الفهرس العام

الفصل التاسع : المجسمون مبرؤون و الشيعة متهمون


كتب الفرق والملل تفتري على الشيعة و تتستر على المجسمة
من أمثلة تستر كتب الملل على المجسمة
من أمثلة تخليط كتب الملل و نسبها الكاذبة
تقسيمهم الشيعة إلى فرق لا وجود لها
وقلد الغربيون كتب الملل وقلد الدكاترة الغربيين
الفخر الرازي يرد بعض ادعاءات كتب الملل

  لو أن موجات الإضطهاد التي صُبَّتْ على الشيعة بعد النبي (ص) إلى يومنا ... صبت على أمة أو طائفة ، لكانت كافية لإبادتها وإنهائها من الوجود ! ولو أن سيول التهم والحملات الإعلامية التي وجهت ضد الشيعة ... وجهت إلى غيرهم ، لكانت كافية لانزوائهم وتلاشيهم !
  ولكن الشيعة ما زالوا بخير ، يعيشون كأحسن ما يعيش الناس ، ويشكلون نحو ربع الأمة الإسلامية ، وعددهم يزداد ولا ينقص !
  والسبب في ذلك أنهم تأقلموا مع الإضطهاد حتى صار جزء من حياتهم ... وتكيفوا مع التهم حتى صارت جزء من مسموعاتهم !
  فمن أراد أن يتعلم كيف يواجه سيل التهم والشتائم الظالمة بأعصاب هادئة مرتاحة ، فليتعلم ذلك من الشيعة ! وأول ما يقولونه له : نحن معارضة ، ولا ننتظر من تاريخنا الإسلامي أن يتحملنا ... تاريخنا الذي لم يتحمل كلمة معارضة من بنت النبي ( ص) فجاءت الدولة وكومت الحطب حول دارها وأحرقت بابه وهددت بإحراق كل البيت بمن فيه ، وفيه علي وفاطمة والحسن والحسين ، عترة النبي الذي مات قبل ساعات وما زالت جنازته لم تدفن !

الوهابية والتوحيد _ 191 _

  هذا التاريخ من أين يأتي بسعة صدر يتحمل بها المعارضة وينصفها ؟ !
  إنا لا ننتظر من دول اضطهدتنا وطاردتنا وشردتنا وقتلتنا ، أن تمدحنا وتمدح عقائدنا ، بل نتوقع منها أن ترمينا بكل تهمة وسبة ، وأن تبتكر من التهم والشتائم ما لا يخطر على بال المتخصصين في هذه المهنة !
  لكن يحق لنا أن ننتظر من علماء إخواننا المنصفين بعد قرون وقرون ، أن لا يرثوا ظلم أهل بيت نبيهم وشيعتهم ، وأن يقرأواعقائدهم وفقههم وفكرهم من مصادر مذهبهم ، لامن مصادر الذين اضطهدوهم أو أبغضوهم ، ولامن مصادر الذين سمعوا ناساً يسبون الشيعة فقالوا نحن مع الناس ، وأخذوا يسبونهم !

كتب الفرق والملل تفتري على الشيعة و تتستر على المجسمة

  إذا أردت أن تصف كتب الملل والنحل المعروفة مثل كتاب مقالات الإسلاميين للأشعري ، وكتاب الملل والنحل للشهرستاني ، وكتاب الفصل في الملل لابن حزم ، والفرق بين الفرق للنوبختي ... وصفاً علمياً حديثاً فيمكنك أن تقول : إنها تقارير صحفية مسيسة وغير موثقة ، تشبه تقرير صحفي غربي عن مجموعة الفئات والجمعيات والإتجاهات الموجودة في بلد عربي ، يكتبه من مسموعاته وبعض مشاهداته ، والكثير من خلفياته وأهدافه !

الوهابية والتوحيد _ 192 _

  ولا يتسع موضوعنا لأكثر من عرض نماذج من هذه الكتب ، لعل ذلك يفتح باب الدراسة النقدية الجادة لها .
  ومن أول الأمور التي تحتاج إلى دراسة نسبة هذه الكتب إلى أصحابها ، فقد وجدت أن عدداً من القرائن مثلاً توجب الشك في نسبة كتاب ( مقالات الإسلاميين ) إلى أبي الحسن الأشعري ... إلخ .

