السيد البحراني
  6 ـ السيّد هاشم البحراني ، من مشاهير محدّثي الإمامية ، وكان على جانب عظيم من الجلالة ، يضرب به المثل في الورع والتقوى ، وله تصانيف كثيرة ، منها ( البرهان في تفسير القرآن ) ، توفي سنة 1107 (1) .
  روى هذا المحدّث الجليل في كتابه المذكور طائفة من الأخبار الظاهرة في نقصان القرآن عن العياشي وأمثاله ، لكن تفسيره المذكور يشتمل على أنواع الأخبار وأقسامها ، وكأنّه ـ رحمه الله ـ قصد من تصنيفه جمع الروايات الواردة في تفسير الآيات ووضع كلّ حديثٍ في ذيل الآية التي يناسبها ، بل كانت هذه طريقته في جميع كتبه ، فقد قال المحدّث البحراني ما نصه : ( وقد صنّف كتباً عديدة تشهد بشدة تتبعه وإطلاعه ، إلاّ أنّي لم أقف له على كتاب فتاوى في الأحكام الشرعية بالكلية ولا في مسألة جزئية ، وإنما كتبه مجرّد جمع وتأليف ، ولم يتكلّم في شيء منها مما وقفت عليه على ترجيح في الأقوال أو بحث أو إختيار مذهب وقول في ذلك المجال ، ولا أدري أن ذلك لقصور درجته عن رتبة النظر والإستدلال أم تورّعاً من ذلك ... ) (2) .

تحقيق حول رأي الكليني
  وإن أشهر رواة الأحاديث التي ذكرناها وغيرها وأعظمهم هو الشيخ محمد

--------------------
(1) انظر : لؤلؤة البحرين : 63 ، أمل الآمل 2 : 341 ، الكنى والألقاب 3 : 93 .
(2) لؤلؤة البحرين : 63 .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 138 _

  ابن يعقوب الكليني المتوفى سنة 329 ، روى تلك الأخبار في كتابه ( الكافي ) الذي هوأهم الكتب الأربعة المشهورة بين الشيعة الإمامية .
  لقد كان ـ وما زال ـ التحقيق حول رأي الشيخ الكليني في المسألة موضع الإهتمام بين العلماء والكتّاب ، لما له ولكتابه من مكانة مرموقة متّفق عليها بين المسلمين ، فنسب إليه بعض المحدّثين من الشيعة القول بالتحريف إعتماداً على ظاهر كلامه في خطبة كتابه ( الكافي ) ، ونفي ذلك آخرون ، وحاول بعض الكتّاب القاصرين نسبة القول بذلك إلى الطائفة عامة والتشنيع عليها ـ بزعمه ـ بعد وصف ( الكافي ) بـ ( الصحيح ) لكنها محاولة يائسة كما سنرى .
  لقد تقدّم في الفصل الثاني من هذا البحث ذكر أهم الأخبار التي رواها الكليني في ( الكافي ) وبيّنّا ما في كلّ منها من مواقع النظر أو وجوه الجواب ، بحيث لا يبقى مجال للقول بأنها تدل على تحريف القرآن .
  والتحقيق حول رأي الكليني وما يتعلّق بذلك يتم بالبحث في عدة جهات :

ترجمته وشأن كتابه
  لقد ترجم علماء الشيعة للكليني بكلّ ثناء وإطراء وتعظيم وتفخيم ، فقد قال أبو العباس النجاشي : ( شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم ، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني ، يسمى ( الكافي ) في عشرين سنة ) (1) وقال الشيخ الطوسي : ( عالم بالأخبار ، له كتاب (2)

--------------------
(1) رجال النجاشي : 266 .
(2) الفهرست للطوسي : 161 .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 139 _
  ( الكافي ) يشتمل على ثلاثين كتاباً ) (1) وقال المامقاني : ( أمر محمد بن يعقوب في العلم والفقه والحديث والثقة والورع وجلالة الشأن وعظيم القدر وعلوّ المنزلة وسموّ المرتبة أشهر من أن يحيط به قلم ويستوفيه رقم ) (2) .
  وقال الشيخ بهاء الدين العاملي في ( الوجيزة ) : ( ولجلالة شأنه عدّه جماعة من علماء العامة كابن الأثير في كتاب جامع الاصول من المجددين لمذهب الإمامية على رأس المائة الثالثة ، بعد ما ذكر أن سيدنا وإمامنا أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السّلام هو المجدّد لهذا المذهب على رأس المائة الثانية ) .
  أما كتابه ( الكافي ) فهو أهم كتب الشيعة الإثني عشرية وأجلّها وأعظمها في الاصول والفروع والمعارف الإسلامية ، وإليه يرجع الفقيه في استنباطه للأحكام الشرعية ، وعليه يعتمد المحدّث في نقله للأخبار والأحاديث الدينية ، ومنه يأخذ الواعظ في ترهيبه وترغيبه .
  إلاّ أنّه تقرر لدى علماء الطائفة ـ حتى جماعة من كبار الأخباريين ـ لزوم النظر في سند كلّ خبر يراد الأخذ به في الاصول والفروع ، إذ ليست أخبار الكتب الأربعة ـ وأوّلها الكافي ـ مقطوعة الصدور عن المعصومين ، بل في أسانيدها رجال ضعّفهم علماء الفن ولم يثقوا برواياتهم ، ومن هنا قسّموا أخبار الكتب إلى الأقسام المعروفة ، واتّفقوا على اعتبار ( الصحيح ) وذهب أكثرهم إلى حجّية ( الموثّق ) وتوقف بعضهم في العمل بـ ( الحسن ) . وأجمعوا على وجود الأخبار ( الضعيفة ) في الكتب الأربعة المعروفة ، وقد ذكرنا هذه الحقيقة في الامور الأربعة ببعض التفصيل .

