هونوع من التجديد الهادف إلى بلوغ السعادة ، وان السعيد هو من يتصف بالجسم السليم ، والفكر المتجدد لاكتساب الفضيلة ، والروح المقتدرة الحرة.
   من الواضح لدينا أن السعادة تكتسب وتنال ولاتأتي عفوياً ، وان الاستعداد لها وبناء الذات لغرض الحصول عليها ضروري ، إلا أن بناء الذات يحتاج بنفسه إلى مقدمة وهي معرفة الذات.
   ومعنى هذا أن التربية الدينية عليها واجبان في هذا المجال ، الأول : معرفة الذات ، والثاني بناء الذات ، وعلى المتصدي للتربية الدينية أن يلتفت الى هاتين النقطتين عند الطفل :

أ ـ معرفة طبيعة الطفل
   يمكن تقسيم الجوانب التي يتم من خلالها دراسة الانسان ومعرفته إلى : الجانب الذي يهتم به علم الأحياء ، والجانب الذي يدرسه علم النفس ، والجانب الذي يدرسه علم الإجتماع ، وقد طرحت الأديان والمذاهب رأيها فيه أيضا ، ولا يتناول بحثنا هنا تفريع تلك الآراء والخوض في تفاصيل كل منها ، بل نعطي صورة توضيحية للخطوط العامة لهذه المواضيع.
   الانسان كائن ترابي النشأة ، خلق مقروناً بالمعاناة ، ويمر بمراحل عديدة ، وهو ذو تركيب مزيج من المادة والروح ، وله ظاهر وباطن ، ظاهرة من الدم واللحم وهو مكون من العناصر الموجودة في التراب ، وباطنه النفس والعقل ، ومصدرهما العالم العلوي، الانسان مخلوق كريم ، ومستخلف من الله ، ومسخر له كل ما في الأرض

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 102 ـ

   والسماء يبدو من بين الكائنات الأخرى وكأنه قطرة منحدرة من قمة جيل الى ساقية ثم لتدخل منها في محيط الأبد.
   أما الجانب السلبي فيه ، فهو كائن ضعيف ، وفي نفس الوقت مغرور ، وهو مملوء زهوا واعجابا.
   يحيد عن الحق والحقيقة ، ولكن يطلبه من الآخرين.
   حريص وبخيل ، يرجو من الأخرين الهبة والتكرم عليه ولايهب أحداً ولا يكرم آخر.
   جاهل للحقيقة الخلقة ، ظلوم جهول ... يراوح بين الحرص والبخل ، فهو حريص على جمع المال من جانب ، وبخيل في توزيعه من جانب آخر ... معتد وغشوم ، إذا امتلك القوة استخدمها في سبيل مصلحته الشخصية ، وهو مع أمتلاكه القوة ضعيف .
   إذا جاع صرخ ، وإذا تألم بكى ، بعيد المدى ، وطويل الامل لكنه في نفس الوقت يتأثر بأدنى ضرر .
   أما في الجانب الايجابي ، فإنه كائن ينشد الكمال ، ويتطلع اليه ، وعلى الرغم من طغيان غرائزه فبامكانه ترويضها ، ورغم كونه ترابي النشأة فبامكانه بلوغ مقام القرب من الله ، خلافا لادعاء جان بول سارتر الذي يرى أن قيمته لاتساوى حتى قطرات المني التي خلق منها ، ولو شاء ـ لتمكن ـ بجهده وتركيز قدراته العقلية وقواه الارادية ـ أن يكون في مصاف الملائكة ، أو اعلى مقاما .
   ومع ما يبدو من صغر حجمه ، الا ان العالم الأكبر منطو فيه ، ولو أنه تمسك بكتاب الله واطاع ربه ، لأضحى بمقدوره أن يفعل فعل الله ، اي يتمكن من التصرف في الكون ، واخضاع كل ما فيه من ظواهر لإرداته ، ومع أن الانسان ترابي المنشأ ، الا أنه بعض صفات الله متجلية فيه

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 103 ـ

   انطلاقا من تلك النفحة الربانية التي يمتاز بها .
   وبالرغم من جموح نفسه وطغيانها ، إلا أنه قادر على لجمها واخضاعها لإرادته .
   يمكن للمربي ممارسة عملية بناء الانسان استناداً الى هذه المعلومات التي يمتلكها عنه.

ب ـ بناء الطفل
   لقد سبق ان عرفنا السعيد بأنه الشخص الذي يمتلك جسما متميزا بالسلامة ، وعقلا سائرا في طريق الفضيلة والارتقاء ، وروحا قادرة مقتدرة .
   وعلى هذا الأساس ينبغي أن يشمل بناء الانسان ثلاثة جوانب : الجسم ، والعقل والروح .
  1 ـ تكمن أهمية بناء الجسم في كونه موضع استقرار النفس ، وتجلي العقل قائم به والعناية بنموه ونضجه ، والمحافظة على صحته وسلامته ، ومنحه الراحة والهدوء والسكينة بالقدر اللازم ، وايجاد نوع من التناسق والانسجام بين اعضائه ، وتغذيته من الطيبات ، والرزق الحلال ، ووقايته من عوامل الطبيعة حفاظاً على سلامته.
  2 ـ تربية العقل : وتهدف الى تهذيبه لكي يقوم بدوره في طرح الأفكار الإيجابية ، وصيانته من الانصياع للخرافات ، والتقاليد البالية ، والإيحاءات الفاسدة ، ولغرض تنمية القدرة لديه على الاستنباط والاجتهاد في الأمور ، وتطويعه نحو التفكير في الحصول على المعاش ، وطاعة الدين وقانون الحياة الذي يستسيغه العقل ، والتدبر في شؤونه الحالية والمستقبلية.
  3 ـ تربية الروح ، والغاية من ذلك اكسابها القدرة على تطويع الغرائز ،

