10 ـ مسألة الكذب في الأطفال

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 353 ـ

   مقدمة :
   مسألة كذب الأطفال هي واحدة من المسائل التربوية الهامة بالنسبة للاطفال والعوائل ، وهي مسألة تعاني منها أغلب العوائل لا في صغر سن الطفل بل في فترة سن التمييز ، فاعمال الطفل حتى وان امتزجت بالكذب في الأيام الاولى من حياته فهي محبوبة عند الأبوين ، الا ان نفس هذا الجانب سيكون صعباً على الوالدين تقويمه في المستقبل.
   ومن الملفت للإنتباه ان أسس هذه الخصلة القبيحة تترسخ منذ أيام الطفولة ، فالاسباب الاجتماعية او حتى الدوافع الغريزية قد تلجيء الطفل الى الكذب والتحايل فيقابل من الوالدين بالتشجيع والضحك والاستحسان غير ملتفتين الى ان هذا الموقف هو الذي يؤدي الى تنامي واستفحال مثل هذه العادة المنبوذة ، فتنعكس نتائجها الوخيمة على الأبوين والمربين بالأذى والإرهاق.
   نحاول في بحثنا هذا التحدث عن هذه الظاهرة واسبابها ودوافعها وطرق مكافحتها ، وتقديم الارشادات اللازمة للوالدين والمربين في هذا المجال، ولكن يبدو من الضروري أولاً وقبل كل شيء تبيان الصورة العامة لهذه الظاهرة.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 354 ـ

تعريف الكذب :
   الكذب هو الكلام الذي لايتطابق مع الحقيقة والواقع ، او هو عدم وجود رابطة او علاقة صحيحة بين ما يقوله الشخص وما هو موجود في الواقع الخارجي.
   فعمل الكاذب هو تحريف الحقيقة عن وعي والتفوه بما لا وجود له في العالم الخارجي ، وطبعاً لا يصدق هذا على الاطفال في كل الظروف ، وذلك لأننا سنرى في ما بعد بأن الكثير من صغار السن او الاطفال المميزين لايفرقون أحياناً بين الحقيقة والخيال فيقولون اموراً نعتبرها من وجهة نظرنا كذباً.


غالباً ما يقترن كذب الاطفال المميزين بوجود الأرضية المناسبة والتدابير المدروسة وتمتاز بوجود الخطط والحسابات التي يستغلها الطفل في سبيل بلوغ الهدف الذي يبتغيه .

صور الكذب :
   للكذب صور متعددة . فهو احياناً يتخذ طابع تحريف الحقيقة او قلبها في احيان أخرى ، ويتفوه بعض الاطفال باشياء لا وجود لها في الواقع ويتحدثون احياناً عن مسألة لهم يد فيها و كأنهم بعيدون عنها كل البعد.
   وقد يكون الكذب ذا طابع اعتباطي في بعض الحالات ، صحيح انه يتحدث عن أمر واقع الا انه يبالغ كثيراً في تصويره ، وكما يقال انه يصنع من

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 355 ـ

   الحبة قبة ، وقد تكون القضية على العكس تماماً في حالات أخرى ، كأن يكون قد تسبب في حصول أمر خطير او حادثة كبيرة الا انه يصورها وكأنها قضية بمنتهى الصغر والتفاهة وذلك من اجل التخلص من عواقبها او العقوبات المترتبة عليها.
   يقوم الكذب احياناً على اساس بيان قضية ما ، او قد يكون احياناً بصورة الصمت عنها ، كأن يدور الحديث بين شخصين عن المواصفات الحميدة التي يمتاز بها الطفل الفلاني وهي غير موجودة فيه حقيقة ، فان السكون ازاء امثال هذا الكلام والانصات اليه يعد بذاته نوعاً من الكذب.

الغاية من الكذب :
   ولكن ما هي الاهداف والغايات التي يتوخاها الطفل او الشاب او حتى الكبير من الكذب ، يمكن القول بوجود اهداف متعددة ومختلفة فيما يتعلق بالجوانب القائمة على الوعي والادراك.
   يهدف الكذب عادة الى تضليل المقابل او تعتيم الأمر عليه لغرض الوصول في ظل ذلك الى الغاية المنشودة، فالكاذب يرمي الى إغفال الآخرين وخداعهم لكي لايفهموا حقيقة ما يجري وليبقى الطريق مفتوحاً امامه لبلوغ مآربه.
   وقد يكون هذا الهدف او الاهداف متعددة و متنوعة ، من جملتها النجاة من العقوبة ، والحصول على المنافع المنشودة وجلب أنظار واهتمام الناس الآخرين الذين لهم دور في حياته وسعادته فقد ينجح الانسان احياناً بواسطة الكذب من خداع شخص قادر على جلب الخير والسعادة له بشكل او آخر ،

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 356 ـ

   ودفعه الى التصديق به ومسايرته نحو تحقيق اهدافه.

الكذب دلالة على ماذا ؟
   ان الكذب سواء عند الصغير ام عند الكبير ينم عن وجود حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار الداخلي ، ويدل على أن الشخص يعيش في وضع غير مستقر .
   وان شخصيته ومكانته عرضة للخطر ولا منجي له منه سوى بواسطة الكذب.
   فهو قد يشعر احياناً بالضعف او الحقارة ، وتظل هذه المعاناة تؤلمه فيضطر الى سلوك هذا الاسلوب أملاً في النجاة ونيل الاستقرار والإتزان ولاجل ايضاح هذه المسألة نشير الى ان الانسان يعيش في عالم معقد يصعب فيه اثبات الوجود وحيازة المكانة اللائقة ، ولا يتاح فيه للانسان نيل كل ما يبتغي ، ولاسبيل امامه لبلوغ اهدافه سوى باحدى الوسيلتين التاليتين وهما ، أولاً الجهد والتعب وتحمل المشاق والآلام ، وثانياً : الاساليب غير الشريفة التي تتيح له نيل غاياته بسهولة ولكن بشكل غير مشروع ، ومن ابرز ادواتها الكذب.
   وعلى هذا الاساس فان ضعف الانسان وعجزه عن بلوغ اهدافه هو سبب الكذب ، وانه ـ اي الكذب ـ دلالة على الشعور بالضعف.
   فمن بلغ الرشد وحاز الكمال وتغلب على مشاعر الضعف والحقارة في نفسه لن يكون بحاجة الى الكذب ، بل ان شؤون حياته تسير بأجمعها على وتيرة من الصدق والاستقامة.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 357 ـ

اعراض الكذب على الفرد :
   الكذب ظاهرة غير فطرية ، لذا فهو بحاجة الى التعلم وخوض التجارب المختلفة، فالطفل لايتيسر له الكذب ببساطة ، لذلك يواجه اثناء الكذب مصاعب متنوعة يمكن ملاحظة اثارها عليه بكل بساطة ، وهي آثار واعراض جمة يمكن الاشارة الى بعض منها في ما يلي : ـ
   شحوب لون الطفل ، وتسارع ضربات قلبه وجفاف فمه حتى يصعب على اللسان الدوران في الفم بسهولة ، والتلعثم في الكلام وعدم القدرة على التحدث كالمعتاد ، وتضارب اقواله التي تبدو وكأنها بلا رأس ولا اساس والتحدث باضطراب وفقدان القدرة على التحكم بالاعضاء ، والنظرات الحائرة مع ظهور آثار الخجل على محياه.
   وهذه الاعراض اكثر ما تشاهد ـ طبعاً ـ على الأشخاص الذين بدأوا الكذب حديثاً ، ثم تبدأ بالاضمحلال مع تدرجهم في الكذب وكثرة ممارستهم له حتى يبلغون درجة يكونون قادرين معها على التظاهر بالمظلومية وحتى البكاء حين الكذب ويظهر نفسه وكأنه على حق مع الادلاء باليمين الكاذبة.

