اقتديا بالامام الذي صلّى عليهما ، أي صلّيا خلفه .
لكنّ المروي حضور أُمّ كلثوم في واقعة الطفّ وأنّها خطبت ، وخطبتها موجودة في كتاب بلاغات النساء لابن طيفور وغيره .
ولذا نرى أنّهم عندما ينقلون هذا الخبر في الكتب المعتبرة ـ كصحيح النسائي مثلاً ، أو صحيح أبي داود مثلاً ـ يقول أبو داود : إنّ الجنازة كانت جنازة أُمّ كلثوم وولدها شيّعا معاً .
لكنْ أي أم كلثوم ؟ غير معلوم ، وابنها مَن ؟ غير معلوم ، لا يذكر شيئاً .
وإذا راجعتم النسائي فبنفس السند ينقل عن الراوي : حضرت جنازة صبي وامرأة فقدّم الصبي ممّا يلي الامام إلى آخره .
فمن المرأة ؟ غير معلوم ، ومن الصبي ؟ غير معلوم ، وهل بينهما نسبة ؟ غير معلوم .
النقطة الثامنة :
إنّهم يذكرون تزوّجها بعد عمر بن الخطّاب بأبناء عمّها جعفر ابن أبي طالب ، ولم أتعرّض لما ذكروا في تزوّجها بعد عمر ، لكثرة الاضطرابات الموجودة فيما ذكروا ، ولانّه إلى حدٍّ ما خارج عن البحث .
تزويج أم كلثوم من عمر _ 27 _
وبما ذكرنا ظهر أنّ جميع أسانيد الخبر ساقطة ، متون الخبر متعارضة متكاذبة، لا يمكن الجمع بينها بنحو من الانحاء ، وأمّا : أرسلها علي إلى عمر في المسجد ، أخذ عمر بساقها ، ضمّها إلى نفسه ، وأمثال ذلك ، فكلّ هذه الاُمور لا يمكن أن يصدّق بها عاقل .
هذا فيما يتعلّق بروايات السنّة باختصار .
تزويج أم كلثوم من عمر _ 28 _
وأمّا رواياتنا حول هذا الموضوع ، روايات أصحابنا حول هذا الموضوع تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الاول:
يشتمل على ما لا نصدّق به ، أو لا يصدّق به كثير من الناس ، وذلك أنّ المرأة التي تزوّج بها عمر كانت من الجنّ ، أي : ولمّا خطب عمر أُمّ كلثوم ، الله سبحانه وتعالى أرسل جنّيّة وسلّمت إلى عمر ، وكذا ، هذه الاشياء لا يصدّق بها كثير من الناس على الاقل ، إذن لا نتعرض لهذه الاخبار .
القسم الثاني :
ما روي في هذا الباب من طرقنا ، إلاّ أنّه ضعيف سنداً ولا نعتبره .
القسم الثالث :
ما هو صحيح سنداً ، وأنقل لكم ما عثرت عليه وهو صحيح
تزويج أم كلثوم من عمر _ 29 _
سنداً ، فقط من كتب أصحابنا .
الرواية الاُولى:
عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) : لمّا خطب عمر قال له أمير المؤمنين : إنّها صبيّة ، قال : فلقي العباس فقال له : مالي ؟ أبي بأس ؟ قال : ما ذاك ؟ قال : خطبت إلى ابن أخيك فردّني ، أما والله لاعورنّ زمزم ولا أدع لكم مكرمة إلاّ هدمتها ، ولاُقيمنَّ عليه شاهدين بأنّه سرق ولاقطعنّ يمينه ، فأتاه العباس فأخبره ، وسأله أن يجعل الامر إليه فجعله إليه ، فزوّجها العباس .
زوّجها العباس بعد هذه المقدّمات ، أمّا في كتب القوم ، فالتهديد كان موجوداً ، الالحاح والمعاودة والتردد على علي ، كلّ هذا كان موجوداً ، إلاّ أنّ هذه القطعة نجدها في روايتنا عن الصادق ( عليه السلام ) .
هذه الرواية في كتاب الكافي، كتاب النكاح (1) .
رواية أُخرى :
عن سليمان بن خالد ، سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن امرأة توفي
---------------------------
(1) الكافي 5/346 .
تزويج أم كلثوم من عمر _ 30 _
زوجها أين تعتد ؟
مسألة شرعية ، المرأة زوجها يتوفّى ، يموت ، فزوجته أين تعتد عدّة الوفاة ، في بيت زوجها تعتد ، أو حيث شاءت ؟
قال ( عليه السلام ) : بلى حيث شاءت ، ثمّ قال : إنّ عليّاً ( عليه السلام ) لمّا مات عمر أتى أُمّ كلثوم فأخذ بيدها ، فانطلق بها إلى بيته .