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 104 ـ

   وموازنة الأحاسيس والعواطف ، والسعي نحو السير التكاملي لبقاء النفس ، والعناية بسلامتها وتقوية دورها ، والاهتمام بتحليتها بكل مايزينها واجتناب ما يشينها ، والميل الى الحق والدفاع عنه ، والسيادة على النفس ، وحفظ الشخصية ، ووحدة الكيان ، والقدرة على التزام السكينة في مقابل هجوم الحوادث والوقائع ، والتحلي بروح التضحية والايثار ، وحب الخير ، والصبر في المصائب ، وصفوة القول : التحلي بالمثل الانسانية السامية.
   ويمكن القول ان التربية بشكل عام تعني بلوغ الانسان درجة يستطيع معها إدخال المعنى في المادة ، وإعطاء الحياة طابع المفاهيم المعنوية الأصلية ، وتقديم التضحيات في سبيل الحق ، ومن ثم الوصول أخيرا الى ادراك أنه « ليس لأنفسكم ثمن الا الجنة فلا تبيعوها الا بها ».
   « الامام علي (ع) »

اهداف العلاقة بالخالق :
   الهدف العام هو بلوغ مقام القرب من الله القادر المطلق ، ونيل رضاه ، وحبه حبا ملائكيا يزيل الحجب عن البصائر ، وينير أعماق القلب والحياة ، وهذا الأمر يستلزم معرفته ، ثم عبادته :
  أ ـ في مجال معرفة الله : بأن ندرك بأنه المصدر الخالد لهذا الوجود ، ولا أحد ولامصدر ينظم أمور هذا العالم سواه ، لم يتخذ شريكا حين فطر السموات والأرض وبيده ملكوت كل شيء ، ولاشيء خارج عن قدرته ، لا ترى في نظامه أو فعله أي ضعف او خلل ، هو العلم والغنى المطلق ، قدرته وحياته مطلقة ، وهو أزلي وأبدي ، واحدا أحد.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 105 ـ

   ليس هو الهنا وحدنا ، بل هو رب العالمين ، ورب كل الظواهر والأزمنة والشعوب ، هو الله الحي المريد المدرك ، هو مع كل شيء لابمقارنة ، وغير كل شيء لابمزايلة ( كما قال الامام علي « ع » ) ... على علاقة بمخلوقاته ، لكنها علاقة العالم بالجاهل ، وعلاقة الغني بالمحتاج والمالك بالعبد ، لعبد الذي لا يمكنه الخروج عن ريقه قدرته ولا إخفاء اسراره من علمه.
  ب ـ في جانب العبادة : نود الاشارة ـ أولاً ـ الى أن العبادة هي ارفع الطرق لبلوغ الكمال ـ العبادة معناها تمهيد القلب ليكون دائم لارتباط بالله بحيث لايصدر منه عمل اوسلوك إلا بعد استشارته أو معرفة احكامه وسننه .
   والعبادة من الآثار العلمية للعلاقة مع الله ، وهي العلاقة الموسومة بالمتاجرة معه ، والخوف منه ، ومحبته والإنابة اليه.
   والعبادة كما توصف على حقيقتها لاتشمل اللحظات التي يقف فيها الإنسان بين يدي ربه فيحمده ويثني عليه ويعرض عليه بثه وحزنه ويتوسل اليه متضرعاً مستكيناً فحسب ، بل تشمل كل لحظات الحياة بجميع آفاقها وجوانبها من سلوك وقول وعمل وتفكير .
   العبادة ـ في الحقيقة ـ قبول المسؤولية الملقاة من قبل مصدر الفيض ومنبع الكمال ، ونتيجتها الحصول على الأجنحة التي تعين الانسان على التحليق ، لأن التعلق بالقدرة الكاملة المطلقة ، يخلق لدى الانسان قدرة خلاقة .
   العبادة هي تركيز الجهود لتصب في المجرى المؤدي اليه ، واستدرار رضاه في جميع الأحوال ، والخضوع لأوامره ، والتوجه اليه في جميع الحركات والسكات ، والشعور باللذة ونيل الغنى الروحي في ظلها .
   إذن

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 106 ـ

   فالارتباط بالله يتطلب الإيمان به كخطوة أولى ، وطاعته كخطوة ثانية ، وتقواه كخطوة ثالثة ، ثم العمل المتواصل بالواجبات وإداء ما عليه من المسؤوليات كخطوة رابعة ، وأخيرا : الخطوة الخامسة وهي الاحسان ، أي تكون مشيئة العبد متحدة مع مشيئة ربه.

أهداف العلاقة مع الكون :
   يقدم لنا الدين كذلك قوانين واحكاماً تنظم علاقاتنا بالعالم بالمعنى الأشمل للكلمة ويجب أن تشمل التربية الدينية هذه التوجهات ايضا.
   والمقصود هنا من كلمة العالم هي أولا : الكرة الأرضية ، وثانيا : العوالم الأخرى غير الأرض والتي أشار الدين بشكل أو آخر الى علاقات الانسان معها .
   فالعالم كما يراه الدين مدرسة ودار للكمال ، ويجب أن تاخذ العلاقة به طابعا مثمرا لإحداث التغيرات المطلوبة ، ويجب أن يستغل لما فيه خير وفائدة الفرد و المجتمع معا .
   تقسم العلاقة مع هذه الكرة الأرضية الى أربعة شعب ، وهي علاقة الانسان بالانسان ، وعلاقته بالحيوان ، وعلاقته بالنبات ، وعلاقته بالجماد .
   فعلاقتنا مع النبات والجماد قائمة على الاستفادة والاستثمار ، وبعبارة أخرى يمكن استغلالها لما فيه منفعتنا ورفاهنا ورفاه المجتمع من خلال ايجاد التغييرات المطلوبة فيها .
   أما في مجال العلاقة مع الحيوانات فهنالك مجموعة احكام بشأنها تدخل تحت عنوان حقوق الحيوانات ـ فعلى سبيل المثال ورد حديث عن