--------------------
(1) معالم العلماء : 154 .
(2) تنقيح المقال 3 : 201 .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 140_
  ونزيد تأكيداً هنا بذكر مثالين أحدهما : أنّ الكليني روى في ( الكافي ) أن يوم ولادة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأوّل ـ ولذا نسب إليه القول بذلك ـ ولم يوافقه احد من علماء الشيعة عليه فيما نعلم ، بل ذهبوا إلى أنّه اليوم السابع عشر منه ، والثاني : أنّ الكليني روى في ( الكافي ) كتاب ( الحسن بن العباس بن حريش ) في فضل ( إنّا أنزلناه في ليلة القدر ) وقد ضعف الشيخ أبو العباس النجاشي والشيخ ابن الغضائري وغيرهما الرجل وذمّوا كتابه المذكور (1) .
  وسواء صح ما ذكروا أو لم يصح فإنّ الغرض من ذكر هذا المطلب هو التمثيل لما ذكرناه من رأي أكابر العلماء في روايات الكليني .
  وعلى الجملة ، فإنّه ليست أخبار ( الكافي ) كلها بصحيحةٍ عند الشيعة حتى يصح إطلاق عنوان ( الصحيح ) عليه ، بل فيها الصحيح والضعيف وإن كان ( الصحيح ) قد لا يعمل به ، و ( الضعيف ) قد يعتمد عليه ، كما هو معلوم عند أهل العلم والتحقيق ... وهذه هي نتيجة البحث في هذه الجهة .

هل الكليني ملتزم بالصحّة ؟
  قد ينسب الى الكليني القول بتحريف القرآن بدعوى اعتقاده بصدور ما رواه عن المعصومين عليهم السّلام ، لكن هذه الدعوى غير تامّه فالنسبة غير صحيحة ، إذ أن الكليني لم ينصّ في كتابه على اعتقاده بذلك أصلاً ، بل ظاهر كلامه يفيد عدم جزمه به ، وإليك نصّ عبارته في المقدّمة حيث قال : فاعلم يا أخي ـ

--------------------
(1) انظر تنقيح المقال 1 : 286 .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 141 _
  أرشدك الله ـ أنّه لا يسع أحداً تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السّلام برأيه إلاّ على ما أطلقه العالم عليه السلام بقوله : أعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه ، وقوله عليه السلام : دعوا ما وافق القوم ، فإنّ الرشد في خلافهم ، وقوله عليه السلام : خذوا بالمجمع عليه ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه .
  ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلاّ أقلّه ، ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليه السلام ، وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله عليه السلام : بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم .
  وقد يسّر الله ـ وله الحمد ـ تأليف ما سألت ، وأرجو أن يكون بحيث توخيت ) وأشار بقوله هذا الأخير إلى قوله سابقاً :
  ( وقلت : إنك تحبّ أن يكون عندك كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين ) .
  هذا كلامه ـ يرحمه الله ـ وليس فيه ما يفيد ذلك ، لأنه لو كان يعتقد بصدور جميع أحاديثه ـ لما أشار في كلامه إلى القاعدة التي قررها أئمة أهل البيت عليهم السلام لعلاج الأحاديث المتعارضة ، وهي عرض الأحاديث على الكتاب والسنّة ، كما أشرنا إلى ذلك من قبل .
  واستشهاده ـ رحمه الله ـ بالرواية القائلة بلزوم الأخذ بالمشهور بين الأصحاب عند التعارض دليل واضح على ذلك ، إذ هذا لا يجتمع مع الجزم بصدور الطرفين عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أو الامام عليه السّلام .
  وقوله ـ رحمه الله ـ بعد ذلك : ( ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلاّ أقله ، ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليه السّلام ) ظاهر في

