الفهرس العام

الإرادة والمشيئة


تفسير آيات القضاء والقدر
تفسير أخبار القضاء والقدر
معنى فطرة الله
فصل : في [ معنى ] الاستطاعة
فصل : في [ معنى ] البداء
فصل : في النهي عن الجدال
فصل : في اللوح والقلم

   قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمه الله ـ (1 و 2) نقول : شاء الله وأراد (3) ولم يحب ولم

---------------------------
(1) الاعتقادات ص 30 .
(2) عنه في البحار 5 : 90 ـ 91 / 1 .
(3) هذا الفصل من فروع بحث الإرادة ، وقد استحق من المتكلمين عناية وعنوانا مفردا على أثر الاختلاف العظيم بين العلماء وزعماء المذاهب في المشيئة الإلهية المذكورة في آيات الذكر الحكيم متعلقة بأمور غير مرضية لديه سبحانه ، ثم في تأويلها بوجوه لا تخلو عن التكلف في الأكثر ، وأهمها آية الأنعام : 148 ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ ) ثم آية الزخرف : 20 ( وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) وآيات كثيرة توهم تعلق إرادة الخالق بما يستقبحه المخلوق ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
   أما السلف الصالح من آل محمد ، فلا يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق في الاصرار على تنزيه الرب سبحانه وتقدسه عن كل ما هو قبيح أو شبه قبيح وشدة استنكارهم تعلق مشيئة الله أو إرادته بشرك أو ظلم أو فاحشة قط ، فضلا عن فعله أو خلق فعله أو الأمر به ، إذ كل ذلك عندهم خلاف حكمته وعدله وفضله ، كذلك الحسيات العامة في البشر تجل ذوي العدل والفضل عن التمدح بإرادة القبائح ، فكيف ترمي بها الحرم الإلهي .
   أما الجواب عن الآيتين فبأن المقالة فيهما عن لسان المشركين ، ومقالة المشركين من شأنها أن تورد للرد عليها لا للأخذ بها ، فالآيتان إذن حجتان لأهل العدل لا عليهم ، ولا سيما بعد اشتمالهما على ذم القائلين بهذه المقالة ونسبتهم إلى التخرص والجهالة ، ش ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 49 _

   يرض ، وشاء ـ عز اسمه ـ ألا يكون شئ إلا بعلمه وأراد مثل ذلك (1) .
   قال الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ : الذي ذكره الشيخ أبو جعفر ـ رحمه الله ـ في هذا الباب لا يتحصل ، ومعانيه تختلف وتتناقض ، والسبب في ذلك أنه عمل على ظواهر الأحاديث المختلفة ولم يكن ممن يرى النظر فيميز بين الحق منها والباطل ويعمل على ما يوجب الحجة ، ومن عول في مذهبه على الأقاويل المختلفة وتقليد الرواة كانت حاله في الضعف ما وصفناه (2) .
   والحق في ذلك : أن الله تعالى لا يريد

---------------------------
(1) الكافي 1 : 151 / 5 ، التوحيد : 339 / 9 .
(2) ذهبت أنظار العلماء مذاهب شتى في الإرادة والمشيئة المذكورتين في بعض الآيات ، فمن قائل إن الإرادة أزلية وعين ذاته سبحانه ومتعلقاتها حوادث تتجدد بتجدد العلاقات الوقتية ، فالمشرك بالله اليوم لم تتعلق بهدايته إرادة الله في الأزل بخلاف المؤمن الذي قد تعلقت بهدايته الإرادة الأزلية . وقائل آخر إن الارادات الربانية تتجدد بتجدد الكائنات والحادثات ، أو أن إرادته ( بالأحرى ) هي الخلق ما ظهر منه وما بطن ، وما قبح منه أو حسن ، وثالث في القوم يرى الإرادة والمشيئة عبارتين عن الداعي إلى الفعل أو الداعي إلى تركه ، ولا يكون الداعي الإلهي إلا حسنا وصالحا فيريد اليسر ولا يريد العسر ويشاء الإيمان ولا يشاء الكفر ، ورابع فيهم لا يرى الإرادة والمشيئة شيئا سوى العلم بالمصلحة أو العلم بالمفسدة ، غاية الأمر .
   مصلحة خاصة ومفسدة مخصوصة ، وقد فصلت أقوالهم وأدلتهم في الكتب الكلامية ، وما خلافهم هذا إلا فرعا من اختلافهم في أصل الإرادة الإلهية .
   وجدير بالمرء أن يقنع في هذه الورطة باعتقاد : أن الله سبحانه مريد فقط ولا يريد شيئا من السيئات والقبائح قط ، دون أن يتعمق في كنه الإرادة والمشيئة ، هذا ما يقتضيه العقل والعدل وتقضي به ظواهر الكتاب والسنة ، فكلما صادفته آية أو رواية مخالفة لهذا الاعتقاد لجأ إلى تأويلها تأويلا مناسبا لأصول البلاغة واللغة ومتفقا مع المذهب ، وخير كتاب يسكن النفس ويروي الغليل في هذا المقام كتاب ( متشابه القرآن ومختلفه ) للعالم الثقة محمد بن شهرآشوب السروي ـ روح الله روحه . =>

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 50 _

   إلا ما حسن من الأفعال ، ولا يشاء إلا الجميل من الأعمال ولا يريد القبائح ولا يشاء الفواحش ، تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا .
   قال الله تعالى : ( وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ ) (1)
   وقال تعالى : ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (2)
   وقال تعالى : ( يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) (3) الآية .
   وقال : ( وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ

---------------------------
  => وقال العلامة الإمام حجة العلم والدين السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ـ مد ظله ـ في رسالته النفيسة ( إلى المجمع العلمي العربي بدمشق ـ ص 50 ـ 52 ط صيدا ) ما نصه : وكفى في فضل ابن شهر آشوب إذعان الفحول من أعلام أهل السنة له بجلالة القدر وعلو المنزلة ، وقد ترجمه الشيخ صلاح الدين الصفدي خليل بن أيبك الشافعي ، فذكر أنه حفظ أكثر القرآن وله ثمان سنين ، وبلغ النهاية في أصول الشيعة ، ( قال ) : وكان يرحل إليه من البلاد ، ثم تقدم في علم القرآن والغريب والنحو ووعظ على المنبر أيام المقتفي ببغداد فأعجبه وخلع عليه ، وقال : وكان بهي المنظر حسن الوجه والشيبة ، صدوق اللهجة ، مليح المحاورة ، واسع العلم ، كثير الخشوع والعبادة والتهجد ، لا يكون إلا على وضوء ( قال ) : وأثنى عليه ابن أبي طي في تاريخه ثناءا كثيرا ، توفي سنة 588 ، وذكره الفيروز آبادي في محكي بلغته ، وأثنى عليه بما يقرب من ثناء الصفدي ، وذكر أنه عاش مائة سنة إلا عشرة أشهر .
   وعن بعض أهل المعاجم في التراجم من أهل السنة أنه قال في ترجمته : وكان إمام عصره، ووحيد دهره ، أحسن الجمع والتأليف ، وغلب عليه علم القرآن والحديث ، وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنة في تصانيفه وتعليقات الحديث ورجاله ومراسيله ، ومتفقه ومتفرقه إلى غير ذلك من أنواعه ، واسع العلم ، كثير الفنون ، مات في شعبان سنة 588 ه‍ ، چ .
(1) غافر : 31 .
(2) البقرة : 185 .
(3) النساء : 26 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 51 _

   ميلا عظيما ) (1) . وقال : ( يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ) (2) فخبر سبحانه أنه لا يريد بعباده العسر ، بل يريد بهم اليسر ، وأنه يريد لهم البيان ولا يريد لهم الضلال ، ويريد التخفيف عنهم ولا يريد التثقيل عليهم ، فلو كان سبحانه مريدا لمعاصيهم لنافى ذلك إرادة البيان لهم والتخفيف عنهم واليسر لهم ، وكتاب الله تعالى شاهد بضد ما ذهب إليه الضالون المفترون على الله الكذب ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
   فأما ما تعلقوا به من قوله تعالى : ( فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ) (3) فليس للمجبرة به تعلق ولا فيه حجة من قبل أن المعنى فيه أن من أراد الله تعالى أن ينعمه ويثيبه جزاء على طاعته شرح صدره للاسلام بالألطاف التي يحبوه بها ، فييسر له بها استدامة أعمال الطاعات ، والهداية في هذا الموضع هي النعيم (4) .
   قال الله تعالى فيما خبر به عن أهل الجنة : ( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا ) (5) الآية ، أي : نعمنا به وأثابنا إياه ، والضلال في هذه الآية هو العذاب قال الله تعالى : ( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ) (6) فسمى الله تعالى العذاب ضلالا والنعيم هداية ، والأصل في ذلك أن الضلال هو الهلاك والهداية هي النجاة .

---------------------------
(1) النساء : 27 .
(2) النساء : 28 .
(3) الأنعام : 125 .
(4) في بعض النسخ : التنعيم .
(5) الأعراف : 43 .
(6) القمر : 47 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 52 _

   قال الله تعالى حكاية عن العرب : ( أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) (1) يعنون إذا هلكنا فيها وكان المعنى في قوله : ( فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ ) ما قدمناه وبيناه ، ( وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ ) ما وصفناه ، والمعنى في قوله تعالى : ( يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ) يريد سلبه التوفيق عقوبة له على عصيانه ومنعه الألطاف جزاء له على إساءته ، فشرح الصدر ثواب الطاعة بالتوفيق ، وتضييقه عقاب المعصية بمنع التوفيق ، وليس في هذه الآية على ما بيناه شبهة لأهل الخلاف فيما ادعوه من أن الله تعالى يضل عن الإيمان ، ويصد عن الاسلام ، ويريد الكفر ، ويشاء الضلال .
   وأما قوله تعالى : ( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ) (2) فالمراد به الإخبار عن قدرته ، وأنه لو شاء أن يلجئهم إلى الإيمان ويحملهم عليه بالاكراه والاضطرار لكان على ذلك قادرا ، لكنه شاء تعالى منهم الإيمان على الطوع والاختيار ، وآخر الآية يدل على ما ذكرناه وهو قوله تعالى : ( أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ) (3) يريد أنه قادر على إكراههم على الإيمان ، لكنه لا يفعل ذلك ، ولو شاء لتيسر عليه ، وكل ما يتعلقون به من أمثال هذه الآية فالقول فيه ما ذكرناه أو نحوه على ما بيناه ، وفرار المجبرة من إطلاق القول بأن الله تعالى يريد أن يعصى ويكفر به ، ويقتل أولياؤه ، ويشتم أحباؤه إلى القول بأنه يريد أن يكون ما علم كما علم ، ويريد أن تكون معاصيه قبائح منهيا عنها ، وقوع فيما هربوا منه ، وتورط فيما كرهوه ، وذلك أنه إذا كان ما علم من القبيح كما علم

---------------------------
(1) السجدة : 10 .
(2) يونس : 99 .
(3) يونس : 99 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 53 _

   وكان تعالى مريدا لأن يكون ما علم من القبيح كما علم فقد أراد القبيح وأراد أن يكون قبيحا فما معنى فرارهم من شئ إلى نفسه وهربهم من معنى إلى عينه ، فكيف يتم لهم ذلك مع أهل العقول ، وهل قولهم هذا إلا كقول إنسان : أنا أسب زيدا لكني أسب أبا عمرو ، وأبو عمرو هو زيد ، أو كقول اليهود إذ قالوا سخرية بأنفسهم : نحن لا نكفر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لكنا نكفر بأحمد ، فهذا رعونة وجهل ممن صار إليه ، وعناء وضعف عمل (1) ممن اعتمد عليه .

