الفصل الاول
في تعيين النبي صلى الله عليه وآله وسلم
المراد من « القربى »

  إنه إذا كنا تبعا للكتاب والسنة ، ونريد ـ حقا ـ الأخذ ـ اعتقادا وعملا ـ بما جاء في كلام الله العزيز وأتى به الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ... كان الواجب علينا الرجوع إلى النبي نفسه وتحكيمه في كل ما شجر بيننا واختلفنا فيه ، كما أمر سبحانه وتعالى بذلك حيث قال : ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) (1).
   لقد وقع الاختلاف في معنى قوله تعالى : ( اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ... ) (2)... لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبق وأن بيّن المعنى وأوضح المراد من « القربى » في أخبار طرفي الخلاف كليهما ، فلماذا لا يقبل قوله ويبقى الخلاف على حاله ؟!
   لقد عيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المراد من « القربى » في الآية ، فالمراد أقرباؤه ، وهم عليّ والزهراء وولداهما ... فهؤلاء هم المراد من « القربى » هنا كما كانوا المراد من « أهل البيت » في آية التطهير بتعيين منه

---------------------------
(1) سورة النساء 4 : 65.
(2) سورة الشورى 42 : 23.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 235 _

  كذلك .
   ذكر من رواه من الصحابة والتابعين :
   وقد روى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدة كبيرة من الصحابة وأعلام التابعين ، المرجوع إليهم في تفسير آيات الكتاب المبين ، ومنهم :
  1 ـ أمير المؤمنين عليه عليه السلام.
  2 ـ الإمام السبط الأكبر الحسن بن علي عليه السلام.
  3 ـ الإمام السبط الشهيد الحسين بن علي عليه السلام.
  4 ـ الإمام السجاد علي بن الحسين عليه السلام.
  5 ـ الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام.
  6 ـ الإمام الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليه السلام.
  7 ـ عبد الله بن عباس.
  8 ـ عبد الله بن مسعود.
  9 ـ جابر بن عبد الله الأنصاري.
  10 ـ أبو أمامة الباهلي.
  11 ـ أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي.
  12 ـ سعيد بن جبير.
  13 ـ مجاهد بن جبر.
  14 ـ مقسم بن بجرة.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 236 _

  15 ـ زاذان الكندي.
  16 ـ السدي.
  17 ـ فضال بن جبير.
  18 ـ عمرو بن شعيب.
  19 ـ ابن المبارك.
  20 ـ زر بن حبيش.
  21 ـ أبو إسحاق السبيعي.
  22 ـ زيد بن وهب.
  23 ـ عبد الله بن نجي.
  24 ـ عاصم بن ضمرة.
  وممن رواه من أئمة الحديث والتفسير :
  وقد روى نزول الآية المباركة في أهل البيت عليهم السلام ـ هذا الذي أرسله إرسال المسلم إمام الشافعية في شعره المعروف المشهور ، المذكور في الكتب المعتمدة ، كالصواعق المحرقة ـ مشاهير الأئمة في التفسير والحديث وغيرهما في مختلف القرون ، ونحن نذكر أسماء عدة منهم :
  1 ـ سعيد بن منصور ، المتوفى سنة 227.
  2 ـ أحمد بن حنبل ، المتوفى سنة 241.
  3 ـ عبد بن حميد ، المتوفى سنة 249.
  4 ـ محمد بن إسماعيل البخاري ، المتوفى سنة 256.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 237 _

  5 ـ مسلم بن الحجاج النيسابوري ، المتوفى سنة 261.
  6 ـ أحمد بن يحيى البلاذري ، المتوفى سنة 276.
  7 ـ محمد بن عيسى الترمذي ، المتوفى سنة 279.
  8 ـ أبو بكر البزار ، المتوفى 292.
  9 ـ محمد بن سليمان الحضرمي ، المتوفى سنة 297.
  10 ـ محمد بن جرير الطبري ، المتوفى سنة 310.
  11 ـ أبو بشر الدولابي ، المتوفى سنة 310.
  12 ـ أبو بكر ابن المنذر النيسابوري ، المتوفى سنة 318.
  13 ـ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، المتوفى سنة 327.
  14 ـ الهيثم بن كليب الشاشي ، المتوفى سنة 335.
  15 ـ أبو القاسم الطبراني ، المتوفى سنة 360.
  16 ـ أبو الشيخ ابن حبان ، المتوفى سنة 369.
  17 ـ محمد بن إسحاق ابن مندة ، المتوفى سنة 395.
  18 ـ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ، المتوفى سنة 395.
  19 ـ أبو بكر ابن مردويه الأصفهاني ، المتوفى سنة 410.
  20 ـ أبو إسحاق الثعلبي ، المتوفى سنة 427.
  21 ـ أبو نعيم الأصفهاني ، المتوفى سنة 430.
  22 ـ علي بن أحمد الواحدي ، المتوفى سنة 468.
  23 ـ محيي السنة البغوي ، المتوفى سنة 516.
  24 ـ جار الله الزمخشري ، المتوفى سنة 538.
  25 ـ الملا عمر بن محمد بن خضر ، المتوفى سنة 570.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 41 _