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 142 _
  عدم جزمه بصدور أحاديث كتابه عن المعصوم عليه السّلام .
  نعم قد يقال : إنّ أحاديث ( الكافي ) إن لم تكن قطعية الصدور فلا أقل من صحتها إسناداً ، ذلك لأنّ مؤلّفه قد شهد ـ نتيجة بذله غاية ما وسعه من الجهد في التحري والإحتياط ـ بصحّة جميع أحاديث كتابه حيث قال في المقدمة : ( وقلت : إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلّم ، ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السّلام ، والسنن القائمة التي عليها السلام العمل وبها يؤدّى فرض الله عزّ وجلّ وسنة نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
  فإن ظاهر قوله ( بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السّلام ) إعتقاده بصحّة ما أورده في كتابه .
  ولكنّ هذا ـ بغض النظر عما قالوا فيه (1) ـ لا يستلزم وثوق الشيخ الكليني بدلالة كلّ حديث موجود في كتاب حتى ينسيب إليه ـ بالقطع واليقين ـ القول بمداليل جميع رواياته ، ويؤكد هذا قوله : ( ونحن لا نعرف من جميع ذلك ) بل ويؤكّده أيضاً ملاحظة بعض أحاديثه .
  توضيح ذلك : أنّه ـ رحمة الله ـ روى ـ مثلاً ـ أحاديث في كتاب الحج من فروعه تفيد أنّ الذبيح كان ( إسحاق ) لا ( إسماعيل ) ، ومن تلك الأحاديث ما رواه عن أحدهما عليهما السلام : ( وحج إبراهيم عليه السّلام هو وأهله وولده ، فمن زعم أن الذبيح هو إسحاق فمن هاهنا كان ذبحه ) .

--------------------
(1) مفاتيح الاصول ، معجم رجال الحديث ، وغيرهما ، وقد جاء في المفاتيح : 332 عن المحدث الجزائري وغيره التصريح بأنّه ليس في كلام الكليني ما يدلّ على حكمه بصحة أحاديث كتابه .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 143 _
   قال الكليني : ( وذكر عن أبي بصير أنّه سمع أبا جعفر وأبا عبدالله عليهما السّلام يزعمان أنّه إسحاق ، فأمّا زرارة فزعم أنّه إسماعيل ) (1) .
  قال المحدّث المجلسي : ( وغرضه ـ رحمة الله ـ من هذا الكلام رفع الإستبعاد عن كون إسحاق ذبيحاً ، بأنّ إسحاق كان بالشام والذي كان بمكة إسماعيل ، فكون إسحاق ذبيحاً مستبعد .
  فدفع هذا الإستبعاد بأنّ الخبر يدلّ على أن ابراهيم عليه السّلام قد حجّ مع أهله وولده ، فيمكن أن يكون الأمر بذبح إسحاق في هذا الوقت ) (2) .
  وروى ـ رحمه الله ـ في خبر طويل عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السّلام :
  ( ... قال : فلما قضت مناسكها فرقت أن يكون قد نزل في ابنها شيء ، فكأني أنظر إليها مسرعة في الوادي واضعة يدها على رأسها وهي يقول : رب لا تؤاخذ بما عملت بامّ إسماعيل .
  قال : فلما جاءت سارة فأخبرت الخبر قامت الى إبنها تنظر فإذا أثر السكين خدوشاً في حلقه ، ففزعت واشتكت ، وكان بدء مرضها الذي هلكت فيه ) (3) .
  قال المحدّث الفيض الكاشاني هنا : ( يستفاد من الخبر أن الذبيح إسحاق ، لأن سارة كانت أمّ إسحاق دون إسماعيل ، ولقولها : لا تؤاخذني ... ) (4) .
  وروى ـ رحمة الله ـ في باب المشيئة والإرادة من كتاب التوحيد عن أبي

--------------------
(1) الكافي 4 : 205 ـ 206 .
(2) مرآة العقول 3 : 256 ، بحار الأنوار 12 : 135 .
(3) الكافي 4 : 208 ـ 209 .
(4) الوافي 1 : 548 .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 144 _
  الحسن عليه السّلام في حديث قوله : ( وامر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه ، ولو شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله تعالى ) (1) .
  قال السيد الطباطبائي في حاشية : ( وهو خلاف ما تضافرت عليه أخبار الشيعة ) .
  فهل هذا الأحاديث صحيحة في رأي الشيخ الكليني ؟ وإذا كانت صحيحة ـ بمعنى الثقة بالصدور ـ فهل يثق ويعتقد بما دلّت عليه من كون الذبيح إسحاق ؟ وإذا كان كذلك فماذا يفعل بالأحاديث التي رواها وهي دالة على كونه إسماعيل ؟ وهب أنّه من المتوقّفين في المقام ـ كما قال المجلسي في نهاية الأمر ـ فهل يلتئم هذا مع الإلتزام بالصحّة في كلّ الأحاديث ؟
  ونتيجة البحث في هذه الجهة : عدم تمامية نسبة القول بالتحريف إلى الكليني إستناداً إلى عبارته في صدر ( الكافي ) .

جواز نسبة القول بعدم التحريف إليه
  وبعد ، فإن من الجائز نسبة القول بعدم التحريف إلى الشيخ الكليني رحمه الله لعدة وجوه :
  1 ـ إنّه كما روى ما ظاهره التحريف فقد روى ما يفيد عدم التحريف بمعنى الإسقاط في الألفاظ ، وهو ما كتبه الإمام عليه السّلام إلى سعد الخير ( وكان من نبذهم الكتاب أن اقاموا حروفه وحرّفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه ، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية ) الحديث . وقد

--------------------
(1) الكافي 1 : 151 .


التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 145 _
  استدلّ به الفيض الكاشاني على أنّ المراد من أخبار التحريف هو تحريف المعاني دون الألفاظ ، فيكون هذا الخبر قرينة على المراد من تلك الأخبار . ولو فرضنا التعارض كان مقتضى عرض الخبرين المعارضين على الكتاب ـ عملاً بالقاعدة التي ذكرها الكليني ، ولزوم الأخذ بالمشهور كما ذكر أيضاً ـ هو القول بعدم وقوع التحريف في القرآن .
  2 ـ إنّ عمدة روايات الكليني الظاهرة في التحريف تنقسم إلى قسمين :
  الأول ـ ما يفيد اختلاف قراءة الأئمة مع القراءة المشهورة .
  الثاني ـ ما ظاهره سقوط أسماء الأئمة ونحو ذلك .
  أما القسم الأول فخارج عن بحثنا .
  وأما القسم الثاني ـ فمع غض النظر عن الأسانيد ـ فكلّه تأويل من أهل البيت عليهم السلام ، والتأويل لا ينافي التفسير ، وإرادة معنى لا تضاد إرادة معنى آخر ، وقد روى الكليني ما هو صريح في هذا الباب عن الصادق عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ : ( الّذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) : ( إنّها نزلت في رحم آل محمد ، وقد يكون في قرابتك ـ ثم قال ـ ولا تكوننّ ممن يقول في الشيء أنّه في شيء واحد ) .
  ومقتضى القواعد التي ذكرها الكليني أن لا يؤخذ بظواهر الأخبار من القسم الثاني .
  3 ـ إنّ كلمات الأعلام والأئمة العظام من الشيعة الإمامية ـ كالصدوق والمفيد والمرتضى والطبرسي ـ الصريحة في أن المذهب هو عدم التحريف ، وان القائلين بالتحريف شذاذ من ( الحشوية ) تقتضي أن لا يكون الكليني قائلاً بالتحريف ، لا سيمّا كلام الصدوق الصريح في ( أن من نسب إلينا ... فهو كاذب ) .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 146_
  وإلاّ لم يقولوا كذلك ، إذ لم ينسوا شأن الكليني وعظمته في الطائفة .
  4 ـ إنّ دعوى الإجماع من جاعة من أعلام الطائفة ـ كالشيخ جعفر كاشف الغطاء وغيره ـ ترجّع القول بأن الكليني من نفاة التحريف ، وإلاّ لما ادّعوه مع الإلتفات إلى شخصية الكليني .
  5 ـ إنّ الكليني رحمة الله روى الأخبار المفيدة للتحريف في ( باب النوادر ) ، ومن العلوم أنّ النوادر هي الأحاديث الشاذة التي تترك ولا يعمل بها كما نص على ذلك الشيخ المفيد (1) .
  وعن الشيخ في التهذيب بعد حديث لحذيفة : ( إنّه لا يصلح العمل بحديث حذيفة ، لأن متنه لا يوجد في شيء من الأصول المصنّفة بل هو موجود في الشواذ من الأخبار ) .
  ثم إن الشيخ المامقاني بعد أن أثبت الترادف بين ( الشاذ ) و ( النادر ) عرّف الشاذ بقوله : ( وهو على الاظهر الأشهر بين أهل الدراية والحديث هو ما رواه الثقة مخالفاً لما رواه الجماعة ولم يكن له إلاّ إسناد واحد ) (2) .
  فجعله تلك الأحاديث تحت العنوان المذكور يدل على تشكيكه بصحتها وطرحه لها ، قال السيّد محمد تقي الحكيم : ( ولعل روايتها في ( النوادر ) من كتابه دليل تشكيكه بصدورها ورفضه لها ، وكأنّه أشار بذلك لما ورد في المرفوعة من قوله عليه السّلام : دع الشاذ النادر ) (3) .
  وقال السيّد حسين مكي العاملي : ( ولأجل ما هي عليه من الضعف

--------------------
(1) معجم رجال الحديث 1 : 45 ، مقباس الهداية : 45 .
(2) مقباس الهداية : 45 .
(3) الاصول العامّة المقارن : 110 .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 147 _
  وندرتها وشذوذها وغرابتها مضموناً جعلها الإمام الكليني من الأخبار الشاذّة النادرة ، فسطرها تحت عنوان ( باب النوادر ) ، وهذا دليل على أنّه خدش في هذه الأخبار وطعن فيها ولم يعتبرها ، إذ لم يغب عن ذهنه ـ وهو من أكابر أئمة الحديث ـ ما هو معنى النادر الشاذ لغة وفي اصطلاح أهل الحديث .
  فالحديث الشاذ النادر عندنا ، معشر الإمامية الإثني عشرية ، هو الحديث الذي لا يؤخذ به ، إذا عارضه غيره من الروايات المشهورة بين أهل الحديث أو خالف مضموناً ، كتاباً أو سنّة متواترة أو حديثاً مشهوراً بين أهل الحيدث ... ) .
  قال : ( وأما البحث في حكم النادر الشاذ من الأحاديث فهو : أنّه إذا خالف الكتاب والسنّة أو كان صحيحاً في نفسه ، ولكنه معارض برواية أشهر بين الرواة لا يعمل به ، كما قرره علماؤنا ... ) (1) .

