بسم الله الرحمن الرحيم

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 5 _
  إلى من قرن الله تعالى طاعتهما بطاعته .
  إلى من درجت في باحة ودهما وحنانهما حتى اشتد عودي واستقام .
  وأنا استمطر في حلك الظلام دعاءهما .
  إلى من أرضعاني صفو الدين ، وغذياني لب الولاية في زمن الجدب السقيم .
  إلى من نأت بي عنهما سطوة الأيام حتى أمستَ ذكراهما كالطيف الناعم يداعب مخيلتي المنهكة .
  إلى والدي صاحب القلب الكبير ، وإلى والدتي الطيبة أهدي هذا الجهد المتواضع .
عـلاء آل جـعـفـر

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 7 _

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق:
  ابتدء بحمد الله والثناء عليه ، رب الأرباب وخالق العباد ، ذو المنوال طول ، الذي أسبغ علينا من النعم ما تنوء الألسن عن عدها ، والأفئدة عن حصرها ، الملك المتعال الذي لا اله إلا هو الرحمن الرحيم .
  والصلاة على رسول الله النبي الأمي ، والرحمة العظيمة ، الذي بلّغ ونصح ، وأدى وبالغ ، فاخرج الله به من خرج من تيه الظلام إلى نور الهدى ، وعلى أهل بيته المعصومين ، حججه على العالمين ، وسبيله إلى النعيم .
أما بعد :
  فليس خافياً على من له شيء من الاطلاع بحيثيات هذا الكتاب ـ الماثل بين يديك أخي القارىء الكريم ـ ما تكتنفه من ملابسات ، وما تعترض الباحث فيه من مشاق وصعوبات كانت هي التي دفعت بالكثير من اخواني وزملائي المحققين إلى الإنحاء باللائمة علي لإقدامي على هذا العمل ، واضطلاعي بتحقيق هذا الكتاب .
  ومما لا ريب فيه أن للجميع عذره كما أن لي العذر أيضاً في ذلك ، فلما يحيط هذا الكتاب من جدل حول معرفة نسخته الحقيقية التي أصبحت نسخ عديدة متفاوتة بالزيادة والنقصان والترتيب والتشكيل ، وانتهاءً بالجدل القائم حول معرفة مؤلف هذا الكتاب والذي تشتت وتشعب ليصل في بعض الأحيان إلى ما يتجاوز

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 8 _

  العشرين احتمالاً أو الأكثر ، يضاف إلى ذلك ما يظهر من جوانب أخرى عند العمل وخلال التحقيق الا أني وبالاتكال على الله تعالى لم أتردد في خوض هذه العباب متسلحا بالصبر والتأني ، وراجياً الثواب من الباري جل اسمه ، والشفاعة من أهلبيت النبوة صلوات الله وسلامه عليهم عند احياء أثر أوشك أن يندرس من آثار علومهم التي لا تنضب .
  وحقاً أقول : إن هذا الكتاب وطوال هذه السنين التي مرت على تأليفه ـ والتي قد تمتد إلى ما يقارب السبعة قرون ـ قد تعرض وبشكل مقصود أوغير مقصود إلى عمليات مسخ وتشويه طالت كثيراً من رواياته وفحواه مضموناً وترتيباً ومجموعا فلا غرابة أن نجد هذا البون الشاسع بين بعض نسخ هذا الكتاب وما هو المعول عليه ، والذي تتفق عليه جملة أخرى منِ النسخ المؤيدة بجملة من الشواهد والدلائل ، ولعل مما يثير الأسى والألم حقاَ أن تجد جهداً أنفق في عمل ما يوشك أن يضيع أدراج الرياح ، وأن يعفو عليه الزمن ، وإن كان لا غرابة في ذلك ، فقد ضاع من هذه الطائفة ولعدم تيسر السبل لها طوال دهور مرار الكثير من الأصول والأثار القيمة التي لم يتبق لنا منها إلا أسماؤها ، ناهيك عن غيرها من التي لم يتبقلنا منها حتى هذا الاسم .

ماذا كتب عن جامع الأخبار ؟؟
  سنحاول في بداية حديثنا أن نستعرض جانباً مما كتبه علماؤنا الأعلام في استعراضهم لهذا الكتاب ، متوخين استلال الجانب الذي يتعرض وبشكل مباشر إلى ما أثير حوله وما قيل فيه .
قال العلامة الخوانساري في روضات الجنات :
  جامع الأخبار ، المعروف المشهور الذي اختلف في مؤلفه ونسخه ، يشمل على أحاديث نادرة كثيرة من الاداب والسنن ، في طي أربعة عشر باباً ، ينفجر منها مائة وثلاثة وعشرون فصلاً ، ولقد أختلف في حجيته نظراً إلى جهالة راويه وغرابة مطاويه ، واشتماله على أخبار المبالغة والارتفاع ، وعدم وجود إسناداً إلى مؤلفه أو عنه (1) .

--------------------------------
(1) روضات الجنات 4 : 225 .

