عن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع في صلاة الغداة ،فقال : بسم الله الرحمن الرحيم ، أللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك بسم الله الرحمن الرحيم أللهم إياك نعبد ... إلخ .
  وزعم عبيد أنه بلغه أنهما سورتان من القرآن في مصحف ابن مسعود ـ عب ش ومحمد ابن نصر والطحاوي هق .
  عن عبدالرحمن بن ابزى أن عمر قنت في صلاة الغداة قبل الركوع بالسورتين : اللهم إنا نستعينك ، واللهم إياك نعبد ـ الطحاوي .
  ثنا هشيم قال : أخبرنا حصين قال : صليت الغداة ذات يوم ، وصلى خلفي عثمان بن زياد فقنت في الصلاة ، فلما قضيت صلاتي قال لي : ما قلت في قنوتك ؟ فقلت : ذكرت هؤلاء الكلمات : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير كله ، نشكرك ولا نكفرك ، ونخلع ونترك من يفجرك ، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق ، فقال عثمان : كذا كان يصنع عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ـ ش ) انتهى .
  وقال ابن شبة في تاريخ المدينة ج 3 ص 1009 ( حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا هشام ، عن محمد : أن أبيَّ بن كعب كتبهن في مصحفه خمسهن : أم الكتاب والمعوذتين والسورتين ، وتركهن ابن مسعود كلهن ، وكتب ابن عفان فاتحة الكتاب والمعوذتين ، وترك السورتين ، وعلى ما كتبه عمر رضي الله عنه مصاحف أهل الإسلام ، فأما ما سوى ذلك فمطرح ، ولو قرأ غير ما في مصاحفهم قارئ في الصلاة ، أو جحد شيئاً منها استحلوا دمه بعد أن يكون يدين به ) انتهى .
  وتعبيره ( على ما كتبه عمر ) يعني أن ما كتب في عهده كان بأمره وموافقته ، وأن من قرأ سورتي الخلع والحفد لا يستحل دمه لأنهما مما كتبه عمر ، والظاهر أن اسم عمر في الرواية جاء خطأ بدل اسم عثمان ، فتكون فتوى باستحلال دم من يكتب سورتي الخليفة عمر في قرآنه !
  روى الشافعي في كتاب الأم ج 7 ص 148 الحديث المتقدم عن البيهقي ، أي حديث ( يا محمد إن الله لم يبعثك سباباً ولا لعاناً ، وسورتي الخلع والحفد ) وأفتى باستحباب القنوت بهما !
  وقال مالك في المدونة الكبرى ج 1 ص 103 : ( قال ابن وهب : قال لي مالك لا بأس أن يدعى الله في الصلاة على الظالم ويدعو لآخرين وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة لناس ودعا على آخرين ( ابن وهب ) عن معاوية بن صالح عن عبد القاهر عن خالد بن أبي عمران قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر إذ جاءه جبريل فأومأ إليه أن أسكت فسكت فقال يا محمد إن الله لم يبعثك سباباً ولا لعاناً وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذاباً ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون قال ثم علمه القنوت : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع ونترك من يكفرك ، اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد إن عذابك بالكافرين ملحق ) انتهى .
  وقال النووي في المجموع ج 3 ص 493 عن القنوت ( ... والسنة أن يقول : اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت ، إنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت وتعاليت .
  لما روى الحسن بن علي رضي الله عنه قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات في الوتر فقال قل : اللهم اهدني فيمن هديت ... الى آخره .
  وإن قَنَتَ بما روي عن عمر رضي الله عنه كان حسناً ... وهو ما روى أبو رافع قال قنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد الركوع في الصبح فسمعته يقول اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك أن عذابك الجد بالكفار ملحق ، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك ، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الايمان والحكمة وثبتهم على ملة رسولك وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم آله الحق واجعلنا منهم ، ويستحب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الدعاء ) .

تدوين القرآن _ 51 _

  وقال في ص 498 : ( ولو قنت بالمنقول عن عمر رضي الله تعالى عنه كان حسناً وهو الدعاء الذي ذكره المصنف رواه البيهقي وغيره قال البيهقي هو صحيح عن عمر واختلف الرواة في لفظه والرواية التي أشار البيهقي الى اختيارها رواية عطاء عن عبيدالله بن عمر رضي الله عنهم قنت بعد الركوع فقال ( اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم ، اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك ، اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين ، بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك ، بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونخشى عذابك ونرجوا رحمتك إن عذابك الجد بالكفار ملحق ، هذا لفظ رواية البيهقي ) انتهى .
  وعندما رأى النووي أن الخليفة حصر دعاءه بكفرة أهل الكتاب ليبعد الأمر عن كفرة قريش الوثنيين ، علق بقوله ( وقوله اللهم عذب كفرة أهل الكتاب ، إنما اقتصر على أهل الكتاب لأنهم الذين كانوا يقاتلون المسلمين في ذلك العصر وأما الآن فالمختار أن يقال عذب الكفرة ليعم أهل الكتاب وغيرهم من الكفار ، فإن الحاجة الى الدعاء على غيرهم أكثر والله أعلم ) انتهى !
  ولكن النووي نسي المنافقين الذين نسيهم الخليفة !!
  وقد حاول بعض الرواة أن يقوي أمر سورتي الخلع والحفد بأن علياً(ع) أيضاً وافق الخليفة عمر وقرأهما في قنوته ! فقد روى السيوطي ومالك في المدونة الكبرى ج 1 ص 103 عن ( ... عبد الرحمن بن سويد الكاهلي أن علياً قنت في الفجر : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ... ) ! ولكنها رواية شاذة ، وقد روت مصادر إخواننا السنة عن قنوت علي ضد ذلك ، وأنه كان يدعو على خصومه المنافقين ! ففي كنز العمال ج 8 ص 79 ( عن إبراهيم النخعي قال : إنما كان علي يقنت لأنه كان محارَبَاً وكان يدعو على أعدائه في القنوت في الفجر والمغرب ـ الطحاوي ) وفي ص 82 ( عن عبدالرحمن بن معقل قال : صليت مع علي صلاة الغداة ، فقنت فقال في قنوته اللهم عليك بمعاوية وأشياعه ، وعمرو بن العاص وأشياعه ، وأبي الأعور السلمي وأشياعه ، وعبدالله بن قيس وأشياعه ـ ش ) انتهى .
  ابن حزم يفتي بأن ( السورتين ) كلام غير مأثور !!
  قال في المحلى ج 4 ص 148 : ... وقد جاء عن عمر رضي الله عنه القنوت بغير هذا ، والمسند أحب إلينا ، فإن قيل : لا يقوله عمر إلا وهو عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم .
  قلنا لهم : المقطوع في الرواية على أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى من المنسوب إليه (ع) بالظن الذي نهى الله تعالى عنه ورسوله (ع) ، فإن قلتم ليس ظناً ، فأدخلوا في حديثكم أنه مسند فقولوا : عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ! فان فعلتم كذبتم ، وإن أبيتم حققتم أنه منكم قولٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن الذي قال الله تعالى فيه إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ) .
  وقال في المحلى ج 3 ص 91 ( ويدعو المصلي في صلاته في سجوده وقيامه وجلوسه بما أحب ، مما ليس معصية ، ويسمي في دعائه من أحب ، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عصية ورعل وذكوان ، ودعا للوليد بن الوليد وعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام ، يسميهم بأسمائهم ، وما نهى (ع) قط عن هذا ولا نُهِيَ هو عنه ) انتهى .
  وكلامه الأخير تكذيب لحديث الشافعي والبيهقي ( يا محمد إن الله لم يبعثك سباباً ولا لعاناً ) !
  هل نفعت كل المقويات لبقاء سورتي الخليفة ؟!

تدوين القرآن _ 52 _
  أكبر نجاح حققته سورتا الخلع والحفد أنهما سببتا التشويش على سورتي المعوذتين كما سترى ! وأنهما دخلتا في فقه إخواننا السنة على أنهما دعاء القنوت المأثور ، كما رأيت !
  ولعل أكبر نجاح أمكن تحقيقه لهما كان على يد السلطة الأموية ، التي تبنت قراءتهما مدة لا تقل عن نصف قرن على أنهما سورتان من القرآن ! حيث تدل الروايات على أنهما عاشتا بالمقويات في حكم بني أمية ... ثم ماتتا ؟!
  روى السيوطي في الإتقان ج 1 ص 227 ( وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي إسحاق قال : أمنا أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بخراسان فقرأ بهاتين السورتين : إنا نستعينك ، ونستغفرك ) !! انتهى .
  وعندما يقول أحد : صلى فلان بنا فقرأ بسورتي كذا وكذا فمعناه قرأهما على أنهما قرآن ، فقرأ إحداهما في الركعة الأولى والثانية في الركعة الثانية .
  ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 157 وصححه ، قال : ( وعن أبي إسحق قال أمنا أمية ابن عبدالله بن خالد بن أسيد بخراسان فقرأ بها من السورتين إنا نستعينك ونستغفرك قال فذكر الحديث ، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ! )
  قال ابن الأثير في أسد الغابة ج 1 ص 116 ( وأما أمية بن عبدالله فإن عبد الملك استعمله على خراسان ، والصحيح أنه لا صحبة له ... وقد ذكر مصنفوا التواريخ والسير أمية وولايته خراسان وساقوا نسبه كما ذكرناه .
  وذكر أبو أحمد العسكري عتاب بن أسيد بن أبي العيص ثم قال : وأخوه خالد بن أسيد وابنه أمية بن خالد ، ثم قال في ترجمة منفردة : أمية بن خالد بن أسيد ذكر بعضهم أن له رواية وقد روى عن ابن عمر ) .
  وترجم له البخاري في تاريخه الكبير ج 2 ص 7 والرازي في الجرح والتعديل ج 2 ص 301 والمزني في تهذيب الكمال ج 3 ص 334 وقال ( عن سعيد بن عبدالعزيز : دعا عبد الملك بغدائه فقال : أدع خالد ابن يزيد بن معاوية ، قال : مات يا أمير المؤمنين ، قال أدع ابن أسيد ، قال : مات يا أمير المؤمنين ، قال أدع روح بن زنباع ، قال : مات يا أمير المؤمنين ، قال إرفع ، إرفع ، قال أبو مسهر : فحدثني رجل قال : فلما ركب تمثل هذين البيتين : ذهبت لداتي وانقضت آثارهم وغبرتُ بعدهم ولست بغابرِ وغبرت بعـدهـم فأسكـن مرة بطن العقيـق ومـرة بالظاهـرِ قال خليفة بن خياط : وفي ولاية عبدالملك ، مات أمية بن عبدالله بن خالد بن أسيد ، وقال الحافظ أبوالقاسم : بلغني أن أمية بن خالد ، وخالد بن يزيد بن معاوية وروح بن زنباع ، ماتوا بالصنبرة في عام واحد ، وبلغني من وجه آخر أن روحاً مات في سنة أربع وثمانين ، وقال أبوبشر الدولابي : حدثني أحمد بن محمد بن القاسم ، حدثني أبي ، حدثني أبوالحسن المدائني ، قال : سنة سبع وثمانين ، فيها مات أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد ، روى له النسائي وابن ماجة حديثاً واحداً ) انتهى .
  ويظهر من ترجمة أمية أنه نشأ في مكة كغيره من بني أمية ، ثم وفد على عبد الملك فجعله من ندمائه وسكن في الشام حتى عدوه في الشاميين ، ثم ولاه عبد الملك خراسان ... فالقصة التي يرويها الطبراني عنه بسند صحيح كما يشهد السيوطي لابد أن تكون بعد أكثر من نصف قرن من وفاة الخليفة عمر !!
  وهذا يقوي أن تكون السلطة الأموية قد تبنت سورتي الخليفة كسورتين أصيلتين من القرآن ، وتبنت كتابتهما في المصحف بدل المعوذتين اللتين ليستا في رأيهم أكثر من عوذتين كان النبي (ص) يعوذ بهما الحسن والحسين (ص) ، كما سنرى !
  لكن مع كل هذه الجهود الرسمية لدعم هذين النصين الركيكين ، فإن قوة القرآن الذاتية قد نفتهما عنه كما تنفي النار عن الذهب الزبد والخبث ... وتجلى بذلك أحد مصاديق قوله تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، وكفى الله المسلمين شر سورتي الخلع والحفد والحمد لله ، ولم يبق منهما إلا الذكرى السيئة لمن أراد أن يزيدهما على كتاب الله تعالى !! وإلا الدعاء في فقه إخواننا ، والحمد لله أنهما صارتا دعاء من الدرجة الثانية ، لأن الدعاء الذي رووه عن الإمام الحسن (ع) أبلغ منهما !

