ان الهدفية الكامنة في ضمير الإنسان هي التي تدفعه لبناء ذاته مع السعي في كل موقف يمر به الى تجنب اي زلل قد يصدر منه ، فأما من كانت فطرته سليمة وضميره حياً فيسير في طريق الأحسان والسيطرة على زمام نفسه.
   وضميره يؤدي دور الحارس او المراقب الذي يحثه على فعل الخير وينهاه عن كل قبيح .
   وفي الجانب التربوي تقع على المربي مهمة المحافظة على سلامة ضمير الطفل بتحذيره أو حتى معاقبته في موارد الانحراف. وكان الأنبياء يركزون مساعيهم على استثمار هذه الطاقة المودعة في فطرة كل انسان لأجل توجيهه الى المسار الصحيح والحيلولة دون موت ضميره .

ضرورة وجود الضمير
   وجود الضمير والمشاعر التي يثيرها ضرورية للإنسان لأن فقدانها يؤدي به الى الحيرة والضياع أو حتى السقوط في مهاوي الإنحراف والرذائل.
   قد نتعرض احياناً لحالة من القلق والإضطراب من الناحية العقلية وذلك لعدم قدرتنا على اتخاذ القرار الصحيح بشأن أمر ما .
   ولو كان الضمير حياً لما واجهنا موقفاً كهذا لأنه يتيح لنا فرصة إلتماس الطريق القويم.
   الضمير نعمة الهية تثير مشاعر البغض والكراهية للجوانب السلبية ، والرغبة والشوق لكل ما هو ايجابي وبناء ، ويسوق الأنسان نحو الكمال ويكشف له طريق السعادة.
   وتكمن ضرورة وجوده في كونه يشرف على سلوك الأنسان واوضاعه

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 152 ـ

دور ومهمة الضمير
   وصفت التعابر العلمية الوجدان بربان سفينة الوجود ، وقائد الأنسان الذي يقود زمام الامور.
   يوجهنا في أي صوب يشاء ، وينهانا عن السبيل الذي يريد .
   واي خلل فيه سيؤدي الى الضلال والضياع ، هو المشرف الذي يراقب عمل وسلوك الأنسان، وكل مايحدث في مسار هذه الحياة ، أنما هو قائم على اساس حكمه ، فإن حصل خطأ في مسير الإنسان يتصدى له الضمير وينبهه الى خطئه وانحرافه ، بل ويؤنبه عليه في بعض المواقف.
   الضمير كالمرآة التي ينعكس فيها سلوك الإنسان باجمعه صغيره وكبيره ماخفي منه وما ظهر .
   فيرى الإنسان صورة تلك الأعمال واضحة أمامه ، فيضعها في المعيار ويقييمها ويبدي رأيه في خيرها وشرها ثم يستسيغها أو يرفضها .
   وتعتبر هذه الرقابة وهذه المقارنة ، وهذا التحكم وسيلة للسيطرة على الذات ، وحتى ان الطفل يستطيع السيطرة على ذاته في ظل وجودها.

أهمية الضمير
   يتضح مما سلف ان وجود الضمير لدى الإنسان مهم فهو قاض ومشرف ، ودليل أمين، له رأيه في قبيح الأمور وجميلها، وهو من هذا المنظار قاعدة كبرى لتربية الإنسان وسعادته.
   والضمير كما نراه نحن عبارة عن محك وميزان لايجوز التقدم عليه ولا التخلف عنه ، فإن تخلف الإنسان عنه لقي من التأنيب ما يلقى وهذا الأمر

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 153 ـ

   بذاته له دور كبير في نضوج الشخصية وامتناع الإنسان عن الإنحراف وجنوحه الى كل ما هو مفيد .
   اما الأسلام فأنه يرى الضمير شاهداً على الإنسان وحارساً أميناً يفرز له خير الأعمال وشرها ، ويحاول التسلل الى اعماقه عن طريق الانس والالفة لتكون له السيطرة التامة على كل اعماله.
   ويترجح في الأهمية على العلم لأنه يحتل مكانة اعلى من مكانية المعادلة المتعارفة في السؤال والجواب او مشاهدة الظاهر وتقييم الباطن على ضوئه .
   فالشخص الذي ينكر الحقائق ويلجأ الى الكذب امام القاضي ، يعلم ان كلامه مجاف للحقيقة وهو ما يجعله يعاني من العذاب وتأنيب الضمير.

السلك الوجداني
   السلوك الوجداني هوالسلوك الخالي من الكذب والخداع والرياء والتحايل .
   وهو سلوك عادي وطبيعي ، ومنسجم مع النوازع الباطنية ، ومقرون بطيب الخاطر ، ولا يشوبه اي قلق او اضطراب.
   السلوك الوجداني مجرد من التعذيب والايذاء ، والقتل والمضايقة، وإن صدر اي عمل مشين سارع الضمير الى استنكاره فهو يعرف القبائح ويتجنبها.
   من معالم السلوك الوجداني اقترانه دوماً بالسكينة والاتزان ، فلا يضطرب الإنسان من بروزه .
   ولا إزعاج فيه اللآخرين ، ولايشعر الإنسان معه بالذنب والندم واذا وجد الإنسان نفسه مجرداً من القيود والموانع ، لايتورع عن ارتكاب كل ما تسول له نفسه ، فهو يقيم بناء حياته على اساس استبعاد

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 154 ـ

   تأنيب الضمير.
   ولايمثل الدين عاملاً مساعداً لعمل الضمير فحسب ، بل هو من عوامل المحافظة عليه ، وتطمح التعاليم الدينية الى تقويم عمل الضمير و رفع درجة وعيه وقدرته على اصدار الأحكام ، فتطرح له الأمثلة والمصاديق المتنوعة لتقوية ادراكه وتوسيع قابليته على فهم الأمور.