---------------------------
(1) ( ق ) : عقل ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 54 _

تفسير آيات القضاء والقدر
فصل : فيما ذكر الشيخ أبو جعفر في القضاء والقدر
   قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمه الله ـ في القضاء والقدر : الكلام في القدر منهي عنه ، وروى حديثا لم يذكر له إسنادا (1 و 2) .
   قال الشيخ أبو عبد الله المفيد ـ عليه الرحمة ـ (3) : عول (4) أبو جعفر ـ رحمه الله ـ في هذا الباب على أحاديث شواذ لها وجوه يعرفها العلماء متى صحت وثبت إسنادها ولم يقل فيه قولا محصلا ، وقد كان ينبغي له لما لم يكن يعرف للقضاء معنى أن يهمل الكلام فيه ، والقضاء معروف في اللغة وعليه شواهد من القرآن ، فالقضاء على أربعة أضرب : أحدها : الخلق ، والثاني : الأمر ، والثالث : الإعلام ، والرابع : القضاء [ في الفصل بالحكم ] (5) .
   فأما شاهد القضاء في معنى الخلق فقوله تعالى : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ ـ إلى قوله ـ : فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) (6) يعني خلقهن سبع سموات في يومين .

---------------------------
(1) الاعتقادات ص 34 .
(2) التوحيد : 365 .
(3) عنه في البحار 5 : 97 / 22 ، 23 ، 24 .
(4) في بقية النسخ : عمل .
(5) في بعض النسخ : بالفصل في الحكم .
(6) فصلت : 11 ، 12 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 55 _

   وأما شاهد القضاء في معنى الأمر فقوله تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ) (1) يريد أمر ربك .
   وأما شاهد القضاء في الإعلام فقوله تعالى : ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ) (2) يعني أعلمناهم ذلك وأخبرناهم به قبل كونه .
   وأما شاهد القضاء بالفصل (3) بالحكم بين الخلق فقوله تعالى : ( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ) (4) [ يعني يفصل بالحكم ] (5) بالحق بين الخلق وقوله : ( وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ ) (6) يريد وحكم بينهم بالحق ، وفصل بينهم بالحق ، وقد قيل إن للقضاء وجها خامسا وهو الفراغ من الأمر ، واستشهد على ذلك بقول يوسف ـ عليه السلام ـ : ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) (7) يعني فرغ منه ، وهذا يرجع إلى معنى الخلق ، وإذا ثبت ما ذكرناه في أوجه القضاء بطل قول المجبرة أن الله تعالى قضى بالمعصية على خلقه ، لأنه لا يخلو إما أن يكونوا يريدون به أن الله خلق العصيان في خلقه ، فكان يجب أن يقولوا قضى في خلقه (8) بالعصيان ولا يقولوا قضى عليهم ، لأن الخلق فيهم لا عليهم ، مع أن الله تعالى قد أكذب من زعم أنه خلق المعاصي (9) لقوله (10) سبحانه : ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) (11) فنفى عن خلقه القبح وأوجب له الحسن ، والمعاصي قبائح بالاتفاق ، ولا وجه لقولهم قضى بالمعاصي (12) على معنى أنه أمر بها ، لأنه تعالى قد

---------------------------
(1) بني إسرائيل : 23 .
(2) بني إسرائيل : 4 .
(3) في المطبوعة : في الفصل .
(4) غافر : 20 .
(5) ( ق ) : أي يحكم بينهم .
(6) الزمر : 69 .
(7) يوسف : 41 .
(8) ( ز ) : الخلق .
(9) بحار الأنوار 5 : 98 .
(10) في بقية النسخ : بقوله .
(11) السجدة : 7 .
(12) في بقية النسخ : المعاصي ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 56 _

   أكذب مدعي ذلك بقوله : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) (1) ولا معنى لقول من زعم أنه قضى بالمعامي على معنى أنه أعلم الخلق بها إذا كان الخلق لا يعلمون أنهم في المستقبل يطيعون أو يعصون ولا يحيطون علما بما يكون منهم في المستقبل على التفصيل ، ولا وجه لقولهم إنه قضى بالذنوب على معنى أنه حكم بها (2) بين العباد ، لأن أحكامه (3) تعالى حق والمعاصي منهم (4) ولا لذلك فائدة وهو لغو بالاتفاق ، فبطل قول من زعم أن الله تعالى يقضي بالمعاصي والقبائح .
   والوجه عندنا في القضاء والقدر بعد الذي بيناه في معناه أن لله تعالى في خلقه قضاء وقدرا وفي أفعالهم أيضا قضاء وقدرا معلوما ويكون المراد بذلك أنه قد قضى في أفعالهم الحسنة بالأمر بها وفي أفعالهم القبيحة بالنهي عنها ، وفي أنفسهم بالخلق لها ، وفيما فعله فيهم بالايجاد له ، والقدر منه سبحانه فيما فعله (5) إيقاعه في حقه وموضعه ، وفي أفعال عباده ما قضاه فيها من الأمر والنهي والثواب والعقاب ، لأن ذلك كله واقع موقعه ، موضوع في مكانه لم يقع عبثا ولم يصنع باطلا ، فإذا فسر القضاء في أفعال الله تعالى والقدر بما شرحناه زالت الشنعة منه ، وثبتت الحجة به ، ووضح (6) الحق فيه لذوي العقول ، ولم يلحقه فساد ولا إخلال .

