موعظته (عليه السلام) ووصفه المقصرين :
  لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل ويرجو التوبة بطول الأمل يقول في الدنيا قول الزاهدين ويعمل فيها عمل الراغبين إن أعطي منها لم يشبع وإن منع لم يقنع يعجز عن شكر ما أوتي ويبتغي الزيادة فيما بقي ينهى الناس ولا ينتهي ويأمر الناس ما لا يأتي يحب الصالحين ولا يعمل بأعمالهم ويبغض المسيئين وهو منهم ويكره الموت لكثرة سيئاته ولا يدعها في حياته يقول كم أعمل فأتعنى أ لا أجلس فأتمنى فهو يتمنى المغفرة ويدأب في المعصية وقد عمر ما يتذكر فيه من تذكر يقول فيما ذهب لو كنت عملت ونصبت لكان خيرا لي ويضيعه غير مكترث لاهيا إن سقم ندم على التفريط في العمل وإن صح أمن مغترا يؤخر العمل تعجبه نفسه ما عوفي ويقنط إذا ابتلي تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستيقن لا يقنع من الرزق بما قسم له ولا يثق منه بما قد ضمن له ولا يعمل من العمل بما فرض عليه فهو من نفسه في شك إن استغنى بطر وفتن وإن افتقر قنط ووهن فهو من الذنب والنعمة موفر ويبتغي الزيادة ولا يشكر ويتكلف من الناس ما لا يعنيه ويصنع من نفسه ما هو أكثر إن عرضت له شهوة واقعها باتكال على التوبة وهو لا يدري كيف يكون ذلك لا تغنيه رغبته ولا تمنعه رهبته ثم يبالغ في المسألة حين يسأل ويقصر في العمل فهو بالقول مدل ومن العمل مقل يرجو نفع عمل ما لم يعمله ويأمن عقاب جرم قد عمله يبادر من الدنيا إلى ما يفنى ويدع جاهلا ما يبقى وهو يخشى الموت ولا يخاف الفوت يستكثر من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه ويستكثر من طاعته ما يحتقر من غيره يخاف على غيره بأدنى من ذنبه ويرجو لنفسه بأدنى من عمله فهو على الناس طاعن ولنفسه مداهن يؤدي الأمانة ما عوفي وأرضي والخيانة إذا سخط وابتلي إذا عوفي ظن أنه قد تاب وإن ابتلي ظن أنه قد عوقب يؤخر الصوم ويعجل النوم لا يبيت قائما ولا يصبح صائما يصبح وهمته الصبح ولم يسهر ويمسي وهمته العشاء وهو مفطر يتعوذ بالله ممن هو دونه ولا يتعوذ ممن هو فوقه ينصب الناس لنفسه ولا ينصب نفسه لربه النوم مع الأغنياء أحب إليه من الركوع مع الضعفاء يغضب من اليسير ويعصي في الكثير يعزف لنفسه على غيره ولا يعزف عليها لغيره فهو يحب أن يطاع ولا يعصى ويستوفي ولا يوفي يرشد غيره ويغوي نفسه ويخشى الخلق في غير ربه ولا يخشى ربه في خلقه يعرف ما أنكر وينكر ما عرف ولا يحمد ربه على نعمه ولا يشكره على مزيد ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن منكر فهو دهره في لبس إن مرض أخلص وتاب وإن عوفي قسا وعاد فهو أبدا عليه ولا له لا يدري عمله إلى ما يؤديه إليه حتى متى وإلى متى اللهم اجعلنا منك على حذر احفظ وع انصرف إذا شئت .

وصفه (عليه السلام) المتقين :
  قال بعد حمد الله والثناء عليه إن المتقين في الدنيا هم أهل الفضائل منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع خضعوا لله بالطاعة غاضين أبصارهم عما حرم الله جل وعز واقفين أسماعهم على العلم نزلت منهم أنفسهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء رضا بالقضاء لو لا الآجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم فهم والجنة

تحف العقول عن آل الرسول _52 _

  كمن قد رآها فهم فيها منعمون وهم والنار كمن قد رآها وهم فيها معذبون قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة وأجسادهم نحيفة وحاجاتهم خفيفة وأنفسهم عفيفة ومعونتهم للإسلام عظيمة صبروا أياما قصارا فأعقبتهم راحة طويلة مربحة يسرها لهم رب كريم أرادتهم الدنيا ولم يريدوها وطلبتهم فأعجزوها أما الليل فصافون أقدامهم تالون لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يحزنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم وتهيج أحزانهم بكاء على ذنوبهم ووجع كلومهم وجراحهم فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا وتطلعت أنفسهم إليها شوقا وظنوا أنها نصب أعينهم وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم فهم حانون على أوساطهم ومفترشون جباههم وأكفهم وأطراف الأقدام يطلبون إلى الله العظيم في فكاك رقابهم أما النهار فحكماء علماء أبرار أتقياء قد براهم الخوف أمثال القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى ويقول قد خولطوا وقد خالط القوم أمر عظيم إذا هم ذكروا عظمة الله تعالى وشدة سلطانه مع ما يخالطهم من ذكر الموت وأهوال القيامة أفزع ذلك قلوبهم وطاشت له أحلامهم وذهلت له عقولهم فإذا أشفقوا من ذلك بادروا إلى الله بالأعمال الزاكية لا يرضون باليسير ولا يستكثرون له الكثير هم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون إذا زكي أحدهم خاف مما يقولون فيقول أنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم بي مني اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون إنك علام الغيوب فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين وخوفا في لين وإيمانا في يقين وحرصا في علم وكيسا في رفق وشفقة في نفقة وفهما في فقه وعلما في حلم وقصدا في غنى وخشوعا في عبادة وتجملا في فاقة وصبرا في شدة ورحمة للمجهود وإعطاء في حق ورفقا في كسب وطلبا في حلال ونشاطا في هدى وتحرجا عن طمع وبرا في استقامة واعتصاما عند شهوة لا يغره ثناء من جهله ولا يدع إحصاء عمله مستبطئا لنفسه في العمل يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل يمسي وهمه الشكر يصبح وهمه الذكر يبيت حذرا ويصبح فرحا حذرا لما حذر من الغفلة فرحا بما أصاب من الفضل والرحمة إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما هويت فرحه فيما يحذر وقرة عينه فيما لا يزول وزهادته فيما يفنى يمزج الحلم بالعلم ويمزج العلم بالعمل تراه بعيدا كسله دائما نشاطه قريبا أمله قليلا زلله خاشعا قلبه قانعة نفسه متغيبا جهله سهلا أمره حريزا دينه ميتة شهوته مكظوما غيظه صافيا خلقه لا يحدث الأصدقاء بالذي يؤتمن عليه ولا يكتم شهادة الأعداء لا يعمل شيئا رئاء ولا يتركه استحياء الخير منه مأمول والشر منه مأمون إن كان في الغافلين كتب في الذاكرين يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه لا يعزب حلمه ولا يعجز فيما يزينه بعيدا فحشه لينا قوله غائبا مكره كثيرا معروفه حسنا فعله مقبلا خيره مدبرا شره فهو في الزلازل وقور وفي المكاره صبور وفي الرخاء شكور لا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحب ولا يدعي ما ليس له ولا يجحد حقا هو عليه يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه لا يضيع ما استحفظ ولا ينابز بالألقاب لا يبغي ولا يهم به ولا يضار بالجار ولا

تحف العقول عن آل الرسول _53 _

  يشمت بالمصائب سريع إلى الصواب مؤد للأمانات بطي‏ء عن المنكرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لا يدخل في الدنيا بجهل ولا يخرج من الحق إن صمت لم يغمه الصمت وإن ضحك لم يعل به الصوت قانع بالذي له لا يجمح به الغيظ ولا يغلبه الهوى ولا يقهره الشح ولا يطمع فيما ليس له يخالط الناس ليعلم ويصمت ليسلم ويسأل ليفهم لا ينصت للخير ليعجز به ولا يتكلم به ليتجبر على من سواه إن بغي عليه صبر حتى يكون الله جل ذكره ينتقم له نفسه منه في عناء والناس منه في رجاء أتعب نفسه لآخرته وأراح الناس من نفسه بعده عمن تباعد عنه بغض ونزاهة ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة ليس تباعده تكبرا ولا عظمة ولا دنوه خديعة ولا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير وهو إمام لمن خلفه من أهل البر .

خطبته (عليه السلام) التي يذكر فيها الإيمان ودعائمه وشعبه والكفر ودعائمه وشعبها :
  إن الله ابتدأ الأمور فاصطفى لنفسه منها ما شاء واستخلص منها ما أحب فكان مما أحب أنه ارتضى الإيمان فاشتقه من اسمه فنحله من أحب من خلقه ثم بينه فسهل شرائعه لمن ورده وأعز أركانه على من جانبه وجعله عزا لمن والاه وأمنا لمن دخله وهدى لمن ائتم به وزينة لمن تحلى به ودينا لمن انتحله وعصمة لمن اعتصم به وحبلا لمن استمسك به وبرهانا لمن تكلم به وشرفا لمن عرفه وحكمة لمن نطق به ونورا لمن استضاء به وحجة لمن خاصم به وفلجا لمن حاج به وعلما لمن وعى وحديثا لمن روى وحكما لمن قضى وحلما لمن حدث ولبا لمن تدبر وفهما لمن تفكر ويقينا لمن عقل وبصيرة لمن عزم وآية لمن توسم وعبرة لمن اتعظ ونجاة لمن آمن به ومودة من الله لمن صلح وزلفى لمن ارتقب وثقة لمن توكل وراحة لمن فوض وصبغة لمن أحسن وخيرا لمن سارع وجنة لمن صبر ولباسا لمن اتقى وتطهيرا لمن رشد وأمنة لمن أسلم وروحا للصادقين فالإيمان أصل الحق وأصل الحق سبيله الهدى وصفته الحسنى ومأثرته المجد فهو أبلج المنهاج مشرق المنار مضي‏ء المصابيح رفيع الغاية يسير المضمار جامع الحلبة متنافس السبقة قديم العدة كريم الفرسان الصالحات مناره والعفة مصابيحه والموت غايته والدنيا مضماره والقيامة حلبته والجنة سبقته والنار نقمته والتقوى عدته والمحسنون فرسانه فبالإيمان يستدل على الصالحات وبالصالحات يعمر الفقه وبالفقه يرهب الموت وبالموت تختم الدنيا وبالدنيا تحذو الآخرة وبالقيامة تزلف الجنة والجنة حسرة أهل النار والنار موعظة التقوى والتقوى سنخ الإحسان والتقوى غاية لا يهلك من تبعها ولا يندم من يعمل بها لأن بالتقوى فاز الفائزون وبالمعصية خسر الخاسرون فليزدجر أولو النهى وليتذكر أهل التقوى فالإيمان على أربع دعائم على الصبر واليقين والعدل والجهاد فالصبر على أربع شعب على الشوق والشفق والزهد والترقب فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ومن أشفق من النار رجع عن الحرمات ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات واليقين على أربع شعب على تبصرة الفطنة وتأول الحكمة وموعظة العبرة وسنة الأولين فمن تبصر في الفطنة تأول الحكمة ومن تأول الحكمة عرف العبرة ومن عرف العبرة عرف السنة ومن عرف السنة فكأنما عاش في الأولين والعدل على أربع شعب على غائص الفهم وغمرة العلم وزهرة الحكم وروضة الحلم فمن فهم فسر جميع العلم ومن عرف الحكم لم يضل ومن حلم لم يفرط أمره وعاش به في الناس حميدا والجهاد على أربع شعب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق عند المواطن وشنآن الفاسقين فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الكافرين ومن صدق في المواطن قضى ما عليه ومن شنأ الفاسقين غضب لله ومن غضب لله غضب الله له فذلك الإيمان ودعائمه وشعبه والكفر على أربع دعائم على الفسق والغلو والشك والشبهة .