انواع الضمير وابعاده
   الضمير موضوع وأرضية ، ولكنه يؤدي مهمته في ثلاثة ابعاد اساسية على أدنى تقدير ، ونذكر في ما يلي هذه الأبعاد لأجل التعرف على جوانبها ، لغرض فهم الواجب العام الذي يتولى الضمير تأديته ، وكل واحد من هذه الأبعاد الثلاثة بحاجة الى المزيد من التربية والتعميق :
  1 ـ ضمير المعرفة : والمراد به الشعور النفسي الذي يشعرنا بالحالة او الوضع الذي نحن فيه .
   فنحن نستطيع التفكير بأنفسنا في أية لحظة لتقييم الوضع او الحالة التي نحن فيها ونحكم عليها.
   فنرى مثلاً هل ان حالنا جيد او سيئ ؟ وهل نحن في حالة استقرار وسكينة ام في قلق واضطراب ؟ وهل ان حالنا سليم ام سقيم ؟
  2 ـ الضمير التوحيدي : والمراد به الضمير المدرك أن لهذا الكون خالقاً ، اسمه الله تعالى ، وهو خالق كل شيء ، وبيده الأمر والخلق ، وبيده زمام كل أمورنا وحياتنا ومماتنا.
  3 ـ الضمير الأخلاقي : وهو المؤشر الدال على القبح والجمال ، يتولى الحكم على صحة او سقم سلوكنا ، يؤنبنا على كل قبيح فيدفعنا ذلك الى

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 155 ـ

   اعادة النظر في سلوكنا واتباع السلوك القويم والأخلاق الفاضلة بكل شغف وارتياح.

محكمة الضمير
   حينما يواجه الإنسان الضمير لايمكنه التخلص من حسابه وتأنيبه.
   فلا محكمة أقوى من محكمة الضمير.
   مهما كان الإنسان قوياً ومقتدراً فلابد له من الخضوع امام محكمة الضمير.
   اي أن الضمير قد شكل محكمة للنظر في تصرفات الناس فإن رأى منهم خطأ ادانهم ، الى درجة انه يجبرهم في بعض الحالات على الانتحار والإستسلام للموت جزاء لخطأ معين صدر منهم .
   الضمير الأخلاقي كالقاضي الواعي المقتدر الذي يظهر حين ارتكاب الجرم فيقبض على الجاني ويقدمه للمحاكمة ، صحيح أن بعض الناس قد يستطيع اخفاء جريمته عن المحكمة ، أو يتحدث بشكل يوهم المحاكم القضائية ببراءته ويموه عليها الحقائق ، لكن هذا غير ممكن في ازاء الضمير ، فلايمكن للإنسان إهماله او التخلص من تبعات الذنوب والمعاصي.
   لا تبرئ هذه المحكمة ساحة احد من الناس الا اولئك الذين لم يصدر منهم اي ذنب او انحراف ، وإلا فيتعرضون تلقائياً لتعنيف شديد من قبل الضمير ولا يكتفون بالندم على ما صدر منهم ، بل ينزلون بأنفسهم اقسى انواع العذاب.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 156 ـ

تأنيب الضمير
   يتعرض الأشخاص الذين يرتكبون جرائم كبرى تضر بالأخرين ، الى تأنيب شديد في الضمير.
   ومن المؤكد أن عذاب الضمير أشد ايلاماً من الاعدام ، ولهذا نرى بعض الناس يقدم على الانتحار تخلصاً من تأنيب الضمير ...
   السلوك المنحرف الذي يؤدي الى حصول بعض المصائب يجعل الإنسان يعيش في حالة من الضيق والاختناق لايتذوق فيها أنفاس الراحة.
   ويعاني من الأهوال والمصائب ما تطبع حياته بالتخبط والتعاسة ، فلايجد لنفسه مخرجاً وتظل روحه تتعذب في خضم الصراعات والتناقضات الداخلية.
   تعتريه حالات من الغضب والإرتعاش في كثير من المواقف فحينما يكون وحيداً يصرخ احياناً بصورة لا ارادية ، ويهمس مع نفسه باللوم والتقريع ، وهذه كلها من معالم تأنيب الضمير.
   وقد يؤدي به هذا اللوم والتأنيب الى حالات قاتلة ، ولهذا فقد ترك الاسلام باب التوبة مفتوحاً من أجل ان يستعيد المذنب وضعه الطبيعي ولا يفقد اتزانه نتيجة فقدانه الأمل بالنجاة ، فالتوبة هي السبيل الوحيد لاعادة الإنسان الى الطريق القويم والاستقرار المطلوب.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 157 ـ

