الفهرس العام

الفصل السابع : من ردود علماء المسلمين على تجسيم الوهابيين


الحافظ ابن حجر
الحافظ ابن الجوزي
السبكي والحلبي
الزهاوي من علماء العراق
أبو زهرة في تاريخ المذاهب الإسلامية
البشري و القضاعي
الكوثري ينفي ما نسبه المجسمون الى أئمة المذاهب
السيد الأمين في كشف الإرتياب
السقاف في الصحيح في شرح العقيدة الطحاوية

الحافظ ابن حجر

  * قال ابن حجر في فتح الباري : 3/23 : قوله : ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ) استدل به من أثبت الجهة ، وقال هي جهة العلو ، وأنكر ذلك الجمهور ، لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز تعالى الله عن ذلك ، وقد اختلف في معنى النزول على أقوال ، فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة ، تعالى الله عن قولهم !
  ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة وهم الخوارج والمعتزلة ، وهو مكابرة ، والعجب أنهم أولوا ما في القرآن من نحو ذلك وأنكروا ما في الحديث إما جهلاً وإما عناداً .
  ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمناً به على طريق الإجمال منزهاً الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف ، نقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم .
  ومنهم من أوله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب .
  ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف .
  ومنهم من فصل بين ما يكون تأويله قريباً مستعملاً في كلام العرب وبين مايكون بعيداً مهجوراً فأول في بعض وفوض بعض ، وهو منقول عن مالك ، وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد .
  قال البيهقي : وأسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد ، إلا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه ، من الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب ، فحينئذ التفويض أسلم ... وقال ابن العربي ( الفقيه ) : حكي عن المبتدعة رد هذه الأحاديث وعن السلف إمرارها وعن قوم تأويلها وبه أقول .
  فأما قوله فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته ، بل ذلك عبارة عن ملكه الذي ينزل بأمره ونهيه ، والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني ، فإن حملته في الحديث على الحسي فتلك صفة الملك المبعوث بذلك ، وإن حملته على المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل فيسمى ذلك نزولاً عن مرتبة إلى مرتبة فهي عربية صحيحة ، انتهى .
  والحاصل أنه تأوله بوجهين إما بأن المعنى ينزل أمره أو الملك بأمره ، وأما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه .

الوهابية والتوحيد _ 135 _

  وقد حكى أبو بكر بن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول ، أي ينزل ملكاً ، ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد بلفظ أن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له ... الحديث .
  وفي حديث عثمان بن أبي العاص يناد منادٍ هل من داع يستجاب له ... الحديث .
  قال القرطبي : وبهذا يرتفع الإشكال ، ولا يعكر عليه ما في رواية رفاعة الجهني ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول لا يسأل عن عبادي غيري لأنه ليس في ذلك ما يدفع التأويل المذكور .
  وقال البيضاوي : ولما ثبت بالقواطع أنه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الإنتقال من موضع إلى موضع أخفض منه ، فالمراد نور رحمته أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الاكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة ، ) انتهى .

الحافظ ابن الجوزي

  وقد ألف في ذلك كتاباً خاصاً باسم ( دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ) حققه الشيخ حسن السقاف في نحو 300 صفحة ونشرته دار الإمام النووي في الأردن وقد رأيت طبعته الثالثة 1413 ومعه رسالة ( أقوال الحفاظ المأثورة لبيان وضع حديث رأيت ربي بأحسن صورة ) ورسالة ( البيان الكافي بغلط نسبة كتاب الرؤية للدارقطني بالدليل الوافي ) وكلاهما للعلامة السقاف .
  قال ابن الجوزي في ص 99 من كتابه المذكور واصفاً مجسمة الحنابلة : ( فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب ، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام فحملوا الصفات على مقتضى الحس ... ) إلى آخر كلامه الذي سيأتي في كلام أبي زهرة ، وقد فند ابن الجوزي في هذا الكتاب جميع ما تمسكوا به من تفسير الآيات المتشابهة ونقد ستين حديثاً من الموضوعات والمتشابهات ، وهي الأساس الذي بنى عليه الوهابيون وأسلافهم مذهبهم التجسيمي !

الوهابية والتوحيد _ 136 _

السبكي والحلبي

  * قال السبكي في طبقات الشافعية : 9/34 : ( أحمد بن يحيى بن إسماعيل، الشيخ شهاب الدين الجلابي الحلبي الأصل ... مات سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة ... ووقفت له على تصنيف صنفه في نفي الجهة ردا على ابن تيمية لا بأس به وهو هذا ...( ويقع هذا المصنف في نحو خمسين صفحة وجاء فيه في ص 40 41 ) .
  ثم قال السبكي ناقلاً عن ابن يحيى المذكور : وسئل الشافعي رضي الله عنه عن صفات الله فقال : حرام على العقول أن تمثل الله تعالى ، وعلى الأوهام أن تحد ، وعلى الظنون أن تقطع ، وعلى النفوس أن تفكر ، وعلى الضمائر أن تعمق ، وعلى الخواطر أن تحيط ، إلا ما وصف به نفسه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ... وها نحن نذكر عقيدة أهل السنة فنقول : عقيدتنا أن الله قديم أزلي لا يشبه شيئاًَ ولا يشبهه شئ ، ليس له جهة ولا مكان ، ولا يجري عليه وقت ولا زمان ... ولا يقال له أين ولا حيث ، يرى لا عن مقابلة ولا على مقابلة ، كان ولا مكان ، كون الكون ودبر الزمان ، وهو الآن على ما عليه كان ... ) .
  * وجاء في ص 43 : (أهل التوحيد اتفقت على نفي الجهة ، سوى هذه الشرذمة مثل ابن تيمية).
  * وقال في ص 53 ـ 54 : ( أورد أحمد بن يحيى حديث الرقية الذي استدل به ابن تيمية على أن الله تعالى موجود في جهة ، ويظهر أنه من نصوص التوراة أو الإنجيل وهو ( ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك ، أمرك في السماء والأرض كما رزقك في السماء ) وكذلك حديث ( والعرش فوق ذلك كله ، والله فوق ذلك كله ) وقال ابن يحيى : فقد فهمه هذا المدعي أن الله فوق العرش حقيقة ... إلخ ).
  * وقال في ص 83 : ( في تنزيه الله عن الجهة والأخبار والآثار فيه وأقوال العلماء بذلك ... في إبطال ما موه به ابن تيمية من القرآن والخبر ... ) .
  * وقال السبكي في طبقات الشافعية : 9/36 : ( والمبتدعة تزعم مذهب السلف إنما هو التوحيد وأنها على مذهب السلف ... وكيف يعتقد في السلف أنهم يعتقدون التشبيه أو يسكتون عند ظهور أصل البدع ، وقد قال الله ( ولا تلبسوا الحق بالباطل ) ، انتهى .

الوهابية والتوحيد _ 137 _

الزهاوي من علماء العراق

  * قال الزهاوي في الفجر الصادق ص 28 تحت عنوان : تجسيم الوهابية : ( إن الوهابية التي كفرت من زار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم متوسلاً به إلى الله تعالى وعدت ذلك شركاً في ألوهيته ، وقالت بوجوب تنزيهه تعالى عن ذلك ، قد خبطت كل الخبط في تنزيهه تعالى ، حيث أبت إلا جعل استوائه سبحانه ثبوتاً على عرشه واستقراراً وعلواً فوقه ، وأثبتت له الوجه واليدين ، وبعضته سبحانه فجعلته ماسكاً بالسموات على إصبع ، والأرض على إصبع ، والشجر على إصبع ، والملك على إصبع ، ثم أثبتت له تعالى الجهة فقالت هو فوق السموات ثابت على العرش يشار إليه بالأصابع إلى فوق إشارة حسية ، وينزل إلى السماء الدنيا ويصعد ، حتى قال بعضهم :

لئن كان تجسيماً ثبوت استوائه على عرشه إني إذا ً لمجسم
وإن  كـان تشبيهاً ثبوت صفاته فعن ذلك التشبيه لا iiأتلعثم
وإن كـان تـنزيهاً جحود استوائه وأوصافه أو كونه iiيتكلم
ومـن  ذلـك التنزيه نزهت ربنا بتوفيقه والله أعلى وأعلم
  نحن ننقل لك هاهنا بعض عباراتهم التي وردت في هذا الشأن مسطورة في كتاب الدين الخالص ، قال صاحبه : إن أردتم بالجسم المركب من المادة والصورة أو المركب من الجواهر الفردة فهذا منفي عن الله تعالى قطعاً ، والصواب نفيه عن الممكنات أيضاً فليس الجسم المخلوق مركباً من هذه ، انتهى .
  فأقول : أنظر إلى ما في هذه العبارة من الخبط ، فإنه أنكر فيها وجود جسم بالمعنى الذي ذكره سواء كان واجباً أو ممكناً ، والظاهر أن غرضه من هذا الإنكار هو التوصل إلى نفي الجسمية التي تلزم من معتقده في الله تعالى ، فلئلا يقال إنه شبه الخالق بمخلوقه ، نفى الجسمية بالمعنى المذكور عن مخلوقه أيضاً ، وأنت تعرف أن الجسم إن لم يكن مركباً من المادة والصورة فلا محيص أن يكون مركباً من الجواهر الفردة ، ولكن الجهل ليس له حد ينتهي إليه ، فلا غرو أن وصل به إلى هذا الخبط الشنيع ، فليته بين بعد نفيه تركب الجسم مما ذكر ، ذكر من أي شئ تتركب الأجسام ؟ ولا أعتقد أنه يذهب به طيشه أن يقول بتركبها من أجزاء تتجزأ إلى غير النهاية ، فإن ذلك مما أنكره علماء الكلام قاطبة ، ونفته العلوم الحاضرة وقامت البراهين على بطلانه ، ولولا أن في ذكرها خروجاً عن الصدد لبسطناها .
  ثم قال : وإن أردتم بالجسم ما يوصف بالصفات ، ويرى بالأبصار ويتكلم ويكلم ويسمع ويبصر ويرضى ويغضب ، فهذه المعاني ثابتة للرب تعالى وهو موصوف بها ، فلا ننفيها عنه بتسميتكم الموصوف بها جسماً ... إلى آخر ما قال .

الوهابية والتوحيد _ 138 _

  فأقول : لم نعرف أحداً عرف الجسم بأنه المتكلم المكلم السميع البصير الذي يرضى ويغضب ، وإنما هذه صفات تقوم بالحي العاقل ، نعم إن الجسم يرى بالأبصار كما قال ولكن إثباته الجسم له تعالى بهذا المعنى تنزيل له سبحانه منزلة مخلوقاته مما ينافي الألوهية ، فإن كون الله تعالى جسماً بهذا المعنى نقص يجب تنزيهه عنه ، أما عقلاً فلأن الرؤية كما تحقق في علم البصر إنما تتم بوقوع أشعة النور على سطح المرئي وانعكاسها عنه إلى البصر ، فيلزم منه كون المرئي ذا سطح ، وذلك يستدعي تركبه من أجزاء وهو ينافي الألوهية ، لأن الجسم بهذاالمعنى عين الجسم الذي نفاه أولاًعنه تعالى بل حتى عن الممكن.
  وأما نقلاً فلقوله تعالى : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، ولا تعارض هذه الآية بقوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، لأن كيفية رؤيته تعالى يوم القيامة مجهولة كما هو معتقد أهل الحق ، فيمكن أن تكون الرؤية يومئذ بنوع من الإنكشاف والتجلي من غير حاجة للباصرة ولا محاذاة لها ، ويدل على ذلك قوله وجوه ولم يقل عيون ، وفي قوله ناضرة ما يفصح عن حصول السرور التام لها بذلك الإنكشاف .
  ثم قال : وإن أردتم بالجسم ما يشار إليه إشارة حسية فقد أشار أعرف الخلق بالله تعالى إليه بإصبعه رافعاً لها إلى السماء ، إلخ ...
  فأقول : إن بداهة العقل حاكمة بأن المشار إليه بالإشارة الحسية لا بد أن يكون في جهة ومكان وأن يكون مرئياً ، وكل ذلك مستحيل على الله تعالى ، لأنه تعالى لو كان في مكان جهة لزم قدم المكان أو الجهة ، وقد قام البرهان على أن لا قديم سوى الله تعالى .
  وأيضاً : لو كان في مكان لكان محتاجاً إلى مكانه ، وهو ينافي الوجوب .
  وأيضاً : لو كان في مكان ، فإما أن يكون في بعض الأحيان أو في جميعها .
  أما بطلان الأول فلأن الأحيان متساوية في أنفسها وكذلك نسبته إليها متساوية ، فيكون اختصاصه ببعضها ترجيحاً بلا مرجح ، إن لم يكن هناك مخصص خارجي ، أو يلزم احتياجه في تحيزه إلى الغير إن كان هناك مخصص خارجي .
  وأما بطلان الثاني فلأنه يلزم منه تداخل المتحيزين في الأماكن التي هي مشغولة بالأجسام ، وذلك محال .
  وأيضاً : لو جاز أن يشار إليه بالإشارة الحسية لجاز أن يشار إليه من كل نقطة من سطح الأرض ، وحيث أن الأرض كروية يلزم أن يكون سبحانه محيطاً بها من جميع الجهات وإلا ما صحت الإشارة إليه ، ولما كان تعالى مستوياً على عرشه ومستقراً عليه كما تزعمه الوهابية .

الوهابية والتوحيد _ 139 _

  وإن كان عرشه محيطاً بالسموات السبع فيلزم من نزوله إلى السماء الدنيا وصعوده منها كما تقوله الوهابية أن يصغر جسمه تعالى عند النزول ويكبر عند الصعود ، فيكون متغيراً من حال إلى حال ، تعالى الله عما يقول الجاهلون.
  وأما ما تمسكت به الوهابية من النقول التي تثبت الإشارة إليه تعالى فهي ظواهر ظنية لا تعارض اليقينيات ، فتؤول إما إجمالاً ويفوض تفصيلها إلى الله كما عليه أكثر السلف ، وإما تفصيلاً كما هو رأي الكثيرين .
  فما ورد من الإشارة إليه في السماء محمول على أنه تعالى خالق السماء أو أن السماء مظهر قدرته ، لما اشتملت عليه من العوالم العظيمة التي لم تكن أرضنا الحقيرة إلا ذرة بالنسبة إليها ، وكذلك العروج إليه تعالى هو بمعنى العروج إلى موضع يتقرب إليه بالطاعات فيه ، إلى غير ذلك من التأويلات ) ، انتهى .
  * وقال في الفجر الصادق ص 31 تحت عنوان : الوهابية ونبذها للعقل : ( لما كان صريح العقل وصحيح النظر مصادما كل المصادمة لما اعتقدته الوهابية ، اضطروا إلى نبذهم العقل جانبا وأخذهم بظواهر النقل فقط وإن نتج منه المحال ونجم عنه الغي والضلال ، فاعتقدوا متمسكين بظواهر الآيات أن الله تعالى ثبت على عرشه وعلاه علواً حقيقياً ، وأن له تعالى وجهاً ويدين ، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا ويصعد نزولاً وصعوداً حقيقيين ، وأنه يشار إليه في السماء إشارة حسية بالإصبع ، إلى غير ذلك مما يؤول إلى التجسيم البحت ، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً .
  فالوهابية التي تسمي زائري القبور عباد الأوثان ، إنما هي قد عبدت الوثن حيث أنها جعلت معبودها جسماً كالحيوان جالساً على عرشه ، ينزل ويصعد نزولاً وصعوداً حقيقيين ، وله وجه ويد ورجل وأصابع حقيقية ، مما يتنزه عنه المعبود الحق .
  وإذا رد عليهم بالبراهين العقلية وأثبت لهم أن ذلك مناف للألوهية عند العقل ، قالوا في الجواب : لا مجال للعقل الحقير البشري في مثل هذه الأمور التي طورها فوق طور العقل ، فأشبهوا في ذلك النصارى في دعوى التثليث ، فإنك إذا سألتهم قائلاً كيف يكون الثلاثة واحداً والواحد ثلاثة ؟
  قالوا : إن معرفة هذا فوق طور العقل ، ولا يجوز إعمال الفكر في ذلك !

الوهابية والتوحيد _ 140 _

  لا ريب أنه إذا تعارض العقل والنقل أول النقل ، إذ لا يمكن حينئذ الحكم بثبوت مقتضى كل منهما لما يلزم عنه من اجتماع النقيضين ، ولا بانتفاء ذلك لاستلزامه ارتفاع النقيضين ، لكن بقي أن يقدم النقل على العقل أو العقل على النقل ، والأول باطل لأنه إبطال للأصل بالفرع .
  وإيضاحه أن النقل لا يمكن إثباته إلا بالعقل ، وذلك لأن إثبات الصانع ومعرفة النبوة وسائر ما يتوقف صحة النقل عليه لا يتم إلا بطريق العقل ، فهو أصل للنقل الذي تتوقف صحته عليه ، فإذا قدم على العقل وحكم بثبوت مقتضاه وحده فقد أبطل الأصل بالفرع ، ويلزم منه إبطال الفرع أيضاً ، إذ تكون حينئذ صحة النقل متفرعة على حكم العقل الذي يجوز فساده وبطلانه ، فلايقطع بصحة النقل، فلزم من تصحيح النقل بتقديمه على العقل عدم صحته!
  وإذا كان تصحيح الشيء منجراً إلى إفساده ، كان مناقضاً لنفسه ، فكان باطلاً ، فإذا لم يكن تقديم النقل على العقل بالدليل السابق ، فقد تعين تقديم العقل على النقل، وهو المطلوب ، إذا علمت هذا تبين لك جلياً وجوب تأويل ما عارض ظاهره العقل من الآيات القرآنية التي هي ظواهر ظنية لا تعارض اليقينيات ، إما تأويلاً إجمالياً ويفوض تفصيله إلى الله تعالى كما هو مذهب أكثر السلف ، وإما تفصيلياً كما هو مذهب أكثر الخلف ، فالإستواء في قوله تعالى : الرحمن على العرش استوى ، هو الإستيلاء ، ويؤيده قول الشاعر :
قد استوى عمرو على العراق      مـن غير سيف و دم iiمهراق
  وقوله تعالى : وجاء ربك والملك صفاًّ صفاًّ ، أي جاء أمره ، وقوله : إليه يصعد الكلم الطيب ، أي يرتضيه ، فإن الكلم عرض يمتنع عليه الإنتقال بنفسه ، وقوله سبحانه : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، أي يأتي عذابه ، وقوله تعالى : ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين ، أو أدنى ، أي قرب رسوله إليه بالطاعة ، والتقدير بقاب قوسين تصوير للمعقول بالمحسوس .
  وقوله صلى الله عليه وسلم : إنه تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في كل ليلة فيقول هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له ، معناه تنزل رحمته ، وخص بالليل لأنه مظنة الخلوات وأنواع الخضوع والعبادات ، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث ) ، انتهى .

الوهابية والتوحيد _ 141 _

أبو زهرة في تاريخ المذاهب الإسلامية

  * قال الشيخ محمد أبو زهرة في تاريخ المذاهب الإسلامية : 1/225 : ( نقصد بالسلفيين أولئك الذين نحلوا أنفسهم ذلك الوصف ، وإن كنا سنناقش بعض آرائهم من حيث كونها مذهب السلف ، وأولئك ظهروا في القرن الرابع الهجري وكانوا من ( الحنابلة ) وزعموا أن جملة آرائهم تنتهي إلى الإمام أحمد بن حنبل الذي أحيا عقيدة السلف وحارب دونها ، ثم تجدد ظهورهم في القرن السابع الهجري ، أحياه شيخ الإسلام ابن تيمية وشدد في الدعوة إليه ، وأضاف إليه أموراً أخرى قد بعثت إلى التفكير فيها أحوال عصره ، ثم ظهرت تلك الآراء في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري ، أحياها محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية وما زال الوهابيون ينادون بها ، ويتحمس بعض العلماء من المسلمين لها ، ولذلك كان لا بد من بيانها .
  وقد تعرض هؤلاء الحنابلة للكلام في التوحيد وصلة ذلك بالأضرحة ، كما تكلموا في آيات التأويل والتشبيه ، وهي أول ما ظهروا به في القرن الرابع الهجري ، ونسبوا كلامهم إلى الإمام أحمد بن حنبل ، وناقشهم في هذه النسبة بعض فضلاء الحنابلة .
  وقد كانت المعارك العنيفة تقوم بينهم وبين الأشاعرة، لأنهم كانوا يظهرون حيث يكون للأشاعرة سلطان قوي لا ينازع ، فتكون بين الفريقين الملاحاة الشديدة وكل فريق يحسب أنه يدعو إلى مذهب السلف ، وقد بينا مذهب الأشاعرة في ذاته وإن كنا لم نبين مقدار صلته بالآراء التي أثرت عن السلف ، وفي هذا الجزء سنتعرض لتمحيص العقيدة السلفية في أثناء عرضنا لتفكير هؤلاء الذين نحلوا أنفسهم ذلك الإسم موازنين بين الاسم والحقيقة ) .
  * وقال أبو زهرة في ج 1 ص 232 : ( وهكذا يثبتون كل ما جاء في القرآن أو السنة من أوصافه سبحانه أو شؤونه ، فيثبتون له المحبة والغضب والسخط والرضا والنداء والكلام والنزول إلى الناس في ظلل الغمام ، ويثبتون له الإستقرار على العرش والوجه واليد من غير تأويل ولا تفسير بغير الظاهر ... فهو ( ابن تيمية ) بهذا يرى أن مذهب السلف يثبت لله اليد من غير كيف ولا تشبيه ، والوجه من غير كيف ، والفوقية والنزول وغير ذلك من ظواهر النصوص القرآنية ، ويقصد الظواهر الحرفية لا الظواهر ولو مجازية ، وهو يعد ذلك المذهب ليس مجسماً ولا معطلاً ويقول في ذلك : ( ومذهب السلف بين التعطيل والتمثيل فلا يمثلون صفات الله تعالى بصفات خلقه ، كما لا يمثلون ذاته بذوات خلقه ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله فيعطلوا أسمائه الحسنى وصفاته العليا ويحرفون الكلم عن مواضعه ويلحدون في أسماء الله وآياته ، وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل جامع بين التعطيل والتمثيل ) .

