وصفه ( عليه السلام ) الإمامة والإمام ومنزلته :
  قال عبد العزيز بن مسلم كنا مع الرضا ( عليه السلام ) بمرو فاجتمعنا في المسجد الجامع بها فأدار الناس بينهم أمر الإمامة فذكروا كثرة الاختلاف فيها فدخلت على سيدي ومولاي الرضا (عليه السلام) فأعلمته بما خاض الناس فيه فتبسم ( عليه السلام ) ثم قال (عليه السلام) يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن أديانهم إن الله جل وعز لم يقبض نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شي‏ء وبين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا فقال ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ وأنزل عليه في حجة الوداع وهي آخر عمره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) وأمر الإمامة من كمال الدين ولم يمض ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى بين لأمته معالم دينه وأوضح لهم سبلهم وتركهم على قصد الحق وأقام لهم عليا ( عليه السلام ) علما وإماما وما ترك شيئا مما تحتاج إليه الأمة إلا وقد بينه فمن زعم أن الله لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله ومن رد كتاب الله فقد كفر هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم إن الإمامة خص الله بها إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال جل وعز وإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ الخليل سرورا بها ومِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمها الله بأن جعلها في ذرية أهل الصفوة والطهارة فقال ووَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ ويَعْقُوبَ نافِلَةً وكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ وجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وإِقامَ الصَّلاةِ وإِيتاءَ الزَّكاةِ وكانُوا لَنا عابِدِينَ فلم تزل ترثها ذريته (عليه السلام) بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال الله ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وهذَا النَّبِيُّ والَّذِينَ آمَنُوا ) فكانت لهم خاصة فقلدها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) عليا ( عليه السلام ) فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان وذلك قوله ( وقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ والْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ ولكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) على رسم ما جرى وما فرضه الله في ولده إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فمن أين يختار هذه الجهال الإمامة بآرائهم إن الإمامة منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء إن الإمامة خلافة الله وخلافة رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومقام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وخلافة الحسن والحسين ( عليه السلام ) إن الإمام زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين الإمام أس الإسلام النامي وفرعه السامي بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفي‏ء والصدقات وإمضاء الحدود

تحف العقول عن آل الرسول _177_

  والأحكام ومنع الثغور والأطراف الإمام يحلل حلال الله ويحرم حرامه ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله ويدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهو بالأفق حيث لا تناله الأبصار ولا الأيدي الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الطالع والنجم الهادي في غيابات الدجى والدليل على الهدى والمنجي من الردى .
  الإمام النار على اليفاع الحار لمن اصطلى والدليل في المهالك من فارقه فهالك الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل والسماء الظليلة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة الإمام الأمين الرفيق والولد الشفيق والأخ الشقيق وكالأم البرة بالولد الصغير ومفزع العباد الإمام أمين الله في أرضه وخلقه وحجته على عباده وخليفته في بلاده والداعي إلى الله والذاب عن حريم الله الإمام مطهر من الذنوب مبرأ من العيوب مخصوص بالعلم موسوم بالحلم نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد له بدل ولا له مثل ولا نظير مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه ولا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب فمن ذا يبلغ معرفة الإمام أو كنه وصفه هيهات هيهات ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وحصرت الخطباء وكلت الشعراء وعجزت الأدباء وعييت البلغاء وفحمت العلماء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله فأقرت بالعجز والتقصير فكيف يوصف بكليته أو ينعت بكيفيته أو يوجد من يقوم مقامه أو يغني غناه وأنى وهو بحيث النجم عن أيدي المتناولين ووصف الواصفين أ يظنون أنه يوجد ذلك في غير آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الأباطيل إذ ارتقوا مرتقى صعبا ومنزلا دحضا زلت بهم إلى الحضيض أقدامهم إذ راموا إقامة إمام بآرائهم وكيف لهم باختيار إمام والإمام عالم لا يجهل وراع لا يمكر معدن النبوة لا يغمز فيه بنسب ولا يدانيه ذو حسب فالبيت من قريش والذروة من هاشم والعترة من الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) شرف الأشراف والفرع عن عبد مناف نامي العلم كامل الحلم مضطلع بالأمر عالم بالسياسة مستحق للرئاسة مفترض الطاعة قائم بأمر الله ناصح لعباد الله إن الأنبياء والأوصياء ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوفقهم الله ويسددهم ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمته ما لا يؤتيه غيرهم يكون علمهم فوق علم أهل زمانهم وقد قال الله جل وعز ( أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) وقال تعالى في قصة طالوت ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ والْجِسْمِ واللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاء )ُ وقال في قصة داود (عليه السلام ) ( وقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ والْحِكْمَةَ وعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ ) وقال لنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( وأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ وعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) وقال في الأئمة من أهل بيته وعترته وذريته ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) إلى قوله ( سَعِيراً ) وإن العبد إذا اختاره الله لأمور عباده شرح صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وأطلق على لسانه فلم يعي بعده بجواب ولم تجد فيه غير صواب فهو موفق مسدد مؤيد قد أمن من الخطإ والزلل خصه بذلك ليكون ذلك حجة على خلقه شاهدا على عباده فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه فيكون مختارهم بهذه الصفة .

تحف العقول عن آل الرسول _178_

وروي عنه (عليه السلام) في قصار هذه المعاني :
  قال الرضا (عليه السلام) لا يكون المؤمن مؤمنا حتى تكون فيه ثلاث خصال سنة من ربه وسنة من نبيه (صلى الله عليه وآله) وسنة من وليه (عليه السلام) فأما السنة من ربه فكتمان السر وأما السنة من نبيه (صلى الله عليه وآله) فمداراة الناس وأما السنة من وليه (عليه السلام) فالصبر في البأساء والضراء .
  وقال (عليه السلام) صاحب النعمة يجب أن يوسع على عياله .
  وقال (عليه السلام) ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة وإنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله .
  وقال (عليه السلام) من أخلاق الأنبياء التنظف .
  وقال (عليه السلام) ثلاث من سنن المرسلين العطر وإحفاء الشعر وكثرة الطروقة .
  وقال (عليه السلام) لم يخنك الأمين ولكن ائتمنت الخائن .
  وقال (عليه السلام) إذا أراد الله أمرا سلب العباد عقولهم فأنفذ أمره وتمت إرادته فإذا أنفذ أمره رد إلى كل ذي عقل عقله فيقول كيف ذا ومن أين ذا .
  وقال (عليه السلام) الصمت باب من أبواب الحكمة إن الصمت يكسب المحبة إنه دليل على كل خير .
  وقال (عليه السلام) ما من شي‏ء من الفضول إلا وهو يحتاج إلى الفضول من الكلام .
  وقال ( عليه السلام ) الأخ الأكبر بمنزلة الأب.
  وسئل ( عليه السلام ) عن السفلة فقال من كان له شي‏ء يلهيه عن الله .
  وكان ( عليه السلام ) يترب الكتاب ويقول لا بأس به وكان إذا أراد أن يكتب تذكرات حوائجه كتب بسم الله الرحمن الرحيم أذكر أن شاء الله ثم يكتب ما يريد .
  وقال ( عليه السلام ) إذا ذكرت الرجل وهو حاضر فكنه وإذا كان غائبا فسمه .
  وقال ( عليه السلام ) لا يتم عقل امرئ مسلم حتى تكون فيه عشر خصال الخير منه مأمول والشر منه مأمون يستكثر قليل الخير من غيره ويستقل كثير الخير من نفسه لا يسأم من طلب الحوائج إليه ولا يمل من طلب العلم طول دهره الفقر في الله أحب إليه من الغنى والذل في الله أحب إليه من العز في عدوه والخمول أشهى إليه من الشهرة ثم قال ( عليه السلام ) العاشرة وما العاشرة قيل له ما هي قال ( عليه السلام) لا يرى أحدا إلا قال هو خير مني وأتقى إنما الناس رجلان رجل خير منه وأتقى ورجل شر منه وأدنى فإذا لقي الذي شر منه وأدنى قال لعل خير هذا باطن وهو خير له وخيري ظاهر وهو شر لي وإذا رأى الذي هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به فإذا فعل ذلك فقد علا مجده وطاب خيره وحسن ذكره وساد أهل زمانه .

