الرذائل.
   و لتزيل ما علق بشخصية من الشوائب ولا سيما الاضطرابات والهواجس التي عرضت له ايام المراهقة والشباب ، فيتحقق له بالنتيجة الاستقرار النفسي المطلوب.
   وأما من الوجهة الاجتماعية : فالدين عامل أنس والفة ، يأمر الناس بالتعاطف والتواد والتراحم وتمتين العلاقات ، ويحدد للاطفال منذ البداية ضوابط وقيود تجعلهم ينظرون الى الاخرين بعين العاطفة الانسانية.
   يمثل الدين عامل سيطرة على الفرد بكبح جماح عدوانه عن المجتمع ، ويكف أذاه عن الاخرين.
   ولكي يكون الناس في مأمن يده ولسانه ، وأن لا يغيب الله عن ذهنه في حالة الكراهية والمحبة .
   فأن كنا نعتقد بأن الدين قد وضع التعاليم والاحكام الخاصة بالعائلة ، والاقتصاد والسياسة ، والتربية والتعليم وآداب الحياة ، وهو الذي يقرر منهج الحياة على المستوى المحلي والعالمي ، نعلم حينها بأن التربية الدينية للاطفال تحظى بأهمية بالغة ، وأذا علم الابوان بمدى الاضرار والخسائر والانكسارات التي سيلحقها أبناؤهم بأفراد المجتمع ، لشعروا بالخجل من أنفسهم ومن المجتمع أزاء كل هذا الاهمال وعدم المبالاة بمصير أبنائهم ، ولبذلوا جهودهم من أجل أن يتحلى أبناؤهم بطابع الدين وروحه.

استعدادهم للتلقي :
   من حسن الحظ أن الارضية مهيأة ، عند الاطفال لتقبل التربية والتعليم الديني ، ونحن نعتقد أن نسبة الاستعداد للتلقي الديني عند الاطفال أكثر منها عند غيرهم ، ومرد ذلك هو سلامة فطرتهم التي لم يمسها التلوث ،

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 52 ـ

   وأمكانية الاستعداد الذهني للمواضيع الدينية و التربوية والاخلاقية عندهم أكثر مما عند غيرهم.
   نحن نعتقد أن للدين صبغة الهية ، ولدينا قرائن كثيرة تشير الى أنه أمر فطري مغروس في أعماق كل أنسان.
   وان رغبة الطفل في التقصي والبحث عن علل وأسرار الحوادث والظواهر تمثل وسيلة فاعلة تحفز ذهنه على التفكير وهي مؤشر على أستعداده لتلقي وقبول فكرة الاله ، وهذا يتيح للمربي أستثمار هذه الارضية الخصبة التي يمتاز بها قلب الطفل ، ليضيئه بنور الايمان.
   وفي السنوات السبع الثانية من عمره ، وخاصة في سن العاشرة يبدأ الطفل بالشعور بأنه بحاجة الى السعادة المطلقة ، وهو طبعا لا يعلم ما هي ، ثم يسعى لنيلها وفي حالة مزيجة من التطلع والتردد.
   ويركن أيضا الى الله في سبيل أستمداد العون المعنوي والدعم الديني.
   أن هذه الحاجة والسعي لاشباعها لها تأثير فاعل في خلق الاطمئنان والسكينة اللازمة لحياته .

العوامل المؤثرة في التربية :
   تتدخل عدة عوامل في التربية للاطفال أهمها : العائلة ، والمدرسة ، والمجتمع ، ولكل واحد من هذه العوامل بحوث مهمة .
   وكل ما يهمنا منها هي تلك الجوانب المتعلقة بصحة التدرج في التعاليم ، ومدى ثبات ومتانة الفكر ، وطريقة عرضه بأسلوب جذاب .
   فقد يكون نفس التعليم الذي يتلقاه الافراد من المربين سببا لقبول الدين بشكل أفضل أو على العكس ، تركه والنفور منه .
   فالناس الكبار يعيشون في

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 53 ـ

   ظروف تجعلهم خاضعين لتأثيرات المواقف التي مرت عليهم في الماضي من أمثال طباع وسلوك المربين والرموز النافذة في المجتمع ، اضافة الى شعورهم بالتعلق بالدين وتعاليمه في تطوير وانضاج شخصيتهم في سلوكهم الديني عامة ، فجميع الممارسات الدينية التي يؤديها الاطفال اليوم تؤثر على مسار حياتهم اللاحقة.
   وسلوك الوالدين والمربين معهم حاليا له دور أساسي في بلورة اتجاهات حياتهم في المستقبل.
   وأنطلاقا من هذه الرؤية ينبغي الالتزام الحذر والوعي في تربيتهم الدينية.

