فإن ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها وأدوم لجمالها فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ولا تعد بكرامتها نفسها ولا تطمعها أن تشفع لغيرها فتميل مغضبة عليك معها ولا تطل الخلوة مع النساء فيملنك أو تملهن واستبق من نفسك بقية من إمساكك فإن إمساكك عنهن وهن يرين أنك ذو اقتدار خير من أن يظهرن منك على انتشار وإياك والتغاير في غير موضع غيرة فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم ولكن أحكم أمرهن فإن رأيت ذنبا فعاجل النكير على الكبير والصغير وإياك أن تعاقب فتعظم الذنب وتهون العتب وأحسن للمماليك الأدب وأقلل الغضب ولا تكثر العتب في غير ذنب فإذا استحق أحد منهم ذنبا فأحسن العذل فإن العذل مع العفو أشد من الضرب لمن كان له عقل ولا تمسك من لا عقل له وخف القصاص واجعل لكل امرئ منهم عملا تأخذه به فإنه أحرى أن لا يتواكلوا وأكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير وبهم تصول وهم العدة عند الشدة فأكرم كريمهم وعد سقيمهم وأشركهم في أمورهم وتيسر عند معسور لهم واستعن بالله على أمورك فإنه أكفى معين أستودع الله دينك ودنياك وأسأله خير القضاء لك في الدنيا والآخرة والسلام عليك ورحمة الله .

وصيته لابنه الحسين (عليه السلام) :
  يا بني أوصيك بتقوى الله في الغنى والفقر وكلمة الحق في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر وبالعدل على الصديق والعدو وبالعمل في النشاط والكسل والرضا عن الله في الشدة والرخاء أي بني ما شر بعده الجنة بشر ولا خير بعده النار بخير وكل نعيم دون الجنة محقور وكل بلاء دون النار عافية واعلم أي بني أنه من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره ومن تعرى من لباس التقوى لم يستتر بشي‏ء من اللباس ومن رضي بقسم الله لم يحزن على ما فاته ومن سل سيف البغي قتل به ومن حفر بئرا لأخيه وقع فيها ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره ومن كابد الأمور عطب ومن اقتحم الغمرات غرق ومن أعجب برأيه ضل ومن استغنى بعقله زل ومن تكبر على الناس ذل ومن خالط العلماء وقر ومن خالط الأنذال حقر ومن سفه على الناس شتم ومن دخل مداخل السوء اتهم ومن مزح استخف به ومن أكثر من شي‏ء عرف به ومن كثر كلامه كثر خطؤه ومن كثر خطؤه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه ومن مات قلبه دخل النار أي بني من نظر في عيوب الناس ورضي لنفسه بها فذاك الأحمق بعينه ومن تفكر اعتبر ومن اعتبر اعتزل ومن اعتزل سلم ومن ترك الشهوات كان حرا ومن ترك الحسد كانت له المحبة عند الناس أي بني عز المؤمن غناه عن الناس والقناعة مال لا ينفد ومن أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير ومن علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه أي بني العجب ممن يخاف العقاب فلم يكف ورجا الثواب فلم يتب ويعمل أي بني الفكرة تورث نورا والغفلة ظلمة والجهالة ضلالة والسعيد من وعظ بغيره والأدب خير ميراث وحسن الخلق خير قرين ليس مع قطيعة الرحم نماء ولا مع الفجور غنى أي بني العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله وواحد في ترك مجالسة السفهاء أي بني من تزيا بمعاصي الله في المجالس أورثه الله ذلا ومن طلب العلم علم يا بني رأس العلم الرفق وآفته الخرق ومن كنوز الإيمان الصبر على المصائب والعفاف زينة الفقر والشكر زينة الغنى كثرة الزيارة تورث الملالة والطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم وإعجاب المرء بنفسه يدل على ضعف عقله أي بني كم نظرة جلبت حسرة وكم من كلمة سلبت نعمة أي بني لا شرف أعلى من الإسلام ولا كرم أعز من التقوى ولا معقل أحرز من الورع ولا شفيع أنجح من التوبة ولا لباس أجمل من العافية ولا مال أذهب بالفاقة من الرضا بالقوت ومن اقتصر على بلغة الكفاف تعجل الراحة وتبوأ خفض الدعة أي بني الحرص مفتاح التعب ومطية النصب وداع إلى التقحم في الذنوب والشره جامع لمساوي العيوب وكفاك تأديبا لنفسك ما كرهته من غيرك لأخيك عليك مثل الذي لك عليه ومن تورط في الأمور بغير نظر في العواقب فقد تعرض للنوائب التدبير قبل العمل يؤمنك الندم من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطإ الصبر جنة من الفاقة البخل جلباب المسكنة الحرص علامة الفقر وصول معدم خير من جاف مكثر لكل شي‏ء قوت وابن آدم قوت الموت .

تحف العقول عن آل الرسول _ 27 _

  أي بني لا تؤيس مذنبا فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير وكم من مقبل على عمله مفسد في آخر عمره صائر إلى النار نعوذ بالله منها أي بني كم من عاص نجا وكم من عامل هوى من تحرى الصدق خفت عليه المؤن في خلاف النفس رشدها الساعات تنتقص الأعمار ويل للباغين من أحكم الحاكمين وعالم ضمير المضمرين يا بني بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد في كل جرعة شرق وفي كل أكلة غصص لن تنال نعمة إلا بفراق أخرى ما أقرب الراحة من النصب والبؤس من النعيم والموت من الحياة والسقم من الصحة فطوبى لمن أخلص لله عمله وعلمه وحبه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وفعله وقوله وبخ بخ لعالم عمل فجد وخاف البيات فأعد واستعد إن سئل نصح وإن ترك صمت كلامه صواب وسكوته من غير عي جواب والويل لمن بلي بحرمان وخذلان وعصيان فاستحسن لنفسه ما يكرهه من غيره وأزرى على الناس بمثل ما يأتي واعلم أي بني أنه من لانت كلمته وجبت محبته وفقك الله لرشدك وجعلك من أهل طاعته بقدرته إنه جواد كريم .

خطبته المعروفة بالوسيلة :
  ( كتبنا منه ما اقتضاه الكتاب دون غيره) الحمد لله الذي أعدم الأوهام أن تنال إلا وجوده وحجب العقول أن تخال ذاته لامتناعها من الشبه والتشاكل بل هو الذي لا يتفاوت ذاته ولا يتبعض بتجزئة العدد في كماله فارق الأشياء لا باختلاف الأماكن ويكون فيها لا على الممازجة وعلمها لا بأداة لا يكون العلم إلا بها وليس بينه وبين معلومه علم غيره كان عالما لمعلومه إن قيل كان فعلى تأويل أزلية الوجود وإن قيل لم يزل فعلى تأويل نفي العدم فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه فاتخذ إلها غيره علوا كبيرا نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه وأوجب قبوله على نفسه أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شهادتان ترفعان القول وتضعان العمل خف ميزان ترفعان منه وثقل ميزان توضعان فيه وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار والجواز على الصراط وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة فأكثروا من الصلاة على نبيكم ( إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الإسلام ولا كرم أعز من التقوى ولا معقل أحرز من الورع ولا شفيع أنجح من التوبة ولا لباس أجل من العافية ولا وقاية أمنع من السلامة ولا مال أذهب بالفاقة من الرضا والقنوع ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة والرغبة مفتاح التعب والاحتكار مطية النصب والحسد آفة الدين والحرص داع إلى التقحم في الذنوب وهو داع إلى الحرمان والبغي سائق إلى الحين والشره جامع لمساوي العيوب رب طمع خائب وأمل كاذب ورجاء يؤدي إلى الحرمان وتجارة تئول إلى الخسران ألا ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفضحات النوائب وبئست القلادة الدين للمؤمن أيها الناس إنه لا كنز أنفع من العلم ولا عز أنفع من الحلم ولا حسب أبلغ من الأدب ولا نصب أوجع من الغضب ولا جمال أحسن من العقل ولا قرين شر من الجهل ولا سوأة أسوء من الكذب ولا حافظ أحفظ من الصمت ولا غائب أقرب من الموت أيها الناس إنه من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب غيره ومن رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره ومن سل سيف البغي قتل به ومن حفر لأخيه بئرا وقع فيها ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته ومن نسي زلته استعظم زلل غيره ومن أعجب برأيه ضل ومن استغنى بعقله زل ومن تكبر على الناس ذل ومن سفه على الناس شتم ومن خالط العلماء وقر ومن خالط الأنذال حقر ومن حمل ما لا يطيق عجز أيها الناس إنه لا مال هو أعود من العقل ولا فقر هو أشد من الجهل ولا واعظ هو أبلغ من النصح ولا عقل كالتدبير ولا عبادة كالتفكر ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ولا وحدة أوحش من العجب ولا ورع كالكف ولا حلم كالصبر

تحف العقول عن آل الرسول _ 28 _

   والصمت أيها الناس إن في الإنسان عشر خصال يظهرها لسانه شاهد يخبر عن الضمير وحاكم يفصل بين الخطاب وناطق يرد به الجواب وشافع تدرك به الحاجة وواصف تعرف به الأشياء وأمير يأمر بالحسن وواعظ ينهى عن القبيح ومعز تسكن به الأحزان وحامد تجلى به الضغائن ومونق يلهي الأسماع أيها الناس إنه لا خير في الصمت عن الحكم كما إنه لا خير في القول بالجهل اعلموا أيها الناس أنه من لم يملك لسانه يندم ومن لا يتعلم يجهل ومن لا يتحلم لا يحلم ومن لا يرتدع لا يعقل ومن لا يعقل يهن ومن يهن لا يوقر ومن يتق ينج ومن يكسب مالا من غير حقه يصرفه في غير أجره .
  ( كتبنا منه ما اقتضاه الكتاب دون غيره) الحمد لله الذي أعدم الأوهام أن تنال إلا وجوده وحجب العقول أن تخال ذاته لامتناعها من الشبه والتشاكل بل هو الذي لا يتفاوت ذاته ولا يتبعض بتجزئة العدد في كماله فارق الأشياء لا باختلاف الأماكن ويكون فيها لا على الممازجة وعلمها لا بأداة لا يكون العلم إلا بها وليس بينه وبين معلومه علم غيره كان عالما لمعلومه إن قيل كان فعلى تأويل أزلية الوجود وإن قيل لم يزل فعلى تأويل نفي العدم فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه فاتخذ إلها غيره علوا كبيرا نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه وأوجب قبوله على نفسه أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شهادتان ترفعان القول وتضعان العمل خف ميزان ترفعان منه وثقل ميزان توضعان فيه وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار والجواز على الصراط وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة فأكثروا من الصلاة على نبيكم ( إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الإسلام ولا كرم أعز من التقوى ولا معقل أحرز من الورع ولا شفيع أنجح من التوبة ولا لباس أجل من العافية ولا وقاية أمنع من السلامة ولا مال أذهب بالفاقة من الرضا والقنوع ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة والرغبة مفتاح التعب والاحتكار مطية النصب والحسد آفة الدين والحرص داع إلى التقحم في الذنوب وهو داع إلى الحرمان والبغي سائق إلى الحين والشره جامع لمساوي العيوب رب طمع خائب وأمل كاذب ورجاء يؤدي إلى الحرمان وتجارة تئول إلى الخسران ألا ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفضحات النوائب وبئست القلادة الدين للمؤمن أيها الناس إنه لا كنز أنفع من العلم ولا عز أنفع من الحلم ولا حسب أبلغ من الأدب ولا نصب أوجع من الغضب ولا جمال أحسن من العقل ولا قرين شر من الجهل ولا سوأة أسوء من الكذب ولا حافظ أحفظ من الصمت ولا غائب أقرب من الموت أيها الناس إنه من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب غيره ومن رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره ومن سل سيف البغي قتل به ومن حفر لأخيه بئرا وقع فيها ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته ومن نسي زلته استعظم زلل غيره ومن أعجب برأيه ضل ومن استغنى بعقله زل ومن تكبر على الناس ذل ومن سفه على الناس شتم ومن خالط العلماء وقر ومن خالط الأنذال حقر ومن حمل ما لا يطيق عجز أيها الناس إنه لا مال هو أعود من العقل ولا فقر هو أشد من الجهل ولا واعظ هو أبلغ من النصح ولا عقل كالتدبير ولا عبادة كالتفكر ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ولا وحدة أوحش من العجب ولا ورع كالكف ولا حلم كالصبر والصمت أيها الناس إن في الإنسان عشر خصال يظهرها لسانه شاهد يخبر عن الضمير وحاكم يفصل بين الخطاب وناطق يرد به الجواب وشافع تدرك به الحاجة وواصف تعرف به الأشياء وأمير يأمر بالحسن وواعظ ينهى عن القبيح ومعز تسكن به الأحزان وحامد تجلى به الضغائن ومونق يلهي الأسماع أيها الناس إنه لا خير في الصمت عن الحكم كما إنه لا خير في القول بالجهل اعلموا أيها الناس أنه من لم يملك لسانه يندم ومن لا يتعلم يجهل ومن لا يتحلم لا يحلم ومن لا يرتدع لا يعقل ومن لا يعقل يهن ومن يهن لا يوقر ومن يتق ينج ومن يكسب مالا من غير حقه يصرفه في غير أجره .