عذاب الضمير
   اما الاشخاص الفاقدون لأي التزام ديني ، ولكنهم مالكون لفطرة سليمة فسيظلون يعانون من ضغوط نفسية شديدة ، قد تؤدي بهم الى الابتلاء ببعض الأمراض العصبية.
   وقد تأخذ تلك العقوبات احياناً طابع الاختلال العصبي ، او الاضطراب النفسي ، او حتى أن بعض الأشخاص يصابون بالجنون .
   فالأشخاص الذين يتصرفون خلافاً لما تمليه عليهم ضمائرهم ، ويقدمون على ارتكاب الجرائم.
   يعيشون في أيام عصيبة وكأن نيراناً تلتهب في اعماقهم فيحترقون بها لذا نراهم يفقدون القدرة والاستقرار ، ويطغي عليهم كره الحياة والاشمئزاز منها ـ حتى أن الكثير من النشاطات الايجابية والتوجهات الخيرة لايعود لها اي تأثير في ارضائهم وخلق البهجة في نفوسهم .
   ان عذاب الضمير على درجة من التأثير ، بحيث يدفع الأشخاص احياناً الى اليأس من انفسهم ، فأما أن يقفوا في مواجهة الجرم الذي ارتكبوه وأما ان يستقبلوا الموت بشجاعة ، ولا يستلموا لآراء هذا وذلك.
   وهنا تجدر الاشارة الى هذه النقطة ، وهي ان الضغوط القوية التي تنشأ من جراء تأنيب الضمير قد تؤدي بالإنسان في بعض الحالات الى ان يصبح اكثر وحشية من الحيوانات الكاسرة ، وتتضاءل لديه القدرة على المقاومة ، فلايمكن في مثل هذه الأحوال التخلص من شرورهم .
   وعلى كل حال فالإنسان ليس كالحيوان الذي يسر بتصرفاته اللامسؤولة ، ولايعتبر التقصير والقصور مدعاة لكماله .

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 158 ـ

الضمير سد منيع
   يبدو الضمير في حياة الإنسان وكأنه سد يمنع من تحول حياتنا الى ايام سوداء ولا يدعنا نسقط في المسارات المنحرفة ، وينبهنا الى مسالك الجريمة.
   قد يبادر الإنسان الجائع الى القيام بأي عمل للحصول على رغيف الخبز ، الا أن الضمير يقف حائلاً امامه يمنعه من السرقة والجريمة لاشباع بطنه .
   وقد يكون بعض الأطفال في سن لايدركون معه مصاديق الجريمة والسرقة والغش ولايفهمون معنى خرق الأصول الأخلاقية ، فلابد من تعريفهم بالمصاديق الدالة على ذلك.
   الا أننا إذا لاحظناهم مصرين على بعض الممارسات القبيحة ، فالواجب يحتم علينا الوقوف بوجههم ومنعهم من مواصلة اي تصرف غير لائق ، ومن المهام التي تتولاها التربية هي أولاً : توعيتهم الى خطأ بعض تصرفاتهم ، وثانياً : ان لاندعهم يرتكبون مثل هذه الأعمال ، من أجل استئصال الأعمال القبيحة من اعماق انفسهم.

سبات الضمير وتلوثه
   يأتي الإنسان الى هذه الدنيا بضمير طاهر ، بانياً عمله على اساس الضوابط التي اودعها الله تعالى في نفسه ، لكن هذا لايعني أن الضمير يبقى على نفس هذا الحال.
   يتوقف الضمير احياناً في بعض مراحل الحياة ونضوج الشخصية ، وقد

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 159 ـ

   يتعرض ايضاً للأصابة بانواع المخاطر والأمراض فيتلوث ولا يعود قادراً على تأدية واجبه بشكل اصولي ، وهو ما يطلق عليه اسم سبات الضمير فيوقع الإنسان في مهاوي الضلال والتعاسة ، ولابد في مثل هذه المواقف من تجديد الضمير او اعادة صياغته من جديد بهدف اعادة الإنسان الى صوابه .
   واذا استمرت حالة سبات الضمير عند الإنسان ، فقد تؤدي به الى المسخ فينسى حتى مفهوم الحق ، بل ويتجاهل كل وجوده.
   او يكون حكمة على الأمور غير مصيب ، فيظهر على سلوك الإنسان نتيجة لذلك معالم الإضطراب وعدم الأستقامة.
   ان واقع الحال يستوجب التصدي منذ البداية لأي انحراف في سلوكه او القضاء على حالة فساد الضمير التي تعني الإهمال وعدم الحساسية تجاه وقائع الحياة والسلوك الفردي.

تحول الضمير وتكامله
   يتسم الضمير بالقابلية على التحول والتكامل .
   فباستطاعة الإنسان القيام بالأعمال الحميدة والالتزام بالسلوك المستقيم ومكارم الأخلاق ونبذ التصرفات الهوجاء والأخذ بزمام نفسه والسيطرة على اهوائه ورغباته ليصل الى حالة السكينة والاستقرار ، وبذلك يكون قد قطع شوطا طويلاً في طريق تكامل ضميره .
   ومما ينبغي فعله تجاه الضمير هو اعانته في صراعه المرير الذي يخوضه قبال الظروف والمواقف المختلفة ، ومواصلة الأيحاء اليه بضرورة اصدار الأحكام العادلة ، وهذا ما يستدعي مجابهة الميول المعارضة للوجدان ،

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 160 ـ

   وعدم الخروج عن جادة الصواب التي يرتضيها الشرع.
   وتعد نفس هذه الالتزامات من عوامل تكامل الضمير، الا أن هناك عوامل تضغط على الضمير من الخارج وتنجح في حرفه عن مساره احياناً.
   ولابد هنا من الاشارة الى ظاهرة هامة وهي ان الكثير من الضمائر الميتة قد تستفيق على روي سؤال مؤثر واحد ، فتسلك في حياتها مساراً جديداً .

الضمير في سنوات البلوغ
   يدخل الضمير اثناء مرحلة المراهقة والبلوغ في حالة خاصة من الوعي.
   والباعث على ذلك هو ان الإنسان نفسه يلج في مرحلة خاصة من حياته ونضوجه.
   فيمسي ادراكه اوسع مما كان عليه من قبل ويرى نفسه مسؤولاً عن اتخاذ مواقف خاصة ازاء الأحداث المختلفة.
   وفي هذه المرحلة يستفيق ضميره الديني ويسعى لاستحصال المعلومات الكافية عن عقيدته ومذهبه.
   ولا يعكس الشك في المعلومات الدينية المكتسبة سوى سعيه المتواصل لاكتشاف الحقيقة والاستقرار على معتقد صحيح ، ومن الضروي أن يطوي هذه الفترة الحرجة من حياته تحت اشراف المربين ليكونوا على بينه من المصاعب التي يعانيها في هذا المجال ويسعوا لحلها .
   والنقطة المهمة الجديرة بالذكر هنا هي ، أن الضمير يتخذ قبالة في هذه السنوات طبقاً لما يقدمه الأصدقاء والزملاء ، وتقوم الموازين الأخلاقية التي يتبعها بناء على ما يلمسه ويراه من الأصدقاء ، وهذا من الأبواب التي يحتمل تسلل المخاطر منها .