   الكذب من الوجهة الشرعية والاخلاقية :
   نحن نعلم ان جميع المذاهب والأديان اعتبرت الكذب امراً ذميماً ، وفي الشريعة الاسلامية صرح القرآن بشدة غضب الله ولعنته على الكاذبين

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 358 ـ

   واشارت الروايات الى عدم امكانية.
   تحقيق ايمان العبد الا بترك الكذب ، وان المفاسد قد جمعت في خزائن مفتاحها الكذب.
   قد يتعرض الإنسان نتيجة لقول الصدق لكثير من المضار ، وقد أكد الاسلام على ضرورة تحمل تلك الاضرار حفاظاً على قيمة الصدق وابتعاداً عن الدخول في عالم الزيف والتصنع.
   وان وردت هنالك حالات تبيح الكذب لمصلحة ما ، فيجب ان نعلم أولاً ان تلك الموارد لاتحصل على مدى حياة الانسان سوى مرتين او ثلاث مرات ، وثانياً ان لاتنطوي على قتل نفس او انتهاك عرف او كرامة شخص و ... الخ.

مخاطره واضراره :
   ينطوي الكذب على مخاطر واضرار كثيرة ، يبدو اهمها من وجهة نظرنا تحويل حياة الإنسان الحقيقية الى أخرى مزيفة ومتصنعة.
   فمن يكذب انما يسعى في حقيقة الحال الى اخراج نفسه من عالم الواقع وادخالها في عالم الزيف والتمويه ، هذا في الحقيقة انتزاع له من صورته الشخصية وتحويله الى مجرد شيء آخر.
   الكذب يقضي على الثقة ويجعل الفرد غريباً بين افراد المجتمع ، ويزلزل الكيان الاجتماعي ويعيق حركته ويؤدي في بعض الحالات الى التناحر وسوء التفاهم وينشر بين الناس سوء الظن ويخدش الضوابط والركائز الأدبية والأخلاقية وينهي قيمة الحياة ويقضي على لذتها في ما بين افراد المجتمع.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 359 ـ

   فالكذب الذي يبدر من الطفل اليوم حتى وان كان ضئيلاً بل وحتى محبوباً ، الا انه يشتمل في الواقع على خطر فادح الا وهو امكانية تحوله في ما بعد الى انسان محتال يهدد ، بنقل هذا المرض الى ميدان الحياة الاجتماعية حتى يسري الى جوانب السياسة والاقتصاد في المجتمع ثم يأخذ طريقه بالتسلل الى ثقافة ذلك المجتمع وتقاليده ، ويتسع نطاقه حتى يدخل في الفن والادب والاعلام ، وهذا ما يؤثر في زعزعة اركان الحياة الاجتماعية.

ضرورة معالجته :
   اننا نعتبر الكاذب انساناً مريضاً لا قرار له ، ولايثق ببقية الناس.
   وهو انما يطعن ـ من خلال الكذب ـ بشخصيته وكيان المجتمع ، ويجب السعي لانقاذه من هذه الحالة واخراجه منها.
   والأمل بالاصلاح موجود وقائم ، وكلما كان اصغر سناً كان الامل بالاصلاح اكبر ، وسبب ذلك هو ان هذه الظواهر لم تتجذر بعد في شخصيته ولم تتحول لحد الآن الى عادة متاصلة ، ولا زال قلبه وروحه كالعجينة بيد الوالدين والمربين بامكانهم صياغتها كيف ما شاءوا .
   اما واجب المربي فهو العمل على اصلاح ومعالجة هذا النقص عن طريق التوعية وابداء المحبة له والرغبة في سعادته ، ونصحه وارشاده وخلق الثقة لديه والتأكيد له بالوقوف الى جانبه ومساعدته ، وتنبيهه الى مخاطر الكذب حتى تستقبحه نفسه ويسعى الى النجاة منه .
   ولا يجب ان ننسى بان طفل اليوم أب غداً ، وما هو الا ذكرى ومظهر

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 360 ـ

   لوالديه ومربيه ، فان فشلنا في اصلاحه فسيكون سبباً لإلحاق الضرر بالمجتمع ، والاساءة الى سمعة وكرامة والديه ومربيه.

تعلم الكذب :
   يبدو من الضروري الاشارة الى هذه النقطة وهي ان اكثرية علماء الاخلاق وعلماء النفس يرون ان الكذب ظاهرة لها طابع اجتماعي وتعليمي ، وحتى ان بعض المتخصصين في هذا الحقل اشاروا الى وجود جذور غريزية للكذب اذ تتجلى ابرز صورها لدى الحيوانات عن طريق المخادعة والاستتار ، الا ان التجارب اليومية تثبت خلاف ذلك.
   اننا نرى ان الطفل يتعلم الكذب من عائلته ومجتمعه والمحيطين به .
   واصل خلقته مفطورة على الصدق ، والكذب حالة طارثة عليه ومكتسبة من الآخرين.
   فحين يحاول الكذب في الأيام الأولى يتعثر في كلامه ويعتريه القلق والاضطراب ، الا انه يتحول تدريجياً ومن التمرين والممارسة الى شخص محترف يتفنن في اساليب الكذب.
   فمن المعروف أن الطفل يمتاز بالنشاط الذهني ، وهذا ما نجعله ينسجم ويتفاعل بسرعة مع ما يرى وما يسمع من اكاذيب.
   وكثيراً ما تؤدي العلاقات الاجتماعية وألوان الكذب وصورة المختلفة التي يراها من هذا وذاك الى اكتسابه لهذه الخصلة واحترافها والتعود عليها.
   وهذا ما يعتبر بمثابة المؤشر والانذار للوالدين على ضرورة مراقبة اقوالهم وافعالهم ، وتحذير الطفل من الاصدقاء الكذابين والمجتمع الموبوء بامثال هذه الخصال الخبيثة.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 361 ـ

اسباب الكذب ودوافعه
   يدور الحديث في هذا الموضوع حول الاسباب التي تدفع الفرد الى الكذب ، ولماذا يكذب الصغير او حتى الكبير، تتحدث التحقيقات العلمية والتجارب اليومية عن وجود اسباب وعوامل شتى لايتيسر البحث فيها جميعاً او الاحاطة بجميع جوانبها.
   الا انه يمكن طرح جملة من النقاط التي تعتبر بمثابة الخطوط العريضة وبالشكل التالي :
   الخوف والحسد والانتقام والحقد وحب الاستطلاع والتخيل والانانية والميول الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمباهاة والغرور والخجل ، والضعف والعجز ، والشعور بالحقارة والرغبة في استعطاف الآخرين وجلب انظارهم ، والمبالغة ، وسعة الآمال و ... الخ.
   وسنقوم في ما يلي بشرح عدد منها :
  1 ـ الخوف من العقوبة : وهو من الدوافع التي تضطر الطفل بل وحتى الكبير الى الكذب خوفاً من العقوبة ، وان هو صدق في قوله فلن يأمن المجازاة مما اقترف.
   فالطفل الذي كسر اناء ، او اصطدمت قدمه اثناء السير بمزهرية فسقطت وانكسرت ، أو أخذ نقوداً من مكان ما واشترى بها بعض المأكولات ، او انشغل باللعب ولم يؤد ما عليه من تكاليف او غير ذلك من