تدوين القرآن _ 53 _
القنوت في فقه الشيعة
  القنوت في فقهنا جزء مستحب مؤكد من صلاة الفريضة والنافلة ، ويدعو المصلي فيه بالمأثور أو بما جرى على لسانه ، لنفسه أو للمؤمنين ولو بأسمائهم ، ولا يجوز الدعاء على المؤمنين ولا لعنهم ، ويجوز أن يدعو على أئمة الكفر والنفاق ولو بأسمائهم ، ويجوز أن يلعنهم ... قال المحقق الحلي المتوفي سنة 624 في المعتبر ج 2 ص 238 : ( اتفق الأصحاب على استحباب القنوت في كل صلاة فرضاً كانت أو نفلاً مرةً ، وهو مذهب علمائنا كافة ، وقال الشافعي : يستحب في الصبح خاصة بعد الركوع ، ولو نسيه سجد للسهو لأنه سنة كالتشهد الأول ، وفي سائر الصلاة إن نزلت نازلة قولاً واحداً ، وإن لم تنزل فعلى قولين ، وبقوله قال أكثر الصحابة ، ومن الفقهاء مالك قال : وفي الوتر في النصف الأخير من رمضان لا غير ، وقال أبوحنيفة : ليس القنوت بمسنون بل هو مكروه إلا في الوتر خاصة فإنه مسنون ، وقال أحمد : إن قنت في الصبح فلا بأس ، وقال : يقنت أمراء الجيوش .
  لنا : أن القنوت دعاء فيكون مأموراً به لقوله تعالى أدعوني أستجب لكم وقوله وقوموا لله قانتين ، ولأن الدعاء أفضل العبادات فلا يكون منافياً للصلاة ، وما رواه أحمد بن حنبل عن الفضل بن عباس قال ( قال رسول الله (ص) : الصلاة مثنى مثنى ، وتشهد في كل ركعتين ، وتضرع ، وتخشع ، ثم تضع يديك ترفعهما الى ربك مستقبلاً ببطونهما وجهك وتقول يا رب ... ) وعن البراء بن عازب قال ( كان رسول الله (ص) لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها ) ورووا عن علي (ع) ( أنه قنت في الصلاة المغرب على أناس وأشياعهم ) وقنت النبي (ص) في صلاة الصبح فقال ( اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة واشدد وطأتك على مضر ورعل وذكوان وأرسل عليهم سنين كسني يوسف ) .
  ومن طريق أهل البيت (ع) روايات ، منها رواية زرارة عن أبي جعفر الباقر (ع) قال ( القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع ) وروى محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (ع) أيضاً قال ( القنوت في كل ركعتين في التطوع والفريضة ) وروى صفوان الجمال قال ( صليت مع أبي عبدالله أياماً فكان يقنت في كل صلاة يجهر فيها ولا يجهر فيها ) انتهى .
  وهكذا تمسك الفقه الشيعي بسنة النبي (ص) في القنوت باعتبار أنه تشريع ثابت مفتوح الى يوم القيامة ، يدعو فيه الفرد المسلم أو الحاكم المسلم إن شاء لنفسه وإخوانه ، ويدعو فيه إن شاء على المنافقين والكافرين ... وهكذا ... أدان الأئمة من عترة النبي (ص) اتهام رسول الله من أجل تبرئة الملعونين على لسانه ! وتمسكوا بشهادة الله سبحانه بحق نبيه وما ينطق عن الهوى ... إن هو إلا وحي يوحى واعتقدوا بأن النبي لا يمكن أن يلعن غير المستحق ... بل تدل الروايات عن الأئمة من أهل البيت(ع) على أن لعنة الأنبياء أو بعض أنواعها تجري في ذرية الملعون ... ! لأن اللعن لا يصدر منهم إلا بعد علمهم بنضوب الخير من الملعون ومن صلبه ! فقد روى الكليني في الكافي ج 5 ص 569 ( عن سدير قال : قال لي أبو جعفر ـ الإمام محمد الباقر (ع) ـ : يا سدير بلغني عن نساء أهل الكوفة جمال وحسن تبعل ، فابتغ لي امرأة ذات جمال في موضع ، فقلت : قد أصبتها جعلت فداك ، فلانة بنت فلان ابن محمد بن الأشعث بن قيس ، فقال لي : يا سدير إن رسول الله (ص) لعن قوماً فجرت اللعنة في أعقابهم الى يوم القيامة ! وأنا أكره أن يصيب جسدي جسد أحد من أهل النار ! ) انتهى .
  وفي مجمع البيان في تفسير قوله تعالى لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم وقال أبوجعفر (ع) أما داود (ع) فإنه لعن أهل أيلة لما اعتدوا في سبتهم ، وكان اعتداؤهم في زمانه ، فقال اللهم ألبسهم اللعنة مثل الرداء ومثل المنطقة على الحقوين فمسخهم الله قردة ، وأما عيسى فإنه لعن الذين أنزلت عليهم المائدة ، ثم كفروا بعد ذلك ! ) انتهى .

تدوين القرآن _ 54 _
المؤامرة على سورتي المعوذتين !
  يتضح من روايات سورتي المعوذتين في مصادر إخواننا السنة أنه كانت توجد مؤامرة لحذفهما من القرآن ، ولكنها فشلت والحمد لله ، وحفظ الله المعوذتين جزء من القرآن عند كل المسلمين ! وهو سبحانه القائل إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، ولكن لماذا هذه المؤامرة ؟ وما هو هدفها ؟ ومن هو أصلها ؟!
  الإحتمال الأول : أن المعوذتين لم تعجبا السليقة العامة للعرب ! كما يفهم مما رواه البيهقي في سننه ج 2 ص 394 ( عن عقبة بن عامر الجهني قال : كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته فقال لي : يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئتا ؟ قلت بلى يا رسول الله ، فأقرأني قل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس ، فلم يرني أعجب بهما فصلى بالناس الغداة فقرأ بهما ، فقال لي : يا عقبة كيف رأيت ؟ كذا قال العلاء بن كثير ، وقال ابن وهب عن معاوية عن العلاء بن الحارث وهو أصح ) .
  ثم رواه برواية أخرى جاء فيها ( فلم يرني سررت بهما جداً ... ) .
  ثم رواه برواية أخرى تدل على أن عقبة هو الذي سأل النبي (ص) عنهما ، وأن النبي أراد تأكيد أنهما من القرآن فصلى بهما ( عن عقبة بن عامر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين فأمهم بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر ) انتهى .
  الإحتمال الثاني : أن محاولة حذفهما من القرآن جاءت بسبب ارتباطهما بالحسن والحسين (ص) ! فقد روى أحمد في مسنده ج 5 ص 130 ( ... عن زر قال قلت لأبيٍّ : إن أخاك يحكُّهما من المصحف ، فلم ينكر ! قيل لسفيان : ابن مسعود ؟ قال نعم ، وليسا في مصحف ابن مسعود ، كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين ولم يسمعه يقرؤهما في شئ من صلاته ، فظن أنهما عوذتان وأصر على ظنه ، وتحقق الباقون كونهما من القرآن فأودعوهما إياه ! ) .
  وروى نحوه ابن ماجة في سننه ولكن لم يذكر الحسن والحسين ، قال في ج 2 ص1161 ( عن أبي سعيد ، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان ، ثم أعين الأنس ، فلما نزل المعوذتان أخذهما وترك ما سوى ذلك ) .
  وروى الترمذي في سننه ج 3 ص 267 أن النبي كان ( يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان ، فلما نزلت أخذ بهما وترك ما سواهما ) .
  ورواه في كنز العمال ج 7 ص 77 عن ( ت ن ه‍ ، والضياء عن أبي سعيد ).
  وروى البخاري في صحيحه تعويذ النبي للحسنين عليهماالسلام بدعاء آخر غير المعوذتين ، قال في ج 4 ص 119 ( ... عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول إن أباكما كان يعوذ بها اسمعيل واسحق : أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ) .
  وروى ابن ماجة في ج 2 ص 1165 ( عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول أعوذ بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة ، قال وكان أبونا إبراهيم يعوذ بها إسماعيل وإسحاق .
  أو قال إسماعيل ويعقوب ) ، ومثله أبو داود في ج 2 ص 421 ، والترمذى في سننه ج 3 ص 267 ، والحاكم في المستدرك ج 3 ص 167 وج 4 ص 416 وقال في الموردين ( صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) ، وأحمد في مسنده ج 1 ص 236 و ص 270 ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 113 بعدة روايات ، وإحداها عن عبدالله بن مسعود فيها تفصيل جميل ( قال كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مر به الحسين والحسن وهما صبيان فقال : هاتوا ابني أعوذهما مما عوذ به إبراهيم ابنيه إسماعيل وإسحق ، قال أعيذكما بكلمات الله التامة من كل عين لامة ومن كل شيطان وهامة .
  رواه الطبراني وفيه محمد بن ذكوان وثقة شعبة وابن حبان وضعفه جماعة ، وبقية رجاله ثقات ) .