من أمثلة تستر كتب الملل على المجسمة

  * مقالات الإسلاميين للأشعري : 1/211 : ( وقالت المعتزلة إن الله استوى على العرش بمعنى استولى ، وقال بعض الناس : الإستواء القعود والتمكن ) ، انتهى .
  فتراه يعني ببعض الناس : أكثر الأشعرية والحنابلة ، ولكن لماذا لم يصرح بهم ؟ !
  * مقالات الإسلاميين للأشعري : 1/213 : ( واختلفوا في رؤية الباري بالأبصار ... فقال قائلون : يجوز أن نرى الله بالأبصار في الدنيا ، ولسنا ننكر أن يكون بعض من نلقاه في الطرقات ... ) ، انتهى .
  وهو يعنى بقوله : فقال قائلون : المجسمة من الأشعرية والحنابلة والحشوية ! ! ولكن لماذا لم يصرح بهم ؟ !

الوهابية والتوحيد _ 193 _

  * مقالات الإسلاميين للأشعري : 1/211 : ( واختلف الناس في حملة العرش ما الذي تحمل ؟ فقال قائلون : الحملة تحمل الباري ، وإنه إذا غضب ثقل على كواهلهم وإذا رضي خف ... وقال بعضهم : الحملة ثمانية أملاك ، وقال بعضهم : ثمانية أصناف ) انتهى .
  فقد أخفى الأشعري هوية القائلين بهذه المقولات ، لأنهم هو وجماعته من ( أهل السنة والجماعة ) الذين يصححون حديث الأوعال وأمثاله ، وهذا دأبه عندما لا يستطيع أن ينسب المقولات المستهجنة إلى الشيعة أو المعتزلة ، فهو يتستر على قائليها ، ستر الله عليه !
  هذا ، وللحنابلة والأشعرية أقوال سقيمة في حملة العرش تجدها في تفسير قوله تعالى : الرحمن على العرش استوى ، وقد وصلوا فيها إلى تقليد اليهود والوثنيين فقالوا إن حملة العرش حيوانات ... أهلية ، وبرية ! ورووها بروايات موثقة بزعمهم !
  وقد قدمنا طرفاً منها في فصل معبود الوهابيين .

الوهابية والتوحيد _ 194 _

  * وقال الأشعري في مقالات الإسلاميين : 1/214 : ( وأجاز عليه ( تعالى ) بعضهم الحلول في الأجسام ، وأصحاب الحلول إذا رأوا إنساناً يستحسنونه لم يدروا لعل إلههم فيه ... وأجاز كثير ممن أجاز رؤيته في الدنيا مصافحته وملامسته ومزاورته إياهم ، وقالوا : إن المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا أرادوا ذلك ... وامتنع كثير من القول إنه يرى في الدنيا ... وقالوا إنه يرى في الآخرة ) ، انتهى .
  وأصحاب الحلول والذين ادعوا إمكان معانقة الله تعالى هم : الحشوية وبعض الحنابلة وبعض الأشعرية ، والممتنعون هم بعض الأشاعرة وقليل من الحنابلة ، والمخالفون لذلك هم بقية المسلمين ... فلماذا لم يسمهم ؟ ! !
  * وقال الشهرستاني في الملل والنحل بهامش الفصل مجلد 1 جزء 1 ص 141 : ( وروى المشبهة عن النبي ( ص ) أنه قال : لقيني ربي فصافحني ... ووضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله ) ، انتهى .
  وهو يقصد الحديث الموجود في مصادر إخواننا السنيين الذي صحح روايته مجسمة الحنابلة وابن تيمية وغيرهم من المشبهة ! وقد استنكر هذا الحديث الأئمة من أهل البيت (ع) وشيعتهم .

الوهابية والتوحيد _ 195 _

  * وقال الأشعري في مقالات الإسلاميين : 1/210 : ( باب اختلافهم في الباري هل هو في مكان دون مكان أم لا في مكان ... وقال هشام بن الحكم إن ربه في مكان دون مكان ، وإن مكانه هو العرش وإنه مماس للعرش وإن العرش قد حواه وحده ... وقال بعض من ينتحل الحديث إن العرش لم يمتلئ به وإنه يقعد نبيه ( ع ) معه على العرش ... ) انتهى .
  وحديث أطيط العرش وأزيزه وصريره ، والأربع أصابع الإضافية من العرش أو من الله تعالى ، قد صحت روايته عندهم عن الخليفة عمر وابنه عبد الله ، وغيرهما ، وما نسبه الأشعري إلى هشام الشيعي هو مذهب المجسمة المخالفين لأهل البيت (ع) ، وهو في عصرنا مذهب الحشوية ، والوهابيين ، ومن انضم إليهم من متطرفي الأشاعرة ، والامعات الرياليين .
  * وقال الأشعري في مقالات الإسلاميين : 1/211 : ( وقال أهل السنة وأصحاب الحديث ليس بجسم ولا يشبه الأشياء ، وإنه على العرش استوى بلا كيف وإنه نور ... وإن له وجهاً ... وإن له يدين ... وإنه يجئ يوم القيامة ، وإنه ينزل إلى السماء الدنيا ) انتهى .
  هنا ذكر الأشعري أهل السنة وسماهم باسمهم لأنه نسب إليهم التنزيه ونفى عنهم التشبيه .
  أما عندما يذكر تشبيههم وتجسيمهم فيذكرهم باسم : قائلون ، أو : بعضهم .
  ولكن مجسمة الحنابلة لا يقبلون نفي الجسم عن الله تعالى ، كما تقدم في كلام ابن باز ، ولا نفي الشبيه كما تقدم من ابن تيمية ! ويدعون أنهم هم أهل السنة ، وأن كل السلف على رأيهم !

الوهابية والتوحيد _ 196 _

من أمثلة تخليط كتب الملل و نسبها الكاذبة

  * وقال في الملل والنحل بهامش الفصل مجلد 1 جزء 2 ص 23 : ( وافق محمد بن النعمان هشام بن الحكم في أن الله تعالى لا يعلم شيئاً حتى يكون ، والتقدير عنده الإرادة والإرادة فعله تعالى ، وقال إن الله تعالى نور على صورة إنسان ويأبى أن يكون جسماً لكنه قال : قد ورد في الخبر أن الله خلق آدم على صورته وعلى صورة الرحمن ، فلا بد من تصديق الخبر ... ويحكى عن مقاتل بن سليمان مثل مقالته في الصورة ، ويحكى عن داود الجواربي ونعيم بن حماد المصري وغيرهما من أصحاب الحديث أنه تعالى ذو صورة وأعضاء ... ).

الوهابية والتوحيد _ 197 _

  * وفي الملل والنحل بهامش الفصل مجلد 1 جزء 1 ص 139 : ( إن جماعة من الشيعة الغالية وجماعة من أصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه مثل الهشاميين من الشيعة ومثل كهمس وأحمد الهجيمي وغيرهم من أهل الشيعة قالوا : معبودهم صورة ذات أعضاء وأبعاض إما روحانية أو جسمانية ، يجوز عليه الإنتقال والنزول ) انتهى .
  ومقاتل بن سليمان ناصبي مجسم توفي حدود سنة 150 ، قال ابن حبان في المجروحين : 3/14 : ( مقاتل بن سليمان الخراساني ، مولى الأزد أصله من بلخ ... كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم وكان شبهياً يشبه الرب بالمخلوقين وكان يكذب مع ذلك في الحديث ) انتهى .