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 362 ـ

   الافعال ، يضطر الى الكذب للتملص من العقوبة والإفلات من قبضة المجازاة.
   فيلقي تبعة كسر الإناء مثلاً على عاتق شخص آخر ، ويبرر عدم ادائه لواجباته بعدم وجود المصباح او باعتلال صحته ومجيء اصدقائه لعيادته ، او مرض احد اصدقائه وانشغاله بزيارته ، وتذكر التحقيقات العلمية ان 70 % من اكاذيب الاطفال تعود لهذا السبب ، ولو انكم وعدتموه بعدم العقوبة لقال لكم الحقيقة.
  2 ـ كثرة الضغوط : قد يلجأ الطفل الى الكذب في بعض الموارد حينما يشعر أن الصدق يجلب عليه الضغوط من الوالدين والمربين ، ويحصل ذلك حينما يعمد الطفل الى إخفاء امر كان قد ارتكبه عن انظار والديه ، الا أن اسئلتهم الكثيرة واصرارهم على تقصي حقيقة الأمر يزيد من عناده واصراره على الكذب.
   فمن الواضح انه يتممسك بالدفاع والإنكار حفاظاً على شخصيته ، فيرفض الإجابة على الاسئلة التي توجه اليه ويتصدى للضغوط التي تمارس ضده للتفوه بالحقيقة معتبراً كل ذلك إهانة له وانتقاصاً من شخصيته ، فالضرورة التربوية تقتضي بأن يكتفي الوالدان بإشعار الطفل بأنهما قد علما بحقيقة الامر ، ولا داعي للاكثار من الضغوط والاسئلة لتقصي دقائق الامور.
  3 ـ الضعف والعجز : يلاحظ في بعض الأحيان أن الأبوين والمربين يفرضون على الطفل تكاليف شاقة فوق مستوى طاقتة ، فيضطر حينها إلى

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 363 ـ

   اختلاق الاعذار والاكاذيب كأن يدعي عدم وجود الوقت الكافي لديه او انه لايجيد انجاز هذا العمل ، او يتمارض ويتظاهر بالعجز وامثال ذلك من الذرائع.
   وقد ينعكس هذا الضعف في بعض الموارد لاجل التغطية على ضعفه امام الآخرين فيتظاهر بالقدرة على فعل ما يفرق طاقته وهذا هو نفس الوضع بالنسبة لبكاء صغار السن فهم يبكون من اجل نيل مطلب يعجزون في نيله بالكلام وبمجرد الحصول على مبتغاه ترتسم على شفتيه ابتسامة الرضا والارتياح.
  4 ـ الحسد والتنافس : تنشأ بعض اكاذيب الاطفال من الحسد والتنافس ، فهو يرى مثلاً ان اخاه او اخته الاصغر لهما القدرة على لفت انظار الأب والام من خلال حلاوة اللسان وانهما قد نالا منهما المحبة والاهتمام فيحاول الحصول على موطئ قدم له عند الوالدين عن طريق منافسة اخوانه ، وهذه المنافسة لا منشأ لها في حقيقة الحال سوى الحسد ، فاذا لم تكن لديه المواصفات الكافية في العمل ، او فشل في مجاراة اقرانه في المنافسة فسيجد نفسه حينذاك مضطراً لانتهاج مسلك الكذب والتصنع.
   وقد يعمد احياناً الى ايذاء أخيه الاصغر الى حد دفعه الى البكاء ثم ينكر في ما بعد اية علاقة له بالموضوع .
  5 ـ لفت الانظار : حينما يجلس الأب والأم بين مجموعة من الاصدقاء والاقارب وينشغلون بالاحاديث والمناقشات يشعر الطفل بأنه وجود منسي

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 364 ـ

   ولا حساب له في مثل هذه الأجواء ، ويتصور ان لا مكانة له ولا وجود يستحق الاعتبار بين هذه الجماعة ، فيبادر الى الحديث عن مسألة لا وجود لها في الواقع ويضفي عليها الواناً براقة من التهويل والتعظيم من اجل جلب انتباهكم ولفت انظاركم نحوه.
  6 ـ حيازة المنفعة : نعلن للطفل احياناً باننا سنشتري له الشيء الفلاني الذي يحبه كثيراً اذا ما حاز المرتبة الاولى في امتحانات الفصل الثاني ، وامتحانات نهاية العام الدراسي ، او فيما حصل على درجة عالية في الدرس الفلاني ، فلنتصور الحال لو انه فشل في حيازة المرتبة الاولى ، وكان شديد التعلق بالشي الفلاني الذي وعدناه بشرائه فمن الطبيعي ان يضطر الى انتهاج الاساليب غير القويمة ، كالكذب مثلاً ، من اجل الحصول على غايته.
   او نلاحظ الشخص الكبير انه مستعد للقسم على انه اشترى هذه السلوة بالثمن الفلاني ولايجني من بيعها الآن سوى ربح يسير ، وذلك كله من اجل صيانة منفعته الشخصية.
  7 ـ الغرور والمباهاة : تظهر بعض التحقيقات بأن اكثر من 15 % من انواع الكذب منشؤها المباهاة وصيانة الغرور.
   فيتحدث الشخص كذباً امام الآخرين عن شخصيته والمنزلة الاجتماعية لعائلته ، وما تحظى به من الأهمية ، وذلك من اجل ان لايستهين به الآخرون ، او يستقلوا شأنه ، فيقول ان اباه يحتل منصباً رفيعاً ، وفي دارنا 900 غرفة ، وانني حزت على المرتبة الاولى في النجاح في مدرستي ... هادفاً من كل ذلك الى مكانته والاستحواذ

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 365 ـ

   على اهتمام الآخرين واشباع اهوائه النفسية.
  8 ـ التستر على الخطأ : الطفل مجبول ـ كالآخرين ـ على حب ذاته ، فهو يحب ذاته ويعتز بشخصيته .
   وحينما يقع في أي خطأ او منزلق يشعر بانه سيتعرض للمهانة الاجتماعية بسبب الطعن والتوبيخ الذي سيلقاه على ايدي الآخرين ، فيبادر الى معالجة الموقف بالكذب في سبيل التغطية على خطئه ، ولأجل الافلات مما قد يتعرض له من استهزاء واحتقار ، يصبح مستعداً للادلاء باقوال تتنافى مع الواقع، ولو انه كان يعلم بأن خطأه سيغفر له من قبل المجتمع لما اضطر الى الكذب.
  9 ـ الأمال والأماني : وقد تعكس اكاذيب الطفل احياناً ما يدور في مخيلته من آمال وأمنيات ، ( مثلاً ) فهو يتمنى القدرة على القفز من فوق النهر الفلاني واجتيازه ، فيطرح هذه الفكرة امام الآخرين وكانها قد تحققت فعلاً على ارض الواقع ، وهو يتمنى ايضاً ايجاد آصرة من الصداقة والانس فيما بينه وبين معلمه ، فهو يتحدث عن هذه الأمنية احياناً وكأنها واقع قائم .
   نلاحط الاطفال يتحدثون في بعض الأوقات كذباً عن امور لم يقوموا بها وعن اشياء ومواقف من الشجاعة يأملون في مخيلتهم ـ تحقيقها او بلوغها .
   انهم يطمحون لنيل أمنيات لايتحقق لهم نيلها حالياً ، ويرغبون في بلوغ درجة من الاستعداد واللياقة لاتتوفر فيهم حالياً .
  10 ـ الانتقام : ويمثل الكذب في بعض المواقف نوعاً من الانتقام ايضاً ، كأن يضع أبويه في موقف حرج جزاء لهما على ايذائهما له ورغبة في