تحف العقول عن آل الرسول _54 _

  فالفسق من ذلك على أربع شعب الجفاء والعمى والغفلة والعتو فمن جفا حقر المؤمن ومقت الفقهاء وأصر على الحنث ومن عمي نسي الذكر فبذى خلقه وبارز خالقه وألح عليه الشيطان ومن غفل جنى على نفسه وانقلب على ظهره وحسب غيه رشدا وغرته الأماني وأخذته الحسرة إذا انقضى الأمر وانكشف عنه الغطاء وبدا له من الله ما لم يكن يحتسب ومن عتا عن أمر الله شك ومن شك تعالى الله عليه ثم أذله بسلطانه وصغره بجلاله كما فرط في حياته واغتر بربه الكريم والغلو على أربع شعب على التعمق والتنازع والزيغ والشقاق فمن تعمق لم ينته إلى الحق ولم يزده إلا غرقا في الغمرات لا تنحسر عنه فتنة إلا غشيته أخرى فهو يهوي في أمر مريج ومن نازع وخاصم وقع بينهم الفشل وبلي أمرهم من طول اللجاج ومن زاغ ساءت عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة وسكر سكر الضلال ومن شاق اعورت عليه طرقه واعترض عليه أمره وضاق مخرجه وحري أن ينزع من دينه من اتبع غير سبيل المؤمنين والشك على أربع شعب على المرية والهول والتردد والاستسلام فبأي آلاء ربك يتمارى الممترون ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه ومن تردد في دينه سبقه الأولون وأدركه الآخرون ووطئته سنابك الشياطين ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيهما ومن نجا من ذلك فبفضل اليقين والشبهة على أربع شعب على الإعجاب بالزينة وتسويل النفس وتأول العوج ولبس الحق بالباطل وذلك أن الزينة تصدف عن البينة وتسويل النفس تقحم إلى الشهوة والعوج يميل بصاحبه ميلا عظيما واللبس ظلمات بعضها فوق بعض فذلك الكفر ودعائمه وشعبه والنفاق على أربع دعائم على الهوى والهوينا والحفيظة والطمع والهوى من ذلك على أربع شعب على البغي والعدوان والشهوة والعصيان فمن بغى كثرت غوائله وتخلى عنه ونصر عليه ومن اعتدى لم تؤمن بوائقه ولم يسلم قلبه ومن لم يعذل نفسه عن الشهوات خاض في الحسرات وسبح فيها ومن عصى ضل عمدا بلا عذر ولا حجة وأما شعب الهوينا فالهيبة والغرة والمماطلة والأمل وذلك أن الهيبة ترد عن الحق والاغترار بالعاجل تفريط الأجل والمماطلة مورط في العمى ولو لا الأمل علم الإنسان حساب ما هو فيه ولو علم حساب ما هو فيه مات خفاتا من الهول والوجل وأما شعب الحفيظة فالكبر والفخر والحمية والعصبية فمن استكبر أدبر ومن فخر فجر ومن حمي أصر ومن أخذته العصبية جار فبئس الأمر بين إدبار وفجور وإصرار وشعب الطمع الفرح والمرح واللجاجة والتكبر فالفرح مكروه عند الله والمرح خيلاء واللجاجة بلاء لمن اضطرته إلى حمل الآثام والتكبر لهو ولعب وشغل واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير فذلك النفاق ودعائمه وشعبه والله قاهر فوق عباده تعالى ذكره واستوت به مرته واشتدت قوته وفاضت بركته واستضاءت حكمته وفلجت حجته وخلص دينه وحقت كلمته وسبقت حسناته وصفت نسبته وأقسطت موازينه وبلغت رسالاته وحضرت حفظته ثم جعل السيئة ذنبا والذنب فتنة والفتنة دنسا وجعل الحسنى غنما والعتبى توبة والتوبة طهورا فمن تاب اهتدى ومن افتتن غوى ما لم يتب إلى الله ويعترف بذنبه ويصدق بالحسنى ولا يهلك على الله إلا هالك فالله الله ما أوسع ما لديه من التوبة والرحمة والبشرى والحلم العظيم وما أنكر ما لديه من الأنكال والجحيم والعزة والقدرة والبطش الشديد فمن ظفر بطاعة الله اختار كرامته ومن لم يزل في معصية الله ذاق وبيل نقمته هنالك عقبى الدار .

تحف العقول عن آل الرسول _55 _

ومن كلامه (عليه السلام) لكميل بن زياد بعد أشياء ذكرها :
  إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها احفظ عني ما أقول لك الناس ثلاثة عالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم فيهتدوا ولم يلجئوا إلى ركن وثيق فينجوا يا كميل العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال والمال تفنيه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق العلم حاكم والمال محكوم عليه يا كميل بن زياد محبة العالم دين يدان به به يكسب الإنسان الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته ومنفعة المال تزول بزواله مات خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثلتهم في القلوب موجودة ها إن هاهنا لعلما جما وأشار إلى صدره لم أصب له خزنة بلى أصيب لقنا غير مأمون مستعملا آلة الدين في طلب الدنيا يستظهر بحجج الله على أوليائه وبنعمة الله على معاصيه أو منقادا لحملة الحق لا بصيرة له في أحنائه ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة اللهم لا ذا ولا ذاك أو منهوما باللذة سلس القياد للشهوة أو مغرما بالجمع والادخار ليسا من رعاة الدين ولا من ذوي البصائر واليقين أقرب شبها بهما الأنعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حملته اللهم بلى لا يخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا لئلا تبطل حجج الله وبيناته ورواة كتابه وأين أولئك هم الأقلون عددا الأعظمون قدرا بهم يحفظ الله حججه حتى يودعه نظراءهم ويزرعها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقائق الإيمان فباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعر منه المترفون واستأنسوا بما استوحش منه الجاهلون صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى يا كميل أولئك أمناء الله في خلقه وخلفاؤه في أرضه وسرجه في بلاده والدعاة إلى دينه وا شوقاه إلى رؤيتهم أستغفر الله لي ولك .

وصيته (عليه السلام) لكميل بن زياد مختصرة :
  يا كميل سم كل يوم باسم الله وقل لا حول ولا قوة إلا بالله وتوكل على الله واذكرنا وسم بأسمائنا وصل علينا وأدر بذلك على نفسك وما تحوطه عنايتك تكف شر ذلك اليوم إن شاء الله يا كميل إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أدبه الله وهو (عليه السلام) أدبني وأنا أؤدب المؤمنين وأورث الآداب المكرمين يا كميل ما من علم إلا وأنا أفتحه وما من سر إلا والقائم (عليه السلام) يختمه يا كميل ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم يا كميل لا تأخذ إلا عنا تكن منا يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة يا كميل إذا أكلت الطعام فسم باسم الذي لا يضر مع اسمه داء وفيه شفاء من كل الأسواء يا كميل وآكل الطعام ولا تبخل عليه فإنك لن ترزق الناس شيئا والله يجزل لك الثواب بذلك أحسن عليه خلقك وابسط جليسك ولا تتهم خادمك يا كميل إذا أكلت فطول أكلك ليستوفي من معك ويرزق منه غيرك يا كميل إذا استوفيت طعامك فاحمد الله على ما رزقك وارفع بذلك صوتك يحمده سواك فيعظم بذلك أجرك يا كميل لا توقرن معدتك طعاما ودع فيها للماء موضعا وللريح مجالا ولا ترفع يدك من الطعام إلا وأنت تشتهيه فإن فعلت ذلك فأنت تستمرئه فإن صحة الجسم من قلة الطعام وقلة الماء يا كميل البركة