الوهابية والتوحيد _ 198 _

  ومع أن القول بالتجسيم معروف مشهور عن مقاتل ، فقد نسبه صاحب الملل إليه بلفظ ( ويحكى ) بينما نسبه إلى جماعة من الشيعة على نحو الجزم ! ومحمد بن النعمان الذي نسب إليه القول بالتجسيم هو عالم الشيعة ومرجعهم في زمانه ، المعروف بالشيخ المفيد ، من أولاد سعيد بن جبير ، وأستاذ الشريفين الرضي والمرتضى ، توفي سنة 413 هجرية ، ومؤلفاته في العقائد والفقه والسيرة كثيرة ومشهورة من عصر صاحب الملل ، ولكنه لم ينقل التهمة منها ! لأنه لا يوجد فيها ما افتراه على المفيد !
  وهشام بن الحكم من تلاميذ الإمام الصادق (ع) ، متكلم قدير مناظر عن التوحيد والنبوة ومذهب التشيع ، ورواياته ومناظراته مدونة في مصادر الشيعة وغيرهم ، توفي حدود سنة 200 هجرية ، ومخالفته للمشبهين والمجسمين أمر بديهي في مذهبه ، وقيل إن أول من افترى عليه القول بالتجسيم هو الجاحظ ، كما سيأتي .
  فانظر إلى تقرير صاحب الملل والنحل كيف لم يسند ادعاءاته ، وكيف خلط عباساً بدباس ، وجعل كهمس والجهيمي من أهل الشيعة ، وجعل الشيعي يأخذ عقائده من الناصبي ! وجعل حديث ( على صورته ) أي على صورة الله تعالى حديثاً مقبولاً عند الشيعة ، وزعم أنهم يقولون بالتجسيم بسبب صحة هذا الحديث عندهم ، مع أن أئمة الشيعة (ع) حذروا من أمثال هذا الحديث وبينوا أنه محرف !

الوهابية والتوحيد _ 199 _

تقسيمهم الشيعة إلى فرق لا وجود لها

  * مقالات الإسلاميين للأشعري : 1/31 : ( واختلفت الروافض أصحاب الإمامة في التجسيم وهم ست فرق : الفرقة الأولى الهشامية ... يزعمون أن معبودهم جسم ... وزعموا أنه نور ساطع ... وأنه قد كان لا في مكان ، ثم حدث المكان بأن تحرك الباري فحدث المكان بحركته ) انتهى .
  أقول : لا وجود لمثل هؤلاء في عصرنا ، ولا سمعنا بهم في تاريخ الشيعة ، ولا وجدنا لهم ذكراً في مصدر موثوق ، ولكن مؤلفي كتب الملل يرمون الشيعة بتهم عظيمة ولا يذكرون لها مستنداً .
  ثم قال الأشعري : ( والفرقة الثانية من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام وإنما يذهبون في قولهم إنه جسم إلى أنه موجود ، ولا يثبتون الباري ذا أجزاء مؤتلفة وأبعاض ... ) انتهى .
  أقول : هذه هي عقيدة الشيعة الإمامية من عهد علي (ع) إلى عصرنا ، ولكنا لا نقول إنه تعالى جسم ، بل نقول شئ لا كالأشياء ، لنخرج بذلك عن الحدين : حد التعطيل وحد التشبيه ، فإذا عبر أحد من الشيعة بأن الله تعالى جسم لا كالأجسام ، فهو تعبير غلط ، وإذا كان مقصوده ما ذكرناه فمعناه صحيح .

الوهابية والتوحيد _ 200 _

  ثم قال الأشعري : ( والفرقة الثالثة من الرافضة يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان ويمنعون كونه جسماً ، والفرقة الرابعة من الرافضة : الهشامية ... يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان وينكرون أن يكون لحماً ودماً ويقولون إنه نور ساطع ... وإنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان ) انتهى .
  أقول : لا وجود لمثل هؤلاء في عصرنا ، ولا في مصدر تاريخي موثوق ، ولكنها تقارير مفتريات مؤلفي كتب الملل ، أو من ألف هذه الكتب من أتباع الدولة ونسبها إليهم ، ثم قال الأشعري : ( والفرقة الخامسة من الرافضة : يزعمون أن رب العالمين ضياء خالص ونور بحت ... وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان ) انتهى .
  أقول : إن كان يقصد النور المادي فلا وجود لمثل هؤلاء في عصرنا ولم نره في مصدر تاريخي موثوق ، وإن كان يقصد نور السماوات والأرض الذي ليس كمثله نور ، فهذا نص القرآن الكريم الذي يؤمن به كل المسلمين .