تحف العقول عن آل الرسول _ 29 _

  ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم ومن لم يعط قاعدا منع قائما ومن يطلب العز بغير حق يذل ومن عاند الحق لزمه الوهن ومن تفقه وقر ومن تكبر حقر ومن لا يحسن لا يحمد أيها الناس إن المنية قبل الدنية والتجلد قبل التبلد والحساب قبل العقاب والقبر خير من الفقر وعمى البصر خير من كثير من النظر والدهر يومان يوم لك ويوم عليك فاصبر فبكليهما تمتحن أيها الناس أعجب ما في الإنسان قلبه وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها فإن سنح له الرجاء أذله الطمع وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص وإن ملكه اليأس قتله الأسف وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ وإن أسعد بالرضا نسي التحفظ وإن ناله الخوف شغله الحزن وإن اتسع بالأمن استلبته الغرة وإن جددت له نعمة أخذته العزة وإن أفاد مالا أطغاه الغنى وإن عضته فاقة شغله البلاء وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع وإن أجهده الجزع قعد به الضعف وإن أفرط في الشبع كظته البطنة فكل تقصير به مضر وكل إفراط له مفسد أيها الناس من قل ذل ومن جاد ساد ومن كثر ماله رأس ومن كثر حلمه نبل ومن فكر في ذات الله تزندق ومن أكثر من شي‏ء عرف به ومن كثر مزاحه استخف به ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته فسد حسب من ليس له أدب إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال ليس من جالس الجاهل بذي معقول من جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال لن ينجو من الموت غني بماله ولا فقير لإقلاله أيها الناس إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط فطنة الفهم للمواعظ مما يدعو النفس إلى الحذر من الخطإ وللنفوس خواطر للهوى والعقول تزجر وتنهى وفي التجارب علم مستأنف والاعتبار يقود إلى الرشاد وكفاك أدبا لنفسك ما تكرهه من غيرك عليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه لقد خاطر من استغنى برأيه .
  والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقف الخطإ ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول ومن حصر شهوته فقد صان قدره ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجته وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال والأيام توضح لك السرائر الكامنة وليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة ومن عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار والهيبة وأشرف الغنى ترك المنى والصبر جنة من الفاقة والحرص علامة الفقر والبخل جلباب المسكنة والمودة قرابة مستفادة ووصول معدم خير من جاف مكثر والموعظة كهف لمن وعاها ومن أطلق طرفه كثر أسفه ومن ضاق خلقه مله أهله ومن نال استطال قلما تصدقك الأمنية التواضع يكسوك المهابة وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق من كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه تحر القصد من القول فإنه من تحرى القصد خفت عليه المؤن في خلاف النفس رشدها من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد ألا وإن مع كل جرعة شرقا وفي كل أكلة غصصا لا تنال نعمة إلا بزوال أخرى لكل ذي رمق قوت ولكل حبة آكل وأنت قوت الموت اعلموا أيها الناس أنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها والليل والنهار يتسارعان في هدم الأعمار أيها الناس كفر النعمة لؤم وصحبة الجاهل شؤم من الكرم لين الكلام إياك والخديعة فإنها من خلق اللئام ليس كل طالب يصيب ولا كل غائب يئوب لا ترغب فيمن زهد فيك رب بعيد هو أقرب من قريب سل عن الرفيق قبل الطريق وعن الجار قبل الدار استر عورة أخيك لما تعلمه فيك اغتفر زلة صديقك ليوم يركبك عدوك من غضب على من لا يقدر أن يضره طال حزنه وعذب نفسه من خاف ربه كف ظلمه ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة إن من الفساد إضاعة الزاد ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غدا وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب .

تحف العقول عن آل الرسول _ 30 _

  ما أقرب الراحة من التعب والبؤس من التغيير ما شر بشر بعده الجنة وما خير بخير بعده النار وكل نعيم دون الجنة محقور وكل بلاء دون النار عافية عند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر تصفية العمل أشد من العمل تخليص النية عن الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد هيهات لو لا التقى كنت أدهى العرب عليكم بتقوى الله في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر وبالعدل على العدو والصديق وبالعمل في النشاط والكسل والرضا عن الله في الشدة والرخاء ومن كثر كلامه كثر خطؤه ومن كثر خطؤه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه ومن مات قلبه دخل النار ومن تفكر اعتبر ومن اعتبر اعتزل ومن اعتزل سلم ومن ترك الشهوات كان حرا ومن ترك الحسد كانت له المحبة عند .
  الناس عز المؤمن غناه عن الناس القناعة مال لا ينفد ومن أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير ومن علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه العجب ممن يخاف العقاب فلا يكف ويرجو الثواب ولا يتوب ويعمل الفكرة تورث نورا والغفلة ظلمة والجهالة ضلالة والسعيد من وعظ بغيره والأدب خير ميراث حسن الخلق خير قرين ليس مع قطيعة الرحم نماء ولا مع الفجور غنى العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله وواحد في ترك مجالسة السفهاء رأس العلم الرفق وآفته الخرق ومن كنوز الإيمان الصبر على المصائب والعفاف زينة الفقر والشكر زينة الغنى كثرة الزيارة تورث الملالة والطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم إعجاب المرء بنفسه يدل على ضعف عقله لا تؤيس مذنبا فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير وكم من مقبل على عمله مفسد في آخر عمره صائر إلى النار بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد طوبى لمن أخلص لله عمله وعلمه وحبه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وفعله وقوله لا يكون المسلم مسلما حتى يكون ورعا ولن يكن ورعا حتى يكون زاهدا ولن يكون زاهدا حتى يكون حازما ولن يكون حازما حتى يكون عاقلا وما العاقل إلا من عقل عن الله وعمل للدار الآخرة وصلى الله على محمد النبي وعلى أهل بيته الطاهرين .

آدابه (عليه السلام) لأصحابه وهي أربعمائة باب للدين والدنيا:
  الحجامة تصح البدن وتشد العقل أخذ الشارب من النظافة وهو من السنة الطيب في الشارب كرامة للكاتبين وهو من السنة الدهن يلين البشرة ويزيد في الدماغ والعقل ويسهل موضع الطهور ويذهب بالشعث ويصفي اللون السواك مرضاة للرب ومطيبة للفم وهو من السنة غسل الرأس بالخطمي يذهب بالدرن وينقي الأقذار المضمضة والاستنشاق بالماء عند الطهور طهور للفم والأنف السعوط مصحة للرأس وشفاء للبدن وسائر أوجاع الرأس النورة مشدة للبدن وطهور للجسد وتقليم الأظفار يمنع الداء الأعظم ويجلب الرزق ويدره نتف الإبط ينفي الرائحة المنكرة وهو طهور وسنة غسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في الرزق غسل الأعياد طهور لمن أراد طلب الحوائج بين يدي الله عز وجل واتباع السنة قيام الليل مصحة للبدن ورضا للرب وتعرض للرحمة وتمسك بأخلاق النبيين أكل التفاح نضوح للمعدة مضغ اللبان يشد الأضراس وينفي البلغم ويقطع ريح الفم الجلوس في المسجد بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس أسرع في طلب الرزق من الضرب في الأرض أكل السفرجل قوة للقلب الضعيف وهو يطيب المعدة ويذكي الفؤاد ويشجع الجبان ويحسن الولد أكل إحدى وعشرين زبيبة حمراء على الريق في كل يوم تدفع الأمراض إلا مرض الموت يستحب للمسلم أن يأتي أهله في أول ليلة من شهر رمضان لقول الله

تحف العقول عن آل الرسول _31 _

( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) لا تختموا بغير الفضة فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال ما طهر الله يدا فيها خاتم حديد من نقش على خاتمه اسما من أسماء الله فليحوله عن اليد التي يستنجي بها إذا نظر أحدكم إلى المرآة فليقل الحمد لله الذي خلقني فأحسن خلقي وصورني فأحسن صورتي وزان مني ما شان من غيري وأكرمني بالإسلام ليتزين أحدكم لأخيه المسلم إذا أتاه كما يتزين للغريب الذي يحب أن يراه في أحسن هيئة صوم ثلاثة أيام في كل شهر وصوم شعبان يذهب بوسواس الصدر وبلابل القلب الاستنجاء بالماء البارد يقطع البواسير غسل الثياب يذهب بالهم وطهور للصلاة لا تنتفوا الشيب فإنه نور ومن شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلا على طهور فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد فإن روح المؤمن ترتفع إلى الله عز وجل فيقبلها ويبارك عليها فإن كان أجلها قد حضر جعلها في صورة حسنة وإن لم يحضر أجلها بعث بها مع أمنائه من الملائكة فردها في جسده لا يتفل المسلم في القبلة فإن فعل ناسيا فليستغفر الله لا ينفخ المرء موضع سجوده ولا في طعامه ولا في شرابه ولا في تعويذه لا يتغوطن أحدكم على المحجة ولا يبل على سطح في الهواء ولا في ماء جار فمن فعل ذلك فأصابه شي‏ء فلا يلومن إلا نفسه فإن للماء أهلا وللهواء أهلا وإذا بال أحدكم فلا يطمحن ببوله ولا يستقبل به الريح لا ينامن مستلقيا على ظهره لا يقومن الرجل في الصلاة متكاسلا ولا متقاعسا ليقل العبد الفكر إذا قام بين يدي الله فإنما له من صلاته ما أقبل عليه لا تدعوا ذكر الله في كل مكان ولا على كل حال لا يلتفتن أحدكم في صلاته فإن العبد إذا التفت فيها قال الله له إلي عبدي خير لك ممن تلتفت إليه كلوا ما يسقط من الخوان فإنه شفاء من كل داء بإذن الله لمن أراد أن يستشفي به البسوا ثياب القطن فإنه لباس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يكن يلبس الصوف ولا الشعر إلا من علة إذا أكل أحدكم الطعام فمص أصابعه التي أكل بها قال الله عز وجل ذكره بارك الله فيك إن الله ليحب الجمال وأن يرى أثر نعمته على عبده صلوا أرحامكم ولو بالسلام لقول الله( واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ والْأَرْحامَ ) ولا تقطعوا نهاركم بكيت وكيت وفعلنا كذا وكذا فإن معكم حفظة يحفظون عليكم واذكروا الله عز وجل بكل مكان صلوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) وعليهم فإن الله يتقبل دعاءكم عند ذكره ورعايتكم له أقروا الحار حتى يبرد ويمكن فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال وقد قرب إليه طعام حار أقروه حتى يبرد ويمكن وما كان الله ليطعمنا الحار والبركة في البارد والحار غير ذي بركة علموا صبيانكم ما ينفعهم الله به لا تغلب عليهم المرجئة .
  أيها الناس كفوا ألسنتكم وسلموا تسليما أدوا الأمانات ولو إلى قتلة الأنبياء أكثروا ذكر الله إذا دخلتم الأسواق وعند اشتغال الناس بالتجارات فإنه كفارة للذنوب وزيادة في الحسنات ولا تكونوا من الغافلين ليس للعبد أن يسافر إذا حضر شهر رمضان لقول الله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ليس في شرب المسكر والمسح على الخفين تقية إياكم والغلو فينا قولوا إنا عباد مربوبون وقولوا في فضلنا ما شئتم من أحبنا فليعمل بعملنا ويستعن بالورع فإنه أفضل ما يستعان به في الدنيا والآخرة لا تجالسوا لنا عائبا ولا تمدحونا معلنين عند عدونا فتظهروا حبنا وتذلوا أنفسكم عند سلطانكم الزموا الصدق فإنه منجاة ارغبوا فيما عند الله واطلبوا مرضاته وطاعته واصبروا عليهما فما أقبح بالمؤمن أن يدخل