تحف العقول عن آل الرسول _56 _

  في مال من آتى الزكاة وواسى المؤمنين ووصل الأقربين يا كميل زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين وكن بهم أرأف وعليهم أعطف وتصدق على المساكين يا كميل لا ترد سائلا ولو من شطر حبة عنب أو شق تمرة فإن الصدقة تنمو عند الله يا كميل أحسن حلية المؤمن التواضع وجماله التعفف وشرفه التفقه وعزه ترك القال والقيل يا كميل في كل صنف قوم أرفع من قوم فإياك ومناظرة الخسيس منهم وإن أسمعوك واحتمل وكن من الذين وصفهم الله (وإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً ) يا كميل قل الحق على كل حال وواد المتقين واهجر الفاسقين وجانب المنافقين ولا تصاحب الخائنين يا كميل لا تطرق أبواب الظالمين للاختلاط بهم والاكتساب معهم وإياك أن تعظمهم وأن تشهد في مجالسهم بما يسخط الله عليك وإن اضطررت إلى حضورهم فداوم ذكر الله والتوكل عليه واستعذ بالله من شرورهم وأطرق عنهم وأنكر بقلبك فعلهم واجهر بتعظيم الله تسمعهم فإنك بها تؤيد وتكفى شرهم يا كميل إن أحب ما تمتثله العباد إلى الله بعد الإقرار به وبأوليائه التعفف والتحمل والاصطبار يا كميل لا تر الناس إقتارك واصبر عليه احتسابا بعز وتستر يا كميل لا بأس أن تعلم أخاك سرك ومن أخوك أخوك الذي لا يخذلك عند الشديدة ولا يقعد عنك عند الجريرة ولا يدعك حتى تسأله ولا يذرك وأمرك حتى تعلمه فإن كان مميلا فأصلحه يا كميل المؤمن مرآة المؤمن لأنه يتأمله فيسد فاقته ويجمل حالته يا كميل المؤمنون إخوة ولا شي‏ء آثر عند كل أخ من أخيه يا كميل إن لم تحب أخاك فلست أخاه إن المؤمن من قال بقولنا فمن تخلف عنه قصر عنا ومن قصر عنا لم يلحق بنا ومن لم يكن معنا ففي الدرك الأسفل من النار يا كميل كل مصدور ينفث فمن نفث إليك منا بأمر أمرك بستره فإياك أن تبديه وليس لك من إبدائه توبة وإذا لم يكن توبة فالمصير إلى لظى يا كميل إذاعة سر آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يقبل منها ولا يحتمل أحد عليها وما قالوه فلا تعلم إلا مؤمنا موقنا يا كميل قل عند كل شدة لا حول ولا قوة إلا بالله تكفها وقل عند كل نعمة الحمد لله تزدد منها وإذا أبطأت الأرزاق عليك فاستغفر الله يوسع عليك فيها يا كميل انج بولايتنا من أن يشركك الشيطان في مالك وولدك يا كميل إنه مستقر ومستودع فاحذر أن تكون من المستودعين وإنما يستحق أن يكون مستقرا إذا لزمت الجادة الواضحة التي لا تخرجك إلى عوج ولا تزيلك عن منهج يا كميل لا رخصة في فرض ولا شدة في نافلة يا كميل إن ذنوبك أكثر من حسناتك وغفلتك أكثر من ذكرك ونعم الله عليك أكثر من عملك يا كميل إنك لا تخلو من نعم الله عندك وعافيته إياك فلا تخل من تحميده وتمجيده وتسبيحه وتقديسه وشكره وذكره على كل حال يا كميل لا تكونن من الذين قال الله نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ ونسبهم إلى الفسق فهم فاسقون يا كميل ليس الشأن أن تصلي وتصوم وتتصدق الشأن أن تكون الصلاة بقلب نقي وعمل عند الله مرضي وخشوع سوي وانظر فيما تصلي وعلى ما تصلي إن لم يكن من وجهه وحله فلا قبول يا كميل اللسان ينزح من القلب والقلب يقوم بالغذاء فانظر فيما تغذي قلبك وجسمك فإن لم يكن ذلك حلالا لم يقبل الله تسبيحك ولا شكرك يا

تحف العقول عن آل الرسول _57 _

  كميل افهم واعلم أنا لا نرخص في ترك أداء الأمانة لأحد من الخلق فمن روى عني في ذلك رخصة فقد أبطل وأثم وجزاؤه النار بما كذب أقسم لسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لي قبل وفاته بساعة مرارا ثلاثا يا أبا الحسن أداء الأمانة إلى البر والفاجر فيما جل وقل حتى الخيط والمخيط يا كميل لا غزو إلا مع إمام عادل ولا نفل إلا من إمام فاضل يا كميل لو لم يظهر نبي وكان في الأرض مؤمن تقي لكان في دعائه إلى الله مخطئا أو مصيبا بل والله مخطئا حتى ينصبه الله لذلك ويؤهله له يا كميل الدين لله فلا يقبل الله من أحد القيام به إلا رسولا أو نبيا أو وصيا يا كميل هي نبوة ورسالة وإمامة وليس بعد ذلك إلا موالين متبعين أو عامهين مبتدعين إنما يتقبل الله من المتقين يا كميل إن الله كريم حليم عظيم رحيم دلنا على أخلاقه وأمرنا بالأخذ بها وحمل الناس عليها فقد أديناها غير متخلفين وأرسلناها غير منافقين وصدقناها غير مكذبين وقبلناها غير مرتابين يا كميل لست والله متملقا حتى أطاع ولا ممنيا حتى لا أعصى ولا مائلا لطعام الأعراب حتى أنحل إمرة المؤمنين وأدعى بها يا كميل إنما حظي من حظي بدنيا زائلة مدبرة ونحظى بآخرة باقية ثابتة يا كميل إن كلا يصير إلى الآخرة والذي نرغب فيه منها رضا الله والدرجات العلى من الجنة التي يورثها من كان تقيا يا كميل من لا يسكن الجنة فبشره بعذاب أليم وخزي مقيم يا كميل أنا أحمد الله على توفيقه وعلى كل حال إذا شئت فقم .

وصيته (عليه السلام) محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر :
  هذا ما عهد عبد الله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر أمره بتقوى الله والطاعة له في السر والعلانية وخوف الله في الغيب والمشهد وباللين للمسلم وبالغلظة على الفاجر وبالعدل على أهل الذمة وبإنصاف المظلوم وبالشدة على الظالم وبالعفو عن الناس وبالإحسان ما استطاع والله يجزي المحسنين ويعذب المجرمين وأمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة والجماعة فإن لهم في ذلك من العافية وعظيم المثوبة ما لا يقدرون قدره ولا يعرفون كنهه وأمره أن يلين لهم جناحه وأن يساوي بينهم في مجلسه ووجهه ويكون القريب والبعيد عنده في الحق سواء وأمره أن يحكم بين الناس بالعدل وأن يقيم بالقسط ولا يتبع الهوى ولا يخاف في الله لومة لائم فإن الله مع من اتقاه وآثر طاعته وأمره على من سواه وكتب عبيد الله بن أبي رافع .

تحف العقول عن عن آل الرسول _58 _

ثم كتب إلى أهل مصر بعد مسيره ما اختصرناه :
  من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر وأهل مصر سلام عليكم أما بعد فقد وصل إلي كتابك وفهمت ما سألت عنه وأعجبني اهتمامك بما لا بد لك منه وما لا يصلح المسلمين غيره وظننت أن الذي أخرج ذلك منك نية صالحة ورأي غير مدخول أما بعد فعليك بتقوى الله في مقامك ومقعدك وسرك وعلانيتك وإذا أنت قضيت بين الناس فاخفض لهم جناحك ولين لهم جانبك وابسط لهم وجهك وآس بينهم في اللحظ والنظر حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم ولا يأيس الضعفاء من عدلك عليهم وأن تسأل المدعي البينة وعلى المدعى عليه اليمين ومن صالح أخاه على صلح فأجز صلحه إلا أن يكون صلحا يحرم حلالا أو يحلل حراما وآثر الفقهاء وأهل الصدق والوفاء والحياء والورع على أهل الفجور والكذب والغدر وليكن الصالحون الأبرار إخوانك والفاجرون الغادرون أعداءك فإن أحب إخواني إلي أكثرهم لله ذكرا وأشدهم منه خوفا وأنا أرجو أن تكون منهم إن شاء الله وإني أوصيكم بتقوى الله فيما أنتم عنه مسئولون وعما أنتم إليه صائرون فإن الله قال في كتابه ( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) وقال ( ويُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) وقال (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ) فعليكم بتقوى الله فإنها تجمع من الخير ما لا يجمع غيرها ويدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا وخير الآخرة قال الله ( وقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ ولَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ولَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ ) اعلموا عباد الله أن المتقين ذهبوا بعاجل الخير وآجله شاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم قال الله عز وجل ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ) الآية سكنوا الدنيا بأحسن ما سكنت وأكلوها بأحسن ما أكلت واعلموا عباد الله أنكم إذا اتقيتم الله وحفظتم نبيكم في أهله فقد عبدتموه بأفضل عبادته وذكرتموه بأفضل ما ذكر وشكرتموه بأفضل ما شكر وقد أخذتم بأفضل الصبر والشكر واجتهدتم بأفضل الاجتهاد وإن كان غيركم أطول منكم صلاة وأكثر منكم صياما وصدقة إذ كنتم أنتم أوفى لله وأنصح لأولياء الله ومن هو ولي الأمر من آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واحذروا عباد الله الموت وقربه وكربه وسكراته وأعدوا له عدته فإنه يأتي بأمر عظيم بخير لا يكون معه شر وبشر لا يكون معه خير أبدا فمن أقرب إلى الجنة من عاملها وأقرب إلى النار من أهلها فأكثروا ذكر الموت عند ما تنازعكم إليه أنفسكم فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول أكثروا ذكر هادم اللذات واعلموا أن ما بعد الموت لمن لم يغفر

تحف العقول عن آل الرسول _59 _

   الله له ويرحمه أشد من الموت واعلم يا محمد أنني وليتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر وأنت محقوق أن تخاف على نفسك وأن تحذر فيه على دينك وإن لم تكن إلا ساعة من النهار فإن استطعت أن لا تسخط ربك برضا أحد من خلقه فافعل فإن في الله خلفا من غيره ولا في شي‏ء خلف من الله اشدد على الظالم وخذ على يديه ولن لأهل الخير وقربهم منك واجعلهم بطانتك وإخوانك ثم انظر صلاتك كيف هي فإنك إمام وليس من إمام يصلي بقوم فيكون في صلاتهم تقصير إلا كان عليه أوزارهم ولا ينتقص من صلاتهم شي‏ء ولا يتممها إلا كان له مثل أجورهم ولا ينتقص من أجورهم شي‏ء وانظر الوضوء فإنه تمام الصلاة ولا صلاة لمن لا وضوء له واعلم أن كل شي‏ء من عملك تابع لصلاتك واعلم أنه من ضيع الصلاة فإنه لغير الصلاة من شرائع الإسلام أضيع وإن استطعتم يا أهل مصر أن يصدق قولكم فعلكم وسركم علانيتكم ولا تخالف ألسنتكم أفعالكم فافعلوا وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إني لا أخاف على أمتي مؤمنا ولا مشركا أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه وأما المشرك فيخزيه الله ويقمعه بشركه ولكني أخاف عليكم كل منافق حلو اللسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون ليس به خفاء وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من سرته حسناته وساءته سيئاته فذلك المؤمن حقا وكان يقول (صلى الله عليه وآله وسلم) خصلتان لا يجتمعان في منافق حسن سمت وفقه في سنة واعلم يا محمد بن أبي بكر أن أفضل الفقه الورع في دين الله والعمل بطاعة الله أعاننا الله وإياك على شكره وذكره وأداء حقه والعمل بطاعته إنه سميع قريب واعلم أن الدنيا دار بلاء وفناء والآخرة دار بقاء وجزاء فإن استطعت أن تزين ما يبقى على ما يفنى فافعل رزقنا الله بصر ما بصرنا وفهم ما فهمنا حتى لا نقصر عما أمرنا ولا نتعدى إلى ما نهانا عنه فإنه لا بد لك من نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج فإن عرض لك أمران أحدهما للآخرة والآخر للدنيا فابدأ بأمر الآخرة وإن استطعت أن تعظم رغبتك في الخير وتحسن فيه نيتك فافعل فإن الله يعطي العبد على قدر نيته إذا أحب الخير وأهله وإن لم يفعله كان إن شاء الله كمن فعله ثم إني أوصيك بتقوى الله ثم بسبع خصال هن جوامع الإسلام تخشى الله ولا تخشى الناس في الله فإن خير القول ما صدقه الفعل ولا تقض في أمر واحد بقضاءين فيختلف عليك أمرك وتزل عن الحق وأحبب لعامة رعيتك ما تحب لنفسك وأهل بيتك واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك وألزم الحجة عند الله وأصلح رعيتك وخض الغمرات إلى الحق ولا تخف في الله لومة لائم وأقم وجهك وانصح للمرء المسلم إذا استشارك واجعل نفسك أسوة لقريب المسلمين وبعيدهم وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .

تحف العقول عن آل الرسول _60_

ومن كلامه (عليه السلام) في الزهد وذم الدنيا وعاجلها :
  إني أحذركم الدنيا فإنها حلوة خضرة حفت بالشهوات وتحببت بالعاجلة وعمرت بالآمال وتزينت بالغرور لا تدوم حبرتها ولا تؤمن فجعتها غرارة ضرارة زائلة نافدة أكالة غوالة لا تعدو إذا هي تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضا بها أن تكون كما قال الله سبحانه ( كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ مُقْتَدِراً ) مع أن امرأ لم يكن منها في حبرة إلا أعقبته عبرة ولم يلق من سرائها بطنا إلا منحته من ضرائها ظهرا ولم تطله فيها ديمة رخاء إلا هتفت عليه مزنة بلاء إذا هي أصبحت منتصرة أن تمسي له منكرة وإن جانب منها اعذوذب لامرئ واحلولى أمر عليه جانب منها فأوبى وإن لبس امرؤ منها في جناح أمن إلا أصبح في أخوف خوف غرارة غرور ما فيها فانية فان من عليها لا خير في شي‏ء من زادها إلا التقوى من أقل منها استكثر مما يؤمنه ومن استكثر منها لم يدم له وزال عما قليل عنه كم من واثق بها قد فجعته وذي طمأنينة إليها قد صرعته وذي حذر قد خدعته وكم ذي أبهة فيها قد صيرته حقيرا وذي نخوة قد ردته جائعا فقيرا وكم ذي تاج قد أكبته لليدين والفم سلطانها ذل وعيشها رنق وعذبها أجاج وحلوها صبر حيها بعرض موت وصحيحها بعرض سقم ومنيعها بعرض اهتضام وملكها مسلوب وعزيزها مغلوب وأمنها منكوب وجارها محروب ومن وراء ذلك سكرات الموت وزفراته وهول المطلع والوقوف بين يدي الحاكم العدل ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى أ لستم في مساكن من كان أطول منكم أعمارا وأبين آثارا وأعد منكم عديدا وأكثف منكم جنودا وأشد منكم عنودا تعبدوا للدنيا أي تعبد وآثروها أي إيثار ثم ظعنوا عنها بالصغار أ فهذه تؤثرون أم على هذه تحرصون أم إليها تطمئنون يقول الله ( مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) فبئست الدار لمن لم يتهيبها ولم يكن فيها على وجل واعلموا وأنتم تعلمون أنكم تاركوها لا بد وإنما هي كما نعت الله ( لَعِبٌ ولَهْوٌ وزِينَةٌ وتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ والْأَوْلادِ ) فاتعظوا فيها بالذين كانوا يبنون بكل ريع آية يعبثون ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون وبالذين قالوا من أشد منا قوة واتعظوا بمن رأيتم من إخوانكم كيف حملوا إلى قبورهم ولا يدعون ركبانا وأنزلوا ولا يدعون ضيفانا وجعل لهم من الضريح أكنان ومن التراب أكفان ومن الرفات جيران فهم جيرة لا يجيبون داعيا ولا يمنعون ضيما لا يزورون ولا يزارون حلماء قد بارت أضغانهم جهلاء قد ذهبت أحقادهم لا تخشى فجعتهم ولا يرجى دفعهم وهم كمن لم يكن وكما قال الله سبحانه ( فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ ) استبدلوا بظهر الأرض بطنا وبالسعة ضيقا وبالأهل غربة وبالنور ظلمة جاءوها كما فارقوها حفاة عراة قد ظعنوا منها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة وإلى خلود أبد يقول الله تبارك وتعالى ( كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ ) .

تحف العقول عن آل الرسول _61 _

خطبته (عليه السلام) عند ما أنكر عليه قوم تسويته بين الناس في الفي‏ء :
  أما بعد أيها الناس فإنا نحمد ربنا وإلهنا وولي النعمة علينا ظاهره وباطنه بغير حول منا ولا قوة إلا امتنانا علينا وفضلا ليبلونا أ نشكر أم نكفر فمن شكر زاده ومن كفر عذبه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحدا صمدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه رحمة للعباد والبلاد والبهائم والأنعام نعمة أنعم بها ومنا وفضلا (صلى الله عليه وآله وسلم) فأفضل الناس أيها الناس عند الله منزلة وأعظمهم عند الله خطرا أطوعهم لأمر الله وأعملهم بطاعة الله وأتبعهم لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحياهم لكتاب الله فليس لأحد من خلق الله عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة رسوله واتباع كتابه وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا كتاب الله بين أظهرنا وعهد نبي الله وسيرته فينا لا يجهلها إلا جاهل مخالف معاند عن الله عز وجل يقول الله ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثى وجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ ) فمن اتقى الله فهو الشريف المكرم المحب وكذلك أهل طاعته وطاعة رسول الله يقول الله في كتابه ( إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) وقال ( أَطِيعُوا اللَّهَ والرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ ) ثم صاح بأعلى صوته يا معاشر المهاجرين والأنصار ويا معاشر المسلمين أ تمنون على الله وعلى رسوله بإسلامكم ولله ولرسوله المن عليكم إن كنتم صادقين ثم قال ألا إنه من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أجرينا عليه أحكام القرآن وأقسام الإسلام ليس لأحد على أحد فضل إلا بتقوى الله وطاعته جعلنا الله وإياكم من المتقين وأوليائه وأحبائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ثم قال ألا إن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها وترغبون فيها وأصبحت تعظكم وترميكم ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له ولا الذي دعيتم إليه ألا وإنها ليست بباقية لكم ولا تبقون عليها فلا يغرنكم عاجلها فقد حذرتموها ووصفت لكم وجربتموها فأصبحتم لا تحمدون عاقبتها فسابقوا رحمكم الله إلى منازلكم التي أمرتم أن تعمروها فهي العامرة التي لا تخرب أبدا والباقية التي لا تنفد رغبكم الله فيها ودعاكم إليها وجعل لكم الثواب فيها فانظروا يا معاشر المهاجرين والأنصار وأهل دين الله ما وصفتم به في كتاب الله ونزلتم به عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجاهدتم عليه فيما فضلتم به بالحسب والنسب أم بعمل وطاعة فاستتموا نعمه عليكم رحمكم الله بالصبر لأنفسكم والمحافظة على من استحفظكم الله من كتابه ألا وإنه لا يضركم تواضع شي‏ء من دنياكم بعد حفظكم وصية الله والتقوى ولا ينفعكم شي‏ء حافظتم عليه من أمر دنياكم بعد تضييع ما أمرتم به من التقوى فعليكم عباد الله بالتسليم لأمره والرضا بقضائه والصبر على بلائه فأما هذا الفي‏ء فليس لأحد فيه على أحد أثرة قد فرغ الله عز وجل من قسمه فهو مال الله وأنتم عباد الله المسلمون وهذا كتاب الله به أقررنا وعليه شهدنا وله أسلمنا وعهد نبينا بين أظهرنا فسلموا رحمكم الله فمن لم يرض بهذا فليتول كيف شاء فإن العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه أولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك هم المفلحون ونسأل الله ربنا وإلهنا أن يجعلنا وإياكم من أهل طاعته وأن يجعل رغبتنا ورغبتكم فيما عنده أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم .

تحف العقول عن آل الرسول _62 _

ومن كلامه (عليه السلام) في وضع المال مواضعه :
  لما رأت طائفة من أصحابه بصفين ما يفعله معاوية بمن انقطع إليه وبذله لهم الأموال والناس أصحاب دنيا قالوا لأمير المؤمنين (عليه السلام) أعط هذا المال وفضل الأشراف ومن تخوف خلافه وفراقه حتى إذا استتب لك ما تريد عدت إلى أحسن ما كنت عليه من العدل في الرعية والقسم بالسوية فقال أ تأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل الإسلام والله لا أطور به ما سمر به سمير وما أم نجم في السماء نجما ولو كان مالهم مالي لسويت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم ثم أزم طويلا ساكتا ثم قال من كان له مال فإياه والفساد فإن إعطاءك المال في غير وجهه تبذير وإسراف وهو يرفع ذكر صاحبه في الناس ويضعه عند الله ولم يضع امرؤ ماله في غير حقه وعند غير أهله إلا حرمه شكرهم وكان خيره لغيره فإن بقي معه منهم من يريه الود ويظهر له الشكر فإنما هو ملق وكذب وإنما يقرب لينال من صاحبه مثل الذي كان يأتي إليه قبل فإن زلت بصاحبه النعل واحتاج إلى معونته ومكافأته فأشر خليل وألأم خدين مقالة جهال ما دام عليهم منعما وهو عن ذات الله بخيل فأي حظ أبور وأخس من هذا الحظ وأي معروف أضيع وأقل عائدة من هذا المعروف فمن أتاه مال فليصل به القرابة وليحسن به الضيافة وليفك به العاني والأسير وليعن به الغارمين وابن السبيل والفقراء والمهاجرين وليصبر نفسه على الثواب والحقوق فإنه يحوز بهذه الخصال شرفا في الدنيا ودرك فضائل الآخرة .