  وكتاب المراجعات يحتوي على مبحثين :
   الأول : في إمامة المذهب .
   والثاني : في الإمامة ، وهي الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
   ويشتمل كل منهما على مراجعات ...
   ولا بد قبل الورود فيها من مقدمات :
  إن « التشيع » مذهب كسائر المذاهب ، له أصوله وقواعده في الأصول والفروع ، والشيعة الإمامية الاثنا عشرية غير محتاجة ـ في إثبات حقية ما تذهب إليه ـ إلى روايات الآخرين وأخبارهم ، ولا إلى ما قاله علماء الفرق الأخرى في كتبهم وأسفارهم ... فلا يتوهمن أحد أنهم ـ لاستدلالهم بشيء خارج عن نطاق أدلتهم وحججهم ـ يفقدون في ذلك المورد المستدل عليه الدليل المتقن على رأيهم ، فيلجأون إلى قول من غيرهم ، أو إلى خبر من غير طرقهم ...
   إلا أنهم لما كانوا واقعيين في بحوثهم ، منصفين في مناظراتهم مع أتباع

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 238 _

  26 ـ أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي ، المتوفى سنة 571.
  27 ـ أبو السعادات ابن الأثير الجزري ، المتوفى سنة 606.
  28 ـ الفخر الرازي ، المتوفى سنة 606.
  29 ـ عز الدين ابن الأثير ، المتوفى سنة 630.
  30 ـ محمد بن طلحة الشافعي ، المتوفى سنة 652.
  31 ـ أبو عبد الله الأنصاري القرطبي ، المتوفى سنة 656.
  32 ـ أبو عبد الله الكنجي الشافعي ، المتوفى سنة 658.
  33 ـ القاضي البيضاوي ، المتوفى سنة 685.
  34 ـ محب الدين الطبري الشافعي ، المتوفى سنة 694.
  35 ـ الخطيب الشربيني ، المتوفى سنة 698.
  37 ـ أبو البركات النسفي ، المتوفى سنة 710.
  38 ـ أبو القاسم الجزي ، المتوفى سنة 741.
  39 ـ علاء الدين الخازن ، المتوفى سنة 741.
  40 ـ أبو حيان الأندلسي ، المتوفى سنة 745.
  41 ـ ابن كثير الدمشقي ، المتوفى سنة 774.
  42 ـ أبو بكر نور الدين الهيثمي ، المتوفى سنة 807.
  43 ـ ابن حجر العسقلاني ، المتوفى سنة 852.
  44 ـ نور الدين ابن الصباغ المالكي ، المتوفى سنة 855.
  45 ـ شمس الدين السخاوي ، المتوفى سنة 902.
  46 ـ نور الدين السمهودي ، المتوفى سنة 911.
  47 ـ جلال الدين السيوطي ، المتوفى سنة 911.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 239 _

  48 ـ شهاب الدين القسطلاني ، المتوفى سنة 923.
  49 ـ أبو السعود العمادي ، المتوفى سنة 951.
  50 ـ ابن حجر الهيتمي المكي ، المتوفى سنة 973.
  51 ـ الزرقاني المالكي ، المتوفى سنة 1122.
  52 ـ عبدالله الشبراوي ، المتوفى سنة 1162.
  53 ـ محمد الصبان المصري ، المتوفى سنة 1206.
  54 ـ قاضي القضاة الشوكاني ، المتوفى سنة 1250.
  55 ـ شهاب الدين الآلوسي ، المتوفى سنة 1270.
  56 ـ الصديق حسن خان المتوفى سنة 1307.
  57 ـ محمد مؤمن الشبلنجي ، المتوفى بعد سنة 1308.
  نصوص الحديث في الكتب المعتبرة :
  وهذه ألفاظ من هذا الحديث بأسانيدها كما في الكتب المعتبرة من الصحاح والمسانيد والمعاجم وغيرها :
  أخرج البخاري قائلا : « قوله : ( إلا المودة في القربى ).
   « حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عبدالملك بن ميسرة ، قال : سمعت طاووسا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه سئل عن قوله ( إلا المودة في القربى ) فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم.
   فقال ابن عباس : عجلت ! إن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 240 _