واجبات العائلة :
   يتوقف تأثير التعاليم والانماط الدينية في الطفل على عوامل النفوذ الاخرى في العائلة كالاب والام والاخوة الاكبر سنا ، فالطفل يأخذ بما يسمع ويرى ، خطأ كان أم صواب ، وبناء على هذا يصبح دور العائلة عظيم التأثير في صياغة كيان أطفالها.
   ترى النظرة العلمية ان التزام العائلة بالدين ، واستعدادها لتطبيقه في حياتها ، يحتمل ان يقضي الى زيادة استعداد الطفل للتمسك به أيضا.
   وعلى الرغم من كل الاستعدادات الفطرية التي تطبع شخصية الطفل ، فلا تفوتنا الاشارة الى أهمية سلوك عائلته ، فان كانت مجافية للتدين وبعيدة عن الالتزام ، فلا نتوقع للطفل حالا أفضل من هذا .
   وضع الطفل يستوجب الرعاية عادة ، ودور الوالدين كدور البستاني الحريص الذي يتعهد النبتة بالاهتمام والرعاية باذلا سعيه لصيانتها من الافات.
   ويلقي رسول الله (ص) اللوم للوالدين اللذان لا يهتمان بوضع

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 54 ـ

   طفلهما ، ولا يعلمانه الدين ، ولايسعيان له في توفير الاجواء السليمة التي يسودها الدين وأحكامه ، ولو ان الوالدين والمربين وجهوا الجانب الديني عند الطفل وجهته الصحيحة ، وركزوا على غرس بذور محبة الله في اعماق الطفل أنما في نفسه ـ كما نعتقد ـ شوق لانظير له وتعلق شديد بالدين .

واجبات المدرسة :
   المدرسة هي البيت الثاني للطفل ، ويؤدي الكادر المدرسي دور الاب والام فيها .
   ان السلوك الذي يمارسه المعلم وبقية أفراد المدرسة ، يعتبر درسا وعبرة تنفذ في أعماق الطفل ، فما أكثر السلوكيات المنحرفة والتصرفات القبيحة التي تلحظ على الاطفال وهي ناشئة مما تعلموه من المعلم والمدرسة.
   من جملة الانتكاسات التي تعرض في حياة الطفل ، وهي عدم قيام العائلة بأداء واجبها ازاءه اتكالا منها على المدرسة ، وأملا في قيام المدرسة بتربية الاطفال دينيا ، وفي المقابل ، تتصور المدرسة بأن العائلة تؤدي مهمتها في تربية ، ولا ضرورة لجهود المدرسة ، ولهذا فأننا نعتقد بوجود التنسيق بين المدرسة والبيت ليكون برنامجها التربوي متسقا طوليا أو عرضيا ، ويتخذ سياقا واحدا في العمل ، حتى لايشعر الطفل بازدواجية المواقف والاراء ، وليقتفي سلوكا متزنا ومنضبطا .
   يمكن للمدرسة ان تستثمر مشاعر الطفل وتنفذ في أعماقه بهذا السبيل ، وفي ميسور المعلم أيضا زرع ما يشاء في قلب الطفل ، شريطة أن يكون هو ذاته رمزا عمليا يقتدى به في ما يدعو اليه.
   وكذلك من الضروري أن يبادر

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 55 ـ

   المعلمون لتوعية الاطفال دينيا ، حتى لا يكونوا في المستقبل عرضة لمخاطر الانحراف ، وأن يسعوا للحفاظ جهد الامكان على روحية ونفسية الطفل سليمة ونقية ، ليكون بعيدا عن مهاوي الرذيلة.

قواعد مفيدة في التربية :
   هنالك الكثير من القواعد المستخدمة في تربية الاطفال دينيا ، ويمكن تطبيق كل واحد منها على نحو ما ، نشير الى ما يلي الى بعض منها :
  1 ـ قاعدة الحنان : ان السلوكية الفضة في تربية الاطفال مرفوضة من الوجهة الاسلاميةن ، الا ان هنالك موارد خاصة واستثنائية سنشير اليها لاحقا تتيح لنا معاملتهم بأسلوب آخر، اجتذبوا الطفل بالمحبة ، واكبحوا جماح تمرده باللين والمداراة .
   امتدحوا اي عمل ديني جيد يصدر عنه ، فهذا من دواعي مواصلة السلوك الايجابي لديه .
   والطفل ممكن أرضاؤه بسهولة ، وينقاد بالمرونة ، ويسلم قياده باللين .
   فبعض التعابير المستخدمة في وصف ديننا تشير الى انه ليس سوى الحب والمحبة .
   فلا تصروا على جلبه الى الطريق بالانفعال والغضب والقسوة ، لانه لا ينفي بالغرض المطلوب بتاتا .
  2 ـ الاستفادة من اللذائذ : اجعلوا الطفل يحمل ذكريات طيبة عن الدين ، فان كنا نحن صياما فلا نهمل امره.
   ومما يؤسف له ان بعض الاباء والامهات يرغمون الطفل على الجوع حين يصومون ولا يأبهون لطعامه ، أو انهم لا يهتمون لترتيب امر طعامه بالشكل المطلوب ، وهذا ما يخلف في نفسه اثارا سيئة عن الصوم ، وعن شهر رمضان.
   طيبوا فاه بالحلوى أثناء المجالس