تحف العقول عن آل الرسول _179 _

  وقال ( عليه السلام ) إن أحبكم إلى الله أحسنكم عملا وإن أعظمكم عند الله عملا أعظمكم فيما عند الله رغبة وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقا وإن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله وإن أكرمكم على الله أتقاكم لله .
  وقال ( عليه السلام ) لبعض بنيه يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق فقال يا أبة من هم قال (عليه السلام) إياك ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بايعك بأكلة أو أقل من ذلك وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعونا في كتاب الله.
  وقال ( عليه السلام ) إن المعرفة وكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه وقلة مرائه وحلمه وصبره وحسن خلقه .
  وقال ( عليه السلام ) ابن آدم إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك وما كانت المحاسبة من همك وما كان الخوف لك شعارا والحذر لك دثارا ابن آدم إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله جل وعز فأعد له جوابا .
  وقال ( عليه السلام ) لا حسب لقرشي ولا لعربي إلا بتواضع ولا كرم إلا بتقوى ولا عمل إلا بنية ولا عبادة إلا بالتفقه ألا وإن أبغض الناس إلى الله من يقتدي بسنة إمام ولا يقتدي بأعماله .
  وقال ( عليه السلام ) المؤمن من دعائه على ثلاث إما أن يدخر له وإما أن يعجل له وإما أن يدفع عنه بلاء يريد أن يصيبه .
  وقال ( عليه السلام ) إن المنافق ينهى ولا ينتهي ويأمر ولا يأتي إذا قام إلى الصلاة اعترض وإذا ركع ربض وإذا سجد نقر يمسي وهمه العشاء ولم يصم ويصبح وهمه النوم ولم يسهر والمؤمن خلط عمله بحلمه يجلس ليعلم وينصت ليسلم لا يحدث بالأمانة الأصدقاء ولا يكتم الشهادة للبعداء ولا يعمل شيئا من الحق رئاء ولا يتركه حياء إن زكي خاف مما يقولون ويستغفر الله لما لا يعلمون ولا يضره جهل من جهله .
  ورأى ( عليه السلام ) عليلا قد برئ فقال (عليه السلام) له يهنؤك الطهور من الذنوب إن الله قد ذكرك فاذكره وأقالك فاشكره .
  وقال ( عليه السلام ) خمس لو رحلتم فيهن لأنضيتموهن وما قدرتم على مثلهن لا يخاف عبد إلا ذنبه ولا يرجو إلا ربه ولا يستحيي الجاهل إذا سئل عما لا يعلم أن يتعلم والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له .

تحف العقول عن آل الرسول _180_

  وقال ( عليه السلام ) يقول الله يا ابن آدم ارض بما آتيتك تكن من أزهد الناس ابن آدم اعمل بما افترضت عليك تكن من أعبد الناس ابن آدم اجتنب مما حرمت عليك تكن من أورع الناس .
  وقال (عليه السلام) كم من مفتون بحسن القول فيه وكم من مغرور بحسن الستر عليه وكم من مستدرج بالإحسان إليه .
  وقال ( عليه السلام ) يا سوأتاه لمن غلبت إحداته عشراته يريد أن السيئة بواحدة والحسنة بعشرة .
  وسأله أحمد بن نجم عن العجب الذي يفسد العمل فقال ( عليه السلام ) العجب درجات منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعا ومنها أن يؤمن العبد بربه فيمن على الله ولله المنة عليه فيه .
  قال الفضل قلت لأبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) يونس بن عبد الرحمن يزعم أن المعرفة إنما هي اكتساب قال ( عليه السلام ) لا ما أصاب إن الله يعطي من يشاء فمنهم من يجعله مستقرا فيه ومنهم من يجعله مستودعا عنده فأما المستقر فالذي لا يسلب الله ذلك أبدا وأما المستودع فالذي يعطاه الرجل ثم يسلبه إياه .
  وقال صفوان بن يحيى سألت الرضا ( عليه السلام ) عن المعرفة هل للعباد فيها صنع قال ( عليه السلام ) لا قلت لهم فيها أجر قال (عليه السلام) نعم تطول عليهم بالمعرفة وتطول عليهم بالصواب .
  وقال الفضيل بن يسار سألت الرضا (عليه السلام) عن أفاعيل العباد مخلوقة هي أم غير مخلوقة قال ( عليه السلام ) هي والله مخلوقة أراد خلق تقدير لا خلق تكوين ثم قال (عليه السلام) إن الإيمان أفضل من الإسلام بدرجة والتقوى أفضل من الإيمان بدرجة ولم يعط بنو آدم أفضل من اليقين .
  وسئل عن خيار العباد فقال ( عليه السلام ) الذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساءوا استغفروا وإذا أعطوا شكروا وإذا ابتلوا صبروا وإذا غضبوا عفوا .
  وسئل ( عليه السلام ) عن حد التوكل فقال (عليه السلام) أن لا تخاف أحدا إلا الله .
  وقال ( عليه السلام ) من السنة إطعام الطعام عند التزويج
  وقال ( عليه السلام ) الإيمان أربعة أركان التوكل على الله والرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله والتفويض إلى الله قال العبد الصالح ( وأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا ) .
  وقال ( عليه السلام ) صل رحمك ولو بشربة من ماء وأفضل ما توصل به الرحم كف الأذى عنها وقال في كتاب الله ( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ والْأَذى ) .

تحف العقول عن آل الرسول _181_

  وقال ( عليه السلام ) إن من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت باب من أبواب الحكمة إن الصمت يكسب المحبة إنه دليل على كل خير .
  وقال ( عليه السلام ) إن الذي يطلب من فضل يكف به عياله أعظم أجرا من المجاهد في سبيل الله .
  وقيل له كيف أصبحت فقال ( عليه السلام ) أصبحت بأجل منقوص وعمل محفوظ والموت في رقابنا والنار من ورائنا ولا ندري ما يفعل بنا .
  وقال (عليه السلام) خمس من لم تكن فيه فلا ترجوه لشي‏ء من الدنيا والآخرة من لم تعرف الوثاقة في أرومته والكرم في طباعه والرصانة في خلقه والنبل في نفسه والمخافة لربه .
  وقال ( عليه السلام) ما التقت فئتان قط إلا نصر أعظمهما عفوا .
  وقال ( عليه السلام) السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه والبخيل لا يأكل من طعام الناس لئلا يأكلوا من طعامه .
  وقال ( عليه السلام) إنا أهل بيت نرى وعدنا علينا دينا كما صنع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )   وقال ( عليه السلام ) يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء تسعة منها في اعتزال الناس وواحد في الصمت .
  وقال له معمر بن خلاد عجل الله فرجك فقال (عليه السلام) يا معمر ذاك فرجكم أنتم فأما أنا فو الله ما هو إلا مزود فيه كف سويق مختوم بخاتم .
  وقال ( عليه السلام ) عونك للضعيف من أفضل الصدقة .
  وقال (عليه السلام ) لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى تكون فيه خصال ثلاث التفقه في الدين وحسن التقدير في المعيشة والصبر على الرزايا .
  وقال ( عليه السلام ) لأبي هاشم داود بن القاسم الجعفري يا داود إن لنا عليكم حقا برسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن لكم علينا حقا فمن عرف حقنا وجب حقه ومن لم يعرف حقنا فلا حق له .
  وحضر ( عليه السلام ) يوما مجلس المأمون وذو الرئاستين حاضر فتذاكروا الليل والنهار وأيهما خلق قبل صاحبه فسأل ذو الرئاستين الرضا (عليه السلام) عن ذلك فقال ( عليه السلام ) له تحب أن أعطيك الجواب من كتاب الله أم حسابك فقال أريده أولا من الحساب فقال (عليه السلام) أ ليس تقولون إن طالع الدنيا السرطان وإن الكواكب كانت في أشرافها قال نعم قال فزحل في الميزان والمشتري في السرطان والمريخ في الجدي والزهرة في الحوت والقمر في الثور والشمس في وسط السماء في الحمل وهذا لا يكون إلا نهارا قال نعم قال فمن كتاب الله قال ( عليه السلام ) قوله ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ولَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ) أي إن النهار سبقه .

تحف العقول عن آل الرسول _182_

  قال علي بن شعيب دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال لي يا علي من أحسن الناس معاشا قلت أنت يا سيدي أعلم به مني فقال (عليه السلام) يا علي من حسن معاش غيره في معاشه يا علي من أسوأ الناس معاشا قلت أنت أعلم قال من لم يعش غيره في معاشه يا علي أحسنوا جوار النعم فإنها وحشية ما نأت عن قوم فعادت إليهم يا علي إن شر الناس من منع رفده وأكل وحده وجلد عبده .
  وقال له (عليه السلام) رجل في يوم الفطر إني أفطرت اليوم على تمر وطين القبر فقال (عليه السلام) جمعت السنة والبركة .
  وقال (عليه السلام) لأبي هاشم الجعفري يا أبا هاشم العقل حباء من الله والأدب كلفة فمن تكلف الأدب قدر عليه ومن تكلف العقل لم يزدد بذلك إلا جهلا .
  وقال أحمد بن عمر والحسين بن يزيد دخلنا على الرضا (عليه السلام) فقلنا إنا كنا في سعة من الرزق وغضارة من العيش فتغيرت الحال بعض التغير فادع الله أن يرد ذلك إلينا فقال (عليه السلام) أي شي‏ء تريدون تكونون ملوكا أ يسركم أن تكونوا مثل طاهر وهرثمة وإنكم على خلاف ما أنتم عليه فقلت لا والله ما سرني أن لي الدنيا بما فيها ذهبا وفضة وإني على خلاف ما أنا عليه فقال (عليه السلام) إن الله يقول اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ أحسن الظن بالله فإن من حسن ظنه بالله كان الله عند ظنه ومن رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل ومن رضي باليسير من الحلال خفت مئونته ونعم أهله وبصره الله داء الدنيا ودواءها وأخرجه منها سالما إلى دار السلام .
  وقال ( عليه السلام ) صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله .
  وقال ( عليه السلام ) التودد إلى الناس نصف العقل .
  وقال ( عليه السلام ) إن الله يبغض القيل والقال وإضاعة المال وكثرة السؤال .
  وقال له ابن السكيت ما الحجة على الخلق اليوم فقال ( عليه السلام ) العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه فقال ابن السكيت هذا والله هو الجواب .
  وقال ( عليه السلام ) لا يقبل الرجل يد الرجل فإن قبلة يده كالصلاة له .
  وقال ( عليه السلام ) قبلة الأم على الفم وقبلة الأخت على الخد وقبلة الإمام بين عينيه .
  وقال ( عليه السلام ) ليس لبخيل راحة ولا لحسود لذة ولا لملول وفاء ولا لكذوب مروة .