  قرابة ، فقال : إلا أن تصلوا مابيني وبينكم من القرابة » (1).
  وأخرجه مسلم ، كما نص عليه الحاكم والذهبي ، وسيأتي .
  وأخرجه أحمد ، ففي « المسند » : « حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا يحيى ، عن شعبة ، حدثني عبد الملك بن ميسرة ، عن طاووس ، قال أتى ابن عباس رجل فسأله .
   وسليمان بن داود ، قال : أخبرنا شعبة ، أنبأني عبد الملك ، قال : سمعت طاووسا يقول : سأل رجل ابن عباس المعنى عن قوله عز وجل : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) فقال سعيد بن جبير : قرابة محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم .
   قال ابن عباس : عجلت ! إن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لم يكن بطن من قريش إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة فنزلت : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم » (2).
   * وفي ( المناقب ) ما هذا نصه : « وفي ما كتب إلينا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ، يذكر أن حرب بن الحسن الطحان حدثهم ، قال : حدثنا حسين الأشقر ، عن قيس ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وابناها » (3).

---------------------------
(1) صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، المجلد الثالث : 502.
(2) مسند أحمد 1 | 229.
(3) مناقب علي : الحديث 263 ، ورواه غير واحد من الحفاظ قائلين : « أحمد في المناقب » كالمحب الطبري في ذخائر العقبى : 25 ، والسخاوي في استجلاب ارتقاء

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 241 _

  وأخرج الترمذي فقال : « حدثنا بندار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عبدالملك بن ميسرة ، قال : سمع طاووسا قال : سئل ابن عباس عن هذه الآية ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم. فقال ابن عباس : أعجلت ؟! إن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة.
   قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح » (1).
  وأخرج ابن جرير الطبري ، قال :
   [ 1 ] « حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا إسماعيل بن أبان ، قال : ثنا الصباح بن يحيى المري ، عن السدي ، عن أبي الديلم ، قال : لما جيء بعلي بن الحسين ـ رضي الله عنهما ـ أسيرا فأقيم على درج دمشق ، قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرني الفتنة ! فقال له علي بن الحسين ـ رضي الله عنه ـ أقرأت القرآن ؟! قال : نعم ، قال : أقرأت آل حم ؟! قال : قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم .
   قال : ما قرأت ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ؟! قال : وإنكم لأنتم هم ؟! قال : نعم (2).

---------------------------
  الغرف : 36.
(1) صحيح الترمذي ، كتاب التفسير ، 5 | 351 .
(2) وأرسله أبو حيان إرسال المسلم ، حيث ذكر القول الحق ، قال : « وقال بهذا المعنى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، واستشهد بالآية حين سبق إلى الشام أسيرا » البحر المحيط 7 | 516 .

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 242 _

  [ 2 ] حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا مالك بن إسماعيل ، قال : ثنا عبد السلام ، قال : ثنا يزيد بن ابي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال :
  قالت الأنصار : فعلنا وفعلنا ، فكأنهم فخروا ، فقال ابن عباس ـ أو العباس ، شك عبد السلام ـ : لنا لافضل عليكم.
   فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فأتاهم في مجالسهم فقال : يا معشر الأنصار ! ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي ؟!
   قالوا : بلى يا رسول الله.
   قال : ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي ؟!
   قالوا بلى يا رسول الله.
   قال : أفلا تجيبوني ؟!
   قالوا : ما نقول يا رسول الله ؟
   قال : ألا تقولون : ألم يخرجك قومك فآويناك ؟! أولم يكذبوك فصدقناك ؟! أولم يخذلوك فنصرناك ؟!
   قال : فما زال يقول حتى جثوا على الركب وقالوا : أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله ، قال : فنزلت (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ).
   [ 3 ] حدثني يعقوب ، قال : ثنا مروان ، عن يحيى بن كثير ، عن أبي العالية ، عن سعيد بن جبير ، في قوله (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) قال : هي قربى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم.
   [ 4 ] حدثني محمد بن عمارة الأسدي ومحمد بن خلف ، قالا : ثنا