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 56 ـ

   الدينية ، وقدموا له شيئا من طيب الطعام ، ولاتكون المجالس كلها لطما وبكاء ، ودموعا وعزاء فينفر منها الطفل ، فالامر يستوجب غرس الرغبة في نفسه لكي ياتي معكم ثانية ، ويتناول الشاي والحلوى ، ويسمع بصفه كلمات ليتعلم بعضا منها .
   وعلى كل حال يجب أن تتصرفوا بالشكل الذي لايجعله يشعر وكأن الدين يثير في نفسه الحزن والاسى ، ويبعث فيه الكراهية والنفور.
  3 ـ الحث والتشجيع : قد يبادر الطفل في بعض المواقف الى أداء ركعتين من صلاة غير منتظمة في أحد أركان الدار ، ثم يأتيكم قائلا ـ ولعله من باب الرياء ، أو لغرض لفت الانظار ـ بأنني قد صليت !! فلاينبغي في مثل هذه الحالة التزام موقف اللامبالاة ، بل يجب تشجيعه ، ولكن ليس بالشكل الذي يستثير فيه خصلة الرياء ويعمقها في نفسه .
   امتدحوا عمله حتى يتجذر حب مثل هذا العمل في أعماقه.
   لا شك ان التشجيع لا يفترض فيه ان يتجاوز الحد المتعارف ، بحيث يتصور أنه المتفضل عليكم.
   ولكن في نفس الوقت يجب أن يؤخذ قلب الطفل الصغير بنظر الاعتبار.
   فالاب والام يمثلان كل دنياه ، وآماله متعلقة بهما ، وثناؤهما عليه يملا قلبه الصغير بالسعادة والانشراح.
  4 ـ اللجوء الى اساليب العقوبة :
   نحن لاننكر ـ في الوقت نفسه ـ ضرورة جلب الطفل الى الطريق في الحالات التي يحاول فيها تجاوز حدوده ، ويصر على تجاهل امركم ونهيكم .
   ولكن من الافضل ان يتم ارشاده أولا باللين والعطف ، فان بدت

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 57 ـ
   وكانها لاتجدي نفعا ، يجب عندها اللجوء الى القوة.
   من الافضل أن يكون بناؤكم التربوي لاطفالكم بالشكل الذي يجعله ـ وحتى سن العاشرة ـ يتحرك ذاتيا في شؤونه الدينية من غير حاجة لامركم ونهيكم ، كأن يؤدي الصلاة طوعا وان كانت الصلاة في مثل هذه السن غير واجبة على الفتيان.
   وان بدر منه اي تقصير ، يمكن معاقبته من بعد ابدأء الارشاد والموعظة.
   ان ممارسة الضغوط على الطفل قبل سن الثامنة قد تؤدي الى امتعاضه من الدين وايذاء نفسه ، بل وقد تنتهي به في بعض الاحوال الى نتائج عكسية ، ولا اشكال في استخدام أساليب الضغط من بعد هذا العمر ، ولكن بشكل مدروس ، وفي الظرف المناسب.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 58 ـ

   ملاحظات مهمة :
   وأخيرا فبما اننا نتحدث من مقام الوالدين والمعلمين ونحن المسؤلون عن حسن أو سوء أخلاق الطفل وسلوكه الديني ، فلا شك أن الواجب والتكليف يوجب علينا بذل قصارى جهدنا في هذا السبيل.
   فعلينا اتباع جميع الاساليب المتاحة لصيانة الطفل وتوديعه دينيا .
   وتنمية بذرة الفطرة فيه ، ويستمر هذا التكليف حتى سن 21 عاما ، واذا لم نفلح في تحقيق النتائج المتوخاة فلا تثريب علينا .
   ويفترض بنا أيضا الاستفادة من الامداد الرباني في تربية الطفل ، وان نستعين بالله ليسددنا في حفظ هذه الامانة ، وأيصالها الى مرحلة الاثمار.
   وحتى الائمة المعصومون (ع) لم يروا أنفسهم في غنى عن هذا الامر ، فالامام السجاد (ع) يدعو ربه لاعانته على حسن تربية وتأديب وأصلاح أبنائه.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 59 ـ

ـ 3 ـ التربية والتعليم الديني للاطفال

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 61 ـ

   المقدمة
   لن يكون بوسع الانظمة المادية أن تاتي بالخير والرفاه للبشرية مهما بلغت من التطور والتقدم ، الا اذا تحولت الى اداة لضبط الافراد في المسار الذي هم عليه حاليا .
   قد تتحقق بعض أسباب الرفاه في ظل التطور المادي ، الا ان بقائها واستمرارها ، والاهم من ذلك الاستفادة منها ، لا تتحقق الا في ظل القيم المعنوية.
   ولهذا فنحن نعتبر التربية التي لاتقوم على اسس دينية امرا خطيرا .
   ووجود المدارس والجامعات غير المبنية على قواعد دينية والطلبة المتخرجين منها وبالا على المجتمع ، واذا فقدت التربية عنصر الدين فقدت قوامها ، بل كان فقدانه سببا لانحلال التربية تلقائيا .
   ان ما نراه من فساد وتناحر وحروب واستغلال في المجتمعات المسماة بالمتحضرة ليس مصدرها تدني المستوى العلمي ، وهبوط مستوى الرفاه هناك ، بل ترجع جذوره الى ضعف القدرة على التحكم والسيطرة ، وانعدام دواعي الانضباط التي تعينها على السيطرة على نفسها .