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 107 ـ

   المعصوم يذكر ستة حقوق للحيوان على صاحبه ، ويجب عليه رعايتها وهي :
  1 ـ أن لايحمله فوق طاقته.
  2 ـ ان لايبقى جالساً على ظهره عندما يكون في حديث مع الآخرين.
  3 ـ أن يطعمه ويسقيه أولاً حيثما نزل.
  4 ـ ان لايصم وجهه.
  5 ـ اذا عبر به الماء يحب عرضه عليه.
  6 ـ ان لايضربه لأنه يسبح لله تعالى.
   ولغرض الحصول على مزيد من التفاصيل يمكن مراجعة الكتب الفقهية ، باب نفقة البهائم ، ووردت أيضا توصيات بشأن بقية الحيوانات حتى الخفاش والقطة والكلب ، والحيوانات المؤذية ، والنمل وغيرها.
   وفي موضوع العلاقة مع الانسان يتسع البحث وتتنوع فيه الأحكام والضوابط ويتوقف نوع تلك العلاقة على الانتماء الديني للطرف المقابل ، او علاقة الدم والرحم ورابطة الجوار ، أو رابطة الانسانية.
   فالعلاقة بالوالدين ، مثلاً ، علاقة احترام واحسان ، «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا » (1).
   ويختلف عنها نوع العلاقة مع الأخ والاخت ، وهكذا نوع العلاقة مع الزوجة أو العم أو العمة أو الخال أو الخالة.
   الأحكام التي تحدد نوع العلاقة مع سائر الناس متنوعة ألى درجة كبيرة ، بحيث نرى انفسنا مضطرين لذكر عناوينها فقط دون التطرق الى ذكر

**************************************************************
(1) الإسراء : 23.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 108 ـ

   تفاصيل ، وتلك العلاقات هي كالآتي .
  1 ـ علاقة الوالدين مع الأبناء ، كالعلاقة بهم من جهة الجنس ، وعن جهة التفاوت في الأعمار.
  2 ـ علاقة الابن بالوالدين ، وهي تختلف باختلاف كون الوالدين مسلمين ، او من أهل الكتاب ، او كافرين ، وتقسم ألى علاقة مع الاب ، وعلاقة مع الأم.
  3 ـ العلاقة بالمحارم ، من أمثال العمة ، أو الخالة ـ والعم ، والخال ، والجد والجدة ... الخ.
  4 ـ العلاقة بالأرحام من الدرجة الثانية ، اي ابناء العم ، والعمة ، والخال ، والخالة.
  5 ـ العلاقة بالزوجة : الزوجة المؤقتة ، والزوجة الدائمة ، وعلاقة المرأة بزوجها والزوج مع المرأة ، ومع الزوجة أثناء العدة ... الخ.
  6 ـ العلاقة بالجار ، والجار من الأقرباء ، والجار الغريب ، والجار المسافر ، والجار الأخ بالدين ، والجار الكافر.
  7 ـ العلاقة بافراد المجتمع ، وهي العلاقة مع المجتمع الانساني ، وقادة المجتمع ، والحاكم ، وعلاقة قادة المجتمع بالناس .
  8 ـ العلاقة بالأخوة في الدين ، وان كانوا في غير مجتمعنا.
  9 ـ العلاقة بأهل الكتاب ، ومنها العلاقة بالإلهين منهم ، أو العلاقة مع الآخرين لمجرد كونهم نظراء لنا في الخلق.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 109 ـ

أساليب التربية الدينية
   الاسلوب : هو عبارة عن الطريقة العلمية المتبعة لبلوغ هدف .
   او هو مجموعة النشاطات التي تيسر لنا بلوغ ما نصبوا إليه ، وتعتبر الأساليب عادة طريقاً ميسراً لبلوغ الهدف.
   وكما نعلم فإن الناس يأتون الى هذه الدنيا واذهانهم صفحة بيضاء خالية من أية معلومات ، وهذا ما يستدعي منا القيام بملئ ذهن الطفل عن طريق العين والأذن والعقل ، وقد عرض القرآن الكريم نفس هذا أيضا.
   « وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ » (1) وعلى هذا يجب مراعاة هذا الترتيب في اسلوب التربية الدينية ، كما يلي :
  1 ـ اسلوب تقديم القدوة : تأخذ العين دورها في هذا الأسلوب فتحيط بالأمور ، ويأتي دون الأذن في المرحلة الثانية.
   فقد جاء في الروايات أن مسألة تعليم الوضوء أول ما طرحت ، عندما قام جبرائيل بإسباغ الوضوء عمليا امام النبي (ص) وشـاهدها النبي (ص) بعينه وتعلمها وعمل بها ، وقال صلى الله عليـه وآله وسلم : « صلوا كما رأيتموني أصلي ».
   فتقديم القدوة يعيننا على غرس المفاهيم الدينية في ذهن الطفل بكل يسر وسهولة ، ودفعهم الى العمل بها لا سيما وإن حس التقليد قوي جداً عند الأطفال.

**************************************************************
(1) النحل : 78.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 110 ـ
   المسألة الهامة في هذا المجال هي ان يكون القدوة مثالا كاملا في الأخلاق والسلوك الذي يقر الدين صحته. وإن أدنى خطأ ، أو إهمال يؤدي ألى انعكاسات تربوية وخيمة.
   والجانب الايجابي الآخر في القضية هو أن تقليد الطفل لايصدر عن وعي دائما ، بل يكون مصدره اللاشعور أحيانا.
   ولهذا يجب عند طرح القدوة ، أو الأسوة مراعاة الدقة الكاملة ، وخاصة في أمور كالصلاة ، وتعليم المفاهيم الدينية والتزام العدالة ، وتشخيص الحق ، والدفاع عنه ، وحب الخير ، والإحسان ، وتقديم الإعانات السخية للمعوزين ، وممارسة السلوكية الاجتماعية الاسلامية.
  2 ـ اسلوب التعليم : يركز هذا الأسلوب على حاسة السمع ، ويتم فيه نقل المواضيع المراد ايصالها الى الطفل ، بشكل مباشر .
   وهذا الأسلوب يكمل ـ في الحقيقة ، الأسلوب السابق الذكر ، حتى انه يعد للأطفال الأكبر سناً مقدمة للتربية ، أي أن الأمر يستلزم أولاً تعلم بعض الامور عن طريق العين والأذن ، ثم العمل بها ، وتطبيقها.
   أما الغاية المرجوة من هذا الأسلوب فهي اصلاح السلوك عن طريق النصح والتذكير ، أي ان يقوم المربي بتقويم واصلاح أي تصرف خاطيء قد يصدر من الفرد.
  3 ـ اسلوب التلقين والايحاء : ويمكن من خلال هذا الأسلوب ايجاد صلة بين الفرد وربه ودينه.
   إذ من المتيسر ايجاد حالة من الخوف ، عند الطفل أو إحياء الأمل في نفسه من خلال استعراض آيات الله ، ولطفه ،

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 111 ـ

   وكرمه ، ونعمه ، وحسابه.
   يمكن بهذا الطريق شحن قلبه بمفهوم حب الله ، وتوعيته على معنى حب الله ، وعدم حبه بأداء كل فعل يرتضيه الله واجتناب كل ما يثير سخطه .
   وتتضمن هذه الطريقة أيضاً امتداح عمل الشخص بشكل مباشر ، أو غير مباشر وايجاد نوع من الصلة بينه وبين الدين وذلك من أجل أحياء الشوق للارتباط بالله بقلبه ، يشعر من وراء ذلك باللذة والسعادة.
  4 ـ طريقة سرد القصص : وهي وسيلة جيدة لإثارة مكامن تفكيره ، واستخلاص الدروس والعبر ، وتنبيهه الى امكانية الهداية من بعد الضلال ، وخلق مشاعر لديه لكي يتحسس الأمور بشكل أوضح ، ودفعه الى التفكير بشأن العالم الداخلي والخارجي ، وتنقية وتهذيب ذلك التفكير.
   ويمكن كذلك تعليمه مبادئ الدين واحكامه بشكل غير مباشر عن طريق سرد القصص والحكايات ، لأجل أن تصبح تلك القيم هي السائدة في حياته .
   وقد استخدم القرآن الكريم هذا الأسلوب أيضاً في تربية الناس ، فقص علينا في هذا السياق قصة إتباع النبي موسى (ع) للرجل الصالح للدلالة على الصبر والتواضع ، وقصة أصحاب الكهف للاشارة الى ايمان أولئك الفتية وقلوبهم الحية ( كما ورد في الآيتين 13 ـ 14 من سورة الكهف ) ، ووردت فيها [ القصة ] اشارة أيضاً إلى جزاء الكافرين والظالمين ، وإثابة المحسنين ( كما ورد في الآية 87 من نفس السورة ) ، وقصة قارون الذي ظلم وذاق في نهاية المطاف وبال سوء عمله ، ( الآية 81 من سورة القصص ) ، وأتى

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 112 ـ

   القرآن الكريم أيضا على ذكر قصة يوسف (ع) لتجسيد مفهوم الطهارة والعفة ( كما يستفاد من سورة يوسف ).
   وورد فيه ايضاً ذكر قصة أصحاب الأخدود الذين كانوا يشاهدون بأعينهم ما جرى من العذاب على اولئك النفر من المؤمنين ( وهو ما أشارت اليه الآية الرابعة من سورة البروج ) ، وقصة قوم لوط ، وآدم وحواء ، وقصة مريم وطهارتها ، وغيرها من القصص الأخرى التي وصفها بقوله تعالى : « انَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ ».
   أما الجوانب التي تستلزم الاهتمام بأسلوب السرد القصصي في التربية الدينية فهي :
  1 ـ أن تركز القصة على الصفات الحميدة والنقاط البارزة.
  2 ـ أن تكون متناسبة مع سن الأشخاص التي يتعظون بها .
   فالقصص التي تحكى للأطفال في سن الثالثة يجب ان لا تتجاوز نمط تناول الطعام ، والذهاب الى حفلات الضيافة ، وارتداء الثياب ، والحديث عن الأشياء المحيطة بالطفل ، وأسماء الأشياء التي يقع عليها بصره .
  3 ـ أن تكون القصة مناسبة للمقام ووفقاً لما تقتضيه الضرورة.
  4 ـ ان تتمخص القصة عن نتائج قيمة يشار اليها بشكل مركز.
  5 ـ أن لا تتضمن القصة معايب تربوية قد تؤدي الى احداث تأثيرات سلبية في نفس الشخص.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 113 ـ

الاساليب المساعدة في التربية الدينية
   وفي هذا النمط التربوي يكون الدور الأساسي للشخص ذاته في شؤون حياته وبناء نفسه ، ويأتي دور المربي ـ بما في ذلك المعلم والوالدين ـ في المرحلة الثانية.
   ويمكن استعمال الأساليب التالية في هذا الصدد :
  1 ـ السير في النفس والأفاق : كمشاهدة الآيات الإلهية والمعجزات الربانية التي هي مظاهر قدرة الله ، والتمعن فيها يحدث في نفس الانسان إنعطافاً يقوده الى معرفة مدى عظمة ربه.
   ان أجالة النظر في الطبيعة أشد تأثيراً في النفس من الاستدلال العقلي ، ويمكن معرفة الله عن طريق المحسوسات اكثر من أي طريق آخر وهنالك آيات كثيرة في القرآن الكريم تدعو الناس للسير في الأرض والتفكر في الأفاق وفي خلق السموات والأرض.
   فأحدى الآيات الشريفة مثلاً تقول « فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ » (1) و « سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ » (2) « أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ » (3)
   اما النتائج المتحققة من هذا السير فهي الادراك والشهود والعرفان وبالنتيجة : ادراك حقائق الأمور.

