، فقال لأب هريرة : هل معك من الماء شيء ؟
  قال : كقدر قدح في ميضاتي ، قال : هلم ميضاتك فصب ما فيه في قدح ودعا واوعاه وقال : ناد : من أراد الماء فأقبلوا يقولون : الماء يارسول الله ، فما زال يسكب وأبو هريرة يسقي حتى روي القوم اجمعون ، وملؤوا ما معهم ، ثم قال لأبي هريرة : اشرب ، فقال : بل آخركم شرباً فشرب رسول الله صلّى الله عليه واله ، وشرب (2) .
  ومن ذلك : أن اُخت عبد الله بن رواحة الأنصاري مرت به أيام حفرهم الخندق ، فقال لها : إلى أين تريدين ؟ قالت : إلى عبد الله بهذه التمرات ، فقال : هاتيهن .
  فنثرت في كفه ، ثم دعا بالأنطاع وفرقها عليها وغطّاها بالاُزر وقام وصلى ، ففاض التمر على الأنطاع ، ثم نادى : هلموا وكلوا ، فاكلوا وشبعوا وحملوا معهم ودفع ما بقي إليها (3) .
  ومن ذلك : أنه كان في سفر فأجهدوا جوعاً ، فقال : من كان معه زاد فليأتنا به ، فأتاه نفر منهم بمقدار صاع ، فدعا بالازر والأنطاع ، ثم صفف التمر عليها ، ودعا ربه ، فأكثر الله ذلك التمر حتى كان أزوادهم إلى المدينة (4) .

------------------------------------
(1) روى نحوه الراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 141| 228 ، وا لطبرسي في اعلام ا لورى : 78 ، 233| 1 .
(2) نقله المجلسي في بحاره 17: 234| 1 . (3) اورد نحوه البيهقي في دلائل النبوة 3 : 427 ، ورواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 110| 183 ، ونقله المجلسي في بحاره 17 : 234| 1 .
(4) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 110| 184 ، ونقله المجلسي في البحار 17 : 233| 1 .

قــرب الاســنــاد _ 329 _

  ومن ذلك : أنه أقبل من بعض أسفاره فأتاه قوم فقالوا : يا رسول الله ، إن لنا بئراً إذا كان القيظ اجتمعنا عليها ، وإذا كان الشتاء تفرقنا على مياه حولنا ، وقد صار من حولنا عدواً لنا ، فادع الله في بئرنا ، فتفل صلّى الله عليه وآله في بئرهم ، ففاضت المياه المغيبة فكانوا لا يقدرون ان ينظروا الى قعرها ـ بعدُ ـ من كثرة مائها .
  فبلغ ذلك مسيلمة الكذاب فحاول ذلك في قليب قليل ماؤه ، فتفل الأنكد في القليب فغار ماؤه وصار كالجبُوب (1) (2) .
  ومن ذلك : أن سراقة بن جعشم حين وجّهه قريش في طلبه ، ناوله نبلاً من كنانته ، وقال له : ستمر برعاتي فاذا وصلت اليهم فهذا علامتي ، أطعم عندهم واشرب ، فلما انتهى إليهم أتوه بعنز حائل ، فمسح صلّى الله عليه واله ضرعها فصارت حاملاً ودرت حتى ملؤوا الاناء وارتووا ارتواءاً (3) .
  ومن ذلك : أنه نزل بأم شريك فأتته بعكة فيها سمن يسير ، فأكل هو وأصحابه ، ثم دعا لها بالبركة ، فلم تزل العكة تصب سمناً ايام حياتها (4) .
  ومن ذلك : أن ام جميل امرأة أبي لهب أتته حين نزلت سورة ( تبت ) ومع النبي صلّى الله عليه وآله أبو بكر بن أبي قحافة ، فقال : يارسول الله ، هذه أم جميل محفظة ـ أي مغضبة ـ تريدك ومعها حجر تريد أن ترميك به ، فقال : إنها لا تراني ، فقالت لأبي بكر : أين صاحبك ؟ قال : حيث شاء الله ، قالت : لقد جئته ، ولو أراه لرميته ، فإنه هجاني ، واللات والعزى إني لشاعرة ، فقال أبو بكر : يارسول

------------------------------------
(1) الجبوب : وجه الارض و الصحاح ـ جبب ـ 1 : 97 .
(2) روى نحوه ابن شهر آشوب في المناقب 1 : 117 ، 118 ، والطبرسي في اعلام الورى : 53 ، ونقله المجلسي في بحاره 17 : 234| 1 .
(3) نقله المجلسي في بحاره 17 : 234| 1 .
(4) روى نحوه ابن شهرآشوب في المناقب 1 : 103 ، ونقله المجلسي في بحاره 17 : 234| 1 .

قــرب الاســنــاد _ 330 _

  الله ، لم ترك ؟ قال : لا ، ضرب الله بيني وبينها حجاباً (1) .
  ومن ذلك : كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين ، مع ما اُعطي من الخلال التي إن ذكرناها لطالت .
  فقالت اليهود : وكيف لنا أن نعلم أنّ هذا كما وصفت ؟
  فقال لهم موسى عليه إلسلام : وكيف لنا أن نعلم أنّ ما تذكرون من آيات موسى على ماتصفون ؟
  قالوا : علمنا ذلك بنقل البررة الصادقين .
  قال لهم : فاعلموا صدق ما أنبأتكم به ، بخبر طفل لقّنه الله من غير تلقين ، ولامعرفة عن الناقلين .
  فقالوا : نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ،وأنكم الأئمة القادة والحجج من عند الله على خلقه .
  فوثب أبو عبد الله عليه السلام فقبل بين عيني ، ثم قال : أنت القائم من بعدي ، فلهذا قالت الواقفة ، إنه حي وإنه القائم ، ثم كساهم أبو عبد الله عليه السلام ووهب لهم وانصرفوا مسلمين ) (2) .
  1229 ـ أحمد بن محمد ، عن أبي قتادة ، عن أبي خالد الزبالي قال :
  قدم أبو الحسن موسى عليه السلام زبالة (3) ومعه جماعة من أصحاب المهدي ، بعثهم المهدي في إشخاصه إليه ، وأمرني بشراء حوائج له ، ونظر إلي وأنا مغموم فقال :
  ( يابا خالد ، مالي أراك مغموماً ) ؟ قلت : جعلت فداك ، هو ذا تصير إلى هذا الطاغية ، ولا آمنه عليك .
  فقال ( يابا خالد ، ليس عليّ منه بأس ، إذا كانت سنة كذا وكذا وشهر

