الفصل الثاني
في تصحيح أسانيد هذه الأخبار

  قد ذكرنا في الفصل الأول طرفا من الأخبار في أن المراد من « القربى » في « آية المودة » هم « أهل البيت » ، وقد جاء في بعضها التصريح بأنهم « علي وفاطمة وابناهما » .
   وقد نقلها تلك الأخبار عن أهم وأشهر كتب الحديث والتفسير عند أهل السنة ، من القدماء والمتأخرين ... وبذلك يكون القول بنزول الآية المباركة في « أهل البيت » قولا متفقا عليه بين الخاصة والعامة .
   فأما ما رواه طاووس من جزم سعيد بن جبير بأن المراد هم « أهل البيت » عليهم السلام خاصة ، وهو الذي أخرجه الشيخان وأحمد والترمذي وغيرهم ... فلم أجد طاعنا في سنده ... وإن كان لنا كلام فيه ، وسيأتي .
   وأما ما أخرج في ( المناقب ) لأحمد بن حنبل فهو من الزيادات ، فالقائل « كتب إلينا » هو « القطيعي » : أبو بكر أحمد بن جعفر الحنبلي ـ المتوفى سنة 368 ـ وهو رواي : المسند ، والزند ، والمناقب ، لأحمد بن حنبل .
   حدث عنه : الدارقطني ، والحاكم ، وابن رزقويه ، وابن شاهين ، والبرقاني ، وأبو نعيم ، وغيرهم من كبار الأئمة.
   ووثقه الدارقطني قائلا : ثقة زاهد قديم ، سمعت أنه مجاب الدعوة ، وقال البرقاني : ثبت عندي أنه صدوق ، وقد ليّنته عند الحاكم فأنكر عليّ

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 259 _

  وحسّن حاله وقال : كان شيخي ، قالوا : قد ضعف واختل في آخر عمره ، وتوقف بعضهم في الرواية عنه لذلك .
   ومن هنا أورده الذهبي في ( ميزانه ) مع التصريح بصدقه ، وهذه عبارته : « [ صح ] أحمد بن جعفر بن حمدان أبو بكر القطيعي ، صدوق في نفسه مقبول ، تغير قليلا ، قال الخطيب : لم نز أحدا ترك الاحتجاج به » ثم نقل ثقته عن الدارقطني وغيره ، ورد على من تكلم فيه لاختلاله في آخر عمره (1).
   و« محمد بن عبدالله بن سلميان الحضرمي » هو « مطين » المتوفى سنة 297 ، قال الدارقطني : ثقة جبل ، وقال الخليلي : ثقة حافظ ، وقال الذهبي : الشيخ الحافظ الصادق ، محدث الكوفة ... (2).
   وسيأتي الكلام على سائر رجاله ، بما يثبت صحة السند وحجية الخبر.
   وأما ما رواه ابنجرير الطبري حجة للقول بنزول الآية في « أهل البيت » وقد كان أربع روايات ... فما تكلم إلا في الثاني منها ، وهذا إسناده :
   « حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا مالك بن إسماعيل ، قال : ثنا عبدالسلام ، قال : ثنا يزيد بن أبي زياد ، عن مِقسَم ، عن ابن عباس... ».
   قال ابن كثير : « وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن علي بن الحسين ، عن عبد المؤمن بن علي ، عن عبد السلام ، عن يزيد بن أبي زياد ـ وهو ضعيف ـ بإسناده مثله أو قريبا منه » .

---------------------------
(1) تاريخ بغداد 4 | 73 ، المنتظم 7 | 92 ، سير أعلام النبلاء 16 | 210 ، ميزان الاعتدال 1 | 87 ، الوافي بالوفيات 6 | 290 ، وغيرها.
(2) تذكرة الحفظ 2 | 662 ، الوافي بالوفيات 3 | 345 ، سير اعلام النبلاء 14 | 41.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 260 _