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 243 _

  عبيد الله ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أيب إسحاق ، قال : سألت عمرو بن شعيب عن قول الله عز وجل ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) قال : قربى النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم » (1).
   أقول :
   ولا يخفى أن ابن جرير الطبريذكر في معنى الآية أربعة أقوال ، وقد جعل القول بنزولها في « أهل البيت » القول الثاني ، فذكر هذه الأخبار.    وجعل القول الأول أن المراد قرابته مع قريش ، فذكر رواية طاووس عن ابن عباس ، التي أخرجها أحمد والشيخان ، وقد تقدمت ، وفيها قول سعيد بن جبير بنزولها في « أهل البيت » خاصة .
   وأما القولان الثالث والرابع فسنتعرض لهما فيما بعد .
  وأخرج أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي ـ صاحب المسند الكبير ـ في مسند عبد الله بن مسعود ، في ما رواه عنه زر بن حبيش ، قال :
   « ححدثنا الحسن بن علي بن عفان ، حدثنا محمد بن خالد ، عن يحيى ابن ثعلبة الأنصاري ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر ، عن عبد الله ، قال :
   كنا مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم في مسير ، فهتف به أعرابي بصوت جهوري : يا محمد ! فقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : يا هناه ! فقال : يا محمد ! ما تقول في رجل يحب القوم ولم يعمل بعملهم ؟ قال : المرء مع من أحب.
   قال : يا محمد ! إلى ما تدعو ؟ قال :

---------------------------
(1) تفسير الطبري 25 | 16 ـ 17.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 244 _

  إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت ، قال : فهل تطلب على هذا أجرا ؟
  قال : لا إلا المودة في القربى ، قال : أقرباي يا محمد أم أقرباك ؟ قال : بل أقرباي ، قال : هات يدك حتى أبايعك ، فلا خير في من يودك ولا يود قرباك » (1).
  وأخرج الطبراني : « حدثنا محمد بن عبد الله ، ثنا حرب بن الحسن الطحان ، ثنا حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : لما نزلت (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) قالوا : يا رسول الله ، ومن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وابناهما » (2).
   وأخرج أيضا : « حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي ، ثنا محمد بن مرزوق ، ثنا حسين الاشقر ، ثنا نصير بن زياد ، عن عثمان أبي اليقظان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قالت الأنصار فيما بينهم : لو جمعتا لرسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم مالا فنبسط يده لا يحول بينه وبينه أحد ، فأتوا رسول الله فقالوا : يا رسول الله ! غنا أردنا أن نجمع لك أموالنا ، فأنزل الله عز وجل ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) فخرجوا مختلفين ، فقال بعضهم : ألم تروا إلى ما قال رسول الله ؟! وقال بعضهم : إنما قال هذا لنقاتل عن أهل بيته وننصرهم ... » (3).
  وأخرج الحاكم قائلا : « حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن

---------------------------
(1) مسند الصحابة 2 | 127 ح664.
(2) المعجم الكبير 3 | 47 رقم 2641 ، و11 | 351 رقم 12259.
(3) المعجم الكبير 12 | 26 رقم 12384.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 245 _

  يحيى ابن أخي طاهر العقيقي الحسني ، ثنا إسماعيل بن محمد بن إسحاق ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، حدثني عمي علي بن جعفر محمد ، حدثني الحسين بن الزيد ، عن عمر بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، قال :
   خطب الحسن بن علي الناس حين قتل علي ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
   لقد قبض في هذه الليلة رجل لا يسسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الآخرون ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعطيه رايته فيقاتل وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فما يرجع حتى يفتح الله عليه ، وما ترك على أهل الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبع مائة درهم فضلت من عطاياه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله ... ثم قال :
   أيها الناس ! من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي ، وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الوصي ، وأنا ابن البشير ، وأنا ابن النذير ، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل إلينا ويصعد من عندنا ، وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأنا من أهل البيت الذي افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت » (1).
   وقال الحاكم بتفسير الآية من كتاب التفسير : « إنما اتفقا في تفسير