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 62 ـ

الطفل وحاجته الى الدين
   ان حاجة الطفل الى الدين اشد بكثير من حاجته الى الطعام ، لا سيما وضعه الذي يستدعي وجود عنصر يحميه ويدافع عنه عوامل الفوضى والاضطراب.
   والدين مفيد للطفل من حيث انه يهذب اخلاقه ، وينزهه عن الخيانة والمشاكسة والتمرد ، ويلجم طباعه الشرسة ، ويجعله يلتزم بالسير في أطار الضوابط المرعية.
   فما أكثر الاشخاص الذين يرتكبون الجرائم، ولو كان الرادع الديني عندهم قويا لحال دون ارتكاب مثل هذه الجرائم ، فبامكان الدين كبح الدوافع غير المشروعة وتوفير فرص النجاح أمام الاطفال والفتيان للتحرك نحو حياة روحية أفضل.
   قد يكون التعليم الديني قليل الجدوى للطفل حاليا ، الا انه ضروري جدا لغده ، لانه يطور أفكاره ويدفعه الى حب النظام ، ويرتقي بمنطقه ، ويعينه على حل مسائله اليومية ، ويزوده بالوعي اللازم في الحياة.
   أطفالنا بحاجة الى الايمان الذي تدار شؤون حياتهم في ظله ، ويكون لهم الثقة الكاملة بأنفسهم ويجلب لهم السكينة النفسية والاسئناس بالتعاليم الالهية السامية ، ويوصلهم بالتالي الى الصلاح والفلاح .
   فكلما كبر الطفل ازداد شعوره بهذه الحاجة ، وخاصة في سنوات المراهقة حيث يعيش الانسان في أجواء من الاضطراب المتأني من شعوره بأنعدام العدالة في المجتمع.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 63 ـ

الارضية الدينية عند الاطفال
   تتوفر في الطفل الارضية الكافية لقبول الدين ، لان فطرته تدعوه الى ذلك ، وهذه الفطرة تكون قوية في نفس الطفل الى درجة يمكن القول معها ان الطفل لايمتلك أي مفهوم عن الدين سوى ما اودع في فطرته ، وهو الذي يدفعه الى الرفعة والتسامي.
   فالابعاد الفطرية في نفس الطفل تسوقه نحو تلقي الامور الحياتية وفهمها ، والى حب الحقائق الدينية ، والى مجانبة القبيح من الامور والتمسك بخيرها كما ينبغي له .
   نواجه من الطفل وهو في سن الرابعة تصرفات ناتجة عن حبه للاستطلاع ، وميله الى أدراك اسرار الطبيعة ، والعثور على الطريق المؤدية الى الله.
   تتعمق لدى الطفل في حوالي السنة الخامسة رغبة شديدة في معرفة الله ، وأغلب اسئلته تصب في السياق التالي : كيف يكون الله ، وعلى أية هيئة ؟ لماذا لانراه ؟ و ... الخ.
   وعندما يقارب السادسة من العمر ينصب تفكيره على اكتشاف مصادر القوة ، فحينما يرى أن اباه يشكل مصدر قوة هائلة في البيت ، يتصور انه لابد من وجود قوة خارقة في هذه السماء الا وهي الله.
   ان الاطفال في سن 4 ـ 5 ـ 6 أعوام مشغوفون بقدرة الله ، ومتعجبون من مخلوقاته .

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 64 ـ

الرغبات الدينية عند الاطفال
   لدى الاطفال رغبات تحثهم على البحث والعثور على الخالق هذا ، من يكون ؟ وعلى أية صورة ؟ تحدوهم رغبة جامحة في الدنو منه واكتناه سره ، وان يأخذوا عنه معتقداتهم ومثلهم التي تخص جانبي الحقيقة والاخلاق ، فهو قوة أعلى تغنيهم عن الاب والام ، فيظلون مشغولين بهذه الافكار لمدة طويلة من الزمن.
   ثم يظهر عند الاطفال في سن الثامنة شغف يدفعهم نحو التكامل النفسي والكشف عن بعض الجوانب الخفية في ابعادهم الوجودية .
   فيتركز سعيهم على اقامة نوع من الارتباط الوثيق والابدي بينهم وبين الله ، ويتجسد هذا السعي في اسمى صورة في سن الثانية عشرة ، ويتخذ طابع الحب الجارف لله ، وحتى انهم يظهرون في هذا السن اخلاصا في العبادة .
   اما هدف الجهد المبذول في هذا السياق فهو اكتشاف هويتهم والتفكير في طريقة لتخليد انفسهم ، وتوفير حياة كريمة لانفسهم .

   بداية التربية الدينية
   تبدأ التربية أساسا من وجهة النظر الاسلامية من المهد ، وتتبلور في أحضان العائلة.
   أما اسسها ومقدماتها فتتوغل الى المرحلة التكوينية للجنين وحتى الى ما قبل تلك المرحلة ، ولكن صيغتها الرسمية تبدأ منذ لحظة الولادة حين يؤذن ويقام في اذن الوليد الجديد.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 65 ـ