الوهابية والتوحيد _ 201 _

  ثم قال : ( والفرقة السادسة من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بجسم ولا بصورة ولا يشبه الأشياء ... وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج ) انتهى .
  وقوله هذا تكرار لمقولة الفرقة الثانية حسب تقسيمه ، ولكن مؤلفي الملل كمراسلي الصحف يريدون تطويل تقاريرهم ، بزيادة فرق وجماعات لا وجود لها ، أو بتكرار كلامهم ! ثم إن الجميع يعرفون أن الشيعة قبل الخوارج والمعتزلة ، فكيف يقول المذهب المتقدم بقول المتأخر ؟ !
  * مقالات الإسلاميين للأشعري : 1/35 : ( واختلف الرافضة في حملة العرش ... وهم فرقتان فرقة يقال لهم اليونسية أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمي مولى آل يقطين ، يزعمون أن الحملة يحملون الباري ... وقالت فرقة أخرى إن الحملة تحمل العرش والباري يستحيل أن يكون محمولاً ) انتهى .

الوهابية والتوحيد _ 202 _

  ونرجو توجيه هذا السؤال إلى المفتي ابن باز الذي يقول بأن حملة العرش يحملون ذات الله تعالى ، فهل هو شيعي ونحن لا نعلم !
  * مقالات الإسلاميين للأشعري : 1/59 : ( واختلفت الروافض في الجسم ... وزعموا أن معنى الجسم الطويل العريض العميق أنه شئ موجود وأن الباري لما كان شيئاً موجوداً كان جسماً ... والفرقة الثانية منهم يزعمون أن حقيقة الجسم أنه مؤلف مركب مجتمع ، وأن الباري عز وجل لما لم يكن مؤتلفاً مجتمعاً لم يكن جسماً ... ) .
  * المواعظ والاعتبار للمقريزي : 2/348 : ( والجولقية أتباع هشام بن سالم الجولقي ، وهو من الرافضة أيضاً ، ومن شنيع قوله إن الله تعالى على صورة الإنسان ، نصفه الأعلى مجوف ونصفه الأسفل مصمت ) انتهى .
  أقول : من الواضح لمن راجع مصادر الشيعة أنه لا وجود لهذه الفرق ولا هذه المقولات بل هي مقولات مخالفيهم ، وأن أهل البيت (ع) وعلماء مذهبهم قادوا حملة ضد التجسيم والتشبيه ، وأن تهمة خصومهم لهم بذلك من باب المثل القائل : رمتني بدائها وانسلت ! فقد اشتهر التجسيم في النواصب الذين خالفوا أهل البيت (ع) حتى أنه يمكن للباحث المتتبع أن يقول : إذا وجدت ناصبياً فهو مجسم إلا من شذ ، وإذا وجدت موالياً لأهل بيت النبي (ص) فهو منزه إلا من شذ .

الوهابية والتوحيد _ 203 _

  وخلاصة القول : أنه يوجد إشكالان كبيران لا جواب لهما عند مؤلفي كتب الملل والنحل ...
  الأول : أنهم لم يذكروا المصادر التي أخذوا منها العقائد والمقولات التي نسبوها إلى الفرق والمذاهب بأسمائهاوإلى الأشخاص بأسمائهم ؟!
  والثاني : أنهم استعملوا سياسة التشهير بخصوم الدولة فنسبوا العقائد المستغربة والمستهجنة إلى المعارضة ووزعوها عليهم بأسمائهم ، بينما أبهموا أسماء القائلين ولم يسموهم عندما يكونون من أتباع الدولة أو من علماء مذهبهم !
  وكفى بذلك نقصاً علمياً يسقطها عن الإعتبار والإستدلال في البحث !

الوهابية والتوحيد _ 204 _

وقلد الغربيون كتب الملل وقلد الدكاترة الغربيين

  * تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم : 2/158 : ( الشيعة انقسمت حسب اعتقادها إلى ثلاثة أقسام : غالية ورافضة وزيدية ، والشيعة الغالية هم الذين غلواً في علي وقالوا فيه قولاً عظيماً ... والشيعة الرافضة هم الذين قالوا إن الله قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء ) .
  * تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم : 1/424 : ( الرافضة قالوا إن الله له قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء ... هشام بن الحكم وهشام بن سالم وشيطان الطاق من معتقدي الرافضة ) .