------------------------------------
(1) روى نحوه الطبرسي في اعلام الورى : 57 ، ونقله المجلسي في بحاره 17 : 235| 1 .
(2) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 111| 186 ونقله المجلسي في بحاره 17 : 235| 1 .
(3) زبالة : موضع في طريق الكوفة الى مكة ، وهي قرية عامرة ، معجم البلدان 3 : 129 .

قــرب الاســنــاد _ 331 _

  كذا وكذا فانتظرني في أول الميل ، فإني أوافيك إن شاء الله ) .
  قال : فما كانت لي همة إلا إحصاء الشهور والأيام ، فغدوت إلى أول الميل في اليوم الذي وعدني ، فلم أزل انتظره إلى أن كادت الشمس أن تغيب فلم أر أحداً ، فشككت فوقع في قلبي أمر عظيم ، فنظرت قرب الميل فإذا سواد قد رفع ، قال : فانتظرته فوافاني أبو الحسن عليه السلام أمام القطار على بغلة له ، فقال : ( إيه يابا خالد ) قلت : لبيك جعلت فداك قال : ( لا تشكن ، ودّ والله الشيطان أنك شككت قلت : قد كان والله ذلك جعلت فداك قال : فسررت بتخليصه وقلت : الحمد لله الذي خلّصك من الطاغية .
  فقال : ( يابا خالد ، إن لهم إلي عودة لا أتخلص منهم ) (1) .
  1230 ـ أحمد بن محمد ، عن الحسين بن موسى بن جعفر عليه السلام ، عن اُمه قالت : كنت أغمز قدم أبي الحسن عليه السلام وهو نائم مستقبلاً في السطح ، فقام مبادراً يجر إزاره مسرعاً فتبعته فإذا غلامان له يكلمان جاريتين له وبينهما حائط لايصلان إليهما ، فتسمّع عليهما ثم التفت إلي فقال : ( متى جئت هاهنا ) ؟
  فقلت : حيث قمت من نومك مسرعاً فزعت فتبعتك .
  قال : ( ألم تسمعي الكلام ) ؟
  قلت : بلى ، فلما أصبح بعث الغلامين إلى بلد ، وبعث بالجاريتين إلى بلد آخر ، فباعهم (2) .
  1231 ـ أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشا قال : حججت أيام خالي إسماعيل بن إلياس ، فكتبنا إلى أبي الحسن الأول عليه السلام ، فكتب

------------------------------------
(1) رواه الراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 315| 8 باختلاف يسير ، والطبرسي في اعلام الورى : 346 ، ونقله المجلسي في البحار 48 : 228| 32 .
(2) نقله المجلسي في البحار 48 : 119| 38 .

قــرب الاســنــاد _ 332 _

  خالي : إن لي بنات وليس لي ذكر ، وقد قلّ رجالنا ، وقد خلفتُ امرأتي وهي حامل ، فادع الله أن يجعله غلاماً ، وسمّه .
  فوقّع في الكتاب : ( قد قضى الله تبارك وتعالى حاجتك ، وسمّه محمداً )
  فقدمنا الكوفة وقد ولد لي غلام قبل دخول الكوفه بستة أيام ، ودخلنا يوم سابعه ، قال أبو محمد : فهو والله اليوم رجل له أولاد (1) .
  1232 ـ محمد بن الحسين ، عن علي بن جعفر بن ناجية انه كان اشترى طيلساناً طرازياً أزرق بمائة درهم ، وحمله معه إلى أبي الحسن الأول عليه السلام ولم يعلم به أحد ، وكنت أخرج أنا مع عبد الرحمن بن الحجاج ، وكان هو إذ ذاك قيّماً لأبي الحسن الأول عليه السلام ، فبعث بما كان معه ، فكتب : ( اطلبوا لي ساجاً (2) طرازياً (3) أزرق ) فطلبوه بالمدينة فلم يوجد عند أحد ، فقلت له : هو ذا هو معي ، وماجئت به إلا له ، فبعثوا به إليه وقالوا له : أصبناه مع علي بن جعفر .
  ولما كان من قابل اشتريت طيلساناً مثله وحملته معي ولم يعلم به أحد ، فلما قدمنا المدينة أرسل إليهم : ( اطلبوا لي طيلساناً مثله مع ذلك الرجل ) فسألوني فقلت : هو ذا هو معي ، فبعثوا به إليه (4) .
  1233 ـ محمد بن الحسين ، عن علي بن جعفر بن ناجية ، عن عبد الرحمن ابن الحجاج قال : استقرضت من غالب ـ مولى الربيع ـ ستة آلاف درهم ، تمت بها بضاعتي ، ودفع إلي شيئاً أدفعه إلى أبي الحسن الأول وقال : إذا قضيت من الستة الاف درهم حاجتك فادفعها أيضاً إلى أبي الحسن .
  فلما قدمت المدينة بعثت إليه بما كان معي ، والذي من قبل غالب ، فأرسل

------------------------------------
(1) نقله المجلسي في البحار 48 : 43| 21 .
(2) الساج : الطيلسان الأخضر ( الصحاح ـ سوج ـ 1 : 323 ) .
(3) الطراز : الموضع الذي تنسج فيه الثياب الجياد ( النهاية ـ طرز ـ 3 : 119 ) .
(4) نقله المجلسي في البحار 48 : 43| 22 .