تحف العقول عن آل الرسول _183_

ما روي عن الإمام محمد بن علي الجواد ( عليه السلام ) :
وروي عن الإمام الناصح الهادي أبي جعفر محمد بن علي ( عليه السلام ) في طوال هذه المعاني :
جوابه ( عليه السلام ) في محرم قتل صيدا :

  لما عزم المأمون على أن يزوج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) اجتمع إليه أهل بيته الأدنون منه فقالوا له يا أمير المؤمنين ناشدناك أن تخرج عنا أمرا قد ملكناه وتنزع عنا عزا قد لبسناه وتعلم الأمر الذي بيننا وبين آل علي قديما وحديثا فقال المأمون أمسكوا والله لا قبلت من واحد منكم في أمره فقالوا يا أمير المؤمنين أ تزوج ابنتك وقرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله ولا يعرف حلاله من حرامه ولا فرضا من سنة ولأبي جعفر ( عليه السلام ) إذ ذاك تسع سنين فلو صبرت له حتى يتأدب ويقرأ القرآن ويعرف الحلال من الحرام فقال المأمون إنه لأفقه منكم وأعلم بالله ورسوله وسنته وأحكامه وأقرأ لكتاب الله منكم وأعلم بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وظاهره وباطنه وخاصه وعامه وتنزيله وتأويله منكم فاسألوه فإن كان الأمر كما وصفتم قبلت منكم وإن كان الأمر على ما وصفت علمت أن الرجل خلف منكم فخرجوا من عنده وبعثوا إلى يحيى بن أكثم وهو يومئذ قاضي القضاة فجعلوا حاجتهم إليه وأطمعوه في هدايا على أن يحتال على أبي جعفر (عليه السلام) بمسألة في الفقه لا يدري ما الجواب فيها فلما حضروا وحضر أبو جعفر (عليه السلام) قالوا يا أمير المؤمنين هذا القاضي إن أذنت له أن يسأل فقال المأمون يا يحيى سل أبا جعفر عن مسألة في الفقه لتنظر كيف فقهه فقال يحيى يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيدا فقال أبو جعفر (عليه السلام) قتله في حل أم حرم عالما أو جاهلا عمدا أو خطأ عبدا أو حرا صغيرا أو كبيرا مبدئا أو معيدا من ذوات الطير أو غيره من صغار الطير أو كباره مصرا أو نادما بالليل في أوكارها أو بالنهار وعيانا محرما للحج أو للعمرة قال فانقطع يحيى انقطاعا لم يخف على أحد من أهل المجلس انقطاعه وتحير الناس عجبا من جواب أبي جعفر ( عليه السلام ) فقال المأمون أخطب أبا جعفر فقال (عليه السلام) نعم يا أمير المؤمنين فقال الحمد لله إقرارا بنعمته ولا إله إلا الله إجلالا لعظمته وصلى الله على محمد وآله عند ذكره أما بعد فقد كان من قضاء الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال جل وعز ( وأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ والصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) ثم إن محمد بن علي خطب أم الفضل ابنة عبد الله وقد بذل لها من الصداق خمسمائة درهم فقد زوجته فهل قبلت يا أبا جعفر فقال ( عليه السلام ) قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق فأولم المأمون وأجاز الناس على مراتبهم أهل الخاصة وأهل العامة والأشراف والعمال وأوصل إلى كل طبقة برا على ما يستحقه فلما تفرق أكثر الناس قال المأمون

تحف العقول عن آل الرسول _184_

  يا أبا جعفر إن رأيت أن تعرفنا ما يجب على كل صنف من هذه الأصناف في قتل الصيد فقال ( عليه السلام ) إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاة فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا وإن قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم فليست عليه القيمة لأنه ليس في الحرم وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ وإن كان من الوحش فعليه في حمار الوحش بقرة وإن كان نعامة فعليه بدنة فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكينا فإن لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوما وإن كان بقرة فعليه بقرة فإن لم يقدر فليطعم ثلاثين مسكينا فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام وإن كان ظبيا فعليه شاة فإن لم يقدر فليطعم عشرة مساكين فإن لم يجد فليصم ثلاثة أيام وإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا ( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) حقا واجبا أن ينحره إن كان في حج بمنى حيث ينحر الناس وإن كان في عمرة ينحره بمكة في فناء الكعبة ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفا وكذلك إذا أصاب أرنبا أو ثعلبا فعليه شاة ويتصدق بمثل ثمن شاة وإن قتل حماما من حمام الحرم فعليه درهم يتصدق به ودرهم يشتري به علفا لحمام الحرم وفي الفرخ نصف درهم وفي البيضة ربع درهم وكل ما أتى به المحرم بجهالة أو خطإ فلا شي‏ء عليه إلا الصيد فإن عليه فيه الفداء بجهالة كان أم بعلم بخطإ كان أم بعمد وكل ما أتى به العبد فكفارته على صاحبه مثل ما يلزم صاحبه وكل ما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شي‏ء عليه فإن عاد فهو ممن ينتقم الله منه وإن دل على الصيد وهو محرم وقتل الصيد فعليه فيه الفداء والمصر عليه يلزمه بعد الفداء العقوبة في الآخرة والنادم لا شي‏ء عليه بعد الفداء في الآخرة وإن أصابه ليلا أوكارها خطأ فلا شي‏ء عليه إلا أن يتصيد فإن تصيد بليل أو نهار فعليه فيه الفداء والمحرم للحج ينحر الفداء بمكة قال فأمر أن يكتب ذلك عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ثم التفت إلى أهل بيته الذين أنكروا تزويجه فقال هل فيكم من يجيب بهذا الجواب قالوا لا والله ولا القاضي فقالوا يا أمير المؤمنين كنت أعلم به منا فقال ويحكم أ ما علمتم أن أهل هذا البيت ليسوا خلقا من هذا الخلق أ ما علمتم أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بايع الحسن والحسين ( عليه السلام ) وهما صبيان ولم يبايع غيرهما طفلين أ ولم تعلموا أن أباهم عليا ( عليه السلام ) آمن برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو ابن تسع سنين فقبل الله ورسوله إيمانه ولم يقبل من طفل غيره ولا دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طفلا غيره أ ولم تعلموا أنها ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأولهم .

تحف العقول عن آل الرسول _185_

مسألة غريبة :
  قال المأمون ليحيى بن أكثم اطرح على أبي جعفر محمد بن الرضا ( عليه السلام ) مسألة تقطعه فيها فقال يا أبا جعفر ما تقول في رجل نكح امرأة على زنا أ يحل أن يتزوجها فقال ( عليه السلام ) يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثا كما أحدثت معه ثم يتزوج بها إن أراد فإنما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراما ثم اشتراها فأكل منها حلالا فانقطع يحيى فقال له أبو جعفر ( عليه السلام ) يا أبا محمد ما تقول في رجل حرمت عليه امرأة بالغداة وحلت له ارتفاع النهار وحرمت عليه نصف النهار ثم حلت له الظهر ثم حرمت عليه العصر ثم حلت له المغرب ثم حرمت عليه نصف الليل ثم حلت له الفجر ثم حرمت عليه ارتفاع النهار ثم حلت له نصف النهار فبقي يحيى والفقهاء بلسا خرسا فقال المأمون يا أبا جعفر أعزك الله بين لنا هذا قال ( عليه السلام ) هذا رجل نظر إلى مملوكة لا تحل له اشتراها فحلت له ثم أعتقها فحرمت عليه ثم تزوجها فحلت له فظاهر منها فحرمت عليه فكفر الظهار فحلت له ثم طلقها تطليقة فحرمت عليه ثم راجعها فحلت له فارتد عن الإسلام فحرمت عليه فتاب ورجع إلى الإسلام فحلت له بالنكاح الأول كما أقر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نكاح زينب مع أبي العاص بن الربيع حيث أسلم على النكاح الأول .

