وقد تخلف الحسن الانور كما يدعي توفيق ابو علم بتسعة ذكور وبنتين وهما نفيسة وأم كلثوم ومن اولاده الذكور يحيى المتوج ، واشتهرت نفيسة من بين اولاده بالزهد والصلاح والمعرفة وكانت تلقب بنفيسة الدارين ونفيسة العلم والطاهرة والعابدة ، ولما بلغت سن الزواج خطبها العلماء والاشراف من شباب العلويين وفتيانهم ، فكان والدها يأبى عليهم ويردهم ردا جميلا ، وحينما خطبها اسحاق المؤتمن ابن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) زوجها اياه وذلك سنة 161 وكان من المعروفين بالفضل والصلاح والخير ومن المحيطين بأحاديث ابيه وأجداده كما وصفه المقريزي في خططه وأولدها ولدين القاسم وأم كلثوم ، ومن نسل القاسم السادة بنو زهرة في حلب ونواحيها
.
ورحلت السيدة نفيسة الدارين مع زوجها من المدينة الى القاهرة وفي طريقها الى القاهرة مرت على دمشق الشام وزارت فيها بغوطة دمشق مقام السيدة زينب بنت ام كلثوم بنت امير المؤمنين وأم كلثوم هذه هي المعروفة بالصغرى من بنات امير المؤمنين ومن غير فاطمة الزهراء وكانت زوجة لعبدالله الاصغر بن عقيل بن ابي طالب كما جاء في ص 286 من المجلد الثاني تاريخ الخميس والظاهر ان زينب التي زارت قبرها نفيسة هي ابنتها لان أم كلثوم الكبرى ابنة الزهراء كانت زوجة لعمر بن الخطاب وقد اولدها ولداً سماه زيدا وبعد وفاة ابن الخطاب عنها تزوجها محمد بن عبدالله بن جعفر ولم تنجب منه كما جاء في تاريخ الخميس
.
ثم زارت قبر عمتها فاطمة بنت الحسن بن علي ( عليه السلام ) وقبر فضة جارية الزهراء ( عليها السلام ) وقد استقبلها جمهور كبير من اهالي دمشق وعلمائها مرحبين بقدومها ، وبعد دخولها دمشق بأيام قليلة رحلت منها الى
القاهرة ودخلتها في شهر رمضان سنة 193 قبل ان يدخلها الشافعي بخمس سنين فاستقبلها المصريون رجالا ونساء احسن استقبال ونزلت دارا لاحد التجار الكبار وأخيرا استقرت في البيت الذي أعد لها مع زوجها وراح الناس بمختلف فئاتهم يترددون عليها وعلى زوجها يأخذون عنهما العلم والحديث واستفادوا من علمهما واستمر الناس يتدفقون عليهما وأصبحت رمزا للطهر والقداسة في تلك الديار .
ولم يكن لاخيها يحيى المتوج سوى بنت واحدة تدعى زينب وكانت قد رحلت مع ابيها الى مصر وحينما دخلتها عمتها وغمرتها بعطفها وحنانها وعلقت بها وأبت ان تتزوج من احد بالرغم من توافد الخطاب على ابيها ولازمت عمتهاولاقت من عطف عمتها عليها والاحسان اليها ما جعلها تتفانى في خدمتها وتسهر على حوائجها لمدة طويلة من الزمن وبخاصة بعد ان بلغت من العمر سنا أقعدها عن القيام بأكثر حوائجها .
وروى عنها ابو علم انها كانت تقول : لقد خدمت عمتي نفيسة اربعين سنة فما رأيتها تامت بليل ولا أفطرت في نهار الا في العيدين وأيام التشريق .
ومضت تقول كما جاء في ص 540 من كتاب ابو علم وكيل وزارة العدل المصرية : كانت عمتي نفيسة تحفظ القرآن وتفسيره وتقرأه وتبكي وكنت اجد عندها ما لا يخطر بخاطري ولا اعلم من يأتيها به فكنت أتعجب من ذلك فتقولي لي : يا ابنة اخي من استقام مع الله كان الكون بيده وفي استطاعته .