**************************************************************
(1) النحل : 36.
(2) فصلت : 53.
(3) الغاشية : 17 ـ 18.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 114 ـ
  2 ـ التفكير والتدبر : لقد إعتبر الحكماء الانسان حيواناً مفكراً ، والتفكير هو نوع من الكلام والاستدلال الصامت.
   ومن العناصر الأصلية للتفكير هي الغاية المنشودة ، والسبيل الأقوم لبلوغها ، والتدقيق في الانتباه الى العلاقات القائمة بين الظواهر ، وابتكار واكتشاف طرق الحل المناسبة.
   ومما يسهل عملية التفكر هو المعلومات المكتسبة والمنبهات الحسبة والنظرة النقدية للأشياء ، والمثالية الفكرية والأمال السامية ، وبالإضافة الى توفر الظروف الثقافية الملائمة.
   ومما يحول بين الإنسان والتفكر هو الخوف ، والاضطراب ، والإكراه ، وثقل المسؤولية.
   ويجب حث المربي على التفكير خلال اداء واجبه التربوي ، والتأمل فيما اذا كان الموقف اوالتصرف الفلاني الذي صدر عن الشخص الفلاني صحيحاً أم لا .
   ومن الايجابيات الأخرى المتاحة في هذا المجال هي عدم تقيد التفكير بزمان ومكان معينين ، اذ بميسوره الإنطلاق في متسع فسيح زمانياً ومكانياً .
   ويؤكد القرآن في منطقه التربوي على الدعوة الى التفكير والتدبر في شؤون هذا الخلق.
  3 ـ استخلاص العبرة : ويراد به الاتعاظ بمشاهدة ما يحيط بالانسان من مظاهر عجيبة ، وتغييرات كبرى في حياة الناس والحيوانات والنباتات ، ويأخذ منها مايستنير به في حياته ، إذ أنها تعينه على استكشاف الدلالات والمؤشرات التي تضيء له الطريق الذي ينبغي له سلوكه في حياته .

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 115 ـ

  4 ـ التجربة والإختبار : ليس العقل وحده هو القادر على اكتشاف الحقائق ، بل الحس وسيلة قيمة أيضاً في هذا الميدان.
   والحقيقة هي أن الانسان قليلاً ما يعتمد على القول والسماع ، ولا يتحقق له الاطمئنان التام الا بعد مشاهدة ما سمع تجربة ما قيل .
   يحصل الانسان من التجربة والاختبار على الاستقرار الفكري.
   وجاء في قصة النبي ابراهيم (ع) بأن الاطمئنان القلبي ينال بعد المشاهدة العينية والتجربة الشخصية.
  5 ـ التعقل والاستدلال : ويتم ذلك باستخدام العقل في النظر الى الأمور ، والاستفادة من المنطق والقوى الباطنية لأكتشاف الحقائق والوصول من خلالها الى فهم علاقات العلة والمعلول ، وادراك ماهية القوانين المهيمنة على كل الوجود ، وبالنتيجة الوصول الى الاقتناع الذاتي.
   ان البرهان يقنع نفس الانسان ، ويمنح الأعضاء الثقة والقدرة على فعل ما يؤمن به من اعماق قلبه .
   وقد أكد القرآن كثيراً على موضوع البرهان والاستدلال.

جوانب التربية الدينية
   تتوفر في الإنسان ـ الذي هو موضوع التربية ـ جوانب يمكن الاستفادة منها لتمكين المربي من الوصول الى الغاية المنشودة من التربية الدينية ، وتوصف تلك الجوانب لدى الطفل بأنها فطرية وغريزية ، فهي إذن ليست بحاجة الى التعلم ، ولا حتى الى تهيئة المقدمات التي تساعد على أيجادها ، وتعد هذه من الجوانب القيمة التي تسهل قيام المربي بعملية التربية ،

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 116 ـ

   وتتلخص تلك الجوانب الإيجابية في ما يلي :
  1 ـ الفطرة : وهي قائمة على اساس الإقرار بوجود خالق لهذه المخلوقات ولاتشكل أوامره ونواهيه عبئاً ثقيلاً لايمكن تحمله .
   تذعن الفطرة عادة لوجود نظام وقوانين تهيمن على الكون ، وان الأمور ليست متداخلة ، ولا تجري اعتباطاً.
   ونقرر كذلك موضوع الاستدلال وعلاقات العلة والمعلول ، وتقبل بكل ما له وجود على أرض الواقع.
   وكل انسان يولد عليها وانما البيئة او المجتمع هو الذي يحرفه عن هذا المسار القويم.
  2 ـ حب الاستطلاع : حينما يخرج الطفل من محيطه الضيق ويدخل في أجواء العالم الرحبه يواجه ظواهر عديدة ومتنوعة ، فتدفعه الغريزة الى معرفتها واكتشاف كنهها ومعرفة اسرارها والسؤال عن منشأها واسبابها .
   ويبقى متسائلاً عن علاقات العلة والمعلول بين الأشياء الموجودة في هذا الكون ، وتظل الأسئلة تتوارد على ذهنه عن الأسباب والكيفيات الكامنة وراء هذه المشاهد ، ولا يخفى أن هذه من المجالات الخصبة لتربية الطفل دينياً .
   ولاينبغي تفويت أمثال هذه الفرص ، بل يجب استغلالها لتعريفه بالحقائق وتوجيهه اليها وتوعيته بها .
  3 ـ الرغبات : يمتاز الطفل بكونه موجوداً اجتماعياً يرغب الاختلاط بالآخرين والاندماج معهم ، واستعراض ذاته ووجوده بينهم ، وتقليد سلوكهم .
   وهذا جانب يمكن استغلاله لتعليمه بعض المسائل الدينية ، وتشجيعه على تطبيقها أو ممارستها عملياً.
   فالطفل مثلاً يرغب المشاركة في التجمعات

