الفصل الثاني
في سقوط القولين الآخرين


ترجمة عكرمة :


  وبهذه الأحاديث الصحيحة المتفق عليها بين المسلمين يسقط القولان الآخران ، لأن المفروض أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسر بنفسه ـ قولا وفعلا ـ الآية المباركة ، وعيّن من نزلت فيه ، فلا يسمع ـ والحال هذه ـ ما يخالف تفسيره كائنا من كان ، فكيف والقائل بالقول الأول هو « عكرمة » ؟!
   وقد كان هذا الرجل أشد الناس مخالفة لنزول الآية في العترة الطاهرة فقط ، فقد حكي عنه أنه كان ينادي في الأسواق بنزولها في زوجات النبي فقط (1) أنه كان يقول : « من شاء باهلته أنها نزلت في نساء النبي خاصة » (2).
   وقد كان القول بنزورها في العترة هو الرأي الذي عليه المسلمون ، كما يبدو من هذه الكلمات ، بل جاء التصريح به في كلامه حيث قال : « ليس بالذي تذهبون إليه ، إنما هو نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم » (3).
   إلا أن من غير الجائز الأخذ بقول عكرمة في هذا المقام وأمثاله !

---------------------------
(1) تفسير الطبري 22 | 7 ، تفسير ابن كثير 3 | 415 ، أسباب النزول : 268.
(2) الدر المنثور 5 | 198 ، تفسير ابن كثير 3 | 415.
(3) الدر المنثور 5 | 198.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 203 _

ترجمة عكرمة :

  فإن عكرمة البربري من أشهر الزنادقة الذين وضعوا الأحاديث للطعن في الإسلام ! وإليك طرفا من تراجمه في الكتب المعتبرة المشهورة (1) :
  1 ـ طعنه في الدين :
   لقد ذكروا أن هذا الرجل كان طاعنا في الإسلام ، مستهزئا بالدين ، من أعلام الضلالة ودعاة السوء.
   فقد نقلوا عنه أنه قال : إنما أنزل الله متشابه القرآن ليضل به ! وقال في وقت الموسم : وددت أني اليوم بالموسم وبيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يمينا وشمالا !
   وأنه وقف على باب مسجد النبي وقال : ما فيه إلا كافر !
   وذكروا أنه كان لا يصلي ، وأنه كان في يده خاتم من الذهب ، وأنه كان يلعب بالنرد ، وأنه كان يستمع الغناء.
  2 ـ كان من دعاة الخوارج :
   وأنه إنما أهل أفريقية رأي الصفرية ـ وهم من غلاة الخوارج ـ منه ، وقد ذكروا أنه نحل ذلك الرأي إلى ابن عباس !
   وعن يحيى بن معين : إنما لم يذكر مالك عكرمة ، لأن عكرمة كان

---------------------------
(1) طبقات ابن سعد 5 | 287 ، الضعفاء الكبير 3 | 373 ، تهذيب الكمال 20 | 264 ، وفيات الأعيان 1 | 319 ، ميزان الاعتدال 3 | 93 ، المغني في الضعفاء 2 | 84 ، سير أعلام النبلاء 5 | 9 ، تهذيب التهذيب 7 | 263 ـ 273.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 204 _

  ينتحل رأي الصفرية.
   وقال الذهبي : قد تلكم الناس في عكرمة ، لأنه كان يرى رأي الخوارج.
  3 ـ كان كذابا :
   كذب على سيده ابن عباس حتى أوثقه علي بن عبدالله بن عباس على باب كنيف الدار ، فقيل له : أتفعلون هذا بمولاكم ؟! قال : إن هذا يكذب على أبي.
   وعن سعيد بن المسيب ، أنه قال لمولاه : يا برد ، إياك أن تكذب عليّ كما يكذب عكرمة على ابن عباس .
   وعن القاسم : إن عكرمة .
   وعن ابن سيرين ويحيى بن معين ومالك : كذاب .
   وعن ابن ذويب : كان غير.
   وحرم مالك الرواية عنه.
   وأعرض عنه مسلم بن الحجاج.
   وقال محمد بن سعد : ليس يحتج بحديثه .
   4 ـ ترك الناس جنازته :
  ولهذه الأمور وغيرها ترك الناس جنازته ؛ قيل : فما حمله أحد ، حتى اكتروا له أربعة رجال من السودان.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 205 _

  ترجمة مقاتل :
   ومقاتل حاله كحال عكرمة ، فقد أدرجه كل من : الدارقطني ، والعقيلي ، وابن الجوزي ، والذهبي في ( الضعفاء )... وتكفينا كلمة الذهبي : « اجمعوا على تركه » (1).
  ترجمة الضحاك :
   وأما القول الآخر فقد عزاه ابن الجوزي إلى الضحاك بن مزاحم فقط : وهذا الرجل أدرجه ابن الجوزي نفسه كالعقيلي في ( الضعفاء ) وتبعهما الذهبي فأدرجه في « المغني في الضعفاء » ... ونفوا أن يكون لقي ابن عباس ، بل ذكر بعضهم أنه لم يشافه أحدا من أصحا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
   وعن يحيى بن سعيد : كان الضحاك عندنا ضعيفا .
   قالوا : وكانت أمه حاملا به سنتين ! (2).
   هذا ، ولكن في نسبة هذا القول ـ كنسبة القول الأول إلى ابن السائب الكلبي ـ كلام فقد نسب إليهما القول باختصاص الآية بالخمسة الأطهار في المصادر وهو الصحيح ، كما حققنا ذلك في الرد على السالوس.

---------------------------
(1) سير أعلام النبلاء 7 | 201.
(2) تهذيب الكمال 13 | 291 ، ميزان الاعتدال 2 | 325 ، المغني في الضعفاء 1 | 312.