--------------------
(1) عقيدة الشيعة في الإمام الصادق عليه السّلام : 165 .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 148 _
  وسلّم بجميع آياته وسوره حتى يصح إطلاق إسم الكتاب عليه ، ولذلك تكرّر ذكر الكتاب في غير واحد من سورة الشريفة .
  كما أنّه يقتضي بقاء القرآن كما كان عليه ـ على عهده صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ إلى يوم القيامة ، لتتمّ به ـ الهداية الأبوية للامة الإسلامية والبشرية جمعاء ، ما داموا متمسكين بهما ، كما ينصّ عليه الحديث الشريف بالفاظه وطرقه ، وإلاّ لزم القول بعدم علمه صلّى الله عليه وآله وسلّم بما سيكون في امته ، أو إخلاله بالنصح التام لأمته ، وهذا لا يقول به أحد من المسلمين .

خاتمة الباب الأول
  لقد استعرضنا في الباب الأول كلّ ما يتعلق بـ ( الشيعة والتحريف ) ، حيث ذكرنا كلمات أعلام الشيعة في نفي التحريف ، وأدلّتهم على ما ذهبوا إليه من الكتاب والسنّة والإجماع وغيرها ، وأجوبتهم عن الروايات الواردة في كتبهم المفيدة بظاهرها لنقصان القرآن ، وعن الشبهات التي قد تثار حوله على ضوء تلك الروايات .
  ولقد لا حظنا أنّ الروايات الموهمة للتحريف منقسمة إلى ما دلّ على اختلاف قراءة أهل البيت مع القرّاء في قراءة بعض الآيات ، وما دلّ على تأويلات لهم لبعضٍ آخر ، وما دلّ على سقوط كذا آية من السورة وكذا آية من تلك .
  أمّا القسم الأوّل فلا ينكر أنّ الأئمة عليهم السلام يختلفون مع القرّاء في قراءة كثير من الآيات والكلمات ، غير أنّهم أمروا شيعتهم بأن قرأوا كما يقرأ الناس ، وهذا القسم خارج عن بحثنا .
  وأما القسم الثاني فإنّه راجع إلى التأويل ، ولا ريب في أن أهل البيت عليهم السّلام أدرى بحقائق القرآن ، معاني آياته من كلّ أحد ، والأدلة على ذلك لا تحصى ، وقد روي عن أبي الطفيل أنّه قال : ( شهدت علياً يقول : سلوني ، والله لا تسألوني إلاّ أخبرتكم ، سلوني عن كتاب الله ، فوالله ما من آية إلاّ وأنا أعلم

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 149 _
  بليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم في جبل ) (1) .
  وعن ابن سعد : ( سمعت علياً يقول : والله ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت ، إنّ ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً ناطقاً ) (2) .
  ولذا رووا عن ابن مسعود أنّه قال : ( ما من حرف إلاّ وله ظهر وبطن ، وإنّ علياً عنده من الظاهر والباطن ) (3) .
  وروى ابن المغازلي : أنّ الذي عنده علم الكتاب هو علي بن أبي طالب عليه السّلام (4) .
  ومتى وردت رواية معتبرة تحكي تأويلاً أو تفسيراً عنهم لآية وجب الآخذ بها ، إمتثالاً لأمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في الأحاديث المتواترة بين المسلمين بالرجوع إليهم والإنقياد لهم والأخذ عنهم والتعلّم منهم .
  وأما القسم الثالث فإنّ ما تمّ منه سنداً نادر جداً ، على أنّ أهل السنّة يشاركون الشيعة في نقل مثل هذه الروايات كما سنرى .
  ومن هنا لا حظنا أنّ أكثر من 90% من علماء الشيعة ـ الذين عليهم الإعتماد وإليهم الإستناد في اصولهم وفروعهم ـ ينفون النقصان عن القرآن نفياً قاطعاً ولم يقل بنقصانه إلاّ أقل من الـ 5% منهم ... وهي آراء شخصيّة لا تمثل رأي الطائفة .
  وتلخّص : أنّ مذهب الشيعة عدم تحريف القرآن بمعنى النقيصة في ألفاظه ،

--------------------
(1) طبقات ابن سعد 2 : 238 ، الاصابة 4 : 503 ، المستدرك 2 : 466 ، الصواعق 1 : 127 ، كنز العمال 6 : 405 ، فيض القدير 3 : 46 ، الرياض النضرة 2 : 188 .
(2) طبقات ابن سعد 2 : 228 ، كنز العمال 6 : 396 ، الصواعق : 12 .
(3) حلية الأولياء 1 : 65 .
(4) المناقب : 314 .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 150 _
  وقد اعترف بذلك الشيخ عبدالعزيز الدهلوي (1) والشيخ رحمة الله الهندي (2) وغيرهما من أعلام أهل السنّة ، وهذا هو الذي ينسب إلى أئمتنا عليهم السّلام وعلى رأسهم أمير المؤمنين الذي قال : ( إنا لم نحكّم الرجال وإنّما حكّمنا القرآن ، وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين الدفتين ، لا ينطق بلسان ولا بدّ له من ترجمان ) .
  فلننظر ما هو رأي غيره عليه السّلام من الصحابة ، وما رأي شيعتهم المنعكس في صحامهم ومسانيدهم وكتبهم المعتبرة ، في الباب الثاني .