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 117 ـ

   الدينية ، إذن فالموقف يستدعي اصطحابه الى المسجد ولا بأس بذلك ، وهو يرغب في احتلال مكانه بين الكبار ، اذن فاسمحوا له بالاختلاط مع الكبار ، وعلموه آداب الحياة ، وأصول الاختلاط ، والأخلاق الحميدة والتعاليم الدينية عامة ، وحاولوا جهد الامكان أن تروهم من يقتدى به من المتدينين ومن الذين تكون شخصياتهم مثالاً طيباً يحتذى به .
  4 ـ العجب والكبرياء : وهي صفة موجودة عند جميع الناس ، الا أنه ينبغي توجيهها الوجهة الصحيحة.
   ويمكن استغلال مشاعر الكبرياء عند الطفل للأغراض الايجابية ، او الدينية بالخصوص ـ كأن يقال له مثلاً : أنا متأكد من قدرتك على اداء الصلاة ، أو انت قادر على المشاركة في التجمع الفلاني كما تفعل أمك ، أوفي ميسورك الصوم من الصباح حتى الظهر ، أو انك قادر على قول الصدق ، وتستطيع أن تكون حسن الأخلاق ، أو بالإمكان أن تصبح فتى عاقلاً ومنظماً ، أو أنت قادر على عدم الإضرار بالآخرين ، وأن لايصدر منك كلام قبيح و ... الخ.
   تستلزم العملية التربوية أحياناً وضع اهداف قريبة وسهلة التناول أمامه لغرض تشجيعه على تقبل بعض الأعمال ، والاستعداد لبلوغ تلك الأهداف.
   ومن الواضح أن الطفل كلما كبر اصبح بالإمكان وضع أهداف أصعب وأبعد نصب عينيه وتشجيعه على بلوغها .

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 118 ـ

مبادئ التربية الدينية
   نحاول في هذا البحث طرح الأصول والمبادئ الجوهرية التي نرى ضرورة مراعاتها من قبل الوالدين والمربين لتسير التربية الدينية بشكل صحيح .
  1 ـ مبدأ المحبة : يقوم أساس التربية في السنوات الأولى من عمر الطفل على المحبة.
   ويفترض تعويد الطفل منذ البداية على الأخذ بما يراه الوالدان وترك كل مالا يرتضيانه .
   وبعبارة أوضح ، بامكان المربي أن يقول للطفل وبدون اي ضغط وإكراه : انني لا أحب هذا العمل ، وذلك حينما يبدر منه عمل غير صحيح ، وأما اذا صدر منه تصرف صحيح فيقول له : أنني أحب هذا العمل.
   يجب ان يبني الوالدان سلوك الطفل على هذه الجانبين ( احب ـ لا احب ).
   ويمكن تطبيق هذه القاعدة عن طريق النظرات التي تنم عن المحبة أو الاستياء ، والكلام المعبر عن الرضا ، أو الصمت أو الاهتمام والتجاهل والمحبة او الغضب، يجب ان يتذوق الطفل خلال ذلك ضمنياً مزايا حب الوالدين ، أو غضبهما واستياءهما ، ويمكن ان يتحسس مزايا ونتائج ذلك بشكل صريح في السنوات اللاحقة.
  2 ـ مبدأ التشجيع : يتأمل الطفل ان يكافأ لقاء كل فعل حسن يصدر منه ، وعلى الوالدين تحقيق هذا الأمل.
   إلا أن هناك قضية حساسة وهي أن المكافأة يجب أن لاتأخذ طابع الرشوة.
   يجب أن يؤدي الطفل العمل الحسن على أساس كونه واجباً شخصياً

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 119 ـ

   واجتماعياً من غير أن يتوقع الثناء عليه ، وعلى الوالدين تشجيعه على اعتبار كونه شخصاً صالحاً وعارفاً بواجبه ، والمسألة الأخرى هي ان لا تتخذ المكافأة صورة المكافأة النقدية ، كأن يقال له : إذا صليت أعطيك درهماً ، بل يجب أولاً أن يعتبر اداء الصلاة واجباً مفروضاً عليه شأنه في ذلك شأن بقية افراد العائلة.
   وثانياً ان يكون تشجيعنا له من باب الارتياح لقيامه بأداء واجبه ، أي أن نظهر له سرورنا من عمله ، ومن ثم نفهمه في السنوات اللاحقة ، بأن الله تعالى راض عن عمله هذا أيضاً.
   والنقطة الثانية التي ينبغي الاشارة اليها هي ضرورة عدم تكرار المكافأة لأن التكريم والمكافأة يفقد في مثل هذه الحالة قيمته الحقيقية.
   أما النقطة الثالثة التي أود التنبيه اليها فهي ان لا تتجاوز المكافأة الحد المعقول بحيث لو أدى الطفل عملاً اخر اكثر أهمية ويستحق المزيد من الثناء والتكريم ، لايبقى لنا ـ حينذاك ما نعبر به عن رضانا وارتياحنا ازاءه.
   لتكن المكافاة دوماً عند حد تبقى معه أمام الانسان مجالات اوسع لبلوغ مدارج أسمى ونيل المزيد من رضى الله تعالى واستحسان الوالدين.
   من بعد سن الثامنة يمكننا أن نوضح لهم أن الله تعالى يحب العمل الفلاني ويبغض التصرف الفلاني ، ويصبح من اليسير أن نكلمه بأن عاقبة محبة الله لنا هي دخول الجنة بكل ما فيها من النعم والذات ، ونتيجة غضبه هي العقوبة ودخول النار.
   وقد انتهج القرآن الكريم نفس هذا المسار ، وأشار في الكثير من الايات الى أنه يحب هذا العمل والقائمين به ، او انه يبغض ذلك العمل ومن يرتكبه .