وصفه (عليه السلام) الدنيا للمتقين :
  قال جابر بن عبد الله الأنصاري كنا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) بالبصرة فلما فرغ من قتال من قاتله أشرف علينا من آخر الليل فقال ما أنتم فيه فقلنا في ذم الدنيا فقال على م تذم الدنيا يا جابر ثم حمد الله وأثنى عليه وقال أما بعد فما بال أقوام يذمون الدنيا انتحلوا الزهد فيها الدنيا منزل صدق لمن صدقها ومسكن عافية لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزود منها مسجد أنبياء الله ومهبط وحيه ومصلى ملائكته ومسكن أحبائه ومتجر أوليائه اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا منها الجنة فمن ذا يذم الدنيا يا جابر وقد آذنت ببينها ونادت بانقطاعها ونعت نفسها بالزوال ومثلت ببلائها البلاء وشوقت بسرورها إلى السرور وراحت بفجيعة وابتكرت بنعمة وعافية ترهيبا وترغيبا يذمها قوم عند الندامة خدمتهم جميعا فصدقتهم وذكرتهم فذكروا ووعظتهم فاتعظوا وخوفتهم فخافوا وشوقتهم فاشتاقوا فأيها الذام للدنيا المغتر بغرورها متى استذمت إليك بل متى غرتك بنفسها بمصارع آبائك من البلى أم بمضاجع أمهاتك من الثرى كم مرضت بيديك وعللت بكفيك تستوصف لهم الدواء وتطلب لهم الأطباء لم تدرك فيه طلبتك ولم تسعف فيه بحاجتك بل مثلت الدنيا به نفسك وبحاله حالك غداة لا ينفعك أحباؤك ولا يغني عنك نداؤك حين يشتد من الموت أعالين المرض وأليم لوعات المضض حين لا ينفع الأليل ولا يدفع العويل يحفز بها الحيزوم ويغص بها الحلقوم لا يسمعه النداء ولا يروعه الدعاء فيا طول الحزن عند انقطاع الأجل ثم يراح به على شرجع نقله أكف أربع فيضجع في قبره في لبث وضيق جدث فذهبت الجدة وانقطعت المدة ورفضته العطفة وقطعته اللطفة لا تقاربه الأخلاء ولا يلم به الزوار ولا اتسقت به الدار انقطع دونه الأثر واستعجم دونه الخبر وبكرت ورثته

تحف العقول عن آل الرسول _63 _

  فاقتسمت تركته ولحقه الحوب وأحاطت به الذنوب فإن يكن قدم خيرا طاب مكسبه وإن يكن قدم شرا تب منقلبه وكيف ينفع نفسا قرارها والموت قصارها والقبر مزارها فكفى بهذا واعظا كفى يا جابر امض معي فمضيت معه حتى أتينا القبور فقال يا أهل التربة ويا أهل الغربة أما المنازل فقد سكنت وأما المواريث فقد قسمت وأما الأزواج فقد نكحت هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ثم أمسك عني مليا ثم رفع رأسه فقال والذي أقل السماء فعلت وسطح الأرض فدحت لو أذن للقوم في الكلام لقالوا إنا وجدنا خير الزاد التقوى ثم قال يا جابر إذا شئت فارجع .

ذكره (عليه السلام) الإيمان والأرواح واختلافها :
  أتاه رجل فقال له إن أناسا يزعمون أن العبد لا يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر وهو مؤمن ولا يأكل الربا وهو مؤمن ولا يسفك دما حراما وهو مؤمن فقد كبر هذا علي وحرج منه صدري حتى أزعم أن هذا العبد الذي يصلي ويواريني وأواريه أخرجه من الإيمان من أجل ذنب يسير أصابه فقال (عليه السلام) صدقك أخوك إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول خلق الله الخلق على ثلاث طبقات فأنزلهم ثلاث منازل فذلك قوله ( فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) فأما ما ذكره الله جل وعز من السابقين السابقين فإنهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين جعل الله فيهم خمسة أرواح روح القدس وروح الإيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وبروح الإيمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا معايشهم وبروح الشهوة أصابوا لذيذ المطعم والمشرب ونكحوا الحلال من النساء وبروح البدن دبوا ودرجوا فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنبهم ثم قال ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ورَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) ثم قال في جماعتهم ( وأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) يقول أكرمهم بها وفضلهم على سواهم فهؤلاء مغفور لهم ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقا بأعيانهم فجعل فيهم أربعة أرواح روح الإيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن فلا يزال العبد مستكملا هذه الأرواح الأربعة حتى تأتي عليه حالات فقال وما هذه الحالات فقال علي (عليه السلام) أما أولهن فما قال الله ( ومِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ) فهذا تنقص منه جميع الأرواح وليس بالذي يخرج من الإيمان لأن الله الفاعل به ذلك وراده إلى أرذل العمر فهو لا يعرف للصلاة وقتا ولا يستطيع التهجد بالليل ولا الصيام بالنهار فهذا نقصان من روح الإيمان وليس بضاره شيئا إن شاء الله وتنقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبح بنات آدم ما حن إليها وتبقى فيه روح البدن فهو يدب بها ويدرج حتى يأتيه الموت فهذا بحال خير الله الفاعل به ذلك وقد تأتي عليه حالات في قوته وشبابه يهم بالخطيئة فتشجعه روح القوة وتزين له روح الشهوة وتقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة فإذا لامسها تفصى من الإيمان وتفصى الإيمان منه فليس بعائد أبدا أو يتوب فإن تاب وعرف الولاية تاب الله عليه وإن عاد فهو تارك للولاية أدخله الله نار جهنم وأما أصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى يقول الله سبحانه ( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ ) يعني محمدا

تحف العقول عن آل الرسول _64 _

  والولاية في التوراة والإنجيل ( كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ في منازلهم وإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم الله بذلك فسلبهم روح الإيمان وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح روح القوة وروح الشهوة وروح البدن ثم أضافهم إلى الأنعام فقال ( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ ) لأن الدابة تحمل بروح القوة وتعتلف بروح الشهوة وتسير بروح البدن قال له السائل أحييت قلبي .

وصيته (عليه السلام) لزياد بن النضر حين أنفذه على مقدمته إلى صفين :
  اتق الله في كل ممسى ومصبح وخف على نفسك الغرور ولا تأمنها على حال من البلاء واعلم أنك إن لم تزع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروهه سمت بك الأهواء إلى كثير من الضر حتى تظعن فكن لنفسك مانعا وازعا عن الظلم والغي والبغي والعدوان قد وليتك هذا الجند فلا تستذلنهم ولا تستطل عليهم فإن خيركم أتقاكم تعلم من عالمهم وعلم جاهلهم واحلم عن سفيههم فإنك إنما تدرك الخير بالعلم وكف الأذى والجهل ثم أردفه بكتاب يوصيه فيه ويحذره اعلم أن مقدمة القوم عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم فإذا أنت خرجت من بلادك ودنوت من عدوك فلا تسأم من توجيه الطلائع في كل ناحية وفي بعض الشعاب والشجر والخمر وفي كل جانب حتى لا يغيركم عدوكم ويكون لكم كمين ولا تسير الكتائب والقبائل من لدن الصباح إلى المساء إلا تعبئة فإن دهمكم أمر أو غشيكم مكروه كنتم قد تقدمتم في التعبئة وإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في إقبال الأشراف أو في سفاح الجبال أو أثناء الأنهار كيما يكون لكم ردءا ودونكم مردا ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد واثنين واجعلوا رقباءكم في صياصي الجبال وبأعلى الأشراف وبمناكب الأنهار يريئون لكم لئلا يأتيكم عدو من مكان مخافة أو أمن وإذا نزلتم فانزلوا جميعا وإذا رحلتم فارحلوا جميعا وإذا غشيكم الليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح والترسة واجعلوا رماتكم يلوون ترستكم كيلا تصاب لكم غرة ولا تلقى لكم غفلة واحرس عسكرك بنفسك وإياك أن ترقد أو تصبح إلا غرارا أو مضمضة ثم ليكن ذلك شأنك ودأبك حتى تنتهي إلى عدوك وعليك بالتأني في حربك وإياك والعجلة إلا أن تمكنك فرصة وإياك أن تقاتل إلا أن يبدءوك أو يأتيك أمري والسلام عليك ورحمة الله .

وصفه ( عليه السلام ) لنقلة الحديث :
  قال له سليم بن قيس إني سمعت سلمان وأبا ذر والمقداد يتحدثون بأشياء من تفسير القرآن والأحاديث والروايات عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم سمعت منك تصديق ذلك ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن والأحاديث والروايات عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يخالفونها فيكذب الناس متعمدين ويفسرون القرآن بآرائهم فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قد سألت فافهم الجواب إن في أيدي الناس حقا وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما وقد كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته كذبا كثيرا حتى قام خطيبا فقال أيها الناس قد كثر علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وكذلك كذب عليه بعده إنما أتاك بالحديث أربعة ليس لهم خامس رجل منافق يظهر الإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متعمدا ولو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ولكنهم قالوا قد صحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ورآه وسمع منه فأخذوا منه وهم لا يعرفون حاله وقد أخبر

تحف العقول عن آل الرسول _65 _

  الله جل وعز عن المنافقين بما أخبر ووصفهم بأحسن الهيئة فقال ( إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) ثم تفرقوا من بعده وبقوا واختلفوا وتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب فولوهم الأعمال والأحكام والقضاء وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا وقد علمت أن الناس مع الملوك أتباع الدنيا وهي غايتهم التي يطلبون إلا من عصم الله فهذا أحد الأربعة والثاني رجل سمع من رسول الله شيئا ووهم فيه ولم يحفظه على وجهه ولم يتعمد كذبا فهو في يده يعمل به ويقول أنا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو علم الناس أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه ولم يعمل به فهذا الثاني والثالث رجل سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشياء أمرها بها ثم نهى عنها وهو لم يعلم النهي أو نهى عن شي‏ء ثم أمر به ولم يعلم الأمر حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ فلو علم الناس أنه منسوخ لرفضه الناس ورفضه هو فهذا الرجل الثالث والرابع رجل لم يكذب على الله وعلى رسوله يبغض الكذب خوفا من الله وتعظيما لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يتوهم ولم ينس بل حفظ ما سمع فجاء به على وجهه لم يزد فيه ولم ينقص حفظ الناسخ وعمل به وعلم المنسوخ ورفضه فإن أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل القرآن ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه يكون من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمر له وجهان كلام عام وكلام خاص مثل القرآن وقد قال الله جل وعز ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فكان يسمع قوله من لم يعرفه ومن لم يعلم ما عنى الله به ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويحفظ ولم يفهم وليس كل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يسأله عن الشي‏ء ويستفهمه كان منهم من يسأل ولا يستفهم حتى لقد كانوا يحبون أن يجي‏ء الأعرابي أو الطاري أو الذمي فيسأل حتى يسمعوا ويفهموا ولقد كنت أنا أدخل كل يوم دخلة فيخليني معه أدور فيها معه حيثما دار علم ذلك أصحابه أنه لم يصنع ذلك بأحد غيري ولربما أتاني في بيتي وإذا دخلت عليه منازله أخلاني وأقام نساءه فلا يبقى أحد عنده غيري كنت إذا سألت أجابني وإذا سكت وفنيت مسائلي ابتدأني وما نزلت عليه آية في ليل ولا نهار ولا سماء ولا أرض ولا دنيا وآخرة ولا جنة ولا نار ولا سهل ولا جبل ولا ضياء ولا ظلمة إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بيدي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها وأين نزلت وفيم نزلت إلى يوم القيامة .