---------------------------
(1) المستدرك على الصحيحين 3 | 172.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 246 _

  هذه الآية على حديث عبدالملك بن ميسرة الزراد عن طاووس عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه في قربى آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم » (1).
  وأخرج أبو نعيم : « حدثنا الحسين بن أحمد بن علي أبو عبد الله ، ثنا الحسن بن محمد بن أبي هريرة ، ثنا إسماعيل بن يزيد ، ثنا قتيبة بن مهران ، ثنا عبد الغفور ، عن أبي هاشم ، عن زاذان ، عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : عليكم بتعلم القرآن وكثرة تلاوته تنالون به الدرجات وكثرة عجائبه في الجنة ، ثم قال علي : وفينا آل حم ، إنه لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن ، ثم قرأ ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) » (2).
   وأخرج أيضا : « حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن مخلد ، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا عبادة بن زياد ، ثنا يحيى بن العلاء ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقال : يا محمد ! عرض عليّ الإسلام.
   فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله. قال : تسألني عليه أجرا ؟ قال : لا ، إلا المودة في القربى ، قال : قرباي أو قرباك ؟ قال : قرباي .
   قال : هات أبايعك ، فعلى ، من لا يحبك ولا يحب قرباك لعنة الله. قال صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : آمين.
   هذا حديث غريب من حديث جعفر بن محمد ، لم نكتبه إلا من

---------------------------
(1) المستدرك على الصحيحين 2 | 444.
(2) تاريخ أصبهان 2 | 165.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 247 _

  حديث يحيى بن العلاء ، كوفي ولي قضاء الري » (1).
   * وأخرج أبو بشر الدولابي خطبة الإمام الحسن السبط ، فقال : « أخبرني أبو القاسم كهمس بن معمر : أن أبا محمد إسماعيل بن محمد ابن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب حدثهم : حدثني عمي علي بن جعفر بن محمد بن حسين بن زيد ، عن الحسن بن زيد بن حسن بن علي ، عن أبيه ، قال : خطب الحسن بن علي الناس حين قتل علي...
   أخبرني أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، حدثني أبي ، حدثني حسين بن زيد ، عن الحسن بن زيد بن حسن ـ ليس فيه : عن أبيه ـ ، قال : خطب الحسن بن علي الناس...
   حدثنا أحمد بن يحيى الأودي ، نا إسماعيل بن أبان الوراق ، نا عمر ، عن جابر ، عن أبي الطفيل ، وزيد بن وهب ، وعبد الله بن نجي ، وعاصم ابن ضمرة ، عن الحسن بن علي ، قال : لقد قبض في هذه الليلة رجل ... » (2).
  وأخرج ابن عساكر : « أخبرنا أبو الحسن الفرضي ، أنبأنا عبد العزيز الصوفي ، أنبأنا أبو الحسن بن السمسار ، أنبأنا أبو سليمان ...
   قال : وأنبأنا ابن السمسار ، أنبأنا علي بن الحسن الصوري ، أنبأنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني اللخمي بأصبهان ، أنبأنا الحسين بن إدريس الحريري التستري ، أنبأنا أبو عثمان طالوت بن عباد البصري

---------------------------
(1) حلية الأولياء 3 | 201.
(2) الدرية الطاهرة : 109 ـ 111.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 248 _

  الصيرفي ، أنبأنا فضال بن جبير ، أنبأنا أبو أمامة الباهلي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : خلق اله الأنبياء من أشجار شتى ، وخلقني وعليا من شجرة واحدة ، فأنا أصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمرها ، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ هوى ، ومن أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام ، ثم لم يدرك محبتنا لأكبّه الله على منخريه في النار ، ثم تلا (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ).
   ورواه علي بن الحسن الصوفي مرة أخرى عن شيخ آخر ، أخبرناه أبو الحسن الفقيه السلمي الطرسوسي أنبأنا عبد العزيز الكتاني ، أنبأنا أبو نصر ابن الجيان ، أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسي الطرسوسي ، أنبأنا أبو الطفضل العباس بن أحمد الخواتيمي بطرسوس ، أنبأنا الحسين بن إدريس التستري... » (1).
  وأخرج ابن عساكر خبر خطبة مروان ـ بأمر من معاوية ـ ابنة عبد الله بن جعفر ليزيد ، وأن عبد الله أوكل أمرها إلى الحسين عليه السلام فزوجها من القاسم بن محمد بن جعفر ، وتكلم عليه السلام ـ في المسجد النبوي وبنو هاشم وبنو أمية مجتمعون ـ فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : « إن الإسلام دفع الخسيسة وتمم النقيصة وأذهل اللائمة ، فلا لوم على مسلم إلا في أمر مأثم ، وإن القرابة التي عظّم الله حقها وأمر برعايتها وأن يسأل نبيه الأجر له بالمودة لأهلها : قرابتنا أهل البيت... » (2).