  وتبعه الشوكاني حيث أنه بعد أن رواه قال : « وفي إسناده يزيد بن أبي زياد ، وهو ضعيف » .
   وأما ما رواه الأئمة ، كابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، وعنهم السيوطي سنده ، وتبعه الشهاب الآلوسي ، وقد سبقهما إلى ذلك الهيثمي وابن كثير وابن حجر العسقلاني ، قال الأخير في شرح البخاري :
   « وهذا الذي جزم به سعيد بن جبير قد جاء عنه من روايته عن ابن عباس مرفوعا ، فأخرج الطبراني وابن أبي حاتم من طريق قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم ؟ ...
  الحديث ، وإسناده ضعيف ... وقد جزم بهذا التفسير جماعةمن المفسرين ، واستندوا إلى ما ذكرته عن ابن عباس من الطبراني وابن أبي حاتم ، وإسناده واه ، فيه ضعيف ورافضي » (1).
   وقال في تخريج أحاديث الكشاف : « أخرجه الطبراني وابن أبي حاتم والحاكم في مناقب الشافعي ، من رواية حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وحسين ضعيف ساقط » (2).
   وقال ابن كثير : « وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا رجل سماه ، حدثنا حسين الأشقر ، عن قيس ، عن الأعمش ، عن سعيد بن

---------------------------
(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8 | 458.
(2) الكاف الشاف في تخريج الكشاف ـ مع الكشاف ـ 4 | 220.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 261 _

  جبير ، عن ابن عباس ... وهذا إسناد ضعيف ، فيه مبهم لا يعرف ، عن شيح شيعي محترق ، وهو حسين الأشقر » .
   وتبعه القسطلاني بقوله : « وأما حديث ابن عباس أيضا عند ابن أبي حاتم ، قال : لما نزلت هذه الآية (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم ؟ قال : فاطمة وولدها عليهم السلام.
   فقال ابن كثير إسناده ضعيف ، فيه متهم لا يعرف إلا عن شيخ شيعي محترق ، وهو حسين الأشقر » (1).
   وقال الهيثمي : « رواه الطبراني من رواية حرب بن الحسن الطحان ، عن حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع ، وقد وثقوا كلهم وضعفهم جماعة وبقية رجاله ثقات ».
   أقول :
   فالأخبار الدالة على القول الحق ، المروية في كتب القوم ، منقسمة بحسب آرائهم في رجالها إلى ثلاثة أقسام :
  1 ـ ما اتفقوا على القول بصحته ، وهو حديث طاووس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
  2 ـ ما ذكروه وسكتوا عن التكلم في سنده ولم يتفوهوا حوله ببنت شفة ! بل منه ما لم يجدوا بدا من الاعتراف باعتباره ، كأخبار قول النبي لمن سأله عما يطلب في قبال دعوته ، وخطبة الإمام الحسن عليه السلام بعد وفاة أبيه

---------------------------
(1) إرشاد الساري : 7 | 331.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 262 _

  وكلام الإمام السجاد في الشام ، ونحو ذلك.
  3 ـ ما رووه وتكلموا في سنده .
   أما الأول فلنا كلام حوله ، وسيأتي في أول الفصل الرابع.
   وأما القسم الثاني ، فلا حاجة إلى بيان صحة بعد أن أقر القوم بذلك .
   وأما القسم الثالث ، فهو المقصود بالبحث هنا .
   ولنفصل الكلام في تراجم من ضعفوه من رجال أسانيد هذه الأخبار ، ليتبين أن جميع ما ذكروه ساقط مردود ! على ضوء كلمات أعلام الجرح والتعديل منهم :
  1 ـ ترجمة يزيد بن أبي زياد :
   وهو : القرشي الهاشمي الكوفي ، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل. هو من رجال الكتب الستة ، قال المزي : « قال البخاري في اللباس من صحيحه عقيب حديث عاصم بن كليب عن أبي بردة : قلنا لعلي : ما القسية ؟ وقال جرير عن يزيد في حديثه : القسية ثياب مضلعة... الحديث.
   وروى له في كتاب رفع اليدين في الصلاة، وفي الأدب. وروى له مسلم مقرونا بغيره ، واحتج به الباقون » (1).
   وروى عنه جماعة كبيرة من أعلام الأئمة كسفيان الثوري ، وسفيان عيينة ، وشريك بن عبدالله ، وشعبة بن الحجاج ، وعبدالله بن نمير

---------------------------
(1) تهذيب الكمال في أسماء الرجال 32 | 140.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 263 _