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 161 ـ

آفات الضمير
   ضمير الإنسان عرضة لكثير من الآفات والمخاطر ، وما الآفات في الحقيقة الامعاكسة وقلب النقاط البناءة للضمير .
   ويمكن القول بعبارة أخرى أن الطبيعة الإنسانية القابلة للتأثير ايجاباً وسلباً هي التي تؤدي بالضمير الى الانحراف والاصابة بالآفات ، فلايعود يهتم كثيراً حتى لموت وقتل الآخرين ولايهتز للمشاهد المؤلمة والقبيحة.
   لابد من التذكير هنا بأن ممارسة الأخطاء وتكرارها والتعود عليها يصيب ضمير الأنسان بالخلل ويحرفه عن مساره الأصلي ، فيصاب بالصمم فلايعود يسمع نداء الجميل والقبيح ، وحتى أن مثل هذه المفاهيم تستبدل مصاديقها في ذهنه ، فيتعرض وجوده ومصالحة حينذاك لمخاطر الانهيار والسقوط.
   وهكذا الحال بالنسبة الى قتل الفطرة والإكثار من الممارسات المناقضة لها التي تتسب في فساد الضمير ايضاً.
   فيمسي الشخص وكأنه في سبات لا قدرة له على التمييز بين الجميل والقبيح ولايعلم بفضائح ما يصدر منه .

وجوب تربية الضمير
   يجمع علماء الدين والأخلاق وعلماء النفس على وجوب تهذيب الضمير وبذل الجهود الحثيثة لتربيته والا فمن المحتمل جداً أن يتعرض لخطر الجمود او حتى عدم الفعالية في بعض الحالات.
   ولذا نشير هنا الى أن الإنسان يولد و لديه الكثير من القدرات والاستعدادات في المجالات

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 162 ـ

   المختلفة.
   ولو أن بعض المجالات حظيت الاهتمام والرعاية الكافية لكفت في ايصاله الى طريق الكمال.
   ما اكثر الناس الذين يولدون ويموتون من غير ان يستفيدوا من الدنيا أو يستثمروا ما لديهم من طاقات وامكانيات في سبيل بلوغ ارقى مراحل الكمال.
   فالضمير بحاجة الى الكثير من التربية والرعاية والتعرف على الكثير من المصاديق المتنوعة الحسنة ومنها والسيئة ، ليكون اداة ناجحة في ضبط سلوكية الإنسان في مسير حياته اليومية.
   وهذا يتطلب نقل التعاليم الدينية والأخلاقية النبيلة الى الأطفال لتحتل موقعها المناسب في صياغة شخصيته وبلورة أفكاره.

فوائد تربية الضمير
   ولكن قد يتساءل البعض عن جدوى تربية الضمير فنجيبهم بالقول ان من جملة فوائده أنه يهب الإنسان القدرة على الصمود ومواجهة العواصف والأحداث التي قد تكون احياناً على درجة القسوة بحيث يضطر الإنسان الى اليأس والإستسلام أمامها اما اذا كان ضمير الإنسان على درجة من الوعي والتربية فستكون له القدرة على مواجهة امثال هذه الانحرافات.
   فالضمير هو الذي يأخذ بأيدينا عند اشتداد الأزمات وعندما تعصف رياح المعاصي والذنوب وتتعالى أمواج الجرائم في بحر الزمن الهادر ، ولا يتركنا ننهار او نسقط دينياً واخلاقياً.
   حينما يقوى الضمير في وجود الإنسان يبعث فيه حالة الشوق ، يجد فيه ضالته من هدوء وسكينة واستقرار.
   ولا نستغرب لو فهمنا ان انواع الايثار

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 163 ـ

   والتضحية والبذل والعطاء تنبثق كلها اساساً من التربية الصحيحة للضمائر الانسانية.
   فكل التصرفات الحميدة والسجايا الفاضلة ومظاهر الإرتياح لخدمة الآخرين وغيرها من الاعمال النبيلة التي تصدر عن ارادة الإنسان واختياره ، منبثقة اساساً من الضمائر التي حصلت على التربية العالية ولها جذور ضاربة في اعماق وجودنا وهي التي تفتح امام الإنسان سبيل النضوج والكمال.