كلامه ( عليه السلام ) في قواعد الإسلام وحقيقة التوبة والاستغفار اختصرناه :
  قال كميل بن زياد سألت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن قواعد الإسلام ما هي فقال قواعد الإسلام سبعة فأولها العقل وعليه بني الصبر والثاني صون العرض وصدق اللهجة والثالثة تلاوة القرآن على جهته والرابعة الحب في الله والبغض في الله والخامسة حق آل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومعرفة ولايتهم والسادسة حق الإخوان والمحاماة عليهم والسابعة مجاورة الناس بالحسنى قلت يا أمير المؤمنين العبد يصيب الذنب فيستغفر الله منه فما حد الاستغفار قال يا ابن زياد التوبة قلت بس قال لا قلت فكيف قال إن العبد

تحف العقول عن آل الرسول _66 _

  إذا أصاب ذنبا يقول أستغفر الله بالتحريك قلت وما التحريك قال الشفتان واللسان يريد أن يتبع ذلك بالحقيقة قلت وما الحقيقة قال تصديق في القلب وإضمار أن لا يعود إلى الذنب الذي استغفر منه قال كميل فإذا فعلت ذلك فأنا من المستغفرين قال لا قال كميل فكيف ذاك قال لأنك لم تبلغ إلى الأصل بعد قال كميل فأصل الاستغفار ما هو قال الرجوع إلى التوبة من الذنب الذي استغفرت منه وهي أول درجة العابدين وترك الذنب والاستغفار اسم واقع لمعان ست أولها الندم على ما مضى والثاني العزم على ترك العود أبدا والثالث أن تؤدي حقوق المخلوقين التي بينك وبينهم والرابع أن تؤدي حق الله في كل فرض والخامس أن تذيب اللحم الذي نبت على السحت والحرام حتى يرجع الجلد إلى عظمه ثم تنشئ فيما بينهما لحما جديدا والسادس أن تذيق البدن ألم الطاعات كما أذقته لذات المعاصي .

وصيته إلى ابنه الحسن ( عليه السلام ) لما حضرته الوفاة كتبنا منها ما اقتضاه الكتاب :
  هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أوصى المؤمنين بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وصلى الله على محمد وآله وسلم ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ثم إني أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى الله ربكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصوم وإن المبيرة وهي الحالقة للدين فساد ذات البين ولا قوة إلا بالله انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب الله الله في الأيتام لا يضيعوا بحضرتكم فقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له بذلك الجنة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار الله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العلم به غيركم الله الله في جيرانكم فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوصى بهم ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم الله الله في بيت ربكم فلا يخلو منكم ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا وأدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف الله الله في الصلاة فإنها خير العمل إنها عماد دينكم الله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم الله الله في صيام شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار الله الله في الفقراء والمساكين فشاركوهم في معايشكم الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم فإنما يجاهد رجلان إمام هدى أو مطيع له مقتد بهداه الله الله في ذرية نبيكم لا تظلمن بين أظهركم وأنتم تقدرون على المنع عنهم الله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يؤووا محدثا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدثين الله الله في النساء وما ملكت أيمانكم فإن آخر ما تكلم به نبيكم أن قال أوصيكم بالضعيفين النساء وما ملكت أيمانكم الصلاة الصلاة الصلاة لا تخافوا في

تحف العقول آل الرسول _67 _

  الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى عليكم قولوا للناس حسنا كما أمركم الله ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله أمركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم عليكم يا بني بالتواصل والتباذل والتبادر وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب وحفظكم الله من أهل بيت وحفظ نبيكم فيكم أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ثم لم يزل يقول لا إله إلا الله حتى مضى .

تفضيله العلم :
  أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به وأن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال إن المال مقسوم بينكم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه سيفي لكم به والعلم مخزون عليكم عند أهله قد أمرتم بطلبه منهم فاطلبوه واعلموا أن كثرة المال مفسدة للدين مقساة للقلوب وأن كثرة العلم والعمل به مصلحة للدين وسبب إلى الجنة والنفقات تنقص المال والعلم يزكو على إنفاقه فإنفاقه بثه إلى حفظته ورواته واعلموا أن صحبة العلم واتباعه دين يدان الله به وطاعته مكسبة للحسنات ممحاة للسيئات وذخيرة للمؤمنين ورفعة في حياتهم وجميل الأحدوثة عنهم بعد موتهم إن العلم ذو فضائل كثيرة فرأسه التواضع وعينه البراءة من الحسد وأذنه الفهم ولسانه الصدق وحفظه الفحص وقلبه حسن النية وعقله معرفة الأسباب بالأمور ويده الرحمة وهمته السلامة ورجله زيارة العلماء وحكمته الورع ومستقره النجاة وقائده العافية ومركبه الوفاء وسلاحه لين الكلام وسيفه الرضا وقوسه المداراة وجيشه محاورة العلماء وماله الأدب وذخيرته اجتناب الذنوب وزاده المعروف ومأواه الموادعة ودليله الهدى ورفيقه صحبة الأخيار .

وروي عنه (عليه السلام) في قصار هذه المعاني :
  قال ( عليه السلام ) من كنوز الجنة البر وإخفاء العمل والصبر على الرزايا وكتمان المصائب .
  وقال ( عليه السلام ) حسن الخلق خير قرين وعنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه .
  وقال ( عليه السلام ) الزاهد في الدنيا من لم يغلب الحرام صبره ولم يشغل الحلال شكره .
  وكتب إلى عبد الله بن عباس أما بعد فإن المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه فليكن سرورك بما نلته من آخرتك وليكن أسفك على ما فاتك منها وما نلته من الدنيا فلا تكثرن به فرحا وما فاتك منها فلا تأسفن عليه حزنا وليكن همك فيما بعد الموت .

تحف العقول عن آل الرسول _68 _

  وقال ( عليه السلام ) في ذم الدنيا أولها عناء وآخرها فناء في حلالها حساب وفي حرامها عقاب من صح فيها أمن ومن مرض فيها ندم من استغنى فيها فتن ومن افتقر فيها حزن من ساعاها فاتته ومن قعد عنها أتته ومن نظر إليها أعمته ومن نظر بها بصرته .
  وقال (عليه السلام) أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يعصيك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما .
  وقال ( عليه السلام ) لا غنى مثل العقل ولا فقر أشد من الجهل .
  وقال ( عليه السلام ) قيمة كل امرئ ما يحسن .
  وقال ( عليه السلام ) قرنت الهيبة بالخيبة والحياء بالحرمان والحكمة ضالة المؤمن فليطلبها ولو في أيدي أهل الشر .
  وقال ( عليه السلام ) لو أن حملة العلم حملوه بحقه لأحبهم الله وملائكته وأهل طاعته من خلقه ولكنهم حملوه لطلب الدنيا فمقتهم الله وهانوا على الناس .
  وقال ( عليه السلام ) أفضل العبادة الصبر والصمت وانتظار الفرج .
  وقال ( عليه السلام ) إن للنكبات غايات لا بد أن تنتهي إليها فإذا حكم على أحدكم بها فليطأطأ لها ويصبر حتى تجوز فإن أعمال الحيلة فيها عند إقبالها زائد في مكروهها .
  وقال ( عليه السلام ) للأشتر يا مالك احفظ عني هذا الكلام وعه يا مالك بخس مروته من ضعف يقينه وأزرى بنفسه من استشعر الطمع ورضي بالذل من كشف عن ضره وهانت عليه نفسه من اطلع على سره وأهلكها من أمر عليه لسانه الشره جزار الخطر من أهوى إلى متفاوت خذلته الرغبة البخل عار والجبن منقصة والورع جنة والشكر ثروة والصبر شجاعة والمقل غريب في بلده والفقر يخرس الفطن عن حجته ونعم القرين الرضا الأدب حلل جدد ومرتبة الرجل عقله وصدره خزانة سره والتثبت حزم والفكر مرآة صافية والحلم سجية فاضلة والصدقة دواء منجح وأعمال القوم في عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم والاعتبار منذر صالح والبشاشة فخ المودة .
  وقال ( عليه السلام ) الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فمن لا صبر له لا إيمان له .
  وقال ( عليه السلام ) أنتم في مهل من ورائه أجل ومعكم أمل يعترض دون العمل فاغتنموا المهل وبادروا الأجل وكذبوا الأمل وتزودوا من العمل هل من خلاص أو مناص أو فرار أو مجاز أو معاذ أو ملاذ أو لا فأنى تؤفكون .