--------------------
(1) التحفة الاثنا عشرية : 139 .
(2) إظهار الحق 2 : 89 .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 151_
الباب الثاني
اهل السنّة والتحريف
  وفيه فصول :
  أحاديث التحريف في كتب أهل السنّة
  الرواة لأحاديث التحريف في كتب أهل السنّة
  الاقوال والآراء في أهل السنّة حول التحريف وأحاديثه
  نقد وتمحيص
  مشهوران لا أصل لهما

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 153 _
  مقدّمة
  وإنّ المعروف من مذهب أهل السنّة هو نفي التحريف عن القرآن الشريف ، وبذلك صرّحوا في تفاسيرهم وكتبهم في علوم القرآن والعقائد ، ولا حاجة إلى نقل خصوص كلماتهم .
  لكنّ الواقع : إن أحاديث نقصان القرآن الكريم في كتبهم كثيرة في العدد ، صحيحة في الإسناد ، واضحة الدلالة .
  أمّا الكثرة في العدد ـ والتي اعترف بها بعضهم أيضاً كالآلوسي ـ فلأنها بها ولا نأبه بها من حيث هي مطلقاً ، وإنما المشكلة في صحة هذه الأحاديث ووضوحها في الدلالة ، حتى لو كانت قليلة .
  وذلك : لأنها مخرّجة في الكتب الستّة المعروفة بـ ( الصحاح ) عندهم ، والتي ذهب جمهورهم إلى أنّ جميع ما اخرج فيها مقطوع بصدوره عن النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم ، لا سيمّا كتابي البخاري ومسلم بن الحجّاج النيسابوري ، هذين الكتابين الملقّبين بـ ( الصحيحين ) والمبرّأين عندهم من كلّ شين ، فهي في هذه الكتب ، وفي كتبٍ أخرى تليها في الإعتبار والعظمة يطلقون عليها اسمها ( الصحيح ) واخرى يسمّونها بـ ( المسانيد ) .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 155 _
الفصل الأول
أحاديث التحريف في كتب السنّة

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 157 _
   قد ذكرنا أنّ المعروف من مذهب أهل السنّة هو موافقة الشيعة الإثني عشرية في القول بصيانة القرآن الكريم من التحريف ، فيكون هذا القول هو المتّفق عليه بين المسلمين .
  بل نقل ابن حجر العسقلاني ـ وهو من كبار حفّاظ أهل السنّة ومن أشهر علمائهم المحقّقين في مختلف العلوم ـ أنّ الشريف المرتضى الموسوي ـ وهو أحد أعاظم علماء الشيعة وأئمّتهم في مختلف العلوم كذلك ـ كان يكفّر من يقول بنقصان القرآن .
  وإذا كان المعروف من مذهب أهل السنّة ذلك ، فمن اللازم أن يكونوا قد تأوّلوا أو أعرضوا عمّا جاء في كتبهم من الأحاديث الصريحة بوقوع التحريف وغيره من وجوه الإختلاف في القرآن الكريم ، عن جماعة كبيرة من أعيان الصحابة وكبار التابعين ومشاهير العلماء والمحدّثين .
  والواقع أنّ تلك الأحاديث موجودة في أهمّ أسفار القوم ، وإن شقّ الإعتراف بذلك على بعض كتّابهم ، وهي كثيرة ـ كما اعترف الآلوسي (1) ـ وليست بقليلة كما وصفها الرافعي (2) .
  هذا مضافاً إلى ما دلّ على وقوع الخطأ واللحن في القرآن ، والزيادة فيه ، وتبديل لفظ منه لفظ آخر .

--------------------
(1) روح المعاني 1 : 25 .
(2) إعجاز القرآن : 44 .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 158 _
   ولنذكر نماذج ممّا رووه عن الصحابة في الزيادة والتبديل ، ثمّ ما رووه عنهم في النقيصة ـ وهو موضوع هذا الفصل ـ ثم طرفاً مما نقل عن الصحابة من كلماتهم وأقوالهم في وقوع الخطأ واللحن في القرآن .

الزيادة في القرآن
  فمن الزيادة في القرآن ـ في السور ـ ما اشتهر عن عبدالله بن مسعود وأتباعه من زيادة المعوّذتين ، فقد روى أحمد وغيره عن عبد الرحمن بن يزيد : ( كان عبد الله يحكّ المعوّذتين من مصافحه ، ويقول : إنّهما ليستا من كتاب الله تعالى ) (1) وفي الإتقان : قال ابن حجر في شرح البخاري : ( قد صحّ عن ابن مسعود إنكار ذلك ) (2) .
  ومن الزيادة ـ في ألفاظه ـ : ما رووه عن أبي الدرداء من زيادة ( ما خلق ) في قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى ) (3) ففي البخاري بسنده عن علقمة : ( دخلت في نفر من أصحاب عبدالله الشام ، فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا فقال : أفيكم من يقرأ ؟ فقلنا : نعم ، قال : فأيّكم أقرأ ؟ فأشاروا إليّ فقال : إقرأ ، فقرأت : والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر والانثى ، فقال : أنت سمعتها من فيّ صاحبك ؟ قلت : نعم ، قال : وأنا سمعتها من فيّ النبي وهؤلاء يأبون علينا ) (4) .