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 120 ـ

   والقضية الهامة هنا هي ضرورة اللجوء الى الشدة في بعض الموارد ولكن لاينبغي ان يطغى على الاعتدال والمحبة ، وتظهر التجارب أن اكثر الناس تديناً هم الذين نشأوا و تربوا في عوائل تمتاز بالاعتدال والعطف والمحبة.
   ان نقص المحبة والحنان يثير في النفس مشاعر الغربة والوحشة ، وحتى أنه قد يفضي الى الوقوع في بعض المنزلقات الخطيرة كالفرار من البيت والانتحار والمتاجرة بالشرف .
  3 ـ مبدأ الخشونة واستخدام القوة من قبل الوالدين : حينما يحاول الطفل التمرد على الصيغ التربوية المتعارفة واتباع رغباته واهوائه الشخصية لسبب أو آخر ، يجب على الوالدين حينئذ اللجوء الى اسلوب القوة.
   فيصدرون له الأوامر والتوجيهات ، ويشرفون على تنفيذها بدقة .
   يجب على الوالدين الاحتفاظ بدورهم في الارشاد والنصح والسيطرة والتسلط في جميع مراحل التربية ، وما دامت مسؤولية الإشراف على الطفل بأيديهم ، سواء كان ذلك بشكل مباشر في المراحل الأولى أم بشكل غير مباشر في ما بعد .
   وحتى ان الروايات الأسلامية تحدثت عن ضرورة معاقبة الطفل فيما لو تمر على طاعة والديه ، إلا أن اغلب تلك النصوص وردت بالمعنى اللغوي للكلمة ، أي بمعنى التنبيه والإرشاد وأحياناً الضرب غير الموجب للدية .
  4 ـ مبدأ الاعتدال : إلتزام الاعتدال أصل مهم أيضاً في التربية الدينية ، فلاينبغي أبداً تكليف الطفل بأي عمل شاق ، فقد ورد عن الأئمة المعصومين (ع) انهم أمروا باصطحاب الطفل الى المسجد ، ولكن بشرط أن لايطول المكث فيه ، شجعوا الطفل على الصلاة ، ولكن لا تكرهوه على

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 121 ـ

   القيام لصلاة الليل واداء النوافل ، وشجعوه ايضاً على الصوم ولكن اجبروه على الأفطار في أي وقت يشعر فيه بالملل والجوع ، يذكر الحديث المروي عن الامام الصادق (ع).
   لاتصطحبوا الطفل الى المجالس المقامة لإحياء الليل ، ولاتفرضوا عليه السهر وجاء في حديث المعصوم (ع) بأننا نكره أطفالنا على الجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.
   إن وضع الطفل يستلزم ان لانكون الفرائض الدينية بشكل يستوجب الاستعداد لصلاة الظهر مرة ولصلاة العصر مرة أخرى ، فيشعر من جراء ذلك بالأذى والتعب.
  5 ـ مبدأ تنقية البيئة المحيطة به : تبذل الجهود في التربية الاسلامية لازالة العوامل والأسباب المشجعة على الإنحراف ، وكل ما يمكن أن يترك أثاراً سلبية على ذهن الأنسان، وهذا يتطلب سلامة اجواء البيت والمدرس والمجتمع من أي انحراف ، وبعبارة أخرى ، ألا تبطل عوامل التربية والاجتماع بعضها البعض وتنتفي بذلك تأثيراتها .
   ويجب ان لاتسلك الأجهزة الأعلامية أي سلوك يتعارض مع التربية الدينية ويلغي مفعولها ، وعلى المربي ان يرى نفسه ملزماً برعاية هذه الجوانب.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 122 ـ

مراحل التربية
   لا شك أن كل مرحلة من مراحل الحياة تستوجب وضعاً خاصاً بها .
   فالبرنامج الذي يطبق على طفل في الثالثة من العمر يختلف كليا عن البرنامج الذي يطبق على الاطفال في سن العاشرة او الرابعة عشرة.
   صحيح أن التربية تبدأ منذ اليوم الأول للولادة ، الا ان فترة ما قبل الولادة تجري خلالها أيضاً بعض انواع الرقابة والتحفظ ، ويعتبر هذا أيضاً جزءاً من التربية الدينية.
   التي تبدأ في حقيقة الأمر من اختيار الزوجة ، ومن بعد ذلك من لحظة الجماع ، وتؤثر على الطفل افكار الأب والأم أثناء عملية الجماع ، وما تفكر به الأم اثناء فترة الحمل ، والى غير ذلك من انواع الطعام وطبيعة الحياة والأحداث التي تتعرض لها .
   ويبقى الوالدان مسؤولين عن ابنائهم بشكل مباشر منذ الولادة حتى السنة الحادية والعشرين .
   ويعد ادنى تقصير في اداء هذه المسؤولية بحق الأبناء ذنباً كبيراً عند الله وتقصيراً لايغتفر امام المجتمع والدين.
   جاء في كتب الحديث إن هذه المرحلة المؤلفة من (21) عاماً يمكن تقسيمها الى ثلاث مراحل تبلغ مدة كل واحدة منها 7 سنوات ، وهذه بدورها قابلة للتقسيم الى فترات أقصر.
   السنوات السبع الأولى : وهي مرحلة التكوين.
   وتبدأ التربية فيها منذ اليوم الأول للولادة بأجراء المراسيم الدينية ، كالأذان والإقامة في اذنيه ، ومن