---------------------------
(1) تاريخ دمشق ، ترجمة علي أمير المؤمنين 1 | 132 ـ 133.
(2) تعليق العلامة المحمودي على شواهد التنزيل 2 | 144 عن أنساب الأشراف بترجمة معاوية ، وتاريخ دمشق بترجمة مروان بن الحكم.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 249 _

   * وأخرج ابن الأثير : « روى حكيم بن جبير ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : كنت أجالس أشياخا لنا ، إذ مر علينا علي بن الحسين ـ وقد كان بينه وبين أناس من قريش منازعة في امرأة تزوجها منهم لم يرض منكحها ـ فقال أشياخ الأنصار : ألا دعوتنا أمس لما كان بينك وبين بني ؟!
  إن أشياخنا حدثونا أنهم أتوا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقالوا : يا محمد ! ألا نخرج إليك من ديارنا ومن أموالنا لما أعطانا الله بك وفضلنا بك وأكرمنا بك ؟ فأنزل الله تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)، ونحن ندلكم على الناس. أخرجه ابن مندة » (1).
  وأخرج ابن كثير : « وقول ثالث ، وهو ما حكاه البخاري وغيره رواية عن سعيد بن جبير ... وقال السدي عن أبي الديلم ، قال : لما جيء بعلي بن الحسين رضي الله عنه أسيرا... وقال أبو إسحاق السبيعي : سألت عمرو بن شعيب عن قوله تبارك وتعالى : (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) فقال : قربى النبي. رواهما ابن جرير.
   ثم قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا عبد السلام ، حدثني يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس ...
   وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن علي بن الحسين ، عن عبد المؤمن ابن علي ، عن عبد السلام ، عن يزيد بن أبي زياد ـ وهو ضعيف ـ بإسناده ، مثله أو قريبا منه .

---------------------------
(1) اُسد الغابة في معرفة الصحابة 5 | 367.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 250 _

  وفي الصحيحين في قسم غنائم حنين قريب من هذا السياق ، ولكن ليس فيه ذكر نزول هذه الآية...
   وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا رجل سماه ، حدثنا حسين الأشقر ، عن قيس ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ ، قال : لما نزلت هذه الآية (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم ؟ قال : فاطمة وولدها ، رضي الله عنهم .
   وهذا إسناد ضعيف ، فيه مبهم لايعرف ، عن شيخ شيعي محترق وهو حسين الأشقر » (1).
  وروى الهيثمي : « عن ابن عباس قال : لما نزلت ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذي وجبت علينا مودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وابناهما .
   رواه الطبري من رواية حرب بن الحسن الطحان عن حسين الأشقر عن قيس بن الربيع ، وقد وثقوا كلهم وضعفهم جماعة ، وبقية رجاله ثقات » (2).
   ورواه مرة أخرى كذلك وقال : « فيه جماعة ضعفاء وقد وثقوا » (3).
   وروى خطبة الإمام الحسن عليه السلام قائلا : « باب خطبة الحسن ابن علي رضي الله عنهما :
   عن أبي الطفيل ، قال : خطبنا الحسن بن علي بن أبي طالب ، فحمد

---------------------------
(1) تفسير القرآن العظيم 4 | 100.
(2) مجمع الزوائد 7 | 100.
(3) مجمع الزوائد 9 | 168.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 251 _

  الله وأثنى عليه وذكر أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه خاتم الأوصياء ووصي الأنبياء وأمين الصديقين والشهداء ، ثم قال : يا أيها الناس ، لقد فارقكم رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، لقد كان رسول الله يعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله عليه. ولقد قبضه الله في الليلة التي قبض فيها وصي موسى وعرج بروحه في الليلة التي...
   ثم قال : من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم. ثم تلا هذه الآية قول يوسف : ( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ) ثم أخذ في كتاب الله.
   ثم قال : أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، وأنا ابن النبي ، أنا ابن الداعي إلىالله بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا ابن الذي أرسل رحمة للعالمين ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله عز وجل مودتهم وولايتهم فقال في ما أنزل على محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ».
   قال الهيثمي : « رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار ... وأبو يعلى باختصار ، والبزار بنحوه ... ورواه أحمد باختصار كثير ! وإسناد أحمد وبعض طرق البزار والطبراني في الكبير حسان » (1).
   وروى السيوطي الحديث عن طاووس عن ابن عباس كما تقدم .

---------------------------
(1) مجمع الزوائد 9 | 146.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 252 _

  قال : « وأخرج ابن مردويه من طريق ابن المبارك عن ابن عباس في قوله : ( إلا المودة في القربى ) قال : تحفظوني في قرابتي ».
   قال : « وأخرج ابن جرير وابن ابي حاتم وابن مردويه من طريق مقسم ، عن ابن عباس ، قال : قالت الأنصار ... » الحديث ، وقد تقدم .
   قال : « وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير ، قال : قالت الأنصار فيما بينهم : لو جمعنا لرسول الله... » الحديث ، وقد تقدم .
   قال : « وأخرج أبو نعيم والديلمي من طريق مجاهد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، أن تحفظوني في أهل بيتي وتودوهم بي » .
   قال : « وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال لما نزلت هذه الآية ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وولداها ».
   قال : « وأخرج سعيد بن منصور عن سعيد بن جبير : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال : قربىرسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ».
   قال : « وأخرج ابن جرير عن أبي الديلم ، قال : لما جيء بعلي بن الحسين... » الحديث ، وقد تقدم .
   ثم روى السيوطي حديث الثقلين وغيره مما فيه الوصية باتباع أهل

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 253 _

  البيت والتحذير من بغضهم ... (1).
  وقال الآلوسي : « وذهب جماعة إلى أن المعنى : لا أطلب منكم أجرا إلا محبتكم أهل بيتي وقرابتي .
   وفي البحر : أنه قول ابن جبير والسدي وعمرو بن شعيب. و« في » عليه للظرفية المجازية ، و« القربى » بمعنى الأقرباء ، والجار والمجرور في موضع الحال ، أي : إلا المودة ثابتة في أقربائي متمكنة فيهم ، ولمكانة هذا المعنى لم يقل : إلا مودة القربى ... وروى ذلك مرفوعا :
   أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، من طريق ابن جبير عن ابن عباس ، قال : لما نزلت هذه الآية... » الحديث ، كما تقدم .
  قال : « وسند هذا الخبر ـ على ما قال السيوطي في الدر المنثور ـ ضعيف ، ونص على ضعفه في تخريج أحاديث الكشاف ابن حجر .
   وأيضا : لو صح لم يق ل ابن عباس ما حكي عنه في الصحيحين وغيرهما وقد تقدم ، إلا أنه روي عن جماعة من أهل البيت ما يؤيده ذلك :
  أخرج ابن جرير عن أبي الديلم ، قال : لما جيء بعلي بن الحسين ... » الحديث ، وقد تقدم .
  « وروى زاذان عن علي كرّم الله تعالى وجهه ، قال : فينا في آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا مؤمن ، ثم قرا هذه الآية .
   وإلى هذا أشار الكميت في قوله :
  وجدنا لكم في آل حم آية * تأولـها منـا تقي ومعرب ولله تعالى در السيد الهيتي ـ أحد الأقارب المعاصرين ـ حيث

---------------------------
(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 6 | 6 ـ 7.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 254 _

  يقول :
بـأيـة  آيــة يـأتـي iiيـزيد      غـداة صـحائف الأعـمال iiتتلى
وقـام  رسـول رب العرش يتلو      وقد صمت جميع الخلق ( قل لا )

  والخطاب على هذا القول لجميع الأمر لا للأنصار فقط ، وإن ورد ما يوهم ذلك ، فإنهم كلهم مكلفون بمودة أهل البيت ، فقد أخرج مسلم والترمذي والنسائي ... » فروى حديث الثقلين ، ونحوه ، ثم قال : « إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة من الأخبار » (1).
   * وروى الشوكاني الأخبار التي نقلناها عن « الدر المنثور » كالحديث الذي رواه الأئمة من طريق مقسم عن ابن عباس. ثم قال : « وفي إسناده يزيد بن أبي زياد ، وهو ضعيف » وما رواه أبو نعيم والديلمي من طريق مجاهد عن ابن عباس ، ولم يتكلم في سنده ، وما رواه الجماعة من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : « قال السيوطي : بسند ضعيف ».
   ثم إنّه أشار إلى التعارض الموجود بين الأخبار في ما روي عن ابن عباس ، ورجح ما أخرج عنه في كتابي البخاري ومسلم ، وقال : « وقد أغنى الله آل محمد عن هذا بما لهم من الفضائل الجليلة والمزايا الجميلة ، وقد بينا بعض ذلك عند تفسيرنا لقوله ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) » (2).
   تنبيه :
  حاول القوم أن لا ينقلوا خطبة الإمام الحسن عليه السلام كاملة

---------------------------
(1) روح المعاني 25 | 31 ـ 32.
(2) فتح القدير 4 | 536 ـ 537.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 255 _

  وحتى المنقوص منها تصرفوا في لفظه ! فراجع : المسند 1 | 199 ، والمناقب ـ لأحمد ـ الرقم 135 و136 ، والمعجم الكبير ـ للطبراني ـ 3 | الرقم 2717 إلى 2725 ، وتاريخ الطبري 5 | 157 ، والمستدرك 3 | 172 ، والكامل 3 | 400 ، ومجمع الزوائد 9 | 146 ، وقارن بين الألفاظ لترى مدى إخلاص أمناء الحديث وحرصهم على حفظه ونقله !!
   ولننقل الخبر كما رواه أبو الفرج وبأسانيد مختلفة ، فقال : « حدثني أحمد بن عيسى العجلي ، قال : حدثنا حسين بن نصر ، قال : حدثنا زيد بن المعذل ، عن يحيى بن شعيب ، عن أبي مخنف ، قال :
  حدثني أشعث بن سوار ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن سعيد بن رويم.
   وحدثني عليّ بن إسحاق المخرمي وأحمد بن الجعد ، قالا : حدثنا عبد الله بن عمر مشكدانة ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن حبشي .
   وحدثني عليّ بن إسحاق ، قال : حدثنا عبدالله بنعمر ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن الأشعث بن أبي إسحاق ، موقوفا .
   حدثني محمد بن الحسين الخثعمي ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة بن يريم ، قال :
   قال عمرو بن ثابت : كنت أختلف إلى أبي إسحاق السبيعي سنة أسأله عن خطبة الحسن بن علي ، فلا يحدثني بها ، فدخلت إليه في بوم شات وهو في الشمس وعليه برنسه كأنه غول ، فقال لي : من أنت ؟ فأخبرته ، فبكى وقال : كيف أبوك ؟ كيف أهلك ؟ قلت : صالحون. قال : في أي شيء تردد منذ سنة ؟ قلت : في خطبة الحسن بن علي بعد وفاة أبيه.
   قال : حدثني هبيرة بن يريم ، وحدثني محمد بن محمد الباغندي

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 256 _

  ومحمد بن حمدان الصيدلاني ، قالا : حدثنا إسماعيل بن محمد العلوي ، قال : حدثني عمي علي بن جعفر بن محمد ، عن الحسين بن زيد بن علي ابن الحسين بن زيد بن الحسن ، عن أبيه ـ دخل حديث بعضهم في حديث بعض ، والمعنى قريب ـ قالوا : خطب الحسن بن علي بعد وفاة أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال : لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون بعمل ، ولقد كان يجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقيه بنفسه ، ولقد كان يوجهه برايته فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه ، ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم ، ولقد توفي فيها يوشع بن نون وصي موسى ، وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله .
   ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه .
   ثم قال : أيها الناس ! من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله عز وجل بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول : ( وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت.
   قال أبو مخنف عن رجاله : ثم قام ابن عباس بين يديه فدعا الناس إلى بيعته ، فاستجابوا له وقالوا : ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة ، فبايعوه .

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 257 _

  ثم نزل عن المنبر » (1).
   أقول :
   وهكذا روى الشيخ المفيد بإسناده (2).
   وذيل الخبر من الشواهد على بطلان خبر طاووس عن سعيد عن ابن عباس ، كما لا يخفى .

---------------------------
(1) مقاتل الطالبيين 61 ـ 62.
(2) الإرشاد 2 | 7 ـ 8.