  وأمثالهم (1).
   قال الذهبي : حدّث عنه شعبة مع براعته في نقد الرجال (2).
   أقول :
   يكفي في جواز الاعتماد عليه وصحة الاحتجاج به رواية أصحاب الكتب الستة وكبار الأئمة عنه.
   مضافا إلى قول مسلم في مقدمة كتابه : « فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم ، كعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي سليم وأضرابهم » (3).
   وقد وثّقه عدة من الأئمة أيضا :
   قال ابن سعد : كان ثقة في نفسه إلا أنه اختلط في آخر عمره فجاء بالعجائب .
   وقال ابن شاهين ـ في الثقات ـ : قال أحمد بن صالح المصري : يزيد ابن أبي زياد ثقة ولا يعجبني قول من تكلم فيه .
   وقال ابن حبان : كان صدوقا إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير ، وكان يلقن ما لقّن فوقعت المناكير في حديثه .
   وقال الآجري عن أبي داود : لا أعلم أحدا ترك حديثه ، وغيره أحب إليّ منه .

---------------------------
(1) تهذيب الكمال 32 | 137 ، سير أعلام النبلاء 6 | 129 ، تهذيب التهذيب 11 | 287 رقم 531.
(2) سير أعلام النبلاء 6 | 130.
(3) صحيح مسلم 1 | 5 ـ 6.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 264 _

  وقال يعقوب بن سفيان : ويزيد وإن كانوا يتكلمون فيه لتغيره فهو على العدالة الوثقة وإن لم يكن مثل الحكم ومنصور (1).
   ثم إنا نظرنا في كلمات القادحين ـ بالرغم من كون الرجل من رجال الكتب الستة ، إذ احتج به الأربعة وروى له الشيخان ـ فوجدنا أول شيء يقولونه :
   كان من أئمة الشيعة الكبار (2).
   فسألنا : ما المراد من « الشيعة » ؟ ومن أين عرف كونه « من أئمة الشيعة الكبار » ؟
   فجاء الجواب : تدل على ذلك أحاديث رواها ، موضوعة (3).
   فنظرنا فإذا به يروي عن سليمان بن عمرو بن الأحوص ، عن أبي برزة ، قال : « تغنّى معاوية وعمرو بن العاص ، فقال النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : اللهم اركسهما في الفتنة ركسا ، ودعهما في النار دعّا » (4).
   فهذا الحديث موضوع (5) أو غريب منكر (6) لأنه ذم لمعاوية رأس

---------------------------
(1) هذه الكلمات بترجمته من تهذيب التهذيب 6 | 288 ـ 289 ، وغيره.
(2) الكامل ـ لابن عدي ـ 7 | 2729 ، تهذيب الكمال 32 | 138 ، تهذيب التهذيب 11 | 288.
(3) تهذيب الكمال 32 | 138. الهامش.
(4) أخرجه أحمد في المسند 4 | 421 ، والطبراني والبزار كما في مجمع الزوائد 8 | 121.
(5) الموضوعات لابن الجوزي ، لكن لا يخفى أنه لم يطعن في الحديث إلا من جهة « يزيد » ولم يقل فيه إلا « كان يلقّن بأخرة فيتلقّن » ، ولذا تعقّبه السيوطي بما سنذكره.
(6) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 4 | 424.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 265 _

  الفئة الباغية وعمرو بن العاص رأس النفاق !! فيكون راوهي « من أئمة الشيعة الكبار » !!
   لكن يبدو أنهم ما اكتفوا ـ في مقام الدفاع عن معاوية وعمرو ـ برمي الحديث بالوضع وراويه بالتشيع ، فالتجأوا إلى تحريف لفظ الحديث ، ووضع كلمة « فلان وفلان » في موضع الاسمين ، ففي المسند :
   « حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا عبد الله بن محمد ـ وسمعته أنا من عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ـ ، ثنا محمد بن فضيل ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم في سفر ، فسمع رجلين يتغنيان وأحدهما يجيب الآخر وهو يقول :
لا  يزال  جوادي  تلوح iiعظامه      ذوي الحرب عنه أن يجن فيقبرا

فقال النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : انظروا من هما ؟ قال : فقالوا : فلان وفلان !!
   قال : فقال النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : اللهم اركسهما ركسا ، ودعهما إلى النار دعا ».
   وكأن هذا المقدار لم يشف غليل القوم ، أو كان هذا التحريف لأجل الإبهام ، فيكون مقدمة ليأتي آخر فيزيله ويضع « معاوية » و« عمرا » آخرين !! بخبر مختلق :
   قال السيوطي ـ بعد أن أورد الحديث عن أبي يعلى وتعقب ابن الجوزي بقوله : هذا لا يقتضي الوضع ، والحديث أخرجه أحمد في مسنده :

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 266 _

  حدثنا ... وله شاهد من حديث ابن عباس : قال الطبراني في الكبير... ـ : « وقال ابن قانع في معجمه : حدثنا محمد بن عبدوس كامل ، حدثنا عبد الله بن عمر ، حدثنا سعيد أبو العباس التيمي ، حدثنا سيف بن عمر ، حدثني أبو عمر مولى إبراهيم بن طلحة ، عن زيد بن أسلم ، عن صالح ، عن شقران ، قال : بينما نحن ليلة في سفر ، إذا سمع النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم صوتا فقال : ما هذا ؟! فذهبت أنظر ، فإذا هو معاوية بن رافع ، وعمرو بن رفاعة بن تابوت يقول :
لا  يزال  جوادي  تلوح iiعظامه      ذوي الحرب عنه أن يجن فيقبرا

  فأتيت النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فأخبرته فقال : اللهم اركسهما ودعهما إلى نار جهنم دعا .
   فمات عمرو بن رفاعة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم من السفر ».
   قال السيوطي : « وهذه الرواية أزالت الإشكال وبيّنت أن الوهم وقع في الحديث الأول ، في لفظة واحدة وهي قوله : ابن العاص ، وإنما هو ابن رفاعة أحد المنافقين ، وكذلك معاوية بن رافع أحد المنافقين ، والله أعلم » (1).
   بل السيوطي نفسه أيضا يعلم واقع الحال وحقيقة الأمر ، وإلا فما أجهله !!
   أما أولا : فلم يكن في الحديث الأول الإشكال أو وهم حتى يزال !! غاية ما هناك أن في « المسند » لفظ « فلان وفلان » بدل « معاوية وعمرو » والسيوطي يعلم ـ كغيره ـ أنه تحريف ، إن لم يكن عن عمد فعن سهو !!

---------------------------
(1) اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1 | 427.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 267 _

  على أنه لم يوافق ابن الجوزي في الطعن في الحديث ، بل ذكر له ما يشهد له بالصحة .
   وأما ثانيا : فلو سلمنا وجود إبهام وإشكال في الحديث الأول ، فهل عمر » ... ولنلق نظرة سريعة في ترجمته (1).
   قال ابن معين : ضعيف الحديث.
   وقال ابو حاتم : متروك الحديث.
   وقال أبو داود : ليس بشيء .
   وقال النسائي : ضعيف .
   وقال الدارقطني : ضعيف .
   وقال ابن عدي : بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها .
   وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الاثبات ،قالوا : كان يضع الحديث ، اتهم بالزندقة .
   وقال البرقاني عن الدارقطني : متروك .
   وقال الحاكم : اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط .
   والعجيب أن السيوطي نفسه يرد أحاديثه قائلا : « إنه وضّاع » (2) !
   أقول :
   فلينظر الباحث المنصف كيف يردون حديثا ـ يروونه عن رجل

---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 4 | 259.
(2) اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1 | 199.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 268 _

  اعتمد عليه أباب الصحاح الستة ـ لكونه في ذم ابن هند وابنا النابغة ، وهم شيعة لهما ... ويقابلونه بحديث يرويه رجل اتفقوا على سقوطه واتهموه بالوضع والزندقة !! فلينظر ! كيف يتلاعبون بالدين وسنة رسول رب العالمين !!
  ولا يتوهّمنّ أن هذه طريقتهم في أبواب المناقب والمثالب فحسب ، بل هي في الأصولين والفقه أيضا !!
   فلنرجع إلى ما كنا بصدده ، ونقول :
   إن « يزيد بن أبي زياد » ثقة ، ومن رجال الكتب الستة ، ولا عيب فيه إلا روايته بعض مثالب أئمة القوم !! ولذا جعلوه « من أئمة الشيعة الكبار » !!
   على أن كون الراوي شيعيا ، بل رافضيا ـ حسب اصطلاحهم ـ لا يضر بوثاقته كما قرروا في محله وبنوا عليه في مواضع كثيرة (1).
   2 ـ ترجمة حسين الأشقر :
   وقد ترجمنا لأبي عبدالله الحسين بن حسن الاشقر الفزاري الكوفي ، في مبحث آية التطهير ، وقلنا هناك بأنه من رجال النسائي في ( صحيحه ) وأنهم قد ذكروا أنّ للنسائي شرطا في صحيحه أشد من شرط الشيخين (2).
   وأنه روى عنه كبار الأئمة الأعلام : كأحمد بن حنبل ، وابن معين

---------------------------
(1) مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري : 398.
(2) تذكرة الحفاظ 2 | 700.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 269 _

  والفلاس ، وابن سعد ، وأمثالهم (1).
   وقد حكى الحافظ ابن حجر بترجمته عن العقيلي ، عن أحمد بن محمد بن هانئ ، قال : قلت : لأبي عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل ـ تحدث عن حسين الأشقر ؟ قال : لم يكن عندي ممن يكذب .
   وذكر عنه التشيع فقال له العباس بن عبد العظيم : إنه يحدث في أبي بكر وعمر ، وقلت أنا : يا أبا عبد الله ، إنه صنف بابا في معايبهما ! فقال : ليس هذا بأهل أن يحدث عنه (2).
  وهذا هو السبب في تضعيف غير أحمد.
   وعن الجوزجاني : غال من الشتامين للخيرة (3).
   ولذا يقولون : « له مناكير » وأمثال هذه الكلمة ، مما يدل على طعنهم في أحاديث الرجل في فضل عليّ أو الحط من مناوئيه ، وليس لهم طعن في الرجل نفسه ، ولذا قال يحيى بن معين :
   كان من الشيعة الغالية ، فقيل له : فكيف حديثه ؟! قال : لا بأس به ، قيل : صدوق ؟ قال : نعم ، كتبت عنه (4).
   هذا : ، فالرجل ثقة وصدوق عند : أحمد ، والنسائي ، ويحيى بن معين ، وابن حبّان ... وإنما ذنبه الوحيد هو « التشيع » وقد نصوا على أنه غير مضر .

---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 2 | 291.
(2) تهذيب التهذيب 2 | 291 ـ 292.
(3) تهذيب التهذيب 2 | 291 ـ 292.
(4) تهذيب التهذيب 2 | 291 ـ 292.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 270 _

  أقول :
  لكن المهم ـ هنا ـ أنه « صدوق » عند الحافظ ابن حجر أيضا ، فقد قال : « الحسين بن حسن الأشقر ، الفزاري ، الكوفي ، صدوق ، يهم ويغلو في التشيع ، من العاشرة ، مات سنة 208 ، س » (1).
   وإنما أعدنا ترجمة الرجل هنا لنؤكد على أن ابن حجر قد ناقض نفسه مرتين :
  1 ـ في تضعيفه الرجل في « تخريج أحاديث الكشاف » مع وصفه بـ « الصدق » في « تقريب التهذيب » !
  2 ـ في طعنه في الرجل بسبب التشيع أو الرفض ـ حسب تعبيره ـ مع أنه نص في « مقدمة فتح الباري » على أن الرفض ـ فضلا عن التشيع ـ غير مضر .
   وبذلك يسقط طعنه في حديثنا ، وكذا طعن غيره تبعا له .
   تنبيه :
   قد اختلف طعن الطاعنين في رواية الأئمة : الطبراني ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، والحاكم ، وابن مردويه : عن حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ...
   فالسيوطي لم يقل إلا « بسند ضعيف » وتبعه الآلوسي.

---------------------------
(1) تقريب التهذيب 1 | 175.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 271 _

  وابن حجر قال في « تخريج أحاديث الكشاف » : « وحسين ضعيف ساقط » فلا كلام له في غيره ، لكن في « فتح الباري » : « إسناده واه ، فيه ضعيف ورافضي ».
   وابن كثير ـ وتبعه القسطلاني ـ قال عن حسين الأشقر : « شيخ شيعي محترق » وأضاف ـ خصوص إسناد ابن أبي حاتم لقوله : حدثنا رجل سماه ـ : « فيه مبهم لا يعرف ».
   والهيثمي أفرط فقال : « رواه الطبراني من رواية حرب بن الحسن الطحان ، عن حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع .
   وقد وثقوا كلهم وضعفهم جماعة ، وبقية رجاله ثقات ».
   وبما ذكرنا ـ في ترجمة الأشقر ـ يسقط كلام السيوطي والآلوسي ، وكذا كلام ابن كثير في « الأشقر » أما قوله : « فيه مبهم لا يعرف » فيرده أنه إن كان هو « حرب بن الحسن الطحان » فهو ، وإن كان غيره فالإشكال مرتفع بمتابعته .
   وكذا يسقط كلام ابن حجر في « تخريج أحاديث الكشاف » .
   أما كلامه في « فتح الباري » فيمكن أن يكون ناظرا إلى « الأشقر » فقط ، بأن يكون وصفه بالرفض وضعفه من أجل ذلك ، ويمكن أن يكون مراده من « ضعيف » غير الأشقر الذي وصفه بالرفض ... وهذا هو الأظهر ، ومراده ـ على الظاهر ـ هو « قيس بن الربيع » الذي زعم غيره ضعفه ، فلنترجم له :
  3 ـ ترجمة قيس بن الربيع :
   وهو : قيس بن الربيع الأسدي ، أبو محمد الكوفي :

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 272 _

  من رجال : أبي داود والترمذي ، وابن ماجة (1).
   روى عنه جماعة كبيره من الأئمة في الصحاح وغيرها ، كسفيان الثوري ، وشعبة بن الحجاج ، وعبد الرزاق بن همام ، وأبي نعيم الفضل بن دكين ، وأبي داود الطيالسي ، ومعاذ بن معاذ ، وغيرهم (2).
   وهذه بعض الكلمات في توثيقه ومدحه والثناء عليه باختصار :
   قال : أبو داود الطيالسي عن شعبة : سمعت أبا حصين يثني على قيس ابن الربيع.
   قال : قال لنا شعبة : أدركوا قيسا قبل أن يموت !
   قال عفان : قلت ليحيى بن سعد : أفتتهمه بكذب ؟! قال : لا.
   قال عفان : كان قيس ثقة ، يوثقه الثوري وشعبة .
   قال حاتم بن الليث ، عن أبي الوليد الطيالسي : كان قيس بن الربيع ثقة حسن الحديث.
   قال أحمد بن صالح : قلت لأبي نعيم : في نفسك من قيس بن الربيع شيء ؟ قال : لا .
   قال عمرو بن علي : سمعت معاذ بن معاذ يحسن الثناء على قيس .
   وقال يعقوب بن شيبة السدوسي : وقيس بن الربيع عند حميع أصحابنا صدوق ، وكتابه صالح ، وهو رديء الحفظ جدا مضطربه ، كثير الخطأ ، ضعيف في روايته .
   وقال ابن عدي : عامة رواياته مستقيمة ، والقول فيه ما قال شعبة .
   هذا ، وقد أخذ عليه أمور :

---------------------------
(1) تهذيب الكمال 24 | 25 ، تهذيب التهذيب 8 | 350 ، وغيرهما.
(2) تهذيب الكمال 24 | 27.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 273 _

  أحدها : إنه ولي المدائن من قبل المنصور ، فأساء إلى الناس فنفروا عنه .
   والثاني : التشيع ، نقله الذهبي عن أحمد (1).
  والثالث : وجود أحاديث منكرة عنده. قال حرب بن إسماعيل : قلت لأحمد بن حنبل : قيس بن الربيع أي شيء ضعفه ؟ قال : روى أحاديث منكرة .
   لكن قالوا : هذه الأحاديث أدخلها عليه ابنه لما كبر فحدث بها (2).
   ولكونه صدوقا في نفسه ، ثقة ، وإن هذه الروايات مدخولة عليه وليست منه ، قال الذهبي : « صدوق في نفسه ، سيّئ الحفظ » (3).
   وقال الحافظ ابن حجر : « صدوق ، تغير لما كبر ، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث بها » (4).
   فإن كان يقصد في « مقدمة فتح الباري » تضعيف هذا الرجل فقد ناقض نفسه كذلك ...
  4 ـ ترجمة حرب بن حسن الطحان :
   هذا الرجل لم يتعرض له بالتضعيف ، ولم ينقل كلاما فيه إلا الهيثمي ، ولكنه مع ذلك نص على أنه « وُثّق » ولم يذكر المضعف ولا وجه التضعيف.

---------------------------
(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 3 | 393.
(2) تاريخ بغداد 12 | 456 ـ 462 ، تهذيب الكمال 24 | 25 ـ 37 ، سير أعلام النبلاء 8 | 41 ـ 44 ، تهذيب التهذيب 8 | 350 ـ 353.
(3) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 3 | 393.
(4) تقريب التهذيب 2 | 128.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 274 _

  وقال ابن أبي حاتم : « سألت أبي عنه فقال : شيخ » (1).
   وقال ابن حجر : « حرب الحسن الطحان ، ليس حديثه بذاك ، قاله لأزدي. انتهى.
   وذكره ابن حبان في الثقات .
   وقال ابن النجاشي : عامي الرواية. أي شيعي قريب الأمر ، له كتاب .
   روى عنه : يحيى بن زكريا اللؤلؤي » (2).
   أقول :
   لكن لا يلتفت إلى قول الأزدي ، كما نص عليه الذهبي ، حيث قال : « لا يلتفت إلى قول الأزدي ، فإن في لسانه في الجرح رهقا » (3).
   تتمة :
   فيها مطلبان :
   الأول : قال الذهبي معقبا ـ على حديث خطبة الإمام الحسن عليه السلام ، الذي أخرجه الحاكم عن أبناء أئمة أهل البيت والذرية الطاهرة ـ : « ليس بصحيح » ! (4).
   ولما كان هذا القدح مجملا ومبهما ، فإنه لا يعبأ به ... وأظن أنه من جهة المتن والمعنى لا السند ، وعذر الذهبي في قدحه في مناقب آل البيت

---------------------------
(1) الجرح والتعديل 3 | 252.
(2) لسان الميزان 2 | 184.
(3) ميزان الاعتدال 1 | 61.
(4) تلخيص المستدرك 3 | 172.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 275 _

  عليهم السلام معلوم !!
   والثاني : قال ابن عساكر ـ بعد أن أخرج من طريق الطبراني حديث أبي أمامة الباهلي ـ : « هذا حديث منكر ، وقد وقع إليّ جزء ابن عباد بعلو وليس هذا الحديث فيه » (1).
   وهذا الحديث بهذا اللفظ رواه عن طريق الطبراني الحافظ أبو عبد الله الكنجي ، وقال : « هذا حديث حسن عال ، رواه الطبراني في معجمه كما أخرجناه سواء ، ورواه محدث الشام في كتابه بطرق شتى » (2) والحافظ ابن حجر (3).
ورواه لا عن طريق الطبراني : الحاكم الحسكاني النيسابوري (4).
  أما عدم وجوده في الجزء الذي وقع إلى ابن عساكر من حديث طالوت بن عباد فغير مضر كما هو واضح .
   وأما نكارة الحديث ففي أي فقرة منه ؟! أفي حديث الشجرة ؟! أو في قوله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : « لو أن عبدا ... » ؟! أو في تلاوة آية المودة في هذا الموضع ؟!
   أما حديث الشجرة فقد رواه من أئمة الحديث كثيرون (5)وإليه أشار أمير المؤمنين (6) ولم يقل أحد بنكارته .
   وأما تلاوته الآية هنا ، فقد عرفت أنها نازلة في علي وفاطمة

---------------------------
(1) تاريخ دمشق ، ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام 1 | 133.
(2) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب : 317.
(3) لسان الميزان 4 | 434.
(4) شواهد التنزيل 2 | 141.
(5) راجع الجزء الخامس من كتابنا الكبير « نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار » ففيه روايات أنهما مخلوقان من نور واحد ، ومن شجرة واحدة .
(6) نهج البلاغة : 162.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 276 _

  وابنيهما .
   بقي قوله : « ولو أن عبدا ... » وأظنه يريد هذا ، وهو كلام جليل ، ومعناه دقيق ، وخلاصة بيانه أن الحب هو وسيلة الاتباع والقرب ، والعمل بلا درك حب النبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم غير مقرب إلىالله سبحانه وتعالى ، وكل عمل لا تقرب فيه إليه فهو باطل ، وصاحبه نم أهل النار وبئس القرار.
   هذا إذا أخذنا الكلام على ظاهره .
   وأما إذا كان كناية عن البغض ، فالأمر أوضح ، لأن بغض النبي وأهل بيته مبعد عن الله عز وجل ، ولا ينفع معه عمل ...
   اللهم اجعلنا من المحبين للنبي وآله ، ومن المتقربين بهم إليك .