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 9 _

   أقول : قد نجافي الحقيقة إذا أغمضنا عن أمور لا يمكن الاغضاء عنها وسلمنا بما ذهب إليه العلامة الخوانساري ـ رحمه الله ـ ، فبرغم من أن مسالة المبالغة والارتفاع كانت وما زالت موضع خلاف وأخذ ورد بين الكثيرين ، إلا أن الصاق هذا الأمر بكتابنا فيه الكثير من الرد ، فالكثير من الروايات التي قد تكون هي مصدر هذه التهمة تبين لي عند تحقيقي لهذا الكتاب أنها نُقلت من مصادر معتبرة لاغبار عليها ، وهو مما ستتوضح صورته للقارىء الكريم عند مطالعته لمتن الكتاب ، أما عدم وجود الإسناد إلى مؤلفه أو الإسناد في رواياته فهذا الأمر قد يدفعه كون أن معظم هذه الروايات قد نُقلت أيضاً من مصادر معروفة ، أو أن رواياته متكررة في الكثير من مصادر الحديث ، ولا يخفى على القارىء الكريم أن بعضاً من كتب الحديث سبق أن نحت هذا المنحى كما هو في كتاب مكارم الأخلاق للطبرسي ـ رحمه الله ـ ومثله في مشكاة الأنوار لولده ، فيبدو أن كتابنا صنواً لهذين الكتابين ...
وقال صاحب صحيفة الأبرار :
  كتاب جامع الأخبار ، وهو مجموع حسن غير أنه مختلط الأسلوب ونسخه مختلفة ، فإن منها ما رُتب بالفصول فقط ، ومنها ما هو مبوب ، ولكن بين النسختين اختلاف في الزيادة والنقيصة ، والذي يختلج بالبال أنه لم يخرج من المسودة بيد المصنف ، ثم رتبه تلاميذه ، فلذا أخرج كذلك (1) .
وقال العلامة الطهراني في الذريعة :
  جامع الأخبار ، المطبوع مكرِراً من ( 1287 هـ ) حتى اليوم ، المتداول المرتب على مائة واحد وأربعين فصلاَ ، المشهور انتسابه إلى الشيخ الصدوق لكنه مما لا أصل له ، وقد اختلف أقوال الأصحاب في تعيين مؤلفه (2) .
وأضاف ـ رحمه اللهّ ـ في موضع اخر :
  جامع الأخبار المبوب والمرتب على غير ترتيب ما هو المطبوع ، وهو لبعض

--------------------------------
(1) صحيفة الأبرار : 459 .
(2) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 5 : 31|151 .

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 10 _

  المتاخرين عن مؤلف أصله المطبوع ، ذكر في أوله عين خطبة الموضوع ( الحمد لله الأول بلا أول كان قبله ـ إلى قوله ـ يشتمل أبواباً وفصولاً جامعة للزهد ) لكن في المطبوع يشتمل فصولاً فقط ، ثم زاد في الديباجة عدة جمل ليست فيِ المطبوع ، إلى أن ذكر أنه سماه بـ ( جامع الأخبار ) ورتبه على أربعة عشر باباَ ، وفي كل باب عدة فصول على اختلاف في عددها (1) .
  وأما ما قيل عن نسبة هذا الكتاب إلى مؤلف معين فقد تضاربت في ذلك الاراء ، وتشتت فيه الأقوال ، بل إنه يندر أن تجد هذا التضارب البيّن ، والاختلاف الواسع في نسبة مؤلَف إلى مؤلِفه ، وللجميع عذره .
  فقد نسبه منتجب الدين في فهرسه إلى أبي الحسن علي بن أبي سعد بن أبي الفرج الخيّاط (2) .
  ونسبه صاحب رياض العلماء إلى محمد بن محمد الشعيري (3) .
  وقال الأحسائي : قال بعض المشايخ : وقفت على نسخة عتيقة جداً في دار السلطنة أصفهان ، وفيها : تم الكتاب على يد مصنفه الحسن بن محمد السبزواري (4) .
  وأما الحر العاملي ـ رحمه الله ـ فقد نسبه في إثبات الهداة إلى الحسن بن الفضل الطبرسي (5) ، وقال في الايقاظ من الهجعة : كتاب جامع الأخبار للشيخ حسن بن الشيخ أبي علي الطبرسي (6) .
  ولكنه في أمل الآمل تارة ينسبه إلى الحسن بن الفضل بن الحسن الطبرسي ، وتارة أخرى إلى محمد بن محمدا لشعيري (7) .

--------------------------------
(1) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 5: 36| 152 .
(2) فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنفيهم : 121|257 .
(3) رياض العلماء وحياض الفضلاء 5 : 167 .
(4) انطر مقدمة الطبعه الحجرية للكتاب .
(5) إثبات الهداة 1 : 28 .
(6) الإيقاظ من الهجعة : 28 .
(7) أمل الآمل2 :75|203 .


جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 11 _

   وقال العلامة المجلسي ـ رحمه الله ـ ... واخطأ من نسبه إلى الصدوق ، بل يروى عن الصدوق بخمس وسائط ، وقد يظن كونه تأليف مؤلف مكارم الأخلاق ، ويحتمل كونه لعلي بن سعد الخياط ، ويظهر من بعض مواضع الكتاب اسم مؤلفه محمد بن محمد الشعيري (1) .
  وأما الشيخ النوري ـ رحمه الله ـ فقد ذكر في نَفَس الرحمان أنه مردد بين جماعة منهم : الصدوق ، والشيخ أبو الحسن علي بن أبي سعيد بن أبي الفرج الخيّاط ، ومحمد بن محمد الشعيري ، وجعفر بن محمد الدوريستي ، والحسن بن محمد السبزواري ، وأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، وولده أبو نصر الحسن صاحب كتَاب مكارم الأخلاق (2) .
  وأما في خاتمة المستدرك فقد قال : اختلف الأصحاب في مؤلفه ، فنسبه السيد حسين الكركي المفتي إلى الصدوق ، ولا يخفى ما في النسبة من الوهن ، فانه نقل في هذا الكتاب عن سديد محمود الحمصي المتأخر عن الصدوق بطبقات عديدة ، وينقل فيه أيضآَ عن أمالي الشيخ أبي جعفر ، مع بعد وضع الكتاب عن طريقة الصدوق ومؤلفاته ، واحتمل المجلسي في البحار أن يكون مؤلفه الشيخ أبو الحسن علي بن أبي سعيد بن أبي الفرج الخياط (3) .
  وقال العلامة الطهراني ـ رحمه الله ـ بعد حديث طويل عنه : وعلى أي فهو من المائة السادسة أولاً أو آخراً ، فليس داخلاً في التزكية والتوثيق العمومي من الشهيد لأهل المائة الخامسة ، فلا وجه للجزم بدخوله فيهم ، بل سيأتي احتمال كونه في المائة السابعة (4) .
  ثم ذكر رحمه اللهّ أحد عشر رجلاً تبتدىء أسماؤهم بمحمد بن محمد على احتمال أنه كذلك ، وكما ورد في العديد من نسخ الكتاب (5) .