الحصيلة المستمدة من تربية الضمير
   اما المحصلة النهائية التي نجنيها من تربية الضمير فهي ايصال الإنسان الى مرحلة الكمال التي تعود بدورها على الفرد والمجتمع بالخير والسعادة.
   ففي ظل تربية الضمير يتكون لدى الإنسان جهاز سيطرة يراقب جميع مواقفه وتصرفاته ، ويصبح خاضعاً للمقاييس التي يقرها هذا الجهاز.
   يمكن القول بشكل عام إن حركات الانسان اذا كانت متجهة وفق مسار الضمير فهي تصب في قالب مثالي .
   تؤثر هذه الحركات في شخصية الإنسان فتكون نتائجها الايجابية لما فيه خير وصلاح المجتمع.
   ان الذين يعملون على حرمان الآخرين من التمتع بمياهج الحياة اما ان تكون ضمائرهم منحرفة او هي سائرة نحو الانحراف.
   إن مشاعر القبح والجمال المتأصلة في نفوسنا تعتبر اداة فعالة لصيانتنا من الخطر ، ووجودها يعني وجود مفهوم القبح والجمال في المجتمع وعدم ضياع وفناء شخصية الإنسان.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 164 ـ

إمكانية تربية الضمير
   هل بالامكان تربية الضمير ام لا ؟ ومن حسن الحظ ان الأجابة على هذا التساؤل ايجابية.
   إذ بامكاننا النفوذ الى اعماق الأشخاص عن طريق التربية وتوجيههم نحو الغاية المطلوبة ، ولا ينحصر هذا في نطاق شخص معين ولايرتبط بفئة او جماعة من الناس دون سواها.
   لقد اثبتت التجارب اليومية بأن الضمائر قابلة للبناء ، كما هي قابلة للتلوث والخدر والموت.
   هناك الكثير من الناس كانت لديهم ضمائر حية لكن اصرارهم على مواصلة ارتكاب المعاصي قد اوقعهم في الانحراف حتى يمكن القول أنهم ابتعدوا عن معنى الانسانية.
   وعلى العكس من ذلك يوجد الكثير من الأشخاص الذين قضوا اعمارهم في ارتكاب الذنوب والمعاصي لكنهم عادوا الى رشدهم وانتهجوا طريق الخير والصلاح نتيجة تأثرهم بتعاليم الأنبياء والصالحين.

السن المناسبة لتربية الضمير
   أما حول السن المناسبة لتربية الضمير ، والمراحل التي تتوفر لنا فيها الظروف المثلى لإنجاح هذه العملية ، فيمكن القول إنها ممكنة في كل الأعمار ، إلا أن الضمائر أكثر ماتكون حية ومتيقظة عند الأطفال.
   ويمكن ملاحظة مظاهر هذه التيقظ في استغرابهم من وقوع الجرائم والأفعال القبيحة أو الانحرافات ، واستنكارهم لها وعدم استساغتهم لهاعلى اعتبار

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 165 ـ

   انها تتعارض وإرادة الضمير.
   يبدأ الطفل منذ سن ( 5/2 ) عاماً بمعارضة كل سلوك يتعارض فطرياً مع توجهات الضمير ، ولا تخلو مثل هذه المعارضة وبهذا ـ المعيار بالذات ـ من فائدة لأنها تضمن الإتزان الداخلي والنفسي للطفل.
   فالطفل حينما يصل الى مرحلة الإستنباط وتنضج لديه قوة الخيال يبدأ بإدراك المسائل وتتكون لديه حساسية إزاءها ورغبة في الحكم عليها.
   فإن كانت تربية الضمير تامة في هذه المرحلة ـ وهي مرحلة حياته الأولية ـ فلن نواجه صعوبات كبيرة في توجيه الطفل ، ويتجدد ظهور حالة اليقظة هذه في مرحلة المراهقة.

في سبيل تربية الضمير
   تجدر الإشارة هنا الى ان ضمير الطفل أكثر مرونة من ضمير كبار السن ، وسريعاً مايسلم القياد للتغيير ، فقد تفرض احياناً على الطفل مسألة يرفضها ضميره ، ونطلب منه قبولها بأساليب اللين أو الخشونة ، فالملاحظ ان الطفل لايبدي أي تحد أو عناد بل يستسلم سريعاً رغم عدم اقتناعه.
   ويعود سبب هذه الظاهرة الى أن سلوك الأطفال في السنوات الأولى لم يتبلور بعد ولم يأخذ شكله النهائي ، وليس له القدرة على الإعتماد على نفسه ، بل لازال مرتبطاً بوالديه ومربيه.
   ولهذا يجب الأنتباه الى أهمية هذه المرحلة وما يتصف به الطفل من المرونة ، وخاصة بسبب ضرورة صياغة ضميره وتربيته وتوجيهه بالشكل الذي لايجلب عليه أي وبال في المستقبل.
   وهنالك أيضاً أصول ومبادئ يجب مراعاتها في سبيل تربية

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 166 ـ

   الضمير ، وأهمها.
  1 ـ التعليم : يولد الطفل وهو مزود بكل ما تستلزمه طبيعة الحياة الإنسانية ، وله إلمام عام بكل ما هو قبيح وجميل ويسعى الى مراعاتها وتطبيقها في حياته العملية ، الا انه لايعرف جميع المصاديق التفصيلية وخاصة في ما يتعلق بالقبيح وبالجميل عرفياً واجتماعياً.
   وهذا ما يستدعي توجيه قسم من جهود المربين الى تعليمه وبيان المصاديق العلمية له في فترة الطفولة وتشجيعه على الأعمال الحميدة ونهيه عن كل ما يسيء إلى شخصية الإنسان ، بالإضافة الى تعليمه في هذه المرحلة المصاديق المعقولة والعملية لمفاهيم الحسن والقبح.
  2 ـ طرح القدوة : ذكرنا مراراً في بحوثنا المختلفة بأن سلوكنا اليومي درس يتعلم منه الأطفال كيفية مواجهة أمور الحياة ، ولا سيما إذا أخذنا بنظر الإعتبار قدرتهم العالية على التقليد. فكل ما تشهده ابصارهم على مسرح الحياة ينطبع في ضمائرهم ويؤثر فيهم. فيتخذ حكمهم على مجريات الحياة وموقفهم منها تدريجياً ـ نفس الصورة التي طرحتموها له من خلال سلوككم ومواقفكم.
   وبالنتيجة أنتم الذين تتحملون الإنعكاسات الجميلة أو القبيحة التي يفرزها ضمير الطفل والتي كان قد أخذها عنكم أساساً.
  3 ـ التربية الأخلاقية : تكمن أهمية التربية الأخلاقية في أنها تطبع الضمير الإنساني بطابعها الذاتي ، ولايمكن الإكتفاء في هذا المجال بالنصح وحده ، أو إقناع أنفسنا بأننا قلنا للطفل كرة واحدة وكفى ، لا ، ذلك وحده لا