تحف العقول عن آل الرسول _32 _

  الجنة وهو مهتوك الستر لا تعيونا في طلب الشفاعة لكم يوم القيامة بسبب ما قدمتم ولا تفضحوا أنفسكم عند عدوكم يوم القيامة ولا تكذبوا أنفسكم في منزلتكم عند الله بالحقير من الدنيا تمسكوا بما أمركم الله به فما بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى ما يحب إلا أن يحضره رسول الله وما عند الله خير وأبقى وتأتيه البشارة والله فتقر عينه ويحب لقاء الله لا تحقروا ضعفاء إخوانكم فإنه من احتقر مؤمنا حقره الله ولم يجمع بينهما يوم القيامة إلا أن يتوب ولا يكلف المرء أخاه الطلب إليه إذا عرف حاجته تزاوروا وتعاطفوا وتباذلوا ولا تكونوا بمنزلة المنافق الذي يصف ما لا يفعل تزوجوا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال من كان يحب أن يستن بسنتي فليتزوج فإن من سنتي التزويج اطلبوا الولد فإني مكاثر بكم الأمم توقوا على أولادكم من لبن البغي من النساء والمجنونة فإن اللبن يعدي تنزهوا عن أكل الطير الذي ليس له قانصة ولا صيصية ولا حوصلة ولا كابرة اتقوا أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ولا تأكلوا الطحال فإنه ينبت من الدم الفاسد ولا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون اتقوا الغدد من اللحم فإنها تحرك عرق الجذام لا تقيسوا الدين فإنه لا يقاس وسيأتي قوم يقيسون الدين هم أعداؤه وأول من قاس إبليس لا تتخذوا الملسن فإنه حذاء فرعون وهو أول من حذا الملسن خالفوا أصحاب المسكر وكلوا التمر فإن فيه شفاء من الأدواء اتبعوا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه قال من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر أكثروا الاستغفار فإنه يجلب الرزق قدموا ما استطعتم من عمل الخير تجدوه غدا إياكم والجدال فإنه يورث الشك من كانت له إلى الله حاجة فليطلبها في ثلاث ساعات ساعة من يوم الجمعة ساعة الزوال حين تهب الريح وتفتح أبواب السماء وتنزل الرحمة وتصوت الطير وساعة في آخر الليل عند طلوع الفجر فإن ملكين يناديان هل من تائب فأتوب عليه هل من سائل فيعطى هل من مستغفر فيغفر له هل من طالب حاجة فأجيبوا داعي الله واطلبوا الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإنه أسرع لطلب الرزق من الضرب في الأرض وهي الساعة التي يقسم الله جل وعز فيها الأرزاق بين عباده انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإن أحب الأمور إلى الله انتظار الفرج وما داوم عليه المؤمن توكلوا على الله عند ركعتي الفجر بعد فراغكم منها ففيها تعطى الرغائب لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم ولا يصل أحدكم وبين يديه سيف فإن القبلة أمن ألموا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا حججتم فإن تركه جفاء وبذلك أمرتم ألموا بالقبور التي يلزمكم حق سكانها وزوروها واطلبوا الرزق عندها فإنهم يفرحون بزيارتكم ليطلب الرجل الحاجة عند قبر أبيه وأمه بعد ما يدعو لهما لا تستصغروا قليل الإثم لما لم تقدروا على الكبير فإن الصغير يحصى ويرجع إلى الكبير أطيلوا السجود فمن أطاله أطاع ونجا أكثروا ذكر الموت ويوم خروجكم من القبور ويوم قيامكم بين يدي الله تهن عليكم المصائب إذا اشتكى أحدكم عينه فليقرأ آية الكرسي وليضمر في نفسه أنها تبرأ فإنه يعافى إن شاء الله توقوا الذنوب فما من بلية ولا نقص رزق إلا بذنب حتى الخدش والنكبة .

تحف العقول آل الرسول _ 33 _

  والمصيبة فإن الله جل ذكره يقول ( ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) أكثروا ذكر الله جل وعز على الطعام ولا تلفظوا فيه فإنه نعمة من نعم الله ورزق من رزقه يجب عليكم شكره وحمده أحسنوا صحبة النعم قبل فواتها فإنها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها من رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله منه باليسير من العمل إياكم والتفريط فإنه يورث الحسرة حين لا تنفع الحسرة إذا لقيتم عدوكم في الحرب فأقلوا الكلام وأكثروا ذكر الله جل وعز ولا تولوا الأدبار فتسخطوا الله وتستوجبوا غضبه إذا رأيتم من إخوانكم المجروح في الحرب أو من قد نكل أو طمع عدوكم فيه فقووه بأنفسكم اصطنعوا المعروف بما قدرتم عليه فإنه تقي مصارع السوء من أراد منكم أن يعلم كيف منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله منه عند الذنوب أفضل ما يتخذ الرجل في منزله الشاة فمن كانت في منزله شاة قدست عليه الملائكة كل يوم مرة ومن كان عنده شاتان قدست عليه الملائكة كل يوم مرتين وكذلك في الثلاث ويقول الله بورك فيكم إذا ضعف المسلم فليأكل اللحم باللبن فإن الله جعل القوة فيهما إذا أردتم الحج فتقدموا في شراء بعض حوائجكم بأنفسكم فإن الله تبارك وتعالى قال ( ولَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ) إذا جلس أحدكم في الشمس فليستدبرها لظهره فإنها تظهر الداء الدفين إذا حججتم فأكثروا النظر إلى بيت الله فإن لله مائة وعشرين رحمة عند بيته الحرام منها ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين أقروا عند بيت الله الحرام بما حفظتموه من ذنوبكم وما لم تحفظوه فقولوا ما حفظته يا رب علينا ونسيناه فاغفره لنا فإنه من أقر بذنوبه في ذلك الموضع وعددها وذكرها واستغفر الله جل وعز منها كان حقا على الله أن يغفرها له تقدموا في الدعاء قبل نزول البلاء فإنه تفتح أبواب السماء في ستة مواقف عند نزول الغيث وعند الزحف وعند الأذان وعند قراءة القرآن ومع زوال الشمس وعند طلوع الفجر من مس جسد ميت بعد ما يبرد لزمه الغسل من غسل مؤمنا فليغتسل بعد ما يلبسه أكفانه ولا يمسه بعد ذلك فيجب عليه الغسل ولا تجمروا الأكفان ولا تمسوا موتاكم الطيب إلا الكافور فإن الميت بمنزلة المحرم مروا أهاليكم بالقول الحسن عند الميت فإن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قبض أبوها (عليه السلام) أشعرها بنات هاشم فقالت اتركوا الحداد وعليكم بالدعاء المسلم مرآة أخيه فإذا رأيتم من أخيكم هفوة فلا تكونوا عليه إلبا وأرشدوه وانصحوا له وترفقوا به وإياكم والخلاف فإنه مروق وعليكم بالقصد تراءفوا وتراحموا من سافر بدابته بدأ بعلفها وسقيها لا تضربوا الدواب على حر وجوهها فإنها تسبح ربها من ضل منكم في سفر أو خاف على نفسه فليناد يا صالح أغثني فإن في إخوانكم الجن من إذا سمع الصوت أجاب وأرشد الضال منكم وحبس عليه دابته ومن خاف منكم الأسد على نفسه ودابته وغنمه فليخط عليها خطة وليقل اللهم رب دانيال والجب وكل أسد مستأسد احفظني وغنمي ومن خاف منكم الغرق فليقل ( بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها ومُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ والْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ والسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ومن خاف العقرب فليقرأ ( سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ )عقوا عن أولادكم في اليوم السابع وتصدقوا إذا حلقتم رءوسهم بوزن شعورهم فضة فإنه واجب على كل مسلم وكذلك فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحسن والحسين إذا ناولتم سائلا شيئا فاسألوه أن يدعو لكم فإنه يستجاب فيكم ولا يجاب في نفسه لأنهم يكذبون ويرد الذي يناوله يده إلى فيه فليقبلها فإن الله يأخذها قبل أن تقع في يد السائل قال الله تبارك

تحف العقول عن آل الرسول _ 34_
  وتعالى ( ويَأْخُذُ الصَّدَقاتِ ) تصدقوا بالليل فإن صدقة الليل تطفئ غضب الرب احسبوا كلامكم من أعمالكم يقل كلامكم إلا في الخير أنفقوا مما رزقكم الله فإن المنفق في بمنزلة المجاهد في سبيل الله فمن أيقن بالخلف أنفق وسخت نفسه بذلك من كان على يقين فأصابه ما يشك فليمض على يقينه فإن الشك لا يدفع اليقين ولا ينقضه ولا تشهدوا قول الزور .
  ولا تجلسوا على مائدة يشرب عليها الخمر فإن العبد لا يدري متى يؤخذ وإذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد ويأكل على الأرض ولا يضع إحدى رجليه على الأخرى ولا يتربع فإنها جلسة يبغضها الله ويمقت صاحبها عشاء الأنبياء بعد العتمة فلا تدعوا العشاء فإن تركه يخرب البدن الحمى رائد الموت وسجن الله في الأرض يحبس بها من يشاء من عباده وهي تحت الذنوب كما تحات الوبر عن سنام البعير ليس من داء إلا وهو داخل الجوف إلا الجراحة والحمى فإنهما يردان على الجسد ورودا اكسروا حر الحمى بالبنفسج والماء البارد فإن حرها من فيح جهنم لا يتداوى المسلم حتى يغلب مرضه صحته الدعاء يرد القضاء المبرم فأعدوه واستعملوه للوضوء بعد الطهر عشر حسنات فتطهروا إياكم والكسل فإنه من كسل لم يؤد حق الله تنظفوا بالماء من الريح المنتنة وتعهدوا أنفسكم فإن الله يبغض من عباده القاذورة الذي يتأفف به من جلس إليه لا يعبث أحدكم بلحيته في الصلاة ولا بما يشغله عنها بادروا بعمل الخير قبل أن تشغلوا عنه بغيره .
  المؤمن نفسه منه في تعب والناس منه في راحة ليكن جل كلامكم ذكر الله احذروا الذنوب فإن العبد يذنب الذنب فيحبس عنه الرزق داووا مرضاكم بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة الصلاة قربان كل تقي والحج جهاد كل ضعيف حسن التبعل جهاد المرأة الفقر الموت الأكبر قلة العيال أحد اليسارين التقدير نصف المعيشة الهم نصف الهرم ما عال امرؤ اقتصد ما عطب امرؤ استشار لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب ودين لكل شي‏ء ثمرة وثمرة المعروف تعجيل السراح من أيقن بالخلف جاد بالعطية من ضرب على فخذيه عند المصيبة فقد حبط أجره أفضل عمل المؤمن انتظار الفرج من أحزن والديه فقد عقهما استنزلوا الرزق بالصدقة ادفعوا أنواع البلاء بالدعاء عليكم به قبل نزول البلاء فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة للبلاء أسرع إلى المؤمن من السيل من أعلى التلعة إلى أسفلها أو من ركض البراذين سلوا العافية من جهد البلاء فإن جهد البلاء ذهاب الدين السعيد من وعظ بغيره واتعظ روضوا أنفسكم على الأخلاق الحسنة فإن العبد المؤمن يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم من شرب الخمر وهو يعلم أنها خمر سقاه الله من طينة الخبال وإن كان مغفورا له لا نذر في معصية ولا يمين في قطيعة الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر لتطيب المرأة لزوجها المقتول دون ماله شهيد المغبون لا محمود ولا محاور لا يمين للولد مع والده ولا للمرأة مع زوجها لا صمت إلى الليل إلا في ذكر الله لا تعرب بعد الهجرة ولا هجرة بعد الفتح تعرضوا لما عند الله عز وجل فإن فيه غنى عما في أيدي الناس الله يحب المحترف الأمين ليس من عمل أحب إلى الله من الصلاة لا تشغلنكم عن أوقاتها أمور الدنيا فإن الله ذم أقواما استهانوا بأوقاتها فقال الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ يعني غافلين اعلموا أن صالحي عدوكم يرائي بعضهم من بعض وذلك أن الله عز وجل لا يوفقهم ولا يقبل إلا ما كان له البر لا يبلى والذنب لا ينسى إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا والَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ المؤمن لا يعير أخاه ولا يخونه ولا يتهمه ولا يخذله ولا يتبرأ منه اقبل عذر أخيك فإن لم يكن له عذر فالتمس له عذرا مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة ملك مؤجل ( اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ واصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ والْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) لا تعجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم ارحموا ضعفاءكم واطلبوا الرحمة من الله عز وجل