---------------------------
(1) الأعراف : 28 .
(2) بحار الأنوار 5 : 99 .
(3) (أ) (ح) (ز) (ق) (ش) : أحكام الله .
(4) (ش) (ق) : فيهم .
(5) بحار الأنوار 5 : 99 .
(6) (ش) (ق) : وصح ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 57 _

تفسير أخبار القضاء والقدر
   فأما الأخبار التي رواها أبو جعفر ـ رحمه الله ـ (1) في النهي عن الكلام في القضاء والقدر فهي تحتمل وجهين :
   أحدهما : أن يكون النهي خاصا بقوم كان كلامهم في ذلك يفسدهم ويضلهم عن الدين ولا يصلحهم في عبادتهم إلا الامساك عنه وترك الخوض فيه ، ولم يكن النهي عنه عاما لكافة المكلفين ، وقد يصلح بعض الناس بشئ يفسد به آخرون ، ويفسد بعضهم بشئ يصلح به آخرون ، فدبر (2) الأئمة ـ عليهم السلام ـ أشياعهم في الدين بحسب ما علموه (3) من مصالحهم فيه .
   وثانيا (4) : أن يكون النهي عن الكلام في القضاء والقدر النهي عن الكلام فيما خلق الله تعالى وعن علله وأسبابه وعما أمر به وتعبد (5) ، وعن القول في علل ذلك إذا كان طلب علل الخلق والأمر محظورا ، لأن الله تعالى سترها عن أكثر خلقه ، ألا ترى أنه لا يجوز لأحد أن يطلب لخلقه جميع ما خلق عللا مفصلات فيقول لم خلق كذا وكذا ؟ حتى يعد المخلوقات كلها ويحصيها ، ولا يجوز أن يقول : لم أمر بكذا ؟ أو تعبد بكذا ؟ ونهى عن كذا ؟ إذ تعبده بذلك وأمره لما هو أعلم به

---------------------------
(1) عنه في البحار 5 : 196 / 1 ـ 8 .
(2) ( ق ) : وقد أمر .
(3) ( ق ) : علموا .
(4) في بقية النسخ : والوجه الآخر .
(5) بحار الأنوار 5 : 99 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 58 _

   من مصالح الخلق ولم يطلع أحدا من خلقه على تفصيل علل ما خلق وأمر به وتعبد ، وإن كان قد أعلم في الجملة (1) أنه لم يخلق الخلق عبثا وإنما خلقهم للحكمة والمصلحة ، ودل على ذلك بالعقل والسمع .
   فقال سبحانه : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِين ) .(2)
   وقال : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ) (3) .
   وقال : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) (4) يعني بحق ووضعناه في موضعه .
   وقال : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (5) .
   وقال فيما تعبد به : ( لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ) (6) .
   وقد يصح أن يكون الله تعالى خلق حيوانا بعينه لعلمه (7) بأنه يؤمن عند خلقه كفار ، أو يتوب عند ذلك فساق ، أو ينتفع به مؤمنون ، أو يتعظ به ظالمون ، أو ينتفع المخلوق نفسه بذلك ، أو يكون عبرة لواحد في الأرض أو في السماء وذلك مغيب عنا ، وإن قطعنا في الجملة أن جميع ما صنع الله تعالى إنما صنعه لأغراض حكيمة (8) ولم يصنعه عبثا ، وكذلك يجوز أن يكون تعبدنا بالصلاة لأنها تقربنا من طاعته وتبعدنا عن (9) معصيته ، وتكون العبادة بها لطفا لكافة المتعبدين بها أو لبعضهم ، فلما خفيت هذه الوجوه (10) وكانت مستورة عنا ولم يقع دليل على التفصيل فيها وإن كان العلم بأنها حكمة في الجملة كان النهي عن الكلام في معنى القضاء والقدر إنما هو نهي عن طلب علل لها مفصلة ، فلم يكن نهيا عن

---------------------------
(1) بحار الأنوار 5 : 100 .
(2) الأنبياء : 16 .
(3) المؤمنون : 115 .
(4) القمر : 49 .
(5) الذاريات : 56 .
(6) الحج : 37 .
(7) بحار الأنوار 5 : 100 .
(8) (ا) (ق) : حكمية ، (ح) (ش) : حكمته .
(9) ( ق ) ( ش ) : من .
(10) بحار الأنوار 5 : 100 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 59 _

   الكلام في معنى القضاء والقدر .
   هذا إن سلمنا (1) الأخبار التي رواها (2) أبو جعفر ـ رحمه الله .
   فأما إن بطلت أو اختل سندها فقد سقط عنا (3) عهدة الكلام فيها .
   والحديث الذي رواه عن زرارة حديث صحيح من بين ما روى ، والمعنى فيه ظاهر ليس به على العقلاء خفاء ، وهو مؤيد للقول بالعدل (4) ودال على فساد القول بالجبر ، ألا ترى إلى ما رواه عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ (5) من قوله : ( إذا حشر الله تعالى الخلائق سألهم عما عهد إليهم ولم يسألهم عما قضى عليهم ) وقد نطق القرآن بأن الخلق مسؤولون عن أعمالهم (6) ، فلو كانت أعمالهم [ بقضاء الله ] (7) تعالى لما سألهم عنها ، فدل على أن قضاء الله تعالى ما خلقه من ذوات العباد وفيهم وأنه تعالى لا يسألهم إلا عن أعمالهم التي عهد إليهم فيها ، فأمرهم بحسنها ونهاهم عن قبيحها ، وهذا الحديث موضح لمعنى القضاء والقدر فلا وجه [ للقول حينئذ بأنه ] (8) لا معنى للقضاء والقدر معقول ، إذ كان بينا حسبما ذكرناه .

---------------------------
(1) في بقية النسخ : سلمت .
(2) (ح) (ق) : بقضائه .
(3) (ح) (ش) : عنها .
(4) بحار الأنوار : 5 : 100 .
(5) التوحيد : 365 .
(6) بحار الأنوار : 5 : 100 .
(7) (ق) : بقضائه .
(8) (ق) : لقول من زعم أنه ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 60 _

معنى فطرة الله
   قال أبو جعفر ـ رحمه الله ـ (1) في معنى الفطرة : إن الله تعالى فطر [ جميع الخلق ] (2) على التوحيد (3) .
   قال الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ : ذكر أبو جعفر ـ رحمه الله ـ الفطرة ولم يبين معناها ! وأورد الحديث على وجهه ولم يذكر فائدته ، والمعنى في قوله ـ عليه السلام ـ فطر الله الخلق ، أي : ابتدأهم بالحدوث ، والفطرة هي الخلق .
   قال الله تعالى : ( الحمد لله فاطر السموات والأرض ) (4) يريد به خالق السموات والأرض على الابتداء والاستقبال .
   وقال : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) (5) يعني خلقته التي خلق الناس عليها [ وهو معنى ] (6) .
   قول الصادق ـ عليه السلام : فطر الله الخلق على التوحيد ، أي : خلقهم للتوحيد وعلى أن يوحدوه ، وليس

---------------------------
(1) عنه في البحار 5 : 196 / 1 ـ 8 .
(2) (ق) : الخلائق .
(3) الاعتقادات ص 36 .
(4) الملائكة : 1 .
(5) الروم : 30 .
(6) (ق) : والمعنى في ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 61 _

   المراد به أنه [ أراد منهم ] (1) التوحيد ، ولو كان الأمر كذلك ما كان مخلوق إلا موحدا ، وفي وجودنا من المخلوقين من لا يوحد الله تعالى دليل على أنه لم يخلق التوحيد في الخلق ، بل خلقهم ليكتسبوا التوحيد ! وقد قال تعالى في شاهد ما ذكرناه : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (2) فبين أنه إنما خلقهم لعبادته .
   وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رواية تلقاها العامة والخاصة بالقبول ، قال : كل مولود يولد فهو على الفطرة ، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه (3) .
   وهذا أيضا مبين عن صحة ما قدمناه من أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه ، وفطرهم ليوحدوه ، وإنما أتي الضالون من قبل [ أنفسهم و ] من أضلهم من الجن والإنس دون الله

---------------------------
(1) ( ق ) : خلق فيهم .
(2) الذاريات : 56 .
(3) قال العلامة الشهرستاني في مجلة ( المرشد ـ ص 26 ـ 27 ج 1 ) : الفطرة هي ما يقتضيه الشئ لو خلي ونفسه وبدون مانع ، فإذا قيل : ( الصدق فطري في البشر ) معناه أن الإنسان لو خلي ونفسه فإن حالته الفطرية تقتضي أن يصدق كلامه ، وهذه الفطرة قد تدوم فيه كما هو الغالب ، وقد تزول عنه بمانع أقوى فيلتجئ إلى الكذب ، كما أن القائل : سقوط الحجر إلى الأرض طبيعي ، معناه : أن الحجر المتحرك حول الأرض لو خلي ونفسه فحكمه السقوط إلى الأرض ، وهذا لا يمنع أن يتخلف عن طبيعته لعارض وبسبب قاسر .
   وعليه فكون دين الاسلام فطريا في البشر لا ينافي وجود سبب عارض يقسره يوما على مخالفته الفطرة ، وبعبارة فنية ( إن الفطرة اقتضاء لا ضرورة ) كما يصرح بذلك حديث ( كل مولود يولد على الفطرة ، وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ).
   وأما معنى فطرية دين الاسلام ، فالراجح أنه بعنوانه المجموعي ، أي إن الاسلام إذا قيس إلى أي دين آخر كان هو دين الفطرة دون غيره ـ كما أشار إليه الحديث النبوي المتقدم .
   ومما يريك دين الاسلام بلباسه الفطري ، أن حقيقة الاسلام هو أن يسلم المرء أمره إلى =>

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 62 _

   تعالى ، والذي أورده أبو جعفر في بيان ... (1) الله الخلق وهدايتهم إلى الرشد على ما ذكر وقد أصاب في ذلك وسلك الطريقة المثلى فيه وقال ما يقتضيه العدل ويدل عليه العقل ، وهو خلاف مذهب المجبرة الرادين على الله فيما قال والمخالفين في أقوالهم دلائل العقول .

---------------------------
   => خالقه وأن يسالم المخلوقين ، وهل هذا إلا قضية الفطرة ، قال سبحانه : ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ ) ( النساء : 125 ) أي : المسلم لله والمسالم لعباده .
   وقال نبي الاسلام صلى الله عليه وآله وسلم : ( المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه ) .
   ثم إن الاسلام بني على توحيد الله في ذاته وصفاته وتوحيده في عنايته وعبادته ، وهل هذا إلا الفطرة ، وأسس شرعه على العدل والاحسان والفضيلة والمحبة ، وكلها أحكام الفطرة .
   فالاسلام بهذا المعنى دين الفطرة وشرع الحقيقة ، وهذا المعنى هو دين الله الحقيقي ، وهو أقدم شرائع البشر من عهد إبراهيم ـ عليه السلام ـ والذين من قبله ، والقرآن يقول في إبراهيم ـ عليه السلام ـ إنه : ( كان حنيفا مسلما ) ( آل عمران : 68 ) أي : متدينا بالدين الأصلي ، أعني به إسلام الفرد نفسه لربه ومسالمته مع عباده ، چ .
(1) هنا في النسخ بياض بمقدار كلمة ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 63 _

فصل : في [ معنى ] الاستطاعة
   قال أبو جعفر ـ رحمه الله ـ (1) في الاستطاعة : اعتقادنا في ذلك ما روي عن موسى بن جعفر ـ عليه السلام ـ : من أن العبد لا يكون مستطيعا إلا بأربع خصال (2) ... إلخ (3) .
   قال أبو عبد الله : الذي رواه أبو جعفر عن أبي الحسن موسى ـ عليه السلام ـ في الاستطاعة حديث شاذ ، والاستطاعة في الحقيقة هي الصحة والسلامة ، فكل صحيح فهو مستطيع ، وإنما يعجز الإنسان ويخرج عن الاستطاعة بخروجه عن الصحة، وقد يكون مستطيعا للفعل من لا يجد آلة له ويكون مستطيعا ممنوعا من الفعل ، والمنع لا يضاد الاستطاعة وإنما يضاد الفعل ، ولذلك يكون الإنسان مستطيعا للنكاح وهو لا يجد امرأة ينكحها .
   وقد قال الله تعالى : ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات ) (4) فبين أن الإنسان يكون مستطيعا للنكاح وهو غير ناكح ، ويكون مستطيعا للحج قبل أن يحج ، ومستطيعا للخروج قبل أن يخرج .

---------------------------
(1) عنه في بحار الأنوار 5 : 8 و 9 / 10 ـ 12 .
(2) ( ق ) زيادة : أن يكون مخلى السرب ، صحيح الجسم ، سليم الجوارح ، له سبب وارد من الله .
(3) الاعتقادات ص 38 ، الكافي 1 : 160 ـ 161 ، التوحيد : 348 / 7 وفيهما عن الرضا ـ عليه السلام ـ .
(4) النساء : 25 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 64 _

   قال الله تعالى : ( وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ) (1) فخبر أنهم كانوا مستطيعين للخروج فلم يخرجوا .
   وقال سبحانه : ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (2) فأوجب الحج على [ الناس و ] (3) الاستطاعة قبل الحج ، فكيف ظن أبو جعفر أن من شرط الاستطاعة للزنا وجود المزني بها ، وقد بينا أن الإنسان يستطيع ذلك مع فقد المرأة وتعذر وجودها ؟
   وإن ثبت الخبر الذي رواه أبو جعفر ـ رحمه الله ـ فالمراد بالاستطاعة فيه التيسير للفعل وتسهيل سبيله ، وليس عدم السبيل موجبا لعدم الاستطاعة ، لما قدمناه من وجود الاستطاعة مع المنع ، وهذا باب إن بسطناه طال القول فيه ، وفيما أثبتناه من معناه كفاية لمن اعتبره (4) .

---------------------------
(1) التوبة : 42 .
(2) آل عمران : 98 .
(3) (ق) : من لم يحج ، وأثبت .
(4) (ق) : تأمله ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 65 _

فصل : في [ معنى ] البداء
   قال أبو جعفر ـ رحمه الله ـ : اعتقادنا في البداء ، إلى آخره (1 و 2 و 3) .
   قال أبو عبد الله : قول الإمامية في البداء طريقه السمع دون العقل ، وقد (4) جاءت الأخبار به عن أئمة الهدى ـ عليهم السلام ـ والأصل في البداء هو الظهور قال الله تعالى : ( وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) (5) يعني به : ظهر لهم من أفعال الله تعالى بهم ما لم يكن في حسبانهم وتقديرهم .
   وقال : ( وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم ) (6) يعني : ظهر لهم جزاء كسبهم وبان لهم ذلك ، وتقول العرب : قد بدا لفلان عمل حسن ، وبدا له كلام فصيح ، كما يقولون : بدا من فلان كذا ، فيجعلون اللام قائمة مقامه (7) ، فالمعنى في قول الإمامية بدا لله في كذا ـ أي : ظهر له فيه ومعنى ظهر فيه ـ أي ظهر منه ، وليس المراد منه (8) تعقب الرأي ووضوح أمر كان قد خفي عنه وجميع أفعاله تعالى الظاهرة في خلقه

---------------------------
(1) الاعتقادات ص 40 .
(2) عنه في البحار 4 : 125 .
(3) انظر كتاب أوائل المقالات ص 53 طبع 1371 چ .
(4) (ق) : فقد .
(5) الزمر : 47 .
(6) الزمر : 48 .
(7) (ق) زيادة : مقام من نائبة عنها .
(8) (ق) : به ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 66 _

   بعد أن لم تكن فهي معلومة له فيما لم يزل ، وإنما يوصف منها بالبداء ما لم يكن في الاحتساب ظهوره ، ولا في غالب الظن وقوعه ، فأما ما علم كونه وغلب في الظن حصوله ، فلا يستعمل فيه لفظ البداء .
   وقول أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ (1) : ( ما بدا لله في شئ كما بدا له في إسماعيل ) ، فإنما أراد به ما ظهر من الله تعالى فيه من دفاع القتل عنه وقد كان مخوفا عليه من ذلك مظنونا به ، فلطف له في دفعه عنه .
   وقد جاء الخبر بذلك عن الصادق ـ عليه السلام ـ فروي عنه أنه قال : ( كان القتل قد كتب على إسماعيل مرتين فسألت الله في دفعه عنه فدفعه ) وقد يكون الشئ مكتوبا بشرط فيتغير الحال فيه .
   قال الله تعالى : ( ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ) (2) . فتبين أن الآجال على ضربين : ضرب منها مشترط يصح فيه الزيادة والنقصان ، ألا ترى إلى قوله تعالى : ( وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ) (3) .
   وقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْض) (4) فبين أن آجالهم كانت مشترطة في الامتداد بالبر والانقطاع بالفسوق .
   وقال تعالى [ فيما خبر به ] (5) عن نوح في خطابه لقومه : ( اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ

---------------------------
(1) التوحيد : 336 / 1 0 ، كمال الدين : 69 .
(2) الأنعام : 2 .
(3) الملائكة : 11 .
(4) الأعراف : 96 .
(5) (ق) : خبرا ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 67 _

   إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ) (1) إلى آخر الآيات .
   فاشترط لهم في مد الأجل وسبوغ النعم الاستغفار فلما لم يفعلوه قطع آجالهم وبتر أعمارهم واستأصلهم بالعذاب ، فالبداء من الله تعالى يختص ما كان مشترطا في التقدير وليس هو الانتقال من عزيمة إلى عزيمة ولا من تعقب الرأي ، تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا .
   وقد قال بعض أصحابنا : إن لفظ البداء أطلق (2) في أصل اللغة على تعقب الرأي [ والانتقال من عزيمة إلى عزيمة ] (3) وإنما أطلق (4) على الله تعالى على وجه الاستعارة كما يطلق عليه الغضب والرضا مجازا غير حقيقة ، وإن (5) هذا القول لم يضر بالمذهب ، إذ المجاز من القول يطلق على الله تعالى فيما ورد به السمع ، وقد ورد السمع بالبداء على ما بينا (6) ، والذي اعتمدناه (7) في معنى البداء أنه الظهور (8) على ما قدمت القول في معناه ، فهو خاص فيما يظهر من الفعل الذي كان وقوعه يبعد في النظر (9) دون المعتاد ، إذ لو كان في كل واقع من أفعال الله تعالى لكان الله تعالى موصوفا بالبداء في كل أفعاله ، وذلك باطل بالاتفاق .

---------------------------
(1) نوح : 10 و 11 .
(2) (ق) : موضوع .
(3) (ق) : عند وضوح ما كان خفيا .
(4) (ق) : يطلق .
(5) (ق) زيادة : صح .
(6) (ق) : بيناه .
(7) (أ) (ز) : اعتمدنا .
(8) (أ) (ز) (ق) : ظهور .
(9) في بعض النسخ : الظن ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 68 _

فصل : في النهي عن الجدال
   قال أبو جعفر [ في الجدال ] (1) : الجدال في الله منهي عنه ، لأنه يؤدي إلى ما لا يليق به (2) .
   وروي عن الصادق ـ عليه السلام ـ (3) أنه قال : يهلك أهل الكلام وينجو المسلمون (4) .
   قال أبو عبد الله الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ : الجدال على ضربين : أحدهما بالحق ، والآخر بالباطل ، فالحق منه مأمور به ومرغب (5) فيه ، والباطل منه منهي عنه ومزجور عن استعماله .
   قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : ( وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (5) فأمر بجدال المخالفين وهو الحجاج لهم ، إذ كان جدال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقا ، وقال تعالى لكافة المسلمين : ( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (6) فأطلق لهم

---------------------------
(1) ليست في ( ح ) ( أ ) ( ق ) .
(2) الاعتقادات ص 42 .
(3) بصائر الدرجات : 521 .
(4) بصائر الدرجات : 541 / 4 و 5 ، التوحيد : 458 / 22 ، ( ز ) : مرغوب .
(5) النحل : 125 .
(6) العنكبوت : 46 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 69 _

   جدال أهل الكتاب بالحسن (1) ، ونهاهم عن جدالهم بالقبيح .
   وحكى سبحانه عن قوم نوح ـ عليه السلام ـ ما قالوه في جدالهم (2) فقال سبحانه : ( قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ) (3) فلو كان الجدال كله باطلا لما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم به ، ولا استعمله الأنبياء ـ عليهم السلام ـ من قبله ، ولا أذن للمسلمين فيه .
   فأما الجدال بالباطل فقد بين الله تبارك وتعالى عنه في قوله : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ ) (4) فذم المجادلين في [ آيات الله ] (5) لدفعها أو قدحها (6) وإيقاع الشبهة في حقها .
   وتد ذكر الله تعالى عن خليله إبراهيم ـ عليه السلام ـ أنه حاج كافرا في الله تعالى فقال : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ ) (7) الآية .
   وقال مخبرا عن حجاجه قومه : ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ) (8) .
   وقال سبحانه آمرا لنبيه صلى الله على وآله وسلم بمحاجة مخالفيه : ( قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ

---------------------------
(1) في بقية النسخ : بالحق .
(2) (ح) : جداله لهم .
(3) هود : 32 .
(4) المؤمن : 69 .
(5) (ح) (ق) : الآيات .
(6) (ح) (ق) : جحدها .
(7) البقرة : 259 .
(8) الأنعام : 83 ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 70 _

   فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ) (1) .
   وقال ـ عز اسمه ـ : ( كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ) (2) الآية .
   وقال لنبيه صلى الله على وآله وسلم : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ ) (3) الآية .
   وما زالت الأئمة ـ عليهم السلام ـ يناظرون في دين الله سبحانه ويحتجون على أعداء الله تعالى .
   وكان شيوخ أصحابهم في كل عصر يستعملون النظر ، ويعتمدون الحجاج ويجادلون بالحق ، ويدمغون (4) الباطل بالحجج والبراهين ، وكان الأئمة ـ عليهم السلام ـ يحمدونهم على ذلك ويمدحونهم ويثنون عليهم بفضل .
   وقد ذكر الكليني ـ رحمه الله ـ في كتاب الكافي ـ وهو من أجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة ـ حديث يونس بن يعقوب مع أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ حين ورد عليه الشامي لمناظرته ، فقال له أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ : ( وددت أنك يا يونس كنت تحسن الكلام ) .
   فقال له يونس : جعلت فداك ، سمعتك تنهى عن الكلام وتقول : ويل لأهل الكلام ، يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد ، وهذا ينساق وهذا لا ينساق ، وهذا نعقله وهذا لا نعقله .
   فقال له أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ : ( إنما قلت ويل لهم إذا تركوا قولي وصاروا إلى خلافه ) ثم دعا حمران بن أعين ومحمد بن الطيار (5) ، وهشام بن سالم وقيس الماصر فتكلموا بحضرته ، وتكلم هشام بعدهم فأثنى عليه ومدحه وقال له :

---------------------------
(1) الأنعام : 148 .
(2) آل عمران : 94 .
(3) آل عمران : 62 .
(4) في بعض النسخ : يدفعون .
(5) انظر ذيل كتاب ( أوائل ا لمقالات ـ ص 69 ـ 70 طبع 1371 ) بقلم العلامة الزنجاني ، چ ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 71 _

   ( مثلك من يكلم الناس ) ، وقال ـ عليه السلام ـ وقد بلغه موت الطيار : ( رحم الله الطيار ولقاه نضرة وسرورا ، فلقد كان شديد الخصومة عنا أهل البيت ) (1) .
   وقال أبو الحسن موسى بن جعفر ـ عليه السلام ـ لمحمد بن حكيم ، : ( كلم الناس وبين لهم الحق الذي أنت عليه ، وبين لهم الضلالة التي هم عليها ) .
   وقال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ لبعض أصحابنا (2) : ( حاجوا الناس بكلامي ، فإن حجوكم فأنا المحجوج ) وقال لهشام بن الحكم وقد سأله عن أسماء الله تعالى واشتقاقها فأجابه عن ذلك ، ثم قال له بعد الجواب : ( أفهمت يا هشام فهما تدفع به أعداءنا الملحدين في دين الله وتبطل شبهاتهم ) ؟ فقال هشام : نعم ، فقال له : ( وفقك الله ) .
   وقال ـ عليه السلام ـ لطائفة من أصحابه : ( بينوا للناس الهدى الذي أنتم عليه ، وبينوا لهم [ ضلالهم الذي هم عليه ] (3) وباهلوهم في علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ ) فأمر بالكلام ودعا إليه وحث عليه .
   وروي عنه ـ عليه السلام ـ أنه نهى رجلا عن الكلام وأمر آخر به ، فقال له بعض أصحابه : جعلت فداك ، نهيت فلانا عن الكلام وأمرت هذا به ؟ فقال : ( هذا أبصر بالحجج ، وأرفق منه ) فثبت أن نهي الصادقين ـ عليهم السلام ـ عن الكلام إنما كان لطائفة بعينها لا تحسنه ولا تهتدي إلى طرقه وكان الكلام يفسدها ، والأمر لطائفة أخرى به ، لأنها تحسنه وتعرف طرقه وسبله .
   فأما النهي عن الكلام في الله ـ عز وجل ـ فإنما يختص بالنهي عن الكلام في