   وفي المرحلة اللاحقة يفرض علينا في كل سنة وفي كل شهر واجب جديد ازاء الطفل يتدرج سنه ، ونحن نقوم أيضا بتأدية ما علينا على أعتبار كوننا مربين .
   ولا شك ان استعمال أي نمط من أنماط القوة والضغط مرفوض ، وحتى السلوك الديني للطفل لايتجاوز صيغة اللعب والتسلية ، ولا كلام لنا في هذا المورد ، وانما تتمثل مهمتنا في برمجة الفرائض الدينية بالشكل الذي لا يثقل كاهل الطفل ، ولا يرهقه قبل الاوان.
   ويفترض بنا أن نسعى أيضا طوال فترة التربية في السنوات السبع الاولى من حياة الطفل الى عرض المصاديق والمثل المفيدة للطفل تربويا ، وأن يكون نمط التربية بشكل لا تستدعي الضرورة اصلاحه واعادة النظر فيه ، لان الكثير من الانحرافات الدينية للاشخاص منبثقة عن هذا الخلل.
   يصل الوله بالدين الى ذروته في العاشرة لدى الفتيات ، وفي سن الثانية عشر عند الفتيان ، وفي هذه السنوات فقط يمكن الحديث عن موضوع الايمان بالدين ، اذ حيث يتنامى الحس الديني خلال هذه السنوات شيئا فشيئا حتى يبلغ أوجه عند مرحلة البلوغ.

مبادئ في التربية الدينية
   قبل الحديث عن أغراض ومحتويات وفنون وأساليب التربية الدينية للاطفال تقتضي الضرورة أولا الاشارة الى ثلاثة مبادئ مهمة تستوجب الاهتمام بالتربية الدينية وهي كما يلي :
  1 ـ مبدأ الوعي والمعرفة : لاندعي بأن الطفل قادر على ادراك جميع

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 66 ـ

   المسائل المتعلقة بالدين أو انه يدرك ما نقول .
   الا ان هناك نقطة ينبغي أخذها بالحسبان ، الا وهي وجوب ضخ المعلومات اليه بما يتناسب مع قدرته على الاستيعاب والفهم ، والا نتهاون في أمره على أساس كونه صغير السن ومازال أمامه متسع كبير من الوقت ليصبح متدينا .
  2 ـ مبدأ المشاعر والاحاسيس : ينبغي ان يتعرف الطفل بشكل أو آخر على النشاطات الاجتماعية ، وما يجري خلالها من أعمال وشعائر ، فيشارك في المراسيم ، والادعية الجماعية ، والاناشيد والمراثي ، والعبادات الجماعية مثل صلاة الجمعة والجماعة ، ليرى بالتدرج ، الدموع والاهات ، والانفعالات والافراح ، مما يؤدي الى اثارة عواطفه ومشاعره الدينية ، وكذلك لا يخلو ذكر القصص الدينية من الفائدة ضمن هذا السياق.
  3 ـ السلوك والعمل : للسلوك والعمل سواء عند المربي أم عند الطفل دور لايمكن تجاهله ، وذلك لشدة تأثيره وتفوقه على تأثير المنطق والقول.
   فالقلوب تنجذب الى الحقيقة بواسطة العمل ، وبه تبرز وتتميز العادات الدينية ، وتتبلور في الفرد رغبته في الطاعة والعبادة.
   وهذا هو النمط الذي كان يقتفيه الرسول (ص) في التعليم حيث كان يقول لاصحابه « اعملوا كما تروني اعمل ! »

منهاج التربية الدينية
   تعترض مسار التربية الدينية للاطفال مجموعة من المعوقات والمصاعب التي يقتضي الحال تذليلها وايضاح الغامض منها ، ليكون المربي على بينة من امره ومستدلا على السبيل المطلوب ، وعلى الاهداف المبتغاة في نهاية

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 67 ـ

   هذا المسير ، وما هي المواضيع المستهدف تعليمها للطفل ؟ وما هي الاساليب المفترض استخدامها ، وبأية وسيلة وفن ؟ وكيفية الرقابة والسيطرة ؟ نشير في ما يلي الى كل واحدة من هذه النقاط مع مراعاة الاختصار :
  أ ـ الاهداف والمقاصد :
   يتلخص الهدف العام في تنشئة الطفل نشأة دينية ليكون معتقدا بتعاليم الدين ومطبقا لها .
   والغرض من ذلك ان يعتبر طفلنا الاسلام عقيدة صالحة ومذهبا بناء للحياة ، وان يتقبل مبادئه وتعاليمه على اساس كونها افكار حركية أصيلة ، وان يطبع حياته الحالية المستقبلية بطابع الفلسفة التي يقرها الدين ، وان يسعى لايجاد البيئة والاجواء الاجتماعية التي يرى الدين صحتها وصلاحها ، وهي البيئة النظيفة الخالية من اية شائبة والبعيدة عن المؤثرات التربوية السافلة.
   ومن تلك الاهداف ايضا ان يكون مطيعا لربه وخاضعا لتعاليمه ، و منقادا لاوامره ، وان يتوكل عليه في كل الظروف والاحوال .
   وعليه ايضا معرفة ربه ، فهذه المعرفة تدفعه نحو التحرك والسير على الصراط الموصوف بالاستقامة والذي ينتهي بلقاء الله.
   وعليه ايضا ان يعتبر نفسه مسؤولا في حياته الحالية والمستقبلية ولايكون في معترك الحياة كالريشة التي تتداولها الرياح من صوب الى صوب ، لخفتها وخلوها من اي محتوى .