الوهابية والتوحيد _ 142 _

  ويكرر هذا المعنى فيقول مؤكداً إن الله ينزل ويكون في فوق وتحت من غير كيف ( ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من سلف الأمة ولا من الصحابة والتابعين ولا عن الأئمة الذين أدركوا زمن الأهواء والإختلاف ، حرف واحد يخالف ذلك لا نصاً ولا ظاهراً ، ولم يقل أحد منهم إن الله ليس في السماء ولا أنه ليس على العرش ولا أنه في كل مكان ولا أن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء ، ولا أنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل ولا منفصل ، ولا أنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه بالأصابع ونحوها ، الحموية الكبرى في مجموعة الرسائل الكبرى ص 419 .
  وعلى ذلك يقرر ابن تيمية أن مذهب السلف هو إثبات كل ما جاء في القرآن من فوقية وتحتية واستواء على العرش ووجه ويد ومحبة وبغض ، وما جاء في السنة من ذلك أيضاً من غير تأويل وبالظاهر الحرفي ، فهل هذا هو مذهب السلف حقاً ؟
  نقول في الإجابة عن ذلك : لقد سبقه بهذا الحنابلة في القرن الرابع الهجري كما بينا وادعوا أن ذلك مذهب السلف ، وناقشهم العلماء في ذلك الوقت وأثبتوا أنه يؤدي إلى التشبيه والجسمية لا محالة ، وكيف لا يؤدي إليهما والإشارة الحسية إليه جائزة !
  ولذا تصدى لهم الإمام الفقيه الحنبلي الخطيب ابن الجوزي ونفى أن يكون ذلك مذهب السلف ، ونفى أيضاً أن يكون ذلك رأي الإمام أحمد ، وقال ابن الجوزي في ذلك : ( رأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح ... فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام فحملوا الصفات على مقتضى الحس ، فسمعوا أن الله خلق آدم على صورته فأثبتوا له صورة ، ووجهاً زائداً على الذات ، وفماً ، ولهوات ، وأضراساً ، وأضواء لوجهه ، ويدين وإصبعين ، وكفاً ، وخنضراً ، وإبهاماً ، وصدراً ، وفخذاً ، وساقين ، ورجلين ، وقالوا ما سمعنا بذكر الرأس !
  وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات فسموها بالصفات تسمية مبتدعة ، ولا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل ، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ، ولا إلى إلغاء ما توجبه الظواهر من صفات الحدث .

الوهابية والتوحيد _ 143 _

  ولم يقنعوا أن يقولوا صفة فعل حتى قالوا صفة ذات ، ثم لما أثبتوا أنها صفات قالوا لا نحملها على توجيه اللغة ، مثل اليد على النعمة والقدرة ، ولا المجئ والإتيان على معاني البر واللطف ، ولا الساق على الشدة ، بل قالوا نحملها على ظواهرها المتعارفة ، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين !
  والشيء إنما يحمل على حقيقته إن أمكن ، فإن صرف صارف حمل على المجاز . ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون : نحن أهل السنة ! ! وكلامهم صريح في التشبيه ، وقد تبعهم خلق من العوام ، وقد نصحت التابع والمتبوع وقلت : يا أصحابنا أنتم أصحاب نقل واتباع ، وإمامكم الأكبر أحمد بن حنبل يقول وهو تحت السياط : كيف أقول ما لم يقل ، فإياكم أن تبتدعوا من مذهبه ما ليس منه .
  ثم قلتم في الأحاديث تحمل على ظاهرها فظاهر القدم الجارحة ، ومن قال استوى بذاته المقدسة فقد أجراه سبحانه مجرى الحسيات ، وينبغي ألا يهمل ما يثبت به الأصل وهو العقل فإنا به عرفنا الله تعالى وحكمنا له بالقدم ، فلو أنكم قلتم نقرأ الأحاديث ونسكت ما أنكر أحد عليكم ، وإنما حملكم إياه على الظاهر قبيح فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل السلفي ما ليس فيه ! ) ، وقد استفاض ابن الجوزي في بيان بطلان ما اعتمدوا عليه من أقوال .
  ولقد قال ذلك القول الذي ينقده ابن الجوزي القاضي أبو يعلى الفقيه الحنبلي المشهور المتوفى سنة 457 وكان مثار نقد شديد وجه إليه ، حتى لقد قال فيه بعض فقهاء الحنابلة ( لقد شان أبو يعلى الحنابلة شيناً لا يغسله ماء البحار ) وقال مثل ذلك القول من الحنابلة ابن الزاغوني المتوفى سنة 527 وقال فيه بعض الحنابلة أيضاً ( إن في قوله من غرائب التشبيه ما يحار فيه النبيه ) .
  وهكذا استنكر الحنابلة ذلك الإتجاه عندما شاع في القرن الرابع والقرن الخامس !
  ولذلك استتر هذا المذهب حتى أعلنه ابن تيمية في جرأة وقوة ... ونرى هنا أنه يجب أن نذكر أن ادعاء أن هذا مذهب السلف موضع نظر ، وقد نقلنا رأي ابن الجوزي في ذلك الرأي عندما شاع في عصره .
  ولنا أن ننظر نظرة أخرى وهي من الناحية اللغوية ، لقد قال سبحانه : يد الله فوق أيديهم ، وقال : كل شئ هالك إلا وجهه ، أهذه العبارات يفهم منها تلك المعاني الحسية ، أم أنه تفهم منها أمور أخرى تليق بذات الله تعالى ، فيصح أن تفسر اليد بالقوة أو النعمة ، ويصح أن تفسر الوجه بالذات ، ويصح أن تفسر النزول إلى السماء الدنيا بمعنى قرب حسابه ، وقربه سبحانه وتعالى من العباد .
  إن اللغة تتسع لهذه التفسيرات ، والألفاظ تقبل هذه المعاني ، وكذلك فعل الكثيرون من علماء الكلام ومن الفقهاء والباحثين ، وهو أولى بلا شك من تفسيرها بمعانيها الظاهرة الحرفية والجهل بكيفياتها كقولهم إن لله يداً ولكن لا نعرفها ، وليست كأيدي الحوادث ، ولله نزولاً وليس كنزولنا إلى آخره ، فإن هذه إحالات على مجهولات لا نفهم مؤداها ولا غاياتها !
  بينما لو فسرناها بمعان تقبلها اللغة وليست غريبة عنها ، لوصلنا إلى أمور قريبة ، فيها تنزيه وليس فيها تجهيل ) ، انتهى .

الوهابية والتوحيد _ 144 _

البشري و القضاعي

  * قال القضاعي في فرقان القرآن بين صفات الخالق وصفات الأكوان ص 72 المطبوع مع الأسماء والصفات للبيهقي : ( وهكذا اتفق سلف هذه الأمة الصالح وخلفها الموفق على صرف هذه المتشابهات عن هذه الظواهر المادية ، لا خلاف في ذلك بين أوائلهم وأواخرهم رضي الله عنهم ، وسموا من فسرهابتلك الظواهر بالمجسمة والحشوية إيماء منهم رضي الله عنهم إلى أن ما أتى به هؤلاء من التفسير من اللغو الذي لا يلتفت إليه ، والحشو الذي لا يعول أهل العلم بالكتاب والسنة عليه .
  تتمة : ونختم هذا الفصل بذكر فتوى في هذا الموضوع صدرت من شيخ الإسلام بحق ، ورأس المحققين الأعلام ، أستاذ الأساتذة ، الشيخ سليم البشري تغمده الله برحمته وأعلى في الفراديس درجاته .
  ونص السؤال والجواب نقلاً عن كتاب شمس الحقيقة والهداية في الرد على أهل الضلالة والغواية للعلامة المحقق والنقي الموفق الشيخ أحمد بن العلامة الكبير الشيخ علي بدر ، شيخ معهد بلصفورة ، وهو رافع السؤال إلى شيخ الإسلام رضي الله عنهما .
  قال : ما قولكم دام فضلكم في رجل من أهل العلم هنا من الذين يوصفون بالتفقه في الدين تظاهر باعتقاد ثبوت جهة الفوقية لله سبحانه وتعالى ، ويدعي أن ذلك مذهب السلف ، وتبعه على ذلك البعض القليل من الناس ، وجمهور أهل العلم ينكرون عليه .
  والسبب في تظاهره بهذا المعتقد كما عرض علي هو بنفسه ذلك عثوره على كتاب لبعض علماء الهند نقل فيه صاحبه كلاما كثيرا عن ابن تيمية في إثبات الجهة للباري سبحانه وتعالى .
  وليكن معلوماً أنه يعتقد الفوقية الذاتية له جل ذكره ، يعني أن ذاته سبحانه فوق العرش بمعنى ما قابل التحت مع التنزيه ، ويخطئ أبا البركات الدردير رضي الله عنه في قوله في خريدته : منزه عن الحلول والجهه والإتصال الإنفصال والسفه