قــرب الاســنــاد _ 333 _

  إلي : ( فأين الستة الاف درهم ؟ )
  فقلت : استقرضتها منه وأمرني أن ادفعها إليك ، فإذا بعت متاعي بعثت بها إليك .
  فأرسل إلي : ( عجّلها لنا فإنّا نحتاج إليها ) فبعثت بها إليه (1) .
  1234 ـ محمد بن الحسين قال : حدثني علي بن حسان الواسطي ، عن موسى بن بكر قال : دفع إلي أبو الحسن الأول عليه السلام رقعة فيها حوائج وقال لي : ( اعمل بما فيها ) .
  فوضعتها تحت المصلى وتوانيت عنها ، فمررت فإذا الرقعة في يده ، فسألني عن الرقعة ، فقلت : في البيت ، فقال : ( يا موسى ، إذا أمرتك بالشيء فاعمله ، وإلا غضبت عليك ) فعلمت أن الذي دفعها إليه بعض صبيان الجن (2) .
  1235 ـ محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن علي بن سويد السائي ، قال : كتب إلي أبو الحسن الاول عليه السلام في كتاب :
  ( إن أول ما أنعى إليك نفسي في لياليَّ هذه ، غير جازع ولانادم ، ولاشاك فيما هو كائن مما قضى الله وحتم ، فاستمسك بعروة الدين (3) آل محمد صلوات الله عليه وعليهم ، والعروة الوثقى الوصي بعد الوصي ، والمسالمة والرضى بما قالوا ) (4) .
  1236 ـ محمد بن ـ عيسى ، عن الحسن بن محمد بن يسار قال : حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع (5) من العامة ، ممن كان يقبل منه قال : قال لي : قد

------------------------------------
(1) نقله المجلسي في البحار 48 : 44| 23 .
(2) نقله المجلسي في البحار 48 : 44| 24 .
(3) في نسخة ( م ) : البيت .
(4) نقله المجلسي في البحار 48 : 229| 34 .
(5) قطيعة الربيع : محلة من محلات بغداد ، وهي منسوبة الى الربيع بن يونس حاجب المنصور ومولاه ( معجم البلدان 4 : 377 ) .

قــرب الاســنــاد _ 334 _

  رأيت بعض من يقولون بفضله من أهل هذا البيت ، فما رأيت مثله قط في نسكه وفضله .
  قال : قلت : وكيف رأيته ؟
  قال : جمعنا أيام السندي بن شاهك من الوجوه ممن ينسب إلى الخير ، فأدخلنا على موسى بن جعفر عليه السلام ، فقال لنا السندي : ياهؤلاء انظروا إلى هذا الرجل ، هل حدث فيه حدث ؟ فإن الناس يزعمون أنه قد فعل به ، ويكثرون في ذلك ، وهذا منزله وفرشه موسع عليه غير مضيّق ، ولم يرد به أمير المؤمنين شراً ، وإنما ينتظر به أن يقدم فيناظره أمير المؤمنين ،وها هو ذا صحيح موسع عليه في جميع أمره فاسألوه .
  فقال ـ ونحن ليس لنا هَمّ إلا النظر إلى الرجل وإلى فضله وسمته ـ قال : فقال : ( أما ما ذكر من التوسعة وما أشبه ذلك فهو على ماذكر ، غير أني اُخبركم ـ أيها النفر ـ أني قد سقيت السم في سبع تمرات ، وأني أخضر غداً وبعد غد أموت ) .
  فنظرت إلى السندي بن شاهك يرتعد ويضطرب مثل السعفة .
  قال الحسن : وكان هذا الشيخ من خيار العامة ، شيخ صدق (1) مقبول القول ، ثقة ثقة جداً عند الناس (2) .
  1237 ـ محمد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيسى شلقان قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا اُريد أن أسأله عن أبي الخطاب ، فقال لي مبتدئاً قبل أن أجلس :
  ( ياعيسى ، مامنعك ان تلقى ابني فتسأله عن جميع ما تريد ؟ )
  قال عيسى : فذهبت إلى العبد الصالح عليه السلام وهو قاعد في الكُتّاب

------------------------------------
(1) فى هامش ( م ) : صدوق .
(2) رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 96| 2 وفي الامالي : 128| 20 ، وفيهما : تسع تمرات بدل سبع تمرات ، ونقله المجلسي في بحاره 48 : 213| 11 .

قــرب الاســنــاد _ 335 _

  وعلى شفتيه اثر المادد ، فقال مبتدئاً .
  يا عيسى ، إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين على النبوة فلم يتحولوا عنها أبداً ، وأخذ ميثاق الوصيين على الوصية ، فلم يتحولوا عنها أبداً ، وأعار قوماً الإيمان زماناً ثم سلبهم إياه ، وإن أبا الخطاب ممن اُعير الإيمان ثم سلبه الله ) .
  فضممته إلي وقبلت بين عينيه ، ثم قلت : بأبي أنت وأمي ، ( ذُرِّيةً بَعضُها مِن بَعضء والله سَمِيعٌ عَليمٌ ) (1) .
  ثم رجعت إلى أبي عبد الله عليه السلام فقال لي : ( ما صنعت ياعيسى ؟ ) .
  فقلت له : بأبي أنت وأمي أتيته فأخبرني مبتدئاً من غير أن أسأله ، عن جميع ما أردت أن أسأله عنه ، فعلمت والله عند ذلك أنه صاحب هذا الأمر .
  فقال : ( ياعيسى ، إن ابني هذا الذي رأيت ، لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم ) .
  ثم أخرجه ذلك اليوم من الكتاب ، فعلمت ذلك اليوم أنه صاحب هذا الأمر (2) .
  1238 ـ محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن أبي حمزة قال :
  كنت عند أبي الحسن عليه السلام إذ دخل عليه ثلاثون مملوكاً من الحبش ،وقد اشتروهم له ، فكلم غلاماً منهم ـ وكان من الحبش جميلاً ـ فكلمه بكلامه ساعة ، حتى أتى على جميع ما يريد وأعطاه درهماً فقال : ( اعط أصحابك هؤلاء ، كل غلام منهم كل هلال ثلاثين درهماً ) .
  ثم خرجوا فقلت : جعلت فداك ، لقد رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية ،

------------------------------------
(1) آل عمران 3 : 34 .
(2) روى صدره ابن شهرآشوب في المناقب 4 : 293 ، ونقله المجلسي في البحار 48 : 24| 40 .