الوهابية والتوحيد _ 205 _


  * تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم : 1/422 : ( استطاع فقهاء لشيعة وعلماء التوحيد منهم أن يستفيدوا من أفكار المعتزلة ويستخدمونها لدعم عقائدهم ومذاهبهم الخاصة ، وهذا يدل أن الشيعة آثروا أن يسموا أنفسهم أهل العدل وهو نفس التسمية التي تسمى بها المعتزلة ) انتهى .
  وقد غفل هذا المؤرخ عن أن الشيعة أقدم من المعتزلة في الوجود بأكثر من قرن من الزمان ، وأقدم منهم في القول بتنزيه الله تعالى وحرية الإنسان ومسؤليته ودور العقل ... فيستحيل أن يأخذ الشيعة من أفكار المعتزلة ... بل العكس هو الصحيح !

الوهابية والتوحيد _ 206 _


الفخر الرازي يرد بعض ادعاءات كتب الملل

  * قال في لمطالب العالية مجلد 1 جزء 1 ص 10 : ( الفلاسفة اتفقوا على إثبات موجودات ليست بمتحيزة ولا حالة في المتحيز مثل العقول والنفوس والهيولي ... إن جمعاً من أكابر المسلمين اختاروا هذا المذهب مثل معمر بن عباد من المعتزلة ومحمد بن النعمان من الرافضة ) انتهى .
  أقول : فأين التشبيه والتجسيم الذي نسبه مؤلفو كتب الملل والغربيون والوهابيون إلى المفيد محمد بن النعمان ، الذي رفض التحيز الحسي لبعض المخلوقات ، فكيف يقبله للخالق تعالى .

الوهابية والتوحيد _ 207 _


  والشيخ الغزالي حلل دوافعهم إلى الكذب
  * قال في كتابه ( دفاع عن العقيدة والشريعة ) صفحة 253 : ( ومن هؤلاء الأفاكين من روج أن الشيعة أتباع علي وأن السنيين أتباع محمد ، وأن الشيعة يرون علياً أحق بالرسالة ، أو أنها أخطأته إلى غيره ، وهذا لغو قبيح وتزوير شائن ، وأضاف : الواقع أن الذين يرغبون في تقسيم الأمة طوائف متعادية لما لم يجدوا لهذا التقسيم سبباً معقولاً لجؤوا إلى افتعال أسباب الفرقة ، فاتسع لهم ميدان الكذب حين ضاق أمامهم ميدان الصدق ) انتهى .
  وقد فكرت في هذه التهمة للشيعة التي نشرها خصومهم في كل البلاد الإسلامية ، فلم أجد لها سبباً إلا أنهم رأوا تكبير الشيعة بعد صلاتهم ففسروه على هواهم ... فالشيعة يعتقدون أن أفضل التعقيب والذكر بعد الصلاة أن يكبر المسلم ربه ثلاثاً ، ثم يسبح التسبيح الذي علمه النبي (ص) لفاطمة الزهراء ، والذي يحدث عادة أن الشيعي يكبر بعد صلاته ولا يرفع يديه جيداً ، فيظهر كأنه يضرب على ركبتيه ثلاثاً كالمتأسف على شئ ...
  وهنا تأتي عبقرية خصوم الشيعة ( وتقواهم ) فيقولون إن الشيعة بعد صلاتهم يتأسفون لأن النبوة لم تعط لعلي ويقولون (خان الأمين) والعياذ بالله ! يقولون هذا البهتان ويصرون على إلصاقه بنا وهم يرون أن الشيعة أكثر الفرق الإسلامية تعظيماً لرسول الله (ص) وأن من عقائدنا أنه خاتم الأنبياء وأن جبرئيل (ع) معصوم ، ويرون إنا نروي في مصادرنا أن علياًّ (ع) قال لشخص غلا فيه ( ويحك إنما أنا عبد من عبيد محمد (ص) ) وقال ( كنا إذا حمي الوطيس لذنا برسول الله (ص) ) .