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 68 ـ

   ب ـ المحتوى والمضمون :
   يمتاز محتوى ومضمون تربية كهذه باستيعاب كل ابعاد الحياة سواء في جانب المواقع ام في مثل الحياة ، ويمكن الاشارة الى تلك الموارد مبوبة بالشكل التالي :

أولا في الاصول الاعتقادية :
   يدور بحث الكثير من مواضيعنا الدينية حول الاصول الاعتقادية ، ونطلق عليها اسم الاصول ، لانها القواعد التي تقوم عليها جميع افعالنا وأقوالنا وتصرفاتنا الدينية.
   ويمكن تبيين هذه القواعد للاطفال دون السابعة من العمر على شكل قصص او سيرة حياة شخصية .
   كما يمكن تلقينها باسلوب استدلالي الى حد ما لمن تجاوز الثامنة او التاسعة من عمره ويعتبر تعليم الاصول الاعتقادية من انواع التعليم الاساسي وله دور مصيري في حياة الاشخاص.
   أما المواضيع التي يتوجب دراستها في هذا الحقل فهي كثيرة ، الا انها اهمها يتلخص في :

1 ـ الايمان بالله والتوحيد :
   يختص هذا الحديث عن معرفة الله ، وعظمته وجلاله ، وجماله ، وكذلك بالحديث عن علاقة الله بالانسان من جهة ، وعلاقة الانسان بالله من جهة اخرى.
   ففي الجانب الاول ينصب الحديث عن مسألة خلق الوجود وتيسير

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 69 ـ

   نظام هذا الكون وما فيه من الظواهر بالاضافة الى رازقية الله وحاكميته في عين علمه وقدرته وارادته ، اما الجانب الثاني فيتناول الخشوع والخضوع لله ، والاستعانة به والتضرع اليه ومعرفة الواجبات في سبيله ، وتنظيم برامج الحياة وفقا لاوامره واحكامه ، وان لايكون هنالك اي حب او عداء الا على اساس ارادته وتعليمه .
   يفترض ان يكون مبدأ التوحيد ركنا لاتقوم عليه عقيدة الانسان لوحدها فحسب بل يقوم عليه جميع شؤون حياة الانسان ايضا.
   ولايفوتنا طبعا ان يجري تعريف الله بالشكل الذي يحبه الطفل، فهو ـ اي الطفل ـ لايستهويه الاله الموصوف بقسوته وغلظته وشدة عقوبته ، فما زال امامه متسع من الوقت لمعرفة السبب الذي من أجله يعاقب بعض الناس ، وينذر الله بعض الناس بأليم عقابه وغضبه .
   لاينبغي ان تتضمن المواضيع التي يتلقاها الطفل في معرفة الله اية اسرار وخفايا.
   فهو لايفقه الخفايا والاسرار ، وامثال هذه الالغاز اللفظية تطعن مشاعره الدينية.
   فلا يستلزم الامر اعادة ما لايفهمه الطفل على مسامعه ، اذ ان من اليسير عليه معرفة الجنة والتشويق اليها عن طريق اللذات الحسية لكن ادراك مفهوم رضوان من الله اكبر لا يزال مبكرا بالنسبة له .

2 ـ في تعريفه بأولياء الله :
   من الاصول الاساسية في العقيدة دراسة ومعرفة الانبياء ، وولاة الدين والقادة الربانيين.
   ومن الضرورة تلقين الصغار منذ نعوما اظافرهم المعلومات الكافية عن الانبياء ودورهم في الحياة ، ويجب ان يكون ذلك

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 70 ـ

   باسلوب سلس مفهوم ، متضمنا سرد قصة حياة نبينا (ص) وبيانا لاهمية القران في حياة الانسان ، وبشكل يخلق لديه شعورا بنوع من التعلق به .
   ثم نتحدث لهم ايضا في هذا الجانب عن الائمة المعصومين ودورهم ومواقفهم ، وخلاصة عن حياتهم وبالخصوص في ايام ولاداتهم ووفياتهم.
   ويمكن كذلك القاء الخطب والكلمات التي تنشر الوعي بأمثال هذه المواضيع خلال المجالس الخاصة التي تعقد لهذا الغرض.
   ويتحقق اشباع النفوس بحب ولاة الدين من خلال التحدث عن صفاتهم الحميدة وامتداحها ، وهو ما يثير عواطف الطفل ويشده اليهم نفسيا .
   وعلينا أيضا ان نحدثه عن الملائكة وانبياء وعظمتهم .
   لعل بعض الاطفال يتصور ان بمقدوره رفض الانبياء أو الاولياء الاخرين وعدم الاعتراف بهم ، او التجاسر على بعضهم كعزرائيل ! الا ان هذا التصور يتعارض وعقيدتنا ، وعلى الابوين والمربين الالتفات الى مثل هذه القضية والسعي لتوعية أطفالنا بشانها .