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 167 ـ

   يكفي .
   فالأطفال بحاجة الى النصح مرة واحدة ومرات عديدة الى ان تتكون لديهم الملكة الكافية فتصبح السجايا الحميدة عادة مغروسة فيهم ، وهو مايؤدي بالنتيجة الى أن تطبع ضمائرهم بنفس تلك الصفة.
   إن فطرة الطفل مطلعة على كليات الأمور ، اما المصاديق الأخلاقية فيجب عليكم تعليمها له وحثه على الإلتزام بها .
  4 ـ الإستفادة من القصص : هنالك الكثير من القصص المفيدة ذات المغزى العميق ، وسردها للأطفال يفيد في توجيههم نحو الخير والفضائل.
   وبامكاننا تربية ضمير الطفل بالصورة المطلوبة عن طريق ذكر القصص المعبرة ، وتنمية ضميره على المبادئ الفطرية.
   ويجب أن تختاروا للقصة البطل المثالى الذي يجسد للطفل بوضوح مفاهيم الخير والشر والجمال والقبح ليميز من خلاله بين طريق النجاة وطريق الهلاك.
  5 ـ الاستفادة من اللعب : تمثل الألعاب أحياناً أداة جيدة لدفع الطفل الى إصدار الأحكام ، وبيان وجهة نظره في كل ما هو صالح او طالح .
   وهنا أخاطب الآباء والأمهات والمربين بضرورة اختيار الألعاب التي تؤمن أيقاظ ضمير الطفل وتوجيهه الى أقوم السبل ، استثمروا كل لعبة لإثارة مشاعره النفسية.
   علموه كل ما هو جميل وكل ما هو قبيح ، الفتوا نظره الى كل عمل فاضل والى كل صفة رذيلة ، وما هو الموقف الذي يجب عليه اتخاذه في مختلف الأحوال والظروف.
  6 ـ الإستفادة من أسلوبي الوعظ والتشجيع : تمر علينا الكثير من

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 168 ـ

   الموارد التي تفرض علينا توجيه النصح والإرشاد لأبنائنا .
   وأن لا نبخل عليهم بالمدح والثناء عند القيام بعمل صالح ليكون ذلك تشجيعاً لهم على الإكثار منه ، نعاجله بالنصح والموعظة عند بروز أي خطأ في سلوكه لنردعه عن تكراره .
   ولهذا التصرف أثره البالغ في نفسية الطفل، لأن من طبيعة الأطفال التاثر بالوعظ والإرشاد والتشجيع.
  7 ـ الحث على التفكير والتأمل : يمكن أن يكون التفكير مدعاة لزوال التناقضات الداخلية في النفس ، وفي وسع الانسان أن يصل بالتأمل الى إدراك ماهية الضوابط الشرعية والوجدانية ، والتعرف على ما يرتضيه الضمير.
   ان التفكير في شؤون الحياة ينأى بضمير الانسان عما يشوه جوهره الناصح ، وبميسور ابن آدم أن يخطو على الطريق الذي يصون مصلحته ومصالح الأخرين ولايضع قدماً في مسير يخالف الفطرة.
  8 ـ الحث على التمرين والتجربة : كلما تقدم الإنسان في السن ، كثرت الأحداث والتجارب التي تصقل شخصيته ، وتزيد من وعيه ومعلوماته الضرورية لتكامل شخصيته ، فالوعي العملي بما يجري ، ولمسه للحقائق والوقائع يجعله في موضع الحكم على الأمور وابداء رأيه فيها ، فيدرك عملياً ان الكذب مذموم والصدق ممدوح وإيجابي ، ونفس هذا الوعي يحدد الأصول والضوابط التي يسير الضمير وفقاً لها.
   فالعبادة ـ وأن كانت في مرحلة الطفولة ـ والوعظ والدعاء والإرشاد والتوجيه هي من المقومات المهمة في بناء الضمير وتوجيه الإنسان نحو

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 169 ـ

   طريق الصلاح.
   فالضرورة توجب فرض رقابة مشددة على السلوك لصيانة الضمير من خطر الإنحراف ، لأن الإنسان يواجه في حياته شتى الظروف التي قد تغريه او تفرض عليه العدول عن مساره ، فقد يندفع في موقف ما الى التذلل والتملق وصولاً الى تحقيق رغبة أو نجاح موهوم ، وقد يتسع مثل هذا الإنحراف إن لم تكن هناك رقابة من قبل المربي.

تحصين الضمير
   أشرنا في ما مضى الى أن الضمير عرضة لكثير من عوامل الإنحراف والتلوث ، حتى أنه قد يكون ـ لا سمح الله ـ سبباً لتسهيل موجبات إنحطاط الإنسان واكثرها ما تصدق هذه الحقيقة على الأطفال والصبيان لكون ضمائرهم غضة ومرنة ، وسريعة الإستثارة وشديدة التأثر.
   وهذا ما يستلزم صيانة الضمير وتحصينه ضد أي خطر يهدده ، وتقويته بمنطق الحق والقول الصائب ، والمحافظة عليه من كل دواعي التسافل كالعين والأذن واعضاء البدن الأخرى ، فالحواس هي النوافذ التي تطل منهاعلى العالم الخارجي.
   ويحصل تلوث الضمير عادة عن طريق الممارسات الخاطئة الصادرة عن الحواس.
   ومن الواضح ان اهمال هذه المبادئ غالبا ما تتبعه مخاطر كثيرة من قبيل تنشئة اشخاص لايجلبون لأنفسهم ولمجتمعهم سوى التعاسة.