--------------------------------
(1) بحار الأنوار 1 : 13 .
(2) نفس الرحمان : 134 .
(3) خاتمة مستدرك الوسائل ( مخطوط ) .
(4) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 5: 33|151 .
(5) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 5 :35|151 .

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 12 _

   وأما العلامة الخوانساري ـ رحمه اللهّ ـ فبعد أن استعرض جملة من آراء الذين نسبوا الكتاب إلى العديد من المؤلفين قال : ثم إن في بعض المواضع أيضاً نسبته إلى شيخنا المفيد (1) .
   بل ويمكن للباحث أن يجد جملة أخرى من الأراء التي ذهبت إلى نسبة الكتاب لجملة من الأعلام المشهورين في عصور مختلفة ، بل متفاوتة تفاوتاً كبير فيما بينها وبشكل غير معقول ، فحين تجد من نسبه إلى أعلام القرن الرابع ، تجد أيضاً من ينسبه إلى القرن السابع ، بل الثاني أحياناً ، وفي جميعها قول وردّ لايخفى .
  أقول مستعيناً بالله : إني حاولت طوال فترة تحقيق الكتاب أن أعتمد بعض السبل التي قد تمكنني في الوصول إلى ما أبتغيه :
  أولها : محاولة تحديد الفترة الزمنية التي عاصرها مؤلف الكتاب .
  ثانيها : حصر البقعة الجغرافية التي نشأ بها المؤلف ، وجمع فيها هذا الكتاب .
  ثالثها : تحديد النسخة الحقيقية للكتاب باعتماد البعدين السابقين ، وبالاستفادة من الجوانب العلمية والفنية الأخرى .
  رابعها : الاستقصاء ما أمكن لما يوجد من نسخ متفرقة في المكتبات العامة والخاصة ، والاستفادة من مطاويها ، وما يمكن أن يستشف من خلالها من إشارات لابد وأن تكون دليلاً يسترشد به للوصول إلى الهدف المنشود .
  خامسها : الاستفادة ما أمكن مما كتبه علماؤنا الأعلام ـ رحمهم الله تعالى برحمته الواسعة ـ حول هذا الكتاب ، وما احتملوه من آراء فيه وفي نسبته .
  وسنحاول بعون الله تعالى أن نناقش كل هذه السبل متوخين من خلالها التوصل إلى خفايا وملابسات هذا الكتاب .

--------------------------------
(1) روضات الجنات 4 : 227 .

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 13 _

زمان تاليف الكتاب:
  ولغرض معرفة ذلك ينبغي معرفة البعدين الزمنيين : الأكثر والأقل ، وهذا لا يمكن معرفته إلا بتتبع المصادر التي نقل عنها ، والأحداث التي أشار إلى احتمال وقوعهِا ، وفي حصر ما أمكن من تواريخ نسخ مخطوطات الكتاب لتحديد أقدمها تاريخاً .
ونتيجة لذلك فقد تم تثبيت جملة من الملاحظات المهمة وهي :
  1 ـ ينقل المؤلف في متنه عن كتاب روضة الواعظين للشيخ محمد بن الفتال النيسابوري الشهيد في سنة ( 508 هـ ) (1) .
  2 ـ ينقل أيضاً عن أخطب خوارزم المتوفي سنة (568هـ) وعن كتابه الخاص بمقتل آل الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) والذي انتهى من تأليفه سنة ( 544 ـ هـ ) (2) .
  3 ـ نقل عن كتاب أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي الموسوم بـ (مجمع البيان في تفسير القرآن) والذي فرغ من تأليفه سنة (536)(3) .
  4 ـ روي في الفصل المائة ( في الرساتيق ) عن سديد الدين محمود الحمصي بصيغة الغائب ، والتي توحي بوجود فاصلة زمنية بين الاثنين بشكل لا يقبل الشك ، والحمصي هو صاحب كتاب (المنقذ من التقليد) وكان قد فرغ من تأليفه عام ( 581هـ ) ، وهوـ كما يظهرـ كان حياً حتى عام ( 583 هـ )(4) .
  5 ـ وجدته ينقل كثيراً وحرفياً عن كتاب مشكاة الأنوار للشيخ أبي الفضل علي الطبرسي ، حفيد الطبرسي الكبير مؤلف مجمع البيان في تفسير القرآن الكريم .
  وصاحب مشكاة الأنوار كما هو معروف من أعلام أوائل القرن السابع الهجري .

--------------------------------
(1) انظر :ح : 715| 6 .
(2) انظر : ح : 1069| 3 .
(3) انظر : ذيل ح : 127| 7 .
(4) انظر : ذيل ح : 1092| 3 .
5 ـ يمكن للقارىء الكريم أن يجد عند تصفحه لهذا الكتاب الكثير جداً من هذه الروايات والتي أشرت لها في الهامش كما في ح 664 و665 و 666 .