الوهابية والتوحيد _ 145 _

  يخطئه في موضعين من البيت : قوله والجهة ، وقوله والإنفصال .
  والشيخ اللقائي في قوله :
ويستحيل ضد ذي الصفات في حقه كالكون في الجهات
  وبالجملة هو يخطئ كل من يقول بنفي الجهة مهما كان قدره ، ويستدل أيضاً بنص كتاب آخر غير الكتاب المتقدم ذكره ، وهو تفسير الشيخ الآلوسي المسمى بروح المعاني ، عند قوله تعالى ( وهو القاهر فوق عباده ) مع أن المطلع على عبارة الآلوسي يجده في آخر عبارته ذكر ما يؤخذ منه أنه غير جازم بذلك ، ويستدل على ذلك بمثل قوله تعالى ( وهو القاهر فوق عباده ) ( يخافون ربهم من فوقهم ) ( إليه يصعد الكلم الطيب ) وبقوله صلى الله عليه وسلم للجارية التي أراد سيدها عتقها : أين الله ؟ فقالت في السماء ، مع ما هو معلوم لفضيلتكم من أنها كانت خرساء وأشارت إلى السماء كما هو منصوص ، وفي بعض مؤلفات حجة الإسلام الغزالي رضي الله عنه ، وقد تعرض لذلك السيد محمد مرتضى في شرحه للإحياء .
  ويستدل أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : اللهم اشهد ، وأشار بإصبعه إلى السماء ، ويورد على من ينازعه في ذلك سؤال الكرامية المشهور وهو قولهم إن نفيه عن الجهات الست إخبار عن عدمه ، ولا يخفى على فضيلتكم أن الكلام في مسألة الجهة شهير ، إلا أنه من المعلوم أن قول فضيلتكم سيما في مثل هذا الأمر هو الفصل ، وأرجو أن يكون عليه إمضاؤكم بخطكم والختم ولا مؤاخذة .
  لا زلتم محفوظين ولمذهب أهل السنة والجماعة ناصرين آمين .
  وهذا نص جوابه حفظه الله : إلى حضرة الفاضل العلامة الشيخ أحمد علي بدر خادم العلم الشريف ببلصفورة : قد أرسلتم بتاريخ 22 محرم سنة 1325 هـ ، مكتوباً مصحوباً بسؤال عن حكم من يعتقد ثبوت الجهة له تعالى ، فحررنا لكم الجواب الآتي وفيه الكفاية لمن اتبع الحق وأنصف ، جزاكم الله عن المسلمين خيراً .
  إعلم أيدك الله بتوفيقه وسلك بنا وبك سواء طريقه ، أن مذهب الفرقة الناجية وما عليه أجمع السنيون أن الله تعالى منزه عن مشابهة الحوادث مخالف لها في جميع سمات الحدوث ، ومن ذلك تنزهه عن الجهة والمكان كما دلت على ذلك البراهين القطعية ، فإن كونه في جهة يستلزم قدم الجهة أو المكان وهما من العالم وهو ما سوى الله تعالى ، وقد قام البرهان القاطع على حدوث كل ما سوى الله تعالى بإجماع من أثبت الجهة ومن نفاها ، ولأن المتمكن يستحيل وجود ذاته بدون المكان مع أن المكان يمكن وجوده بدون المتمكن لجواز الخلاء فيلزم إمكان الواجب ووجوب الممكن وكلاهما باطل .
  ولأنه لو تحيز لكان جوهراً لاستحالة كونه عرضاً ، ولو كان جوهراً فإما أن ينقسم وإما أن لا ينقسم ، كلاهما باطل ، فإن غير المنقسم هو الجزء الذي لا يتجزأ وهو أحقر الأشياء ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، والمنقسم جسم وهو مركب والتركيب ينافي الوجوب الذاتي ، فيكون المركب ممكناً يحتاج إلى علة مؤثرة ، وقد ثبت بالبرهان القاطع أنه تعالى واجب الوجود لذاته ، غني عن كل ما سواه ، مفتقر إليه كل ما عداه ، سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
  هذا وقد خذل الله أقواماً أغواهم الشيطان وأزلهم ، اتبعوا أهواءهم وتمسكوا بما لا يجدي فاعتقدوا ثبوت الجهة تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، واتفقوا على أنها جهة فوق إلا أنهم افترقوا فمنهم من اعتقد أنه جسم مماس للسطح الأعلى من العرش ، وبه قال الكرامية واليهود ، وهؤلاء لا نزاع في كفرهم ، ومنهم من أثبت الجهة مع التنزيه ، وأن كونه فيها ليس ككون الأجسام وهؤلاء ضلال فساق في عقيدتهم ، وإطلاقهم على الله ما لم يأذن به الشارع ، ولا مرية أن فاسق العقيدة أقبح وأشنع من فاسق الجارحة بكثير سيما من كان داعية أو مقتدى به .
  وممن نسب إليه القول بالجهة من المتأخرين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي من علماء القرن الثامن ، في ضمن أمور نسبت إليه خالف الإجماع فيها عملاً برأيه وشنع عليه معاصروه بل البعض منهم كفروه ، ولقي من الذل والهوان ما لقي ، وقد انتدب بعض تلامذته للذب عنه وتبرئته مما نسب إليه وساق له عبارات أوضح معناها ، وأبان غلط الناس في فهم مراده ، واستشهد بعبارات له أخرى صريحة في دفع التهمة عنه ، وأنه لم يخرج عما على الإجماع وذلك هو المظنون بالرجل لجلالة قدره ورسوخ قدمه .
  وما تمسك به المخالفون القائلون بالجهة أمور واهية وهمية ، لا تصلح أدلة عقلية ولا نقلية ، قد أبطلها العلماء بما لا مزيد عليه ، وما تمسكوا به ظواهر آيات وأحاديث موهمة كقوله تعالى (الرحمن على العرش استوى ) وقوله ( إليه يصعد الكلم الطيب ) وقوله ( تعرج الملائكة والروح إليه ) وقوله ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) وقوله ( وهو القاهر فوق عباده ) وكحديث إنه تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة ، وفي رواية في كل ليلة جمعة فيقول هل من تائب فأتوب عليه ؟

الوهابية والتوحيد _ 146 _

  هل من مستغفر فأغفر له ؟ وكقوله للجارية الخرساء : أين الله فأشارت إلى السماء ، حيث سأل بأين التي للمكان ولم ينكر عليها الإشارة إلى السماء ، بل قال إنها مؤمنة .
  ومثل هذه يجاب عنها بأنها ظواهر ظنية لا تعارض الأدلة القطعية اليقينية الدالة على انتفاء المكان والجهة ، فيجب تأويلها وحملها على محامل صحيحة لا تأباها الدلائل والنصوص الشرعية ، إما تأويلاً إجمالياً بلا تعيين للمراد منها كما هو مذهب السلف ، وإما تأويلاً تفصيلياً بتعيين محاملها وما يراد منها كما هو رأي الخلف ، كقولهم : إن الإستواء بمعنى الإستيلاء كما في قول القائل :
قد استوى بشر على العراق      من  غير سيف ودم iiمهراق
  وصعود الكلم الطيب إليه قبوله إياه ورضاه به ، لأن الكلم عرض يستحيل صعوده .
  وقوله : من في السماء ، أي أمره وسلطانه أو ملك من ملائكته وكل بالعذاب .
  وعروج الملائكة والروح إليه : صعودهم إلى مكان يتقرب إليه فيه ، وقوله : فوق عباده ، أي بالقدرة والغلبة فإن كل من قهر غيره وغلبه فهو فوقه أي عال عليه بالقهر والغلبة ، كما يقال أمر فلان فوق أمر فلان ، أي أنه أقدر منه وأغلب ، ونزوله إلى السماء محمول على لطفه ورحمته وعدم المعاملة بما يستدعيه علو رتبته وعظم شأنه على سبيل التمثيل ، وخص الليل لأنه مظنة الخلوة والخضوع وحضور القلب .
  وسؤاله للجارية ( بأين ) استكشاف لما يظن بها اعتقاده من أينية المعبود كما يعتقده الوثنيون ، فلما أشارت إلى السماء فهم أنها أرادت خالق السماء فاستبان أنها ليست وثنية ، وحكم بإيمانها .
  وقد بسط العلماء في مطولاتهم تأويل كل ما ورد من أمثال ذلك ، عملاً بالقطعي وحملاً للظني عليه ، فجزاهم الله عن الدين وأهله خير الجزاء .
  ومن العجيب أن يدع مسلم قول جماعة المسلمين وأئمتهم ويتمشدق بترهات المبتدعين وضلالتهم .
  أما سمع قول الله تعالى ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ) فليتب إلى الله تعالى من تلطخ بشئ من هذه القاذورات ولا يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ، ولا يحملنه العناد على التمادي والإصرار عليه ، فإن الرجوع إلى الصواب عين الصواب والتمادي على الباطل يفضي إلى أشد العذاب ( من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ) .

الوهابية والتوحيد _ 147 _

  نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
  أملاه الفقير إليه سبحانه سليم البشري خادم العلم والسادة المالكية بالأزهر عفي عنه آمين آمين .
  * ثم أضاف القضاعي معلقاً على رسالة البشري : وقول الشيخ رضي الله عنه : وذلك هو المظنون بالرجل لجلالة قدره ورسوخ قدمه ، هو حسن ظن من الشيخ حمله عليه قول هذا التلميذ ، والذي يطيل النظر في كتبه وكتب تلميذه ابن القيم كما فعلنا نحن لا يرتاب في قوله بالتجسيم والجهة والتشبيه ، ولكنه يتبرأ من اسمه ويقول بالتنزيه ، لكنه إنما يقول بلفظه ويتباعد عن القول بمعناه ، وليس أحد أعرف بهذا الرجل من علماء عصره ، ولا سيما الورع الحجة المحقق الإمام شيخ الإسلام التقي علي بن عبد الكافي وقد كان له معاصراً ورد عليه في حياته وبعد وفاته بعدة مصنفات .
  ودونك عبارة شيخ الإسلام التقي في هذا المبتدع الغوي في خطبة كتابه ( الدرة المضية في الرد على ابن تيمية ) في قوله بعدم وقوع الطلاق المعلق على وجه اليمين ، وأنه خرق الإجماع بهذا القول ، وكذب على الصحابة والتابعين ومن بعدهم .
  قال رفع الله درجته في المهديين ما لفظه : أما بعد فإنه لما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد ، ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد ، بعد أن كان مستتراً بتبعية الكتاب والسنة ، مظهراً أنه داع إلى الحق هاد إلى الجنة ، فخرج عن الإتباع إلى الإبتداع وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع ، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدسة ، وأن الإفتقار إلى الجزء ليس بمحال ، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى ، وأن القرآن محدث تكلم الله به بعد أن لم يكن ، وأنه يتكلم ويسكت ، ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات ، وتعدى في ذلك إلى استلزام قدم العالم ، والتزمه بالقول بأنه لا أول للمخلوقات فقال بحوادث لا أول لها ، فأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديماً ، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملة من الملل ولا نحلة من النحل ، فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاثة والسبعين التي افترقت عليها الأمة ، ولا وقفت به مع أمة من الأمم همة ، وكل ذلك وإن كان كفراً شنيعاً مما تقل جملته بالنسبة إلى ما أحدث في الفروع ، انتهى .
  وهي رسالة نفيسة أجاد فيها رضي الله عنه الرد عليه وبيان الحق في المسألة وقد طبعت بدمشق ، وفي التحقيق الدقيق الذي قام به العلامة الكوثري في كتابه تكملة الرد على نونية ابن القيم المطبوع مع السيف الصقيل ما يغنينا عن الإطالة في شرح حال هذا الرجل وشيعته ، أجارنا الله وسائر المسلمين من اتباع الهوى ) ، انتهى .
  * وقال القضاعي في فرقان القرآن ص 17 : (ولهذه الفئة ولع شديد بافتراء الأباطيل ونسبتها إلى أكابر أئمة هذه الأمة ، ولو استقريت القرون منذ نجمت هذه البدعة لرأيت في كل قرن إلى زمانك هذا من هذه الطائفة فلولا تشاغب وتموه وبإزائهم جيوشاً من أهل السنة بحق تدافع وتبين ، بين مناظر يجادل عن الحق في المجالس الخاصة والعامة ، ومؤلف يزيل ظلمات شبههم بنور الحجج المعقولة ، حتى تركوا من هذه المؤلفات القيمة لطالب الهدى ثروة لا تنفد ، وكنوزاً لا تبيد على الأبد ، ومن هذه الكنوز الفائقة وتلك الثروات العظيمة كتاب الإمام الحافظ الثقة الحجة المبرز في علم الحديث رواية ودراية ، علم الفقهاء أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي المتوفى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة .

الوهابية والتوحيد _ 148 _

  كثر في زمانه رضي الله عنه الخوض في أسماء الله تعالى وصفاته بما لا يليق بجنابه عز وجل ، فألف كتابه المسمى بالأسماء والصفات .
  قال الإمام تاج الدين السبكي : لا أعلم له في بابه نظيراً ، وصدق رضي الله عنه فإنه عمد فيه إلى جمع الأحاديث التي تعلقت بها المبتدعة من المشبهة والحشوية ، فبين ما لا يصح الاحتجاج به منها بذكر ما فيه من علة ، وأزال الإشكال عما صح من متشابهها ، وضم إليها ما ناسبها من آيات الكتاب ، وأضاف إلى ذلك ما قال أكابر العلماء ممن قبله .
  فجزاه الله عن دينه وأمة نبيه صلى الله عليه وسلم خير الجزاء ، كأنه رضي الله عنه قصد بكتابه هذا غسل العار الذي ألحقه الحافظ ابن خزيمة بأهل الحديث ، فإنه ألف كتاباً سماه كتاب التوحيد ، وليته اقتصر فيه على جمع الأحاديث المتشابهة ، ولكنه فسرها بما لا يصح أن يعتقد في الله تعالى ، ولا يقول به المحققون من سلف ولا خلف ، وقد طعنه الإمام فخر الدين الرازي طعنة أردته قتيلاً ، حيث قال رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى ( ليس كمثله شئ ) : واعلم أن محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سماه بالتوحيد ، وهو في الحقيقة كتاب الشرك ، واعترض عليه ، وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات ، لأنه كان رجلاً مضطرب الكلام قليل الفهم ناقص العقل ، انتهى‍ .
  ثم ساق كلامه وهو كلام لايقوله مؤمن محقق نافذ البصيرة في المعرفة بربه ، ولذلك ضربنا عن نقله ولئلا يتشوش به ضعيف ، ثم قال الإمام الفخر رضي الله عنه : وأقول هذا المسكين الجاهل إنما وقع في أمثال هذه الخرافات لأنه لم يعرف حقيقة المثلية ، وعلماء التوحيد حققوا الكلام في المثلية ، إلى أن قال : وإن هذه الكلمات التي أوردها هذا الإنسان إنما أوردها لكونه كان بعيداً عن معرفة الحقائق ، فجرى على منهج كلمات العوام ، فاغتر بتلك الكلمات التي ذكرها ، ونسأل الله حسن الخاتمة ، انتهى‍ .
  ومن قرأ توحيد ابن خزيمة عذر هذا الإمام فيما قال ، وقد أسلفنا لك أن الإمامة في الحفظ والعلم بالعلل في متون الأحاديث وأسانيدها لا تقتضي الإمامة المطلقة في كل فن ، وذلك ظاهر لا يحتاج إلى بيان ، فلا ينبغي أن يقتدى به إلا فيما هو إمام فيه ، ومن خالف هذه القاعدة لم يسلم له دينه في أصول ولا في فروع ، فنصيحتي لك إذا أردت السلامة لنفسك أن تكون في عقائدك على ما دونه الإمام أبو منصور الماتريدي وأبو الحسن الأشعري ، فإنه هو ما يهدي إليه كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من غير ميل إلى جانب إفراط أو تفريط ) ، انتهى .
  وما ذكره القضاعي من رد الفخر الرازي على ابن خزيمة النيشابوري ، تجده مفصلاً في تفسير الرازي : 27/ 150 ـ 153 من الطبعة الثالثة دار إحياء التراث العربي ، وقد نقل الرازي كلام ابن خزيمة ومغالطته في معنى المثلية والتماثل لإثبات الجسمية لله تعالى ، شبيهاً بمغالطته المتقدمة في الفصل الأول لإثبات رؤية الله تعالى ، وقد هاجمه الرازي بشدة تتناسب مع فداحة المغالطة وشرح معنى تماثل الأجسام وأثبت تنزيه الله تعالى عن مماثلتها ، وقد اكتفينا عن إيراد كلام الرازي هنا ببحثه الذي سنورده في الفصل التالي في نفي الجسمية.
  وينبغي أن نشير هنا إلى أن كبار علماء الوهابية يرشدون المسلمين إلى قراءة كتاب ( التوحيد ) لابن خزيمة ، وقد تبنوا نشره بين المسلمين بسبب أفكاره التجسيمية مع الأسف .

الوهابية والتوحيد _ 149 _


  * وقال في فرقان القرآن ص 61 : ( فوجب أن يكون منزهاً عن التركب وقبول الإنقسام ، وكل ما هو من خصائص المادة والأجسام ، بذلك نطق كتاب الله لقوم يسمعون ، ونادت بهذا آياته من ألقى إليها السمع وهو شهيد ، وعلى ذلك أطبق أهل السنة الذين لم يصابوا بما أصيب به أهل الهوى من مرض التشبيه والتجسيم الذي أصيب به اليهود من قبلهم ووقع فيه النصارى من بعدهم .
  والعجب أنك ترى إمام المدافعين عن بيضة أهل التشبيه وشيخ إسلام أهل التجسيم ممن سبقه من الكرامية وجهلة المحدثين الذين يحفظون وليس لهم فقه فيما يحفظون ، أحمد بن عبد الحليم المعروف بابن تيمية ، يرمي إمام الحرمين وحجة الإسلام الغزالي بأنهما أشد كفراً من اليهود والنصارى ، في كتابه الموافقة المطبوع على هامش منهاجه ، لقولهما بالتنزيه ، وهما لم ينفردا به ، بل هو قول المحققين من علماء الملة الإسلامية من الصحابة فمن بعدهم إلى زمانه وكانت وفاته في القرن الثامن وإلى زماننا وإلى أن يأتي أمر الله .
  فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام : لن تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله .
  وفي بعض ألفاظ هذا الحديث أنهم السواد الأعظم من أمته ، وسيأتي لنا كلام في خطر الإغترار بهذا الرجل ومصنفاته وشيعته ، ورأي المحققين من الجهابذة فيه وفيهم فانتظر ) .
  بيان أن العلو المعنوي من المجاز الشائع في كلام العرب : والعلو المعنوي منتشر في القرآن مستفيض في لغة العرب في وصف الخالق والمخلوق على ما يليق بكلٍّ ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ) ، ( ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ) ، ( إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم ) ، والظهور هنا هو العلو ، ( إن فرعون علا في الأرض ) ، ( وإنا فوقهم قاهرون ) ( وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين ) ، ( وليتبروا ما علوا تتبيراً ) ، ( لا تخف إنك أنت الأعلى ) .
  ولما ذاق المشركون حلاوة النصر المؤقت يوم أحد قال قائلهم ( أعل هبل ) وهو اسم صنم لهم أجابهم المسلمون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم ( الله أعلى وأجل ) وفي شعر العرب : ولما علونا واستوينا عليهم تركناهم مرعى لنسر وكاسر ولو ذهبنا نستقصي ما في الكتاب العزيز من ذلك وما في كلام العرب لكان مجلداً ، وأين علو المكان من علو السلطان ؟ وهل العلو في المكان إلا كمال جسماني عرضي نازل كل النزول عن الكمال الذاتي الأصلي ؟ تعالى الله عما يخطر للواهمين .
  وقال الإمام أبو جعفر ( الطبري ) في قوله تعالى ( كل شيء هالك إلا وجهه ) إلا هو ، فانظر كيف حمل الوجه على الذات ولم يحك فيه خلافا لمن تقدمه .

الوهابية والتوحيد _ 150 _


  وقال البخاري في جامعه في تفسير سورة القصص ( كل شيء هالك إلا وجهه ) إلا ملكه ويقال : إلا ما أريد به وجه الله ، انتهى .
  فقد حمل الوجه على الملك جازماً به ، ولا أظن عاقلاً يرتاب في أن البخاري من خير السلف.
  وقال البخاري أيضاً في تفسير سورة هود في قوله تعالى ( ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ) في ملكه وسلطانه ، انتهى‍ كلام البخاري رضي الله عنه ، وقال الله تعالى ( والله واسع عليم ) فالسعة المتعارفة عظم امتداد الجسم ، فهل قال ذلك أحد من السلف ؟ حاشاهم من ذلك .
  واستمع الى ما قال الإمام الطبري وقال تعالى (الله نور السموات والأرض ) هل فهم أحد من السلف أنه هو ذلك النور الفائض على الحيطان والجدران المنتشر في الجو ؟ جل مقام العلماء بالله وكتابه أن يفهموا هذا المعنى الظاهر العامي .
  قال حبر الأمة ابن عباس فيما رواه عنه الطبري بالسند الصحيح : الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض ، وروي نحوه عن أنس بن مالك ، وروي عن مجاهد أن معناه المدبر ، ورجح الإمام الأول وزيف ما عداه ، وقد سمعت ما قاله في معنى الإحاطة وأنها مصروفة إلى إحاطة العلم والمشيئة والإقتدار ، وليس معناها ما يفهم من إحاطة جسم بجسم والتفافه حوله واشتماله عليه ، تعالى الله عن صفات الأجسام وسمات الحدوث .
  هذا ولو استقريت أقوال السلف من مظانها لرأيت الكثير الطيب من بيان المعاني اللائقة بالله تعالى على سبيل التعيين ، فمن نقل عدم التعيين مطلقاً عن السلف فما دقق البحث ولا اتسع اطلاعه .
  وهذا صحيح البخاري بين أيدينا وتفسير ابن جرير الطبري بين أظهرنا يناديان بما قلنا ، وإنما ذكرنا ما ذكرنا لك من ذلك على سبيل التمثيل لندلك بما سمعت على ما لم تسمع ، ولا نريد في هذا الوجيز الإستقصاء ، وعليك بكتاب الأسماء والصفات للحافظ البيهقي ، وبمراجعة ما قال العلماء في شروح الأحاديث المشكلة ، وما نقلوه عن أكابر السلف في ذلك فقد قدمنا لك نقل الإمام أبي بكر بن العربي عن مالك أنه قال في حديث النزول : هو نزول رحمة لا نزول نقلة ، ولعله رضي الله عنه لم يبلغه الحديث المفسر له أو لم يستحضره أو بلغه من طريق لا يعتمد عليه ، وقد أخرج النسائي في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه : إن الله يمهل حتى إذا مضى شطر الليل أمر منادياً أن ينادي ألا من سائل فأعطيه ، الحديث ، فتبين به أن إسناد النزول إليه تعالى إسناد مجازي ، فالمجاز في الإسناد وليس في الطرف وليس ذلك بغريب ، ففي القرآن العزيز ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) والمعنى إذا قرأه عليك جبريل بأمرنا ، كما يعلم ذلك من قرأ ما أخرج البخاري عن ابن عباس في بدء الوحي فقد أزيل الإشتباه في الحديث بهذه الرواية كما أزيل الإشتباه في الآية الأخرى ، وصح النقل عن حبر الأمة ابن عباس أنه فسر بالعلو ولم يفسره بالجلوس .

الوهابية والتوحيد _ 151 _


  وقد علمت ما قاله الإمام الطبري في معنى العلو ، ونقلنا لك عن الذهبي نفسه ما يفيد إجماع علماء الأمصار أنهم يقولون كلهم بلا كيف ، وشرحنا معناه بما يزيل عنك الإلتباس إن شاء الله تعالى .
  وبعد فقد سبقتنا أساطين العلماء رضي الله عنهم فدونوا في المتشابهات الكتب الكثيرة القيمة بين مطول مفيد ومقل مجيد ، فاملأ قلبك بتنزه الله تعالى عن هذا الظواهر الحسية الجسمية ) انتهى .

الكوثري ينفي ما نسبه المجسمون الى أئمة المذاهب

  * ذكر الكوثري في مقدمة تحقيقه لكتاب الأسماء والصفات للبيهقي المطبوعة في آخر نسختنا المذكورة ، أن البيهقي ألف كتاباً في مناقب الإمام أحمد وبرأه فيه من كل ما نسبوه إليه من التشبيه والتجسيم ، قال : ( وكتاب مناقب أحمد له ، يدفع فيه ما نسبه إليه بعض أصحابه من الكلمات الموهمة ، ومن جملة ما قال فيه نقلا عن الإمام أبي الفضل التميمي رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها : أنكر أحمد على من قال بالجسم وقال : إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة ، وأهل اللغة وضعوا هذا الإسم على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف ، والله سبحانه خارج عن ذلك كله ، فلم يجز أن يسمى جسماً لخروجه عن معنى الجسمية ، ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل ، انتهى بحروفه .
  وقال البيهقي فيه أيضاً : وأنبأنا الحاكم قال حدثنا أبو عمرو بن السماك قال حدثنا حنبل بن إسحاق قال سمعت عمي أبا عبد الله يعني الإمام أحمد يقول : احتجوا علي يومئذ يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين فقالوا تجئ سورة البقرة يوم القيامة وتجئ سورة تبارك ، فقلت لهم إنما هو الثواب ، قال الله تعالى (وجاء ربك ) إنما تأتي قدرته ، وإنما القرآن أمثال ومواعظ ، انتهى .
  قال البيهقي هذا إسناد صحيح لا غبار عليه ثم قال : وفيه دليل على أنه كان لا يعتقد في المجئ الذي ورد به الكتاب والنزول الذي وردت به السنة انتقالاً من مكان إلى مكان كمجئ ذوات الأجسام ونزولها ، وإنما هو عبارة عن ظهور آيات قدرته فإنهم لما زعموا أن القرآن لو كان كلام الله وصفة من صفات ذاته لم يجز عليه المجئ والإتيان ، فأجابهم أبو عبد الله بأنه إنما يجئ ثواب قراءته التي يريد إظهارها يومئذ فعبر عن إظهاره إياها بمجيئه .
  وهذا الجواب الذي أجابهم به أبو عبد الله لا يهتدي إليه إلا الحذاق من أهل العلم المنزهون عن التشبيه ، انتهى ما ذكره البيهقي في مناقب أحمد .