قــرب الاســنــاد _ 336 _

  فماذا أمرته ؟
  قال : ( أمرته أن يستوصي بأصحابه خيراً ، ويعطيهم في كل هلال ثلاثين درهما ، وذلك أني لما نظرت إليه علمت أنه غلام عاقل من أبناء ملكهم ، فأوصيته بجميع ما أحتاج إليه ، فقبل وصيتي ، ومع هذا غلام صدق ) .
  ثم قال : ( لعلك عجبت من كلامي إياه بالحبشية ؟ لاتعجب فما خفي عليك من أمر الإمام أعجب وأكثر ، وما هذا من الإمام في علمه إلا كطير أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء ، أفترى الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئاً ؟ قال : فإن الإمام بمنزلة البحر لاينفد ماعنده ، وعجائبه أكثر من ذلك ، والطيرحين أخذ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئاً ، كذلك العالم لاينقصه علمه شيئاً ، ولاتنفد عجائبه ) (1) .
  1239 ـ أحمد بن محمد ، عن أحمد بن أبي محمود الخراساني ، عن عثمان ابن عيسى قال : رأيت أبا الحسن الماضي عليه السلام في حوض من حياض ما بين مكة والمدينة ، عليه إزار وهو في الماء ، فجعل يأخذ الماء في فيه ثم يمجه وهو يصفر .
  فقلت : هذا خير من خلق الله في زمانه ، ويفعل هذا !
  ثم دخلت عليه بالمدينة فقال لي ( أين نزلت ؟ ) .
  فقلت له : نزلت أنا ورفيق لي في دار فلان .
  فقال : ( بادروا وحولوا ثيابكم واخرجوا منها الساعة ) .
  قال : فبادرت وأخذت ثيابنا وخرجنا ، فلما صرنا خارجاً من (2) الدار انهارت الدار (3) .

------------------------------------
(1) روى مثله الراوندي في الخرائج 1 : 312| 5 ، ونقله المجلسي في البحار 48 : 100| 3 .
(2) في هامش ( م ) : عن .
(3) نقله المجلسي في البحار 48 : 44| 25 و 79 : 265| 3 .

قــرب الاســنــاد _ 337 _

  1240 ـ موسى بن جعفر البغدادي ، عن الوشا ، عن علي بن أبي حمزة قال : سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام يقول : ( لا والله ، لايرى أبو جعفر (1) بيت الله أبداً ) .
  فقدمت الكوفة فأخبرت أصحابنا ، فلم يلبث أن خرج ، فلما بلغ الكوفة قال لي اصحابنا في ذلك فقلت : لا والله ، لايرى بيت الله أبداً ، فلما صار إلى البستان اجتمعوا أيضاً إليّ فقالوا : بقي بعد هذا شيء ؟ ! قلت : لا والله لايرى بيت الله أبداً ، فلما نزل بئر ميمون أتيت أبا الحسن عليه السلام فوجدته في المحراب ، قد سجد فأطال السجود ، ثم رفع رأسه إليّ فقال : ( اخرج فانظر مايقول الناس ) .
  فخرجت فسمعت الواعية على ابي جعفر ، فرجعت فأخبرته فقال : ( الله أكبر ، ماكان ليرى بيت الله أبداً ) (2) .
  1241 ـ الحسن بن علي بن النعمان ، عن عثمان بن عيسى ، عن إبراهيم ابن عبد الحميد قال : كتب إليّ أبو الحسن ـ قال عثمان بن عيسى : وكنت حاضرا بالمدينة : ( تحول عن منزلك ) .
  فاغتم بذلك ، وكان منزله منزلاً وسطاً بين المسجد والسوق ، فلم يتحول .
  فعاد اليه الرسول : تحول عن منزلك ، فبقي .
  ثم عاد إليه الثالثة : تحول عن منزلك ، فذهب وطلب منزلاً ، وكنت في المسجد ولم يجىء إلى المسجد إلا عتمة ، فقلت له : ماخلفك ؟
  فقال : ماتدري ما أصابني اليوم ؟
  قلت : لا .

------------------------------------
(1) هو أبو جعفر الدوانيقي .
(2) نقله المجلسي في البحار 48 : 45| 27 .

قــرب الاســنــاد _ 338 _

  قال : ذهبت أستقي الماء من البئر لأتوضأ ، فخرج الدلو مملوءاً خرءاً ، وقد عجنّا وخبزنا بذلك الماء ، فطرحنا خبزنا وغسلنا ثيابنا ، فشغلني عن المجيء ، ونقلت متاعي إلى المنزل الذي اكتريته ، فليس بالمنزل إلا الجارية ، الساعة أنصرف واخذ بيدها .
  فقلت : بارك الله لك ، ثم افترقنا ، فلما كان سحر تلك الليلة خرجنا إلى المسجد فجاء فقال : ماترون ماحدث في هذه الليلة ؟
  قلت : لا .
  قال : سقط والله منزلي السفلي والعلوي (1) .
  1242 ـ الحسن بن علي بن النعمان ، عن عثمان بن عيسى قال : قال أبو الحسن عليه السلام لإبراهيم بن عبد الحميد ـ ولقيه سحراً ، وإبراهيم ذاهب إلى قبا ، وأبو الحسن عليه السلام داخل إلى المدينة ـ فقال : ( يا إبراهيم ) .
  فقلت : لبيك .
  فقال : ( إلى أين ؟ ) .
  قلت : إلى قبا .
  فقال : ( في أي شيء ؟ ) .
  فقلت : إنا كنا نشتري في كل سنة هذا التمر ، فأردت أن اتي رجلاً من الأنصار فأشتري منه من الثمار .
  فقال : ( وقد أمنتم الجراد ) .
  ثم دخل ومضيت أنا ، فأخبرت أبا العز فقال : لا والله لا أشتري العام نخلة ، فما مرت بنا خامسة حتى بعث الله جراداً فأكل عامة مافي النخل (2) .