تحف العقول عن آل الرسول _69 _

   وقال ( عليه السلام ) أوصيكم بتقوى الله فإنها غبطة للطالب الراجي وثقة للهارب اللاجي استشعروا التقوى شعارا باطنا واذكروا الله ذكرا خالصا تحيوا به أفضل الحياة وتسلكوا به طرق النجاة وانظروا إلى الدنيا نظر الزاهد المفارق فإنها تزيل الثاوي الساكن وتفجع المترف الآمن لا يرجى منها ما ولى فأدبر ولا يدرى ما هو آت منها فيستنظر وصل الرخاء منها بالبلاء والبقاء منها إلى الفناء سرورها مشوب بالحزن والبقاء منها إلى الضعف والوهن .
  وقال ( عليه السلام ) إن الخيلاء من التجبر والتجبر من النخوة والنخوة من التكبر وإن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل إن المسلم أخ المسلم فلا تخاذلوا ولا تنابزوا فإن شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة فمن أخذ بها لحق ومن فارقها محق ومن تركها مرق ليس المسلم بالكذوب إذا نطق ولا بالمخلف إذا وعد ولا بالخائن إذا اؤتمن .
  وقال ( عليه السلام ) العقل خليل المؤمن والحلم وزيره والرفق والده واللين أخوه ولا بد للعاقل من ثلاث أن ينظر في شأنه ويحفظ لسانه ويعرف زمانه ألا وإن من البلاء الفاقة وأشد من الفاقة مرض البدن وأشد من مرض البدن مرض القلب ألا وإن من النعم سعة المال وأفضل من سعة المال صحة البدن وأفضل من صحة البدن تقوى القلب .
  وقال ( عليه السلام ) إن للمؤمن ثلاث ساعات فساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل وليس للعاقل أن يكون شاخصا إلا في ثلاث مرمة لمعاشه وخطوة لمعاده أو لذة في غير محرم .
  وقال (عليه السلام) كم من مستدرج بالإحسان إليه وكم من مغرور بالستر عليه وكم من مفتون بحسن القول فيه وما ابتلى الله عبدا بمثل الإملاء له قال الله عز وجل (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ) .
  وقال ( عليه السلام ) ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم يكون افتقارك إليهم في لين كلامك وحسن بشرك ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزك .
  وقال ( عليه السلام ) لا تغضبوا ولا تغضبوا أفشوا السلام وأطيبوا الكلام .
  وقال ( عليه السلام ) الكريم يلين إذا استعطف واللئيم يقسو إذا ألطف .
  وقال ( عليه السلام ) إن الله إذا جمع الناس نادى فيهم مناد أيها الناس إن أقربكم اليوم من الله أشدكم منه خوفا وإن أحبكم إلى الله أحسنكم له عملا وإن أفضلكم عنده منصبا أعملكم فيما عنده رغبة وإن أكرمكم عليه أتقاكم ,
  وقال ( عليه السلام ) عجبت لأقوام يحتمون الطعام مخافة الأذى كيف لا يحتمون الذنوب مخافة النار وعجبت ممن يشتري المماليك بماله كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه فيملكهم ثم قال إن الخير والشر لا يعرفان إلا بالناس فإذا أردت أن تعرف الخير فاعمل الخير تعرف أهله وإذا أردت أن تعرف الشر فاعمل الشر تعرف أهله .

تحف العقول عن آل الرسول _70 _

  وقال ( عليه السلام ) إنما أخشى عليكم اثنتين طول الأمل واتباع الهوى أما طول الأمل فينسي الآخرة وأما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وسأله رجل بالبصرة عن الإخوان فقال الإخوان صنفان إخوان الثقة وإخوان المكاشرة فأما إخوان الثقة فهم الكهف والجناح والأهل والمال فإن كنت من أخيك على حد الثقة فابذل له مالك ويدك وصاف من صافاه وعاد من عاداه واكتم سره وعيبه وأظهر منه الحسن اعلم أيها السائل أنهم أقل من الكبريت الأحمر وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن منهم لذتك ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان .
  وقال ( عليه السلام ) لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعدي صديقك .
  وقال ( عليه السلام) لا تصرم أخاك على ارتياب ولا تقطعه دون استعتاب .
  وقال ( عليه السلام ) ينبغي للمسلم أن يجتنب مؤاخاة ثلاثة الفاجر والأحمق والكذاب فأما الفاجر فيزين لك فعله ويحب أنك مثله ولا يعينك على أمر دينك ومعادك فمقارنته جفاء وقسوة ومدخله عار عليك وأما الأحمق فإنه لا يشير عليك بخير ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو جهد نفسه وربما أراد نفعك فضرك فموته خير من حياته وسكوته خير من نطقه وبعده خير من قربه وأما الكذاب فإنه لا يهنئك معه عيش ينقل حديثك وينقل إليك الحديث كلما أفنى أحدوثة مطاها بأخرى مثلها حتى أنه يحدث بالصدق فلا يصدق يغزي بين الناس بالعداوة فينبت الشحناء في الصدور فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم .
  وقال ( عليه السلام ) لا عليك أن تصحب ذا العقل وإن لم تجمد كرمه ولكن انتفع بعقله واحترس من سيئ أخلاقه ولا تدعن صحبة الكريم وإن لم تنتفع بعقله ولكن انتفع بكرمه بعقلك وافرر الفرار كله من اللئيم الأحمق .
  وقال ( عليه السلام ) الصبر ثلاثة الصبر على المصيبة والصبر على الطاعة والصبر عن المعصية .
  وقال ( عليه السلام ) من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق بأن لا ينزل به مكروه أبدا قيل وما هن قال العجلة واللجاجة والعجب والتواني .
  وقال ( عليه السلام ) الأعمال ثلاثة فرائض وفضائل ومعاصي فأما الفرائض فبأمر الله ومشيئته وبرضاه وبعلمه وقدره يعملها العبد فينجو من الله بها وأما الفضائل فليس بأمر الله لكن بمشيئته وبرضاه وبعلمه وبقدره يعملها العبد فيثاب عليها وأما المعاصي فليس بأمر الله ولا بمشيئته ولا برضاه لكن بعلمه وبقدره يقدرها لوقتها فيفعلها العبد باختياره فيعاقبه الله عليها لأنه قد نهاه عنها فلم ينته .
   وقال ( عليه السلام ) يا أيها الناس إن لله في كل نعمة حقا فمن أداه زاده ومن قصر عنه خاطر بزوال النعمة وتعجل العقوبة فليراكم الله من النعمة وجلين كما يراكم من الذنوب فرقين .
  وقال ( عليه السلام ) من ضيق عليه في ذات يده فلم يظن أن ذلك حسن نظر من الله له فقد ضيع مأمولا ومن وسع عليه في ذات يده فلم يظن أن ذلك استدراج من الله فقد أمن مخوفا .

تحف العقول عن آل الرسول _71 _

  وقال ( عليه السلام ) يا أيها الناس سلوا الله اليقين وارغبوا إليه في العافية فإن أجل النعم العافية وخير ما دام في القلب اليقين والمغبون من غبن دينه والمغبوط من حسن يقينه .
  وقال ( عليه السلام ) لا يجد رجل طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه .
  وقال ( عليه السلام ) ما ابتلي المؤمن بشي‏ء هو أشد عليه من خصال ثلاث يحرمها قيل وما هن قال المواساة في ذات يده والإنصاف من نفسه وذكر الله كثيرا أما إني لا أقول لكم سبحان الله والحمد لله ولكن ذكر الله عند ما أحل له وذكر الله عند ما حرم عليه .
  وقال ( عليه السلام ) من رضي من الدنيا بما يجزيه كان أيسر ما فيه يكفيه ومن لم يرض من الدنيا بما يجزيه لم يكن فيها شي‏ء يكفيه .
  وقال ( عليه السلام ) المنية لا الدنية والتجلد لا التبلد والدهر يومان فيوم لك ويوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر وإذا كان عليك فلا تحزن فبكليهما ستختبر .
  وقال ( عليه السلام ) أفضل على من شئت يكن أسيرك .
  وقال ( عليه السلام ) ليس من أخلاق المؤمن الملق ولا الحسد إلا في طلب العلم .
  وقال ( عليه السلام ) أركان الكفر أربعة الرغبة والرهبة والسخط والغضب .
  وقال ( عليه السلام ) الصبر مفتاح الدرك والنجح عقبى من صبر ولكل طالب حاجة وقت يحركه القدر .
  وقال ( عليه السلام ) اللسان معيار أطاشه الجهل وأرجحه العقل .
  وقال ( عليه السلام ) من طلب شفا غيظ بغير حق أذاقه الله هوانا بحق إن الله عدو ما كره .
  وقال ( عليه السلام ) ما حار من استخار ولا ندم من استشار .
  وقال ( عليه السلام ) عمرت البلدان بحب الأوطان .
  وقال ( عليه السلام ) ثلاث من حافظ عليها سعد إذا ظهرت عليك نعمة فاحمد الله وإذا أبطأ عنك الرزق فاستغفر الله وإذا أصابتك شدة فأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله .

تحف العقول عن آل الرسول _72 _

  وقال ( عليه السلام ) العلم ثلاثة الفقه للأديان والطب للأبدان والنحو للسان .
  وقال ( عليه السلام ) حق الله في العسر الرضا والصبر وحقه في اليسر الحمد والشكر .
  وقال ( عليه السلام ) ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة وكم من شهوة ساعة قد أورثت حزنا طويلا والموت فضح الدنيا فلم يترك لذي لب فيها فرحا ولا لعاقل لذة .
  وقال ( عليه السلام ) العلم قائد والعمل سائق والنفس حرون .
  وقال ( عليه السلام ) كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإن موسى (عليه السلام) خرج يقتبس لأهله نارا فكلمه الله ورجع نبيا وخرجت ملكة سبإ فأسلمت مع سليمان (عليه السلام) وخرجت سحرة فرعون يطلبون العز لفرعون فرجعوا مؤمنين .
  وقال ( عليه السلام ) الناس بأمرائهم أشبه منهم بآبائهم .
  وقال ( عليه السلام ) أيها الناس اعلموا أنه ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه الناس أبناء ما يحسنون وقدر كل امرئ ما يحسن فتكلموا في العلم تبين أقداركم .
  وقال ( عليه السلام ) رحم الله امرأ راقب ربه وتوكف ذنبه وكابر هواه وكذب مناه زم نفسه من التقوى بزمام وألجمها من خشية ربها بلجام فقادها إلى الطاعة بزمامها وقدعها عن المعصية بلجامها رافعا إلى المعاد طرفه متوقعا في كل أوان حتفه دائم الفكر طويل السهر عزوفا عن الدنيا كدوحا لآخرته جعل الصبر مطية نجاته والتقوى عدة وفاته ودواء داء جواه فاعتبر وقاس فوتر الدنيا والناس يتعلم للتفقه والسداد قد وقر قلبه ذكر المعاد فطوى مهاده وهجر وساده قد عظمت فيما عند الله رغبته واشتدت منه رهبته يظهر دون ما يكتم ويكتفي بأقل مما يعلم أولئك ودائع الله في بلاده المدفوع بهم عن عباده لو أقسم أحدهم على الله لأبره آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين .
  وقال ( عليه السلام ) وكل الرزق بالحمق ووكل الحرمان بالعقل ووكل البلاء بالصبر .
  وقال ( عليه السلام ) للأشعث يعزيه بأخيه عبد الرحمن إن جزعت فحق عبد الرحمن وفيت وإن صبرت فحق الله أديت على أنك إن صبرت جرى عليك القضاء وأنت محمود وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مذموم فقال الأشعث إنا لله وإنا إليه راجعون فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أ تدري ما تأويلها فقال الأشعث لأنت غاية العلم ومنتهاه فقال ( عليه السلام ) أما قولك إنا لله فإقرار منك بالملك وأما قولك وإنا إليه راجعون فإقرار منك بالهلك .