تحف العقول عن آل الرسول _ 35 _

  إياكم والغيبة فإن المسلم لا يغتاب أخاه وقد نهى الله عن ذلك فقال ( أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ) لا يجمع المؤمن يديه في الصلاة وهو قائم يتشبه بأهل الكفر لا يشرب أحدكم الماء قائما فإنه يورث الداء الذي لا دواء له إلا أن يعافي الله إذا أصاب أحدكم في الصلاة الدابة فليدفنها أو يتفل عليها أو يضمها في ثوبه حتى ينصرف والالتفات الفاحش يقطع الصلاة ومن فعل فعليه الابتداء بالأذان والإقامة والتكبير من قرأ قل هو الله أحد إلى أن تطلع الشمس عشر مرات ومثلها إنا أنزلناه في ليلة القدر ومثلها آية الكرسي منع ماله مما يخاف عليه ومن قرأ قل هو الله أحد وإنا أنزلناه في ليلة القدر قبل طلوع الشمس لم يصب ذنبا وإن اجتهد فيه إبليس استعيذوا بالله عز وجل من غلبة الدين مثل أهل البيت سفينة نوح من تخلف عنها هلك تشمير الثياب طهور للصلاة قال الله تعالى وثِيابَكَ فَطَهِّرْ أي فشمر لعق العسل شفاء قال الله يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ ابدءوا بالملح في أول طعامكم واختموا به فلو يعلم الناس ما في الملح لاختاروه على الدرياق من ابتدأ طعامه به أذهب الله عنه سبعين داء لا يعلمه إلا الله صوموا ثلاثة أيام من كل شهر فهي تعدل صوم الدهر ونحن نصوم خميسين وأربعاء بينهما لأن الله خلق جهنم يوم الأربعاء فتعوذوا بالله جل وعز منها إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر فيها يوم الخميس فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال اللهم بارك لأمتي في بكرتها يوم الخميس وليقرأ إذا خرج من بيته ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ والْأَرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ إلى قوله إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ) وآية الكرسي وإنا أنزلناه في ليلة القدر وأم الكتاب فإن فيها قضاء حوائج الدنيا والآخرة عليكم بالصفيق من الثياب فإنه من رق ثوبه رق دينه لا يقومن أحدكم بين يدي ربه جل وعز وعليه ثوب يصفه توبوا إلى الله وادخلوا في محبته فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين والمؤمن منيب وتواب إذا قال المؤمن لأخيه أف انقطع ما بينهما وإذا قال له أنت كافر كفر أحدهما ولا ينبغي له أن يتهمه فإن اتهمه انماث الإيمان بينهما كما ينماث الملح في الماء باب التوبة مفتوح لمن أرادها فتوبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم أوفوا بالعهود إذا عاهدتم فما زالت نعمة عن قوم ولا عيش إلا بذنوب اجترحوها إن الله ليس بظلام للعبيد ولو استقبلوا ذلك بالدعاء لم تزل ولو أنهم إذا نزلت بهم النقم أو زالت عنهم النعم فزعوا إلى الله عز وجل بصدق من نياتهم ولم يهنوا ولم يسرفوا لأصلح لهم كل فاسد ورد عليهم كل ضائع إذا ضاق المسلم فلا يشكون ربه ولكن يشكو إليه فإن بيده مقاليد الأمور وتدبيرها في السماوات والأرضين وما فيهن وهو رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين وإذا جلس العبد من نومه فليقل قبل أن يقوم حسبي الرب من العباد حسبي هو حسبي ونعم الوكيل وإذا قام أحدكم من الليل فلينظر إلى أكناف السماء وليقرأ ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ والْأَرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ إلى قوله لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ) الاطلاع في بئر زمزم يذهب بالداء فاشربوا من مائها مما يلي الركن الذي فيه الحجر الأسود أربعة أنهار من الجنة الفرات والنيل وسيحان وجيحان وهما نهران لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم ولا ينفذ في الفي‏ء أمر الله جل وعز وإن مات في ذلك كان معينا لعدونا في حبس حقنا والإشاطة بدمائنا وميتته ميتة جاهلية ذكرنا أهل البيت شفاء من الوغل والأسقام ووسواس الريب وحبنا رضا الرب والآخذ بأمرنا وطريقتنا ومذهبنا معنا غدا في حظيرة الفردوس والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله من شهدنا في حربنا وسمع واعيتنا فلم ينصرنا أكبه الله على منخريه في النار نحن باب الجنة إذا بعثوا وضاقت المذاهب ونحن باب حطة وهو السلم من دخله نجا ومن تخلف عنه هوى بنا فتح الله جل وعز وبنا يختم الله وبنا يمحو

تحف العقول عن آل الرسول _36 _

   الله ما يشاء وبنا يدفع الله الزمان الكلب وبنا ينزل الغيث ولا يغرنكم بالله الغرور لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ولأخرجت الأرض نباتها وذهبت الشحناء من قلوب العباد واصطلحت السباع والبهائم حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلا على نبات وعلى رأسها زنبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه لو تعلمون ما في مقامكم بين عدوكم وصبركم على ما تسمعون من الأذى لقرت أعينكم لو قد فقدتموني لرأيتم بعدي أشياء يتمنى أحدكم الموت مما يرى من الجور والعدوان والأثرة والاستخفاف بحق الله والخوف على نفسه فإذا كان ذلك فاعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وعليكم بالصبر والصلاة والتقية واعلموا أن الله عز وجل يبغض من عباده التلون لا تزولوا عن الحق وأهله فإن من استبدل بنا هلك وفاتته الدنيا وخرج منها آثما إذا دخل أحدكم منزله فليسلم على أهله فإن لم يكن له أهل فليقل السلام علينا من ربنا ويقرأ قل هو الله أحد حين يدخل منزله فإنه ينفي الفقر علموا صبيانكم الصلاة وخذوهم بها إذا بلغوا ثماني سنين تنزهوا عن قرب الكلاب فمن أصابه كلب جاف فلينضح ثوبه بالماء وإن كان الكلب رطبا فليغسله إذا سمعتم من حديثنا ما لا تعرفونه فردوه إلينا وقفوا عنده وسلموا إذا تبين لكم الحق ولا تكونوا مذائيع عجلى فإلينا يرجع الغالي وبنا يلحق المقصر من تمسك بنا لحق ومن تخلف عنا محق من اتبع أمرنا لحق من سلك غير طريقتنا سحق لمحبينا أفواج من رحمة الله ولمبغضينا أفواج من سخط الله طريقنا القصد وأمرنا الرشد لا يجوز السهو في خمس الوتر والركعتين الأوليين من كل صلاة مفروضة التي تكون فيهما القراءة والصبح والمغرب وكل ثنائية مفروضة وإن كانت سفرا ولا يقرأ العاقل القرآن إذا كان على غير طهر حتى يتطهر له أعطوا كل سورة حقها من الركوع والسجود إذا كنتم في الصلاة لا يصلي الرجل في قميص متوشحا به فإنه من فعال أهل لوط تجزي للرجل الصلاة في ثوب واحد يعقد طرفيه على عنقه وفي القميص الصفين يزره عليه لا يسجد الرجل على صورة ولا على بساط هي فيه ويجوز أن تكون الصورة تحت قدميه أو يطرح عليها ما يواريها ولا يعقد الرجل الدرهم الذي فيه الصورة في ثوبه وهو يصلي ويجوز أن يكون الدرهم في هميان أو في ثوب إن كان ظاهرا لا يسجد الرجل على كدس حنطة ولا على شعير ولا على شي‏ء مما يؤكل ولا على الخبز إذا أراد أحدكم الخلاء فليقل بسم الله اللهم أمط عني الأذى وأعذني من الشيطان الرجيم وليقل إذا جلس اللهم كما أطعمتنيه طيبا وسوغتنيه فاكفنيه فإذا نظر إلى حدثه بعد فراغه فليقل اللهم ارزقني الحلال وجنبني الحرام فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال ما من عبد إلا وقد وكل الله به ملكا يلوي عنقه إذا أحدث حتى ينظر إليه فعند ذلك ينبغي له أن يسأل الله الحلال فإن الملك يقول يا ابن آدم هذا ما حرصت عليه انظر من أين أخذته وإلى ما ذا صار لا يتوضأ الرجل حتى يسمي قبل أن يمس الماء يقول بسم الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فإذا فرغ من طهوره قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعندها يستحق المغفرة من أتى الصلاة عارفا بحقها غفر الله له ولا يصل الرجل نافلة في وقت فريضة ولا يتركها إلا من عذر وليقض بعد ذلك إذا أمكنه القضاء فإن الله عز وجل يقول ( الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ) هم الذين يقضون ما فاتهم من الليل بالنهار ومن النهار بالليل لا تقضوا النافلة في وقت الفريضة ولكن ابدءوا بالفريضة ثم صلوا ما بدا لكم الصلاة في الحرمين تعدل ألف صلاة درهم ينفقه الرجل في الحج يعدل ألف درهم ليخشع الرجل في صلاته فإنه من خشع لله في الركعة فلا يعبث بشي‏ء في صلاة القنوت في كل صلاة ثنائية قبل الركوع في الركعة الثانية إلا الجمعة فإن فيها قنوتين أحدهما قبل الركوع في الركعة الأولى والآخر بعده في الركعة الثانية والقراءة في الجمعة في الركعة الأولى بسورة الجمعة بعد فاتحة الكتاب وإذا جاءك المنافقون .

تحف العقول عن آل الرسول _ 37 _

  اجلسوا بعد السجدتين حتى تسكن جوارحكم ثم قوموا فإن ذلك من فعلنا إذا افتتح أحدكم الصلاة فليرفع يديه بحذاء صدره إذا قام أحدكم بين يدي الله فليتجوز وليقم صلبه ولا ينحني إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء في الدعاء ولينتصب فقال ابن سبإ يا أمير المؤمنين أ ليس الله بكل مكان قال بلى قال فلم نرفع أيدينا إلى السماء فقال ويحك أ ما تقرأ وفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وما تُوعَدُونَ فمن أين نطلب الرزق إلا من موضعه وهو ما وعد الله في السماء لا تقبل من عبد صلاة حتى يسأل الله الجنة ويستجير به من النار ويسأله أن يزوجه من الحور العين إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليصل صلاة مودع لا يقطع الصلاة التبسم وتقطعها القهقهة إذا خالط النوم القلب فقد وجب الوضوء إذا غلبتك عينك وأنت في الصلاة فاقطعها ونم فإنك لا تدري لعلك أن تدعو على نفسك من أحبنا بقلبه وأعاننا بلسانه وقاتل معنا بيده فهو معنا في الجنة في درجتنا ومن أحبنا بقلبه ولم يعنا بلسانه ولم يقاتل معنا فهو أسفل من ذلك بدرجة ومن أحبنا بقلبه ولم يعنا بلسانه ولا بيده فهو معنا في الجنة ومن أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ويده فهو في أسفل درك من النار ومن أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ولم يعن علينا بيده فهو فوق ذلك بدرجة ومن أبغضنا بقلبه ولم يعن علينا بلسانه ولا يده فهو في النار إن أهل الجنة لينظرون إلى منازل شيعتنا كما ينظر الإنسان إلى الكواكب التي في السماء إذا قرأتم من المسبحات شيئا فقولوا سبحان ربي الأعلى وإذا قرأتم إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ فصلوا عليه في الصلاة كثيرا وفي غيرها ليس في البدن أقل شكرا من العين فلا تعطوها سؤلها فتشغلكم عن ذكر الله جل وعز إذا قرأتم والتين فقولوا في آخرها ونحن على ذلك من الشاهدين إذا قرأتم قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ فقولوا آمنا بالله حتى تبلغوا إلى قوله ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ إذا قال العبد في التشهد الأخير من الصلاة المكتوبة أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ثم أحدث حدثا فقد تمت صلاته ما عبد الله جل وعز بشي‏ء هو أشد من المشي إلى الصلاة اطلبوا الخير في أعناق الإبل وأخفافها صادرة وواردة إنما سمي نبيذ السقاية لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتي بزبيب من الطائف فأمر أن ينبذ ويطرح في ماء زمزم لأنه مر فأراد أن تسكن مرارته فلا تشربوا إذا أعتق إذا تعرى الرجل نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذه ويجلس بين يدي قوم من أكل شيئا من المؤذيات فلا يقربن المسجد ليرفع الساجد مؤخره في الصلاة إذا أراد أحدكم الغسل فليبدأ بذراعيه فليغسلهما إذا صليت وحدك فأسمع نفسك القراءة والتكبير والتسبيح إذا انفتلت من صلاتك فعن يمينك تزودوا من الدنيا التقوى فإنها خير ما تزودتموه منها من كتم وجعا أصابه ثلاثة أيام من الناس وشكا إلى الله كان حقا على الله أن يعافيه منه أبعد ما يكون العبد من الله إذا كانت همته بطنه وفرجه لا يخرج الرجل في سفر يخاف على دينه منه أعط السمع أربعة في الدعاء الصلاة على النبي وآله والطلب من ربك الجنة والتعوذ من النار وسؤالك إياه الحور العين إذا فرغ الرجل من صلاته فليصل على النبي (صلى الله عليه وآله) وليسأل الله الجنة ويستجير به من النار ويسأله أن يزوجه الحور العين فإنه من لم يصل على النبي رجعت دعوته ومن سأل الله الجنة سمعت الجنة فقالت يا رب أعط عبدك ما سأل ومن استجار به من النار قالت النار يا رب أجر عبدك مما استجار منه ومن سأل الحور العين سمعت الحور العين فقالت أعط عبدك ما سأل الغناء نوح إبليس على الجنة إذا أراد أحدكم النوم فليضع يده اليمنى تحت خده الأيمن وليقل بسم الله وضعت جنبي لله على ملة إبراهيم ودين محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم )

تحف العقول عن آل الرسول _ 38 _

   وبقدرته على ما يشاء من شر السامة والهامة ومن شر الجن والإنس ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها ومن شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم وهو على كل شي‏ء قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعوذ الحسن والحسين بها وبذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليهم أجمعين نحن الخزان لدين الله ونحن مصابيح العلم إذا مضى منا علم بدا علم لا يضل من اتبعنا ولا يهتدي من أنكرنا ولا ينجو من أعان علينا عدونا ولا يعان من أسلمنا ولا يخلو عنا بطمع في حطام الدنيا الزائلة عنه فإنه من آثر الدنيا علينا عظمت حسرته غدا وذلك قول الله أَنْ( تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ) اغسلوا صبيانكم من الغمر فإن الشيطان يشم الغمر فيفزع الصبي في رقاده ويتأذى به الكاتبان لكم من النساء أول نظرة فلا تتبعوها واحذروا الفتنة مدمن الخمر يلقى الله عز وجل حين يلقاه كعابد وثن فقال له حجر بن عدي يا أمير المؤمنين من المدمن للخمر .
  قال الذي إذا وجدها شربها من شرب مسكرا لم تقبل صلاته أربعين ليلة من قال لمسلم قولا يريد به انتقاص مروته حبسه الله في طينة خبال حتى يأتي مما قال بمخرج لا ينم الرجل مع الرجل في ثوب واحد ولا المرأة مع المرأة في ثوب واحد ومن فعل ذلك وجب عليه الأدب وهو التعزير كلوا الدباء فإنه يزيد في الدماغ وكان يعجب النبي (صلى الله عليه وآله) كلوا الأترج قبل الطعام وبعده فإن آل محمد (صلى الله عليه وآله) يأكلونه الكمثرى يجلو القلب ويسكن أوجاعه بإذن الله إذا قام الرجل في الصلاة أقبل إبليس ينظر إليه حسدا لما يرى من رحمة الله التي تغشاه شر الأمور محدثاتها خير الأمور ما كان لله جل وعز رضا من عبد الدنيا وآثرها على الآخرة استوخم العاقبة لو يعلم المصلي ما يغشاه من رحمة الله ما انفتل ولا سره أن يرفع رأسه من السجدة إياكم والتسويف في العمل بادروا به إذا أمكنكم ما كان لكم من رزق فسيأتيكم على ضعفكم وما كان عليكم فلن تقدروا على دفعه بحيلة مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر إذا وضع الرجل في الركاب يقال سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ وإذا خرج أحدكم في سفر فليقل اللهم أنت الصاحب في السفر والحامل على الظهر والخليفة في الأهل والمال والولد وإذا نزلتم فقولوا اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين إذا دخلتم الأسواق لحاجة فقولوا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله (صلى الله عليه وآله) اللهم إني أعوذ بك من صفقة خاسرة ويمين فاجرة وأعوذ بك من بوار الأيم المنتظر وقت الصلاة بعد العصر زائر لله وحق على الله جل وعز أن يكرم زائره ويعطيه ما سأل الحاج والمعتمر وفد الله وحق على الله أن يكرم وفده ويحبوه بالمغفرة من سقى صبيا مسكرا وهو لا يعقل حبسه الله في طينة خبال حتى يأتي مما فعل بمخرج الصدقة جنة عظيمة وحجاب للمؤمن من النار ووقاية للكافر من تلف المال ويعجل له الخلف ويدفع السقم عن بدنه وما له في الآخرة من نصيب باللسان يكب أهل النار في النار وباللسان يستوجب أهل القبور النور فاحفظوا ألسنتكم وأشغلوها بذكر الله من عمل الصور سئل عنها يوم القيامة إذا أخذت من أحدكم قذاة فليقل أماط الله عنك ما تكره إذا خرج أحدكم من الحمام فقال له أخوه طاب حميمك فليقل أنعم الله بالك وإذا قال له حياك الله بالسلام فليقل وأنت فحياك الله بالسلام وأحلك دار المقام السؤال بعد المدح فامدحوا الله ثم سلوه الحوائج وأثنوا عليه قبل طلبها يا صاحب الدعاء لا تسأل ما لا يكون ولا يحل

تحف العقول عن آل الرسول _ 39 _

   إذا هنأتم الرجل من مولود ذكر فقولوا بارك الله لك في هبته وبلغ أشده ورزقت بره إذا قدم أحدكم من مكة فقبل عينيه وفمه الذي قبل الحجر الأسود الذي قبله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبل موضع سجوده وجبهته وإذا هنأتموه فقولوا قبل الله نسكك وشكر سعيك وأخلف عليك نفقتك ولا جعله آخر عهدك ببيته الحرام احذروا السفلة فإن السفلة لا يخاف الله جل وعز إن الله اطلع فاختارنا واختار لنا شيعتنا ينصروننا ويفرحون بفرحنا ويحزنون بحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا أولئك منا وإلينا ما من شيعتنا أحد يقارف أمرا نهيناه عنه فيموت حتى يبتلى ببلية تمحص بها ذنوبه إما في مال أو ولد وإما في نفسه حتى يلقى الله محبنا وما له ذنب وإنه ليبقى عليه شي‏ء من ذنوبه فيشدد عليه عند الموت فيمحص ذنوبه الميت من شيعتنا صديق شهيد صدق بأمرنا وأحب فينا وأبغض فينا يريد بذلك وجه الله مؤمنا بالله ورسوله من أذاع سرنا أذاقه الله بأس الحديد اختنوا أولادكم يوم السابع ولا يمنعكم حر ولا برد فإنه طهر للجسد وإن الأرض لتضج إلى الله من بول الأقلف أصناف السكر أربعة سكر الشباب وسكر المال وسكر النوم وسكر الملك أحب للمؤمن أن يطلي في كل خمسة عشر يوما مرة بالنورة أقلوا أكل الحيتان فإنها تذيب البدن وتكثر البلغم وتغلظ النفس الحسو باللبن شفاء من كل داء إلا الموت كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ للمعدة وحياة للقلب ويذهب بوسواس الشيطان كلوا الهندباء فإنه ما من صباح إلا وعليه قطرة من قطر الجنة اشربوا ماء السماء فإنه طهور للبدن ويدفع الأسقام قال الله جل وعز ( ويُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ويُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ الحبة السوداء ما من داء إلا وفيها منه شفاء إلا السام لحوم البقر داء وألبانها شفاء وكذلك أسمانها ما تأكل الحامل شيئا ولا تبدأ به أفضل من الرطب قال الله وهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا ) حنكوا أولادكم بالتمر فهكذا فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحسن والحسين إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فلا يعاجلنها وليمكث يكن منها مثل الذي يكون منه إذا رأى أحدكم امرأة تعجبه فليلق أهله فإن عندها مثل الذي رأى ولا يجعل للشيطان على قلبه سبيلا وليصرف بصره عنها فإن لم تكن له زوجة فليصل ركعتين ويحمد الله كثيرا إذا أراد أحدكم غشيان زوجته فليقل الكلام فإن الكلام عند ذلك يورث الخرس لا ينظرن أحدكم إلى باطن فرج المرأة فإنه يورث البرص وإذا أتى أحدكم زوجته فليقل اللهم إني استحللت فرجها بأمرك وقبلتها بأمانك فإن قضيت منها ولدا فاجعله ذكرا سويا ولا تجعل للشيطان فيه شركا ونصيبا الحقنة من الأربعة التي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها ما قال وأفضل ما تداويتم به الحقنة وهي تعظم البطن وتنقي داء الجوف وتقوي الجسد استعطوا بالبنفسج فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لو يعلم الناس ما في البنفسج لحسوه حسوا إذا أراد أحدكم إتيان أهله فليتوق الأهلة وأنصاف الشهور فإن الشيطان يطلب الولد في هذين الوقتين توقوا الحجامة يوم الأربعاء ويوم الجمعة فإن الأربعاء نحس مستمر وفيه خلقت جهنم وفي يوم الجمعة ساعة لا يحتجم فيه أحد إلا مات .

تحف العقول عن آل الرسول _ 40 _

عهده (عليه السلام) إلى الأشتر حين ولاة مصر وأعمالها :
  بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر جباية خراجها ومجاهدة عدوها واستصلاح أهلها وعمارة بلادها أمره بتقوى الله وإيثار طاعته واتباع ما أمر الله به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها وأن ينصر الله بيده وقلبه ولسانه فإنه قد تكفل بنصر من نصره إنه قوي عزيز وأمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم وأن يعتمد كتاب الله عند الشبهات فإن فيه تبيان كل شي‏ء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون وأن يتحرى رضا الله ولا يتعرض لسخطه ولا يصر على معصيته فإنه لا ملجأ من الله إلا إليه ثم اعلم يا مالك أني وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح بالقصد فيما تجمع وما ترعى به رعيتك فاملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحببت وكرهت وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بالإحسان إليهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق تفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطإ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاك بما عرفك من كتابه وبصرك من سنن نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) عليك بما كتبنا لك في عهدنا هذا لا تنصبن نفسك لحرب الله فإنه لا يد لك بنقمته ولا غنى بك عن عفوه ورحمته فلا تندمن على عفو ولا تبجحن بعقوبة ولا تسرعن إلى بادرة وجدت عنها مندوحة ولا تقولن إني مؤمر آمر فأطاع فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين وتقرب من الفتن فتعوذ بالله من درك الشقاء وإذا أعجبك ما أنت فيه من سلطانك فحدثت لك به أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك فإن ذلك يطأمن إليك من طماحك ويكف عنك من غربك ويفي‏ء إليك ما عزب من عقلك وإياك ومساماته في عظمته أو التشبه به في جبروته فإن الله يذل كل جبار ويهين كل مختال فخور أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصتك ومن أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك فإنك إن لا تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ومن خاصمه الله أدحض حجته وكان لله حربا حتى ينزع ويتوب وليس شي‏ء أدعى إلى تغيير نعمة من إقامة على ظلم فإن الله يسمع دعوة المظلومين وهو للظالمين بمرصاد ومن يكن كذلك فهو رهين هلاك في الدنيا والآخرة وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها للرعية فإن سخط العامة يجحف برضا الخاصة وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مئونة في الرخاء وأقل له معونة في البلاء وأكره للإنصاف وأسأل بالإلحاف وأقل شكرا عند الإعطاء وأبطأ عذرا عند المنع وأضعف صبرا عند ملمات الأمور من الخاصة وإنما عمود الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء أهل العامة من الأمة فليكن لهم صغوك واعمد لأعم الأمور منفعة وخيرها عاقبة ولا قوة إلا بالله وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك أطلبهم لعيوب الناس فإن في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها فلا تكشفن ما غاب عنك واستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك وأطلق عن الناس عقد كل حقد واقطع عنك سبب كل وتر واقبل العذر وادرأ الحدود بالشبهات وتغاب عن كل ما لا يضح لك ولا تعجلن إلى تصديق ساع فإن الساعي غاش وإن تشبه