لمّا مات عمر جاء علي إلى باب داره ، وأخذ بيد ابنته وانطلق بها إلى بيته .
هذا في كتاب الطلاق من الكافي (1) .
رواية أُخرى :
وهي الصحيحة الثالثة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) : في تزويج أُمّ كلثوم فقال : إنّ ذلك فرج غصب منّا ، إنّ ذلك فرج غصبناه .
هذا أيضاً في كتاب النكاح (2) .
وتلخّص : إنّه كان هناك تهديد من الرجل ، بأيّ شكل من الاشكال ، في روايتنا التهديد بالسرقة ، في رواياتهم ما كان تهديد بالسرقة لكن التهديد كان موجوداً ، وأعطيتكم المصادر فراجعوا .
إذن التهديد كان ، وأمير المؤمنين فوّض الامر إلى العباس ، ولم يوافق أوّلاً، إعتذر بأنّها صغيرة ، إعتذر بأنّها صبيّة ، إعتذر بأشياء أُخرى ، ولم يفد اعتذاره ، وإلى أنْ هدّد ، وفوّض علي ( عليه السلام ) الامر إلى العباس ، فزوّجها العباس ، وذلك فرج غصب منّا، إلاّ أن الرواية تقول بأنّه لمّا مات جاء علي وأخذ بيدها وانطلق بها إلى بيته ، يظهر أنّها قد انتقلت إلى دار عمر ، لكنّها بعد وفاته أخذ عليّ بيدها ، أي شيء يستفاد منه ، أخذ بيدها وانطلق بها إلى بيته ، هذا ما تدلّ عليه رواياتنا المعتبرة ، لا أكثر .
أمّا أنّه دخل بها ، كان له منها ولد أو أولاد، لا يوجد عندنا في الادلّة المعتبرة .
وأيضاً : اشتركت رواياتنا ورواياتهم في التهديد ، وفي اعتذار علي ، وفي أنّ عليّاً أوكل الامر إلى العباس ، وأنّ علياً كان مكرهاً في هذا الامر ، وإذا كان علي ( عليه السلام ) يُهدّد ويسكت في مثل هذه القضية ، فلاحظوا كيف كان التهديد فيما يتعلّق بأمر الخلافة حتّى سكت علي ؟!
أمّا أنّها زيّنت، أُرسلت إلى عمر ، أرسلت إلى كذا وكذا ، هذا غير موجود في رواياتنا أبداً ، ومعاذ الله أن يتفوّه أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) بمثل هذه الاُمور بالنسبة إلى ابنة أمير المؤمنين سلام الله عليه .
وتلخّص : أنّي لو سئلت عن هذه القضية أقول : إنّ هذه القضية تتلخّص في خطوط : خطب عمر أُمّ كلثوم من علي ، هدّده واعتذر علي ، هدّده مرّة أُخرى ، وجعل يعاود ويكرّر ، إلى أن أوكل علي الامر إلى العباس ، وكان فرج غصب من أهل البيت ، فالعقد وقع ، والبنت انتقلت إلى دار عمر ، وبعد موته أخذها علي ، أخذ بيدها وأخذها إلى داره .
ليس في هذه الروايات أكثر من هذا ، وهذا هو القدر المشترك بين رواياتنا وروايات غيرنا .
أمّا مسألة الدخول ، مسألة الولد والاولاد، وغير ذلك ، فهذا كلّه لا دليل عليه أبداً .
وقد التفت علماء الفريقين إلى هذا الاستنتاج ، وأذكر لكم كلمة من عالم شيعي ، وكلمة من عالم من أهل السنة .
تزويج أم كلثوم من عمر _ 33 _
يقول النوبختي في كتاب له في الامامة ، النوبختي من قدماء أصحابنا له كتاب في الامامة يقول هناك : إنّ أُمّ كلثوم كانت صغيرة ، ومات عمر قبل أن يدخل بها .
وهذا ما نقله المجلسي في كتاب البحار عن كتاب الامامة للنوبختي (1) .
ويقول الزرقاني المالكي المتوفى سنة 1122 يقول : وأُمّ كلثوم زوجة عمر بن الخطّاب مات عنها قبل بلوغها .
هذا في شرح المواهب اللدنيّة (2) .
فلاحظوا كم كذبوا وكم افتروا وكم وضعوا في هذا الخبر ؟ وكم زادوا في القضية ؟ وليست القضية إلاّ خطبة وتهديداً واعتذاراً من علي ، ثمّ إلحاحاً وتهديداً من عمر ، ثمّ إيكال الامر إلى العباس ، ووقوع العقد ، وانتقال البنت إلى دار عمر ، ولا أكثر من هذا .
