|
الفصل الثالث في دلالة الآية المباركة على عصمة أهل البيت
ووكما أشرنا من قبل ، فإن أصحابنا يستدلون بالآية المباركة ـ بعد تعيين المراد بأهل البيت فيها بالأحاديث المتواترة بين الفريقين ـ على عصمة أهل البيت... وقد جاء ذكر وجه الاستدلال لذلك مشروحا في كتبهم في العقائد والإمامة ، وفي تفاسيرهم بذيل الآية المباركة ، ويتخلص في النقاط التالية :
1 ـ « إنما » تفيد الحصر ، فالله سبحانه حصر إرادة إذهاب الرجس عنهم.
2 ـ « الإرادة » في الآية الكريمة تكوينية ، من قبيل الإرادة في قوله تعالى : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (1) لا تشريعية من قبيل الإرادة في قوله تعالى ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) (2) ، لأن التشريعية تتنافى مع نص الآية بالحصر ، إذ لا خصوصية لأهل البيت في تشريع الأحكام لهم .
وتتنافى مع الأحاديث ، إذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم طبق الآية عليهم دون غيرهم .
3 ـ « الرجس ) في الآية هو « الذنوب » .
وتبقى شبهة : إن الإرادة التكوينية تدل على العصمة ، لأن تخلف المراد عن إرادته عز وجل محال ، لكن هذا يعني الالتزام بالجبر وهو ما لا تقول
---------------------------
(1) سورة يس 36 : 82.
(2) سورة البقرة 2 : 185.
تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 207 _
لإمامية به .
وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة ـ بناء على نظرية : لا جبر ولا تفويض ، بل أمر بين الأمرين ـ بما حاصله :
إن مفاد الآية أنّ الله سبحانه لما علم أن إرادة أهل البيت تجري دائما على وفق ما شرّعه لهم من التشريعات ، لما هم عليه من الحالات المعنوية العالية ، صح له تعالى أن يخبر عن ذاته المقدسة أنه لا يريد لهم بإرادته التكوينية إلا إذهاب الذنوب عنهم ، لأنه لا يوجد من أفعالهم ، ولا يقدرهم إلا على هكذا أفعال يقومون بها بإرادتهم لغرض إذهاب الرجس عن أنفسهم...
ثم إنه لولا دلالة الآية المباركة على هذه المنزلة العظيمة لأهل البيت ، لما حاول أعداؤهم من الخوارج والنواصب إنكارها ، بل ونسبتها إلى غيرهم ، مع أن أحدا لم يدّع ذلك لنفسه سواهم .
|