وروي عنه (عليه السلام) في قصار هذه المعاني :
  قال له رجل أوصني قال (عليه السلام) وتقبل قال نعم قال توسد الصبر واعتنق الفقر وارفض الشهوات وخالف الهوى واعلم أنك لن تخلو من عين الله فانظر كيف تكون .
  وقال (عليه السلام) أوحى الله إلى بعض الأنبياء أما زهدك في الدنيا فتعجلك الراحة وأما انقطاعك إلي فيعززك بي ولكن هل عاديت لي عدوا وواليت لي وليا .
  وروي أنه حمل له حمل بز له قيمة كثيرة فسل في الطريق فكتب إليه الذي حمله يعرفه الخبر فوقع بخطه إن أنفسنا وأموالنا من مواهب الله الهنيئة وعواريه المستودعة يمتع بما متع منها في سرور وغبطة ويأخذ ما أخذ منها في أجر وحسبة فمن غلب جزعه على صبره حبط أجره ونعوذ بالله من ذلك .
  وقال (عليه السلام) من شهد أمرا فكرهه كان كمن غاب عنه ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده .
  

تحف العقول عن آل الرسول _186 _

  وقال ( عليه السلام ) من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس .
  وقال داود بن القاسم سألته عن الصمد فقال ( عليه السلام ) الذي لا سرة له قلت فإنهم يقولون إنه الذي لا جوف له فقال ( عليه السلام ) كل ذي جوف له سرة .
  فقال له أبو هاشم الجعفري في يوم تزوج أم الفضل ابنة المأمون يا مولاي لقد عظمت علينا بركة هذا اليوم فقال ( عليه السلام ) يا أبا هاشم عظمت بركات الله علينا فيه قلت نعم يا مولاي فما أقول في اليوم فقال قل فيه خيرا فإنه يصيبك قلت يا مولاي أفعل هذا ولا أخالفه قال ( عليه السلام ) إذا ترشد ولا ترى إلا خيرا .
  وكتب إلى بعض أوليائه أما هذه الدنيا فإنا فيها مغترفون ولكن من كان هواه هوى صاحبه ودان بدينه فهو معه حيث كان والآخرة هي دار القرار .
  وقال ( عليه السلام ) تأخير التوبة اغترار وطول التسويف حيرة والاعتلال على الله هلكة والإصرار على الذنب أمن لمكر الله ( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ) .
  وروي أن جمالا حمله من المدينة إلى الكوفة فكلمه في صلته وقد كان أبو جعفر ( عليه السلام ) وصله بأربعمائة دينار فقال ( عليه السلام ) سبحان الله أ ما علمت أنه لا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العباد .
  وقال ( عليه السلام ) كانت مبايعة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) النساء أن يغمس يده في إناء فيه ماء ثم يخرجها وتغمس النساء بأيديهن في ذلك الإناء بالإقرار والإيمان بالله والتصديق برسوله على ما أخذ عليهن .
  وقال ( عليه السلام ) إظهار الشي‏ء قبل أن يستحكم مفسدة له .
  وقال ( عليه السلام ) المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه .

تحف العقول عن آل الرسول _187_

ما روي عن الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) :
وروي عن الإمام الراشد الصابر أبي الحسن علي بن محمد ( عليه السلام ) في طوال هذه المعاني :
رسالته ( عليه السلام ) في الرد على أهل الجبر والتفويض وإثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين :

   من علي بن محمد سلام عليكم وعلى من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته فإنه ورد علي كتابكم وفهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم وخوضكم في القدر ومقالة من يقول منكم بالجبر ومن يقول بالتفويض وتفرقكم في ذلك وتقاطعكم وما ظهر من العداوة بينكم ثم سألتموني عنه وبيانه لكم وفهمت ذلك كله اعلموا رحمكم الله أنا نظرنا في الآثار وكثرة ما جاءت به الأخبار فوجدناها عند جميع من ينتحل الإسلام ممن يعقل عن الله جل وعز لا تخلو من معنيين إما حق فيتبع وإما باطل فيجتنب وقد اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق وفي حال اجتماعهم مقرون بتصديق الكتاب وتحقيقه مصيبون مهتدون وذلك بقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا تجتمع أمتي على ضلالة فأخبر أن جميع ما اجتمعت عليه الأمة كلها حق هذا إذا لم يخالف بعضها بعضا والقرآن حق لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه فإذا شهد القرآن بتصديق خبر وتحقيقه وأنكر الخبر طائفة من الأمة لزمهم الإقرار به ضرورة حين اجتمعت في الأصل على تصديق الكتاب فإن هي جحدت وأنكرت لزمها الخروج من الملة فأول خبر يعرف تحقيقه من الكتاب وتصديقه والتماس شهادته عليه خبر ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووجد بموافقة الكتاب وتصديقه بحيث لا تخالفه أقاويلهم حيث قال إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما تمسكتم بهما وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فلما وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب الله نصا مثل قوله جل وعز ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهُمْ راكِعُونَ ومَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ والَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) وروت العامة في ذلك أخبارا لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه تصدق بخاتمه وهو راكع فشكر الله ذلك له وأنزل الآية فيه فوجدنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد أتى بقوله من كنت مولاه فعلي مولاه وبقوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ووجدناه يقول علي يقضي ديني وينجز موعدي وهو خليفتي عليكم من بعدي فالخبر الأول الذي استنبطت منه هذه الأخبار خبر صحيح مجمع عليه لا اختلاف فيه عندهم وهو أيضا موافق للكتاب فلما شهد الكتاب بتصديق الخبر وهذه الشواهد الأخر لزم على الأمة الإقرار بها ضرورة إذ كانت هذه الأخبار شواهدها من القرآن ناطقة ووافقت القرآن والقرآن وافقها ثم وردت حقائق الأخبار من رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الصادقين ( عليه السلام ) ونقلها قوم ثقات معروفون فصار الاقتداء بهذه الأخبار فرضا واجبا على كل مؤمن ومؤمنة لا يتعداه إلا أهل العناد وذلك أن أقاويل آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) متصلة بقول الله وذلك

تحف العقول عن آل الرسول _188_

  مثل قوله في محكم كتابه ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا والْآخِرَةِ وأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) ووجدنا نظير هذه الآية قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن ينتقم منه وكذلك قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومثل قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في بني وليعة لأبعثن إليهم رجلا كنفسي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قم يا علي فسر إليهم وقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم خيبر لأبعثن إليهم غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله عليه فقضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالفتح قبل التوجيه فاستشرف لكلامه أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلما كان من الغد دعا عليا (عليه السلام) فبعثه إليهم فاصطفاه بهذه المنقبة وسماه كرارا غير فرار فسماه الله محبا لله ولرسوله فأخبر أن الله ورسوله يحبانه وإنما قدمنا هذا الشرح والبيان دليلا على ما أردنا وقوة لما نحن مبينوه من أمر الجبر والتفويض والمنزلة بين المنزلتين وبالله العون والقوة وعليه نتوكل في جميع أمورنا فإنا نبدأ من ذلك بقول الصادق ( عليه السلام ) لا جبر ولا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين وهي صحة الخلقة وتخلية السرب والمهلة في الوقت والزاد مثل الراحلة والسبب المهيج للفاعل على فعله فهذه خمسة أشياء جمع به الصادق (عليه السلام) جوامع الفضل فإذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطروحا بحسبه فأخبر الصادق ( عليه السلام ) بأصل ما يجب على الناس من طلب معرفته ونطق الكتاب بتصديقه فشهد بذلك محكمات آيات رسوله لأن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وآله (عليه السلام) لا يعدون شيئا من قوله وأقاويلهم حدود القرآن فإذا وردت حقائق الأخبار والتمست شواهدها من التنزيل فوجد لها موافقا وعليها دليلا كان الاقتداء بها فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد كما ذكرنا في أول الكتاب ولما التمسنا تحقيق ما قاله الصادق (عليه السلام) من المنزلة بين المنزلتين وإنكاره الجبر والتفويض وجدنا الكتاب قد شهد له وصدق مقالته في هذا وخبر عنه أيضا موافق لهذا أن الصادق (عليه السلام) سئل هل أجبر الله العباد على المعاصي فقال الصادق ( عليه السلام ) هو أعدل من ذلك فقيل له فهل فوض إليهم فقال ( عليه السلام ) هو أعز وأقهر لهم من ذلك وروي عنه أنه قال الناس في القدر على ثلاثة أوجه رجل يزعم أن الأمر مفوض إليه فقد وهن الله في سلطانه فهو هالك ورجل يزعم أن الله جل وعز أجبر العباد على المعاصي وكلفهم ما لا يطيقون فقد ظلم الله في حكمه فهو هالك ورجل يزعم أن الله كلف