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 366 ـ

   الانتقام منهما وحرق قلبيهما كما احرقا قلبه ، فالطفل يدرك ان كذبه يثير الاضطراب لدى أبويه.
   او قد يحاول القيام بما يسيء الى كرامة ابويه لأنهما انتقصا من كرامته امام صديقه ، وكثيراً ما يتجلى مثل هذا السلوك عند الاطفال الذين يفتقدون المقومات النفسية السليمة ويشعرون غالباً بالمظلومية والضعة والحقارة ، وهم يعدون هذا الاسلوب كوسيلة للدفاع عن أنفسهم.
  11 ـ الالعاب الصبيانية : يميل الطفل بطبيعته الى اللعب والى اللهو بكل ما يجد فيه متعة ولهواً ، وقد يعمد احياناً الى الكذب في سبيل ان يتلهى ويلهي معه الآخرين ، فيرغب الآخرين ـ على سبيل المثال ـ بالاحاديث المخيفة والاخبار الكاذبة كأن يخبرهم بان شرارة قد انقدحت في كهرباء المطبح فيسارع الأب المسكين الى اقتلاع المفتاح الرئيس للكهرباء ، ويتجه للبحث عن موضع الإتصال الكهربائي والطفل يركض وراءه متظاهراً وكأن الحق معه وان الخبر الذي اورده لا غبار عليه ، وهو يضحك في اعماقه على هذا الموقف الذي افتعله ، فهو يحب إفتعال الموقف مع الآخرين كما يجب اثارة الضجيج والاضطراب في اللعب ويشغل الآخرين.
  12 ـ التخيلات الصبيانية : من المسائل المهمة والنقاط الاساسية في علم نفس الطفل بأنه لايفرق كثيراً في بعض الحالات بين الواقع والخيال فما اكثر المسائل التي يتخيلها في ذهنه ثم يطرحها في ما بعد على اساس انها حقيقة فيتصور في ذهنه مثلاً ان القطة قد دخلت المطبخ وأكلت اللحم، في

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 367 ـ

   أي الى امه حالاً ويخبرها بذلك فتسارع الام الى المطبخ فلا ترى ما يؤيد ذلك.
   تلاحظ هذه الظاهرة بكثرة عند الاطفال الذين لايتجاوزون سن الخامسة.
   وكثيراً ما يثير هذا التصرف استهزاء الوالدين وغضبهما ويدفعهما الى إتهامه بالكذب ، بينما يقتضي واقع الحال تعليمه وتوعيته.
   فمثل هذا الكذب لايمثل كذباً في الحقيقة ، بل هو نوع من التصور والخيال ، او قد يكون إنعكاساً لحكاية قصتها عليه امه بالامس او حلماً رآه في الليلة البارحة لاسيما وانه عاجز عن التفريق بين الواقع والخيال وعاجز عن بيان معنى كلمنهما.
  13 ـ الجهل بالشؤون التربوية : اثبتت الدراسات بان الوالدين اللذين يجعلان اجواء البيت مليئة بالصدق والمحبة ، ويرعيان الضوابط الاخلاقية في المنزل وينتبهان الى جميع تصرفاتهم واقوالهم ، سوف ينشأ اطفالهم على الصدق والاخلاص.
   ولكن مما يؤسف له ان بعض الآباء والامهات يفتقدون لهذا الوعي او الانتباه اللازم ، ويتصرفون بلا وعي او ادراك، فالأم على سبيل المثال تفعل شيئاً امام طفلها وتقول له اذا سألك أبوك عن هذا فلا تقل له شيئاً ، فمثل هذا الموقف يعد بحد ذاته درساً في الكذب او حينما يكثر الطفل من الالحاح على امه بطلب نوع الطعام تقول له لقد انتهى ولايوجد منه شيئاً حالياً ، فهذا يعتبر ايضاً درساً في الكذب واسلوباً فجاً في تربية الاطفال.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 368 ـ

  14 ـ الأسوة السيئة : تعتبر اذن الطفل وعينه نوافذ يطل منها على العالم المحيط به فهو ينظر الى ما تفعلون ويسمع لما تقولون فمن المؤكد انكم تنصحون اطفالكم دوماً بصدق القول إلا ان عملكم قد يكون خلافاً لذلك ، فهو يراكم تقولون للآخرين اثناء وجوده في البيت بأنه غير موجود ، ويتعلم منكم اعطاء المواعيد وعدم الوفاء بها ، ويتعلم منكم حينما يطلب منكم جاركم شيئاً تقولون له ليس لدينا ، وهو لديكم .
   ولا تنسوا ان الطفل يتعلم منكم كل ما يراه منكم من افعال واقوال ، ويمارس اليوم او غداً ما تعلمه منكم في علاقاته الاجتماعية، فكل تصرفاتكم اليومية درس يأخذه الطفل عنكم وينتقل اليه منكم .
  15 ـ التشجيع في غير موضعه : نلاحظ ان بعض صغار السن يردد بعض الأكاذيب التي سمعها من الآخرين ، ويقولها امام ابويه بلسانه المحبوب وكلامه الجميل فيلقى التشجيع منهما من غير ان يلتفتا الى عواقب مثل هذا الموقف غير الصحيح.
   ويشعر الطفل بدوره بالارتياح لمثل هذا التشجيع لأنه جاهل بكل هذه المسائل ، ويواصل انتهاج نفس السلوك في الأيام اللاحقة ، بل ويعمد الى اكاذيب اكبر لأجل الحصول على مزيد من التشجيع والمحبة حتى يتعود على هذه الخصلة تدريجياً.
  16 ـ اختبار الوالدين : قد يبادر الطفل في بعض المواقف الى الكذب لأجل اختبار أبيه او امه والاطلاع على موقفهما من الأمر الفلاني، فنحن نعلم ان اطفالنا لايعرفون الكثير من اسرار هذا العالم وما يدور فيه ، ويجهلون

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 369 ـ

   الكثير مما يجري حولهم بسبب صغر سنهم وقلة تجربتهم وعدم معرفتهم بالمواقف الصحيحة التي يجب عليهم اتخاذها في مختلف الظروف ، فيبادرون الى اختلاق اكذوبة يتاح لهم من خلالها معرفة رأي الوالدين في هذا الموضوع او ذلك ، فإن كان الرد من الوالدين سلبياً قالوا ، انما نحن نمزح وانها مجرد اكذوبة ، وأما اذا كان ايجابياً واصلوا انتهاج نفس الاسلوب، وعلى هذا فان هذا النوع من الكذب انما هو لمجرد الاختبار ليس الا.
   وهنالك عوامل ودوافع أخرى في هذا الصدد الا اننا نمتنع عن الاشارة اليها تجنباً للاطالة .

إمكانية معالجة ظاهرة الكذب :
   ولكن هل من المتيسر اصلاح ومعالجة الطفل الذي اعتاد على الكذب أم لا ؟ يمكن الاجابة على هذا السؤال بالايجاب ، فالطفل في مرحلة بداية الحياة ، ويمكن ايجاد اي نوع من التغيير والتحول فيه ، انه قابل للمطاوعة اكثر من اي مرحلة أخرى في عمره ، لا سيما اذا نشأ في أجواء تمتزج فيها العاطفة بالانضباط والالتزام ، وتتوفر فيها القدرة على تربيته تربية سليمة.
   ولابد هنا من التنويه الى وجوب بقاء فطرة الطفل على صفائها ونقاوتها من غير ان تسري اليها امثال هذه المفاسد، وضرورة الاسراع الى تطهيره من أي رذيلة قد يبتلي بها نتيجة اللاهمال وسوء التربية، فالتحقيقات العلمية تشير الى ان الاستعداد التربوي لدى الانسان يتناسب عكسياً مع تقدمه في السن ، فكلما تقدم في السن تناقصت الامكانية بالقدرة على إصلاحه.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 370 ـ

   ومن جهة أخرى لم تكن قد ترسخت في اعماق الشخص الكثير من الصفات والطبائع ولم تصبح عادات متاصلة فيه ، اذ من الواضح ان الانسان اذا اعتاد على صفة او خصلة وذاق لذة الذنب فلن يكون من البساطة تركها او التخلي عنها.