تحف العقول عن آل الرسول _ 41 _

  بالناصحين لا تدخلن في مشورتك بخيلا يخذلك عن الفضل ويعدك الفقر ولا جبانا يضعف عليك الأمور ولا حريصا يزين لك الشره بالجور فإن البخل والجور والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله كمونها في الأشرار أيقن أن شر وزرائك من كان للأشرار وزيرا ومن شركهم في الآثام وقام بأمورهم في عباد الله فلا يكونن لك بطانة تشركهم في أمانتك كما شركوا في سلطان غيرك فأردوهم وأوردوهم مصارع السوء ولا يعجبنك شاهد ما يحضرونك به فإنهم أعوان الأثمة وإخوان الظلمة وعباب كل طمع ودغل وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل أدبهم ونفاذهم ممن قد تصفح الأمور فعرف مساوئها بما جرى عليه منها فأولئك أخف عليك مئونة وأحسن لك معونة وأحنى عليك عطفا وأقل لغيرك إلفا لم يعاون ظالما على ظلمه ولا آثما على إثمه ولم يكن مع غيرك له سيرة أجحفت بالمسلمين والمعاهدين فاتخذ أولئك خاصة لخلوتك وملائك ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق وأحوطهم على الضعفاء بالإنصاف وأقلهم لك مناظرة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعا ذلك من هواك حيث وقع فإنهم يقفونك على الحق ويبصرونك ما يعود عليك نفعه والصق بأهل الورع والصدق وذوي العقول والأحساب ثم رضهم على أن لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو وتدني من الغرة والإقرار بذلك يوجب المقت من الله لا يكونن المحسن والمسي‏ء عندك بمنزلة سواء فإن ذلك تزهيد لأهل الإحسان في الإحسان وتدريب لأهل الإساءة على الإساءة فألزم كلا منهم ما ألزم نفسه أدبا منك ينفعك الله به وتنفع به أعوانك ثم اعلم أنه ليس شي‏ء بأدعى لحسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم وتخفيفه المئونات عليهم وقلة استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم فليكن في ذلك أمر يجتمع لك به حسن ظنك برعيتك فإن حسن الظن يقطع عنك نصبا طويلا وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده وأحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده فاعرف هذه المنزلة لك وعليك لتزدك بصيرة في حسن الصنع واستكثار حسن البلاء عند العامة مع ما يوجب الله بها لك في المعاد ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها الرعية ولا تحدثن سنة تضر بشي‏ء مما مضى من تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها والوزر عليك بما نقضت منها وأكثر مدارسة العلماء ومثافنة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أهل بلادك وإقامة ما استقام به الناس من قبلك فإن ذلك يحق الحق ويدفع الباطل ويكتفى به دليلا ومثالا لأن السنن الصالحة هي السبيل إلى طاعة الله ثم اعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض ولا غنى ببعضها عن بعض فمنها جنود الله ومنها كتاب العامة والخاصة ومنها قضاة العدل ومنها عمال الإنصاف والرفق ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس ومنها التجار وأهل الصناعات ومنها طبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة وكلا قد سمى الله سهمه ووضع على حد فريضته في كتابه أو سنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعهدا عندنا محفوظا فالجنود بإذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعز الدين وسبيل الأمن والخفض وليس تقوم الرعية إلا بهم ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يصلون به إلى جهاد عدوهم ويعتمدون عليه ويكون من وراء حاجاتهم ثم لا بقاء لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب لما يحكمون من الأمور ويظهرون من الإنصاف ويجمعون من المنافع ويؤمنون عليه من خواص الأمور وعوامها ولا قوام لهم جميعا

تحف العقول عن آل الرسول _42 _

  إلا بالتجار وذوي الصناعات فيما يجمعون من مرافقهم ويقيمون من أسواقهم ويكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم وفي في‏ء الله لكل سعة ولكل على الوالي حق بقدر يصلحه وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله من ذلك إلا بالاهتمام والاستعانة بالله وتوطين نفسه على لزوم الحق والصبر فيما خف عليه وثقل فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك وأنقاهم جيبا وأفضلهم حلما وأجمعهم علما وسياسة ممن يبطئ عن الغضب ويسرع إلى العذر ويرأف بالضعفاء وينبو على الأقوياء ممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف ثم الصق بذوي الأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة فإنهم جماع من الكرم وشعب من العرف يهدون إلى حسن الظن بالله والإيمان بقدره ثم تفقد أمورهم بما يتفقد الوالد من ولده ولا يتفاقمن في نفسك شي‏ء قويتهم به ولا تحقرن لطفا تعاهدتهم به وإن قل فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة وحسن الظن بك فلا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها فإن لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به وللجسيم موقعا لا يستغنون عنه وليكن آثر رءوس جنودك من واساهم في معونته وأفضل عليهم في بذله ممن يسعهم ويسع من ورائهم من الخلوف من أهلهم حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو ثم واتر إعلامهم ذات نفسك في إيثارهم والتكرمة لهم والإرصاد بالتوسعة وحقق ذلك بحسن الفعال والأثر والعطف فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك وإن أفضل قرة العيون للولاة استفاضة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية لأنه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم ولا تصح نصيحتهم إلا بحوطتهم على ولاة أمورهم وقلة استثقال دولتهم وترك استبطاء انقطاع مدتهم ثم لا تكلن جنودك إلى مغنم وزعته بينهم بل أحدث لهم مع كل مغنم بدلا مما سواه مما أفاء الله عليهم تستنصر بهم به ويكون داعية لهم إلى العودة لنصر الله ولدينه واخصص أهل النجدة في أملهم إلى منتهى غاية آمالك من النصيحة بالبذل وحسن الثناء عليهم ولطيف التعهد لهم رجلا رجلا وما أبلى في كل مشهد فإن كثرة الذكر منك لحسن فعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل إن شاء الله ثم لا تدع أن يكون لك عليهم عيون من أهل الأمانة والقول بالحق عند الناس فيثبتون بلاء كل ذي بلاء منهم ليثق أولئك بعلمك ببلائهم ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى ولا تضمن بلاء امرئ إلى غيره ولا تقصرن به دون غاية بلائه وكاف كلا منهم بما كان منه واخصصه منك بهزه ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا ولا ضعة امرئ على أن تصغر من بلائه ما كان عظيما ولا يفسدن امرأ عندك علة إن عرضت له ولا نبوة حديث له قد كان له فيها حسن بلاء فإن العزة لله يؤتيه من يشاء والعاقبة للمتقين .
  وإن استشهد أحد من جنودك وأهل النكاية في عدوك فاخلفه في عياله بما يخلف به الوصي الشفيق الموثق به حتى لا يرى عليهم أثر فقده فإن ذلك يعطف عليك قلوب شيعتك ويستشعرون به طاعتك ويسلسون لركوب معاريض التلف الشديد في ولايتك وقد كانت من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سنن في المشركين ومنا بعده سنن قد جرت بها سنن وأمثال في الظالمين ومن توجه قبلتنا وتسمى بديننا وقد قال الله لقوم أحب إرشادهم ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلًا وقال ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ولَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا ) فالرد إلى الله الأخذ

تحف العقول عن آل الرسول _ 43 _

  بمحكم كتابه والرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المتفرقة ونحن أهل رسول الله الذين نستنبط المحكم من كتابه ونميز المتشابه منه ونعرف الناسخ مما نسخ الله ووضع إصره فسر في عدوك بمثل ما شاهدت منا في مثلهم من الأعداء وواتر إلينا الكتب بالأخبار بكل حدث يأتك منا أمر عام والله المستعان ثم انظر في أمر الأحكام بين الناس بنية صالحة فإن الحكم في إنصاف المظلوم من الظالم والأخذ للضعيف من القوي وإقامة حدود الله على سنتها ومنهاجها مما يصلح عباد الله وبلاده فاختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك وأنفسهم للعلم والحلم والورع والسخاء ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في إثبات الزلة ولا يحصر من الفي‏ء إلى الحق إذا عرفه ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه وأوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج وأقلهم تبرما بمراجعة الخصوم وأصبرهم على تكشف الأمور وأصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراق ولا يصغي للتبليغ فول قضاءك من كان كذلك وهم قليل ثم أكثر تعهد قضائه وافتح له في البذل ما يزيح علته ويستعين به وتقل معه حاجته إلى الناس وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال إياه عندك وأحسن توقيره في صحبتك وقربه في مجلسك وأمض قضاءه وأنفذ حكمه واشدد عضده واجعل أعوانه خيار من ترضى من نظرائه من الفقهاء وأهل الورع والنصيحة لله ولعباد الله ليناظرهم فيما شبه عليه ويلطف عليهم لعلم ما غاب عنه ويكونون شهداء على قضائه بين الناس إن شاء الله ثم حملة الأخبار لأطرافك قضاة تجتهد فيهم نفسه لا يختلفون ولا يتدابرون في حكم الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن الاختلاف في الحكم إضاعة للعدل وغرة في الدين وسبب من الفرقة وقد بين الله ما يأتون وما ينفقون وأمر برد ما لا يعلمون إلى من استودعه الله علم كتابه واستحفظه الحكم فيه فإنما اختلاف القضاة في دخول البغي بينهم واكتفاء كل امرئ منهم برأيه دون من فرض الله ولايته ليس يصلح الدين ولا أهل الدين على ذلك ولكن على الحاكم أن يحكم بما عنده من الأثر والسنة فإذا أعياه ذلك رد الحكم إلى أهله فإن غاب أهله عنه ناظر غيره من فقهاء المسلمين ليس له ترك ذلك إلى غيره وليس لقاضيين من أهل الملة أن يقيما على اختلاف في الحكم دون ما رفع ذلك إلى ولي الأمر فيكم فيكون هو الحاكم بما علمه الله ثم يجتمعان على حكمه فيما وافقهما أو خالفهما فانظر في ذلك نظرا بليغا فإن هذا الدين قد كان أسيرا بأيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى وتطلب به الدنيا واكتب إلى قضاة بلدانك فليرفعوا إليك كل حكم اختلفوا فيه على حقوقه ثم تصفح تلك الأحكام فما وافق كتاب الله وسنة نبيه والأثر من إمامك فأمضه واحملهم عليه وما اشتبه عليك فاجمع له الفقهاء بحضرتك فناظرهم فيه ثم أمض ما يجتمع عليه أقاويل الفقهاء بحضرتك من المسلمين فإن كل أمر اختلف فيه الرعية مردود إلى حكم الإمام وعلى الإمام الاستعانة بالله والاجتهاد في إقامة الحدود وجبر الرعية على أمره ولا قوة إلا بالله ثم انظر إلى أمور عمالك واستعملهم اختبارا ولا تولهم أمورك محاباة وأثرة فإن المحاباة والأثرة جماع الجور والخيانة وإدخال الضرورة على الناس وليست تصلح الأمور بالإدغال فاصطف لولاية أعمالك أهل الورع والعلم والسياسة وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام فإنهم أكرم أخلاقا وأصح أعراضا وأقل في