تحف العقول عن آل الرسول _189_

  العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون فإذا أحسن حمد الله وإذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ فأخبر (عليه السلام) أن من تقلد الجبر والتفويض ودان بهما فهو على خلاف الحق فقد شرحت الجبر الذي من دان به يلزمه الخطأ وأن الذي يتقلد التفويض يلزمه الباطل فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما ثم قال (عليه السلام) وأضرب لكل باب من هذه الأبواب مثلا يقرب المعنى للطالب ويسهل له البحث عن شرحه تشهد به محكمات آيات الكتاب وتحقق تصديقه عند ذوي الألباب وبالله التوفيق والعصمة فأما الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ فهو قول من زعم أن الله جل وعز أجبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله في حكمه وكذبه ورد عليه قوله ولا ( يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً وقوله ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) وقوله ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً ولكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) مع آي كثيرة في ذكر هذا فمن زعم أنه مجبر على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله وقد ظلمه في عقوبته ومن ظلم الله فقد كذب كتابه ومن كذب كتابه فقد لزمه الكفر باجتماع الأمة ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك نفسه ولا يملك عرضا من عرض الدنيا ويعلم مولاه ذلك منه فأمره على علم منه بالمصير إلى السوق لحاجة يأتيه بها ولم يملكه ثمن ما يأتيه به من حاجته وعلم المالك أن على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه إلا بما يرضى به من الثمن وقد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة وإظهار الحكمة ونفي الجور وأوعد عبده إن لم يأته بحاجته أن يعاقبه على علم منه بالرقيب الذي على حاجته أنه سيمنعه وعلم أن المملوك لا يملك ثمنها ولم يملكه ذلك فلما صار العبد إلى السوق وجاء ليأخذ حاجته التي بعثه المولى لها وجد عليها مانعا يمنع منها إلا بشراء وليس يملك العبد ثمنها فانصرف إلى مولاه خائبا بغير قضاء حاجته فاغتاظ مولاه من ذلك وعاقبه عليه أ ليس يجب في عدله وحكمه أن لا يعاقبه وهو يعلم أن عبده لا يملك عرضا من عروض الدنيا ولم يملكه ثمن حاجته فإن عاقبه عاقبه ظالما متعديا عليه مبطلا لما وصف من عدله وحكمته ونصفته وإن لم يعاقبه كذب نفسه في وعيده إياه حين أوعده بالكذب والظلم اللذين ينفيان العدل والحكمة تعالى عما يقولون علوا كبيرا فمن دان بالجبر أو بما يدعو إلى الجبر فقد ظلم الله ونسبه إلى الجور والعدوان إذ أوجب على من أجبره العقوبة ومن زعم أن الله أجبر العباد فقد أوجب على قياس قوله إن الله يدفع عنهم العقوبة ومن زعم أن الله يدفع عن أهل المعاصي العذاب فقد كذب الله في وعيده حيث يقول بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وقوله ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) وقوله ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً ) مع آي كثيرة في هذا الفن ممن كذب وعيد الله ويلزمه في

تحف العقول عن آل الرسول _190_

تكذيبه آية من كتاب الله الكفر وهو ممن قال الله( أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ ومَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) بل نقول إن الله جل وعز جازى العباد على أعمالهم ويعاقبهم على أفعالهم بالاستطاعة التي ملكهم إياها فأمرهم ونهاهم بذلك ونطق كتابه ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ومَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) وقال جل ذكره ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ويُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وقال الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ ) فهذه آيات محكمات تنفي الجبر ومن دان به ومثلها في القرآن كثير اختصرنا ذلك لئلا يطول الكتاب وبالله التوفيق وأما التفويض الذي أبطله الصادق ( عليه السلام ) وأخطأ من دان به وتقلده فهو قول القائل إن الله جل ذكره فوض إلى العباد اختيار أمره ونهيه وأهملهم وفي هذا كلام دقيق لمن يذهب إلى تحريره ودقته وإلى هذا ذهبت الأئمة المهتدية من عترة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فإنهم قالوا لو فوض إليهم على جهة الإهمال لكان لازما له رضا ما اختاروه واستوجبوا منه الثواب ولم يكن عليهم فيما جنوه العقاب إذا كان الإهمال واقعا وتنصرف هذه المقالة على معنيين إما أن يكون العباد تظاهروا عليه فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة كره ذلك أم أحب فقد لزمه الوهن أو يكون جل وعز عجز عن تعبدهم بالأمر والنهي على إرادته كرهوا أو أحبوا ففوض أمره ونهيه إليهم وأجراهما على محبتهم إذ عجز عن تعبدهم بإرادته فجعل الاختيار إليهم في الكفر والإيمان ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه ويعرف له فضل ولايته ويقف عند أمره ونهيه وادعى مالك العبد أنه قاهر عزيز حكيم فأمر عبده ونهاه ووعده على اتباع أمره عظيم الثواب وأوعده على معصيته أليم العقاب فخالف العبد إرادة مالكه ولم يقف عند أمره ونهيه فأي أمر أمره أو أي نهي نهاه عنه لم يأته على إرادة المولى بل كان العبد يتبع إرادة نفسه واتباع هواه ولا يطيق المولى أن يرده إلى اتباع أمره ونهيه والوقوف على إرادته ففوض اختيار أمره ونهيه إليه ورضي منه بكل ما فعله على إرادة العبد لا على إرادة المالك وبعثه في بعض حوائجه وسمى له الحاجة فخالف على مولاه وقصد لإرادة نفسه واتبع هواه فلما رجع إلى مولاه نظر إلى ما أتاه به فإذا هو خلاف ما أمره به فقال له لم أتيتني بخلاف ما أمرتك فقال العبد اتكلت على تفويضك الأمر إلي فاتبعت هواي وإرادتي لأن المفوض إليه غير محظور عليه فاستحال التفويض .
  أ وليس يجب على هذا السبب إما أن يكون المالك للعبد قادرا يأمر عبده باتباع أمره ونهيه على إرادته لا على إرادة العبد ويملكه من الطاقة بقدر ما يأمره به وينهاه عنه فإذا أمره بأمر ونهاه عن نهي عرفه الثواب والعقاب عليهما وحذره ورغبه بصفة ثوابه وعقابه ليعرف العبد قدرة مولاه بما ملكه من الطاقة لأمره ونهيه وترغيبه وترهيبه فيكون عدله وإنصافه شاملا له وحجته واضحة عليه للإعذار والإنذار فإذا اتبع العبد أمر

تحف العقول عن آل الرسول _191_

   مولاه جازاه وإذا لم يزدجر عن نهيه عاقبه أو يكون عاجزا غير قادر ففوض أمره إليه أحسن أم أساء أطاع أم عصى عاجز عن عقوبته ورده إلى اتباع أمره وفي إثبات العجز نفي القدرة والتأله وإبطال الأمر والنهي والثواب والعقاب ومخالفة الكتاب إذ يقول ولا ( يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) وقوله عز وجل ( اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إِلَّا وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) وقوله ( وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ) وقوله ( اعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) وقوله ( أَطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ ولا تَوَلَّوْا عَنْهُ وأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) فمن زعم أن الله تعالى فوض أمره ونهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز وأوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير وشر وأبطل أمر الله ونهيه ووعده ووعيده لعلة ما زعم أن الله فوضها إليه لأن المفوض إليه يعمل بمشيئته فإن شاء الكفر أو الإيمان كان غير مردود عليه ولا محظور فمن دان بالتفويض على هذا المعنى فقد أبطل جميع ما ذكرنا من وعده ووعيده وأمره ونهيه وهو من أهل هذه الآية ( أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ ومَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) تعالى الله عما يدين به أهل التفويض علوا كبيرا لكن نقول إن الله جل وعز خلق الخلق بقدرته وملكهم استطاعة تعبدهم بها فأمرهم ونهاهم بما أراد فقبل منهم اتباع أمره ورضي بذلك لهم ونهاهم عن معصيته وذم من عصاه وعاقبه عليها ولله الخيرة في الأمر والنهي يختار ما يريد ويأمر به وينهى عما يكره ويعاقب عليه بالاستطاعة التي ملكها عباده لاتباع أمره واجتناب معاصيه لأنه ظاهر العدل والنصفة والحكمة البالغة بالغ الحجة بالإعذار والإنذار وإليه الصفوة يصطفي من عباده من يشاء لتبليغ رسالته واحتجاجه على عباده اصطفى محمدا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبعثه برسالاته إلى خلقه فقال من قال من كفار قومه حسدا واستكبارا ( لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) يعني بذلك أمية بن أبي الصلت وأبا مسعود الثقفي فأبطل الله اختيارهم ولم يجز لهم آراءهم حيث يقول ( أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ورَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ورَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) ولذلك اختار من الأمور ما أحب ونهى عما كره فمن أطاعه أثابه ومن عصاه عاقبه ولو فوض اختيار أمره إلى عباده لأجاز لقريش اختيار أمية بن أبي الصلت وأبي مسعود الثقفي إذ كانا عندهم أفضل من محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلما أدب الله المؤمنين بقوله وما كانَ ( لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) فلم يجز لهم الاختيار بأهوائهم ولم يقبل منهم إلا اتباع أمره واجتناب نهيه على يدي من اصطفاه فمن أطاعه رشد ومن عصاه ضل وغوى ولزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعة لاتباع أمره واجتناب نهيه فمن أجل ذلك حرمه ثوابه وأنزل به عقابه وهذا القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض وبذلك أخبر أمير المؤمنين ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عباية بن ربعي الأسدي حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم ويقعد ويفعل .