3 ـ في موضوع الموت والمعاد :
   لاتشكل قضية الموت مفهوما ذا معنى بالنسبة للاطفال حتى سن 3 ـ 4 سنوات الا اذا رآى مثل هذا الموقف بعينيه ، أو كان يتمتع بنسبة عالية من الذكاء.
   ان موضوع المعاد لايدخل ضمن ادراكات الطفل ايضا ولا يفهم عن اي مدلول لديه .
   في حدود السنة الخامسة من عمره يبدأ الطفل بالانصات او قل بالانتباه الى ما تسردون له من قصص بشأن الموت ثم الحياة بعده ، ومسألة الجنة

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 71 ـ

   والنار ، وتصبح اشباه هذه الامور أوضح عند من تجاوز السابعة من عمره ، وفي سن العاشرة يفهمها تماما ، ويستطيع من بعد سن الثانية عشر عاما ان يثبتها شخصيا بالادلة .
   ولهذا ينبغي تكريس جزء مهم من التربية الدينية لموضوع المبدأ والمعاد وما يتعلق بالموت والحياة ، ومن الافضل ان لا تتناول أحاديثنا مسائل النار والعذاب وكيفيته ، اذا كانت موجهة للاطفال تقل اعمارهم عن ثمان سنوات لانها تثير فزعهم .
   كما ويمكن ان نشرح لمن تجاوز السنة الثامنة من العمر ، موضوع الموت وكانه انتقال من عالم الى آخر ، وتفصيل ما يراد من هذا السياق من معلومات .

ثانيا : في فروع الدين وتعاليمه :
   اما القسم الاخر من التعليم الديني فهو ما يتعلق بفروع الدين وتعاليمه التفصيلية.
   ان الامر يتطلب هنا طرح المواضيع بنحو اوسع مما هو متداول على الالسن ، كانه يشرح للطفل مثلا عن الحدود والحقوق التي يقول بها الدين ، وموقفه ازاء جميع الامور الحياتية ، فيما يلي نشير الى قسم من تلك التعاليم :

   1 ـ في العبادات :
   يختص قسم من التعليم بالعبادات والفرائض كالصلاة والصوم والحج والجهاد والخمس والزكاة ، والخ ـ التي يتعلم الطفل بعضا منه عمليا والبعض الاخر يتعلمه نظريا .
   وينبغي في موضوع الصلاة تعويد الطفل عليها وهو ما بين 2 ـ 3 سنوات من العمر ، كأن يقف الى جانب امه او أبيه ويصلي ولو من باب اللعب والتسلية .

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 72 ـ

   نقل عن الامام الصادق (ع) انه قال بشأن الصيام « اننا نوقظ أبناءنا الى تناول طعام السحور في سن السادسة و ... وحين يبلغ السابعة من عمره نشجعه على تحمل الجوع والعطش لعدة ساعات ، كأن يصوم هذا اليوم من الصباح وحتى الظهر ، ثم يصوم اليوم التالي من الظهر وحتى الغروب. »
   أما مواضيع الحج والجهاد فتطرح في الغالب على شكل معلومات نظرية ، او سيرة شخصية حينما تتوفر الارضية المساعدة ، ويجب ان تبذل المساعي في جميع الاحوال الحث الطفل على معرفة أمثال هذه الحقائق والقضايا ليعتاد عليها نفسيا .

   2 ـ في الاحكام والتعاليم :
   يتضمن الاسلام تعاليم تحدد الصورة التي ينبغي أن يكون عليها قول الانسان او فعله ، وعلى الطفل ان يفهمها عمليا ، فيتوجب عليه مراعاة المظاهر الدينية والتحلي بالاداب الاسلامية بحيث يكون فعله كفعلكم مرتبطا بالله ، كان يدعوا الله مثلا ، ويحمده ، ويشكره بعد تناول الطعام ، ويجعل الله نصب عينيه في كل أعماله ، ويتعلم الامانة ويلقن بمصاديقها ، ويتواضع للقرآن تأدبا ، ويعرف جزاء الكذب والخيانة ، وان عاقبة البغي وخيمة ، والتخريب فعل مذموم ، وان تجاوز حقوق الاخرين خصلة سيئة .
   وعلى الطفل ان يتعلم واجباته تجاه الاب والام والاقارب والاصدقاء والزملاء ، ولينظر الى والديه والقائمين على امره نظرة تكريم واحترام ، ولا ينسى صلة رحمه ، وان يتعامل مع الاخرين بتفاهم ومحبة .
   يجب على الوالدين ان يعلماه منذ الصغر ويعوداه على الدعاء الاخرين ايضا حينما يدعوا لنفسه بالخير والسعادة ، وان يكون في قلبه حب الخير للاخرين ،

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 73 ـ

   وان كانت هذه الادعية لا تتجاوز الالفاظ والكلمات ، الا ان تأثيرها في نفسه سيتضح اثناء العمل ، فهي تغرس في نفسه حب الاخرين وتجعله مستعدا للتآخي والتآلف مع الاخرين.