الوهابية والتوحيد _ 152 _


  وأما كتاب الأسماء والصفات فكتاب لا نظير له كما سبق ، تراه لا يلوم من يقول إن الله في السماء أو يقول إن الله على العرش بناء على بعض الأحاديث الواردة الناطقة بذلك ، لكن يجرد الكون في السماء أو على العرش عن جميع معاني التمكن ، على خلاف معتقد المشبهة ، كما تجد نص كلامه عند الكلام على الإستواء وعلقنا هناك على هذا الكلام ما يجب لفت النظر إليه .
  فالقائل بأنه في السماء إن كان يريد أنه متمكن فيها فهو زائغ عن الصراط السوي ، وأما إن كان يريد أنه في غاية من علو الشأن والمكانة بدون اعتقاد مكان له تعالى فلا غبار على كلام هذا القائل من ناحية اللغة ، وأما من جهة الشرع فهناك ظواهر تسيغ ذلك ، لكن حيث كانت الأحاديث التي وردت في ذلك لا تخلو من كلام مثل حديث أبي رزين وحديث الأوعال فالأحوط أن لا ينطق به حتى مع التصريح بهذا التنزيه ، بل الواجب عدم النطق به أصلاً سداً لباب التشبيه بمرة واحدة .
  وليست هناك أحاديث صريحة صحيحة ، وحديث الجارية فيه اضطراب عظيم ويحول دون التمسك به في باب الإعتقاد ، ومن تمسك بقوله تعالى ( أأمنتم من في السماء ) في هذا الباب فلا حجة له أصلاً كما نشرح ذلك فيما نعلق على الكتاب في موضعه إن شاء الله تعالى .
  والحاصل أنه ليس في قول البيهقي وأمثاله من تجويز القول (بأنه في السماء) بمعنى علو الشأن والمكانة ، ما يسر القائلين بإثبات المكان والعلو الحسي أصلاً .
  والبيهقي ينص على ذلك في مواضع من هذا الكتاب فنقل كلمة البيهقي وأمثاله في باب إثبات العلو الحسي غفل ظاهر !
  وما نسبوه إلى أبي حنيفة في سنده نعيم بن حماد وأبو أمه ، وما عزوه إلى مالك فيه عبد الله بن نافع الأصم صاحب المناكير عن مالك .
  وما أسندوه إلى الشافعي فيه أبو الحسن الهكاري وابن كادش والعشاري وأحوالهم معلومة عند النقاد رغم انخداع بعض المغفلين برواياتهم ، فلا يصح عزو القول بأنه في السماء إلى الأئمة الفقهاء أصلاًً ) ، انتهى .

الوهابية والتوحيد _ 153 _

السيد الأمين في كشف الإرتياب

  * قال في كشف الإرتياب في أتباع ابن عبد الوهاب ص 94 : ( الكتاب والخبر عربيان وفيهما كسائر كلام العرب الحقيقة والمجاز ، فالحقيقة الكلمة المستعملة فيما وضعت له ، كقولك سمعت زئير الأسد في الغاب وتريد الحيوان المفترس ، والمجاز الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له لمناسبة ما وضعت له ، مناسبة موافقة للعرف غير مستهجنة كقولك رأيت أسداًً في الحمام وتريد رجلاً شجاعاً ، والمناسبة بينهما الشجاعة .
  وقد كثر المجاز في كلام العرب جداً ومنه الكتاب والخبر ، بل أكثر كلام العرب مجاز ، ومما جاء منه في القرآن : يد الله فوق أيديهم ، واصنع الفلك بأعيننا ، ولتصنع على عيني ، فإنك بأعيننا ، ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ، يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ، كل شئ هالك إلا وجهه ، أينما تولوا فثم وجه الله، ويبقى وجه ربك ، الرحمن على العرش استوى ، يخافون ربهم من فوقهم ، فكان قاب قوسين أو أدنى ، إلا من رحم ربك ، إلا من رحم الله، وغضب الله عليه ، الله يستهزيء بهم ، وجاء ربك .

الوهابية والتوحيد _ 154 _


  والقرينة على المجاز في الكل عدم إمكان إرادة المعنى الحقيقي المستلزم للتجسيم والتحيز والوجود في مكان دون غيره ، وكونه محلاًّ للحوادث ... ولا بد للمجاز من قرينة كقولنا في المثال المتقدم في الحمام ، لأن الحيوان المفترس لا يكون في الحمام عادة ، وقد تكون القرينة حالية لا مقالية فتخفى على بعض الأفهام ويقع فيها الإشتباه .
  وقد يكثر استعمال اللفظ في المعنى المجازي حتى يصير مجازاً مشهوراً لايحتاج إلى قرينة غير الشهرة، وقد يكثر حتى يبلغ درجة الحقيقة فيسمى منقولاً ) .
  * وقال في كشف الإرتياب ص 119 : ( وادعى الوهابيون أنهم هم الموحدون وغيرهم من جميع المسلمين مشركون كما سيأتي ، ولكن الحقيقة أن ابن تيمية وابن عبد الوهاب وأتباعهما قد أباحوا حمى التوحيد وهتكوا ستوره وخربوا حجابه ، ونسبوا إلى الله تعالى ما لا يليق بقدس جلاله ، تقدس وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً ، فأثبتوا لله تعالى جهة الفوق ، والإستواء على العرش الذي هو فوق السماوات والأرض ، والنزول إلى سماء الدنيا ، والمجئ والقرب وغير ذلك ، بمعانيها الحقيقية ، وأثبتوا له تعالى الوجه واليدين اليد اليمنى واليد الشمال والأصابع والكف والعينين ، كلها بمعانيها الحقيقية دون تأويل ، وهو تجسيم صريح ، وحملوا ألفاظ الصفات على معانيها الحقيقية فأثبتوا لله تعالى المحبة والرحمة والرضا والغضب وغير ذلك بمعانيها الحقيقية من غير تأويل ، وأنه تعالى يتكلم بحرف وصوت ، فجعلوا الله تعالى محلاًّ للحوادث وهو يستلزم الحدوث ، كما بين في محله من علم الكلام .

الوهابية والتوحيد _ 155 _


  أما ابن تيمية فقال بالجهة والتجسيم والإستواء على العرش حقيقة والتكلم بحرف وصوت ، وهو أول من زَقَا بهذا القول وصنف فيه رسائل مستقلة كالعقيدة الحموية والواسطية وغيرهما ، واقتفاه في ذلك تلميذاه ابن القيم الجوزية وابن عبد الهادي وأتباعهم ، ولذلك حكم علماء عصره بضلاله وكفره وألزموا السلطان بقتله أو حبسه ، فأخذ إلى مصر ونوظر فحكموا بحبسه فحبس ، وذهبت نفسه محبوساً بعد ما أظهر التوبة ، ثم نكث .
  ونحن ننقل ما حكوه عنه في ذلك وما قالوه في حقه لتعلم ما هي قيمة ابن تيمية عند العلماء : قال أحمد بن حجر الهيثمي المكي الشافعي صاحب الصواعق في كتابه الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرم ، في جملة كلامه الآتي في فصل الزيارة : إن ابن تيمية تجاوز إلى الجناب المقدس وخرق سياج عظمته بما أظهره للعامة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم ... إلخ .
  وقال ابن حجر أيضاً في الدرر الكامنة على ما حكي : إن الناس افترقت في ابن تيمية فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكره في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك بقوله إن اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله ، وأنه مستو على العرش بذاته ، فقيل له يلزم من ذلك التحيز والإنقسام فقال : أنا لا أسلم أن التحيز والإنقسام من خواص الأجسام ، فألزم بأنه يقول بالتحيز في ذات الله ... وعن صاحب أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل أنه قال في بيان إرخاء العمامة بين الكتفين : قال ابن القيم عن شيخه ابن تيمية أنه ذكر شيئاً بديعاً وهو أنه (ص) لما رأى ربه واضعاً يده بين كتفيه ، أكرم ذلك الموضع بالعذبة ! قال العراقي ولم نجد لذلك أصلاً .

الوهابية والتوحيد _ 156 _


  أقول : بل هذا من قبيل رأيهما وضلالهما إذ هو مبني على ما ذهبا إليه وأطالا في الإستدلال له والحط على أهل السنة في نفيهم له ، وهو إثبات الجهة والجسمية لله ، تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً ، ولهما في هذا المقام من القبائح وسوء الإعتقاد ما تصم عنه الآذان ، ويقضي عليه بالزور والكذب والضلال والبهتان ، قبحهما الله وقبح من قال بقولهما ، والإمام أحمد وأجلاء مذهبه مبرؤون عن هذه الوصمة القبيحة كيف وهي كفر عند كثيرين ، انتهى .
  وعن المولوي عبد الحليم الهندي في حل المعاقد حاشية شرح العقائد : كان تقي الدين ابن تيمية حنبلياً لكنه تجاوز عن الحد وحاول إثبات ما ينافي عظمة الحق تعالى وجلاله ، فأثبت له الجهة والجسم ، وله هفوات أخر ... وحكم قاضي القضاة بحبسه سنة 705 ثم نودي بدمشق وغيرها من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه ، كذا في مرآة الجنان للإمام أبي محمد عبد الله اليافعي ، ثم تاب وتخلص من السجن سنة 707 وقال إني أشعري ، ثم نكث عهده وأظهر مرموزه فحبس حبساً شديداً ، ثم تاب وتخلص من السجن وأقام في الشام ، وله هناك واقعات كتبت في كتب التواريخ ورد أقاويله .