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 14 _

   6 ـ من نتائج الاستقصاء الواسع الذي أجريته لفهارس المكتبات العامة والخاصة حصلت على جملة كبيرة من النسخ الخطية لهذا الكتاب ، ومن خلال حصر التوافق بين هذه النسخ وجدت قسماَ كبيراً منها يتفق على كون الانتهاء من تأليف هذا الكتاب كان في منتصف القرن السابع الهجري وبالتحديد في اليوم السادس من صفر عام 679 هـ ، كما سترى في الجدول المرفق بالمقدمة .
  إذن فمن ملاحظة ما تقدم يظهر بوضوح أن هذا الكتاب ألف يقيناً ـ وعلى أقل تقديرـ بعد منتصف القرن السادس الهجري ، وإن كانت بعض الأدلة والشواهد السابقة كما في الفقرتين الخامسة والسادسة ما يدفع بهذه الفترة الزمنية نحو القرن السابع الهجري والتي تؤيدها جملة من الملاحظات البديهية .
  فقبل سبعمائة عام ما كان هذا التحضر العلمي الذي نشهده الآن في الطباعة والنشر والتوزيع وغيرها ، بل كان الأمر أكثر بساطة ، والكتب أبطأ انتشاراً ، فأي مؤلف كان لا بد أن يستغرق زمناً طويلاً لكي ينال هذا الانتشار الواسع الذي يجعلهفي متناول أيدي القراء والباحثين ، بعد استنساخه على أيدي النسّاخين ، ونقلهعبر الأمصار والأقطار حتى يصبح بالتالي معروفاً معتمداً لدى العلماء والمؤلفين للنقل عنه في كتبهم .
  إذن فمن غير المنطقي والمعقول أن تتزامن فترة تأليف كتابنا هذا مع زمن انتهاء تأليف الكتب التي اعتمد عليها ونقل منها ، ولهذا فإن ما يقوي في نظري هو أن هذا الكتاب قد تم تأليفه بعد القرن السادس الهجري ، وهو ما ستؤيده الأدلة القادمة التي سنتحدث عنها إن شاء الله تعالى .
  كما أني لم أجد ما يدل على أنه نقل عن كتاب أو مؤلف بعد هذا القرن ـ أي القرن السابع ـ وإن كان فيه يشير إلى أنه لم يتجاوزه ، كما في الفصل الثاني والمائة في الملاحم عندما يشير إلى احداث عظيمة تقع في نهاية هذا القرن مثل : ( وفي السبعمائة تطلع الشمس سوداء مظلمة ، ولا تسألوا عما ورائها ) .
  أو : ( في سنة سبع وثمانين وستمائة يظهر من الروم رجل يقال له المزيد في ... وفي زمانه يخرج إليهم رجل من مكة يقال له : سفيان بن حرب ) .
  وفي خبر آخر : ( من وقت خروجه إلى ظهور قائم آل محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) ثمان أشهر لا يكون زيادة يوم ولا نقصان ) .

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 15 _

   ولعل في هذا ما يدل على أن هذا الكتاب لم يتجاوز عند تأليفه القرن السابع بل كان في حدوده ، وأقوى ذلك أن يكون في منتصفه كما أشارت إلى ذلك الأدلة المتقدمة .
  ولذا فإن هذا ما يتعارض مع جملة من الاعتبارات القائلة بنسبة هذا الكتاب إلى جملة من الأعلام سبقوا هذه الحقبة الزمنية أو تجاوزوها .
البقعة الجغرافية لمؤلف الكتاب :
  كان بالإمكان الاستفادة مما تحصل من تفحص في الفقرة ألاُولى لغرض حصر أو معرفة موطن مؤلف هذا الكتاب ، أو على الأقل محل تواجده عند جمعه لهذا الكتاب .
  ولقد ثبت في تصوري ولجملة من الشواهد التي سأذكرها إن شاء الله تعالى أن مؤلف هذا الكتاب هو من أهل سبزوار أو ما يحيط بها .
  وفي هذا التصورـ المعتمد على جملة من الملاحظات ـ خيط قوي يربطه بما تحصّل أويتحصّل من الملاحظات المعتمدة ، بل وكأنها حلقات يُكمل بعضها بعضاً ، وإلى ذلك مال الكثيرون كما سنذكر ، وهكذا فمن الشواهد التي يمكن الاعتماد عليها للتشخيص الحالي ما يلي :
  1 ـ ينقل المؤلف ـ رحمه اللهّ ـ في متن كتابه كثيراً من كتب الأعلام من أهل تلك النواحي أمثال الفتال النيسابوري صاحب كتاب روضة الواعظين ، والشيخ الطبرسي صاحب كتاب مشكاة الأنوار المتوفى في سبزوار ، كما أنه يروى في الفصل الخامس حديث (52) عن علي بن عبد الله بن علي للبيهقي ، ذاكراً فينفس الحديث عين ما يطلق على سبزوار من تسميتها بالقصبة ، وبيهق كما هومعروف ناحية من نواحي نيسابور ، كما أن سبزوار هي إحدى قصبات بيهق .
  2 ـ ما ذهب إليه جمع من الأعلام في نسبة الكتاب إلى مؤلف ما كما تقدمفي الصفحات السابقة ، فترى وان اختلفوا في تحديد اسم هذا المؤلف إلا أنه موفي أغلب ما ذهبوا إليه أنهم نسبوا مؤلفه إلى تلك النواحي .
  3 ـ مال العلامة الطهرانيِ إلى ما ذهبنا إليه كما ذكر ذلك في الذريعة (345) .