   3 ـ في المواقف :
   يتمثل أحد اهداف التربية في تعليم الطفل كيفية اتخاذ المواقف ازاء الجوادث المختلفة العارضة له في مسار الحياة ، وما هو الاسلوب الذي يتخذه في التعامل معها .
   ما هي المواقف التي تتطلب الشدة والصلابة ، وما هي المواقف التي تستدعي اللين والمرونة ؟ وهل عليه أن يتبع الاهواء أم يتبع الحق ؟
   ويفترض بنا ان نعرض الطفل منذ الصغر الى المواقف التي تستهوي القلوب وتسحر الالباب.
   ونعلمه كيفية الصمود امامها ، وعدم الانهيار امام مغرياتها .
   وان لا تؤدي له الهواجس والحياء وضعف الشخصية الى الانحراف ، ولايكون فريسة لشهوات الطامعين ، وان يقف بصلابة أزاء كل ما يخرجه عن الحدود المتعارفة.
   وان يكون ميله الى الاشياء نابعا عن دوافع معقولة ، ونفوره وتصديه لاخرى قائما على اسباب واضحة ومفهومة ايضا ، وان تكون لديه القدرة للدفاع عن معتقداته في حدود تفكيره .
   ان اللاأبالية مرض يصاب به الطفل من الصغر ، وهو ناتج عن توصيات وتأكيدات وعمل الوالدين والمربين الذين يحذرونه دوما ـ حفاظاً على سلامته ـ من الاهتمام بشؤون الاخرين فيقولون له : لاعلاقة لك بالاخرين ، وما هو شأنك والطفل الفلاني اذا تشاجر مع الاخرين ؟ ... فيكون نتيجة ذلك ان تعتاد نفسه على التحسس ازاء الاوضاع التي يعيشها الاخرون ، في

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 74 ـ

   في حين أن عليه ان يتمرس منذ الصغر على مقارعة الظالم واعانة المظلوم.

في آداب الحياة الدينية : ـ
   للحياة الدينية آدابها وأصولها التي ينبغي للطفل ان يسعى منذ البداية للانسجام معها والتحلي بها ، من امثال : معرفة قيمة الوقت والالتزام بالعمل ، واتقان الاشغال التي يكلف بها ، ورعاية حدود وحقوق الاخرين ، والاستئناس بالعمل ، والنهوض المبكر من النوم ، والميل الى الاستراحة والنوم بعد صلاة العشاء ، وتقسيم اوقاته في الليل والنهار الى ساعات للعمل ، وساعات للاستراحة ، والتسلية وغيرها من عشرات المسائل الاخرى.
   وكذلك يجب ان توضح للطفل حدود الخجل والحياء ، وذلك لان بعض الخجل ينطوي على نتائج خطيرة .
   وان كثير من الاحتياطات المشوبة بالحذر تؤدي فيما بعد الى نتائج مدمرة .
   وهناك ايضا الكثير من المواضيع الاخرى التي يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار في تربية الطفل مثل : حدود التزيين والتجميل ، وفي نوع الثياب وارتدائها ، وفي المأكل والمنام ، وكيفية مصاحبة الاخرين ، واسلوب مراعاة عواطف المحبة ، وحدود الخدمة والتضحية ، صحة العمل ، وضبط النفس ، وادارة الشؤون الذاتية وصيانة الذات.
   وهنا تتجلى بوضوح العلاقة بين الدين والاخلاق.

   في فلسفة الحياة :
   وتستلزم التوجيهات التربوية أيضا طرح موضوع فلسفة الحياة والسبب الذي من اجله وجدت الحياة ، والهدف الذي نعيش لاجله ؟ ويمكن للوالدين خلال حياتهما اليومية طرح تفاسير وتعاليل كثيرة عن سر ومفهوم هذه الحياة لاطفالهم من أجل صياغة افكارهم بما ينسجم والمفاهيم الاسلامية.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 75 ـ

   قد تكون نظرة الوالدين للحياة نظرة سلبية ، أو ايجابية.
   يحتمل انهما ينظران للحياة بمنظار اسود او احمر ، فبعضهم يعتبر ما في هذه الدنيا من زينة وأموال مجرد جيفة نتنة ، يبنما يعتبره آخرون وسيلة أو غاية. وقد يكون فهمهم للتوكل ، والصبر ، والزهد ، والتقية ، فهما بناء ، او قد يكون فهما سلبيا هداما .
   وعلى اية حال سيكون لهذه المناهج التربوية دورها الفاعل في تعليم الدين للاطفال ، وان مصير الطفل يتوقف عليها بشكل أو آخر.
   يجب ان ينصب جهد المربين على هذه الاساليب في تعليم الطفل وتعريفه بفلسفة الحياة والغاية منها ليفهمها بالصورة التي يرتضيها الدين ، وان يطرح موضوع الدنيا للطفل وكأنها شيء يستحق الاهتمام به. وهذا ما ينبغي التدرج في طرحه من سن السابعة حيث تشتد رغبته في الحياة ، ويتزايد أهتمامه بالحصول على المعلومات بشأنها .
   وعلى كل حال فلا ننسى ان فلسفة الحياة من وجهة نظر الاسلام سيتعرف عليها الطفل ويؤمن بها من خلال المشاهدة والمعايشة لحياة الوالدين ، والا فان الاراء والاقوال لا تكفي لتكوين وجهة نظر فكرية في هذا الميدان.
   ج ـ في موضوع المناهج :
   نتناول في هذا الموضوع الاساليب والسبل التي يجب نهجها في تربية الطفل ، وصياغة افكاره وشخصيته .
   فما هي الاجراءات المتخذة في تعليم الاطفال ؟ وما هي السبل المفترضة في تربيتهم ؟ وما هي الادوات والفنون الممكن استثمارها في بنائه ؟ ويمكن ان نتحدث في هذا الصدد عن