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 123 ـ

   ثم غسله وختانه ، وحلاقة رأسه والتصدق بوزن شعره ذهباً أو فضة ، وتسميته بأسم حسين وتقديم عقيقة عنه ، يجري كل هذا في الأيام الأولى للولادة اما المراحل اللاحقة فتجري خلاله تكاليف ورسوم أخرى تتناسب مع سنه .
   ففي سن الثالثة تعليم الطفل قول ( لا اله الا الله ) وفي الثالثة والنصف قول الشهادة برسالة النبي الأكرم (ص) ، ويمرن بين الرابعة والخامسة على الصلوات وفي سن الخامسة يتعلم اليمين واليسار ، وفي السادسة يتعلم إتجاه القبلة ، والسجود والركوع ، وفي سن السابعة يتعلم الصلاة والنهوض لتناول السحور.
   وهنالك قضية أخرى وهي ضرورة عدم تقبيل خدود البنات من بعد سن السادسة ولأبناء من بعد سن السابعة ، من قبل الجنس الآخر.
   جاء رجل الى الإمام الصادق (ع) وسأله عما يجب الامتناع عنه بشأن جارية له تبلغ السادسة من العمر فقال له الإمام (ع) بوجوب الامتناع عن تقبيلها ولا إجلاسها في الحجر ولا إحتضانها.
   ويجب الانتباه الى ان السنوات الأربع الأولى من حياة الطفل مهمة جداً في صياغة شخصيته بحيث يمكن القول ان ( 70 % ) من شخصية الفرد تتم صياغتها خلال هذه المرحلة.
   السنوات السبع الثانية : وهي المرحلة التي يجب ان يكون فيها سلوك الطفل وتصرفاته تحت الرقابة المتواصلة والمدروسة للوالدين والمربين.
   وتقسم على اقل احتمال الى فترتين ، أولاهما من سن 8 ـ 10 أعوام ، والثانية من 11 ـ 14 عاماً.
   وفي هذه المرحلة يجب اعداد برنامج

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 124 ـ

   جديد من الواجبات يتناسب وسن الطفل ، مثل غسل الكفين ، وتعليمه الوضوء حتى نهاية السنة التاسعة من عمره ، وفي السنة العاشرة يجب أجباره على اداء الصلاة.
   يبدأ الايمان الحقيقي عند الطفل في سن 12 عاماً ، وفي هذه الفترة يمكن الى حد ما ـ تعليمه المفاهيم الأصلية للدين. ولاتفوتنا الإشارة الى وجوب نقل كل الاسس الأخلاقية والتربوية الى الأطفال خلال هذه الفترة بمفهوم آداب المعاشرة والعادات والسنن.
   وتحل في نهاية هذه المرحلة ، مرحلة المراهقة التي يصبح فيها للطفل شخصية مستقلة بفضل التجارب التي اكتسبها في المجالات المختلفة ويصبح له رأيه الشخصي في الامور التي تواجهه .
   السنوات السبع الثالثة : وهي دورة الممارسة والتطبيق العملي لمعلوماته .
   ويجب ان يبقى الشخص تحت اشراف المربي فيها ، وتقسم بدورها الى ثلاث مراحل وهي : نهاية مرحلة المراهقة ، ومرحلة البلوغ ، ومرحلة الشباب ، إن الضروف التي يمر بها الانسان توجب تركيز جل اهتمام الوالدين على مرحلة البلوغ ، لأنها فترة نضوج المشاعر وفيها يحدث ما يشبه الولادة من جديد .
   يعيش الأشخاص في هذه الفترة حالة من الحيرة في معتقداتهم ، وهم بحاجة الى اعادة النظر فيها ، ويشعرون بالقلق حيال فكرة الجنة والنار ، لا يعلمون ماسيحصل بعد الموت ، والى اين ينتهي مصيرهم ؟ وهم أحوج ما يكونون الى التوجيه في هذه الفترة ، وعلى المربين الأخذ بأيديهم

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 125 ـ

   وتوجيههم الى مافيه صلاحهم.
   يبلغ الايمان ذروته في سن 16 عاماً ، واذا ماصادف الشخص خلالها نماذج او قدوات مزيفة فسيعرض اعتقاده الديني لبعض المخاطر حتماً.
   تنتهي مرحلة البلوغ في ما يقارب سن الثامنة عشر عاماً ويتبلور لديه خلالها شيء من الاستقلال التقريبي ، ويتطور استدلاله المنطقي ، وهذا مما يسهل في عملية تعليمه وتربيته.

نقاط في التربية تستوجب الاهتمام
  1 ـ موضوع الجنس : يختلف نمط تربية الإناث عن الذكور في التربية الاسلامية وهذا الاختلاف منبثق عن التفاوت القائم بينهما طبيعياً ووظيفياً.
   ففي الجانب الطبيعي يقر الدين ـ كما هو الحال بالنسبة للعلم ـ بوجود اختلافات واضحة بين الذكر والأنثى من الناحية الجسمية والعقلية والنفسية.
   وهما يفترقان كذلك في نسبة النمو خلال مراحل السن المختلفة ، وفي جانبي الأحاسيس والمشاعر ، والأهم من كل ذلك هو اختلافهما في بلوغهما الجنسي والعقلي.
   ونحن نعلم أن أفضل النظم التربوية هو ذلك النظام الذي يأخذ هذه الاختلافات بنظر الاعتبار ويعيرها الاهتمام اللازم.
   فالعلم يرى أن الأولاد يختلفون عن البنات في وظائف الأعضاء والدين يرى نفس الرأي أيضاً.
   فطبيعة اجسام الإناث مكيفة للحمل والارضاع ورعاية الطفل ، بينما طبيعة اجسام الذكور تلائم الأعمال الثقيلة.
   ونشير أيضاً مرة أخرى الى أن افضل الأنظمة التربوية هو ذلك النظام الذي يعير هذه الاختلافات الاهتمام المطلوب.