تحف العقول عن آل الرسول _73 _

  وركب يوما فمشى معه قوم فقال ( عليه السلام ) لهم أ ما علمتم أن مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب ومذلة للماشي انصرفوا .
  وقال ( عليه السلام ) الأمور ثلاثة أمر بان لك رشده فاتبعه وأمر بان لك غيه فاجتنبه وأمر أشكل عليك فرددته إلى عالمه .
  وقال له جابر يوما كيف أصبحت يا أمير المؤمنين فقال (عليه السلام) أصبحنا وبنا من نعم الله ربنا ما لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه فلا ندري ما نشكر أ جميل ما ينشر أم قبيح ما يستر .
  وعزى عبد الله بن عباس عن مولود صغير مات له فقال (عليه السلام) لمصيبة في غيرك لك أجرها أحب إلي من مصيبة فيك لغيرك ثوابها فكان لك الأجر لا بك وحسن لك العزاء لا عنك وعوضك الله عنه مثل الذي عوضه منك .
  وقيل له ما التوبة النصوح فقال (عليه السلام) ندم بالقلب واستغفار باللسان والقصد على أن لا يعود .
  وقال ( عليه السلام ) إنكم مخلوقون اقتدارا ومربوبون اقتسارا ومضمنون أجداثا وكائنون رفاتا ومبعوثون أفرادا ومدينون حسابا فرحم الله عبدا اقترف فاعترف ووجل فعمل وحاذر فبادر وعبر فاعتبر وحذر فازدجر وأجاب فأناب وراجع فتاب واقتدى فاحتذى فباحث طلبا ونجا هربا وأفاد ذخيرة وأطاب سريرة وتأهب للمعاد واستظهر بالزاد ليوم رحيله ووجه سبيله وحال حاجته وموطن فاقته فقدم أمامه لدار مقامه فمهدوا لأنفسكم فهل ينتظر أهل غضارة الشباب إلا حواني الهرم وأهل بضاضة الصحة إلا نوازل السقم وأهل مدة البقاء إلا مفاجأة الفناء واقتراب الفوت ودنو الموت .
  وقال ( عليه السلام ) اتقوا الله تقية من شمر تجريدا وجد تشميرا وانكمش في مهل وأشفق في وجل ونظر في كره الموئل وعاقبة المصير ومغبة المرجع فكفى بالله منتقما ونصيرا وكفى بالجنة ثوابا ونوالا وكفى بالنار عقابا ونكالا وكفى بكتاب الله حجيجا وخصيما .
  وسأله رجل عن السنة والبدعة والفرقة والجماعة فقال (عليه السلام) أما السنة فسنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأما البدعة فما خالفها وأما الفرقة فأهل الباطل وإن كثروا وأما الجماعة فأهل الحق وإن قلوا وقال (صلى الله عليه وآله) لا يرجو العبد إلا ربه ولا يخاف إلا ذنبه ولا يستحي العالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول الله أعلم والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد .
  وقال له رجل أوصني فقال ( عليه السلام ) أوصيك أن لا يكونن لعمل الخير عندك غاية في الكثرة ولا لعمل الإثم عندك غاية في القلة .
  وقال له آخر أوصني فقال ( عليه السلام ) لا تحدث نفسك بفقر ولا طول عمر .
  وقال ( عليه السلام ) إن لأهل الدين علامات يعرفون بها صدق الحديث وأداء الأمانة ووفاء بالعهد وصلة للأرحام ورحمة للضعفاء وقلة مؤاتاة للنساء وبذل المعروف وحسن الخلق وسعة الحلم واتباع العلم وما يقرب من الله زلفى فطوبى لهم وحسن مآب .
  وقال ( عليه السلام ) ما أطال العبد الأمل إلا أنساه العمل .

تحف العقول عن آل الرسول _74 _

  وقال ( عليه السلام ) ابن آدم أشبه شي‏ء بالمعيار إما ناقص بجهل أو راجح بعلم .
  وقال ( عليه السلام ) سباب المؤمن فسق وقتاله كفر وحرمة ماله كحرمة دمه .
  وقال ( عليه السلام ) ابذل لأخيك دمك ومالك ولعدوك عدلك وإنصافك وللعامة بشرك وإحسانك سلم على الناس يسلموا عليك .
  وقال ( عليه السلام ) سادة الناس في الدنيا الأسخياء وفي الآخرة الأتقياء .
  وقال ( عليه السلام ) الشي‏ء شيئان فشي‏ء لغيري لم أرزقه فيما مضى ولا آمله فيما بقي وشي‏ء لا أناله دون وقته ولو أجلبت عليه بقوة السماوات والأرض فبأي هذين أفني عمري .
  وقال ( عليه السلام ) إن المؤمن إذا نظر اعتبر وإذا سكت تفكر وإذا تكلم ذكر وإذا استغنى شكر وإذا أصابته شدة صبر فهو قريب الرضا بعيد السخط يرضيه عن الله اليسير ولا يسخطه الكثير ولا يبلغ بنيته إرادته في الخير ينوي كثيرا من الخير ويعمل بطائفة منه ويتلهف على ما فاته من الخير كيف لم يعمل به والمنافق إذا نظر لها وإذا سكت سها وإذا تكلم لغا وإذا استغنى طغا وإذا أصابته شدة ضغا فهو قريب السخط بعيد الرضا يسخطه على الله اليسير ولا يرضيه الكثير ينوي كثيرا من الشر ويعمل بطائفة منه ويتلهف على ما فاته من الشر كيف لم يعمل به .
  وقال ( عليه السلام ) الدنيا والآخرة عدوان متعاديان وسبيلان مختلفان من أحب الدنيا ووالاها أبغض الآخرة وعاداها مثلهما مثل المشرق والمغرب والماشي بينهما لا يزداد من أحدهما قربا إلا ازداد من الآخر بعدا .
  وقال ( عليه السلام ) من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن كان من قوت الدنيا لا يشبع لم يكفه منها ما يجمع ومن سعى للدنيا فاتته ومن قعد عنها أتته إنما الدنيا ظل ممدود إلى أجل معدود رحم الله عبدا سمع حكما فوعى ودعي إلى الرشاد فدنا وأخذ بحجزة ناج هاد فنجا قدم خالصا وعمل صالحا قدم مذخورا واجتنب محذورا رمى غرضا وأحرز عوضا كابر هواه وكذب مناه جعل الصبر مطية نجاته والتقوى عدة وفاته لزم الطريقة الغراء والمحجة البيضاء واغتنم المهل وبادر الأجل وتزود من العمل .
  وقال ( عليه السلام ) لرجل كيف أنتم فقال نرجو ونخاف فقال (عليه السلام) من رجا شيئا طلبه ومن خاف شيئا هرب منه ما أدري ما خوف رجل عرضت له شهوة فلم يدعها لما خاف منه وما أدري ما رجاء رجل نزل به بلاء فلم يصبر عليه لما يرجو .
  وقال ( عليه السلام ) لعباية بن ربعي وقد سأله عن الاستطاعة التي نقوم ونقعد ونفعل إنك سألت عن الاستطاعة فهل تملكها من دون الله أو مع الله فسكت عباية فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إن قلت تملكها مع الله قتلتك وإن قلت تملكها دون الله قتلتك فقال عباية فما أقول قال (عليه السلام) تقول إنك تملكها بالله الذي يملكها من دونك فإن ملكك إياها كان ذلك من عطائه وإن سلبكها كان ذلك من بلائه فهو المالك لما ملكك والقادر على ما عليه أقدرك .

تحف العقول عن آل الرسول _75 _

  قال الأصبغ بن نباتة سمعت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول أحدثكم بحديث ينبغي لكل مسلم أن يعيه ثم أقبل علينا فقال ( عليه السلام ) ما عاقب الله عبدا مؤمنا في هذه الدنيا إلا كان أجود وأمجد من أن يعود في عقابه يوم القيامة ولا ستر الله على عبد مؤمن في هذه الدنيا وعفا عنه إلا كان أمجد وأجود وأكرم من أن يعود في عفوه يوم القيامة ثم قال ( عليه السلام ) وقد يبتلي الله المؤمن بالبلية في بدنه أو ماله أو ولده أو أهله وتلا هذه الآية ( ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ وضم يده ثلاث مرات ويقول ويَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) .
  وقال ( عليه السلام ) أول القطيعة السجا ولا تأس أحدا إذا كان ملولا أقبح المكافأة المجازاة بالإساءة .
  وقال ( عليه السلام ) أول إعجاب المرء بنفسه فساد عقله من غلب لسانه أمنه من لم يصلح خلائقه كثرت بوائقه من ساء خلقه مله أهله رب كلمة سلبت نعمة الشكر عصمة من الفتنة الصيانة رأس المروة شفيع المذنب خضوعه أصل الحزم الوقوف عند الشبهة في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق .
  وقال ( عليه السلام ) المصائب بالسوية مقسومة بين البرية لا تيأس لذنبك وباب التوبة مفتوح الرشد في خلاف الشهوة تاريخ المنى الموت النظر إلى البخيل يقسي القلب النظر إلى الأحمق يسخن العين السخاء فطنة واللؤم تغافل .
  وقال ( عليه السلام ) الفقر الموت الأكبر وقلة العيال أحد اليسارين وهو نصف العيش والهم نصف الهرم وما عال امرؤ اقتصد وما عطب امرؤ استشار والصنيعة لا تصلح إلا عند ذي حسب أو دين والسعيد من وعظ بغيره والمغبون لا محمود ولا مأجور البر لا يبلى والذنب لا ينسى .
  وقال ( عليه السلام ) اصطنعوا المعروف تكسبوا الحمد واستشعروا الحمد يؤنس بكم العقلاء ودعوا الفضول يجانبكم السفهاء وأكرموا الجليس تعمر ناديكم وحاموا عن الخليط يرغب في جواركم وأنصفوا الناس من أنفسكم يوثق بكم وعليكم بمكارم الأخلاق فإنها رفعة وإياكم والأخلاق الدنية فإنها تضع الشريف وتهدم المجد .
  وقال ( عليه السلام ) اقنع تعز .
  وقال ( عليه السلام ) الصبر جنة من الفاقة والحرص علامة الفقر والتجمل اجتناب المسكنة والموعظة كهف لمن لجأ إليها .
  وقال ( عليه السلام ) من كساه العلم ثوبه اختفى عن الناس عيبه .
  وقال ( عليه السلام ) لا عيش لحسود ولا مودة لملول ولا مروة لكذوب .
  وقال ( عليه السلام ) تروح إلى بقاء عزك بالوحدة .