تحف العقول عن آل الرسول _192_

  فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) سألت عن الاستطاعة تملكها من دون الله أو مع الله فسكت عباية فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) قل يا عباية قال وما أقول قال (عليه السلام) إن قلت إنك تملكها مع الله قتلتك وإن قلت تملكها دون الله قتلتك قال عباية فما أقول يا أمير المؤمنين قال (عليه السلام) تقول إنك تملكها بالله الذي يملكها من دونك فإن يملكها إياك كان ذلك من عطائه وإن يسلبكها كان ذلك من بلائه هو المالك لما ملكك والقادر على ما عليه أقدرك أ ما سمعت الناس يسألون الحول والقوة حين يقولون لا حول ولا قوة إلا بالله قال عباية وما تأويلها يا أمير المؤمنين قال (عليه السلام) لا حول عن معاصي الله إلا بعصمة الله ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بعون الله قال فوثب عباية فقبل يديه ورجليه وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حين أتاه نجدة يسأله عن معرفة الله قال يا أمير المؤمنين بما ذا عرفت ربك قال (عليه السلام) بالتمييز الذي خولني والعقل الذي دلني قال أ فمجبول أنت عليه قال لو كنت مجبولا ما كنت محمودا على إحسان ولا مذموما على إساءة وكان المحسن أولى باللائمة من المسي‏ء فعلمت أن الله قائم باق وما دونه حدث حائل زائل وليس القديم الباقي كالحدث الزائل قال نجدة أجدك أصبحت حكيما يا أمير المؤمنين قال أصبحت مخيرا فإن أتيت السيئة بمكان الحسنة فأنا المعاقب عليها وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال لرجل سأله بعد انصرافه من الشام فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن خروجنا إلى الشام بقضاء وقدر قال (عليه السلام) نعم يا شيخ ما علوتم تلعة ولا هبطتم واديا إلا بقضاء وقدر من الله فقال الشيخ عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين فقال (عليه السلام) مه يا شيخ فإن الله قد عظم أجركم في مسيركم وأنتم سائرون وفي مقامكم وأنتم مقيمون وفي انصرافكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شي‏ء من أموركم مكرهين ولا إليه مضطرين لعلك ظننت أنه قضاء حتم وقدر لازم لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب ولسقط الوعد والوعيد ولما ألزمت الأشياء أهلها على الحقائق ذلك مقالة عبدة الأوثان وأولياء الشيطان إن الله جل وعز أمر تخييرا ونهى تحذيرا ولم يطع مكرها ولم يعص مغلوبا ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار فقام الشيخ فقبل رأس أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنشأ يقول .
أنـت  الإمام الذي نرجو iiبطاعته        يـوم النجاة من الرحمن iiغفرانا
أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا        جـزاك  ربـك عنا فيه iiرضوانا
فـليس مـعذرة في فعل iiفاحشة        قـد  كنت راكبها ظلما iiوعصيانا

تحف العقول عن آل الرسول _193_

  فقد دل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على موافقة الكتاب ونفي الجبر والتفويض اللذين يلزمان من دان بهما وتقلدهما الباطل والكفر وتكذيب الكتاب ونعوذ بالله من الضلالة والكفر ولسنا ندين بجبر ولا تفويض لكنا نقول بمنزلة بين المنزلتين وهو الامتحان والاختبار بالاستطاعة التي ملكنا الله وتعبدنا بها على ما شهد به الكتاب ودان به الأئمة الأبرار من آل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومثل الاختبار بالاستطاعة مثل رجل ملك عبدا وملك مالا كثيرا أحب أن يختبر عبده على علم منه بما يئول إليه فملكه من ماله بعض ما أحب ووقفه على أمور عرفها العبد فأمره أن يصرف ذلك المال فيها ونهاه عن أسباب لم يحبها وتقدم إليه أن يجتنبها ولا ينفق من ماله فيها والمال يتصرف في أي الوجهين فصرف المال أحدهما في اتباع أمر المولى ورضاه والآخر صرفه في اتباع نهيه وسخطه وأسكنه دار اختبار أعلمه أنه غير دائم له السكنى في الدار وأن له دارا غيرها وهو مخرجه إليها فيها ثواب وعقاب دائمان فإن أنفذ العبد المال الذي ملكه مولاه في الوجه الذي أمره به جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي أعلمه أنه مخرجه إليها وإن أنفق المال في الوجه الذي نهاه عن إنفاقه فيه جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود وقد حد المولى في ذلك حدا معروفا وهو المسكن الذي أسكنه في الدار الأولى فإذا بلغ الحد استبدل المولى بالمال وبالعبد على أنه لم يزل مالكا للمال والعبد في الأوقات كلها إلا أنه وعد أن لا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار الأولى إلى أن يستتم سكناه فيها فوفى له لأن من صفات المولى العدل والوفاء والنصفة والحكمة أ وليس يجب إن كان ذلك العبد صرف ذلك المال في الوجه المأمور به أن يفي له بما وعده من الثواب وتفضل عليه بأن استعمله في دار فانية وأثابه على طاعته فيها نعيما دائما في دار باقية دائمة وإن صرف العبد المال الذي ملكه مولاه أيام سكناه تلك الدار الأولى في الوجه المنهي عنه وخالف أمر مولاه كذلك تجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره إياها غير ظالم له لما تقدم إليه وأعلمه وعرفه وأوجب له الوفاء بوعده ووعيده بذلك يوصف القادر القاهر وأما المولى فهو الله جل وعز وأما العبد فهو ابن آدم المخلوق والمال قدرة الله الواسعة ومحنته إظهاره الحكمة والقدرة والدار الفانية هي الدنيا وبعض المال الذي ملكه مولاه هو الاستطاعة التي ملك ابن آدم والأمور التي أمر الله بصرف المال إليها هو الاستطاعة لاتباع الأنبياء والإقرار بما أوردوه عن الله جل وعز واجتناب الأسباب التي نهى عنها هي طرق إبليس وأما وعده فالنعيم الدائم وهي الجنة وأما الدار الفانية فهي الدنيا وأما الدار الأخرى فهي الدار الباقية وهي الآخرة والقول بين الجبر والتفويض هو الاختبار والامتحان والبلوى بالاستطاعة التي ملك العبد وشرحها في الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق ( عليه السلام ) أنها جمعت جوامع الفضل وأنا مفسرها بشواهد من القرآن والبيان إن شاء الله تفسير صحة

تحف العقول عن آل الرسول _194_

  الخلقة أما قول الصادق ( عليه السلام ) فإن معناه كمال الخلق للإنسان وكمال الحواس وثبات العقل والتمييز وإطلاق اللسان بالنطق وذلك قول الله( ولَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ ورَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا ) فقد أخبر عز وجل عن تفضيله بني آدم على سائر خلقه من البهائم والسباع ودواب البحر والطير وكل ذي حركة تدركه حواس بني آدم بتمييز العقل والنطق وذلك قوله ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) وقوله يا ( أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ ) وفي آيات كثيرة فأول نعمة الله على الإنسان صحة عقله وتفضيله على كثير من خلقه بكمال العقل وتمييز البيان وذلك أن كل ذي حركة على بسيط الأرض هو قائم بنفسه بحواسه مستكمل في ذاته ففضل بني آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق المدرك بالحواس فمن أجل النطق ملك الله ابن آدم غيره من الخلق حتى صار آمرا ناهيا وغيره مسخر له كما قال الله ( كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ ) وقال ( وهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ) وقال ( والْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‏ءٌ ومَنافِعُ ومِنْها تَأْكُلُونَ ولَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وحِينَ تَسْرَحُونَ وتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ) فمن أجل ذلك دعا الله الإنسان إلى اتباع أمره وإلى طاعته بتفضيله إياه باستواء الخلق وكمال النطق والمعرفة بعد أن ملكهم استطاعة ما كان تعبدهم به بقوله ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ واسْمَعُوا وأَطِيعُوا وقوله لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) وقوله ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ) ما آتاها وفي آيات كثيرة فإذا سلب من العبد حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته كقوله ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ولا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ) الآية فقد رفع عن كل من كان بهذه الصفة الجهاد وجميع الأعمال التي لا يقوم بها وكذلك أوجب على ذي اليسار الحج والزكاة لما ملكه من استطاعة ذلك ولم يوجب على الفقير الزكاة والحج قوله ( ولِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) وقوله في الظهار ( والَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) إلى قوله ( فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) كل ذلك دليل على أن الله تبارك وتعالى لم يكلف عباده إلا ما ملكهم استطاعته بقوة العمل به ونهاهم عن مثل ذلك فهذه صحة الخلقة وأما قوله تخلية السرب فهو الذي ليس عليه رقيب يحظر عليه ويمنعه العمل بما أمره الله به وذلك قوله فيمن استضعف وحظر عليه العمل فلم يجد حيلة ولا يهتدي سبيلا كما قال الله تعالى ( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ولا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ) فأخبر أن المستضعف لم يخل سربه وليس عليه من القول شي‏ء إذا كان مطمئن القلب بالإيمان وأما المهلة في الوقت فهو