اساليب العلاج :
   يمكن اتخاذ بعض الاجراءات والاستفادة من بعض الفنون في اصلاح ومعالجة الطفل او الشخص المبتلى بمثل هذه العادة القبيحة، ومن الطبيعي لو اننا استطعنا إقناع الطفل بضرورة اصلاح ما لديه من اخطاء فستكون امكانية نجاحنا في هذه المهمة التربوية اكثر وافضل.
   اما الطرق والاساليب والواجب اتباعها في هذا الصدد فهي كما يلي :
  1 ـ معرفة الاسباب : وهو عامل ينبغي الاهتمام به والتركيز عليه ، لا في جانب العلاج النفسي فحسب ، بل في جميع انواع العلاج الجسدي ايضاً، اذ ينبغي لنا ان نعرف أولاً : لماذا يكذب الطفل ؟ وما هي العوامل التي تدفعه نحو الكذب ؟ وما الهدف الذي يبتغيه من وراء ذلك ؟ الا انه من الطبيعي جداً ان توجد الكثير من الموارد والحالات التي يستعصي فيها فهم الاسباب والدوافع ، ولايتيسر لكل شخص سبر اغوار الطفل والاطلاع على خفاياه الدفينة وانتزاع الاسباب التي تدفعه نحو الكذب، وليس معنى ذلك انه سر مقفل لايمكن بلوغه مطلقاً ، لا سيما لدى صغار السن الذين لازالت فطرتهم نقية .
   ان الاكاذيب الساذجة المنبثقة من التضخيم والتهويل الذي يبديه

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 371 ـ

   الاطفال ، يمكن اكتشافها بكل بساطة ، ولكنه حينما يكذب في قضية كبيرة تتضمن مسألة هامة ، فذلك يستوجب التأمل والدقة.
  2 ـ التوعية : وبعد معرفة السبب او الأسباب لابد من اتاحة الفرصة للتوعية وطرح المعلومات الضرورية ، كأن ينبه الطفل ، اذا كذب بسبب الخلط بين الحقيقة والخيال ، الى ماهية الحقيقة والفارق بينها وبين الخيال ، وتوعيته الى انه قد أخطأ في تبيان هذه القضية.
   اما الطفل الذي بلغ مرحلة التمييز فمن الضروري ان ينبه الى ان الكلام الذي تفوه به غير صحيح ولايحظى بقبول الأب او الأم او الآخرين ، وقد يترتب على مثل هذا الكلام مخاطر في يوم ما ، او قد يفضي الى انتهاك الكرامة و ...
  3 ـ توفير الاجواء السليمة : لا شك ان الاجواء التي يسودها الاخلاص والصدق ، والاجواء التي لا يلجأ فيها الأب او الأم الى ممارسة انواع الحيلة والمكر والكذب والخداع في حياتهم اليومية تؤثر كثيراً في اصلاح الأبناء ويعود السبب في ذلك كما ذكرنا سابقاً الى ان الكذب عند الاطفال ناتج من سوء التربية ومن النماذج الخاطئة التي يصادفها في حياته اليومية.
   وهذا ما يفرض علينا تنقية اجواء البيت والمدرسة من مظاهر الحيلة والرياء ، وابعاد الطفل عن الاصدقاء الكذابين وحتى أولئك الذين يكذبون مزاحاً ، لان الطفل سريع التأثر بما يلقى في حياته اليومية ، ومن صفاته سرعة التأثر والتقليد.
  4 ـ مراعاة العدالة : وهي نقطة جوهرية يتحسسها الطفل حين مشاهدته

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 372 ـ

   لوالديه وهما يخرقان هذا المبدأ، فهو يرى لو ان الاناء سقط من يد احدهما وانكسر لايتعرض للمؤاخذة والاستجواب ، لكن هذا الموقف لو حدث معه شخصياً لتعرض من جرائه للاهانة والتوبيخ.
   فحينما يشاهد الطفل الجور من والديه في امثال هذه المواقف يضطر الى الكذب حفاظاً على شخصيته التي يرغب في صيانتها من الإذلال والهوان.
   فلو ان الوالدين تصرفا مع انفسهما كما يتصرفان معه لما برز مثل هذا الوضع ، ولما وجد الطفل نفسه مضطراً للكذب .
  5 ـ العفو والتسامح : صحيح ان تربية الاطفال تستوجب وجود مجموعة من الضوابط ، الا ان ذلك لايعني التدقيق في كل شيء ، فهنالك فرق بين البيت والثكنة العسكرية ، فاذا وجد الاطفال انفسهم في حلقة ضيقة من الحصار فسيلجأون الى الكذب.
   فاذا ما شئنا حث الطفل على قول الصدق ، فلابد لنا من التسامح معه في بعض الموارد والاخطاء التي قد نرتكبها نحن ايضاً.
   فان اصطدم بالمزهرية سهواً وسقطت وانكسرت ، يمكن التغاضي عنه ، الا اذا كان هذا العمل قد تكرر منه مرات متعددة من بعد التنبية والتذكير.
   ومن الواضح ان طبيعة الحياة تفرض عليه إخفاء بعض الامور التي يتسبب كشفها في خجله واحراجه ، على شريطه ان تكون اموراً جزئية وغير مخالفة للشرع والاخلاق.
  6 ـ اختصار الطموحات : لو اننا عقدنا الأمل على صلاح ابنائنا وحسن سلوكهم ، فذلك لايعد خروجاً عن اطار الطموحات المشروعة والمنطقية ،

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 373 ـ

   الا ان الجانب الذي يجب مراعاته هو ان تقصر طموحاتنا في حدود ما يتمتعون به من قدرات وقابليات ، كأن نطلب اليه القيام بالاعمال التي نتقاعس نحن او نعجز عن القيام بها.
   يتوقع بعض الآباء والامهات عدم صدور اي خطأ من طفلهما ويريدان له ان يظل في حياته بريئاً كالمعصوم ، وامر كهذا لايمكن تحققه ، وكل ما يمكن انجازه في هذا المضمار هو تقليل نسبة اخطائه عن طريق ما يبذل من جهد ومتابعة وارشاد.
   وان بدا منه خطأ او زلل ، فالأحرى بكم ان تبدو له الصفح والتسامح ، كما تخطأون انتم ويصفح عنكم الرب الكريم ، فمن الصغار الزلل والتقصير ، ومن الكبار العفو والتسامح.
  7 ـ الأمان من العقوبة : يجب ان يشعر ابناؤنا في البيت بالأمن والاستقرار. ويطمئنون الى ان اخطاءهم اللاإرادية أو غير العمدية تغتفر لهم .
   ولا عقوبة ولا توبيخ الاعند ارتكاب الاخطاء المتعمدة ، اما اذا صدق في كلامه ، فالأولى ان نخفف عنه العقوبة حتى في الاخطاء المتعمدة.
   ومن الضروري ان يتضح للطفل ان أبويه لايتبعان عثرته ولا يقصدان مكاشفته بكل صغيرة وكبيرة ، بل ان مبدأ الحياة قائم على التفاهم والمحبة وحسن الظن وطيب النية.
   وما العقوبة الا للحالات التي يتعمد فيها الاساءة ، ففي مثل هذه الحالة لابد من معاقبته .
  8 ـ النصح والارشاد : وهذا ايضاً له دور لايستهان به في اصلاح السلوك وتقويم الاعوجاج بل ان دوره مصيري وفعال ، فلاينبغي التساهل فيه او اهماله، و ما اكثر الاشخاص الذين استقامت حياتهم بالنصح والارشاد