------------------------------------
(1) نقله المجلسي في البحار 48 : 45| 29 .
(2) نقله المجلسي في البحار 48 : 46| 30 .

قــرب الاســنــاد _ 339 _

  1243 ـ الحسن بن علي بن النعمان ، عن عثمان بن عيسى قال : وهب رجل جارية لابنه فولدت منه أولاداً، فقالت الجارية بعد ذلك : قد كان أبوك وطأني قبل أن يهبني لك ، فسأل أبو الحسن عليه السلام عنها فقال : ( لاتصدق ، إنما نفرت من سوء خلقه ) .
  فقيل ذلك للجارية فقالت : صدق والله ، ما هربت إلا من سوء خلقه (1) .
  1244 ـ محمد بن خالد الطيالسي ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام ، قال : دخلت عليه فقلت له : جعلت فداك ، بم يعرف الإمام ؟
  فقال ( بخصال ، اما اولاهن فشيء لّقدم من أبيه فيه وعرفه الناس ونصبه لهم علماً ، حتى يكون حجة عليهم ، لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله نصب علياً عليه السلام علماً وعرفه الناس ، وكذلك الأئمة يعرفونهم الناس وينصبونهم لهم حتى يعرفوه ، ويُسئل فيجيب ، ويسكت عنه فيبتدئ ، ويخبر الناس بما في غد ، ويكلم الناس بكل لسان ) .
  وقال لي : ( يا با محمد ، الساعة قبل أن تقوم أعطيك علامة تطمئن إليها ) .
  فوالله مالبثت أن دخل علينا رجل من أهل خراسان ، فتكلم الخراساني بالعربية فأجابه هو بالفارسية ، فقال له الخراساني : أصلحك الله ، ما منعني أن أكلمك بكلامي إلا أني ظننت أنك لا تحسن .
  فقال : ( سبحان الله ، إذا كنت لا اُحسن اُجيبك ، فما فضلي عليك ؟ ! ثم قال : يا بامحمد ، إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ، ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه روح ، بهذا يعرف الإمام فإن لم تكن فيه هذه الخصال فليس هو

------------------------------------
(1) روى الكليني في الكافي 5 : 566| 44 ، نحوه ، ونقله المجلسي في البحار 48 : 46| 32 .

قــرب الاســنــاد _ 340 _

  بإمام ) (1) .
  1245 ـ أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن موسى بن بكر قال :
  قال لي أبو الحسن الأول عليه السلام : ( من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه وعياله ، كان كالمجاهد في سبيل الله ، فإن غُلب فليستدن على الله وعلى رسوله صلّى الله عليه واله وسلم ما يقوت به عياله ، فإن مات ولم يقض كان على الإمام قضاؤه ، فإن لم يقضه كان عليه وزره ، إن الله تبارك وتعالى يقول : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ( الى قوله تعالى ) والغارمين ) (2) فهو فقير مسكين مغرم ) (3) .
  1246 ـ أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن سليمان بن اذينة قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل ، فأخر الغسل حتى طلع الفجر .
  فكتب إليّ بخطه ـ أعرفه ـ مع مصادف : ( يغتسل من جنابته ، ويتم صومه ، ولاشيء عليه ) (4) .
  1247 ـ أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سهل بن اليسع الأشري ، عن أبيه قال : سألت أبا الحسن الأول عليه السلام

------------------------------------
(1) روى الكليني في الكافي 1 : 225| 7 ، والراوندي في الخرائج 1 : 333| 24 ، وابن شهراشوب في المناقب 4 : 299، نحوه ، والمفيد في الارشاد : 293 ، والطبري في دلائل الامامة : 169 باختلاف يسير ، ونقله المجلسي في البحار 48 : 47| 33 .
(2) التوبة 9 : 6 .
(3) رواه الكليني في الكافي 5 : 93| 3 ، والشيخ في التهذيب 6 : 184| 381 ، ونقله المجلسي في بحاره 103 : 3| 6 .
(4) رواه الشيخ في التهذيب 4 : 210| 609 وفي الاستبصار 2 : 85| 265 ، ونقله المجلسي في البحار 96 : 287| 4 .

قــرب الاســنــاد _ 341 _

  عن رجل أتى أهله في شهر رمضان وهو مسافر .
  قال : ( لا بأس ) (1) .
  1248 ـ أحمد بن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن سعدان بن مسلم قال :
  كتبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : إني جعلت عليّ صيام شهر بمكة وشهر بالمدينة وشهر بالكوفة ، فصمت ثمانية عشر يوماً بالمدينة ، وبقي عليّ شهر بمكة ، وشهر بالكوفة ، وتمام الشهر بالمدينة .
  فكتب : ( ليس عليك شيء ، صم في بلادك حتى تتمه ) (2) .

------------------------------------
(1) رواه الكليني في الكافي 4 : 133 | 2 ، والشيخ في التهذيب 4 : 241| 707 وفي الاستبصار 2 : 105| 344 ، ونقله المجلسي في البحار 96 : 321| 1 .
(2) روى الكليني في الكافي 4 : 141| 4 ، والشيخ في التهذيب 4 : 312| 945 ، نحوه ، ونقله المجلسي في البحار 96 : 335| 2 .