تحف العقول عن آل الرسول _ 44 _

  المطامع إشرافا وأبلغ في عواقب الأمور نظرا من غيرهم فليكونوا أعوانك على ما تقلدت ثم أسبغ عليهم في العمالات ووسع عليهم في الأرزاق فإن في ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغنى عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون عليهم من أهل الصدق والوفاء فإن تعهدك في السر أمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية وتحفظ من الأعوان فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة فوسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة وتفقد ما يصلح أهل الخراج فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله فليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج فإن الجلب لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم له أمره إلا قليلا فاجمع إليك أهل الخراج من كل بلدانك ومرهم فليعلموك حال بلادهم وما فيه صلاحهم ورخاء جبايتهم ثم سل عما يرفع إليك أهل العلم به من غيرهم فإن كانوا شكوا ثقلا أو علة من انقطاع شرب أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بهم العطش أو آفة خففت عنهم ما ترجو أن يصلح الله به أمرهم وإن سألوا معونة على إصلاح ما يقدرون عليه بأموالهم فاكفهم مئونته فإن في عاقبة كفايتك إياهم صلاحا فلا يثقلن عليك شي‏ء خففت به عنهم المئونات فإنه ذخر يعودون به عليك لعمارة بلادك وتزيين ولايتك مع اقتنائك مودتهم وحسن نياتهم واستفاضة الخير وما يسهل الله به من جلبهم فإن الخراج لا يستخرج بالكد والإتعاب مع أنها عقد تعتمد عليها إن حدث حدث كنت عليهم معتمدا لفضل قوتهم بما ذخرت عنهم من الجمام والثقة منهم بما عودتهم من عدلك ورفقك ومعرفتهم بعذرك فيما حدث من الأمر الذي اتكلت به عليهم فاحتملوه بطيب أنفسهم فإن العمران محتمل ما حملته وإنما يؤتى خراب الأرض لإعواز أهلها وإنما يعوز أهلها لإسراف الولاة وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر فاعمل فيما وليت عمل من يحب أن يدخر حسن الثناء من الرعية والمثوبة من الله والرضا من الإمام ولا قوة إلا بالله ثم انظر في حال كتابك فاعرف حال كل امرئ منهم فيما يحتاج إليه منهم فاجعل لهم منازل ورتبا فول على أمورك خيرهم واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكيدتك وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأدب ممن يصلح للمناظرة في جلائل الأمور من ذوي الرأي والنصيحة والذهن أطواهم عنك لمكنون الأسرار كشحا ممن لا تبطره الكرامة ولا تمحق به الدالة فيجترئ بها عليك في خلاء أو يلتمس إظهارها في ملاء ولا تقصر به الغفلة عن إيراد كتب الأطراف عليك وإصدار جواباتك على الصواب عنك وفيما يأخذ ويعطي منك ولا يضعف عقدا اعتقده لك ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل وول ما دون ذلك من رسائلك وجماعات كتب خرجك ودواوين جنودك قوما تجتهد نفسك في اختيارهم فإنها رءوس أمرك أجمعها لنفعك وأعمها لنفع رعيتك ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك وحسن الظن بهم فإن الرجال يعرفون فراسات الولاة بتصنعهم وخدمتهم وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثرا وأعرفهم فيها بالنبل والأمانة فإن ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن وليت أمره ثم مرهم بحسن الولاية

تحف العقول عن آل الرسول _ 45 _

  ولين الكلمة واجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسا منهم لا يقهره كبيرها ولا يتشتت عليه كثيرها ثم تفقد ما غاب عنك من حالاتهم وأمور من يرد عليك رسله وذوي الحاجة وكيف ولايتهم وقبولهم وليهم وحجتهم فإن التبرم والعز والنخوة من كثير من الكتاب إلا من عصم الله وليس للناس بد من طلب حاجاتهم ومهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته أو فضل نسب إليك مع ما لك عند الله في ذلك من حسن الثواب ثم التجار وذوي الصناعات فاستوص وأوص بهم خيرا المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفق بيده فإنهم مواد للمنافع وجلابها في البلاد في برك وبحرك وسهلك وجبلك وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترءون عليها من بلاد أعدائك من أهل الصناعات التي أجرى الله الرفق منها على أيديهم فاحفظ حرمتهم وآمن سبلهم وخذ لهم بحقوقهم فإنهم سلم لا تخاف بائقته وصلح لا تحذر غائلته أحب الأمور إليهم أجمعها للأمن وأجمعها للسلطان فتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقا فاحشا وشحا قبيحا واحتكارا للمنافع وتحكما في البياعات وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاة فامنع الاحتكار فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عنه وليكن البيع والشراء بيعا سمحا بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع فمن قارف حكرة بعد نهيك فنكل وعاقب في غير إسراف فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعل ذلك ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين وذوي البؤس والزمنى فإن في هذه الطبقة قانعا ومعترا فاحفظ الله ما استحفظك من حقه فيها واجعل لهم قسما من غلات صوافي الإسلام في كل بلد فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى وكلا قد استرعيت حقه فلا يشغلنك عنهم نظر فإنك لا تعذر بتضييع الصغير لإحكامك الكثير المهم فلا تشخص همك عنهم ولا تصعر خدك لهم وتواضع لله يرفعك الله واخفض جناحك للضعفاء وأر بهم إلى ذلك منك حاجة وتفقد من أمورهم ما لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك أمورهم ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله يوم تلقاه فإن هؤلاء أحوج إلى الإنصاف من غيرهم وكل فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه وتعهد أهل اليتم والزمانة والرقة في السن ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه فأجر لهم أرزاقا فإنهم عباد الله فتقرب إلى الله بتخلصهم ووضعهم مواضعهم في أقواتهم وحقوقهم فإن الأعمال تخلص بصدق النيات ثم إنه لا تسكن نفوس الناس أو بعضهم إلى أنك قد قضيت حقوقهم بظهر الغيب دون مشافهتك بالحاجات وذلك على الولاة ثقيل والحق كله ثقيل وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا نفوسهم ووثقوا بصدق موعود الله لمن صبر واحتسب فكن منهم واستعن بالله واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك وذهنك من كل شغل ثم تأذن لهم عليك وتجلس لهم مجلسا تتواضع فيه لله الذي رفعك وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك تخفض لهم في مجلسك ذلك جناحك وتلين لهم كنفك في مراجعتك ووجهك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في غير موطن لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع ثم احتمل الخرق منهم والعي ونح عنك الضيق والأنف يبسط الله عليك أكناف رحمته ويوجب لك ثواب أهل طاعته فأعط ما أعطيت هنيئا وامنع في إجمال وإعذار وتواضع هناك فإن الله يحب المتواضعين وليكن أكرم أعوانك عليك ألينهم جانبا وأحسنهم مراجعة وألطفهم بالضعفاء إن شاء الله.

تحف العقول عن آل الرسول _ 46 _

ثم إن أمورا من أمورك لا بد لك من مباشرتها منها إجابة عمالك ما يعيا عنه كتابك ومنها إصدار حاجات الناس في قصصهم ومنها معرفة ما يصل إلى الكتاب والخزان مما تحت أيديهم فلا تتوان فيما هنالك ولا تغتنم تأخيره واجعل لكل أمر منها من يناظر فيه ولاته بتفريغ لقلبك وهمك فكلما أمضيت أمرا فأمضه بعد التروية ومراجعة نفسك ومشاورة ولي ذلك بغير احتشام ولا رأي يكسب به عليك نقيضه ثم أمض لكل يوم عمله فإن لكل يوم ما فيه واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل تلك المواقيت وأجزل تلك الأقسام وإن كانت كلها لله إذا صحت فيها النية وسلمت منها الرعية وليكن في خاص ما تخلص لله به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصة فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ما يجب فإن الله جعل النافلة لنبيه خاصة دون خلقه فقال ( ومِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) فذلك أمر اختص الله به نبيه وأكرمه به ليس لأحد سواه وهو لمن سواه تطوع فإنه يقول ومَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ فوفر ما تقربت به إلى الله وكرمه وأد فرائضه إلى الله كاملا غير مثلوب ولا منقوص بالغا ذلك من بدنك ما بلغ فإذا قمت في صلاتك بالناس فلا تطولن ولا تكونن منفرا ولا مضيعا فإن في الناس من به العلة وله الحاجة وقد سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حين وجهني إلى اليمن كيف نصلي بهم فقال صل بهم كصلاة أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيما وبعد هذا فلا تطولن احتجابك عن رعيتك فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالأمور والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور وليست على القول سمات يعرف بها الصدق من الكذب فتحصن من الإدخال في الحقوق بلين الحجاب فإنما أنت أحد رجلين إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه أو خلق كريم تسديه وإما مبتلى بالمنع فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أن أكثر حاجات الناس إليك ما لا مئونة عليك فيه من شكاية مظلمة أو طلب إنصاف فانتفع بما وصفت لك واقتصر فيه على حظك ورشدك إن شاء الله ثم إن للملوك خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأشياء ولا تقطعن لأحد من حشمك ولا حامتك قطيعة ولا تعتمدن في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مئونتهم على غيرهم فيكون مهنأ ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدنيا والآخرة عليك بالعدل في حكمك إذا انتهت الأمور إليك وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد وكن في ذلك صابرا محتسبا وافعل ذلك بقرابتك حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليه منه فإن مغبة ذلك محمودة وإن ظنت الرعية بك حيفا فأصحر لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم بإصحارك فإن في تلك رياضة منك لنفسك ورفقا منك برعيتك وإعذارا تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على الحق في خفض وإجمال لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك فيه رضا فإن في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك وأمنا لبلادك ولكن الحذر كل الحذر من مقاربة عدوك في طلب الصلح فإن العدو ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم وتحصن كل مخوف تؤتى منه وبالله الثقة في جميع الأمور وإن لجت بينك وبين عدوك قضية عقدت له بها صلحا أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالأمانة واجعل نفسك جنة دونه فإنه ليس شي‏ء من فرائض الله جل وعز الناس أشد عليه

تحف العقول عن آل الرسول _47 _

  اجتماعا في تفريق أهوائهم وتشتيت أديانهم من تعظيم الوفاء بالعهود وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من الغدر والختر فلا تغدرن بذمتك ولا تخفر بعهدك ولا تختلن عدوك فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل وقد جعل الله عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته وحريما يسكنون إلى منعته ويستفيضون به إلى جواره فلا خداع ولا مدالسة ولا إدغال فيه فلا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله على طلب انفساخه فإن صبرك على ضيق ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته وأن تحيط بك من الله طلبة ولا تستقيل فيها دنياك ولا آخرتك وإياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه ليس شي‏ء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى لزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير الحق والله مبتدئ بالحكم بين العباد فيما يتسافكون من الدماء فلا تصونن سلطانك بسفك دم حرام فإن ذلك يخلقه ويزيله فإياك والتعرض لسخط الله فإن الله قد جعل لولي من قتل مظلوما سلطانا قال الله ( ومَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ولا ) عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لأن فيه قود البدن فإن ابتليت بخطإ وأفرط عليه سوطك أو يدك لعقوبة فإن في الوكزة فما فوقها مقتلة فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أهل المقتول حقهم دية مسلمة يتقرب بها إلى الله زلفى إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسن إياك والمن على رعيتك بإحسان أو التزيد فيما كان من فعلك أو تعدهم فتتبع موعدك بخلفك أو التسرع إلى الرعية بلسانك فإن المن يبطل الإحسان والخلف يوجب المقت وقد قال الله جل ثناؤه كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ إياك والعجلة بالأمور قبل أوانها والتساقط فيها عند زمانها واللجاجة فيها إذا تنكرت والوهن فيها- إذا أوضحت فضع كل أمر موضعه وأوقع كل عمل موقعه وإياك والاستئثار بما للناس فيه الأسوة والاعتراض فيما يعنيك والتغابي عما يعنى به مما قد وضح لعيون الناظرين فإنه مأخوذ منك لغيرك وعما قليل تكشف عنك أغطية الأمور ويبرز الجبار بعظمته فينتصف المظلومون من الظالمين ثم املك حمية أنفك وسورة حدتك وسطوة يدك وغرب لسانك واحترس كل ذلك بكف البادرة وتأخير السطوة وارفع بصرك إلى السماء عند ما يحضرك منه حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار ولن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد ثم اعلم أنه قد جمع ما في هذا العهد من صنوف ما لم آلك فيه رشدا إن أحب الله إرشادك وتوفيقك أن تتذكر ما كان من كل ما شاهدت منا فتكون ولايتك هذه من حكومة عادلة أو سنة فاضلة أو أثر عن نبيك (صلى الله عليه وآله وسلم) أو فريضة في كتاب الله فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به منها وتجتهد نفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي واستوثقت من الحجة لنفسي لكيلا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها فليس يعصم من السوء ولا يوفق للخير إلا الله جل ثناؤه وقد كان مما عهد إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصايته تحضيضا على الصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم فبذلك أختم لك ما عهدت ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وأنا أسأل الله سعة رحمته وعظيم مواهبه وقدرته على إعطاء كل رغبة أن يوفقني وإياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه مع حسن الثناء في العباد وحسن الأثر في البلاد وتمام النعمة وتضعيف الكرامة وأن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة وإنا إليه راغبون والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم كثيرا .