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 374 ـ

   وكانت نتيجته ان سلكوا طريق الصواب في الحياة.
   فاذا كان هذا العمل مؤثراً في الكبار فهو اكثر تاثيراً في الصغار ، وسبب ذلك هو عدم ابتعادهم كثيراً عن الفطرة ، فلا زالت نفوسهم زكية وضمائرهم طاهرة.
   وتذكيرهم بمفاهيم الصفاء والطهارة ، والعدالة والطهارة ، والنقاء والاخلاص يؤثر كثيراً في نفوسهم .
   ولا بأس بالاشارة الى التصرفات الخاطئة التي يرتكبها الآخرون، فنقول ان التصرف الفلاني غير صحيح ، وينطوي على اضرار بالغة ، ويثير سخط الله ، ويؤدي بالانسان الى دخول جهنم ، فهذا يعتبر من الوعظ غير المباشر وله تاثير ايضاً في صدّه عن التمادي في ارتكاب مثل هذه الاخطاء.
  9 ـ ابداء المحبة : يجب أن نبدي لاطفالنا من المحبة والحنان ما يجعلهم يشعرون بطعمها ودفئها، فالطفل يجب ان يشعر بأنه وجود محبوب في البيت ، واذا حدث وان اغلظ له الابوان بالقول او العقوبة فهو ايضاً من باب المحبة.
   فوجود الحنان يجعل الطفل في غنى عن التصنع والتظاهر ، ولا يشعر بالحاجة الى جلب انظار الآخرين بواسطة الاكاذيب والمبالغة والتهويل ، لأن هذا يثير حنق الوالدين وسخط الخالق.
   فبالمحبة ينعقد ما كان قد انفصم ، وتزاح الكدورة من القلوب ، وبوجودها يسهل التفاهم بين الولد ووالديه ، ويندفع الى التحرك في نفس المسار الذي يرسمه له الوالدان ، وهذا ما يستلزم طبعاً التغاضي عن اخطائه في بعض المواضع والصفح عنه حتى في بعض الموارد التي تستحق العقوبة.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 375 ـ

  10 ـ الإنذار : من جملة الامور المتعارفة في التربية هو السعي الحثيث من قبل الوالدين لإفهام الطفل بعدم صحة الطريق الذي يسير فيه ، والعواقب السلبية المترتبة عليه ، ولا شك في ان مثل هذا الاسلوب ومثل هذا المنطق غير مفهوم ، بل وغير نافذ عند جميع الاطفال.
   فالاسلوب المتبع مع الاطفال في دون سن السابعة اذا ما ارتكبوا خطأ هو أن نقول لهم بأن هذا التصرف غير صحيح ولايرتضيه ابواك ، ونحن لانريد في بيتنا اطفالاً كذابين ، ولا نحب الشخص الكاذب ، ولابد ان يعرف الطفل مسبقاً ما هي المنفعة التي يجنيها من محبة ورضا الوالدين ، وما هي الاضرار المترتبة على عدم رضاهما.
   اما في السنوات اللاحقة فيمكننا ان نقول له بان الله لايرضى عن مثل هذا العمل ، والعمل الذي لايرتضيه الله تتبعه عقوبات شديدة من قبيل جهنم والعذاب بالنار والحرمان من النعم والملذات.
  11 ـ اظهار السخط : وفي ميسور الاب والأم ايضاً الايحاء الى الطفل بعدم رضاهما عنه سواء كان ذلك تصريحاً ام تلميحاً ، وانهما لايحبان ان يسمعا منه اي كلام كاذب ، وانهما يشعران بشديد الاستياء نتيجة لتلك الكذبة المفضوحة التي تحدث بها امام ذلك الجمع من الحاضرين.
   وبإمكان الوالدين في بعض المواقف الاكتفاء بمجرد التعبير بالملامح الظاهرية عن غضبهم لهذا الكلام الذي اساء الى كرامتهم امام الآخرين، وينبغي ايضاً تهويل المسألة في نظره حتى لايتكرر منه مثل هذا الموقف ولا تراوده فكرة الكذب مرة أخرى.
  12 ـ التثبيط : اما في الحالات التي يتكرر فيها الكذب من الطفل فلابد

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 376 ـ

   من مواجهته وبشكل متزن بالتثبيط والردع، كأن نواجهه مثلاً اثناء إدلائه بالاحاديث الكاذبة بوجه عبوس وملامح دالة على عدم التصديق ، وألا نقف ازاء أكاذيبه موقف المتفرج الذي لايبالي بما يسمع ، بل نتدخل ونقطع عليه حديثه ونغير مسار الحديث ليفهم بانه لم يفلح في مقصده ، وان نفهمه من خلال تجاهلنا لكلامه بان حديثه تافه لا وزن له وغير جدير بالاسماع اليه ، ليخجل من فعلته ولا يعاود تكرارها .
  13 ـ التوبيخ : وفي المواقف الاكثر حدة لابد من اتخاذ مواقف اكثر صرامة ، فبعد الاطلاع على اكاذيبه لابد من مكاشفته بها وتنبيهه الى اننا على علم بما يقول من اكاذيب ، فالمسألة التي نقلها لم تكن بتلك الصورة وإنما بشكل آخر ، فلايتصور انه قادر على خداعنا .
   ولا داعي للتذكير مرة أخرى بان مثل هذا الارشاد والنصح والمكاشفة يجب ان لا تتم على مرأى ومسمع الآخرين ، فيشعر من جراء ذلك بالفشل والاحباط ، لأن الطفل عندما يجد نفسه مفضوحاً امام الآخرين ، يدخل في بعض المطبات الخطرة ، حتى يصبح كذاباً محترفاً .
  14 ـ التهديد والعقوبة : واخيراً اذا لم تجد اي من الاساليب المشار اليها سابقاً ولم تحقق ما يرتجى ، فان الواجب يحتم علينا اتباع اساليب التهديد والعقوبة لردعه عن الكذب ، وهو ليس بالاسلوب العملي الناجح والمطلوب ، وان استخدامنا لاسلوب العقوبة يدل على ان علمنا التربوي قد جاء بعد فوات الأوان.
   ومع هذا فان المواقف اللاحقة تفرض علينا امتلاك امكانات اخرى وهي

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 377 ـ

   ان نلوح بنفس العقوبة لاميزانها ، ومن الضروري ايضاً عدم حصول العقوبة بحضور الآخرين وان لا تتسم بالخشونة و ... الخ، وهو موضوع موسع ويستحق ان يبحث في فصل مستقل .