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 16 _

   ولعل في هذا ما يدل على أن هذا الكتاب لم يتجاوز عند تأليفه القرن السابع بل كان في حدوده ، وأقوى ذلك أن يكون في منتصفه كما أشارت إلى ذلك الأدلة المتقدمة .
  ولذا فإن هذا ما يتعارض مع جملة من الاعتبارات القائلة بنسبة هذا الكتاب إلى جملة من الأعلام سبقوا هذه الحقبة الزمنية أو تجاوزوها .
البقعة الجغرافية لمؤلف الكتاب :
  كان بالإمكان الاستفادة مما تحصل من تفحص في الفقرة ألاُولى لغرض حصر أو معرفة موطن مؤلف هذا الكتاب ، أو على الأقل محل تواجده عند جمعه لهذا الكتاب .
  ولقد ثبت في تصوري ولجملة من الشواهد التي سأذكرها إن شاء الله تعالى أن مؤلف هذا الكتاب هو من أهل سبزوار أو ما يحيط بها .
  وفي هذا التصورـ المعتمد على جملة من الملاحظات ـ خيط قوي يربطه بما تحصّل أويتحصّل من الملاحظات المعتمدة ، بل وكأنها حلقات يُكمل بعضها بعضاً ، وإلى ذلك مال الكثيرون كما سنذكر ، وهكذا فمن الشواهد التي يمكن الاعتماد عليها للتشخيص الحالي ما يلي :
  1 ـ ينقل المؤلف ـ رحمه اللهّ ـ في متن كتابه كثيراً من كتب الأعلام من أهل تلك النواحي أمثال الفتال النيسابوري صاحب كتاب روضة الواعظين ، والشيخ الطبرسي صاحب كتاب مشكاة الأنوار المتوفى في سبزوار ، كما أنه يروى في الفصل الخامس حديث (52) عن علي بن عبد الله بن علي للبيهقي ، ذاكراً فينفس الحديث عين ما يطلق على سبزوار من تسميتها بالقصبة ، وبيهق كما هومعروف ناحية من نواحي نيسابور ، كما أن سبزوار هي إحدى قصبات بيهق .
  2 ـ ما ذهب إليه جمع من الأعلام في نسبة الكتاب إلى مؤلف ما كما تقدمفي الصفحات السابقة ، فترى وان اختلفوا في تحديد اسم هذا المؤلف إلا أنه موفي أغلب ما ذهبوا إليه أنهم نسبوا مؤلفه إلى تلك النواحي .
  3 ـ مال العلامة الطهرانيِ إلى ما ذهبنا إليه كما ذكر ذلك في الذريعة (345) .

ما هي النسخة الحقيقية للكتاب ؟:
  بقي لدينا أمر طالما حير الباحثين في هذا المؤلَف أو المطالعين له ، وهوهلأن النسخة الحقيقية للكتاب هي ذات الفصول أم ذات الأبواب والفصول ؟   ولا يخفى على القارئ الكريم أن هذا الاختلاف لا يعني أنه مجرد اختلاف في التبويب والترتيب فقط ، بل إن الأمر أكثر من ذلك وأعقد ، حيث أن بين الاثنين اختلاف في المجموع أيضاً ، ولهذا فقد وقع العديد من الباحثين في حيرة من هذا الأمر ، إلا أن البعض الآخر فطن إلى جوانب معينة يمكننا أن نعتمد بعضها للاستدلال على حقيقة النسخة الأصلية بإذن الله تعالى .

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 17 _

   فالأمرِ الذي لا يخفى على الباحث أن مؤلف أي كتاب كان يرتب كتابه وفقما يراه مناسباً ومتوافقاً مع مبناه في اعداد هذا الكتاب ، فمنهم من يرتب كتابه على الفصول ، في حين يذهب البعض الآخر على أن كل مجموعة من الفصول الموجودة تتفق فيما بينها في جوانب ما ، عقائدية كانت أو أخلاقية أو أي شيء آخر ، فلذا يبادر إلى جمع كل مجموعة من هذه الفصول في أبواب مستقلة ، وهذا هو أمر شائع لا لبس فيه ، إلا أن من غير المألوف أن يلجأ شخص ما إلى حذف الأبواب لأجل اعداد كتاب ما ، لأنه بذلك سوف يعمد إلى ايجاد الاضطراب في الكتاب طالما أنه كان مرتباً على أساس الأبواب المتفقة الفصول ، بل ان ما يحصل هو العكس من ذلك ، حيث من المألوف أن يلجأ مؤلف ما إلى جمع شتات الفصول المتشابهة مبناً مثلاً في أبواب معينة .
  هذا من جانب ، وأما من الجانب الأخر فإن النسخة المرتبة على أساس الأبواب خضعت لعملية حذف شملت العديد من الروايات الموجودة في النسخة الأخرى ، وهذا الأمر واضح جلي .
  ويؤيد ما ذهبنا إليه أيضاً قول العلامة الطهراني ـ رحمه اللهّ ـ في الذريعة(5: 36) حيث ذكرعند حديثه عن النسخة المبوبة : وهو لبعض المتأخرين عن مؤلف أصله المطبوع .
  كما أني وجدت في نسخة من الذريعة لدى سماحة السيد عبد العزيز الطباطبائي تصحيحات نقلها من نسخة العلامة الطهراني الخاصة المصححة بيده رحمه الله حيث أضاف على ما كتبه عن جامع الأخبار المبوب (المكتوب901 هـ) وبذا فإن ما يبدو لي جلياً أن الأصل في كتابنا هو المرتب على الفصول لا الأبواب والفصول ، والله أعلم .
الملاحظة الرابعة :
  لقد حاولت وطوال عملي في هذا الكتاب استقصاء ما أمكن الحصول عليهمن نسخ الكتاب في المكتبات العامة والخاصة ، وتتبع ما أمكن من ملاحظات متعلقة بها وشارحة لها .
  وكان وبتوفيق من الله تعالى أن يسرت لي كثير من السبل ، واشرعت دون