العوامل المؤثرة في تنشيط عمل الضمير
   هنالك عوامل كثيرة تدخل في تنمية وتربية الضمير ـ ذكرنا أهمها في البحث المتقدم ـ وبقيت هنا حالة أخرى يجب الإشارة اليها وهي ضرورة

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 170 ـ

   توجيه الأسئلة المختلفة الى الطفل في المواقف التي يمر بها في حالة الإنفعالات العاطفية الشديدة كالفرح او الحزن ومعرفة آرائه وأحكامه بشأن القضية التي نريد الإستفسار عنها.
   وعلى المربى أن يلتفت الى ضرورة طرح الأسئلة عليه واستحصال رأيه بشكل غير مباشر ووفقاً للأسس التي يرتضيها الدين.
   ولا يخفى هنا ما لدور المعلمين والمربين من أهمية ولا سيما دور الوالدين في الصغر ودور الأصدقاء والزملاء في مرحلة الصبا.
   فهم يمتلكون الكثير من عوامل التأثير في خمود الضمير او إحيائه.

ضرورة أبقاء الضمير حياً
   إن الابقاء على الضمير حياً مهم في جميع مراحل الحياة، ولابد من الإنتباه الى عدم تخديره أو موته .
   فمن العوامل التي تخدر الضمير ، مشاهدة الأوضاع والمواقف المتكررة ، ومعاشرة الأشخاص الذين لايبدون أي اهتمام لمختلف الأحداث اليومية وينظرون اليها نظرة باهتة خالية من أية مشاعر أو احاسيس ، ويمرون عليها مروراً عابراً.
   إن حيوية الضمير تتحقق في ظل مسألتين : الأولى هي التعاليم الدينية ، والثانية توجيه العقل والسيطرة عليه، وإلا فلن يتحقق لنا إحياء الضمير ، بل ويحتمل أن يغلب عليه الهوى فتتعرض حياة الإنسان للكدورة والإضطراب.
   وهذا ما يتطلب وجود رقابة دائمة للإبقاء على نور الضمير مضيئاً كي لا تطفئه عواصف الأحداث والوقائع.
   ولا جدال في أن الدوافع الدينية تعد من الجوانب المهمة في إحيائه ولأخلاق المربي وسلوكه الحميد دورها أيضاً

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 171 ـ

   في الإبقاء عليه يقظاً وبعيداً عن تأثيرات عوامل التخدير.

الإنسجام بين أبعاد الشخصية
   من العوامل الأخرى المساهمة في شل الضمير عن الفاعلية هي الأسباب التي تؤدي الى انفصام الشخصية الانسانية ، وتتمثل مشكلتنا في بعض الحالات بانعدام التناسق بين جوانب وجودنا المختلفة.
   ولهذا يجب تسليط جهود المربي على ايجاد الإنسجام بين سلوك الشخص وضميره ، فلا ينطق لسانه الا بما يرضاه ضميره ، ولاتقوم اليد بعمل الا بما يقبله الضمير ولاتشهد العين والأذن الا بما يحكم به الضمير.
   ولا يتاح لنا بلوغ هذه الغاية الا من خلال تنبيه المسيء الى إساءته.
   فأن صدرت الإساءة من يده نذكره بأن عمله هذا يعد سرقة ومن غير الجائز له التطاول على ما ليس له ـ وأخيراً اذا وجدناه لا يصون عينه عن النظر الى المشاهد المستهجنة ، فلابد من تنبيهه الى هذا التصرف الخاطىء.

توجيه الضمير
   ذكرنا سابقاً امكانية تعرض الضمير للخطأ والإنحراف والوقوع في مهاوي العبودية والذل.
   وربما يحجب نور الضمير بستار سميك لا يتيح المجال امام الانسان لكي يلتمس طريقه بوضوح .
   ومن المحتمل أن يقع الضمير في شراك الضلال فلايعود قادراً على تمييز الخير من الشر.
   لا مناص في اشباه هذه الحالات من توجيه الضمير وتسديد مساره في كل الأحوال والظروف بحيث يبقى سائراً في ذلك السبيل الذي يدرك فيه

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 172 ـ

   جمال الفعل وقبحه ، وفي ذلك الطريق الذي يعلم فيه الى أية جهة تسوقه إرادته.
   إن توجيه الضمير يستنقذ الإنسان من أغلال الذل والعبودية ، ولايدع المساوئ تستحوذ عليه ، وقد نقوم بعملية التوجيه هذه ، او قد تتم بيد الآخرين ولكن يجب السعي في كل الأحوال للمحافظة على سلامة هذا المعيار بعيداً عن اي لون من ألوان الضلال والإنحراف ، ومن البديهي أن الطفل سيقوم فيما بعد بتوفير متطلبات التوجيه بنفسه حين يصبح في مرحلة جديدة من الفهم والنضوج.