تدوين القرآن _ 55 _
  ورواه في كنز العمال عن عمر ، في ج 2 ص 261 وج 10 ص 108 قال ( عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يعوذ حسناً وحسيناً يقول : أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ـ حل ) .
  وروى البخاري ذلك بعدة روايات عن عائشة بتفاوت في الدعاء ، لكنها لم تسم فيهما الحسنين ! قال في ج 7 ص 24 ( ... حدثني سليمان عن مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول الله رب الناس أذهب الباس واشفه وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً ، قال سفيان حدثت به منصوراً فحدثني عن إبراهيم عن مسروق عن عائشة نحوه ... روايتين في ج 7 ص 26 ( ... عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بعضهم يمسحه بيمينه ... اذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً .
  فذكرته لمنصور فحدثني عن ابراهيم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها بنحوه ) ، وروى نحوه أحمد في مسنده ج 6 ص 44 و45 ... إلخ .
  من هذه الروايات نعرف أن النبي (ص) كان يهتم اهتماماً خاصاً بولديه الحسن والحسين (ص) وتعويذهما بكلمات الله تعالى لدفع الحسد والشر عنهما ، وأنه كان يفعل ذلك عمداً أمام الناس لتركيز مكانتهما في الأمة والتأكيد على أنهما ذريته وامتداده ... كما كان إسحاق واسماعيل بقية ابراهيم وامتداده (ع) ! وأنه بعد نزول المعوذتين كان يعوذهما دائماً بهما ! وبهذا ارتبطت السورتان في ذهن الأمة بالحسنين وسرى اليهما الحسد منهما ... أو الحب !!
  وتحاول الروايات تصوير عبدالله بن مسعود بأنه حامل راية العداء للمعوذتين وتنقل إصراره على حذفهما من القرآن ! كما في مسند أحمد في ج 5 ص 130 ( عن عبدالرحمن بن يزيد قال كان عبدالله يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول إنهما ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى ) ! ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 149 وقال ( رواه عبد الله بن أحمد والطبراني ورجال عبدالله رجال الصحيح ورجال الطبراني ثقات ) ثم روى رواية أخرى ووثقها ، قال ( وعن عبدالله أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما ، وكان عبدالله لا يقرأ بهما . رواه البزار والطبراني ورجالهما ثقات ، وقال البزار : لم يتابع عبدالله أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف ) .
  وقال ابن شبة في تاريخ المدينة ج 3 ص 1011 ( عن عبد الرحمن بن يزيد : رأيت ابن مسعود يحك المعوذتين من المصحف ويقول : لا يحل قراءة ماليس منه ! ) انتهى .
  ولكن توجد أمور توجب الشك في ذلك ... منها : أن ابن مسعود لم يكن يجرؤ في زمن عمر على حذف شئ من مصحفه أو إثباته إلا برأي عمر !
  ومنها : أن ابن مسعود لم يكن معروفاً ببغض علي والحسن والحسين (ع) ... ومنها : أنه يستبعد أن لا يكون ابن مسعود اطلع على تأكيدات النبي (ص) التي نقلها الصحابة وأهل البيت (ع) على أن المعوذتين سورتان منزلتان !

تدوين القرآن _ 56 _
  ومنها : ما يدل على أن ترك المعوذتين شاع في أوساط من المسلمين حتى كانوا يسخرون ممن يعتقد أنهما من القرآن ويقرأ بهما في صلاته ! وهذا أمر أكبر من تأثير ابن مسعود ، وهو عادة لا يحدث بدون عمل من السلطة مؤثر على الناس !
  قال أحمد في مسنده ج 1 ص 282 ( حنظلة السدوسي قال قلت لعكرمة : إني أقرأ في صلاة المغرب بقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وإن ناساً يعيبون ذلك عليَّ !! فقال وما بأس بذلك ، إقرأهما فإنهما من القرآن ! ) وينبغي أن نتذكر هنا أن عكرمة هو عبد لابن عباس الهاشمي ومنه أخذ ثقافته القرآنية ، وإن صار فيما بعد من الخوارج .
  ومنها : الصلة التي تتبادر الى الذهن بين حذف سورتين ارتبطتا في ذهن الناس بالحسن والحسين وبين إضافة سورتين في تبرئة مشركي ومنافقي قريش ، وهما سورتا الخليفة عمر : الخلع والحفد ؟!
  ومنها : أنه لم يرو عن الخليفة عمر أنه أثبت المعوذتين في مصحفه ، ولا قرأهما في صلاته ، ولا اتخذ موقفاً من نفيهما والتشكيك فيهما الذي كان شائعاً في زمانه !
  ومنها : أنه رويت عن ابن مسعود رواية أو أكثر في فضل سورتي المعوذتين ، فهي تناقض رواية أنه أنكرهما ... ففي كنز العمال ج 1 ص 601 ( استكثروا من السورتين يبلغكم الله بهما في الآخرة : المعوذتين ينوران القبر ويطردان الشيطان ويزيدان في الحسنات والدرجات ويثقلان الميزان ويدلان صاحبهما الى الجنة ـ الديلمي عن ابن مسعود ) .
  ومنها : أن تهمة حذف المعوذتين لم تقتصر على ابن مسعود ، فقد تظافرت الروايات على أن أبيّ بن كعب اتخذ موقفاً محايداً فلا هو خطأ ابن مسعود في حذفهما ولا هو شهد بأنهما من القرآن ! والحياد أمام نفي شئ من القرآن نفي لقرآنيته ، وشهادة بعدم وجود دليل على أنه من القرآن !!
  روى أحمد في مسنده ج 5 ص 129 ( عن زر بن حبيش قال قلت لأبي بن كعب : إن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه ! فقال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أن جبريل (ع) قال له : قل أعوذ برب الفلق فقلتها ، فقال قل أعوذ برب الناس فقلتها ، فنحن نقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم !! ) ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 149 وقال ( رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح ) !
  وروى البيهقي في سننه ج 2 ص 394 عن أبي بن كعب قال ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين فقال قيل لي فقلت ، فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... زر بن حبيش يقول سألت أبي بن كعب عن المعوذتين فقلت يا بالمنذر إن أخاك ابن مسعود يحكهما من المصحف ؟ قال إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فقيل لي فقلت ، فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
  قال ابن حجر في لسان الميزان ج 3 ص 81 ( واختلف على أبي بن كعب في إثبات المعوذتين ) انتهى .
  ومعنى كلام أبي ابن كعب كما تدعي هذه الروايات أن النبي (ص) لم يصرح بأن المعوذتين سورتان من القرآن ، بل قال : قال لي جبرئيل : قل أعوذ برب الفلق ... قل أعوذ برب الناس ... !! فلم ينص النبي على أنهما سورتان ولو قال إنهما من قول جبرئيل ، فقد يكون جبرئيل علمه إياهما ليعوذ بهما الحسنين فقط ، وليس لتكونا جزء من القرآن !! هذه الأمور وغيرها ... تدفع الباحث الى القول بأن جو السلطة هو الذي كان يستنكر على الناس ويعيب عليهم قراءة المعوذتين في الصلاة ... وهو المسؤول عن نسبة هذه الروايات الى ابن مسعود وابن كعب ، وبسبب ذلك ذهب بعض الباحثين الى تكذيب نسبة هذا الرأي الى ابن مسعود مثل الفخر الرازي والباقلاني وابن حزم ... قال السيوطي في الإتقان ج 1 ص 227 عن عدد السور ( وفي مصحف ابن مسعود مائة واثنتا عشرة لأنه لم يكتب المعوذتين ! وفي مصحف أبي ست عشرة لأنه كتب قط آخره ( سورتي ) الحفد والخلع ! ) ، وأورد في ص 270 دفاع الفخر الرازي والقاضي أبي بكر والنووي وابن حزم عن ابن مسعود ، ولكنه رجح كلام ابن حجر في شرح البخاري بأنه قد صح ذلك عن ابن مسعود ، فلا يمكن إنكاره ...

تدوين القرآن _ 57 _
  إخواننا السنة يعتقدون أن المعوذتين من القرآن ، إلا البخاري! أمام هذه التشكيكات في المعوذتين في مصادر إخواننا السنة ، يبقى عندهم عدد من الروايات التي تثبت جزئيتهما من القرآن الكريم ، وعمدتها ما رووه عن عقبة بن عامر الجهني كما في مسلم ج 2 ص 200 فقال ( عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط ، قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس .
  ... عن عقبة بن عامر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنزل أو أنزلت عليَّ آيات لم ير مثلهن قط المعوذتين ، وحدثناه أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح ، وحدثني محمد بن رافع حدثنا أبوأسامة كلاهما عن إسماعيل بهذا الإسناد مثله ) .
  ورواها الترمذي ج 5 ص 122 وج 4 ص 244 وقال في الموردين ( هذا حديث حسن صحيح ) ثم روى عن عقبة ( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذتين في دبر كل صلاة ، وقال هذا حديث حسن غريب ) ، ثم كرر رواية ابن كعب ، ورواه البيهقي في سننه ج 2 ص 394 .
  وقال الشافعي في كتاب الأم ج 7 ص 199 ( أخبرنا وكيع ، عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحق ، عن عبد الرحمن بن يزيد قال : رأيت عبد الله يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا به ما ليس منه ـ ثم قال عبد الرحمن ـ وهم يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في صلاة الصبح وهما مكتوبتان في المصحف الذي جمع على عهد أبي بكر ثم كان عند عمر ثم عند حفصة ثم جمع عثمان عليه الناس ، وهما من كتاب الله عز وجل ، وأنا أحب أن أقرأ بهما في صلاتي ) .
  وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 148 عدة روايات في إثبات أن المعوذتين من القرآن .
  أما البخاري فقد اختار أن يقف في صف المشككين في المعوذتين ! فقد كان روى رواية عقبة في تاريخه الكبير ج 3 ص 353 ثم تراجع عن روايتها في صحيحه ، فلم يرو إلا روايات أبي ابن كعب المتزلزلة المشككة ! مع أنه عقد في صحيحه عنوانين للمعوذتين لكن اكتفى بروايات التشكيك دون غيرها ! وقد ألف تاريخه قبل صحيحه كما في تذكرة الحفاظ ج 2 ص 555!!
  قال في صحيحه ج 6 ص 96 ( سورة قل أعوذ برب الفلق ... عن زر بن حبيش قال سألت أبيَّ بن كعب عن المعوذتين فقال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قيل لي فقلت .
  فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... سورة قل أعوذ برب الناس ... وحدثنا عاصم عن زر قال سألت أبيَّ بن كعب قلت أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا .
  فقال أبيّ : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي قيل لي فقلت ، قال فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) انتهى ، فيكون البخاري متوقفاً في أنهما من القرآن لعدم ثبوت دليل على ذلك عنده !!
  ومن طريف ما تقرأ في إرشاد الساري في شرح البخاري ج 7 ص 442 قول القسطلاني ( وقع الخلاف في قرآنيتهما ثم ارتفع الخلاف ووقع الإجماع عليه ، فلو أنكر أحد قرآنيتهما كفر ) انتهى .
  وقد تضمن كلامه فتوى بتبرئة الذين خالفوا إجماع الصحابة من الماضين، وتكفير من خالف إجماعهم ممن بعدهم ... ولا نظن إخواننا السنة يلتزمون بذلك !
  وفتوى أخرى بكفر منكر قرآنية المعوذتين من بعد الصحابة وكأن ذلك مما أجمع عليه الفقهاء ... ولم يذكر حكم من شك فيهما كالبخاري الذي اقتصر على نقل روايات التشكيك ، وتجاهل روايات جزئيتهما من القرآن ولم يعتمدها في صحيحه !!

تدوين القرآن _ 58 _
  ثم إن الصحابة لم يجمعوا على إثبات المعوذتين ولا على حذف سورتي الخليفة عمر ( الخلع والحفد ) ولكن قوة المعوذتين ، وحفظ الله تعالى لكتابه ، ضمن بقاءهما ، كما أن ركة الخلع والحفد ، وحفظ الله تعالى لكتابه ، تكفل بموتهما !
  هذا ، وقد تحدث ابن شبة في تاريخ المدينة ج 3 ص 1010 عن حساسية المسلمين تجاه النص القرآني فقال ( ... ولو قرأ غير ما في مصاحفهم قارئ في الصلاة ، أو جحد شيئاً منها استحلوا دمه بعد أن يكون يدين به ) انتهى ، ولكنهم استثنوا من ذلك الخليفة عمر ، ولابد أنهم من أجله يستثنون البخاري أيضاً !!

موقف أهل بيت النبي (ع) وشيعتهم من المعوذتين
  لا يوجد في مصادرنا الشيعية أثر لسورتي الخلع والحفد ... كما لا توجد ذرة غبار على أن المعوذتين جزء من القرآن ، بل كان موقف الأئمة من أهل بيت النبي(ص) التأكيد على قرآنيتهما ... روى الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ج 2 ص 96 ( ... عن سيف بن عميرة عن منصور بن حازم قال : أمرني أبو عبدالله(ع) أن أقرأ المعوذتين في المكتوبة ) .
  وروى الحر العاملي في وسائل الشيعة ج 4 ص 786 ( عن أبي عبدالله (ع) أنه سئل عن المعوذتين أهما من القرآن ؟ فقال : هما من القرآن ، فقال الرجل : إنهما ليستا من القرآن في قراءة ابن مسعود ولا في مصحفه ، فقال أبو عبد الله: أخطأ ابن مسعود ، أو قال كذب ابن مسعود ، وهما من القرآن ، فقال الرجل : فأقرأ بهما في المكتوبة ؟ فقال نعم ) انتهى .
  وقال المحقق البحراني في الحدائق الناضرة في فقه العترة الطاهرة ج 8 ص 230 ( الثانية : أجمع علماؤنا وأكثر العامة على أن المعوذتين من القرآن العزيز وأنه يجوز القراءة بهما في الصلاة المفروضة ، وروى منصور بن حازم قال : أمرني أبوعبد الله (ع) أن أقرأ المعوذتين في المكتوبة ، وعن صفوان الجمال في الصحيح ... قال في الذكرى : ونقل عن ابن مسعود أنهما ليستا من القرآن وإنما أنزلتا لتعويذ الحسن والحسين (ص) ! وخلافه انقرض ، واستقر الإجماع الآن من العامة والخاصة على ذلك ) انتهى .

آيات حذفت من القرآن برأي الخليفة
  1 ـ آية الرجم
  2 ـ آية الشيخ والشيخة روى البخاري في صحيحه ج 8 ص 25 ( ... عن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال عمر : لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أوكان الحبل أو الإعتراف ... وعن ابن عباس قال : كنت أقرئ رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف ، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها ، إذ رجع اليَّ عبد الرحمن فقال : لو رأيت رجلاً أتى أمير المؤمنين اليوم فقال يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول : لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً ! فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت !
  فغضب عمر ثم قال : إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذي يريدون أن يغصبوهم أمورهم !
  قال عبد الرحمن فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم ، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس ، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيِّرها عنك كل مطيِّر ، وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها ، فأمَهِلْ حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة ، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكناً ، فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها ، فقال عمر أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة .

تدوين القرآن _ 59 _
  قال ابن عباس فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة ، فلما كان يوم الجمعة عجلنا الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً الى ركن المنبر فجلست حوله تمس ركبتي ركبته ، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب ، فلما رأيته مقبلاً قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل : ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف ، فأنكر عليَّ وقال : ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله ؟! فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها ، لا أدري لعلها بين يدي أجلي ، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب عليَّ ، إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، فلذا رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ( والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الإعتراف ).
  ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن ( لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) .
  ... ثم إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول والله لو مات عمر بايعت فلاناً ، فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ، ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها ، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ، من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تَغِرَّةَ أن يقتلا ) انتهى .
  ومعنى قوله تغرة أن يقتلا : مخافة أن يقتلا بهذا الأمر الذي أصدره في هذه الخطبة .
  ورواه مختصراً في ج 8 ص 113 ( ... قال عمر لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي) وروى نحوه مسلم في صحيحه ج5 ص116 وابن ماجة في سننه ج 1 ص 625 و ج 2 ص 853 وأبوداود في سننه ج 2 ص 343 وفيه ( وأيم الله لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله عزوجل لكتبتها ) .
  وفي سنن الترمذي ج 2 ص 442 وقال ( هذا حديث صحيح ... وفي الباب عن علي .
  حديث عمر حديث حسن صحيح ، وروي من غير وجه عن عمر ) .
  ورواه الدارمي في سننه ج 2 ص 179 وأحمد في مسنده ج 1 ص 23 و ص 34 و ص 40 وص 45 و ص 49 وروى في ج 5 ص 183 ( ... فقال عمر لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : أَكْتِبْنِيهَا ، قال شعبة فكأنه كره ذلك ، فقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد ، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم ) .
  ورواه الحاكم في المستدرك ج 4 ص 359 والبيهقي في سننه ج 8 ص 213 بعدة روايات وقال ( قال مالك : يريد عمر بن الخطاب بالشيخ والشيخة الثيب من الرجال والثيبة من النساء ) ونحوه في ج 8 ص 236 ورواه الشافعي في اختلاف الحديث ص 61 والسيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 179 بعدة روايات ، منها ( وأخرج عبدالرزاق في المصنف عن ابن عباس قال : أمر عمر بن الخطاب منادياً فنادى أن الصلاة جامعة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أيها الناس لا تجزعن من آية الرجم فإنها آية نزلت في كتاب الله وقرأناها ، ولكنها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمد ... وأخرج ابن الضريس عن عمر قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت آية الرجم : أُكْتُبْهَا يا رسول الله ، قال : لا أستطيع ذلك .
  وأخرج ابن الضريس عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب خطب الناس فقال : لا تشكوا في الرجم فإنه حق قد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجم أبو بكر ورجمت ، ولقد هممت أن أكتب في المصحف ، فسأل أبيَّ بن كعب عن آية الرجم فقال أبيٌّ : ألست أتيتني وأنا أستقرئها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعت في صدري وقلت : أتستقرؤه آية الرجم وهم يتسافدون تسافد الحُمُر ! ) وهو كلام غريب من ابن كعب يدل على أن الخليفة كان مخالفاً لآية الرجم أو لتطبيق حكمها ، لكثرة من يستحق الرجم من الناس ! فإن صح ذلك فإن تأكيده الشديد على ( آية ) الرجم وتطبيق الرجم قد يكون ندماً على مخالفته لحكمه في زمن النبي (ص) !