--------------------
(1) مسند أحمد 5 : 129 .
(2) الإتقال في علوم القرآن 1 : 271 .
(3) سورة الليل : 3 .
(4) صحيح البخاري 6 : 210 .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 159 _
   وفي رواية مسلم والترمذي : ( أنا والله هكذا سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقرؤها ، وهؤلاء يريدونني أن أقرأها : وما خلق ، فلا أتابعهم ) (1) .

التبديل في الألفاظ
  ومن التغيير والتبديل في ألفاظ القرآن ما رووه عن ابن مسعود أنّه قد غيّر ( إنّي أنا الرزّاق ذو القوّة المتين ) إلى : ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ... ) (2) ففي مسند أحمد وصحيح الترمذي ، بسندهما عنه ، قال ( أقرأني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ( إنّي أنا الرزّاق ذوالقوة المتين ) قال الترمذي : ( هذا حديث حسن صحيح ) (3) .
  وما رووه عن عمر أنّه كان يقرأ : ( فامضوا إلى ذكر الله ) بدل ( فَاسْعَوْا ... ) ففي الدرّ المنثور عن عدّة من الحفّاظ والأئمة أنّهم رووا عن خرشة بن الحرّ ، قال : ( رأى معي عمر بن الخطّاب لوحاً مكتوباً فيه : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله (4) فقال : من أملى عليك هذا ؟ قلت : اُبيّ بن كعب ، قال : إنّ ابيّاً أقرؤنا للمنسوخ ، إقرأها : فامضوا إلى ذكر الله ... ) (5) .

--------------------
(1) صحيح الترمذي 5 : 191 ، صحيح مسلم 1 : 565 .
(2) سورة الذاريات : 58 .
(3) مسند أحمد 1 : 394 ، صحيح الترمذي 5 : 191 .
(4) سورة الجمعة : 9 .
(5) الدرّ المنثور 6 : 219 .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 160 _
أحاديث نقصان القرآن
  وأحاديث نقصان القرآن منها ما يتعلّق بالسور ، ومنها ما يتعلّق بالآيات وأجزائها ، فمن القسم الأول :

الأحاديث الواردة حول نقصان سورة الأحزاب ، ومنها :
  1 ـ ما رواه الحافظ السيوطي ، بقوله : ( أخرج عبد الرزاق في المصنّف ، والطيالسي ، وسعيد بن منصور ، وعبدالله بن أحمد في زوائد المسند ، وابن منيع والنسائي ، والدار قطني في الأفراد ، وابن المنذر ، وابن الأنباري في المصاحف ، والحاكم ـ وصحّحه ـ وابن مردويه ، والضياء في المختارة : عن زرّ ، قال : قال لي اُبيّ بن كعب : كيف تقرأ سورة الأحزاب ـ أو كم تعدّها ـ ؟ ، قلت : ثلاثاً وسبعين آية ، فقال اُبي : قد رأيتها وإنّها لتعادل سورة البقرة وأكثر من سورة البقرة ، ولقد قرأنا فيها : ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتّة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) فرفع منها ما رفع ) (1) .
  وروى المتقي عن زر بن حبيش أيضاً ، قال : ( قال اُبيّ بن كعب : يا زر : كأيّن تقرأ سورة الأحزاب ؟ قلت : ثلاث وسبعين آية ، قال : إن كانت لتضاهي سورة البقرة أو هي أطول من سورة البقرة ... ) (2) .

--------------------
(1) الدرّ المنثور 5 : 179 .
(2) كنز العمّال 2 : 567 .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 161 _
   2 ـ ما رواه الحافظ السيوطي عن عائشة ، أنّها قالت : ( كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ مائتي آية ، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاّ على ما هو الآن ) (1) .
  3 ـ ما رواه الحافظ السيوطي عن البخاري في تأريخه عن حذيفة قال : ( قرأت سورة الأحزاب على النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها ) (2) .
  ويفيد الحديث الأول المنقول عن اُبيّ بن كعب أنّه كان يرى أنّ الآيات غير الموجودة من سورة الأحزاب ـ ومنها آية الرجم ـ كانت ممّا أنزله الله سبحانه على نبيّه ، ومن القرآن حقيقة ، وأنّها كانت تقرء كذلك على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى ( رفع منها ما رفع ) ، فما معنى هذا الرفع ؟ ومتى كان ؟
  وأمّا الحديث الثاني المنقول عن عائشة فيتضمّن الجواب عن هذا السؤال ، فإنّه يفيد أنّ المراد من ( الرفع ) هو ( الإسقاط ) وأنّه كان عندما كتب عثمان المصاحف .