قــرب الاســنــاد _ 342 _

باب قرب الإسناد عن الرضا عليه السلام
  1249 ـ حدثني الريان بن الصلت قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : ( كان رسول الله صلّى الله عليه واله إذا وجّه جيشاً فاتهم اميراً ، بعث معه من ثقاته من يتجسس له خبره ) (1) .
  1250 ـ وحدثني الريان بن الصلت قال : قلت للرضا عليه السلام : إن العباسي أخبرني أنك رخصت في سماع الغناء .
  فقال : ( كذب الزنديق ، ماهكذا كان ، إنما سألني عن سماع الغناء فأعلمته أن رجلاً أتى أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام فسأله عن سماع الغناء ، فقال له :
  أخبرني إذا جمع الله تبارك وتعالى بين الحق والباطل ، مع أيهما يكون الغناء ؟ فقال الرجل : مع الباطل ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : حسبك فقد حكمت على نفسك ، فهكذا كان قولي له ) (2) .
  1251 ـ وحدثني الريان بن الصلت قال : كنت بباب الرضا عليه السلام بخراسان ، فقلت لمعمر : إن رأيت أن تسأل سيدي أن يكسوني ثوباً من ثيابه ، ويهب لي من الدراهم التي ضربت باسمه .

------------------------------------
(1) نقله المجلسي في البحار 100 : 61| 2 .
(2) رواه الصدوق في عيون اخبار الرضا عليه السلام 2 : 14| 32 ، والشيخ في اختيار معرفة الرجال 2 : 791| 957 باختلاف يسير ، ونقله المجلسي في البحار 79 : 242| 11 .

قــرب الاســنــاد _ 343 _

  فأخبرني معمر أنه دخل على أبي الحسن الرضا عليه السلام من فوره ذلك ، قال : فابتدأني أبو الحسن عليه السلام فقال : ( يامعمر ، ألا يريد الريان أن نكسوه من ثيابنا أو نهب له من دراهمنا ؟ ) .
  قال : فقلت له : سبحان الله ، هذا كان قوله لي الساعة بالباب .
  قال : فضحك ، ثم قال : ( إن المؤمن موفق ، قل له فليجئني ) .
  فأدخلني عليه ، فسلمت فرد عليَّ السلام ، ودعا لي بثوبين من ثيابه فدفعهما إليّ ، فلما قمت وضع في يدي ثلاثين درهماً (1) .
  1252 ـ وحدثني الريان قال : دخلت على العباسي يوماً ، فطلب دواةَ وقرطاساً بالعجلة ، فقلت : ما لك ؟
  فقال : سمعت من الرضا عليه السلام أشياء أحتاج أن اكتبها لا أنساها ، فكتبها فما كان بين هذا وبين أن جاءني بعد جمعة في وقت الحر ـ وذلك بمرو ـ فقلت : من أين جئت ؟
  فقال : من عند هذا .
  قلت : من عند المأمون ؟
  قال : لا .
  قلت : من عند الفضل بن سهل ؟
  قال : لا ، من عند هذا .
  فقلت : من تعني ؟
  قال : من عند علي بن موسى .
  فقلت : ويلك خذلت إيش قصتك ؟

------------------------------------
(1) روى الصدوق في عيون اخبار الرضا عليه السلام 2 : 211| 17 ، مضونه ، والطبرسي في اعلام الورى : 363 ، وابن شهر آشوب في المناقب 4 : 340 نحوه ، ونقله المجلسي في البحار 49 : 29| 1 .

قــرب الاســنــاد _ 344 _

  فقال : دعني من هذا ، متى كان اباؤه يجلسون على الكراسي حتى يبايع لهم بولاية العهد كما فعل هذا ؟
  فقلت : ويلك استغفر ربك .   فقال : جاريتي فلانة أعلم منه ، ثم قال : لو قلت برأسي هكذا لقالت الشيعة برأسها .
  فقلت : أنت رجل ملبوس عليك ، إن من عقد الشيعة ان لو رأوه وعليه إزار مصبوغ وفي عنقه كَبَر يضرب حول هذا العسكر ، لقالوا ماكان في وقت من الأوقات أطوع لله جل وعن من هذا الوقت ، وما وسعه غير ذلك ، فسكت ثم كان يذكره عندي وقتا بعد وقت .
  فدخلت على الرضا عليه السلام فقلت له : إن العباس يسمعني فيك ويذكرك ، وهو كثيراً ماينام عندي ويقيل ، فترى أن آخذ بحلقه وأعصره حتى يموت ، ثم أقول : مات ميتة فجأة .
  فقال ، ونفض يديه ثلاث مرات :( لا يا ريان ، لا يا ريان ، لا يا ريان ) .
  فقلت له : إن الفضل بن سهل هو ذا يوجهني إلى العراق في أمور له ، والعباس خارج بعدي بأيام الى العراق ، فترى ان اقول لمواليك القميين ان يخرج منهم عشرون ثلاثون رجلاً كأنهم قاطعو طريق أو صعاليك ، فإذا اجتاز بهم قتلوه ، فيقال : قتله الصعاليك .
  فسكت فلم يقل لي : نعم ولا لا .
  فلما صرت الى الحوان (1) بعثت فارساً إلى زكريا بن آدم ، وكتبت إليه : إنّ

------------------------------------
(1) كذا وفي هامش( م ) الجراد .