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 378 ـ

توجيهات على طريق اصلاح خصلة الكذب :
   نلفت في هذا الفصل انظار الوالدين والمربين المحترمين الى عدد من المسائل التربوية التي تشكل ـ من جهة ـ الركيزة التي يقوم عليها الفكر التربوي ، وتدعم من جهة أخرى اصلاح الطبائع والخصال الاخلاقية.
  1 ـ ضرورة بث الوعي : إننا نرى أن أحد اوجه واسباب الخطأ والكذب تكمن في عدم وجود الوعي الكافي عند ذلك الشخص ، فهو لا يفهم القيمة الحقيقية لوجوده ولا قيمة الحقيقة والأخلاق ، وهذا ما نلاحظه حتى بين الكبار ايضاً.
   وهذا يفرض علينا إتاحة الفرص التربوية امامه لاصلاح ذاته والحصول على الوعي الكافي بشأن الوجود وما يتسم به من أهمية، وان شأن الانسان اجل واكبر من ان ينزله الى حضيض الكذب ، وان كان قد استطاع خداع الآخرين عن طريق الكذب فأنه لم يحقق بذلك لنفسه شخصيتها وكرامتها ، وان تحقق له شيء من ذلك فهو للكذب لا له شخصياً ، ولا يحصل هو على شيء وانما يعود صفر اليدين.
  2 ـ نيل المحبة الحقيقية : يجب ان يدرك الطفل ، بل وحتى الكبير ، بان المحبوبية بين الآخرين لاتنال بالكذب والزيف ، بل يحصل عليها الانسان في ظل الصدق والاخلاص ، وليعلم ان العقوبة مع قول الصدق خير له من

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 379 ـ

   الكذابون كانت فيه النجاة.
   ومن الضروري هنا التمييز بين المحبوبية الحقيقية والمحبوبية المزيفة الكاذبة ، والتأكيد على ان الاولى راسخة والثانية متزعزعة ، ويمكن توضيح مثل هذه المسألة حتى للطفل وهي لو انه كذب اليوم ونال غايته ، فما الذي سيفعله غداً ؟ واذا سرق اليوم نقوداً واشترى بها المرطبات مثلاً وانكر السرقة ، فمن اين سيأتي بالنقود غداً لشراء المرطبات مرة أخرى ؟ وإن تحايل اليوم في نيل عطف ابيه او امه وحصل على امنيته ، فما سيفعل مرة أخرى لنيل أمانية الأخرى ؟ فهل سيتاح له الكذب في كل الظروف ؟
  3 ـ منحه قدراً من الحرية : لا شك اننا نعتقد كما يعتقد بقية المربين بضرورة وجود حجاب وستر وقدر من الحياء بين الأبوين والابناء لكي يستثمر عند الضرورة في الاهداف التربوية.
   فلا يحق للطفل التصرف امام انظارهما كما يحلو له او kvpsegxg ـ hearte ان يقول ويفعل ما يشاء ، ولايعني هذا عدم السماح له بالتعبير عما يختلج في نفسه امام ابويه.
   فالكثير من اطفالنا يكذبون بسبب عدم إتاحتنا الفرصة لهم بالتحدث بصدق وصراحة، فلو اننا او ضحنا لهم بان لهم كامل الحرية في طرح ما يدور في اذهانهم بلا اي خوف او وجل وعليهم ان يخبرونا بجميع احتياجاتهم لانحلت مشكلة الكذب عندهم ولما بقيت لها أية ضرورة ، نعم ان الاجواء المبنية على الصدق والثقة وبعيداً عن الخداع لها دور فاعل في اصلاح الافراد وهو وضع من الضروري ان يعتاد عليه اطفالنا منذ البداية.
  4 ـ ادراك دور الطفولة : تتسم فترة الطفولة بالتغيير والتبدل ومن

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 380 ـ

   خصائصها انعدام الثبات والاستقرار ، فلايمكن الوثوق بجانب من جوانبها او بعد من ابعادها ، فهي تتحول في كل لحظة الى حال ووضع جديد.
   فنرى الطفل مسروراً في حين وكئيباً في حين آخر ، يعبر عن حاجته المبرمة الى أمر ما في بعض الأحيان ويشير الى تعلقة الشديد به روحياً وقلبياً ، بينما نراه مستقلاً في اوقات أخرى مستشعراً الاستغناء عن كل شيء وكل احد.
   وعلى هذا الاساس ، لو صدرت من طفلكم أية اكذوبة فلا تظنوا ان الدنيا قد انهارت ، وانه قد سقط في بؤرة الانحطاط والرذيلة.
   فهو سرعان ما يتحول الى حال أخرى بمجرد التحدث معه وملاطفته فينقلب فجأة الى ملاك طاهر والى شخص طاهر ينبض قلبه بالطيب والنقاء، ولا نقصد من كلامنا هذا ان نتجاهل كذب الاطفال ، بل يجب الاهتمام به بما يتناسب وحجم الكذب وظروف الطفل واوضاعه.
  5 ـ فسح المجال امام نشاطاته : يعيش بعض الاطفال في بيوتهم كالخدم ، ليس لهم الحرية في فعل اي شيء وينحصر نشاطهم في إطار القرارات والتعليمات التي يضعها الوالدان ويشرفان على تنفيذها بالدقة .
   ومن الطبيعي ان الابناء بحاجة الى ميدان عمل اوسع وحرية اكثر وان لم تتوفر لهم مثل هذه الأجواء فإنهم مضطرون الى اختراق تلك القيود والانطلاق منها الى ميادين اوسع ، ولو انهم تعرضوا من بعد ذلك لأي استجواب أو سؤال فلا يجدون امامهم مناصاً سوى الكذب كوسيلة للنجاة من العقوبات المترتبة على استهانتهم بتلك القوانين.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 381 ـ

   ان احد الأبعاد التي تتطلبها التربية هي فسح المجال امام الطفل للنشاط والتحرك ، ليختبر قدراته وامكاناته ويكتشف ما لديه من مواهب وطاقات حتى تخلق لديه الثقة الكاملة بنفسه ولا يشعر بعدها بالحاجة الى الكذب كوسيلة لإثبات ذاته ، من المؤكد وجوب استحصال الابناء على موافقة الوالدين للقيام ببعض الاعمال ، الا ان هذه الرؤية يجب ان لاتنسحب على جميع التصرفات والامور بصغيرها وكبيرها، لأنه قد يرى في بعض المواقف ان فرصة العمل قد حانت وان الوقت لايسمح بالانتظار حتى حصول الإذن منكم ، لذلك يجد نفسه مضطر لإغتنام الفرصة حينها ، ومن ثم البحث بعد ذلك عن اكاذيب يبرر بها امامكم موقفه حين الاستجواب.
  6 ـ خلق الثقة بكم : علينا ان لاننسى بأننا نعتبر كأمناء على اسرار الأبناء ووجود هذا الموقع يفرض علينا احترام آرائهم واقوالهم واعمالهم وكتمان اسرارهم ، وهذا الفعل جدير بخلق الثقة بنا لكي نكون ملاذاً يلجأ الينا عند الشدائد والازمات ، يطرح علينا مشاكله مباشرة عن غير حاجة الى الكذب والتحايل ، ووجود مثل هذه الثقة يشجع الطفل على طرح شؤونه ومسائله على ابويه بشكل جدي وصريح، فاذا ما تعرض لإساءة من قبل الآخرين يأتي لابويه ويعرضها عليهما مباشرة ويخبرهم بكل ما جرى بشكل صريح ، فكثير من الاطفال يتعرضون للاساءة من قبل الآخرين ، بل ويقعون ضحية لاطماعهم واهوائهم ، الا انهم لايجرأون على اطلاعكم على مجريات الامور خوفاً من البطش والعقوبة ، وبسبب انعدام الثقة بكم ، ولن يتاح لكم الاطلاع على مجريات الامور الا بعد فوات الأوان.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 382 ـ