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _18 _

  ذلك لي الأبواب ، حتى تحققت من عشرات النسخ عياناً وعن طريق الفهارس المتعددة حتى لدول مختلفة تقتني بعض المخطوطات الإسلامية ، وكان من نتيجة ذلك الاستقصاء الواسع أن حصلت على نقاط توافق بين تلك النسخ وبشكل واضح جلي .
ومن تلك النقاط التي كانت تسترعي الانتباه وتثير التساؤل :
  1 ـ اتفاق العديد من النسخ على كون انتهاء تأليف الكتاب في 6 صفر 679 كما سترى ذلك في الجدول الملحق بالمقدمة .
  2 ـ وردت تسمية محمد بن محمد كأسم لمؤلف الكتاب في العديد منها ، في حين أضافت الأخرى لقب السبزواري إلى الاسم ، وإلى اعتماد هذا الاسم ( أي محمد بن محمد ) ذهب معظم من حاول تحديد اسم مؤلف هذا الكتاب ، وعليه دارت أقطاب الرحى .   3 ـ أوردت الكثير من النسخ وفي باب تقليم الأظافر قول المؤلف : قال محمد بن محمد مؤلف هذا الكتاب قال أبي في وصيته .
وأخيراً :
  لا ريب في أن الاستفادة مما كتبه علماؤنا الأعلام ـ رحمهم الله برحمته الواسعة ـ له كبير أثر وعظيم فضل في الاسترشاد إلى مواطن كثيرة ، وشواهد عديدة ، يمكن من خلالها الوصول إلى الهدف الذي نحاول الوصول إليه ، وكناقد ذكرنا جملة من هذه الآراء في بداية حديثنا ، واستشهدنا كذلك بأقوالهم وآرائهم أثناء حديثنا وتعليقاتنا في الملاحظات السابقة ، بالإضافة إلى ما سنذكره من هذه الأراء في حديثنا القادم إن شاء الله تعالى .
ماذا تحصل من الملاحظات السابقة ؟
  إذا استقر أنا الاستنتاجات التي توصلنا إليها في الملاحظات السابقة ، ونقاط الاتفاق بينها ، فسنجد جملة من الشواهد التي تظهر وبوضوح جلي لا يمكن معه الاغضاء عنها :
  1 ـ الثابت أن المؤلف جمع كتابه بعد منتصف القرن السادس على أقل

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 19 _

  تقدير ، وإن كان هنالك من الأدلة ما يؤكد وبشكل بين أن هذا التاريخ يندفع نحو مطلع القرن السابع الهجري .
  2 ـ الأقوى من اتفاق العديد من الأدلة والشواهد أن مؤلف هذا الكتاب كان من أهل سبزوار ، أو من النواحي القريبة منها .
  3 ـ كذلك فإن ما يظهر من متون النسخ التي تحققنا منها ، وكما يذهب إليه جمع من العلماء والفضلاء أن مؤلف هذا الكتاب هو محمد بن محمد كما ذكرنا ذلك سابقاً .
  وهكذا فمن خلال هذه الملاحظات التي استخلصناها من تحقيقنا نجد أن معظم ما ذهب إليه مما يتعارض تعارضاً بينا مع هذه الأدلة يبدو ضعيف الحجة والبرهان .
  فمما لا شك فيه أن الحقبة الزمنية التي حصرنا فيها تأليف الكتاب وبما تحصل لنا من الأدلة الواقعية المقنعة لا يمكن معها أن نخضع للنقاش ما خرج عن حدودها وإلا فما قيمة الحقائق إذا لم يعمل بها ولا يستدل بها ؟ نعم ان من يطرح ما خرج عن ذلك له ما يستدل به ، لكن الذي تحصل لنا وهو أيضاً ما ذهب إليه آخرون كما ذكرنا كان نتيجة تحقيق متن الكتاب والاطلاع عليه من الجلد إلى الجلد .
  ومثله أيضاً ما هو واضح للعيان من الاسم الأول لمؤلف هذا الكتاب هو محمد بن محمد وهو أمر لا نلتزمه وننادي به لوحدنا فاكثر من سبقونا ذهبوا إلى التسليم بذلك فلماذا نعرض عن هذه الحقائق صفحاً ونحمل أنفسنا إلى البحث عن تصورات طالما هناك ما هو واضح ومعروف . . . ؟
  إذن فلم يبق أمامنا سوى البحث عن نقاط الاتفاق التي قد تقودنا نحو الهدف الذي نبتغي الوصول إليه وهو ما ذكرناه سابقاً ، وإن كان هناك من ذهب إلى أن مؤلف هذا الكتاب هو محمد بن محمد الشعيري ، وهذا ما وجدت أن البعض قد أثبته كإسم حقيقي لمؤلف الكتاب بعد أن ذهب إلى ذلك العلامة المجلسي رحمه الله في البحار حيث قال : إن ذلك يظهر من بعض نسخ الكتاب ... فإن ما يرد ذلك أن المذكور في متن الكتاب من اسم المؤلف هو محمد بن محمد مطلقاً أو

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 20 _

  مقيداً بالسبزواري ، وكذا هو الحال في آخر الكتاب ، وإلى ما ذهبنا إليه سبق أنذهب إليه صاحب رياض العلماء حيث قال : إن ما يظهر من كلام الأستاذ في أول البحار أنه من مؤلفات محمد بن محمد الشعيري ليس بصريح ، لأن العبارة في الكتاب ليس إلا محمد بن محمد ، وهو مشترك ، ولا يختص بالشعيري ... .

ما هو كتاب معالج اليقين فى أصول الدين ؟
  في الفترة التي كنت فيها منكباً على تحقيق هذا الكتاب عثرت على نسخة خطية لهذا المؤلَف المغمور ، والذي لم يبق له أثر يذكر إلا في حدود قليلة جداً ، سواء في مخطوطاته أو بين دفات كتب التراجم والفهارس ، وعند تصفحي لهذه النسخة الخطية وجدت تشابهاً كبيراً بين كتابنا وهذهِ النسخة ، ولعل الأمر الأكثرغرابة هوأن هناك توافقاً كبيراً بين ما ذهبنا إليه من استنتاجات وشواهد عند تحقيقنا لهذا الكتاب وهذهِ النسخة ، وعندما راجعت ما كتبه العلامة الطهرِاني عن معارج اليقين هذا وجدت أن هذا التوافق بين الاثنين يزداد وضوحاً وتمكناَ ، ذكر العلامة الطهراني رحمه الله في الذريعة (21 / 185) :
  معارج اليقين : يكثر النقل عنه المولى نجف علي الزنوزي التبريزي في جواهر الأخبار ، منها أخبار في فضل زيارة النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) والأمير والحسن والحسين ( عليهم السلام ) .
  رأيت النقل عن ( معارج اليقين ) أيضاً في بعض رسائل أصول الدين ، روى عنه في باب الروح بعض الأحاديث عن النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ، وعن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) ، وكذا المجلسي في بحث المعاد من حق اليقين .
  يوجد عند المولى الخياباني ، وقال في آخر الثالث من ( الوقائع ) : أنه يشبه جامع الأخبار ، وأن مؤلفه محمد بن محمد بن محمد السبزواري ، ألفه سنة تسع وسبعين وستمائة .
  وعلى هامش نسخة ( من لا يحضره ) الموجودة في مكتبة الأمير بالنجف قل عن معارج اليقين الفصل السادس والثلاثين في كيف أصبحت ... وينقل عنه