الوهابية والتوحيد _ 157 _

  وبين أحواله الشيخ ابن حجر في المجلد الأول من الدرر الكامنة ، والذهبي في تاريخه ، وغيرهما من المحققين . والمرام أن ابن تيمية لما كان قائلاً بكونه تعالى جسماً قال بأنه ذو مكان ، فإن كل جسم لا بد له من مكان على ما ثبت ، ولما ورد في الفرقان الحميد ( الرحمن على العرش استوى ) قال إن العرش مكانه ، ولما كان الواجب أزلياً عنده وأجزاء العالم حوادث عنده ، اضطر إلى القول بأزلية جنس العرش وقدمه وتعاقب أشخاصه الغير المتناهية ، فمطلق التمكن له تعالى أزلي والتمكنات المخصوصة حوادث عنده ، كما ذهب المتكلمون إلى حدوث التعلقات ، انتهى .
  وعن تاريخ أبي الفدا في حوادث سنة 705 : وفيها استدعي تقي الدين أحمد بن تيمية من دمشق إلى مصر وعقد له مجلس ، وأمسك وأودع الإعتقال بسبب عقيدته ، فإنه كان يقول بالتجسيم ، انتهى .
  وجاء في المنشور الصادر بحقه من السلطان : وكان الشقي ابن تيمية في هذه المدة قد بسط لسان قلمه ومد عنان كلمه ، وتحدث في مسائل القرآن والصفات ، ونص في كلامه على أمور منكرات ، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الإسلام ، وانعقد على خلافه إجماع العلماء الأعلام ، وخالف في ذلك علماء عصره ، وفقهاء شامه ومصره ، وعلمنا أنه استخف قومه فأطاعوه ، حتى اتصل بنا أنهم صرحوا في حق الله بالحرف والصوت والتجسيم ، انتهى.
  وأما محمد بن عبد الوهاب فاقتفى هو وأتباعه في ذلك أثر ابن تيمية ، كما اقتفى أثره في زيارة القبور والتشفع والتوسل وغير ذلك ، وبنى على أساسه وزاد ، وقد أثبت ابن عبد الوهاب لله تعالى جهة الفوق والإستواء على العرش الذي هو فوق السماوات والأرض والجسمية والرحمة والرضا والغضب واليدين اليمنى والشمال والأصابع والكف كلها بمعانيها الحقيقية من دون تأويل ... وأما أتباع محمد بن عبد الوهاب فأثبتوا لله تعالى جهة العلو والإستواء على العرش والوجه واليدين والعينين والنزول إلى سماء الدنيا والمجيء والقرب وغير ذلك بمعانيها الحقيقية ، ففي الرسالة الرابعة من الرسائل الخمس المسمى مجموعها بالهدية السنية لعبد اللطيف حفيد محمد بن عبد الوهاب عند ذكر بعض اعتقادات الوهابية وأنها مطابقة لعبارة أبي الحسن الأشعري قال : وأن الله تعالى على عرشه كما قال : الرحمن على العرش استوى ، وأن له يدين بلا كيف كما قال : لما خلقت بيدي ، بل يداه مبسوطتان ، وأن له عينين بلا كيف ، وأن له وجهاً كما قال : ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام .

الوهابية والتوحيد _ 158 _


  وقال : ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله ( ص ) أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر ، إلى أن قال : ويقرون أن الله يجيء يوم القيامة كما قال : وجاء ربك والملك صفاًّ صفاًّ ، وأنه يقرب من خلقه كيف شاء كما قال : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد .
  وفي الرسالة الخامسة لمحمد بن عبد اللطيف المذكور : ونعتقد أن الله تعالى مستوٍ على عرشه عال على خلقه ، وعرشه فوق السماوات ، قال تعالى : الرحمن على العرش استوى ، فنؤمن باللفظ ونثبت حقيقة الاستواء ولا نكيف ولا نمثل ، قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس وبقوله نقول ، وقد سأله رجل عن الإستواء فقال : الإستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ... ونقول : يلزم من ذلك أحد أمرين : التجسيم أو القول بالمحال وكلاهما محال ، لأن حصول حقيقة الإستواء مع عدم الكيف محال بحكم العقل ، ومع الكيف تجسيم ، فلا بد من التأويل والمجاز ، والقرينة العقل .
  ومنه تعلم أن الكلام المنسوب إلى الإمام مالك لا يكاد يصح ، وحسن الظن به يوجب الريبة في صحة النسبة إليه ، وذلك لأن قوله الإستواء معلوم إن أراد أنه معلوم بمعناه الحقيقي فهو ممنوع بل عدمه معلوم بحكم العقل باستحالة الجسمية عليه تعالى ، واستحالة الإستواء الحقيقي بدون الجسمية ... ثم كيف يكون السؤال بدعة ، والتصديق بالمجهول محال ؟ ! وإن أراد أنا نؤمن به على حسب المعنى الذي أراده الله تعالى منه وإن لم نعلمه تفصيلاً ، فإن كان يحتمل أنه أراد حقيقة الإستواء ففاسد ، لما عرفت من استحالته بحكم العقل ، وإن كان الترديد بين المعاني المجازية فقط ، فأين حقيقة الإستواء التي أثبتناها .
  وإذا كان قول الإمام مالك عند هؤلاء قدوة وحجة في مثل هذه المسألة الغامضة ، فلم لم يقتدوا بقوله فيما هو أوضح منها وأهون ، وهو رجحان استقبال القبر الشريف والتوسل بصاحبه عند الدعاء ؟ حسب ما أمر به مالك المنصور فيما مرت الإشارة إليه ... أما قول عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب في الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية أنه لا يلزم أن نكون مجسمة وإن قلنا بجهة العلو ، لأن لازم المذهب ليس بمذهب !

الوهابية والتوحيد _ 159 _


  ففيه : أن كون لازم المذهب ليس بمذهب إن صح فمعناه أن من ذهب إلى القول بشئ لا يجب أن يكون قائلاً بلازمه ، إلا أنه إذا كان هذا اللازم باطلاً كان ملزومه الذي ذهب إليه باطلاً ، لأن بطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم ، وإلا لبطلت الملازمة ، فمن قال بجهة العلو وإن لم يقل بالتجسيم إلا أنه لازم قوله ، فإذا كان التجسيم باطلاً فالقول بجهة العلو خطأ وباطل ، مع أنك قد عرفت آنفاً أن قدوتهم ومؤسس ضلالتهم ابن تيمية قد صرح بالجسمية وكفره علماء عصره لذلك وحكموا بقتله أو حبسه ، وأن مؤسس مذهبهم ابن عبد الوهاب اقتدى بابن تيمية في ذلك فأثبت اليدين اليمين والشمال والأصابع والكف ، وهم على طريقته لا يحيدون عنها قيد أنملة ، فلا ينفعهم التبري من القول بالتجسيم ) .

السقاف في الصحيح في شرح العقيدة الطحاوية

  * وقال الباحث المعاصر السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 165 : ( ثم اعلم بأن من نهج السلف الصالح إثبات المجاز في اللغة ولا أظن أن عاقلاً يشك في ذلك ، فهذا الإمام أحمد يثبت المجاز ويقول في بعض الأمور : هذا من مجاز اللغة كما اعترف بذلك ابن تيمية ( 95 ) في كتابه الإيمان ص 85 ، وذكره الحافظ الزركشي في البحر المحيط في علم الأصول 2/182 عن الإمام أحمد ) ، انتهى .
  وقال السقاف في هامشه : ( 95 ـ ومحاولة ابن تيمية وابن القيم وغيرهما إنكار المجاز محاولة فاشلة جداً ! وقد ناقضوا أنفسهم فيها ! فابن القيم الذي يعتبر المجاز في كتابه الصواعق المرسلة طاغوتاً ، يتناقض مع نفسه حيث يثبت المجاز ويدلل عليه بأوجه كثيرة في كتابه الفوائد المشوقة !
  كما أن الشيخ المتناقض ( يقصد الألباني ) يخالف ابن تيمية في هذه المسألة فيثبت المجاز في مقدمة مختصر العلو ص 23 في الحاشية ! وقد بينا هذا التناقض الواقع بين آرائهم العقائدية وغيرها في رسالتنا البشارة والإتحاف ص 31 فارجع إليها !
  وصاحب تفسير أضواء البيان المعاصر المنكر للمجاز في الظاهر ، إنما أنكره تحت وطأة الضغط والإكراه الذي أجبر عليه في البلد التي كان يعيش فيها آخر حياته ، والمكره له أحكام !
  وعلى كل الأحوال فإنكاره لذلك ليس حجة يصح أن يتشبث بها طالب العلم ومبتغي معرفة الرجال بالحق ، المبتعد عن نحلة من يعرف الحق بالرجال ، وخاصة بعد وضوح الأدلة والبراهين في هذا الأمر والله الهادي !
  ومن العجيب الغريب أن يقول ابن تيمية في كتابه الإيمان ص 85 : وأما سائر الأئمة فلم يقل أحد منهم ولا من قدماء أصحاب أحمد إن في القرآن مجازاً ، لا مالك ولا الشافعي ولا أبو حنيفة ، فإن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز إنما اشتهر في المائة الرابعة وظهرت أوائله في الثالثة وما علمته موجوداً في المائة الثانية ، اللهم إلا أن يكون في أواخرها !
  ونقول له ولمن ينغر بقوله : لماذا هذا التخبط في تحديد التاريخ ( في ثلاثة قرون ) !

الوهابية والتوحيد _ 160 _

  وماذا وراءه إلا تضليل القارئ ! بل قد ذكر الأئمة المجاز ومنهم الشافعي في الرسالة ولو سماه بغير هذه التسمية ، وقد صنف أهل القرن الثاني في المجاز ومنهم معمر بن المثنى المولود سنة 106 هجرية في أواخر القرن الأول وأوائل الثاني واسم كتابه مجاز القرآن ) ، أنظر سير أعلام النبلاء 9/446.
  * وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 311 : ( احتجت المجسمة بقوله تعالى : الرحمن على العرش استوى ، على أن الله تعالى جالس على العرش وأنه عالٍ عليه علواً حسياً ، وبعضهم يعتقد ذلك ولا يصرح بلفظ الجلوس ولا بالعلو الحسي إنما يقول : الله في العلو ويشير إليه إلى جهة السماء !
  وهذا خطأ محض بلا شك لأن الله تعالى منزه عن المكان ، والعرب تقول عمن أرادت تعظيمه على وجه المجاز فلان في السماء أي عظيم القدر .
  وإليكم تفصيل الكلام على هذه الآية وما شابهها من كلام الإمام الحافظ ابن الجوزي في ( دفع شبه التشبيه ) ص 121 مع تعليقاتنا عليه في الحاشية قال & : ومنها قوله تعالى : ثم استوى على العرش ، قال الخليل بن أحمد : العرش : السرير فكل سرير ملك يسمى عرشاً ، والعرش مشهور عند العرب في الجاهلية والإسلام ، قال الله تعالى : ورفع أبويه على العرش وقال تعالى : أيكم يأتيني بعرشها ، واعلم أن الإستواء في اللغة على وجوه منها : الإعتدال ، قال بعض بني تميم : فاستوى ظالم العشيرة والمظلوم أي اعتدلا ، والإستواء تمام الشيء ، قال الله تعالى : ولما بلغ أشده واستوى ، أي تم ، والإستواء القصد إلى الشيء ، قال تعالى : ثم استوى إلى السماء ، أي قصد خلقها ، والإستواء الإستيلاء على الشئ قال الشاعر :
قد استوى بشر على العراق      من  غير سيف ودم iiمهراق
  * وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 324 : ( يزعم المجسمة والمشبهة على اختلاف مشاربهم بأن الذي ينفي أن يكون الله تعالى داخل العالم وخارجه يكون منكراً لوجوده سبحانه ، وهذه مغالطة واضحة لا قيمة لها !
  وذلك لأنهم يقيسون الله تعالى على الأجسام ويتوهمون أن الله سبحانه شئ كالأشياء يأخذ حيزاً في الفراغ كبقية الأجسام !