تحف العقول عن آل الرسول _195_

  العمر الذي يمتع الإنسان من حد ما تجب عليه المعرفة إلى أجل الوقت وذلك من وقت تمييزه وبلوغ الحلم إلى أن يأتيه أجله فمن مات على طلب الحق ولم يدرك كماله فهو على خير وذلك قوله ( ومَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ ) الآية وإن كان لم يعمل بكمال شرائعه لعلة ما لم يمهله في الوقت إلى استتمام أمره وقد حظر على البالغ ما لم يحظر على الطفل إذا لم يبلغ الحلم في قوله ( وقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ ) الآية فلم يجعل عليهن حرجا في إبداء الزينة للطفل وكذلك لا تجري عليه الأحكام وأما قوله الزاد فمعناه الجدة والبلغة التي يستعين بها العبد على ما أمره الله به وذلك قوله ما ( عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) الآية أ لا ترى أنه قبل عذر من لم يجد ما ينفق وألزم الحجة كل من أمكنته البلغة والراحلة للحج والجهاد وأشباه ذلك وكذلك قبل عذر الفقراء وأوجب لهم حقا في مال الأغنياء بقوله ( لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) الآية فأمر بإعفائهم ولم يكلفهم الإعداد لما لا يستطيعون ولا يملكون وأما قوله في السبب المهيج فهو النية التي هي داعية الإنسان إلى جميع الأفعال وحاستها القلب فمن فعل فعلا وكان بدين لم يعقد قلبه على ذلك لم يقبل الله منه عملا إلا بصدق النية ولذلك أخبر عن المنافقين بقوله ( يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ واللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ ) ثم أنزل على نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) توبيخا للمؤمنين يا ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ) الآية فإذا قال الرجل قولا واعتقد في قوله دعته النية إلى تصديق القول بإظهار الفعل وإذا لم يعتقد القول لم تتبين حقيقته وقد أجاز الله صدق النية وإن كان الفعل غير موافق لها لعلة مانع يمنع إظهار الفعل في قوله ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) وقوله (لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ) فدل القرآن وأخبار الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن القلب مالك لجميع الحواس يصحح أفعالها ولا يبطل ما يصحح القلب شيئا فهذا شرح جميع الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق ( عليه السلام ) أنها تجمع المنزلة بين المنزلتين وهما الجبر والتفويض فإذا اجتمع في الإنسان كمال هذه الخمسة الأمثال وجب عليه العمل كملا لما أمر الله عز وجل به ورسوله وإذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنها مطروحا بحسب ذلك .
فأما شواهد القرآن على الاختبار والبلوى بالاستطاعة التي تجمع القول بين القولين فكثيرة ومن ذلك قوله ( لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ والصَّابِرِينَ ونَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ ) وقال ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ) وقال الم( أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) وقال في الفتن التي معناها الاختبار ولَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ الآية وقال في قصة موسى ( عليه السلام ) ( فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ) وقول موسى ( إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ )

تحف العقول عن آل الرسول _196_

   أي اختبارك فهذه الآيات يقاس بعضها ببعض ويشهد بعضها لبعض وأما آيات البلوى بمعنى الاختبار قوله ( لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ ) وقوله ( ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ) وقوله ( إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ ) وقوله ( خَلَقَ الْمَوْتَ والْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) وقوله ( وإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ) وقوله ( ولَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ ولكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ) وكل ما في القرآن من بلوى هذه الآيات التي شرح أولها فهي اختبار وأمثالها في القرآن كثيرة فهي إثبات الاختبار والبلوى إن الله جل وعز لم يخلق الخلق عبثا ولا أهملهم سدى ولا أظهر حكمته لعبا وبذلك أخبر في قوله ( أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ) فإن قال قائل فلم يعلم الله ما يكون من العباد حتى اختبرهم قلنا بلى قد علم ما يكون منهم قبل كونه وذلك قوله ( ولَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ) وإنما اختبرهم ليعلمهم عدله ولا يعذبهم إلا بحجة بعد الفعل وقد أخبر بقوله ( ولَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا ) وقوله ( وما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) وقوله ( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ ) فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده وهو القول بين الجبر والتفويض وبهذا نطق القرآن وجرت الأخبار عن الأئمة من آل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فإن قالوا ما الحجة في قول الله( يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) وما أشبهها قيل مجاز هذه الآيات كلها على معنيين أما أحدهما فإخبار عن قدرته أي إنه قادر على هداية من يشاء وضلال من يشاء وإذا أجبرهم بقدرته على أحدهما لم يجب لهم ثواب ولا عليهم عقاب على نحو ما شرحنا في الكتاب والمعنى الآخر أن الهداية منه تعريفه كقوله ( وأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ ) أي عرفناهم ( فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) فلو أجبرهم على الهدى لم يقدروا أن يضلوا وليس كلما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجة على محكم الآيات اللواتي أمرنا بالأخذ بها من ذلك قوله ( مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وما يَعْلَمُ ) الآية وقال ( فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) أي أحكمه وأشرحه ( أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ ) وفقنا الله وإياكم إلى القول والعمل لما يحب ويرضى وجنبنا وإياكم معاصيه بمنه وفضله والحمد لله كثيرا كما هو أهله وصلى الله على محمد وآله الطيبين وحسبنا الله ونعم الوكيل .

أجوبته ( عليه السلام ) ليحيى بن أكثم عن مسائله :
قال موسى بن محمد بن الرضا لقيت يحيى بن أكثم في دار العامة فسألني عن مسائل فجئت إلى أخي علي بن محمد ( عليه السلام ) فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني وبصرني طاعته فقلت له جعلت

تحف العقول عن آل الرسول _197_

  فداك إن ابن أكثم كتب يسألني عن مسائل لأفتيه فيها فضحك ( عليه السلام ) ثم قال فهل أفتيته قلت لا لم أعرفها قال ( عليه السلام ) وما هي قلت كتب يسألني عن قول الله ( قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) نبي الله كان محتاجا إلى علم آصف وعن قوله ( ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) سجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء وعن قوله ( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ ) من المخاطب بالآية فإن كان المخاطب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقد شك وإن المخاطب غيره فعلى من إذا أنزل الكتاب وعن قوله ( ولَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ والْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ ) ما هذه الأبحر وأين هي وعن قوله ( وفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ) فاشتهت نفس آدم ( عليه السلام ) أكل البر فأكل وأطعم وفيها ما تشتهي الأنفس فكيف عوقب وعن قوله ( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وإِناثاً ) يزوج الله عباده الذكران وقد عاقب قوما فعلوا ذلك وعن شهادة المرأة جازت وحدها وقد قال الله ( وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) وعن الخنثى وقول علي ( عليه السلام ) يورث من المبال فمن ينظر إذا بال إليه مع أنه عسى أن يكون امرأة وقد نظر إليها الرجال أو عسى أن يكون رجلا وقد نظرت إليه النساء وهذا ما لا يحل وشهادة الجار إلى نفسه لا تقبل وعن رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاة منها فلما بصر بصاحبها خلى سبيلها فدخلت بين الغنم كيف تذبح وهل يجوز أكلها أم لا وعن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار وإنما يجهر في صلاة الليل وعن قول علي ( عليه السلام ) لابن جرموز بشر قاتل ابن صفية بالنار فلم يقتله وهو إمام وأخبرني عن علي ( عليه السلام ) لم قتل أهل صفين وأمر بذلك مقبلين ومدبرين وأجاز على الجرحى وكان حكمه يوم الجمل أنه لم يقتل موليا ولم يجز على جريح ولم يأمر بذلك وقال من دخل داره فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن لم فعل ذلك فإن كان الحكم الأول صوابا فالثاني خطأ وأخبرني عن رجل أقر باللواط على نفسه أ يحد أم يدرأ عنه الحد قال (عليه السلام) اكتب إليه قلت وما أكتب قال ( عليه السلام ) اكتب بسم الله الرحمن الرحيم وأنت فألهمك الله الرشد أتاني كتابك فامتحنتنا به من تعنتك لتجد إلى الطعن سبيلا إن قصرنا فيها والله يكافيك على نيتك وقد شرحنا مسائلك فأصغ إليها سمعك وذلل لها فهمك وأشغل بها قلبك فقد لزمتك الحجة والسلام سألت عن قول الله جل وعز ( قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ ) فهو آصف بن برخيا ولم يعجز سليمان ( عليه السلام ) عن معرفة ما عرف آصف لكنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أحب أن يعرف أمته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده وذلك من علم سليمان ( عليه السلام ) أودعه عند آصف بأمر الله ففهمه ذلك لئلا يختلف عليه في إمامته ودلالته كما فهم سليمان ( عليه السلام ) في حياة داود ( عليه السلام ) لتعرف نبوته وإمامته من بعده لتأكد الحجة على الخلق وأما سجود يعقوب ( عليه السلام ) وولده فكان طاعة لله ومحبة ليوسف ( عليه السلام ) كما أن السجود من الملائكة لآدم