  7 ـ تجنب التشهير : يتردد الطفل احياناً في اطلاع ابويه على الحقائق انطلاقاً من عدم ثقته بهما ، ولشعوره بأنهما لايحفظان له سراً فبمجرد ما ان يعلموا له سراً ، يبادرون الى اذاعته ونقله الى هذا وذاك ، فيكون ذلك سبباً في الانتقاص من شخصيته.
   فلا يفوتنا ان للطفل ايضاً شخصية يعتز بها ، ويعتد بمكانته في أية مرحلة من مراحل حياته، وهذا هو الحاجز الذي يمنعه من مصارحتكم بالحقائق ، فلايجد مناصاً من عرضها عليكم بشكل مقلوب.
   واذا شعر الطفل يوماً بان كرامته قد هدرت و ان ماء وجهه قد أريق ، سيتحول الى شخص خطير لايمكن التعايش معه ، ولا سيما بعد ان تطبع على الكذب واثارة الفتن ، ولابد من التأمل في كل تصرف او كلام يصدر عنه.
  8 ـ تبيان العواقب والمخاطر : لايمتلك الطفل التجربة الحياتية الكفيلة بإرادته المستقبل ، وليس لديه التجربة الكافية ليتعرف من خلالها عواقب الامور والنتائج الوضعية الوخيمة المترتبة على الكذب، وهنا يتوجب على الوالدين والمربي ارشاده وهدايته عن طريق ذكر القصص المتعلقة بالكذب والمصير المهلك الذي يؤول اليه الكذابون.
   ويبدو من المناسب ايضاً حثه على قراءة مثل هذه القصص شخصياً ، وذكر امثال هذه الحكايات مفيد لهم قبل الدخول في المرحلة التي يبدأون فيها بالكذب وبالشكل الذي يثير فيه الخوف من مسألة الكذب ويجعله على حذر شديد من ان يكذب .

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 383 ـ

  9 ـ توعيته بمكانته وقيمته : وعلى الوالدين والمربين توعية الطفل الى ان قيمته واحترامه مرتبطة الى حد بعيد بمدى صدقه وصراحته ، واذا ما سولت له نفسه الحياد عن المسار القويم للصدق فلن يتلقى منهم ومن المجتمع أي احترام او تقدير واذا لاحظ بأنهم يولونه الثقة ويثقون بكلامه فذلك منبثق من ظنهم بأنه صادق ولو اتضح عكس ذلك لسلبت منه كل تلك الثقة.
   لابد ان يتحلى الطفل بدرجة من الوعي بحيث يؤثر قول الصدق على الكذب حتى وان كان في الصدق ضرر عليه.
   وانه لو اساء فبامكانه الاعتذار عن اساءته ، اما الكذب فلا عذر معه ولاتسامح فيه .
  10 ـ الاستعداد لقبوله : وعلى الوالدين والمربين ان يثبتوا للطفل عملياً استعدادهم لقبوله وتقبل اخطائه ايضاً.
   وانهم لايتضايقون من سماع كلامه ، ولايستكثرون عليه احترام مشاعره وعواطفه. ولايستخدمون الخشونة في الرد على اخطائه ولايستهينون بكرامته امام الآخرين.
   ان وجود مثل هذه الاجواء وسيادة مثل هذا التعامل يسلب من الطفل الدوافع التي تضطره للكذب ويضعه على الطريق القويم.
  11 ـ المثل الصالح في الوالدين : من الطبيعي ان الوالدين يعتبران المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الطفل. فان كذب الأبوين أخذ عنهما الكذب وان كان لهما اي موقف سلبي تجاه أية مسألة من المسائل فان الطفل يواصل انتهاج نفس ذلك الموقف.
   ولاتتصوروا ابداً ان الطفل لا يفهم المواقف التي تجري امامه ، قد يبدو في الظاهر هادئاً ازاء تصرفاتكم

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 384 ـ

   لكنه في حقيقة الحال يتعلمها منكم ويمارسها بنفس الصورة حينما تتاح له الظروف ان العمل الخاطئ الذي تمارسونه يفسح امامه السبيل ويمهد له الطريق للخطأ ويرصد امامه سبل الصدق والصراحة، وفي مثل هذه الحالة ستكونون انتم المسؤولون عن العواقب السلبية لسوء تربية ابنائكم.
   ان التزامكم الاخلاقي والايماني وتمسككم بالاخلاص في القول والعمل يعتبر درساً قيماً يأخذه عنكم الاطفال وسيكون عاملاً مؤثراً في استنقاذه من أمثال هذه البلايا.
  12 ـ التخلي عن العناد : انتم تعلمون ان الطفل قد يعمد أحياناً الى تناول طعام منع عليه تناوله ، والبقع الموجودة على ثيابه ورائحة فمه تثبت انه قام بهذا العمل ، الا انه ينكر ان يكون قد فعل ذلك وان إصراركم على استحصال الاعتراف منه سيزيد من عناده واصراره على الانكار ، ولهذا عليكم عدم التمادي في الاصرار اكثر من ذلك ، لأن هذا الموقف يخجله لانه يتسم بالحساسية المفرطة.
   وفي حالة اصراره على الانكار ، عليكم ان لاتحاولوا وصفه بصفة الكذب، فالوضع حالياً تجاهل القضية ، وبعد ذلك تنبيهه الى خطئه في وقت لاحق.

من هم الأكثر كذباً ؟
   تظهر التحقيقات ان الكذب اكثر انتشاراً بين الفئات التالية :
  1 ـ الاشخاص الذين يمتازون بالضعف وحدة المزاج وسرعة الإثارة او المصابين بالهوس والاهواء غير المتزنة.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 385 ـ

  2 ـ الاشخاص الذين يفتقدون الشجاعة والرزانة الكافية وتستحوذ عليهم هواجس الجبن والتردد.
  3 ـ عند الاشخاص الاكثر ميلاً لاجتذاب انظار ومحبة الآخرين.
  4 ـ اولئك الذين تستحوذ عليهم دوافع الحاجة ويصعب عليهم بلوغ الهدف.
  5 ـ الذين تفرض عليهم تكاليف شاقة تفوق طاقاتهم.
  6 ـ ضعاف الايمان والذين يخضعون لسلطان الآخرين وضغوطهم.
  7 ـ الذين عاشوا الحرمان والفوضى في عهد طفولتهم ولم يخطوا بالعطف والرعاية الكافية.
  8 ـ واخيراً الافراد الذين لم يلقوا نصيبهم من التربية.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 386 ـ

توجيهات للوالدين والمربين :
   إن اتباع بعض طرق الاصلاح للقضاء على ظاهرة الكذب عند الاطفال ، اما ان تكون قليلة التاثير اوان تكون عديمة التأثير بالمرة ، بل وقد تتولد عنها في بعض الحالات نتائج سلبية وآثار معكوسة وخاصة من أمثال الاساليب التالية :
  1 ـ كثرة اللوم والتوبيخ.
  2 ـ القسوة والعقوبة الشديدة الى درجة الايذاء
  3 ـ اتهامه بالكذب ونعته بهذه الصفة والانتقاص منه امام الآخرين.
  4 ـ عدم بذل الحنان والمحبة له ، وكذلك سلب الثقة منه.
  5 ـ ايكال الطفل الى نفسه على أمل ان يحقق لنفسه الاصلاح الذاتي تلقائياً.
   وعلى كل حال من الضروري تقصي اسباب ومكامن معاناته ومعالجتها جذرياً ، وبناء علاقتنا معه على التفاهيم وحسن النية ، وفي جميع الأحوال فهو ابنكم ، وشأنه شأن اعواد المنبر ، فهي لايمكن حرقها ولايمكن رميها بعيداً والتخلص منها ، بل تجب معالجته واصلاح ما به من خلل .