قــرب الاســنــاد _ 345 _

  هاهنا أموراً لايحتملها الكتاب ، فإن رأيت أن تصير إلى مشكوة (1) في يوم كذا وكذا ، لأوافيك بها إن شاء الله .
  فوافيت وقد سبقني إلى مشكوة (2) ، فأعلمته الخبر وقصصت عليه القصة ، وأنه يوافي هذا الموضع يوم كذا وكذا ، فقال : دعني والرجل ، فودعته وخرجت .
  ورجع الرجل إلى قم وقد وافاها معمر ، فاستشاره فيما قلت له ، فقال له معمر : لا تدري سكوته أمر أو نهي ، ولم يأمرك بشيء فليس الصواب أن تتعرض له ، فأمسك عن التوجه إليه زكريا ، واجتاز العباسي الجادة وسلم منه (3) .
  1253 ـ وحدثني محمد بن عيسى قال : أتيت ـ أنا ويونس بن عبد الرحمن ـ باب الرضا عليه السلام ، وبالباب قوم قد استأذنوا عليه قبلنا ، واستأذنا بعدهم ، وخرج الإذن فقال : ادخلوا ويتخلف يونس ومن معه من آل يقطين .
  فدخل القوم وتخلفنا ، فما لبثوا أن خرجوا واُذن لنا ، فدخلنا فسلمنا عليه فرد السلام ثم أمرنا بالجلوس ، فقال له يونس بن عبد الرحمن : ياسيدي ، تأذن لي أن أسألك عن مسألة ؟
  فقال له :( سل ) .
  فقال له يونس : أخبرني عن رجل من هؤلاء مات وأوصى أن يدفع من ماله فرس وألف درهم وسيف إلى رجل يرابط عنه ويقاتل في بعض هذه الثغور فعمد الوصي فدفع ذلك كله إلى رجل من أصحابنا ، فأخذه وهو لايعلم أنه لم يأت لذلك وقت بعد ، فما تقول : أيحل له أن يرابط عن هذا الرجل في بعض هذه الثغور أم لا ؟
  فقال : ( يرد على الوصي ما أخذ منه ، ولايرابط ، فإنه لم يأن لذلك وقت بعد ،

------------------------------------
(1 ، 2) في هامش ( م ) : مكسوة .
(3) نقله المجلسي في البحار 49 : 263| 7 .

قــرب الاســنــاد _ 346 _

  فقال : يرده عليه ) .
  فقال يونس : فإنه لايعرف الوصي ، ولايدري أين مكانه .
  فقال له الرضا عليه السلام : ( يسأل عنه ) .
  فقال له يونس بن عبد الرحمن : فقد سأل عنه فلم يقع عليه ، كيف يصنع ؟
  فقال : ( إن كان هكذا فليرابط ولا يقاتل ) .
  فقال له يونس : فإنه قد رابط وجاءه العدو وكاد أن يدخل عليه في داره ، فما يصنع : يقاتل أم لا ؟
  فقال له الرضا عليه السلام : ( إذا كان ذلك كذلك فلا يقاتل عن هؤلاء ، ولكن يقاتل عن بيضة الإسلام ، فإن في ذهاب بيضة الإسلام دروس ذكر محمد عليه السلام ) .
  فقال له يونس : ياسيدي ، إن عمك زيداً قد خرج بالبصرة وهو يطلبني ، ولا امنه على نفسي فما ترى لي أخرج إلى البصرة أو أخرج إلى الكوفة ؟
  قال : ( بل اخرج إلى الكوفة ، فإذا فصرإلى البصرة ) .
  قال : فخرجنا من عنده ولم نعلم معنى ( فإذا ) حتى وافينا القادسية ، حتى جاء الناس منهزمين يطلبون يدخلون البدو وهزم أبو السرايا ودخل برقة الكوفة ، واستقبلنا جماعة من الطالبيين بالقادسية متوجهين نحو الحجاز ، فقال لي يونس : ( فإذا ) هذا معناه ، فصار من الكوفة إلى البصرة ولم يبدأه بسوء (1) .
  1254 ـ محمد بن الوليد قال : حدثني حماد بن عثمان قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام ، عن رجل مات وترك اُمه وأخاً .
  فقال : ( يا شيخ ، عن الكتاب تسأل أو عن السنة ؟ ) .
  قال حماد : فظننت أنه يعني عن قول الناس قال : قلت : عن الكتاب .

------------------------------------
(1) نقله المجلسي في بحاره 100 : 62| 1 .

قــرب الاســنــاد _ 347 _

  قال : ( إن علياً عليه السلام كان يورث الأقرب فالأقرب ) (1) .
  1255 ـ معاوية بن حكيم ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : وعدنا أبو الحسن الرضا عليه السلام ليلة إلى مسجد دارمعاوية ، فجاء فسلم .
  فقال : ( إن الناس قد جهدوا على إطفاء نور الله ، حين قبض الله تبارك وتعالى رسوله صلّى الله عليه وآله ، وأبى الله إلا أن يتم نوره .
  وقد جهد علي بن أبي حمزة على إطفاء نور الله حين مضى أبو الحسن الأول عليه السلام ، فأبى الله إلا أن يتم نوره ، وقد هداكم الله لأمر جهله الناس ، فاحمدوا الله على ما من عليكم به ، إن جعفراً كان يقول : فمستقر ومستودع ، فالمستقر : ماثبت من الإيمان والمستودع : المعار وقد هداكم الله لأمر جهله الناس فاحمدوا الله على ما من عليكم به ) (2) .
  1256 ـ معاوية بن حكيم ، عن البزنطي قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : للناس في المعرفة صنع ؟
  قال : ( لا ) .
  قلت : لهم عليها ثواني ؟
  قال : ( يتطول عليهم بالثواب كما يتطول عليهم بالمعرفة ) (3) .
  1257 ـ معاوية بن حكيم ، عن أحمد بن محمد البزنطي قال : سألت أبا الحسن عليه السلام .
  فقال لي : ( اكتب ، قال الله تعالى : يابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء ، وبنعمتي أديت إليّ فرائضي ، وبقدرتي قويت على معصيتي ، خلقتك سميعاً بصيراً ،

------------------------------------
(1) روى نحوه الشيخ الطوسي في التهذيب 9 : 270| 981 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 104 : 334| 10 .
(2) نقله المجلسي في بحاره 49 : 262| 5 .
(3) وروى نحوه ابن شعبة في تحف العقول : 444 ، 445 .