مراقبة الضمير
   على الرغم من كون الضمير نفسه معياراً وملاكاً ، الا انه يجب ان يخضع لملاكات ومعايير أخرى وهي تعاليم الانبياء والضمائر السليمة والمعصومة.
   وفي هذا النوع من الوقابة يمكن أولاً أن يطلب من الشخص أن يقيم وينقد سلوكه وكلامه بنفسه ويصدر بشأنها الحكم الصحيح.
   وباستطاعتنا ثانياً مطابقة فعله وقوله مع كلام الله والقيم الدينية ليميز الخطأ من الصواب.
   كما أنه لو إنعدمت مثل هذه الرقابة الضرورية لإنحدر الإنسان في مهاوي الحيوانية ولإنغلقت أمامه سبل السعادة، فالاشخاص الذين تكدرت ضمائرهم أو ضلت عن جادة الصواب وتاثرت بأهواء الأنانية والذاتية لا يتيسرلهم إدراك حقيقة الامور ويبقون عاجزين عن اختيار السبيل الأقوم، ويتضح مما سبق أن التأمل في الأمور وفي الأبعاد السلوكية يحافظ على سلامة الضمير ، ويقف حائلاً دون هدر كرامة الإنسان أو إنزلاقه في مهاوي

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 173 ـ

   الرذيلة.

الاستحسان والتشجيع
   وكما ذكرنا سابقاً فإن للإستحسان والتشجيع دوراً كبيراً في تثبيت الأبعاد الفطرية والوجدانية عند الإنسان.
   فنحن عندما نشجع طفلاً على العمل الصحيح الذي يقوم به إنما نفهمه في الحقيقة بأن ضميره لم يحد عن جادة الصواب ، ومن الطبيعي أن البهجة والانشراح المتأتيتين من هذا التشجيع تحثانه على مواصلة القيام بمثل ذلك العمل ، حتى وان كان هو الحصول على التكريم.
   ولابد لنا من الإشارة هنا الى أن مهما كان التهديد والعقاب مجديين في بلوغ هذه الغاية يبقى دور التشجيع أهم وأكبر.
   ولايخفى ان كلما كانت صورة التكريم تحظى باحترام ومحبة أكثر في نفس الشخص ، كان دورها في توجيهه أهم وأكثر ، حتى أن الأشخاص الذي يحترمهم الطفل يمكن ان يكونوا سبباً لإلتزامه والسيطرة على كثير من تصرفاته .
   وتجدر الإشارة كذلك الى أهمية دور الوالدين والمربين في توجيه الطفل وذلك من خلال التزامهم الشخصي بما يراد للطفل أن يلتزم به.

التنبيه والإنذار
   ويمكن ايضاً الاستفادة من التنبيه والإنذار في سبيل ارشاد الطفل والسيطرة عليه وتوجيه ضميره للسير ضمن الإطار المدروس ، ويتمثل ذلك في الانذار الصادر من الأبوين ، أو توبيخهم له في حالات الإنحراف.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 174 ـ

   وهنالك اساليب أخرى أيضاً لها تأثير في هذا الصدد من امثال الإيحاء والتلقين والاستفادة من العواطف والمشاعر ، وتنبيه الطفل في حالة ارتكابه لأي خطأ .
   ويقوم اساس التربية على محور تنبيه الطفل حال بروز أي خطأ منه وعدم السماح بتأصل التصرفات القبيحة في نفسه حتى تتحول الى عادة مستفحلة لديه ، فهو لايعرف في كل الظروف هل ان كل عمل يقوم به صحيح ام خطأ ؟.
   فقد يتصرف تحت تأثير عوامل متعددة ليست كلها صحيحة. فما اكثرالذين يخطئون ويظنون أنهم على صواب ، وتجب الاشارة هنا الى وجوب التزام الابوين بكل ما يحرمانه على الطفل.

التخويف والعقاب
   نضطر في بعض الحالات الى انتهاج اسلوب التخويف والعقاب لتوجيه الطفل وتنبيه الى خطأ عمله ، وخاصة في حالة تكرار الخطأ.
   فالخوف يردع الطفل في المرحلة الأولية عما ينوي القيام به ، ثم يتحول هذا الرادع في ما بعد الى ما يشبه العادة التي تجعله يمتنع ذاتياً عن فعل أية اساءة.
   وهذا الأسلوب ناجح في بلورة الضمير الأخلاقي للطفل وبالصورة التي نبتغيها .
   يستقي الانسان تجاربه عادة من التعاليم والتمارين والتجارب الشخصية ثم تتحول هذه التجارب الى حقائق ثابتة ، ويعد التهديد والعقاب عند المخالفة واحداً من أوجه تلك التجارب.
   ومن الواضح إن ايقاظ الضمير يستدعي تنبيه الطفل وردعه عن تجاوز الأصول والقوانين المتعارفة.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 175 ـ

مبادئ في تربية الضمير
   هناك أربعة مبادئ ينبغي مراعاتها في تربية ضمير الطفل :
  1 ـ تركيز اهتمامه على الجوانب الإيجابية في الحياة من خلال طرح الأسوة الحسنة المقبولة ـ وتوفير مستلزمات تكامل ونمو هذه الجوانب لديه .
  2 ـ منع الطفل من القيام بأي تصرف مستهجن وذلك عن طريق التنبيه والإنذار والردع والتهديد.
  3 ـ حث الطفل على التمرين والتجربة والقيام بكل ما هو محبب لكي يتعود على ممارسة السلوك الحسن والقول والفعل الحميدين.
  4 ـ تقوية قدراته الفكرية ليتاح له التفكير والتأمل كما ينبغي ، ومن البديهي أن الأمر القائم على التفكير يبقى اكثر ثباتاً ودواماً في نفس الفرد.
   ولايمكن مراعاة جميع هذه المبادئ أو تطبيقها عملياً الا بشرط قيام الأبوين والمربين بتربيته على الأمانة والتقوى ، والصدق ، والإخلاص وغيرها من الصفات الحميدة الأخرى وبأسلوب مبني على المحبة والحنان ، وغلق جميع المنافذ التي تؤدي به الى سلوك السبل الإجرامية.