الوهابية والتوحيد _ 208 _


  وكفانا شيخ الأزهر الرد عليهم
  * فتوى صدرت بتاريخ 17 ربيع الأول سنة 1378 عن مكتب شيخ الجامع الأزهر : ( قيل لفضيلته : إن بعض الناس يرى أنه يجب على المسلم لكي تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح أن يقلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية ولا الشيعة الزيدية ، فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأي على إطلاقه ، فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مثلاً ؟ فأجاب فضيلته :
  1 ـ إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتباع مذهب معين ، بل نقول إن لكل مسلم الحق أن يقلد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة ، ولمن قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره ، أي مذهب كان ، ولا حرج عليه في شئ من ذلك .
  2 ـ إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة ، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك ، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة ، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب ، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى ، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والإجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه في فقههم ، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات ، محمود شلتوت ثم أكد فتواه مفتي مصر

الوهابية والتوحيد _ 209 _

  نص السؤال :
بسم الله الرحمن الرحيم

  فضيلة الأستاذ الدكتور فريد واصل نصر مفتي الديار المصرية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نرجو من سماحتكم أن تعطونا رأيكم الشريف في اقتداء أصحاب المذاهب بمن يتقلد بمذهب أهل البيت (ع) من الشيعة الإمامية الإثنا عشرية ، هل يصح ذلك أم لا ؟
  16 شوال المكرم 1421 هـ

الوهابية والتوحيد _ 210 _


  نص الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم

  كل مسلم يؤمن بالله ، ويشهد ألاّ إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ولا ينكر معلوماً من الدين بالضرورة ، وهو عالم بأركان الإسلام ، والصلاة وشروطها ، وهي متوفرة فيه فتصح إمامته لغيره وإمامة غيره له ، إذا توفرت فيه تلك الشروط ولو اختلف مذهبهما الفقهي وشيعة أهل البيت من نحلهم ، ونتشيّع معهم لله ، ولرسوله ، وأهل بيته ، وصحابته جميعاً ، ولا خلاف بيننا وبينهم في أصول الشريعة الإسلامية ، ولا فيما هو معلوم بالضرورة ، وقد صلًّينا خلفهم وصلُّوا خلفنا في طهران وفي قم في الأيام التي شرفنا الله بهم في دولة إيران الإسلامية ، وندعو الله أن يحقق وحدة الأمة الإسلامية ويرفع عنهم أيّ شقاق أو نزاع أو خلاف قد حلَّ بهم في بعض مسائل الفروع الفقهية المذهبية ، والله المؤيد والهادي إلى سواء السبيل .
  16 شوال 1421 هـ
  دكتور فريد نصر واصل ـ مفتي الديار المصرية 1 ـ 12 ـ 2001 م

الوهابية والتوحيد _ 211 _


  وكفانا السيوطي الرد على رواياتهم
  * قال في الدر المنثور : 6/379 في تفسير قوله تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية : ( وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل علي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ، ونزلت : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ، فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل علي قالوا : جاء خير البرية .
  وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعاً : علي خير البرية .
  وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزلت : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين .

الوهابية والتوحيد _ 212 _


  وأخرج ابن مردويه عن علي قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألم تسمع قول الله إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ، أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب ، تدعون غراًّ محجلين ) انتهى .
  أقول : ولا مجال لبحث أسانيد هذه الأحاديث وأمثالها ، ونكتفي بالإشارة إلى أن علماء الحديث شهدوا أنه لم يصدر من النبي (ص) من الحديث والمديح في حق أحد من الصحابة ما صدر في حق علي (ع) ، وفي كتاب النسائي صاحب الصحيح ( خصائص علي ابن أبي طالب ) كفاية .

الوهابية والتوحيد _ 213 _


  وإن من عجائب التاريخ أن أحداً من الصحابة لم يتعرض لحملات التعتيم على مكانته وفضائله عشر معشار ما تعرض له علي (ع) ، حتى أن دولة النواصب جعلت لعن علي (ع) وشتمه فرضاً واجباً في صلاة الجمعة في جميع بلاد المسلمين نحو سبعين سنة ... ومع ذلك بقيت في مصادر إخواننا السنة أمثال هذه الأحاديث العظيمة في فضله وفضل شيعته !
  لقد صدق من قال : ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً ، وأخفاها أولياؤه خوفاً ، وظهر بين ذين وذين ما ملأ الخافقين .
  وصدق من قال : ماذا نصنع لعلي بن أبي طالب ! إن أحببناه خسرنا دنيانا ، وإن أبغضناه خسرنا آخرتنا !