قــرب الاســنــاد _ 348 _

  أنا أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بسيئاتك مني ، لأني لا اُسأل عما أفعل وهم يسألون ، قد نظمت جميع ماسألت عنه ) (1) .
  1258 ـ معاوية بن حكيم ، عن الحسن بن علي ابن بنت إلياس ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : قال لي ابتداءاً ( إن أبي كان عندي البارحة ) .
  قلت : أبوك ؟ !
  قال : ( أبي ) .
  قلت : أبوك ؟ !
  قال :( أبي ) .
  قلت : أبوك ؟ !
  قال : ( في المنام ، إن جعفراً كان يجيء إلى أبي فيقول : يا بني افعل كذا ، يابني افعل كذا ) .
  قال فدخلت عليه بعد ذلك ، فقال لي : ( ياحسن ، إن منامنا ويقضتنا واحدة ) (2) .
  1259 ـ معاويه بن حكيم ، عن الحسن بن علي ابن بنت إلياس قال : قال لي أبو الحسن الرضا عليه السلام بخراسان : ( رأيت رسول الله صلّى الله عليه واله هاهنا والتزمته ) (3) .
  1260 ـ أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : كتبت إلى الرضا عليه السلام : إني رجل من أهل الكوفة ، وأنا وأهل بيتي ندين

------------------------------------
(1) روى الكليني في الكافي 1 : 117| 6 ، والصدوق في التوحيد : 338| 6 نحوه ، ونقله المجلسي في بحاره 5 : 4| 3 .
(2) نقله المجلسي في بحاره 27 : 302| 1 .
(3) نقله المجلسي في بحاره 49 : 87| 5 .

قــرب الاســنــاد _ 349 _

  الله عز وجل بطاعتكم ، وقد احببت لقاءك لأسالك عن ديني ، وأشياء جاء بها قوم عنك بحجج يحتجون بها عليَّ فيك ، وهم الذين يزعمون أن أباك صلّى الله عليه حي في الدنيا لم يمت يقيناً ، ومما يحتجون به أنهم يقولون : إنا سألناه عن أشياء فأجاب بخلاف ماجاء عن آبائه واقربائه كذا ، وقد نفى التقية عن نفسه ، فعليه أن يخشى .
  ثم إن صفوان (1) لقيك فحكى لك بعض أقاويلهم التي سألوك عنها ، فأقررت بذلك ولم تنفه عن نفسك ، ثم أجبته بخلاف ما أجبتهم ، وهو قول آبائك ، وقد أحببت لقاءك لتخبرني لأي شيء اجبت صفوان بما اجبته ، وأجبت اولئك بخلافه ، فإن في ذلك حياة لي وللناس ، والله تبارك وتعالى يقول : ( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ) (2) .
  فكتب : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، قد وصل كتابك إليّ ، وفهمت ما ذكرت فيه من حبك لقائي وما ترجو فيه ، ويجب عليك أن أشافهك في أشياء جاء بها قوم عني ، وزعمت انهم يحتجون بحجج عليكم ويزعمون أني أجبتهم بخلاف ما جاء عن آبائي ، ولعمري مايسمع الصم ولايهدي العمى إلا الله ( من يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) (3) ( انك لاتهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو اعلم بالمهتدين ) (4) .
  وقد قال أبو جعفر : لو استطاع الناس لكانوا شيعتنا أجمعين ، ولكن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق شيعتنا يوم اخذ ميثاق النبيين ،

------------------------------------
(1) في نسخه ( م ) : الصفوان ، وفي هامشها : الصفواني .
(2) المائدة 5 : 32 .
(3) الانعام 6 : 125 .
(4) القصص 28 : 56 .

قــرب الاســنــاد _ 350 _

  وقال أبو جعفر عليه السلام : إنما شيعتنا من تابعنا ولم يخالفنا ، ومن إذا خفنا خاف ، وإذا أمِنّا أمِن ، فاُولئك شيعتنا ، وقال الله تبارك وتعالى : ( فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون ) (1) وقال الله ( وماكان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفرمن كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون ) (2) فقد فرضت عليكم المسألة والرد إلينا ، ولم يفرض علينا الجواب .
  قال الله عزوجل : ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ) (3) يعني من اتخذ دينه رأيه بغير إمام من أئمة الهدى ) .
  فكتبت إليه : إنه يعرض في قلبي مما يروي هؤلاء في أبيك .
  فكتب : ( قال أبو جعفر عليه السلام : ما أحد أكذب على الله وعلى رسوله صلّى الله عليه وآله ممن كذّبنا أهل البيت أو كذب علينا ، لأنه إذا كذّبنا أو كذب علينا فقد كذّب الله ورسوله صلّى الله عليه وآله ، لأنا إنما نحدث عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله .
  قال أبو جعفر عليه السلام ، وأتاه رجل فقال : إنكم أهل بيت الرحمة ، اختصكم الله بها ، فقال أبو جعفر عليه السلام : نحن كذلك ـ والحمد لله ـ لم ندخل أحداً في ضلالة ولم نخرجه عن هدى ، وإن الدنيا لا تذهب حتى يبعث الله منا ـ أهل البيت ـ رجلاً يعمل بكتاب الله جل وعز لايرى منكراً إلا أنكره ) .
  فكتب إليه : جعلت فداك ، إنه لم يمنعني من التعزية لك بأبيك إلا أنه كان

------------------------------------
(1) النحل 16 : 43 ، الا نبياء 21 : 7 .
(2) التوبة 9 : 122 .
(3) القصص 28 : 50 .