ويدعي توفيق ابو علم في كتابه اهل البيت بأن للسيدة نفيسة عشرات الكرامات التي لا تجوز على غير الانبياء والصديقين ومن عباده الصالحين وهي جائزة عقلا ومن جملة الممكنات التي لا تستحيل على القدرة الالهية وقد غمر الله سبحانه آل بنت نبيه بفضله وشملهم بفيوضاته حتى ظهرت
من وحي الثورة الحسينيّة
_ 147 _
على ايديهم الكرامات وتتابعت على الناس منهم البركات والنفحات من اجابة الدعوات وكشف الكربات وقضاء الحاجات ، وأضاف الى ذلك ان علماء اهل السنة قد اتفقوا على جوازها واختص بها الله من أحب من عباده وأوليائه وأصفيائه آل بيت نبيه الطاهرين .
وبقيت السيدة نفيسة في القاهرة نحوا من عشرين سنة ولما جاء أجلها على اثر مرض ألمّ بها احتضنتها ابنة اخيها زينب بنت يحيى وتوفيت في حضنها سنة 208 وكانت قد أعدت لنفسها قبراً فدفنت فيه وراح الناس بعد ذلك يعدون قبورهم حولهاتبركا بمرقدها وفي سنة 544 أمر الحافظ لدين الله ببناء قبة على قبرها ولا تزال من اعظم المزارات عند المصريين ، وكان اخوها يحيى قد توفي قبلها في مصر وقبره لا يزال من المقدسات عند المصريين يتبركون به ويتوسلون الى الله في قضاء حوائجهم ، وبعدهما توفيت زينب بنت يحيى ودفنت بجوار قبر عمرو ابن العاص ، ومضى ابو علم يقول : وكان اهل مصر يأتون لزيارة قبرها من كل فج ، وحتى ان الظاهر الخليفة الفاطمي كان يأتي لزيارتها ماشيا على قدميه ومعه جمهور من الناس ، وأضاف الى ذلك ان النيل توقف في بعض السنين عن الجريان فتوسل المصريون بقبرها الى الله فجرى النيل على عادته ، الى غير ذلك مما جاء في كتابه عن نفيسة الدارين وابنة اخيها زينب .
بعد هذه اللمحات عن حياة السيدة نفيسة حفيدة الحسن السبط ( عليه السلام ) يمكن القول بأن المرقد المنسوب لزينب العقيلة في مصر والذي لا يزال المصريون يقدسونه ويعظمونه هو لزينب بنت يحيى المتوج وبتعاقب العصور والاجيال اصبح ينسب لزينب العقيلة لانها اشتهرت من نساء العلويين الأوائل وأصبح اسمها مقرونا باسم اخيها الحسين ( عليه السلام ) بعد معركة الطف وتحدث الكتاب والمؤلفون عن مواقفها الخالدة من تلك المجزرة وما رافقها والالفاظ المشتركة تنصرف في الغالب الى أكمل الافراد
من وحي الثورة الحسينيّة
_ 148 _
وأكثرها شيوعا ، وبلا شك فان أكمل الزينبيات وأعلاهن شأنا هي زينب العقيلة ، كما يحتمل ان يكون للفاطميين ضلع في نسبة ذلك المرقد لها ونسبة المرقد الثاني لرأس اخيها الحسين وهم الذين اشاعوا بأن الرأس كان مدفونا في عسقلان ونقلوه الى القاهرة وراحوا يعظمون المرقدين لاسباب سياسية أو لغيرها .
امام المرقد الموجود في ضاحية الشام وفي بلدة الست بالذات الذي زارته السيدة نفيسة في طريقها الى مصر فليس لزينب الكبرى عقيلة الطالبيين وبطلة كربلاء كما هو الراجح ، ومن الجائز ان يكون لزينب بنت عبدالله الاصغر بن عقيل من زوجته أم كلثوم الصغرى ابنة امير المؤمنين ( عليه السلام ) من غير الزهراء وهي ليست بأم كلثوم التي تزوجها عمر بن الخطاب وأولدها ولده زيدا ، وهذه قد تزوجت بعد ابن الخطاب من محمد بن جعفر ولم تنجب منه وهي شقيقة الحسين لأمه وأبيه .