تحف العقول عن آل الرسول _198_

   ( عليه السلام ) لم يكن لآدم ( عليه السلام ) وإنما كان ذلك طاعة لله ومحبة منهم لآدم (عليه السلام) فسجود يعقوب ( عليه السلام ) وولده ويوسف ( عليه السلام ) معهم كان شكرا لله باجتماع شملهم أ لم تره يقول في شكره ذلك الوقت ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ) إلى آخر الآية وأما قوله ( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ ) فإن المخاطب به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يكن في شك مما أنزل إليه ولكن قالت الجهلة كيف لم يبعث الله نبيا من الملائكة إذ لم يفرق بين نبيه وبيننا في الاستغناء عن المآكل والمشارب والمشي في الأسواق فأوحى الله إلى نبيه ( فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ ) بمحضر الجهلة هل بعث الله رسولا قبلك إلا وهو يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ولك بهم أسوة وإنما قال فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ ولم يكن شك ولكن للنصفة كما قال ( تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وأَبْناءَكُمْ ونِساءَنا ونِساءَكُمْ وأَنْفُسَنا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) ولو قال عليكم لم يجيبوا إلى المباهلة وقد علم الله أن نبيه يؤدي عنه رسالاته وما هو من الكاذبين فكذلك عرف النبي أنه صادق فيما يقول ولكن أحب أن ينصف من نفسه وأما قوله ( ولَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ والْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ ) فهو كذلك لو أن أشجار الدنيا أقلام والبحر يمده سبعة أبحر وانفجرت الأرض عيونا لنفدت قبل أن تنفد كلمات الله وهي عين الكبريت وعين النمر وعين البرهوت وعين طبرية وحمة ماسبذان وحمة إفريقية يدعى لسنان وعين بحرون ونحن كلمات الله التي لا تنفد ولا تدرك فضائلنا وأما الجنة فإن فيها من المآكل والمشارب والملاهي ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وأباح الله ذلك كله لآدم (عليه السلام) والشجرة التي نهى الله عنها آدم ( عليه السلام ) وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد عهد إليهما أن لا ينظرا إلى من فضل الله على خلائقه بعين الحسد فنسي ونظر بعين الحسد ولم يجد له عزما وأما قوله ( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً ) وإِناثاً أي يولد له ذكور ويولد له إناث يقال لكل اثنين مقرنين زوجان كل واحد منهما زوج ومعاذ الله أن يكون عنى الجليل ما لبست به على نفسك تطلب الرخص لارتكاب المآثم ( ومَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ويَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً ) إن لم يتب وأما شهادة المرأة وحدها التي جازت فهي القابلة جازت شهادتها مع الرضا فإن لم يكن رضا فلا أقل من امرأتين تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة لأن الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها فإن كانت وحدها قبل قولها مع يمينها وأما

تحف العقول عن آل الرسول _199_

  قول علي ( عليه السلام ) في الخنثى فهي كما قال ينظر قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة وتقوم الخنثى خلفهم عريانة وينظرون في المرايا فيرون الشبح فيحكمون عليه وأما الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة فإن عرفها ذبحها وأحرقها وإن لم يعرفها قسم الغنم نصفين وساهم بينهما فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر ثم يفرق النصف الآخر فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان فيقرع بينهما فأيتها وقع السهم بها ذبحت وأحرقت ونجا سائر الغنم وأما صلاة الفجر فالجهر فيها بالقراءة لأن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يغلس بها فقراءتها من الليل وأما قول علي ( عليه السلام ) بشر قاتل ابن صفية بالنار فهو لقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكان ممن خرج يوم النهروان فلم يقتله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالبصرة لأنه علم أنه يقتل في فتنة النهروان وأما قولك إن عليا (عليه السلام) قتل أهل الصفين مقبلين ومدبرين وأجاز على جريحهم وإنه يوم الجمل لم يتبع موليا ولم يجز على جريح ومن ألقى سلاحه آمنه ومن دخل داره آمنه فإن أهل الجمل قتل إمامهم ولم تكن لهم فئة يرجعون إليها وإنما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين رضوا بالكف عنهم فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم والكف عن أذاهم إذ لم يطلبوا عليه أعوانا وأهل صفين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة وإمام يجمع لهم السلاح الدروع والرماح والسيوف ويسني لهم العطاء يهيئ لهم الأنزال ويعود مريضهم ويجبر كسيرهم ويداوي جريحهم ويحمل راجلهم ويكسو حاسرهم ويردهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم فلم يساو بين الفريقين في الحكم لما عرف من الحكم في قتال أهل التوحيد لكنه شرح ذلك لهم فمن رغب عرض على السيف أو يتوب من ذلك وأما الرجل الذي اعترف باللواط فإنه لم تقم عليه بينة وإنما تطوع بالإقرار من نفسه وإذا كان للإمام الذي من الله أن يعاقب عن الله كان له أن يمن عن الله أ ما سمعت قول الله هذا عَطاؤُنا الآية قد أنبأناك بجميع ما سألتنا عنه فاعلم ذلك .

وروي عنه ( عليه السلام ) في قصار هذه المعاني :
  قال ( عليه السلام ) لبعض مواليه عاتب فلانا وقل له إن الله إذا أراد بعبد خيرا إذا عوتب قبل .
  وكان المتوكل نذر أن يتصدق بمال كثير إن عافاه الله من علته فلما عوفي سأل العلماء عن حد المال الكثير فاختلفوا ولم يصيبوا المعنى فسأل أبا الحسن (عليه السلام) عن ذلك فقال ( عليه السلام ) يتصدق بثمانين درهما فسأل عن علة ذلك فقال إن الله قال لنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ) فعددنا مواطن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فبلغت ثمانين موطنا وسماها الله كثيرة فسر المتوكل بذلك وصدق بثمانين درهما .
  وقال ( عليه السلام ) إن لله بقاعا يحب أن يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه والحير منها

تحف العقول عن آل الرسول _200_

  وقال ( عليه السلام ) من اتقى الله يتقى ومن أطاع الله يطاع ومن أطاع الخالق لم يبال سخط المخلوقين ومن أسخط الخالق فلييقن أن يحل به سخط المخلوقين .
  وقال ( عليه السلام ) إن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه والأوهام أن تناله والخطرات أن تحده والأبصار عن الإحاطة به نأى في قربه وقرب في نأيه كيف الكيف بغير أن يقال كيف وأين الأين بلا أن يقال أين هو منقطع الكيفية والأينية الواحد الأحد جل جلاله وتقدست أسماؤه .
  وقال الحسن بن مسعود دخلت على أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) وقد نكبت إصبعي وتلقاني راكب وصدم كتفي ودخلت في زحمة فخرقوا علي بعض ثيابي فقلت كفاني الله شرك من يوم فما أيشمك فقال ( عليه السلام ) لي يا حسن هذا وأنت تغشانا ترمي بذنبك من لا ذنب له قال الحسن فأثاب إلي عقلي وتبينت خطئي فقلت يا مولاي أستغفر الله فقال يا حسن ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشأمون بها إذا جوزيتم بأعمالكم فيها قال الحسن أنا أستغفر الله أبدا وهي توبتي يا ابن رسول الله قال ( عليه السلام ) والله ما ينفعكم ولكن الله يعاقبكم بذمها على ما لا ذم عليها فيه أ ما علمت يا حسن أن الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالأعمال عاجلا وآجلا قلت بلى يا مولاي قال ( عليه السلام ) لا تعد ولا تجعل للأيام صنعا في حكم الله قال الحسن بلى يا مولاي .
وقال ( عليه السلام ) من أمن مكر الله وأليم أخذه تكبر حتى يحل به قضاؤه ونافذ أمره ومن كان على بينة من ربه هانت عليه مصائب الدنيا ولو قرض ونشر .
  وقال داود الصرمي أمرني سيدي بحوائج كثيرة فقال ( عليه السلام ) لي قل كيف تقول فلم أحفظ مثل ما قال لي فمد الدواة وكتب بسم الله الرحمن الرحيم أذكره إن شاء الله والأمر بيد الله فتبسمت فقال (عليه السلام) ما لك قلت خير فقال أخبرني قلت جعلت فداك ذكرت حديثا حدثني به رجل من أصحابنا عن جدك الرضا ( عليه السلام ) إذا أمر بحاجة كتب بسم الله الرحمن الرحيم أذكر إن شاء الله فتبسمت فقال (عليه السلام) لي يا داود ولو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا .
  وقال ( عليه السلام ) يوما إن أكل البطيخ يورث الجذام فقيل له أ ليس قد أمن المؤمن إذا أتى عليه أربعون سنة من الجنون والجذام والبرص قال (عليه السلام) نعم ولكن إذا خالف المؤمن ما أمر به ممن آمنه لم يأمن أن تصيبه عقوبة الخلاف .
  وقال ( عليه السلام ) الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أوجبت الشكر لأن النعم متاع والشكر نعم وعقبى .
  وقال ( عليه السلام ) إن الله جعل الدنيا دار بلوى والآخرة دار عقبى وجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا .
  وقال ( عليه السلام ) إن الظالم الحالم يكاد أن يعفى على ظلمه بحلمه وإن المحق السفيه يكاد أن يطفئ نور حقه بسفهه .
  وقال ( عليه السلام ) من جمع لك وده ورأيه فاجمع له طاعتك .
  وقال ( عليه السلام ) من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره .
  وقال ( عليه السلام ) الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون