2 ـ نوع المواضيع التعليمية : وهي من النقاط المهمة التي يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار في التربية.
   فالمواضيع التي ندرسها ينبغي أن تتناسب مع اعمار الأشخاص ومستوياتهم العقلية.
   فما يدرس للفتاة البالغة من العمر الخامسة عشر عاماً لايدرس للفتى مطلقاً ، والأنثى التي تبلغ العاشرة من العمر تحتاج الى تعلم المسائل الدينية الخاصة بها اكثر من الذكر الذي يبلغ نفس العمر ، إذن فهي بحاجة الى المزيد من التعليم.

التربية في الأسرة
   كانت على عاتق الأبوين في الماضي مسؤوليات جسام في المجال التربوي ، فإن كانوا قد أدوها على خير ما يرام فجزاهم الله خير الجزاء ، وان قصروا في تأديتها على الوجه المطلوب ، فإننا ندعو لهم بالعفو والمغفرة ، أما المسؤولية التي يتحملها الأبوان اليوم فهي أثقل من مسؤوليات السالفين أضعافاً مضاعفة وسيجلب أقل تقصير فيها لعنات الأجيال المقبلة.
   والقيام بهذا الواجب يستلزم الوعي والإيمان الكافي لأن بناء الانسان اصعب بكثير من بناء اي شيء أخر.
   فإن كانت تربية النحل والماشية تتطلب دخول دورة تعليمية ، واكتساب الخبرة والتجربة اللازمة ، فمثل هذه الخبرة في بناء وتربية الانسان اكثر اهمية وضرورة .
   فالاطفال ليسوا أدغالاً تترك وشأنها كيفما نمت ، لتعطي ثمراً بل ... هم براعم يجب أن تنمو في ظل التربية الصالحة لتعطي ثمراً طيباً ، ولهذا كانت التربية بالنسبة لهم أمر ضرورياً وحيوياً.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 127 ـ

تعريف وأهمية التربية
   يمكن تعريف التربية باختصار بأنها عبارة عن احداث التغييرات المطلوبة في الانسان او بعبارة أوضح : أيجاد التغييرات المثمرة في مجال حياة الأنسان بهدف بنائه وازدهار واستثمار طاقاته .
   أو يمكن التعبير عنها بالقول أنها تربية القوى الجسمية والروحية للانسان لبلوغ الكمال المطلوب ، ونقل اسلوب التفكير والمشاعر والعمل الموجود في المجتع الى الأجيال القادمة.
   لقد كانت التربية ، بالمعنى العام للكلمة والتي تعني تربية الأخرين وتلقي التربية على ايدي الأخرين ، موجودة منذ القدم ، ولكن ليس بهذا الشكل العلمي الذي يبلغ بالانسان مايشاء من درجات المعرفة ، والقائم على أسس الفلسفة ، وعلم النفس ، والاقتصاد ، وعلم دراسة الأحياء.
   ويكفي في وصف أهمية التربية القول أن جميع هذه الغايات النبيلة وكل هذه الفضائل ، والرذائل ، والأمال الخيرة والشريرية وليدتها ، ولأجل ادراكها بصورة أعمق يكفي أن يضع الانسان نفسه مكان الطفل الذي ولدته أمه وهولا يعلم أي شيء عن هذا العالم.

ما هي التربية
   تعتبر التربية علماً من جهة ، لأن لها موضوعاً ، وهدفاً وأسلوباً ، وهي تسيطر على مجرى حياة الانسان ونضجه بأسلوب علمي .
   وهي من جهة

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 128 ـ

   أخرى ابداع لأن نشوء وتطور القوى الانسانية يجب أن يخضع للمراقبة بأساليب ابداعية متباينة .
   فقد يكون الشخص عالماً واسع المعرفة ، الا انه ليس معلماً .
   وتعد التربية من جهة ثالثة فناً لأنها تتضمن الاهتمام بدقائق الأمور وطريفها ، وخاصة المفيد منها في اعادة بناء الانسان وتشكيل شخصية ، وهي من جهة رابعة خدمة للإنسان ذاته وللمجتمع الانساني ، وتيسر بواسطتها جعل الانسان موجوداً نافعاً يصل الى حقيقة الانسانية ، وتتضح أهمية هذه الخدمة حينما يترعرع الطفل بعيداً عنها ، إذ يصبح موجوداً وحشياً وخطراً.

تعريف وأهمية التربية
   مهمة التربية باختصار : البناء والاصلاح والصنع والاعداد ، والسعي لخلق حالة من التوازن بين الحاجات وترويض الغرائر والرغبات.
   ويمكن القول بمنظار أوسع : إن التربية تتكفل ببناء الجوانب الثلاث في الانسان : الجسم ، والعقل ، والروح.
   وصفوة القول ، هي تمكن الانسان من إقامة علاقة صحيحة مع خالقه ومع العالم ، وجعله عنصراً فاعلاً ومفيداً للمجتمع ، أي انها تصنع الانسان الطموح لبلوغ القيم السامية ، والقادر على الابتكار واتخاذ القرار ، والعارف بآداب الحياة ليكون فاهماً لمسار الحياة الاجتماعية من غير أي انحياز مسبق لأي جانب دون آخر.
   تتحمل التربية مهمة بناء الانسان الذي تقوم حياته على أساس القيم

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 129 ـ

   والمعايير المدروسة ، وعلى استقلال الشخصية والعدالة الاجتماعية ، ومعرفة الجميل ، واختيار الأفضل ، وعلى الأسس الأخلاقية والأنسانية.

عناصر التربية
   تقسم عناصر التربية في بحثنا هذا الى ثلاثة أقسام وهي :
  1 ـ الأبوان : وهما العنصر الأساسي في التربية ويؤديان الدور الأكبر في انجاز هذه المهمة.
   فالأبوان يمثلان الوسيط الوراثي من جهة ، والمحيط الاجتماعي من جهة أخرى ، ففي الجانب الوراثي يقومان بنقل الكثير من الخصائص والصفات الوراثية منهما ومن الأباء والأجداد الى الأبناء وأما في الجانب البيئي فهما أول مدرسة يكتسب الطفل منهما علو الهمة والقيم النبيلة والأخلاق الفاضلة ، أو ما يعاكس ذلك من سفالة ، وانحطاط ، وسوء خلق .
   وتحضى الأم في هذا المعترك بالنصيب الأوفر والدور الأخطر لأن مسؤوليتها أثقل من مسؤولية الأب اضعافاً مضاعفة وخاصة في السنوات الأولى حيث تكون الجهة الوحيدة التي يستند اليها الطفل ويرتبط بها .
   وعن أهمية دور الأبوين تكفي الاشارة الى أن الطفل يقضي حوالى (5) الاف ساعة في المدرسة ، ووقتاً يماثل هذا على اكثر التقادير مع الأصدقاء والأتراب ، ومن مجمل عدد ساعات عمره البالغة (95) ألف ساعة الى الحادية عشر ، وأما المتبقي منه فيقضيه في البيت ، والأهم ان القسم الأعظم من هذه المدة وهوما يقارب الـ (85) ألف ساعة بقضيها الى جانب أمه أو في حجرها وبين يديها او على الأقل في ارتباط مباشر معها .

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 130 ـ

  2 ـ افراد المجتمع : والذين يمكن تقسيمهم وفقاً لإرتباط الطفل بهم وعلاقته معه الى المجاميع التالية :
   ـ الأخ ، والأخت ، والجد ، والجدة.
   ـ العم ، والعمة ، والخال ، والخالة ، وأبنائهم.
   ـ المعلم ، والمدير ، والمستخدم ، والزملاء في الصف ، وفي المدرسة.
   ـ سائر افراد المجتمع كالعطار والبقال ، وبائع الكتب ، والبزاز ، والقصاب ، والخباز وصاحب الحمام و ... الخ.
   والشرطي ، والحارس والروحاني ، وقيم المسجد ، والقائم بأمر هيئة العزاء ... ولهؤلاء تأثيرهم الهام في بناء اوهدم صرح حياة الأفراد.
   والطفل يتعلم عن وعي تام نمط حياتهم وأسلوب تعاملهم ، ويقيم على اساسه فلسفته ونظرته الخاصة للأمور .
  3 ـ العوامل الخارجية : وهي عبارة عن الأجهزة الأعلامية كالمذياع ، والتلفاز ، والفلم والسينما ، والصحف والمجلات والكتب وغيرها ، من الكتابات.
   والكائنات الأخرى سوى الانسان أمثال النبات والحيوان والجماد والتي تواتر عليه بشكل أو أخر.
   فلمسه للخشب الناعم في محيط العمل يختلف في تاثيره عن لمسه المعدن صلب .
   وتؤثر فيه أيضاً التغييرات الطبيعية كتحول الفصول ، والزلازل ، والظروف الجوية ، والأحوال المناخية و ... الخ ، ويطال تأثيرها سلوكه وأخلاقه ونمط تفكيره .
   بل أن حياة الانسان في الحقيقة تابعة للبيئة بمعناها الشامل ( بما في

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 131 ـ

   ذلك البيئة الجغرافية ، والظروف الثقافية ، الأقتصادية والسياسية ... ).
   نحن الآن بصدد الحديث عن العامل التربوي الأول والمهم أي عامل الأبوين ، وان كان الحديث عنه يتضمن طرح بحوث أخرى ايضاً.

الوالدان والطفل
   الوالدان هما المسؤولان الأولان عن اصلاح وفساد المجتمع ، ومسؤوليتهما عظيمة أمام الله وابناء المجتمع ، ولا شك أن التهاون في ادائها سيكون مدعاة للعقوبة ومسؤولية الأم في هذه المهمة الصعبة أثقل من مسؤولية الأب لأن الطفل يأخذ عنها القسم الأعظم من مكوناته الروحية ، وخاصة الجوانب العاطفية والمشاعر.
   وقال الرسول (ص) « الجنة تحت اقدام الأمهات » وذلك لأن القسم الأعظم من سعادة الطفل واستحقاقه الجنة يقام على يد الأم.
   والأبوان هما اللذان يطبعان شخصية الطفل ، وهما اللذان يحددان الأسلوب والسلوك الذي يقتفيه في حياته .
   والمنهج التربوي الذي يعتمده الأبوان مع الطفل هو الذي يصنع منه شخصية هادئة ومتزنة ، أو يجعل منه شخصاً طائشاً في أهوائه ، وبما أن الصفات تنتقل من الأبوين الى الأبناء بالصورة التي تم أيضاحها ، فلا يتأتى لأي كان إحراز مقام الأبوة أو الأمومة.
   صحيح أن البلوغ والنضوج الجسمي يهيء الأرضية للزواج ، إلا أن الأبوة والأمومة تستلزم توفر النضج العقلي والأخلاقي والعاطفي.
   فيجب على الأشخاص التعرف ، قبل الزواج على واجباتهم وأن يكون لديهم وعي بالشؤون التربوية العامة وينتبهوا الى ما تفرضه عليهم

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 132 ـ

   المسؤولية.
   إن تربية الطفل وإن كانت تتراءى وكأنها تبدأ منذ ولادته ، ولكن لو اخذنا تأثير الوراثة بنظر الاعتبار ، لتأكد لنا حقاً انها تبدأ قبل ولادته بأشهر وسنوات ، وأقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تبدأ منذ اختيار الزوجة ، وللاسلام منذ بزوغه وما زال ، خطواته التي يتبعها في تربية الجيل ، ويمكن العثور على ما فيها من احكام وبرامج في الكتب الفقهية والأخلاقية .
   ونشير في ما يلي الى امثلة من تلك البحوث على سبيل الذكر لا الحصر.
   لا يبيح الأسلام لإنسان الزواج بأية امرأة كانت لانجاب النسل ، بل يحدد لها مواصفات وشروطاً يجب مراعاتها وفق قاعدة الأهم فالأهم :
  1 ـ من الناحية العائلية ، ينبغي ان تكون للزوجة اصالة عائلية ، فلاتكون من عائلة تشرب الخمر وتدمن على تناول المخدرات.
   ولا يجوز اللأبوين أيضا تزويج ابنتهما من شارب الخمر ، او قاطع الرحم أو فاسق .
   قال الرسول الأكرم (ص) : « اياكم وخضراء الدمن، قيل : وما خضراء الدمن ؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء ».
  2 ـ يبدو من الناحية الشرعية أن لا حرمة من زواج الأقارب ، ولكن وردت روايات توصي بعدم الزواج من الأقارب المقربين جداً .
   فقد جاء في الحديث الشريف : « لاتنكحوا القرابة القريبة » ومن ثم قيل إن من اسباب ذلك هي أن الأطفال يولدون مصابين بالنواقص والعاهات ، وهو نفس ما يؤكده الطب الحديث.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 133 ـ

  3 ـ من الناحية الجسمية ، أكدت التعاليم الأسلامية على ضرورة أن تكون الزوجة عاقلة ، ورشيدة ومقتدرة وقوية البنية.
   وقد ورد في وصية الامام علي (ع) لأخية عقيل بشأن اختياره لزوجة صالحة له والتي انتهت بزواجه من ام البنين : ؟
  4 ـ من الوجهة الأخلاقية ، يقول الشهيد الثاني ( قده ) ينبغي ان تتمتع الزوجة بملكة العفة والأصالة ، وجاء في الأحاديث المروية عن المعصومين « تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس » وقالوا أيضاً « اختاروا لنطفكم فإن الخال احد الضجيعين ». (1)
  5 ـ اما في الجانب النفسي فيجب ان لاتكون المرأة حمقاء ناقصة الذهن.
   قال الرسول الأكرم (ص) « اياك وتزويج الحمقاء ، فأن صحبتها بلاء وولدها ضياع ».

محاذير قبل الولادة
   اذا تم إختيار الزوجة وفق الشروط المذكورة ، وتقرر تمهيد مقدمات الزواج ، تبقى هنالك مسائل أخرى تجب مراعاتها من لحظة الزواج وحتى الولادة ويمكن الإشارة الى اهمها كما يلي :
  1 ـ في الزواج : قبل مباشرة الزوجة يبدأ بصلاة ركعتين وقراءة الدعاء الذي يبدأ بجملة : اللهم بأمانتك أخذتها ... وإذا قصد الجماع ، فهناك جملة

**************************************************************
(1) الكافي : ح 5 ص 332.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 134 ـ

   من التعاليم ، أهمها :
   ذكر الله حين المواقعة وعدم اشغال الذهن بذكر امرأة أخرى ، وبأفكار منحطة ، والدعاء بإنجاب الذرية الصالحة ، والتحلي بالسجايا النبيلة وماشابه ذلك من الصفات الانسانية.
  2 ـ فترة الحمل : ينتهي الدور الوراثي للاب بإلقاء النطفة.
   أما الأم فتبقى على اتصال بالجنين في جانبي الدم والوراثة لمدة تسعة أشهر ، وهو يتغذى خلالها من دمها بواسطة حبل السرة، وهنالك تأكيدات تربوية كثيرة بخصوص هذه الفترة من قبل الأديان ومن العقائد والمدارس الفكرية الأخرى على حد سواء .
   اظهرت التحقيقات والتجارب العلمية أن الأطعمة والأدوية التي تتناولها المرأة ، والمشاهد الجميلة أو القبيحة التي تراها ، والأثارة والإضطرابات التي تغشاها ، وحالات الحقد ، والغضب التي تنتابها ، وكل ما يعرض لها من افكار وهواجس تؤثر على الجنين، وتؤثر عليه أيضاً بعض الأمراض التي تصيب الأم كالسكري والحصبة والحمى المرتفعة ، أضف الى ذلك ورغباتها واهوائها والمثل النبيلة او الرذيلة التي تؤمن بها ، وكذلك نوعية علاقاتها مع زوجها وغيره من الناس والظواهر الاخرى والتحولات الطبيعية ، والتغييرات الأجتماعية ، ويتضح من كل هذا المعنى المراد من الحديث الشريف : « السعيد سعيد في بطن امه و الشقي شقي في بطن أمه ».
   وتتضمن الكتب الفقهية في باب الأطعمة والأشربة وباب النكاح الكثير من التوصيات والتأكيدات على هذه الجوانب.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 135 ـ

  3 ـ لحظة الولادة : وهي لحظة حساسة ومصيرية في تحديد سعادة او تعاسة الطفل.
   فقد تتوفر الى حد تلك اللحظة جميع الامكانات المؤدية الى نبوغ طفل من الأطفال ، الأ انها تذهب كلها في تلك اللحظة ادراج الرياح.
   ففي حالة تعسر الولادة قد تتعرض جمجمة الطفل للأذى ويصاب الدماغ فتترتب عليه نتائج وخيمة قد يكون منها اختناق الطفل وما يتمخض عنه من خلل ونقص ذهني.
   وقد يؤدي جهل القابلة وتلوث يديها ، والضغط على الجمجمة الى حصول بعض الأضرار الجسيمة.
   أما إذا تعرض الطفل للبرودة بعد خروجه من رحم الأم والذي يحصل عادة بسبب الانشغال بحالة الأم واهمال الطفل فسيؤدي الى عواقب غير محمودة .
   وعلى هذا فقد وردت في الكتب العلمية والدينية ايضاً تأكيدات كثيرة عليه حتى ان كتابا مهماً ككتاب وسائل الشيعة أفرد له باباً خاصاً .
  4 ـ لمن الطفل ؟ لمن يعود إذن الطفل الذي جاء الى هذه الدنيا بهذه الكيفية ؟ الطفل ليس لأبويه ، والدليل على ذلك هو انتفاء حقهما بالتدخل سلبياً في أمره أو الاساءة الى وضعه ، ولا يسعهما سوى بذل الجهود النافعة له ، وكل ما يصب في مصلحته ، وليس في ما يضره .
   وقد وردت الكثير من التوصيات في هذا الصدد التي تؤكد ان لا حق للوالدين في ضرب الطفل الى الحد الذي يوجب الدية ، والأولوية في التربية من حق الوالدين طبعاً شريطة أن تكون لصالح بناء الطفل ، والا فبالامكان أخذه منهما وانتداب جهة أخرى للأشراف على تربيته .
   فهل معنى هذا أن الطفل يعود للمجتمع ؟

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 136 ـ

   ومن المؤكد أيضاً أن الطفل لا يعود للمجتمع ، وذلك بدلالة ان ـ المجتمع كالوالدين ـ لا يحق له الإساءة اليه ولا التصرف في امره بما لا يليق ولا القيام الا بما يخدم مصلحته .
   الا أن بعض الفلاسفة وأصحاب المذاهب الفكرية يرون الطفل ملك للدولة ، ( مثل كندرسه الفرنسي ).
   ولا شك أن الدولة الصالحة يحق لها ابداء رأيها بشأن ما يصلح حال الطفل ولكن لايجوز لها التصرف فيه كسلعة تباع وتشترى ، ولا مصادرة حريته الا في اطار القانون الالهي.
   فهل الطفل اذن ملك لذاته ؟ والجواب على هذا السؤال سلبي أيضاً ، لأن الانسان لايجوز له الحط من نفسه والسير بها نحو التحلل ولايسمح له بايذاء نفسه ، والاساءة اليها ، فلايحق له الانتحار ـ أو المتاجرة بنفسه ، بل هو مخول بجميع الصلاحيات المؤدية الى رفعته ، اما اذا كان السير في الاتجاه المعاكس ، اي نحو الهبوط والتفسخ ، فالصلاحية مسلوبة منه .
   فلمن الطفل إذن ؟ ان الجواب القاطع الذي يمكن تقديمه هنا ، هو أن الطفل ملك لله ، وامانته ، وما الاب والام والمجتمع والدولة الا امناء لله .
   وواجبهم ازاء هذه الأمانة هوالعمل على ما فيه خيرها واجتناب كل ما ينقص ما شأنها .
   والكل مسؤولون عن صيانة هذه الأمانة الى ان يستردها صاحبها فترجع اليه.
   إنالله وإنا إليه راجعون.
   الأبوان أولى من غيرهما ـ طبعاً ـ في صيانة هذه الأمانة لا بل مكلفان بها من الوجهة الدينية.
   وبعبارة أخرى : ان للطفل حقاً على والديه وعليهما

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 137 ـ

   واجبات تجاهه .
   يعد التقصير فيها مدعاة للمساءلة .
   ونحن نطلق على هذه المسائل اسم « واجبات الوالدين في التربية » ، ونشير الى أننا نطرحها هنا بشكل اجمالي ، ومن اراد التوسع والحصول على مزيد من التفاصيل فلابد له من مراجعة الكتب المتخصصة في هذا الحقل.

واجبات الابوين في التربية
   واجبات الوالدين كثيرة ، أو بعبارة ادق : دين الأبناء على الوالدين كثيرة ، ولو اتينا على ذكر التفاصيل لطال بنا الكلام.
   ويمكن تلخيص الأشياء التي تستوجب الذكر ، الى ما يلي : ـ
  1 ـ قبول الطفل : يبدي الكثير من الناس حساسية خاصة ازاء جنس الطفل ويرغبون بان يرزقوا ولداً على سبيل المثال ، وقد يرغب البعض الأخر في انجاب البنات.
   من حق الطفل أن يرضى به والداه بغض النظر عن جنسه .
   كان الامام السجاد (ع) عندما يرزق مولوداً جديداً يسأل عن سلامته قبل السؤال عن بقية صفاته ، ثم كان (ع) يقول : « الحمد لله الذي لم يخلق مني خلقاً مشوهاً ».
   ولأجل إزالة هذه الحساسية الموجودة في النفوس ازاء جنس المولود ، قال رسول الله (ص) في تكريم الأنثى « ريحانة أشمها ورزقها على الله » وكان يقبل يد ابنته ويقول : « البنت هدية من الله ».
  2 ـ تسميته : من الأفضل أن تتم التسمية قبل الولادة ، وينبغي اختيار اسمين له وهو ما يزال جنيناً في مرحلة الحمل ، احدهما اسم ذكر والأخر اسم انثى.
   ومسألة انتخاب الأسم الحسن لها أهميتها ، ولا سيما اذا صار في

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 138 ـ

   المستقبل شخصية مرموقة .
   فللأسماء تأثيرها في خلق مشاعر الكبرياء أو الحقارة لدى الشخص ويفضل عادة أختيار الأسم الذي يشعر الشخص بالنبل والارتباط بالصالحين وقد وردت بعض التوصيات التي تؤكد على ضرورة تسمية الطفل بأسماء آل البيت (ع).
  3 ـ إقامة الشعائر الدينية : يؤذن في اذن المولود اليمنى ويقام في اليسرى بعد الولادة ويستحب اجراء ذلك قبل قطع الحبل السرى.
   جاء في الروايات أن هذا العمل تعويذ للطفل من همزات الشياطين.
   وقد يتبادر الى الأذهان السؤال التالي : ما ضرورة مثل هذا العمل بالنسبة للطفل الذي لايدرك شيئاً ؟ والجواب : أن هناك تفسيراً علمياً لهذا العمل لامجال لذكره هنا خلاصته إن هذا العمل يؤثر كثيراً في خلق الروح الدينية عند الطفل.
   ومن المسائل الأخرى المرتبطة بهذا الموضوع هي غسله وختانه ، وتقديم عقيقة عنه ، والتصدق بوزن شعره ذهباً او فضة .
  4 ـ إحترامه : ذكرنا سابقاُ أن الطفل أمانة الله وهديته الينا ، هو مرتبط بالله ولايمكن النظر اليه كدمية او وسيلة لعب يجوز الإستهانة بها .
   وهذا الأرتباط بالله يجعله شيئاً مهماً وذا كرامة ، ومنزلته هذه تستوجب الالتفات الى بكائه وصراخه ، وصفوة القول : يجب معاملته باحترام ، فحينما يتحدث يجب الإصغاء اليه ، وعدم الإكثار من التدخل في أفعاله وشؤونه التي ينشغل بها ، بل يجب أيضاً إجتناب التدخل في سلطته على وسائل لعبه ولهوه.
   يجب أن يشعر بأنه شخصية كبيرة له احترامه بين الآخرين ويحضى بينهم بالقبول .

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 139 ـ

  5 ـ محبته : المحبة ضرورية لادامة حياة الطفل.
   وبوجودها تشعر نفس الطفل بالارتياح والاستقرار.
   أما الذين يفتقدون عنصر المحبة في الصغر فيتحولون في الكبر الى اناس ذوي طباع خشنة ، وعقد نفسية مستحكمة .
   ويجب ان لاتتوقف المحبة على مكانته النسبية كأن ينظر الى نسبة جمال الطفل او مقدار نموه ولون عينيه وشعره ، بل ينبغي وجود المحبة لمجرد الارتباط القائم بين الطفل وأبويه.
   ولايجب ان تتجاوز المحبة مداها لأنها ان خرجت عن حدها جاءت بنتائج عكسية.
   6 ـ تغذيته : لا غذاء أفضل للطفل من حليب الأم.
   وقد أكدت الأحاديث ان الام لها الحق بطلب أجرة ارضاع طفلها .
   والام لاتقدم له الغذاء من خلايا جسدها فحسب ، بل انها تبادله العطف والحنان اثناء الإرضاع.
   وفي حالة عجز الام عن اداء هذا الواجب ، يفترض حينئذ الإتيان بمربية له او أوصت الأحاديث بجملة من الخصائص اللازمة والتي يجب توفرها في المربية كأن لاتكون حمقاء ، ولا مريضة العينين ، ولا يهودية ولا نصرانية ولا مجوسية ، ولا بنت زنا ولا سيئة الاخلاق ولا ناصبية ، بل يفضل أن تكون مؤمنة وتتحلى بما يناسب الحال من الجمال والأدب.
   واذا تعسر الاتيان بالمربية ، يقدم له حليب الدواب ( ويحل محله في عصرنا الحالي الحليب المجفف ) ولكن لايفوتنا ان ذلك يؤدي الى الفطام المبكر الذي يؤدي الى آثار سلبية من الناحية النفسية.
   عندما يتم الطفل عامه الأول يتوجب علينا اطعامه مما نأكل وبعد الشهر الخامس عشر نترك له الحرية في تناول الطعام لوحده ، أي لانلقمه .

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 140 ـ

   ومن شروط الطعام ان يكون طيباً طاهراً لأنه يؤثر على سلوك الطفل وتصرفاته ، وورد في القرآن الكريم « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ » « البقرة : آية 172 ».
  7 ـ كسوته : يجب ان تكون ثيابه واسعة حتى لا تقي نموه ، ويفضل ان تكون بيضاء او ملونة .
   ولايكسى الطفل بثياب الحرير ولايعود على النعومة من صغر سنه ، كما لاتكون ثيابه على درجة من الخشونة تؤذي جسمه.
  8 ـ الجانب الصحي : يجب المحافظة على الطفل من الأمراض والأوبئة وصيانته من اي عارض خطر ، وصفوة القول هي العمل على كل ما من شأنه إطالة عمره والمحافظة على سلامته ، ويتم ذلك عن طريق الإلتزام بالشروط الصحية بالنسبة لطعامه والمحيط الذي يعيش فيه .
   اما في جانب الصحة النفسية ، فيمكن المحافظة عليها عن طريق تجنب كل انواع القلق والاضطراب والمخاوف.
   ويمكن أيضاً المحافظة على سلامته الذهنية وذلك بتجنيبه الانعكاسات التربوية السيئة ، فالذهن جوهرة ثمينه ويجب الا تشتمل الاعلى الاشياء النفيسة.
  9 ـ التربية العاطفية : يجب ان يتعلم الطفل في البيت كل انواع الانفعالات العاطفية : كالمحبة والعطف ، والألم والمرارة ـ والحزن والفرح ، ومن الواضح ان فقدان المحبة يخلف آثاراً وخيمة في نفس الطفل ، لأن المجتمع الخالي من الحنان والمحبة مجتمع متعجرف ، وسرعان ما سيلقى نتائج مواقفه. وعلى هذا فالطفل يحتاج الى بذل الحنان والمحبة له ، وأن

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 141 ـ

   يلقى الرعاية والاهتمام اللازمين ، كأن يقبلوه ويلاطفوه ولا يظهر الانزعاج من الحاحه ولايتصرفون معه بقسوة وخشونة.
  10 ـ التربية الاجتماعية : والمراد بها أن يعلم الأبوان الطفل آداب المعاشرة والأسلوب الذي ينبغي سلوكه في الحياة الاجتماعية بحيث يستطيع تحمل اعبائها ولايشعر بوطأتها ، ويميل الى التعاون والتكاتف مع الآخرين ولايشذ عن الجماعة وأن يكن في قلبه الاحترام الكافي للإنسانية .
   يحتاج الطفل الى تعلم الأصول الاجتماعية التي تجعل علاقاته مع الآخرين مبنية على أساس التفاهم المشروع والسير في طريق خدمة مجتمعه ورعاية مصالحه وخدمة العدالة الاجتماعية.
   وهذا يستلزم مواصلة اعداد الفرد أعدادا أجتماعياً حتى سن الحادية والعشرين عاماً وإشراكه في الشوؤن العائلية وتحمل بعض ما فيها من مصاعب ، واصطحابه الى التجمعات والمحافل الاجتماعية المختلفة.
  11 ـ التربية الدينية : وتبدأ بمفهومها العام منذ اليوم الأول للولادة .
   وفي السنوات اللاحقة يجب مراجعة الكتب الدينية التي تحدد البرامج اللازمة لكل سنة او حتى لكل عدة اشهر من مراحل حياة حياة الطلفل.
   ففي الثالثة مثلاً ينبغي تعليمه كيفية السجود ، وفي الخامسة اداء الشهادتين ، وفي السابعة يتعلم الصلاة ، ويتحقق بعض هذا التعليم عن طريق مشاهدة عمل الوالدين والمشاركة في المحافل الدينية.
  12 ـ التربية الأخلاقية : يجب أن يتعلم الطفل ومنذ الأشهر الأولى من حياته المسائل الأخلاقية والمراد بها هنا : مجموعة الأصول والقواعد التي

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 142 ـ

   تحكم العلاقات الانسانية والحرص على المحافظة عليها ، فألتربية اذا خلت من الوازع الأخلاقي لاتعني سوى اعداد مجرم ماهر .
   تتفتح لدى الانسان في ظل التربية الدينية الكثير من السجايا الربانية والفضائل العقلية كالامانة ، والشجاعة ، والإقدام ، والحذر ، والإحساس بالمسؤولية ويلتزم بالأسس والمعايير التي تنظم حياته .
   الشخص بالعمل ، يتوجب علينا عدم التشكي من مشاق اعمالنا أمامه لان هذا يولد لديه كراهية العمل.
  13 ـ التربية الاقتصادية : وتقع على الابوين ايضا مهمة تربية الوليد تربية يكسب فيها المهارة في الفنون التي تساعده على اتقان عمل معين ، وتعليمه فناً ينفعه في تسيير امور حياته ولايكون كلا على الاخرين.
   واذا اردنا ترغيب الشخص بالعمل ، يتوجب علينا التشكي من مشاق اعمالنا امامه لان هذا يولد لديه كراهية العمل.
   والمسألة الأخرى التي يجب ان يتعرف عليها الطفل هي قيمة المال.
   اذ يجب ان يطرح أمامه على انه وسيلة لصيانة الكرامة ، وقضاء الحاجات الضرورية في الحياة ، والمساعدة على بلوغ الغاية التي ينشدها الانسان.
  14 ـ المكان المناسب : يحتاج الطفل الى مكان يستطيع فيه الاختلاء بنفسه والاستغراق في عالمه الذاتي.
   فإن تعذر إفراد غرفة له ، فيجب على الأقل تخصيص زاوية من احدى الغرف له لكي يستطيع أن يضع فيها دماه ولعبه الخاصة ، وينشغل فيها باللعب والتسلية اما في السنوات اللاحقة ، فالأمر يتطلب عزل مكان نومه عن محل نوم الأب والأم والأخت.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 143 ـ

  15 ـ تعليمه المسائل الضرورية : وهنالك الكثير من المسائل الضرورية الأخرى التي يجب تعليمها للطفل كالواجبات ، والمحرمات ، والحقوق والحدود ، وفقاً لما يتناسب وسنه.
   ويتسع هذا الباب التعليمي ليشمل كل الشؤون المهمة في الحياة والعائلة ومسائل الزواج وغيرها.
   ولكن مما يؤسف له أن الكثير من العوائل تأبى الأجابة على اسئلة الأبناء بذريعة أن هذه المسائل تزيل حياءه .
   وربما تعمد اكثر العوائل الى تهيئة الأجواء التي تثبط الأبن عن الاستفسار من والديه.
   ولاينتج عن مثل هذا العمل سوى إلحاق الضرر بالعائلة والطفل على حد سواء .
   ومن الواضح ان الطفل سيعثر على جواب اسئلته بشكل او آخر.
   فاذا تنصل الأبوان عن اداء هذه المهمة فسيندفع الطفل تلقائياً الى سؤال الأخرين عما به يجول بخاطره ، ويلقي اسئلته على اشخاص غير مطلعين ، وربما مغرضين أحياناً ، إذن فمن الأفضل ان يتولى أبواه هذه المهمة بالأجابة على اسئلته بهذا الأسلوب ، أو ذاك ، لأنهما أحرص الناس عليه وعلى مصلحته .
  16 ـ اللعب مع الطفل : اللعب من الحاجات الاساسية للطفل ومن المستلزمات التي تهيئ له أرضية النضوج.
   والطفل في البيت يحتاج الى من يلعب معه ويماثله في السلوك والتفكير ، وهذه الحاجة اكثر ماتلحظ على الطفل الوحيد للعائلة.
   ولهذا أشير في مناهج التربية الأسلامية الى أن حاجة الطفل هذه تتطلب أن يجعل الأبوان نفسيهما بمنزلة الطفل ويلعبا معه ، وكان النبي الأكرم (ص) يتبع هذا الأسلوب مع الحسنين (ع) حتى انه كان يجعل نفسه كالبعير فيركب

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 144 ـ

   ابناه على ظهره.
  17 ـ تربيته على تحمل مصاعب الحياة : لاتسير الحياة دوماً على وتيرة واحدة ، ولا يتوفر فيها الطعام اللذيذ والفراش الوثير على الدوام ، ولاتكون مصحوبة دوماً بالراحة وفراغ البال ، بل تقترن احياناً بانواع الحرمان ، وهذا ما يجب على الطفل أن يعيه في حياته .
   وبناء على ما ذكر فلا ضرورة لأن يعيش الطفل دوماً في الرياش والنعيم ولانصر على اقتران حياته في جميع الأحوال بالنجاح والتفوق ، بل أن مسار الحياة يستدعي أن يتذوق أيضاً طعم الفشل ويعيش ظروف الحر والقر والجوع والعطشى والتعب والراحة ، وان يعد نفسه لتحمل مصاعب حياته المقبلة والمليئة بأمثال هذه الأضداد.
   ولا ننسى الاشارة الى اهمية ووجوب تعليمه الأمور المختلفة لكل من عالمي الرجل والمرأة ، وذلك من خلال مشاهدته للسلوك اليومي الذي يتبعه الأبوان.
   ولابد ان ننبه أيضاً الى ان السقوط والإنزلاق ، والجرح والألم والراحة والسعادة جزء من مستلزمات الحياة ، ولا داعي لأن يتلقى الطفل يد العون والمساعدة حينما يتعرض لشيء من هذا القبيل ، لأنه سيصبح في مثل هذه الحالة شخصاً ضعيفاً لايثق بنفسه .
   بالإضافة الى كل ذلك يجب أن يتعلم النظر الى الحياة بنظرة ايجابية وهذا مايتطلب عدم مواجهته بظرف يسلب منه طعم الحياة وبهجتها ، وعلى الوالدين أن يمتنعا عن تضخيم مصاعبهما ومشاكلهما أمامه ، لأن هذا يدفعه

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 145 ـ

   الى إساءة الظن بالمستقبل والتخوف من الزمن.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 146 ـ

ـ 5 ـ تربية الضمير

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 147 ـ

  المقدمة
   يولد الانسان وهو مزود بالغريزة والفطرة ، وكل دوافع العمل والجهد والارتقاء والنضوج والسعي لبلوغ الأهداف النبيلة.
   وبإمكان القوى الأدراكية المودعة فيه ادراك الواقع والحكم على الأمور.
   وله حياة وجدانية ، والمراد من ذلك أنه قادر على النظر في ذاته في اية لحظة ليدرك أن له رؤية وبصيرة في ظل وجود عوامل الإستقرار والراحة.
   إن وجود مثل هذا الإدراك ومثل هذه الحياة التي تسمى بالضمير إنما هي مقدمة لتوجيه الإنسان نحو الغاية المنشودة.
   ثم انه يكتسب ، في ما بعد ، الأسس الأخلاقية وبعض المعتقدات الدينية والمدركات الموجودة في هذا العالم نتيجة للتربية والبيئة الاجتماعية.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 148 ـ

ما هو الضمير ؟
   قالوا : ان الضمير هو عبارة عن وعى الانسان لشخصية وحقيقة الباطنية ، وهو عامل لمعرفة المسائل والجوانب المتعلقة بحياته .
   ذكروا ايضاً أنه عبارة عن قوة النفس المدركة وانه يدرك كل ما هو وجداني وواقعي وحقيقي.
   وبناء على هذا المفهوم فإن الضمير هو نوع من الادراك الباطني الذي يعرف ـ وحتى من غير علم ـ إن لهذا العالم مدبراً ( وهذا هو الضمير التوحيدي ) ويدرك أيضاً ان مسار الحياة يتطلب الاخلاص والأمانة ، وأن الكذب والخداع قبيح .
   نحن نعلم ان الطفل يدرك ذاتياً وبواسطة ضميره ان الكذب قبيح ... وحتى أنه في مطلع حياته لايقدر على اختلاق الأكاذيب ، فالضمير يبدي له حقيقة الكذب القبيحة.
   الا أن الطفل ينجرف في ما بعد في تيار يجعله قادراً على الكذب بسبب سوء التربية ، وعدم سيطرة المربي والتعليم الخاطئ.

مصدر الضمير وجذوره
   ولكن ما هو مصدر الضمير ومن اين يستمر وجوده ؟ يمكن القول بوجود رأيين في هذا الصدد.
   وهناك نمطان من التصور بشأن القبح والجمال بشكل عام يطرحهما الدين وعلم النفس وهما بالشكل التالي :
  1 ـ الاكتساب والتعلم : يرى أصحاب هذا الرأي وأكثرهم من علماء النفس ذوي الإتجاه المادي ، أن الطفل يكون عديم الضمير حين الولادة ،

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 149 ـ

   ولا يمتلك أية معايير يدرك بها القيم ، وتستوي لديه الأمانة والسرقة والصدق والكذب .
   ثم انه يكتشف لاحقاً بعد التعلم والإكتساب بأن الأمر الفلاني جميل ، والآخر قبيح ... وللتعلم دوره ـ كما للآلام ـ في خلق هذه الأرضية عند الأفراد وتوعيتهم على هذه الأمور.
  2 ـ الفطرة والذات : بينما يرى آخرون وعلى رأسهم الالهيون أن للضمير جذوراً فطرية .
   وانه مغروس في أعماق كل الناس بشكل متماثل ، ويعتقدون أن الضمير فطرة ربانية ، أو غريزة لاتفنى ، وهو دليل موثوق للإنسان ، كما انه يضع الانسان لا ارادياً على طريق الخير والسعادة ويجنبه الوقوع في المنزلقات.
   الضمير فطرة أولية لايحتاج الى كثير من الجهد للتعلم سوى أن توضع أمامه مصاديق مختلفة للحسن والقبح.
   يقوم مبدأ الخلقة على الصدق ، الا أن الأطفال يجدون انفسهم مضطرين ـ ومرد ذلك سوء التربية ـ الى البحث عن سبل الخداع او اختلاق الأكاذيب للتخلص من بعض المواقف الحرجة.
   وعلى هذا الترتيب فإن الضمير جزء من فطرة الأنسان ونفسه اللوامة التي توبخه على كل معصية أو إنحراف يصدر منه .
   وإنطلاقاً من هذه الرؤية يتبين ان الضمير اشعاع من الهداية الإلهية التي تنير طريق الإنسان وتسلط الأضواء على الجوانب المظلمة في الحياة ، فتبغض إلينا كل قبيح ، وتحبب لنا كل ما هو جميل وترتضيه الفطرة.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 150 ـ

الدليل على فطرية الضمير
   ولكن ما هو الدليل على فطرية الضمير ؟ ولغرض الإجابة على هذا السؤال يمكن الاشارة الى أن الضمير لاينحصر وجوده لدى الناس المتدينين فحسب ، بل يمكن معاينة مؤشرات وجوده عند سواهم ايضاً بسبب ميل الناس الى كل ما هو جميل ونبيل وابتعادهم عن كل مايشين .
   وقد يتمكن بعض الناس من وأد هذا الحافز في ذواتهم ، أو أنهم يشددون عليه الخناق فيحولون دون استيقاظه لكن جذوره لاتجف أبداً.
   للضمير التوحيدي ، والضمير الأخلاقي جذور متوغلة في اعماق كل انسان من جميع الأمم والشعوب ، ويستوي فيه الأسود والأبيض والرجل والمرأة ، والجميل والقبيح.
   وهذا ما يصطلح عليه الدين بـ « معرفة الله بالفطرة » وفي ميسور جميع الناس ان يدركوا ـ حتى بدون مربي ـ ان لهذا العالم خالقاً .
   وأن الصدق جميل والكذب قبيح ، فالجميع يمتلكون هذا الضمير التوحيدي والأخلاقي.

غاية الضمير
   للضمير غاية يستهدفها ، ويعللها الدين بالنفحة الالهية التي نفحت في روح الانسان ، وتتمثل بالنقطة التي نبلغها من خلال عملية البناء الذاتي والتكامل الروحي ، والتي تلحظ مظاهرها طوال مدة الحياة في النزعات الانسانية السامية كالتضحية والايثار واكتساب المعرفة ... الخ.