ومهما كان الحال فلا يمكن الجزم بشيء حول واقع تلك المراقد ، وأعود لأكرر ما ذكرته سابقا من ان المراقد التي يقدسها الشيعة وبقية المسلمين المعتدلين لا يقدسونها الا بصفتها رمزا لمن تنتسب اليه وتقديرا لما كان يتمتع به من القيم والمثل العليا والجهاد والتضحيات في سبيل المبدأ والعقيدة ، لا للبناء والأحجار المزخرفة والنفائس التي فيها ، وسواء كانت رفات ذلك الشخص صاحب تلك الفضائل في داخل ذلك المرقد او لم تكن في واقع الامر ، فمادام يرمز اليه فان زيارته والتوسل به الى الله سبحانه من الأمور الراجحة وتعظيما للدين وللقيم التي كان ذلك الشخص يجسدها ويستهين بحياته من اجلها .
ان الزائر حينما يتجه الى المسجد الذي فيه مقام رأس الحسين في القاهرة ومقام السيدة زينب في ضاحية الشام وفي محلة الفسطاط من القاهرة انما يتجه بقلبه وأحاسيسه لمن ترمز اليه تلك القباب الشامخة اي لرأس الحسين وللسيدة زينب وان لم تكن في واقع الأمر قد ضمنت
من وحي الثورة الحسينيّة
_ 149 _
رفاتهما ، وليس بغريب على الله سبحانه اذا سبحانه اذا استجاب للموالين لأهل البيت علي والزهراء ومن تناسل منهما من الائمة الاطهار والصلحاء الابرار الذين عناهم النبي (ص) بقوله ، كما جاء في رواية ابي بكر بن ابي قحافة انه قال : رأيت رسول الله (ص) قد خيم خيمة وهو متكىء على قوس له عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين وهو يقول : معاشر المسلمين انا سلم لمن سالم اهل هذه الخيمة وحرب لمن حاربهم وولي لمن والاهم لا يحبهم الا سعيد الجد طيب المولد ولا يبغضهم الا شقي الجد رديء الولادة
(1) .
ليس بغريب اذا اجار الله من استجار بمراقدهم واستجاب لمن توسل اليه بهم في قضاء حوائجه لانهم قد بذلوا انفسهم وكل ما يملكون في سبيل وتركوا الدنيا ومتعها ونعيمها بعد ان اصبحت تحت أقدامهم من اجل اعلاء كلمة الله وخير الناس أجمعين ، ورحم الله القائل في وصفهم :
هم القوم من أصفاهم الود مخلصا تـمسك في اخراه بالسبب iiالاقوى هـم الـقوم فاقوا العالمين مناقباً مـحاسنهم تحكى وآياتهم iiتروى مـوالاتهم فـرض وحـبهم iiهدى وطـاعـتهم ود وودهـم iiتـقوى |
---------------------------
(1) اهل البيت لابو علم ص 8 .
من وحي الثورة الحسينيّة
_ 150 _
المآتم الحسينية
لقد كانت العشرة الاولى من شهر المحرم ولا تزال مأتما سنويا للأحزان والآلام عند الشيعة منذ مجزرة كربلاء التي كان على رأس ضحاياها الحسين بن علي سبط الرسول وسيد شباب اهل الجنة في اليوم العاشر من المحرم سنة احدى وستين للهجرة فكان الشيعة ولا يزالون في مختلف انحاء دنيا الإسلام يجتمعون في مجالسهم وندواتهم يرددون مواقف اهل البيت وتضحياتهم في سبيل الحق والعدالة وكرامة الإنسان التي داستها أمية بأقدامها ، وما حل بهم من أحفاد أمية وجلاديهم من القتل والسبي والتشريد والاستخفاف بجدهم الاعظم الذي بعثة الله رحمة للعالمين .
هذه الذكريات الغنية بالقيم والمثل العليا والتي تعلمنا كيف نعيش احرارا وكيف نموت في مملكة الجلادين سعداء منتصرين لو ادركنا اهداف تلك الثورة وأحسنا استغلالها هذه الذكريات قد اقترنت كما يبدو بعد الاحصاء الدقيق لتاريخها بتلك المجزرة الرهيبة التي ايقظت المسلمين على اختلاف فئاتهم وانتماءاتهم ونزعاتهم ، وأدركوا بعدها ان