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 21 _

  ابن إدريس في مستطرفاته ، قال : مما استطرفته من كتاب معارج اليقين ، قال تعالى : ( إِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) ، وقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : يكفيكم من الفطنة ذكر الموت ، ويكفيكم من التفكر ذكر الاخرة ... أقول : إن الشيخ ابن إدريس توفي ( ) فالتاريخ الذي ذكره الخياباني لعله تاريخ كتابة نسخته .
  انتهى ما ذكره الشيخ الطهراني رحمه الله .
  أقول : تعضيداً لما ذكره العلامة الطهراني رحمه الله من اعتراضه على ما ورد في الوقائع من الاختلاف بين التاريخين ، أضيف بأني لم أجد في ما استطرفه ابن إدريس ما يسمى بمعارج اليقين ... وفي الأنوار الساطعة للعلامة الطهراني رحمه الله ص 173 قال : محمد بن محمد بن محمد السبزواري : هو مؤلف معارج اليقين ... وذكر المولى علي الخياباني أن نسخته موجودة عنده ، وقال إن مؤلفه محمد بن محمد بن محمد فرغ من تاليفه عام (679) انتهى .
  إذن فمعارج اليقين المذكور هو لمحمد بن محمد السبزواري ، وقد انتهى من تاليفه عام (679 هـ) وبالتحديد في 6 صفر من العام المذكور .
  وهكذا من خلال هذين المقطعين المذكورين أعلاه وما ذكرناه سابقا ًنستشف هذا التوافق الغريب بين ما ذكرناه عن كتابنا وبين هذا الكتاب .
  وهذا الأمر أثار في نفسي أكثر من تساؤل ، فبدأت أبحث عن نسخ هذا الكتاب الجديد ، ووفقني الله تعالى إلى ذلك ، فحصلت على أول نسخة منه في مكتبة استانة قم ، وعندما تصفحتها وجدتها هي عين كتابنا جامع الأخبار من المقدمة إلى الخاتمة دون زيادة فيها ، اللهم الا الاختلاف في ترتيب فصوله ، ونقصان بعض رواياته ، مع تغيير في نهاية مقدمته ، حيث وجدته أثبت بدل قول المؤلف رحمه الله : وسميته بجامع الأخبار ... ذكر في المعارج ما نصه :وسميته بمعارج اليقين في أصول الدين لمن أراد كمال التقوى .
  والنسخة مقابلة على نسخة أخرى ، وعلى جوانبها تحليقات كثيرة ، ومستنسخة على نظام التعليق ، وفي آخرها : قد بلغ مقابلة في الجملة ، وتاريخ

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 22 _

  نسخ المخطوطة عام ( 1598 هـ ) وكما أني وبفضل الله تعالى حصلت على نسخة أخرى في الاستانة المقدسة بمشهد ، ووجدتها أيضاً هي نفس كتابنا هذا ، بالإضافة إلى نسخة أخرى في مكتبة السيد المصطفوي ، حالها كحال النسختين السابقتين .
  إذن فما هو تعليل هذا التشابه العجيب بين هذين الكتابين ـ إن افترضنا أنهما كتابان ـ بل ولماذا خفي أوكاد اسم معارج اليقين في حين يذهب البعض عند ذكره إلى إضافة عبارة يشابه جامع الأخبار ؟ ولعل من أضاف هذه العبارة كان يشعر بالحيرة من هذا التوافق العجيب فأضاف هذه العبارة ، إلا أني توقفت طويلا ًأمامها ، وحاولت جاهداً أن أتثبت من هذا الأمر لعلي أجد خيطاً وإن كان رفيعاً يدلني على حقيقة هذا الأمر ، فما الذي يتبين من هذا الأمر ؟
  أولاًَ: أن نسبة معارج اليقين إلى مؤلفه ثابتة وليست هي موضع شك أو شبهة ، وهي كون أن مؤلفه هو محمد بن محمد السبزواري ، وفي هذا ما يتوافق مع ما ذهبنا إليه من أن الظاهر في أن مؤلف كتابنا الموسوم بجامع الأخبار ، هو محمد بن محمد ، أو محمد بن محمد السبزواري كما في بعض النسخ .
  ثانياً : إن النسخ التي تحققت منها من معارج اليقين مرتبة على أساس الفصول ، وفي هذا ما يتوافق أيضاً مع ما ذهبنا إليه من كون الأصل في كتابنا هو ما كان مرتباً على الفصول لا الأبواب .
  ثالثاً : إن هذه النسخ المذكورة تتفق على أنه تم الانتهاء من هذا الكتاب في 6 صفر 679 ، وهي بذلك تتوافق مع ما ذهبنا إليه من الاحتمال القوي بكون الكتاب انتهى من تأليفه أبان تلك الفترة .
  رابعاً : أن نسخ معارج اليقين تبدو أقرب للاتفاق فيما بينها من نسخ جامع الأخبار ، سواء في ترتيبها أوفي متونها .
  وهكذا فهناك أمر يطرح نفسه بقوة وتأكيد ، وهو لعل أن الكتابين واحد وأساء النساخ أو غيرهم إلى الكتاب بشكل أو بآخر كأن أغفلوا اسمه ، أو أراد أحد أن يصادر الجهد الأول فحذف ما حذف وأضاف ما أضاف ، أو أن أحد المؤلفين جمع هذه الأحاديث في كتاب مناظر للأول ثم وقع النساخ أو غيرهم في الحيرة أزاء هذا