الوهابية والتوحيد _ 161 _

  وبعضهم يتخيله سبحانه وتعالى جسماً كثيفاً كالإنسان ، وبعضهم يتخيل بأنه من قبيل الأشياء اللطيفة كالهواء والنور والغاز ونحو ذلك !
  وجميعهم متفقون مهما حاولوا الإنكار على أنه جسم يتخيله ويتصوره العقل بإزاء العالم ، خارجاً عنه ! ونحن بدورنا يجب علينا أن نجلي المسألة ونكشف عما كان غامضاً منها ونبين ما هو القرآن الصحيح في ذلك من نصوص الكتاب والسنة حتى يتبين مذهب أهل الحق فيها .
  إعلم أن معنى قول أهل العلم إن الله تعالى لا داخل العالم ولا خارجه ، أي أن الله سبحانه لا يوصف بأنه متصل بالعالم وكذلك لا يوصف بأنه منفصل عنه ، وذلك لأن الإتصال والإنفصال من أوصاف الأجسام ، فالجسم إما أن يكون متصلاً بالآخر أو منفصلاً متنائياً عنه ، والله تعالى ( ليس كمثله شئ ) كما وصف نفسه .
  وإن المنطقة التي يتخيلها المجسمةوالمشبهة فوق العرش والتي يتصورون أن المولى سبحانه وتعالى حال فيها هي مكان بلا شك ولا ريب ، ولولا أنها مكان لما أمكن تخيلها ولما صح وصفه بأنه فيها وأنه في جهة ما فوق العرش ، ولما صحت أيضا إشارتهم إليه ، فهم بناء على ذلك يتخيلون أن الله تعالى ذات من الذوات الجسمانية فيقيسونه سبحانه على الأجسام التي وصفناها قريباً ، وأنه خلق العالم والعرش تحته فصار هو فوقه !
  فهم إذا يتصورون ويتخيلون بأن الله تعالى قبل خلق هذا العالم وإيجاده من العدم كان له تحت ، وإذا كان له تحت فله فوق وأمام وخلف ويمين ويسار !
  فالعقدة الموجودة في عقول هؤلاء المجسمة والمشبهة هي أنهم لم يسلموا للشرع ، فلم يقولوا بأن الله تعالى لا يمكن إدراكه وتصوره وأنه خارج عن كل ما يجول في الأوهام ويحوم في الخواطر والنفوس ، ولو أنهم سلموا بوجوده سبحانه مع إقرارهم بأنه لا يمكن تصوره لنجوا ، وكانوا على عقيدة الإسلام الحقة عقيدة التنزيه ! ) .
  * وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 334 : ( لقد صرح علماء الإسلام من فحول أهل الحديث وحذاق الأئمة الذين يعول على كلامهم ويعتد بهم في الإجماع والخلاف ، بتنزيه الله تعالى عن أن يكون داخل العالم أو خارجه ، فتارة يعبرون عن ذلك بعبارة لا داخل العالم ولا خارجه ، وتارة يعبرون بأنه لا متصل ولا منفصل ، وتارة بالإجتماع والإفتراق ، وتارة يقولون لا مماس ولا مباين ، والمعنى واحد بلا شك ولا ريب ، وإليكم نصوصهم في ذلك :
  1 ـ قال الإمام الغزالي : في الإحياء 4/434 : إن الله تعالى مقدس عن المكان ومنزه عن الأقطار والجهات ، وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه ، ولا هو متصل ولا هو منفصل عنه ، قد حير عقول أقوام حتى أنكروه إذ لم يطيقوا سماعه ومعرفته .


الوهابية والتوحيد _ 162 _

  وكذلك ذكر نحو هذا الكلام في عدة من مؤلفاته .
  2 ، 3 ـ الإمام الحافظ النووي والإمام المتولي : قال الإمام الحافظ النووي في روضة الطالبين 1064 : قال المتولي ( من اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع ، أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع كالألوان ، أو أثبت له الإتصال أو الإنفصال كان كافراً ) وأقره عليه فيكون هذا قول إمامين من كبار الأئمة ) .
  4 ـ وقال نحو هذا الإمام الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات ص 410 ـ 411 بتفصيل دقيق وكذا له نصوص في ذلك في شعب الإيمان .
  5 ـ الشيخ العز بن عبد السلام : ذكر في كتابه القواعد ص 201 : إن من جملة العقائد التي لا تستطيع العامة فهمها هو أنه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه ، ولا منفصل عن العالم ولا متصل به .

الوهابية والتوحيد _ 163 _

  6 ـ الإمام أبو المظفر الاسفراييني في التبصير في الدين ص 97 بتحقيق الإمام الكوثري مطبعة الأنوار 1359 هـ حيث قال : ( وأن تعلم أن الحركة والسكون ... والإتصال والإنفصال ... كلها لا تجوز عليه تعالى ، لأن جميعها يوجب الحد والنهاية ) .
  7 ـ الإمام الحافظ ابن الجوزي الحنبلي : قال في كتابه دفع شبه التشبيه ص 103 من طبعة دار الإمام النووي بتحقيقنا ( وكذا ينبغي أن يقال ليس بداخل في العالم وليس بخارج منه لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات ) ، انتهى‍ .
  فهؤلاء جماعة من العلماء صرحوا بأن الله تعالى لا يوصف بأنه خارج العالم ولا داخله .
  * وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 339 : هذه الصورة ( ثلاث دوائر ) هي ترجمة كلام الألباني وإمامه ابن تيمية كما نصا عليها ، أنظر صحيح الترغيب ص ( 116 ) وهذا نصه هناك بحروفه : ( فائدة هامة : إعلم أن قوله في هذا الحديث : فإن الله قبل وجهه ، وفي الحديث الذي قبله : فإن الله عز وجل بين أيديكم في صلاتكم ، لا ينافي كونه تعالى على عرشه فوق مخلوقاته كلها ، كما تواترت فيه نصوص الكتاب والسنة وآثار الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم ورزقنا الاقتداء بهم ، فإنه تعالى مع ذلك واسع محيط بالعالم كله ، وقد أخبر أنه حيثما توجه العبد فإنه مستقبل وجه الله عز وجل ، بل هذا شأن مخلوقه المحيط بما دونه ، فإن كل خط يخرج من المركز إلى المحيط فإنه يستقبل وجه المحيط ويواجهه ، وإذا كان عالي المخلوقات يستقبل سافلها المحاط بها بوجهه من جميع الجهات والجوانب ، فكيف بشأن من هو بكل شئ محيط وهو محيط ولا يحاط به ، وراجع بسط هذا في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية كالحموية والواسطية وشرحها للشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض ، ص 203 ـ 213 ) ، انتهى .
  ونقل الألباني المتناقض في مقدمة مختصر العلو ص ( 71 ) عن ابن تيمية الحراني من التدمرية مستدلاً بقوله ( كأنه نص شرعي ! ) مقراً مباركاً له ! ما نصه : ( أتريد بالجهة أنها شئ موجود مخلوق فالله ليس داخلاً في المخلوقات ، أم تريد بالجهة ما وراء العالم فلا ريب أن الله فوق العالم ، وكذلك يقال لمن قال الله في جهة : أتريد بذلك أن الله فوق العالم ، أو تريد به أن الله داخل في شئ من المخلوقات ؟ فإن أردت الأول فهو حق ، وإن أردت الثاني فهو باطل ) .

الوهابية والتوحيد _ 164 _

  فاعتبروا يا أهل الأبصار والعقول كيف يقولون بأن هناك وراء العالم منطقة ليست داخلة في المخلوقات فهناك وفي تلك المنطقة يوجد معبود هذه الطائفة ! ! ) .
  * وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 358 : ( المجسمة والمشبهة : المجسمة هم المشبهة أنفسهم ، وهم الذين يتخيلون بأن الله تعالى جسم على شكل ما من الأشكال ، وغالبهم يتصورونه ويتخيلونه على صورة رجل جالس على كرسي عظيم ( وهو كرسي الملك ) والذي يدل على ذلك عباراتهم التي يرددونها في كتبهم التي يتكلمون فيها عن مسائل التوحيد والإعتقاد ، وكتاب ( السنة ) المنسوب لابن الإمام أحمد من أوضح الأدلة والشواهد على ذلك !
  وبعضهم يكابر ويجادل بالباطل فيقول : بأنه لا يتصور الله تعالى مثل ما ذكرنا عنهم ! وهم غير صادقين في تلك المكابرة والمجادلة العقيمة ، ومؤلفاتهم وكلماتهم وفلتات ألسنتهم وما يسرونه لكثير من أتباعهم وغير ذلك من الأمور الظاهرة ، دلالات ظاهرة تحكم بصدق دعوانا عليهم !

الوهابية والتوحيد _ 165 _

  ومن أوضح الأمثلة على ذلك أيضا أن المجسمة والمشبهة يثبتون لله تعالى أعضاء يسمونها صفات كاليد والأصابع والوجه والساق والقدم والرجل والعين والجنب والحقو والجلوس والحركة والحد والجهة ، وغير ذلك من صفات المحدثات والأجسام كما تقدم ! ) .
  وظلم الألباني السقاف ...
  * فتاوي الألباني ص 520 : السائل يقول : ( ثَمَّ بدعة جديدة ابتدعها السقاف وأنه قال : أنا أثبت الله فوق السماء كما أثبتت الجارية ...
  جواب : إن هذه كلمة يقولونها بألسنتهم هرباً من الحجة ، لأن الرجل في كتبه يصرح بأن القول بأن الله في السماء كفر ، هكذا ... ويقول إن الله ليس في مكان وليس خارج مكان ، الله لا داخل العالم ولا خارجه ... ولذلك هو شنشنة المعطلة ... ) ، انتهى .

الوهابية والتوحيد _ 165 _

  ويقصد السائل بالجارية حديث الجارية الخرساء التي روي أن النبي (ص) سألها أين الله تعالى ؟ فأشارت إلى السماء ، فارتضى جوابها .
  وقد استدل به الوهابيون على إثبات الفوقية له تعالى والجهة ، وقد رفض السقاف تفسيرهم ، لكن قال إني أؤمن بصحة قول الجارية على معنى العلو المعنوي وليس المادي .
  وهذا أمر صحيح يرتضيه كل المسلمين إلا المجسمة ، ومنهم الألباني الذي لم يقتنع بذلك واتهم السقاف وكل من ينكرالصفات المادية لله تعالى بالتعطيل !
  ثم كرر الألباني حكم أسلافه المجسمة على من خالفهم بأنهم معطلة ملحدون !
  * قال الذهبي في تاريخ الإسلام ج 14 ص 384 : ( قال صفوان بن صالح : سمعت مروان بن محمد وقيل له إنهم يقولون ليس لله عين ولا يد ، فقال : إن مذهبهم التعطيل ! ) ، انتهى .
  فلا بد لك حتى تؤمن بالله عندهم أن تعترف بالصفات الحسية المادية لله تعالى ، وبالقدم واليد والعين والوجه وبقية أعضاء معبودهم ! كل ذلك بالمعنى الحسي المادي ! وإلا فأنت من المعطلين الملحدين بأسماء الله تعالى وصفاته ! !
  فانظر إلى هذا المنطق الذي يغرق في المادية ، ويخلط عن عمد أو غباء بين صفات الأعضاء وصفات المعاني والأفعال ، فيجعل المشبهين المجسمين مؤمنين ويتجرأ على تكفير المنزهين الذين لايقبلون بوصف الله تعالى بالصفات المادية ، ويصفهم بأنهم معطلون ملحدون كافرون ! وهم جمهرة المسلمين .
  وانظر إلى هذه ( المادية الدينية اليهودية ) التي يتبناها ( علماء الحرمين ) ويريدون أن يسوقوا العالم الإسلامي بعصاها ، ويبذلون لها الأموال ويبحثون لها عن منظرين من الهنود والسوريين ... ! !
  وذلك في القرن العشرين ، الذي شهد انهيار المادية التاريخية !