الأحاديث الواردة حول نقصان سورة التوبة ، ومنها :
  1 ـ ما رواه الحافظ السيوطي بقوله : ( أخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط ، وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه ، عن حذيفة ، قال : التي تسمّون سورة التوبة هي سورة العذاب ، والله ما تركت أحداً إلاّ نالت منه ، ولا تقرأون ممّا

--------------------
(1) الإتقان في علوم القرآن 3 : 82 ، الدر المنثور 5 : 180 عن أبي عبيدة في الفضائل وابن الأنباري وابن مردويه .
(2) الدر المنثور 5 : 180 .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 162 _
  كنّا نقرأ إلاّ ربعها ) (1) .
  2 ـ ما رواه السيوطي أيضاً بقوله : ( أخرج أبو الشيخ عن حذيفة ، قال : ما تقرأون ثلثها ) (2) .
  3 ـ ما رواه السيوطي أيضاً بقوله : ( أخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه ، عن سعيد بن جبير ، قال : قلت لابن عباس : سورة التوبة ! قال : التوبة ؟! بل هي الفاضحة ، ما زالت تنزل فيهم حتى ظنّنا أن لن يبقى منا أحد إلاّ ذكر فيها ) (3) .
  4 ـ وروى مثله عن عمر بن الخطاب (4) .
  فسورة التوبة كانت في رأي هؤلاء الأصحاب ـ وهو :
  1 ـ عبدالله بن عباس .
  2 ـ حذيقة بن اليمان .
  3 ـ عمر بن الخطاب .
  أضعاف هذا المقدار الموجود منها .
  وقد روى رأي هؤلاء كبار أئمّة الحديث والحفاظ المشاهير من أهل السنّة ، منهم :
  1 ـ أبو بكر ابن أبي شيبة ، صاحب المصنّف .
  2 ـ الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك الصحيحين .
  3 ـ أبو القاسم الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة : الكبير والأوسط

--------------------
(1) الدرّ المنثور 3 : 208 .
(2) الدّر المنثور 3 : 208 .
(3) الدرّ المنثور 3 : 208 .
(4) الدّر المنثور 3 : 208 .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 163 _
  والصغير .
  4 ـ أبو بكر ابن مردويه الأصبهاني .
  5 ـ أبو بكر ابن المنذر .

الأحاديث الواردة حول سورة كانوا يشبّهونها في الطول والشدّة بسورة براءة ، ومنها :
  ما رواه مسلم في صحيحة ، والحاكم في مستدركه ، والسيوطي في الدّر المنثور عن مسلم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي ، عن أبي موسى الأشعري ، أنّه قال لقرّاء أهل البصرة : ( وإنّا كنّا نقرأ سورة كنا نشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فنسيتها غير أنّي حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لا بتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوفه إلاّ التراب ) (1) .
  الأحاديث الواردة حول سورة كانوا يشبّهونها بإحدى المسبّحات ، ومنها :
  ما رواه من ذكرنا في ذيل الحديث عن أبي موسى حول السورة السابقة ، فقد رووا عنه أنّه قال : ( وكنّا نقرأ سورة نشبّهها بإحدى المسبّحات أوّلها : سبّح لله ما في السماوات ، فانسيتها غير أنّي حفظت منها : يا أيّها الّذين آمنوا لا تقولوا مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ) .

--------------------
(1) صحيح مسلم 2 : 726 ح 1050 ، المستدرك على الصحيحين 2 : 224 ، الدر المنثور .

التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف _ 164 _
حول سورتي الخلع والحفد :
  ذكر الحافظ السيوطي في ( الإتقان ) سورتين سمّاها : ( الحفد ) و ( الخلع ) وروى أنّ السورتين كانتا ثابتتين في مصحف اُبيّ بن كعب ومصحف ابن عبّاس ، وأنّ أمير المؤمنين عليه السلام علّمهما عبدالله الغافقي ، وأنّ عمر بن الخطّاب قنت بهما في صلاته ... وأنّ أبا موسى كان يقرؤهما (1) .
  ولا أثر لهاتين السورتين في المصحف الموجود .
  ومن القسم الثاني :

ماورد حول آية ( الرجم )
  الحديث حول آية الرجم وسقوطها من القرآن الكريم ، أخرجه الشيعة والسنّة معاً في كتبهم الحديثيّة ، وذكروه في كتب الفقه في أبواب الحدود ، فهو موجود في : ( الكافي ) و ( من لا يحضره الفقيه ) و ( التهذيب ) و ( وسائل الشيعة ) من كتب الشيعة . وفي ( صحيح البخاري ) و ( صحيح مسلم ) و ( مسند أحمد ) و ( موطّأ مالك ) وغيرها من كتب السنّة .
  لكنّ الأصل في القضية هو ( عمر بن الخطاب ) ومن قال بمقالته من الصحابة ، ولذا حمل السيد الخوئي ما ورد من طرق الشيعة منه على التقية (2) .
  ويشهد بذلك ما روي في كتب الفريقين عن أمير المؤمنين عليه السلام ، أنّه

--------------------
(1) الإتقان في علوم القرآن 1 : 226 .
(2) مباني تكملة المنهاج 1 : 196 .