ولو أردت أن أذكر لكم نصوص ما جاء في كتبهم ، وخاصة في كتاب الذرية الطاهرة ، وفي كتاب الاصابة ، والاستيعاب ، وأُسد الغابة ، لو ذكرت لكم كلّ نصوص رواياتهم في هذه المسألة لطال بنا المجلس وانتهى إلى ليلة أُخرى أيضاً ، لكنّي لم أقرأ كلّ النصوص ،
وإنّما ذكرت لكم النقاط المهمّة في تلك المتون بعد النظر في أسانيد تلك الاخبار .
وهنا فائدة ، هذه الفائدة توضّح لنا جانباً من الامر كما أشرت من قبل :
كان عمر يقصد من هذا أنْ يغطّي على القضايا السابقة ، وهذا ما دعاه إلى الخطبة وإلى التهديد وإلى الارعاب وإلى وإلى، وحتّى وفّق على أثر التهديدات ، وحتّى أنّه في بعض كلماته كما في روايات أهل السنة يصرّح : والله إنّي لا أُريد الباه ، وإنّما أُريد أن يكون لي نسب بفاطمة .
هذا موجود في مصادرهم .
كلّ ذلك إسكاتا للناس ، تغطيةً للقضية، ولئلاّ تنقل القضايا الاُخرى ، ولهذا المعنى الذي نستنتجه من هذا الخبر شاهد تاريخي أقرؤه لكم :
يقول الشافعي محمّد بن إدريس ـ الامام الشافعي المعروف ـ يقول : لمّا تزوّج الحجّاج بن يوسف ـ هذا الثقفي ـ ابنة عبدالله بن جعفر ، قال خالد بن يزيد بن معاوية لعبدالملك بن مروان قال : أتركت الحجاج يتزوج ابنة عبدالله بن جعفر ؟ قال : نعم ، وما بأس في ذلك ؟ قال: أشدّ البأس والله، قال : وكيف ؟ قال : والله يا أمير
تزويج أم كلثوم من عمر _ 35 _
المؤمنين ، لقد ذهب ما في صدري على الزبير منذ تزوّجت رملة بنت الزبير ، قال : فكأنّه كان نائماً فأيقظته ، قال : فكتب إليه يعزم عليه في طلاقها ، فطلّقها (1) .
فماذا تستفيدون من هذا الخبر ؟ إنّ هكذا مصاهرات لها تأثيراتها ، فالبنت مثلاً تمرض في بيت زوجها ، ولابدّ وأن يأتي أبوها ، لابدّ وأن يمرّ عليها إخوتها ، ولابد وأن يكون هناك ارتباطات واتّصالات ، المصاهرات دائماً لها هذه التأثيرات الاجتماعيّة ، وهم ملتفتون إلى هذا .
يقول : لمّا تزوّجت ابنة الزبير ذهب ما في صدري على الزبير ، ولو تزوّج الحجاج ابنة عبدالله بن جعفر ذهب ما بقلب الحجاج من البغض بالنسبة إلى بني هاشم وآل أبي طالب .
فلابدّ وأن يكتب عبدالملك بن مروان إلى الحجاج بسرعة ليطلّقها ، وأن ينقطع هذا الارتباط والاتصال ، ولا ينفتح باب للمراودة بين العشيرتين .
وهذا ما كان يقصده عمر بن الخطاب من خطبته بنت أمير المؤمنين ، بعد أنْ فعل ما فعل ، وعلي امتنع من أن يزوّجه ، إلى أن
---------------------------
(1) مختصر تاريخ دمشق 6 / 205 .
تزويج أم كلثوم من عمر _ 36 _
هدّده واضطرّ الامام إلى السكوت ، وإيكال الامر إلى العباس ، وحصل الامر بهذا المقدار ، وهو وقوع العقد فقط ، ولم يكن أكثر من ذلك ، ولذلك بمجرّد أنْ مات عمر جاء علي ( عليه السلام ) وأخذ بيدها وأرجعها إلى بيته .
فلا يستفيدنّ أحد من هذه القضيّة شيئاً من أجل أنْ يغطّي على ما كان ، وأن يجعل هذه القضيّة وسيلة للتشكيك أو لتضعيف ما كان ، وإنّما هذه القضيّة كانت بهذا المقدار ، وعلى أثر التهديد واضطرار أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ومن هنا نفهم كيف اضطرّ الامام إلى السكوت عن أمر الخلافة والولاية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وذلك ممّا كان .
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين .