الفصل الثالث
محاولات يائسة وأكاذيب مدهشة

1 ـ الإخفاء والتعتيم على أصل الخبر :
2 ـ الإخفاء والتعتيم على حديث المباهلة :
3 ـ الإخفاء والتعتيم على اسم عليّ !!
4 ـ حذف اسم عليّ وزيادة « وناس من أصحابه » :
5 ـ التحريف بزيادة « عائشة وحفصة » :
6 ـ التحريف بحذف « فاطمة » وزيادة : « أبي بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده » :



  ولما كانت قضية المباهلة ، ونزول الآية المباركة في أهل البيت دون غيرهم ، من أسمى مناقب أمير المؤمنين عليه السلام الدالة على إمامته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد حاول بعض المتكلمين من مدرسة الخلفاء الإجابة عن ذلك ، كما سنرى بالتفصيل .
   لكن هناك محاولات بالنسبة إلى أصل الخبر ومتنه ، الأمر الذي يدل على إذعان القوم بدلالة الحديث وبخوعهم بعدم الجدوى فيما يحاولونه من المناقشة فيها ...
   وتلك المحاولات هي :
1 ـ الإخفاء والتعتيم على أصل الخبر :

   فمن القوم من لا يذكر الخبر من أصله !! مع ما فيه من الأدلة على النبوة وظهور الدين الإسلامي على سائر الأديان ... أذكر منهم ابن هشام (1) وتبعه ابن سيد الناس (2) ، والذهبي (3) وهذه عبارة الثاني في ذكر الوفود ، وهي ملخص عبارة الأول :
   « ثم بعث رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم خالد بن الوليد في

---------------------------
(1) السيرة النبوية لابن هشام 2 | 592.
(2) عيون الأثر في المغازي والسير 2 | 244.
(3) تاريخ الإسلام ـ المغازي ـ : 695.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 408 _

  شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة عشر ، إلى بني الحارث بن كعب بنجران ، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ، ثلاثا ، فإن استجابوا فاقبل منهم وإن لم يفعلوا فقاتلهم .
   فخرج خالد حتى قدم عليهم ، فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإسلام ، ويقولون : أيها الناس أسلموا تسلموا ، فأسلم الناس ودخلوا في ما دعوا إليه ، فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام ، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بذلك .
   فكتب له رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أن يُقْبِلَ ويُقْبِل معه وفدهم ، فأقبل وأقبل معه وفدهم ، منهم قيس بن الحصين ذي الغصة ... وأمّر عليهم قيس بن الحصين .
   فرجعوا إلى قومهم في بقية من شوال أو في ذي القعدة ، فلم يمكثوا إلا أربعة أشهر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ».

2 ـ الإخفاء والتعتيم على حديث المباهلة :

   وهذا ما حاوله آخرون ، منهم :
   * البخاري ـ تحت عنوان : قصة أهل نجران ، من كتاب المغازي ـ :
   « حدثني عباس بن الحسين ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة ، قال : جاء العاقب والسيد ـ صاحبا نجران ـ إلى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، يريدان أن يلاعناه .
   قال : فقال أحدهما لصاحبه : لا تفعل ، فوالله لئن كان نبيا فلاعنّا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا .
   قالا : إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا أمينا ولا تبعث معنا إلا أمينا ، فقال : لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين .

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 409 _

  فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فقال : قم يا ابا عبيدة بن الجراح ، فلما قام ، قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : هذا أمين هذه الأمة.
   حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، قال : سمعت أبا إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة رضي الله عنه قال : جاء أهل نجران إلى النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقالوا : ابعث لنا رجلا أمينا ، فقال : لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين ، فاستشرف له الناس ، فبعث عبيدة بن الجراح » (1).
   أقول :
   قد تقدم حديث حذيفة بن اليمان ، رواه القاضي الحسكاني بنفس السند ... لكن البخاري لم يذكر سبب الملاعنة ! ولا نزول الآية المباركة ! ولا خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعلي وفاطمة والحسنين عليه السلام !
   ولا يخفى التحريف في روايته ، وعبارته مشوشة جدا ، يقول : « جاء ... يريدان أن يلاعناه فقال أحدهما لصاحبه : لا تفعل » فقد جاءا « يريدان أن يلاعناه » فلابد وأن حدث شيء ؟ « فقال أحدهما لصاحبه ... » فما الذي حدث ؟!!
   لقد أشار الحافظ ابن حجر في شرحه إلى نزول الآية وخروج النبي للملاعنة بأهل البيت عليهم السلام ، لكنها إشارة مقتضبة جدا !!

---------------------------
(1) صحيح البخاري 5 | 217. ط دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 410 _

  ثم قال : « قالا : إنا نعطيك ما سألتنا » والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يسال شيئا ، وإنما دعاهما إلى الإسلام وما جاء به القرآن ، فأبيا ، فآذنهم بالحرب ، فطلبا منه الصلح إعطاء الزية ، فكتب لهما بذلك وكان الكاتب عليا عليه السلام .
   ثم إن البخاري ـ بعد أن حذف حديث المباهلة وأراد إخفاء فضل أهل الكساء ـ وضع فضيلة لأبي عبيدة ، بأنهما قالا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : « ابعث معنا رجلا أمينا » فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح ...
   لكن في غير واحد من الكتب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إليهم عليا عليه السلام ، وهذا ما نبّه عليه الحافظ وأراد رفع التعارض ، فقال : « وقد ذكر ابن إسحاق أن النبي بعث عليا إلى اهل النجران ليأتيه بصدقاتهم وجزيتهم ، وهذه القصة غير قصة أبي عبيدة ، لأن أبا عبيدة توجه معهم فقبض مال الصلح ورجع ، وعلي أرسله النبي بعد ذلك يقبض منهم ما استحق عليهم من الجزية ويأخذ ممن أسلم منهم ما وجب عليه من الصدقة ، والله أعلم » (1).
   قلت :
   ولم أجد في روايات القصة إلا أنهما « أقرا بالجزية » التزما بدفع ما لم تضمنه الكتاب الذي كتبه صلى الله عليه وآله وسلم لهم ، ومن ذلك : ألفا حلة « في كل رجب ألف » وهذه هي الجزية ، وعليها جرى أبو بكر وعمر ، حتى جاء عثمان فوضع عنهم بعض ذلك ! وكان مما

---------------------------
(1) فتح الباري ـ شرح صحيح البخاري ـ 8 | 77.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 411 _

  كتب : « إني قد وضعت عنهم من جزيتهم مائتي حلة لوجه الله » ! (1).
   ثم إن رجوعهما إلى قومهما كان في بقية من شوال أو ذي القعدة (2) فأين رجب ؟! وأين صفر ؟!
   فما ذكره الحافظ رفعا للتعارض ساقط .
   ولعله من هنا لم تأت هذه الجملة في رواية مسلم ، فقد روى الخبر عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة ، قال : « جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقالوا : يا رسول الله ! ابعث إلينا رجلا أمينا ، فقال : لأبعثن إليكم رجلا أمينا ... » (3).
   ثم إنه قد تعددت أحاديث القوم في « أمانة أبي عبيدة » حتى أنهم رووا بلفظ « أمين هذه الأمة أبو عبيدة » ، وقد تكلمنا على هذه الأحاديث من الناحيتين ـ السند والدلالة ـ في كتابنا الكبير بالتفصيل (4).
  ابن سعد ، فإنه ذكر تحت عنوان « وفد نجران » : كتب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إلى أهل نجران ، فخرج إليه وفدهم ، أربعة ودعاهم إلى الإسلام ، فأبَوا ، وكثر الكلام والحجاج بينهم ، وتلا عليهم القرآن ، وقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : إن أنكرتم ما أقول لكم فهلم أباهلكم ، فانصرفوا على ذلك .
  فغدا عبد المسيح ورجلان من ذوي رأيهم على رسول الله صلى الله

---------------------------
(1) فتوح البلدان : 77.
(2) عيون الأثر 2 | 244 ، وغيره.
(3) صحيح مسلم 7 | 139.
(4) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 11 | 315 ـ 338.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 412 _

  عليه [ وآله ] وسلم ، فقال : قد بدا لنا أن لا نباهلك ، فاحكم علينا بما أحببت نعطك ونصالحك ، فصالحهم على ...
   وأشهد على ذلك شهودا ، منهم : أبو سفيان بن حرب ، والأقرع بن حابس ، والمغيرة بن شعبة .
   فرجعوا إلى بلادهم ، فلم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فأسلما ، وأنزلهما دار أبي أيوب الأنصاري. وأقام أهل نجران على ما كتب لهم به النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم حتى قبضه الله... » (1).
  وقال الطبري ـ في ذكر الوفود في السنة العاشرة ـ : « وفيها قدم وفد العاقب والسيد من نجران ، فكتب لهما رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم كتاب الصلح » (2).
   ثم قال في خروج الأمراء والعمال على الصدقات : « وبعث عليّ بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم » (3).
  وقال ابن الجوزي : « وفي سنة عشر من الهجرة أيضا قدم العاقب والسيد من نجران ، وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم كتاب صلح » (4).
  وقال ابن خلدون : « وفيها قدم وفد نجران النصارى ، في سبعين

---------------------------
(1) الطبقات الكبرى 1 | 357 ـ 358.
(2) تاريخ الطبري 3 | 139.
(3) تاريخ الطبري 3 | 147.
(4) المنتظم في تاريخ الأمم ـ حوادث السنة العاشرة ـ 4 | 3.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 413 _

  راكبا ، يقدمهم أميرهم العاقب عبد المسيح من كندة ، وأسقفهم أبو حارثة من بكر بن وائل والسيد الأيهم ، وجادلوا عن دينهم ، فنزل صدر سورة آل عمران ، وآية المباهلة ، فأبوا منها ، وفرقوا وسألوا الصلح ، وكتب لهم به على ألف حلة في صفر وألف في رجب ، وعلى دروع ورماح وخيل وحمل ثلاثين من ل صنف ، وطلبوا أن يبعث معهم واليا يحكم بينهم ، فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح ، ثم جاء العاقب والسيد أسلما » (1).
3 ـ الإخفاء والتعتيم على اسم عليّ !!

   وحاول آخرون منهم أن يكتموا اسم علي عليه السلام :
  فحذفوا اسمه من الحديث ، كما في الرواية عن جد سلمة بن عبد يشوع المتقدمة .
  بل تصرف بعضهم في حديث مسلم وأسقط منه اسم « عليّ » كما سيأتي عن « البحر المحيط » !!
  والبلاذري عنون في كتابه « صلح نجران » وذكر القصة ، فقال :
   « فأنزل الله تعالى : ( ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ * إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ـ إلى قوله : ـ الْكَاذِبِينَ ) فقرأها رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم عليهما ، ثم دعاهما إلى المباهلة ، وأخذ بيد فاطمة والحسن والحسين ، فقال أحدهما لصاحبه : اصعد الجبل ولا تباهله ، فإنك إن باهلته يؤت باللعنة .
   قال : فما ترى ؟ قال : أرى أن نعطيه الخراج ولا نباهله ... » (2).

---------------------------
(1) تاريخ ابن خلدون 4 | 836 ـ 837.
(2) فتوح البلدان 75 ـ 76.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 414 _

  * وابن القيم اقتصر على رواية جد سلمة ، ولم يورد اللفظ الموجود عند مسلم وغيره ، قال : « وروينا عن أبي عبدالله الحاكم ، عن الأصم ، عن أحمد بن عبد الجبار ، عن يونس بن بكير ، عن سلمة بن عبد يوشع ، عن أبيه ، عن جده ، قال يونس ـ وكان نصرانيا فأسلم ـ : إن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم كتب إلى أهل نجران ... » فحكى القصة إلى أن قال :
   « فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم الغد بعدما أخبرهم الخبر ، أقبل مشتملا على الحسن والحسين رضي الله عنهما في خميل له وفاطمة رضي الله عنها تمشي عند ظهره للمباهلة ، وله يومئذ عدة نسوة... » (1).
  وكذا فعل ابن كثير في تاريخه ... (2).
  واختلف النقل عن الشعبي على إشكال :
   أحدها : روايته عن جابر بن عبد الله ، وفيها نزول الآية في عليّ وفاطمة والحسنين .
   والثاني : روايته الخبر مع حذف اسم عليّ !! رواه عنه جماعة وعنهم السيوطي ، وقد تقدم .
   وجاء عند الطبري بعد الخبر عن ابن حميد ، عن جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي ؛ وليس فيه ذكر علي : « حدثنا ابن حميد ، قال ثنا جرير ، قال : فقلت للمغيرة :
   إن الناس يروون في حديث أهل نجران أن عليا كان معهم !
   فقال : أما الشعبي فلم يذكره ، فلا أدري لسوء رأي بني أمية في علي ،

---------------------------
(1) زاد المعاد في هدي خير العباد 3 | 39 ـ 40.
(2) البداية والنهاية 5 | 53.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 415 _

  أو لم يكن في الحديث » (1).
   والثالث : روايته الخبر مع حذف اسم علي ! وإضافة « وناس من أصحابه » !! وهو ما نذكره :

4 ـ حذف اسم عليّ وزيادة « وناس من أصحابه » :

  وهذا الخبر لم أجده إلا عند ابن شبة ، عن الشعبي ، حيث قال :
  « حدثنا أبو الوليد أحمد بن عبد الرحمن القرشي ، قال : حدثنا الوليد ابن مسلم ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الفزاري ، عن عطاء بن السائب ، عن الشعبي ، قال : قدم وفد نجران ، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : أخبرنا عن عيسى ...
   قال : فأصبح رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وغدا حسن وحسين وفاطمة وناس من أصحابه ، وغدوا إلى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقالوا :
   ما للملاعنة جئناك ، ولكن جئناك لتفرض علينا شيئا نؤديه إليك ... » (2).
   فإذا كان المراد من « وغدا حسن... » أنهم خرجوا مع رسول الله ليباهل بهم ، فقد أخرج صلى الله عليه وآله وسلم مع أهل بيته « ناسا من الصحابة » !!
   وإذا كان قد خرج مع النبي « ناس من أصحابه » فلماذا لم يجعل الراوي عليا منهم في الأقل !!
   لكن الشعبي ـ إن كانت هذه التحريفات منه لا من الرواة عنه ـ معروف بنزعته الأموية ، ولعل في أحد الروايات التي نقلناها سابقا عن تفسير الطبري ـ إشارة إلى ذلك ... وقد كان الشعبي أمين آل مروان ،

---------------------------
(1) تفسير الطبري 3 | 211.
(2) تاريخ مدينة المنورة 1 | 581 ـ 582.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 416 _

  وقاضي الكوفة في زمانهم ، وكان نديما لعبد الملك بن مروان مقربا إليه ، وكل ذلك وغيره مذكور بترجمته في الكتب ، فلتراجع .

5 ـ التحريف بزيادة « عائشة وحفصة » :

   وهذا اللفظ وجدته عند الحلبي ، قال : « وفي لفظ : أنهم وادعوه على الغد ، فلما أصبح صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أقبل ومعه حسن وحسين وفاطمة وعلي رضي الله عنهم وقال : اللهم هؤلاء أهلي...
   وعن عمر رضي الله عنه ، أنه قال للنبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : لو لاعنتهم يا رسول الله بيد من كنت تأخذ ؟ قال صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : آخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين وعائشة وحفصة .
   وهذا ـ أي زيادة عائشة وحفصة ـ دل عليه قوله تعالى : ( وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ ) وصالحوه ... » (1).

6 ـ التحريف بحذف « فاطمة » وزيادة : « أبي بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده » :

  وهذا لم أجده إلاّ عند ابن عساكر ، وبترجمة عثمان بالذات ! من تاريخه ، قال :
   « أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم ، أنبأ أبو الفضل ابن الكريدي ، أنبأ أبو الحسن العتيقي ، أنا أبو الحسن الدارقطني ، نا أبو الحسين أحمد بن قاج ، نا محمد بن جرير الطبري ـ إملاء علينا ـ نا سعيد بن عنبسة الرازي ، نا الهيثم بن عدي ، قال : سمعت جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الآية ( تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ).

---------------------------
(1) إنسان العيون ـ السيرة الحلبية 3 | 236.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 417 _

  قال : فجاء بأبي بكر وولده ، وبعمر وولده ، وبعثمان وولده ، وبعلي وولده » (1).
   ورواه عنه : السيوطي (2) والشوكاني (3) والآلوسي (4) والمراغي (5) ساكتين عنه !! نعم قال الآلوسي : « وهذا خلاف ما رواه الجمهور » .
   أقول :
   كانت تلك محاولات القوم في قبال الحديث المباهلة ، وتلاعباتهم في لفظه ... بغضّ النظر عن تعابير بعضهم عن الحديث بـ « قيل » و« روي » ونحو ذلك مما يقصد منه الاستهانة به عادة .
   هذا ، والأليق بنا ترك التكلم على هذه التحريفات ـ زيادة ونقيصة ـ لوضوح كونها من أيد أموية ، تحاول كتم المناقب العلوية ، لعلمهم بدلالتها على مزايا تقضي الأفضلية ، كما حاولت في ( حديث الغدير ) و( حديث المنزلة ) ونحوهما .
   وفي ( حديث المباهلة ) أرادوا كتم هذه المزية ، ولو بترك ذكر أصل القضية ! أو بحذف اسم علي أو فاطمة الزكية ...
   ولولا دلالة على الأفضلية ـ كما سيأتي ـ لما زاد بعضهم « عائشة وحفصة » إلى جنب فاطمة !!

---------------------------
(1) تاريخ دمشق ـ ترجمة عثمان بن عفان ـ : 168 ـ 169.
(2) الدر المنثور 2 | 40.
(3) فتح القدير 1 | 348.
(4) روح المعاني 3 | 190.
(5) تفسير المراغي 4 | 175.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 418 _

  بل أراد بعضهم إخراج الحديث عن الدلالة بانحصار هذه المزية في أهل البيت عليهم السلام ، فوضع على لسان أحدهم ـ وهو الإمام الباقر ، يرويه عنه الإمام الصادق ـ ما يدل على كون المشايخ الثلاثة في مرتبة علي ، وأن ولدهم في مرتبة ولده !!
   وضعوه على لسان الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ليروج على البسطاء من الناس !!
   وكم فعلوا من هذا القبيل على لسان أئمة أهل البيت عليهم السلام وأولادهم ، في الأبواب المختلفة من التفسير والفقه والفضائل (1) !
   إن ما رواه ابن عساكر لم يخرجه أحد من أرباب الصحاح والمسانيد والمعاجم ، ولا يقاوم ـ بحسب قواعد القوم ـ ما أخرجه أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم ، ونص الحاكم على تواتره ، وغيره على ثبوته .
   بل إن هذا الحديث لم يعبأ به حتى مثل ابن تيمية المتشبث بكل حشيش !
   إن هذا الحديث كذب محض ، باطل سندا ومتنا ... ولنتكلم على اثنين من رجاله :
  1 ـ سعيد بن عنبسة الرازي :
   ليس من رجال الصحاح والسنن ونحوها ، وهو كذاب ، ذكره ابن أبي حاتم فقال : « سعيد بن عنبسة ، أبو عثمان ، الخزاز الرازي ... سمع منه أبي ولم يحدث عنه ، وقال : فيه نظر .
   حدثنا عبد الرحمن ، قال : سمعت عليّ بن الحسين ، قال : سمعت

---------------------------
(1) ذكرتنا في بعض بحوثنا المنشورة نماذج من ذلك ، ويا حبذا لو تجمع وتنشر في رسالة مفردة ، والله الموفق.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 419 _

  يحيى بن معين ـ وسئل عن سعيد بن عنبسة الرازي ـ فقال : لا أعرفه.
   فقيل : إنه حدث عن أبي عبيدة الحداد حديث ( والآن ) ؟ فقال : هذا كذاب .
   حدثنا عبد الرحمن ، قال : سمعت علي بن الحسين يقول : سعيد بن عنبسة كذاب .
   سمعت أبي يقول : كان لا يصدق » (1).
  2 ـ الهيثم بن عدي :
   وقد اتفقوا على أنه كذاب .
   قال ابن أبي حاتم : « سئل يحيى بن معين عن الهيثم بن عدي ، فقال : كوفي وليس بثقة ، كذاب .
   سألت أبي عنه ، فقال : متروك الحديث » (2).
   وأورده ابن حجر الحافظ في ( لسانه ) فذكر الكلمات فيه :
   البخاري : ليس بثقة ، كان يكذب .
   يحيى بن معين : ليس بثقة ، كان يكذب .
   أبو داود : كذاب .
   النسائي وغيره : متروك الحديث .
   ابن المديني : لا أرضاه في شي .
   أبو زرعة : ليس بشيء .
   العجلي : كذاب .
   الساجي : كان يكذب .

---------------------------
(1) الجرح والتعديل 4 | 52.
(2) الجرح والتعديل 9 | 85.

تَشْييد المُراجعَاتْ وَتَفنيدُ المُكَابَرَاتْ _ 420 _

  أحمد : صاحب أخبار وتدليس .
   الحاكم والنقاش : حدث عن الثقات بأحاديث منكرة .
   محمود بن غيلان : أسقطه أحمد ويحيى وأبو خيثمة .
   ذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني في الضعفاء .
   كذب الحديث ـ لكون الهيثم فيه ـ جماعة كالطحاوي في « مشكل الحديث » والبيهقي في « السنن » والنقاش والجوزجاني في ما صنفا من الموضوعات (1).
   أقول :
   هب أن ابن عساكر روى هذا الخبر الموضوع في كتابه « تاريخ دمشق » فإن هذا الكتاب فيه موضوعات كثيرة ، كما نص عليه ابن تيمية (2) وغيره ، فما بال السيوطي ومن تبعه يذكرونه بتفسير القرآن الكريم وبيان المراد من آية من كلام الله الحكيم ؟!!

---------------------------
(1) لسان الميزان 6 | 209.
(2) منهاج السنة 7 | 40.