---------------------------
(1) بحار الأنوار 2 : 136 .
(2) (ح) (ق) : أصحابه .
(3) (ق) : الضلالة التي هم عليها ، (ز) : ضلالتهم التي هم عليها ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 72 _

   تشبيهه بخلقه وتجويره في حكمه ، وأما الكلام في توحيده ونفي التشبيه عنه والتنزيه له والتقديس ، فمأمور به ومرغب (1) فيه ، وقد جاءت بذلك آثار كثيرة وأخبار متظافرة ، وأثبت في كتابي ( الأركان في دعائم الدين ) منها جملة كافية ، وفي كتابي ( الكامل في علوم الدين ) منها بابا استوفيت القول في معانيه وفي ( عقود الدين ) جملة منها ، من اعتمدها أغنت عما سواها ، والمتعاطي لإبطال النظر شاهد على نفسه بضعف الرأي ، وموضح عن قصوره عن المعرفة ونزوله عن مراتب المستبصرين ، والنظر غير المناظرة ، وقد يصح النهي عن المناظرة للتقية (2) وغير ذلك ، ولا يصح النهي عن النظر لأن في العدول عنه المصير إلى التقليد والتقليد مذموم باتفاق العلماء ونص القرآن والسنة .
   قال الله تعالى ذاكرا لمقلدة من الكفار وذاما لهم على تقليدهم : ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ ) (3) .
   وقال الصادق ـ عليه السلام ـ : ( من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال ، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل ) (4) .
   وقال ـ عليه السلام ـ : ( إياكم والتقليد ، فإنه من قلد في دينه هلك ) إن الله تعالى يقول : ( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ ) (5) فلا (6) والله ما صلوا لهم

---------------------------
(1) (ز) : ومرغوب .
(2) في بعض النسخ : لتقية .
(3) الزخرف : 23 و 24 .
(4) بحار الأنوار 2 : 105 .
(5) التوبة : 31 .
(6) في بقية النسخ : ولا ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 73 _

   ولا صاموا ، ولكنهم أحلوا لهم حراما ، وحرموا عليهم ـ حلالا ، فقلدوهم في ذلك ، فعبدوهم وهم (1) لا يشعرون ) .
   وقال ـ عليه السلام ـ : ( من أجاب ناطقا فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ) .
   فصل : ولو كان التقليد صحيحا والنظر باطلا لم يكن التقليد لطائفه أولى من التقليد لأخرى ، وكان كل ضال بالتقليد معذورا (2) ، وكل مقلد لمبدع غير موزور (3) ، وهذا ما لا يقوله أحد ، فعلم بما ذكرناه أن النظر هو الحق والمناظرة بالحق صحيحة ، وأن الأخبار التي رواها أبو جعفر ـ رحمه الله ـ وجوهها (4) ما ذكرناه ، وليس الأمر في معانيها على ما تخيله فيها ، والله ولي التوفيق .

---------------------------
(1) (ق) : من حيث .
(2) (ق) : غير موزور .
(3) (ز) : معذور .
(4) (ق) : جوابها ، (*)

تصحيح اعتقاد الإمامية _ 74 _

فصل : في اللوح والقلم ( * )
   قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمه الله ـ (1) : اعتقادنا في اللوح والقلم أنهما ملكان (2) .
   قال الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ : اللوح كتاب الله تعالى كتب فيه ما يكون إلى يوم القيامة ، وهو قوله تعالى يوضحه (3) : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) (4) فاللوح هو الذكر والقلم هو الشئ الذي أحدث الله به الكتابة (5) في اللوح ، وجعل اللوح أصلا ليعرف الملائكة ـ عليهم السلام ـ منه ما يكون [ من غيب أو وحي ] (6) ، فإذا أراد الله تعالى أن يطلع الملائكة على غيب له أو يرسلهم إلى الأنبياء ـ عليهم السلام ـ بذلك أمرهم بالاطلاع في (7) اللوح ، فحفظوا منه ما يؤدونه إلى من أرسلوا إليه ، وعرفوا منه ما يعملون (8) ، وقد جاءت بذلك آثار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن الأئمة ـ عليهم السلام ـ .
   فأما من ذهب إلى أن اللوح والقلم ملكان ؟ فقد أبعد بذلك ونأى به عن الحق ، إذ الملائكة لا تسمى ألواحا ، ولا أقلاما ، ولا يعرف في اللغة اسم ملك ولا (9) بشر لوح ولا (10) قلم .

---------------------------
(*) أنظر البحار ـ ص 90 ج 14 ط كمباني والمسألة الثامنة والثلاثين من المسائل العكبرية ، چ .
(1) الاعتقادات ص 44 .
(2) عنه في البحار 57 : 370 / 10 .
(3) ليست في (ق) (ز) (ح) (أ) .
(4) الأنبياء : 105 .
(5) (أ) (ز) : الكتاب .
(6) ليست في بقية النسخ .
(7) (ز) : على .
(8) (ق) (ز) : يعلمون .
(9 و 10) (ق) : أو ، (*)