تحف العقول عن آل الرسول _48 _

خطبته (عليه السلام) المعروفة بالديباج :
  الحمد لله فاطر الخلق وخالق الإصباح ومنشر الموتى وباعث من في القبور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) عباد الله إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله جل ذكره الإيمان بالله وبرسله وما جاءت به من عند الله والجهاد في سبيله فإنه ذروة الإسلام وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة وإقامة الصلاة فإنها الملة وإيتاء الزكاة فإنها فريضة وصوم شهر رمضان فإنه جنة حصينة وحج البيت والعمرة فإنهما ينفيان الفقر ويكفران الذنب ويوجبان الجنة وصلة الرحم فإنها ثروة في المال ومنسأة في الأجل وتكثير للعدد والصدقة في السر فإنها تكفر الخطإ وتطفئ غضب الرب تبارك وتعالى والصدقة في العلانية فإنها تدفع ميتة السوء وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع السوء وأفيضوا في ذكر الله جل ذكره فإنه أحسن الذكر وهو أمان من النفاق وبراءة من النار وتذكير لصاحبه عند كل خير يقسمه الله جل وعز وله دوي تحت العرش وارغبوا فيما وعد المتقون فإن وعد الله أصدق الوعد وكل ما وعد فهو آت كما وعد فاقتدوا بهدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه أفضل الهدي واستنوا بسنته فإنها أشرف السنن وتعلموا كتاب الله تبارك وتعالى فإنه أحسن الحديث وأبلغ الموعظة وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنه شفاء لما في الصدور وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص ( وإِذا قُرِئَ عليكم الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) وإذا هديتم لعلمه فاعملوا بما علمتم منه لعلكم تفلحون فاعلموا عباد الله أن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله بل الحجة عليه أعظم وهو عند الله ألوم والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه مثل ما على هذا الجاهل المتحير في جهله وكلاهما حائر بائر مضل مفتون مبتور ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون عباد الله لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا فتكفروا ولا تكفروا فتندموا ولا ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا وتذهب بكم الرخص مذاهب الظلمة فتهلكوا ولا تداهنوا في الحق إذا ورد عليكم وعرفتموه فتخسروا خسرانا مبينا عباد الله إن من الحزم أن تتقوا الله وإن من العصمة ألا تغتروا بالله عباد الله إن أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه وأغشهم لنفسه أعصاهم له عباد الله إنه من يطع الله يأمن ويستبشر ومن يعصه يخب ويندم ولا يسلم عباد الله سلوا الله اليقين فإن اليقين رأس الدين وارغبوا إليه في العافية فإن أعظم النعمة العافية فاغتنموها للدنيا والآخرة وارغبوا إليه في التوفيق فإنه أس وثيق واعلموا أن خير ما لزم القلب اليقين وأحسن اليقين التقى وأفضل أمور الحق عزائمها وشرها محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وبالبدع هدم السنن المغبون من غبن دينه والمغبوط من سلم له دينه وحسن يقينه والسعيد من وعظ بغيره والشقي من انخدع لهواه عباد الله اعلموا أن يسير الرياء شرك وأن إخلاص العمل اليقين والهوى يقود إلى النار ومجالسة أهل اللهو ينسي القرآن ويحضر الشيطان والنسي‏ء زيادة في الكفر وأعمال العصاة تدعو إلى سخط الرحمن وسخط الرحمن يدعو إلى النار ومحادثة النساء تدعو إلى البلاء وتزيغ القلوب والرمق لهن يخطف نور أبصار القلوب ولمح العيون مصائد الشيطان ومجالسة السلطان يهيج النيران عباد الله اصدقوا فإن الله مع الصادقين وجانبوا الكذب فإنه مجانب للإيمان وإن الصادق على شرف منجاة وكرامة والكاذب على شفا مهواة وهلكة وقولوا الحق تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها وصلوا أرحام من قطعكم وعودوا بالفضل على من حرمكم وإذا عاقدتم فأوفوا وإذا حكمتم فاعدلوا وإذا ظلمتم فاصبروا وإذا أسي‏ء إليكم فاعفوا واصفحوا كما تحبون أن يعفى عنكم ولا تفاخروا بالآباء ( ولا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ولا تمازحوا ولا تغاضبوا ولا تباذخوا ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ولا) تحاسدوا فإن الحسد يأكل الإيمان

تحف العقول عن آل الرسول _ 49 _

  كما تأكل النار الحطب ولا تباغضوا فإنها الحالقة وأفشوا السلام في العالم وردوا التحية على أهلها بأحسن منها وارحموا الأرملة واليتيم وأعينوا الضعيف والمظلوم والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب والمكاتب والمساكين وانصروا المظلوم وأعطوا الفروض وجاهدوا أنفسكم في الله حق جهاده فإنه شديد العقاب وجاهدوا في سبيل الله وأقروا الضيف وأحسنوا الوضوء وحافظوا على الصلوات الخمس في أوقاتها فإنها من الله جل وعز بمكان ( ومَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتَّقْوى ولا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ والْعُدْوانِ واتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إِلَّا وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) واعلموا عباد الله أن الأمل يذهب العقل ويكذب الوعد ويحث على الغفلة ويورث الحسرة فاكذبوا الأمل فإنه غرور وإن صاحبه مأزور فاعملوا في الرغبة والرهبة فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا واجمعوا معها رغبة فإن الله قد تأذن للمسلمين بالحسنى ولمن شكر بالزيادة فإني لم أر مثل الجنة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها ولا أكثر مكتسبا ممن كسبه اليوم تذخر فيه الذخائر وتبلى فيه السرائر وإن من لا ينفعه الحق يضره الباطل ومن لا يستقيم به الهدى تضره الضلالة ومن لا ينفعه اليقين يضره الشك وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد ألا إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنان طول الأمل واتباع الهوى ألا وإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بانقلاع ألا وإن الآخرة قد أقبلت وآذنت باطلاع ألا وإن المضمار اليوم والسباق غدا ألا وإن السبقة الجنة والغاية النار ألا وإنكم في أيام مهل من ورائه أجل يحثه العجل فمن أخلص لله عمله في أيامه قبل حضور أجله نفعه عمله ولم يضره أجله ومن لم يعمل في أيام مهلة ضره أجله ولم ينفعه عمله عباد الله افزعوا إلى قوام دينكم بإقام الصلاة لوقتها وإيتاء الزكاة في حينها والتضرع والخشوع وصلة الرحم وخوف المعاد وإعطاء السائل وإكرام الضعفة والضعيف وتعلم القرآن والعمل به وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة إذا اؤتمنتم وارغبوا في ثواب الله وارهبوا عذابه وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم وتزودوا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم واعملوا بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز بالخير من قدم الخير أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم .

ومن حكمه (ص) وترغيبه وترهيبه ووعظه :
  أما بعد فإن المكر والخديعة في النار فكونوا من الله على وجل ومن صولته على حذر إن الله لا يرضى لعباده بعد إعذاره وإنذاره استطرادا واستدراجا من حيث لا يعلمون ولهذا يضل سعي العبد حتى ينسى الوفاء بالعهد ويظن أنه قد أحسن صنعا ولا يزال كذلك في ظن ورجاء وغفلة عما جاءه من النبإ يعقد على نفسه العقد ويهلكها بكل جهد وهو في مهلة من الله على عهد يهوي مع الغافلين ويغدو مع المذنبين ويجادل في طاعة الله المؤمنين ويستحسن تمويه المترفين فهؤلاء قوم شرحت قلوبهم بالشبهة وتطاولوا على غيرهم بالفرية وحسبوا أنها لله قربة وذلك لأنهم عملوا بالهوى وغيروا كلام الحكماء وحرفوه بجهل وعمى وطلبوا به السمعة والرياء بلا سبل قاصدة ولا أعلام جارية ولا منار معلوم إلى أمدهم وإلى منهل هم واردوه حتى إذا كشف الله لهم عن ثواب سياستهم واستخرجهم من جلابيب غفلتهم استقبلوا مدبرا واستدبروا مقبلا فلم ينتفعوا بما أدركوا من أمنيتهم ولا بما نالوا من طلبتهم ولا ما قضوا من وطرهم وصار ذلك عليهم وبالا فصاروا يهربون مما كانوا يطلبون وإني أحذركم هذه المزلة وآمركم بتقوى الله الذي لا ينفع

تحف العقول عن آل الرسول _50 _

  غيره فلينتفع بنفسه إن كان صادقا على ما يجن ضميره فإنما البصير من سمع وتفكر ونظر وأبصر وانتفع بالعبر وسلك جددا واضحا يتجنب فيه الصرعة في المهوى ويتنكب طريق العمى ولا يعين على فساد نفسه الغواة بتعسف في حق أو تحريف في نطق أو تغيير في صدق ولا قوة إلا بالله قولوا ما قيل لكم وسلموا لما روي لكم ولا تكلفوا ما لم تكلفوا فإنما تبعته عليكم فيما كسبت أيديكم ولفظت ألسنتكم أو سبقت إليه غايتكم واحذروا الشبهة فإنها وضعت للفتنة واقصدوا السهولة واعملوا فيما بينكم بالمعروف من القول والفعل واستعملوا الخضوع واستشعروا الخوف والاستكانة لله واعملوا فيما بينكم بالتواضع والتناصف والتباذل وكظم الغيظ فإنها وصية الله وإياكم والتحاسد والأحقاد فإنهما من فعل الجاهلية ( ولْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ واتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) أيها الناس اعلموا علما يقينا أن الله لم يجعل للعبد وإن اشتد جهده وعظمت حيلته وكثرت نكايته أكثر مما قدر له في الذكر الحكيم ولم يحل بين المرء على ضعفه وقلة حيلته وبين ما كتب له في الذكر الحكيم أيها الناس إنه لن يزداد امرؤ نقيرا بحذقه ولن ينتقص نقيرا بحمقه فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعة والتارك له أكثر الناس شغلا في مضرة رب منعم عليه في نفسه مستدرج بالإحسان إليه ورب مبتلى عند الناس مصنوع له فأفق أيها المستمتع من سكرك وانتبه من غفلتك وقصر من عجلتك وتفكر فيما جاء عن الله تبارك وتعالى فيما لا خلف فيه ولا محيص عنه ولا بد منه ثم ضع فخرك ودع كبرك وأحضر ذهنك واذكر قبرك ومنزلك فإن عليه ممرك وإليه مصيرك وكما تدين تدان وكما تزرع تحصد وكما تصنع يصنع بك وما قدمت إليه تقدم عليه غدا لا محالة فلينفعك النظر فيما وعظت به وع ما سمعت ووعدت فقد اكتنفك بذلك خصلتان ولا بد أن تقوم بأحدهما إما طاعة الله تقوم لها بما سمعت وإما حجة الله تقوم لها بما علمت فالحذر الحذر والجد الجد فإنه لا ينبئك مثل خبير إن من عزائم الله في الذكر الحكيم التي لها يرضى ولها يسخط ولها يثيب وعليها يعاقب أنه ليس بمؤمن وإن حسن قوله وزين وصفه وفضله غيره إذا خرج من الدنيا فلقي الله بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها الشرك بالله فيما افترض عليه من عبادته أو شفاء غيظ بهلاك نفسه أو يقر بعمل فعمل بغيره أو يستنجح حاجة إلى الناس بإظهار بدعة في دينه أو سره أن يحمده الناس بما لم يفعل من خير أو مشى في الناس بوجهين ولسانين والتجبر والأبهة واعلم واعقل ذلك فإن المثل دليل على شبهه إن البهائم همها بطونها وإن السباع همها التعدي والظلم وإن النساء همهن زينة الدنيا والفساد فيها وإن المؤمنين مشفقون مستكينون خائفون .