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 23 _

  التوافق فحدث هذا الخلط بين الكتابين ، وازداد بتقادم الزِمن حتى وصل إلينا الثاني دون الأول ، أو الأول دون الثاني غريباً مشوهاَ ، مجهول النسخة والمؤلف ، مضطرب المتن والترتيب ، وإن كان الأصحِ من الكتابين هو الثاني أي معارج اليقين ، المعروف مؤلفاً ، وتاريخاً ، واستنساخاَ على أغلب الأحوال .
  وأما ما ذهب إليه من نسبة الكتاب إلى جملة من الفضلاءـ رحمهم الله تعالى ـ فالكثير منها ما يسقط تلقائياً بتعارضه مع الحقائق الناصعة البادية للعيان ، ومنها ما هو لا يقوى على الوقوف بثبات قياساً بما تبين لنا من التشخيص السابق من أن مؤلفه هو محمد بن محمد ومن أعلام أواخر القرن السادس أو القرن السابع الهجري على احتمال قوي .
  وأخيراً فإن ما يقوى في نظري القاصر أن معارج اليقين هو عين جامع الأخبار وأن مؤلفه هو محمد بن محمد السبزواري رحمه الله ، وأنه انتهى من تأليفه في 6 صفر 679 هـ ، وأن الأصل هو الأول .
  واسأل الله العفو والمغفرة إن اسأت الفهم ، أو أوقعت نفسي في اشتباه قادني إلى ما وصلت إليه ، وكذا استميح سادتي العلماء والمحققين العذر من ذلك ، فما همي إلاّ احياء أثر من آثار العترة الطاهرة سلام الله عليهم أوشك أن يعفو عليه الزمن وأن يضيع في متاهات الغفلة و الاهمال .
واللهّ من وراء القصد .

النسخ التي اعتمدت عليها في عملي :
  1 ـ النسخة الحجرية للسيد المصطفوي ... ولعل أهمية هذه النسخة تكمن في عدد النسخ الخطية والمطبوعة التي لم اعتمد عليها في تصحيح نسخته والتي تجاوزت في عددها (27) نسخة وهذا مما يدل على حجم الجهد الذي بذله في عمله تقبله الله منه وأجزل له الثواب ، ورمزنا للنسخة بالحرف (م) .
  2 ـ النسخة الخطية الموسومة بمعارج اليقين من محفوظات الاستانة المقدسة في مشهد على ساكنها السلام وتاريخ نسخها في 1090 هجرية برقم11657 ، ورمزنا لها بالحرف (ث) .

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 24 _

  3 ـ النسخة الخطية المحفوظة في مكتبة السيد الكلبايكاني باسم جامع الأخبار وهي بتسلسل 1: 10 ذكر ناسخها أنه نقلها من نسخة الأصل ، ورمزنا لها بالحرف (ن) .
  4 ـ نسخة جامع الأخبار المحفوظة في مكتبة السيد المرعشي رحمه الله برقم 2236 وتاريخ نسخها في 1088 هجرية ، ورمزنا لها بالحرف (ع) .
اسماء النسخ المخطوطة التي حصلت عليها والتي نسبت الكتاب إلى محمد بن محمد السبزواري :
  التسمية تاريخ التأليف مكان الحفظ رقمها أو تسلسلها
  * معارج اليقين 6 صفر 679 الاستانة المقدسة ـ مشهد 11657
  * معارج اليقين 6صفر 679 مكتبة السيد المصطفوي
  * جامع الأخبار 6 صفر 679 مكتبة السيد الكلبايكاني 10:1
  * جامع الأخبار وزيري يزيد 1777
  * جامع الأخبار وزيري يزد 2490
  * جامع الأخبار كلية الالهيات 604
   * جامع الأخبار مدرسة آخوند همدان 82|388
  * جامع الأخبار مدرسة آخوند همدان 372|4683
  * جامع الأخبار 6 صفر 679 كوهرشاد مشهد 249
  * جامع الأخبار ملي تبريز 3231
  * جامع الأخبار مكتبة ملي 1362|4
  * جامع الأخبار 6 صفر 679 جامعة لوس انجلس
  * جامع الأخبار جامعة طهران 6445
  * جامع الأخبار 6صفر 679 جامعة طهران 5: 355
  * معارج اليقين 6 صفر 679 استانة قم 5892|1
  * جامع الأخبار 6 صفر 679 مكتبة ملي بارس 12|297

جَـامِـعُ الأخْـبَـارِ أو معارج اليقين في اصول الدّين _ 25 _

الكلمة الأخيرة ...
  أجد لزاماً علي في نهاية هذا المطاف أن أتقدم بالشكر والامتنان لمن كان لهم الأثر الكبير في إتمام هذا العمل وإظهاره بهذا الشكل ... ولعل لهذه المؤسسة الطيبة التي أتشرف بالانتساب إليها أو العمل فيها مع ثلةمن الأخوة المؤمنين ، الفضل الأكبر في ذلك ، وأخص بذلك عميدها سماحة السيد جواد الشهرستاني والسيد علي الخراساني والأخ الفاضل كاظم الجواهري ، جزاهم الله عني خير الجزاء ، وتقبل منهم صالح أعمالهم أنه سميع مجيب ... عـلاء آل جـعـفـر
  الـثـاني من شـوال المكـرم
  1411 هجرية