تدوين القرآن _ 60 _
  وقال ابن قدامة في المغني ج 10 ص 121 ( ... قد ثبت الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله في أخبار تشبه المتواتر ، وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سنذكره في أثناء الباب في مواضعه إن شاء الله تعالى ، وقد أنزله الله تعالى في كتابه ! وإنما نسخ رسمه دون حكمه ، فروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : إن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها ووعيتها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى ( فالرجم حق على من زنا أذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الإعتراف ) وقد قرأ بها ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم) متفق عليه ... وقولهم إن هذا نسخ ـ يعني لآية الجلد ـ ليس بصحيح وإنما هو تخصيص ، ثم لو كان نسخاً لكان نسخاً بالآية التي ذكرها عمر رضي الله عنه ) !
  وقال النووي في المجموع ج 20 ص 7 ( فصل : إذا وطأ رجل من أهل دار الإسلام امرأة محرمة عليه من غير عقد ولا شبهة عقد وغير ملك ولا شبهة ملك ، وهو عاقل بالغ مختار عالم بالتحريم ، وجب عليه الحد ، فإن كان محصناً وجب عليه الرجم لما روى ابن عباس رضي الله عنه قال ، قال عمر : لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائلهم ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلون ويتركون فريضة أنزلها الله ، ألا إن الرجم إذا أحصن الرجل وقامت البينة أو كان الحمل أو الإعتراف ، وقد قرأتها : الشيخ والشيخه إذا زنيا فارجموهما البتة ، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا ) ورواه ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 4 ص 77 وقال ( وقد وقع لي حديث بإسناد صحيح لا مطعن فيه ... وفيه : لولا أن أزيد في كتاب الله ما ليس فيه لكتبت ، إنه حق ) ، ورواه الدميري في حياة الحيوان ج 2 ص 127 ... إلخ .
  وينبغي أن نسجل هنا ملاحظة أساسية تنفع في هذا الباب وغيره ، وهي أن آية الرجم العمرية كانت تملك من القوة من تأكيدات الخليفة عمر وشهادات الصحابة ما لم تملكه بعض آيات القرآن ... وهي تملك الآن في مصادر إخواننا السنة أحاديث صحيحة على أنها من القرآن أكثر وأقوى مما تملكه سورتا المعوذتين مثلاً ... ولكن لماذا لم يكتبها الخليفة عمر أو غيره في القرآن ؟!!
  لقد صرح الخليفة بالجواب ، وهو أنه يخاف من الناس ... فأي ناس هؤلاء وقد شهد بها هو وشهد معه الصحابة ... وهو الحاكم المطلق الجرئ ؟!!
  هنا تأتي معجزة قوله تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون معجزة القوة الذاتية للقرآن ، والتي يعرفها الحس القرآني عند جماهير المسلمين ... فالقرآن فيه خصوصية أنه ينفي غيره عنه ، تماماً كما ينفي الجوهر الفحم الذي تضعه معه على أنه منه ويفضحه ... وإذا أصريت على أنه منه ... فضحت نفسك معه !
  إن المسلمين يتحملون الكلام النظري للخليفة بأن هذه الآية كانت من القرآن أو لم تكن منه ... كما يقول الإنسان هذا الحجر كان معدناً كريماً ، وكان جزءاً من طبق الجواهر ... لكن إذا وصل الأمر الى أن يضعه بالفعل في طبق الجواهر على أنه منه ... فإن للناس معه حساباً آخر ... !
  لقد كان الخليفة مدركاً لهذه الحقيقة ويخاف منها ... ومن حقه أن يخاف ... وفي نفس الوقت كان مصراً على اجتهاداته وآرائه ويعمل لها !!

تدوين القرآن _ 61 _
  3 ـ آية لا ترغبوا عن آبائكم
  مضافاً الى ما تقدم في صحيح البخاري ج 8 ص 24 وغيره ، فقد روى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 97 ( وعن أيوب بن عدي بن عدي عن أبيه أو عمه أن مملوكاً كان يقال له كيسان فسمى نفسه قيساً وادعى الى مولاه ولحق بالكوفة ، فركب أبوه الى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين ابني ولد على فراشي ، ثم رغب عني وادعى الى مولاي ومولاه ! فقال عمر لزيد بن ثابت : أما تعلم أنا كنا نقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم ؟ فقال زيد بلى ، فقال عمر بن الخطاب : إنطلق فاقرن ابنك الى بعيرك ثم انطلق فاضرب بعيرك سوطاً وابنك سوطاً حتى تأتي به أهلك ! رواه الطبراني في الكبير ، وأيوب بن عدي وأبوه أو عمه لم أر من ذكرهما .
  وعن عبدالله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ادعى الى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من قدر سبعين عاماً ـ أو من مسيرة سبعين عاماً ـ قلت رواه ابن ماجه إلا أنه قال من مسيرة خمسمائة عام ـ رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ) .
  ورواه في كنز العمال ج 2 ص 480 وص 567 وج 5 ص 428 ـ 433 بعدة روايات ، وفي ص 429 ( ... ألا وإنا قد كنا نقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ـ عب ، ش ، حم ، والعدني ، والدارمي خ م د ت ن هـ ، وابن الجارود وابن جرير وأبو عوانة ، حب ، ق ) وروى مالك بعضه ، ثم رواه في ص649 بعدة روايات وقال في رموزها ( مالك والشافعي وابن سعد والعدني ، حل ، ق ـ مالك وابن سعد ومسدد ، ك ـ عب ـ ابن الضريس ) .
  وفي ج 2 ص 596 ( عن عمر قال : كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم، أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ـ الكجي في سننه ) .
  وفي ج 6 ص 208 ( عن عدي بن عدي بن عميرة بن فروة عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب قال لأبي : أو ليس كنا نقرأ من كتاب الله أن انتفاءكم من آبائكم كفر بكم ؟ فقال بلى ، ثم قال : أو ليس كنا نقرأ الولد للفراش وللعاهر الحجر ، فُقِدَ فيما فقدنا من كتاب الله ؟ قال بلى ـ ابن عبد البر في التمهيد ) كما روى استشهاد الخليفة على قوله بزيد بن ثابت ... وقال في مصادره ( عب ، ط ، وأبو عبيد في فضائله ، وابن راهويه ، ورستة في الايمان ، طب ) .
  4 ـ آية : ولو حميتم كما حموا ...
  روى الحاكم في المستدرك ج 2 ص 225 ( ... عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه كان يقرأ : إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ، ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام ، فأنزل الله سكينته على رسوله ، فبلغ ذلك عمر فاشتد عليه فبعث إليه وهو يهنأ ناقة له ( يدهن بالقطران ناقة له جرباء ) فدخل عليه فدعا أناساً من أصحابه فيهم زيد بن ثابت فقال : من يقرأ منكم سورة الفتح ؟ فقرأ زيد على قراءتنا اليوم فغلظ له عمر ، فقال له أبيٌّ : أأتكلم ؟ فقال تكلم ، فقال : لقد علمت أني كنت أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ويقرئني وأنتم بالباب ، فإن أحببتَ أن أقرئ الناس على ما أقرأني أقرأت ، وإلا لم أقرئ حرفاً ما حييت ! . قال بل أقرئ الناس ، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) انتهى .
  ورواه في كنز العمال ج 2 ص 568 وقال ( ن ، وابن أبي داود في المصاحف ، ك، وروى ابن خزيمة بعضه ) وروى نحوه في ص 594 وقال ( ن وابن أبي داود في المصاحف ك وروى ابن خزيمة بعضه ) ، وفي ص 595 عن ابن داود .

تدوين القرآن _ 62 _
  ورواه السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 79 وقال ( وأخرج النسائي والحاكم وصححه ) ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 1 ص 397 ( ... عن أبي إدريس الخولاني أن أبا الدرداء ركب الى المدينة في نفر من أهل دمشق ، فقرؤوا يوماً على عمر : إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام .
  فقال عمر : من أقرأكم هذا ؟ قالوا أبي بن كعب . فدعا به فلما أتى قال : إقرؤوا ، فقرؤوا كذلك ، فقال أبيٌّ : والله يا عمر إنك لتعلم أني كنت أحضر ويغيبون وأدنى ويحجبون ويصنع بي ويصنع بي ، ووالله لئن أحببت لألزمن بيتي فلا أحدث شيئاً ولا أقرئ أحداً حتى أموت ! فقال عمر : اللهم غفراً ، إنا لنعلم أن الله قد جعل عندك علماً فعلم الناس ما علمت ) ورواه في كنز العمال ج 2 ص 594 ونحمد الله تعالى أن المسلمين لم يأخذوا بقول الخليفة عمر ولم يتعلموا هذه الإضافة الركيكة للآية الكريمة ، ولم يقرأ أحد منهم : ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام !!
  ثم لا أدري ما هو التناسب بين حمية الجاهلية عند قريش وحمية المسلمين لإسلامهم! ثم بين ذلك وبين فساد المسجد الحرام ؟! فقد نزلت الآية كما تذكر تفاسير الشيعة والسنة في سورة الفتح على أثر صلح الحديبية ، وتمثلت حمية المشركين الجاهلية بمنع النبي (ص) والمسلمين من العمرة ، فلو حمي المسلمون كما حموا وقاتلوهم لما فسد المسجد الحرام ، بل كان كما قال تعالى في سورة الفتح ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون ولياً ولا نصيراً وقال في آية 24 وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيراً فكيف تصح مقولة : لفسد المسجد الحرام ؟ وكيف يصح القول : ولو حميتم كما حموا ؟ فهل الحمية للإسلام مثل الحمية للجاهلية ؟!
  فهذه الزيادة المزعومة في الآية مضافاً الى ركة عبارتها لا يصح معناها .
  وشهادة الحاكم بأن روايتها صحيحة على شرط الشيخين ، تضرُّ رواتها ولا تُقَوِّم قناتها !
  ولا نريد الإطالة في تحليل الهدف من وراء هذه الإضافة ، ولكن الظاهر أنها محاولة لإثبات مكرمة لكفار قريش ، فيكون أبي بن كعب الأنصاري بريئاً منها !!
  5 ـ آية : حق جهاده في آخر الزمان !
  قال السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 371 ( قوله تعالى : وجاهدوا في الله حق جهاده ، أخرج ابن مردويه عن عبدالرحمن بن عوف قال قال لي عمر : ألسنا كنا نقرأ فيما نقرأ : وجاهدوا في الله حق جهاده في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله ؟ قلت بلى ، فمتى هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال : إذا كانت بنو أمية الأمراء وبنو المغيرة الوزراء !! وأخرجه البيهقي في الدلائل عن المسور بن مخرمة ) .
  وقال في ج 5 ص 197 ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأله فقال : أرأيت قول الله تعالى لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، هل كانت الجاهلية غير واحدة ؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما : ما سمعت بأولى إلا ولها آخرة ، فقال له عمر رضي الله عنه : فأنبئني من كتاب الله ما يصدق ذلك ؟ قال : إن الله يقول وجاهدوا في الله حق جهاده كما جاهدتم أول مرة ، فقال عمر رضي الله عنه : مَنْ أمرنا أن نجاهد ؟
  قال : بني مخزوم وعبد شمس ! ) .
  ورواه في كنز العمال ج 2 ص 480 وقال في مصادره ( أبو عبيد في فضائله ، وابن جرير وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ) وفي ج 2 ص 567 ( من مسند عمر رضي الله عنه ، عن المسور بن مخرمة قال : قال عمر لعبد الرحمن بن عوف : ألم نجد فيما أنزل علينا أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة ؟ فإنا لم نجدها ! قال : أسقط فيما أسقط من القرآن ـ أبو عبيد ) انتهى .

تدوين القرآن _ 63 _
  ولو كانت هذه الروايات تفسيراً للآية بدون ادعاء أن الزيادة الواردة فيها من القرآن ، لكانت مقبولة عندنا ... فإنها تتناسب مع اعتقادنا بأن الله تعالى أوجب الجهاد على تأويل القرآن كما أوجبه على تنزيله ، وأن النبي (ص) أخبر أمته بأن علياً (ع) هو الذي يقاتل من بعده على تأويله ، وكان ذلك معروفاً عند الصحابة ، ونقلت نصوصه مصادر إخواننا السنة ومن أشهرها حديث ( خاصف النعل) الذي رواه الترمذي في سننه ج 5 ص 298 ( ... عن ربعي بن حراش قال أخبرنا علي بن أبي طالب بالرحبة فقال : لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو وأناس من رؤساء المشركين فقالوا يا رسول الله : خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا وليس لهم فقه في الدين ، وإنما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا ، فارددهم إلينا ، فإن لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين ، قد امتحن الله قلوبهم على الايمان ، قالوا من هو يا رسول الله ؟ فقال له أبو بكر من هو يا رسول الله ؟ وقال عمر من هو يا رسول الله ؟ قال : هو خاصف النعل ، وكان أعطى علياً نعله يخصفها ، قال ثم التفت إلينا علي فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ معقده من النار ، هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي ) ، ورواه الحاكم في المستدرك ج 2 ص138 وج 4 ص 298 وقال في الموردين ( هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ) ورواه أحمد في مسنده ج 3 ص 33 عن أبي سعيد ، وكذا في ص 82 وفيه ( إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله فاستشرفنا وفينا أبوبكر وعمر فقال : لا ولكنه خاصف النعل ، قال فجئنا نبشره ، قال وكأنه قد سمعه ) ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 186 عن أبي سعيد وقال ( رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح) ورواه في ج 9 ص 133 وقال ( رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة ).
  وروى في كنز العمال ج 7 ص 326 ( والله يا معشر قريش لتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة أو لأبعثن عليكم رجلاً فيضرب أعناقكم على الدين ، أنا أو خاصف النعل ـ ك ، عن علي ) وروى نحو حديث أبي سعيد في ج 11 ص 613 ... الخ ) انتهى .
  ولا يبعد أن تكون هذه الحادثة بعد فتح مكة وإعلان قريش إسلامها ... وبقائها على كبريائها في مقابل النبي !!
  أما قبيلة بني مخزوم الواردة في تفسير الجهاد الأول فكانت الرئاسة فيها لبني المغيرة ورئيسهم أبو جهل ، كما كانت الرئاسة في بني عبد شمس لبني أمية ورئيسهم أبو سفيان ... فالقبيلتان إذن من أشد قبائل قريش كفراً بالنبي (ص) ، ومن أول المأمور بجهادهم في الآية ... وقد روى الحاكم في المستدرك ج 4 ص 487 عن أبي سعيد الخدري ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلاً وتشريداً ، وإن أشد قومنا لنا بغضاً بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم ، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ورواه في كنز العمال ج 11 ص 169 وقال ( نعيم بن حماد في الفتن ، ك ، عن أبي سعيد ) .
  وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 44 عن علي (ع) في تفسير قوله تعالى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلو أقومهم دار البوار ... الآية ، قال : نزلت في الأفجرين من بني مخزوم وبني أمية فقطع الله دابرهم يوم بدر ، وأما بنو أمية فمتعوا الى حين ، رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمرو ذومر ولم يرو عنه غير أبي إسحق السبعي ، وبقية رجاله ثقات ) ورواه في كنز العمال أيضاً ج 2 ص 445 عن ابن مردويه الخ .
  لكن تفاسير الشيعة تروي أن المقصود بالآية قريش قاطبة ، كالذي رواه العياشي في تفسيره ج 2 ص 229 عن الإمام الصادق (ع) ( قال فقال : ما تقولون في ذلك ؟ فقال : نقول هما الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة ، فقال : بل هي قريش قاطبة ، إن الله خاطب نبيه فقال : إني قد فضلت قريشاً على العرب ، وأتممت عليهم نعمتي ، وبعثت إليهم رسولاً فبدلوا نعمتي ، وكذبوا رسولي ) انتهى .

تدوين القرآن _ 64 _
  وعلى هذا فمقولة الجهاد أول مرة وثاني مرة ، أو الجهاد على تنزيل القرآن وعلى تأويله ، مقولة إسلامية ثابتة عن النبي (ص) ، وهي منسجمة مع اعتقاد أهل البيت وبني هاشم بعد النبي (ص) ، لكن لماذا يطرح الخليفة عمر موضوع الجهاد الأول والثاني مع ابن عباس الهاشمي ...؟
  تدل الروايات المتعددة من مصادر إخواننا السنة على أن الخليفة كان معنياً بمستقبل الأمة من عهد النبي (ص) وبعده ، فقد كان يسأل النبي عن ذلك ، بل كان يسأل الأحبار والرهبان وأهل الفراسة ... كما روى التاريخ روايات له ومناظرات مع ابن عباس في مسألة الخلافة ، وحق بني هاشم فيها وظلم قريش لهم ... وقد روت مصادر السنة كما في كنز العمال ج 13 ص 455 أن ابن عباس سأل يوماً الخليفة عمر عن سبب نزول آية في أنساب بعض المخالفين لبني هاشم فقال له الخليفة ( يابن عباس من ظن أن يرد بحوركم فيغوص فيها معكم حتى يبلغ قعرها ، فقد ظن عجزاً ! ) .
  وعلى هذا الأساس فعندما يخاطب الخليفة ابن عباس فهو يعرف من يخاطب ، ولا بد أن ننظر الى كلامه معه في هذا الموضوع بعمق خاص ! وهو في هذه الروايات يقول لابن عباس : إن صراع بني هاشم الذي أخبر به النبي (ص) مع بني أمية أمر لابد منه ، ودليله تفسير هذه الآية ، فلا تلوموني إذا أشركت بني أمية في الحكم !
  لكن تبقى دعوى الخليفة أو ابن عباس إضافة فقرات الى الآية ، دعوى بدون دليل ، وقولاً بنقص القرآن !!
  6 ـ آية : الولد للفراش !
  روى في كنز العمال ج 6 ص 208 ( عن عدي بن عدي بن عميرة بن فروة عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب قال لأبيّ : أو ليس كنا نقرأ من كتاب الله أن انتفاءكم من آبائكم كفر بكم ؟ فقال : بلى ، ثم قال : أو ليس كنا نقرأ الولد للفراش وللعاهر الحجر ؟ فُقِد فيما فقدنا من كتاب الله ؟ قال بلى ـ ابن عبدالبر في التمهيد ) انتهى .
  هذا مع أن مصادر الشيعة والسنة روت أن قاعدة الولد للفراش وللعاهر الحجر هي حديث للنبي (ص) ، كما في وسائل الشيعة ج 13 ص 376 وسنن الترمذي ج 2 ص 313 عن أبي هريرة ، وقال ( وفي الباب عن عمر ، وعثمان ، وعائشة ، وأبي أمامة ، وعمرو بن خارجة ، وعبد الله بن عمر ، والبراء بن عازب ، وزيد بن أرقم ، حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ، وقد رواه الزهري عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة ، عن أبي هريرة ، والعمل على هذا عند أهل العلم ) .
  ورواه النسائي في سننه ج 6 ص 180 وأحمد ج 1 ص 25 وج 4 ص 186 بأربع روايات .
  ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 14 وفيه ( عن البراء وزيد بن أرقم قالا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم ، ونحن نرفع غصن الشجرة عن رأسه فقال : إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي . لعن الله من ادعى الى غير أبيه ، ولعن الله من تولى غير مواليه ، الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ليس لوارث وصية ) انتهى .
  وفي كتاب الأم ج 6 ص 213 ( قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه قال : أرسل عمر الى رجل من بني زهرة كان ساكناً معنا فذهبنا معه فسأله عن ولاد من ولاد الجاهلية ، فقال : أما الفراش فلفلان وأما النطفة فلفلان فقال رضي الله تعالى عنه : صدقت ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالفراش ... ) انتهى .

تدوين القرآن _ 65 _
  وهذا يؤيد أن النص حديث ، ويتناقض مع روايات أنه آية ، ولكن الروايات الواردة عن الخليفة بأنه آية أكثر !!
  7 ـ آية : لو كان لابن آدم واديان !
  روى البخاري في صحيحه ج 7 ص 175 عن ( ابن عباس رضي الله عنهما يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب ، وروى عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان ، ولن يملأ فاه إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب ) .
  وروى مسلم في صحيحه ج 3 ص 100 حديث أنس ولكن بنص حديث ابن عباس .
  ورواياته تذكر أن النص هو حديث شريف وليس آية ، ولكن مسلماً روى بعد ذلك ( عن أبي الأسود عن أبيه قال : بعث أبو موسى الأشعري الى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم ، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها ! غير أني قد حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها : يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ، فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة !! ) .
  وروى أحمد في مسنده نص أنس على أنه حديث عن النبي (ص) ج 3 ص 238 وكذا في ج 5 ص 219 ( عن أبي واقد الليثي قال كنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه فيحدثنا ، فقال لنا ذات يوم : إن الله عزوجل قال : إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون إليه ثان ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ثم يتوب الله على من تاب ) وقريباً منه عن عائشة في ج 6 ص 55 ورواه أيضاً في ج 3 ص 122 بصيغة الشك بين الحديث والآية ( عن أنس قال كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فلا أدري أشئ نزل عليه أم شئ يقوله ؟ وهو يقول : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ) وقريب منها في ج 3 ص 272 ورواه أحمد في ج 4 ص 368 بصيغة الجزم بأنه آية ( ... عن زيد بن أرقم قال : لقد كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى إليهما آخر ، ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب ) .
  وفي ج 5 ص 117 ( ... عن ابن عباس قال جاء رجل الى عمر يسأله فجعل ينظر الى رأسه مرة والى رجليه أخرى هل يرى عليه من البؤس شيئاً ؟ ثم قال له عمر كم مالك ؟ قال أربعون من الإبل ، قال ابن عباس فقلت : صدق الله ورسوله : لو كان لابن آدم واديان من ذهب لا بتغى الثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ، فقال عمر ما هذا ؟ فقلت هكذا أقرأنيها أبيٌّ ! قال فمر بنا إليه ، قال فجاء الى أبيّ فقال : ما يقول هذا ؟ قال أبيٌّ : هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ! قال أفأثبتها ؟ فأثبتها ! ) ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 141 وقال

تدوين القرآن _ 66 _
  ( ... قال : أفأثبتها في المصحف قال : نعم ! رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ) ثم قال الهيثمي ( وعن ابن عباس قال جاء رجل الى عمر فقال أكلتنا الضبع ، قال مسعر يعني السنة قال فسأله عمر ممن أنت ؟ قال فما زال ينسبه حتى عرفه ، فإذا هو موسر ، فقال عمر لو أن لابن آدم واد وواديين لابتغى إليهما ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ثم يتوب الله على من تاب ، قلت رواه ابن ماجة غير قول عمر ثم يتوب الله على من تاب ، رواه أحمد ورجاله ثقات ، ورواه الطبراني في الأوسط ) ، وروى في ج10 ص 243 رواية أحمد المتقدمة ج 4 ص 368 عن زيد بن أرقم ، وقال ( رواه أحمد والطبراني والبزاز بنحوه ورجالهم ثقات ، ثم أورد رواية عائشة وقال ( رواه أحمد وأبويعلى إلا أنه قال إنما جعلنا المال لتقضى به الصلاة وتؤتى به الزكاة ، قالت فكنا نرى أنه مما نسخ من القرآن ، والبزاز وفيه مجالد بن سعيد وقد اختلط ، ولكن يحيى القطان لا يروي عنه ما حدث به في اختلاطه ، والله أعلم ) .
  ثم قال الهيثمي ( وعن بريدة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة : لو أن لابن آدم وادياً من ذهب لابتغى إليه ثانياً ولو أعطى ثانياً لابتغى إليه ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ، رواه البزاز ورجاله رجال الصحيح غير صبيح أبي العلاء وهو ثقة ، وعن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : إن الرجل لا تمتلئ نفسه من المال حتى يمتلئ من التراب ولو كان لأحدكم واديان من بين أعلاه الى أسفله أحب أن يملأ له واد آخر ، فإن ملئ له الوادى الآخر فانطلق فوجد وادياً آخر قال أما والله لو استطعت لملأتك ، رواه البزاز والطبراني ولفظه : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لنا إن أحدكم لوكان له وادٍ وادٍ ملآن من أعلاه الى أسفله أحب أن يملأ له وادٍ آخر ، والباقي بنحوه ، وفي إسناد الطبراني من لم أعرفهم ، وفي إسناد البزاز يوسف بن خالد السمتي وهو كذاب .
  وعن أبي سعيد يعني الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أن لابن آدم وادياً من مال لابتغى إليه ثانياً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، رواه البزاز وفيه عطية العوفي وهو ضعيف ، وعن سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى إليهما الثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ، رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير حامد بن يحيى البلخي وهو ثقة ، وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لو كان لابن آدم واديان لتمنى وادياً ثالثاً وما جعل المال إلا لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولا يشبع ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ، رواه الطبراني وفيه جعفر بن الزبير وهو ضعيف كذاب ، وعن كعب بن عياض الأشعري عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : لوسيل لابن آدم واديان من مال لتمنى إليهما ثالثاً ولا يشبع ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ، رواه الطبراني ) .
  ورواه الدارمي في سننه ج2 ص 318 عن أنس بصيغة التشكيك قريباً مما في أحمد ج 3 ص 272 ، ورواه الحاكم في المستدرك ج 2 ص 224 ( ... عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ... ومن نعتها : لو أن ابن آدم سأل وادياً من مال فأعطيته سأل ثانياً ، وإن أعطيته ثانياً سأل ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ، وإن الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيراً فلن يكفره ، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) انتهى .

تدوين القرآن _ 67 _
  ويلاحظ أن هذا الحديث الصحيح الاسناد قد خلط بين آيتين مزعومتين ، آية وادي المال وآية النصرانية أو ذات الدين !!
  ورواه ابن شبة في تاريخ المدينة ج 2 ص 707 وفيه ( قال عمر رضي الله عنه : أفنكتبها ؟ قال لا آمرك ، قال أفندعها ؟ قال لا أنهاك ، قال : كان إثباتك أولى من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أم قرآن منزل ) أي ليتك كنت تثبتت من النبي (ص) هل هي قرآن أم لا ؟
  ورواه السيوطي في الدر المنثور ج 1 ص 106 وفيه ( ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ... قال ابن عباس فلا أدري أمن القرآن هو أم لا ) وروى في ج 6 ص 378 رواية ابن عباس التي يسأل فيها عمر : أفأثبتها في المصحف ؟ قال : نعم ، ثم نقله عن ابن الضريس عن ابن عباس ... فقال عمر أفاكتبها ؟ قال لا أنهاك ، قال فكأن أبياً شك أقول من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو قرآن منزل ؟ ) .
  ورواه في كنز العمال على أنه آية ج 2 ص 567 وفيه ( عن أبيّ : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن ، فقرأ عليه ... ! ورمز له : ط حم ، ت حسن صحيح ، ك ، ص ) ورواه أيضاً في ج 3 ص 200 انتهى .
  ويتعجب الباحث هنا من سؤال الخليفة لأبيّ بن كعب : أفأكتبها في المصحف ؟ فهل أن الملاك في كون نص من القرآن أو ليس منه هو رأي أبي بن كعب كما تقول هذه الرواية ؟ أو الملاك رأي الخليفة عمر كما تقول روايات أخرى ؟ أو رأي زيد بن ثابت كما تقول ثالثة ؟ أو شهادة اثنين من الصحابة كما تقول رابعة ؟ ... الى آخر التناقضات الواردة في روايات جمع القرآن في مصادر إخواننا السنة ... لكن المتتبع يعرف أن الملاك الأول والأخير هو رأي الخليفة وأن الباقين لا يجرؤون أن يكتبوا شيئاً إلا بأمره أو إجازته !
  لكن يأتي السؤال هنا أيضاً : مادام الخليفة أمر بإثباتها ، فما لنا لا نراها في القرآن ؟ والجواب قوله تعالى : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .
  8 ـ نقص ( وهو أب لهم ) في آية !
  قال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 183 ( وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وإسحق بن راهويه وابن المنذر والبيهقي عن بجالة قال : مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بغلام وهو يقرأ في المصحف : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم ! فقال يا غلام حكها ، فقال : هذا مصحف أبيّ ! فذهب الى أبيّ فسأله فقال : إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق ) ، ورواه عبد الرزاق في المصنف ج 10 ص 181 عن بجالة التيمي .
  ورواه ابن شبة في تاريخ المدينة ج 2 ص 708 وزاد في آخره ( فمضى عمر رضي الله عنه ) ورواه البيهقي في سننه ج 7 ص 69 والذهبي في سير أعلام النبلاء ج 1 ص 397 ورواه في كنز العمال ج 2 ص 569 ورمز له ( ص ك ) ، وروى في ج 13 ص 259 وفيه ( وشغلك الصفق بالسواق إذ تعرض رداءك على عنقك بباب ابن العجماء ) انتهى ، ويقصد أبي بن كعب : أنك كنت مشغولاً ببيع الأردية في سوق المدينة عند بيت ابن العجماء فتضعها على عنقك ليراها المشتري ! وابن العجماء عدوي من عشيرة عمر ، وقد ترجمت المصادر لعدة من بناته ، ولم أجد له ترجمة !
  والسؤال في هذه الآية المزعومة وأمثالها : مادام ابن كعب قد أكد أن هذه الزيادة جزء من الآية ، والخليفة قبل منه ذلك ... فلماذا لا نجد هذه الزيادة وأمثالها في القرآن ، خاصة أن معناها يوافق بقية الآية ؟ والجواب : ماتقدم من حس المسلمين في الرقابة على نص القرآن بقطع النظر عن صحة المعنى المدعى أنه كان جزء منه ! وصدق الله العظيم : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون !

تدوين القرآن _ 68 _
  9 ـ آية ذات الدين ووادي التراب !
  روى الحاكم في المستدرك ج 2 ص 224 ( ... عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ، ومن نعتها لو أن ابن آدم سأل وادياً من مالٍ فأعطيته لسأل ثانياً ، وإن أعطيته ثانياً سأل ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ، وإن الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيراً فلن يكفره ، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) .
  وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 140 ( عن أبيّ ابن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أمرني أن أقرأ عليك قال فقرأ علي : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة فيها كتب قيمة وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة . إن الدين عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل خيراً فلن يكفره ، قال شعبة ثم قرأ آيات بعدها ، ثم قرأ : لو كان لابن آدم واديان من مال لسأل ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، قال ثم ختم ما بقي من السورة !! وفي رواية عن أبي بن كعب أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله تبارك وتعالى أمرني أن أقرأ عليك القرآن فذكر نحوه ، وقال فيه : لو أن ابن آدم سأل وادياً من مال فأعطيه لسأل ثانياً ولو سأل ثانياً فأعطيه لسأل ثالثاً ، والباقي بنحوه ، قلت في الترمذي بعضه ، وفي الصحيح طرف منه ، رواه أحمد وابنه ، وفيه عاصم بن بهدلة وثقه قوم وضعفه آخرون ، وبقية رجاله رجال الصحيح ) انتهى .
  ورواه في كنز العمال ج 2 ص 567 وفيه ( ... إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، فقرأ عليه لم يكن ، وقرأ عليه إن ذات الدين عند الله الحنيفية ... ط حم ت ، حسن صحيح ، ك ص ) .
  وعلى هذه الرواية الصحيحة السند بمقاييس إخواننا السنة ينبغي أن تسمى هذه الآيات المخلوطة من آية وادي التراب وذات الدين وغيرهما : الآية المنزلة الى أبيَّ بن كعب ! لأنه جاء في نصوصها جميعاً قول النبي لابن كعب ( إن الله أمرني أن أقرأ عليك ) ! ولكن ينبغي الشك في كل روايات الزيادة والنقصان المنسوبة الى أبي بن كعب لأنه ثبت في بعضها أنها مكذوبة عليه ... وأن اسمه استغل لإثبات الزيادة والنقص في القرآن!!
  10 ـ التسبيحات الأربع من القرآن !
  وروى أحمد في مسنده ج 5 ص 11 ( ... عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا حدثتكم حديثاً فلا تزيدن عليه ، وقال : أربع من أطيب الكلام وهن من القرآن لا يضرك بأيهن بدأت : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر. ثم قال : لا تسمين غلامك أفلحاً ولا نجيحاً ولا رباحاً ولا يساراً ) وفي ج 5 ص 20 ( عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهي من القرآن لا يضرك بأيهن بدأت : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ) .

تدوين القرآن _ 69 _
  روى النسائي في سننه ج 2 ص 143 ( ... عن ابن أبي أوفى قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لا أستطيع أن آخذ شيئاً من القرآن فعلمني شيئاً يجزئني من القرآن فقال : قل سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ) انتهى .
  وهذه الروايات الصحيحة عند إخواننا مناقضة لما ورد في مصادرهم ولما اتفق عليه المسلمون من أن التسبيحات الاربع حديث شريف وليست قرآناً !! ورواية النسائي تحتمل أن يكون متعلق الجار والمجرور ( يجزئني ) وأن تكون من بمعنى عن ، لكن المرجح أنه صفة أخرى للشئ ، بقرينة الروايات المتقدمة .
  11 ـ آية : ألا بلغوا قومنا ..!
  روى البخاري في صحيحه ج 3 ص 204 و208 و ج 4 ص 35 و ج 5 ص 42 عدة روايات أن آية ( ألا بلغوا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ) نزلت في شهداء بئر معونة الذين بعثهم النبي (ص) الى نجد فغدر بهم رعل وذكوان وعصية من بني لحيان ، وأن المسلمين قرؤوا هذه الآية !
  ورواها مسلم في صحيحه ج 2 ص 135 وأحمد في مسنده بعدة روايات ج 3 ص 109 و 210 و 215 و 255 و 289 والبيهقي في سننه ج 2 ص 199 وغيرهم كثيرون ... وفي أكثر الروايات أنها نسخت بعد ذلك ، وفي بعضها أنها رفعت ، وفي رواية أحمد ج 3 ص 109 ( ثم رفع ذلك بعد ، وقال ابن جعفر ثم نسخ ) !! انتهى .
  ولو صح أنها كانت آية ونسخت فلابد أن يكون قبلها أو بعدها كلام آخر حتى لا تكون مقتصرة على مقول القول فقط ... فتكون مثلاً : إن المؤمنين الذين قتلهم أهل نجد المشركون قالوا ألا بلغوا قومنا ... إلخ !! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !
  12 ـ آية عائشة التي أكلتها السخلة !
  من الأحكام الشرعية المتفق عليها بين المسلمين : أن الرضاعة تشبه النسب ، فلو أرضعت امرأة طفلاً لغيرها صارت أماً له وحرمت عليه ، وصارت بناتها أخواته وحرمن عليه ... الخ .
  وبعد اتفاق المسلمين على هذا الأصل الذي نص عليه القرآن ، اختلفوا في شروطه ، فقال الأئمة من أهل البيت (ع) : يشترط أن يرضع الطفل من تلك المرأة رضاعاً متصلاً خمس عشرة رضعة ، أو يكون الرضاع بحيث ينبت به لحم الطفل ويشتد عظمه ، وأن لا يكون للطفل غذاء آخر غير الحليب ، وأن يكون الطفل في سن الرضاعة لا أكبر ... فإذا اختلت الشروط فلا أثر للرضاع .
  أما المذاهب الأخرى فتساهلوا في شروط الرضاعة ، وكان أول المتساهلين في عدد الرضعات عبد الله بن عمر ولا يبعد أن يكون ذلك مذهب أبيه ، فقال إن الرضعة الواحدة توجب التحريم ... قال السيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 135 : ( وأخرج عبدالرزاق عن ابن عمر أنه بلغه عن ابن الزبير أنه يؤثر عن عائشة في الرضاعة لا يحرم منها دون سبع رضعات ، قال : الله خير من عائشة إنما قال الله تعالى وأخواتكم من الرضاعة ولم يقل رضعة ولا رضعتين ، وأخرج عبد الرزاق عن طاووس أنه قيل له إنهم يزعمون أنه لا يحرم من الرضاعة دون سبع رضعات ثم صار ذلك الى خمس ، قال قد كان ذلك فحدث بعد ذلك أمر جاء التحريم المرة الواحدة تحرم .
  وأخرج بن أبي شيبة عن ابن عباس قال : المرة الواحدة تحرم .
  وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : المصة الواحدة تحرم ) انتهى .

تدوين القرآن _ 70 _
  أما أم المؤمنين عائشة فقالت : نزل في القرآن آية تحدد الرضاعة بعشر رضعات ، ثم نسخت ونزلت آية تكتفي بخمس رضعات وأن تلك الآية كانت حتى توفي النبي (ص) تقرأ في القرآن وكانت مكتوبة عندها على ورقة وموضوعة تحت سريرها ، ولكنها انشغلت بوفاة النبي وبعدها فدخلت سخلة وأكلت الورقة !
  ولكن التساهل الأكبر الذي به صارت عائشة أشهر المتساهلين في المسألة هو تعميمها الرضاع للكبار ! فيمكن للرجل الكبير أن يرضع من أي امرأة فيكون ابنها ويصير أقاربها أقاربه ومن المحرمات عليه فيدخل عليهن بدون حجاب !
  وكانت عائشة تعمل بذلك فترسل الرجل الذي تريده أن يدخل عليها الى إحدى قريباتها فترضعه خمس رضعات فيصير محرماً ويدخل عليها بدون حجاب ... وقد ذكر الرواة أسماء بعض الرجال الذين أرضعتهم عائشة عند أقاربها ليدخلوا عليها بدون حرج ، وعُرِفت هذه المسألة في الفقه برضاع الكبير .
  والذي يهمنا في بحثنا هو قول عائشة بأن آية الخمس رضعات كانت في القرآن ثم ضاعت ، ولكن نورد ما يتعلق بالمسألتين لتداخل رواياتهما وارتباطها .
  قال مسلم في صحيحه ج 4 ص 167 : ( ... عن عبدالله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة أنها قالت كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن !! ) .
  ورواه الدارمي في سننه ج 2 ص 157 ورواه ابن ماجة في سننه ج 1 ص 625 وروى بعده ( ... عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : لقد نزلت آية الرجم ، ورضاعة الكبير عشراً ، ولقد كان في صحيفة تحت سريري ، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته ، دخل داجن فأكلها ) انتهى ، ومعنى الداجن : الحيوان الأهلي الذي يربى في المنزل وكان السائد منه في المدينة الماعز ، ولذلك جعلنا العنوان : أكلتها السخلة ، وفي هذه الرواية دليل على أن مرض النبي ووفاته لم يكن في غرفة عائشة وإلا لما دخلتها السخلة ، وبحث ذلك خارج عن موضوعنا .
  وروى النسائي في سننه ج 6 ص 100 ( ... عن عبدالله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت كان فيما أنزل الله عز وجل ، وقال الحرث فيما أنزل من القرآن ، عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مما يقرأ من القرآن ! ) .
  وقال الترمذي في سننه ج 2 ص 309 : ( قالت عائشة : أنزل في القرآن : عشر رضعات معلومات ، فنسخ من ذلك خمس وصار الى : خمس رضعات معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ... وبهذا كانت عائشة تفتي وبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قول الشافعي وإسحاق ، وقال أحمد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : لا تحرم المصة ولا المصتان ، وقال : إن ذهب ذاهب الى قول عائشة في خمس رضعات فهو مذهب قوى ، وجَبُنَ عنه أن يقول فيه شيئاً ، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم : يحرم قليل الرضاع وكثيره إذا وصل الى الجوف ، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ووكيع وأهل الكوفة ) انتهى .
  وبذلك يكون هؤلاء الذين ذكرهم الترمذي أكثر تساهلاً من عائشة ! لانهم لم يشترطوا خمس رضعات بل ولا رضعة واحدة واكتفوا بمصة واحدة ! والمقصود ببعض أزواج النبي (ص) غير عائشة في حديث الترمذي هو حفصة لا غير .

تدوين القرآن _ 71 _
  وروى أحمد في مسنده ج 1 ص 432 ما يوافق مذهب أهل البيت (ع) فقال : ( عن أبي موسى الهلالي عن أبيه أن رجلاً كان في سفر فولدت امرأته فاحتبس لبنها فجعل يمصه ويمجه فدخل حلقه فأتى أبا موسى فقال حرمت عليك قال فأتى ابن مسعود فسأله فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشر العظم ) .
  وقال في ج 6 ص 271 ( ... كانت عائشة تأمر أخواتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيراً خمس رضعات ثم يدخل عليها وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحداً من الناس حتى يرضع في المهد وقلن لعائشة والله ما ندري لعلها كانت رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم من دون الناس ) انتهى .
  أما البخاري فلم يرو في صحيحه قصة هذه الآية ولا رضاع الكبير ، واكتفى برواية ما حول الموضوع ... فقال في صحيحه ج 3 ص 150 : ( ... عن مسروق أن عائشة رضي الله عنها قالت دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعندي رجل قال يا عائشة من هذا قلت أخي من الرضاعة قال يا عائشة أنظرن من إخوانكن !
  فإنما الرضاعة من المجاعة ) ، ورواه في ج 3 ص 149 والنسائي في ج 6 ص 101 وروى البخاري في ج 6 ص 125 ( عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل فكأنه تغير وجهه كأنه كره ذلك !! فقالت إنه أخي فقال أنظرن من إخوانكن ! فإنما الرضاعة من المجاعة .
  ... عن عروة بن الزبير عن عائشة أن أفلح أخاً أبي القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب فأبيت ان آذن له فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذى صنعت فأمرني أن آذن له ) ، ورواه في ج 6 ص 160 وقال الحاكم في المستدرك ج 2 ص 163 بعد أن روى حديث رضاع سالم ( هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ، وفيه أن الشريفة تزوج من كل مسلم) .
  وأورد عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه ج 7 ص 458 نحو خمسين رواية تحت عنوان : باب رضاع الكبير يفهم منها أن المجتمع الإسلامي كان يستغرب ذلك بل يستنكره ... قال ( ... عن ابن جريج قال : أخبرني عبدالله بن عبيدالله بن أبي مليكة أن القاسم بن محمد بن أبي بكر أخبره أن عائشة أخبرته أن سهلة بنت سهيل بن عمرو جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ! إن سالم مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا ، وقد بلغ ما يبلغ الرجال ، وعلم ما يعلم الرجال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرضعيه تحرمي عليه ، قال ابن أبي مليكة : فمكثت سنة أو قريباً منها لا أحدث به رهبة له ، ثم لقيت القاسم فقلت : لقد حدثتني حديثاً ما حدثته بعد ، قال : وما هو ؟ فأخبرته ، فقال حدث به عني أن عائشة أخبرتني به !
  ... فأخذت بذلك عائشة فيمن كانت تريد أن يدخل عليها من الرجال ، فكانت تأمر أم كلثوم ابنة أبي بكر وبنات أخيها يرضعن لها من أحبت أن يدخل عليها من الرجال ، وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن أحد من الناس بتلك الرضاعة ، قلن : والله ما نرى الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم به سهلة إلا رخصة في رضاعة سالم وحده ) انتهى .

تدوين القرآن _ 72 _
  وقد تكون عائشة اعتمدت على سهلة بنت سهيل بن عمرو ... وسهيل هذا من قادة الأحزاب والمشركين ، وممن كان النبي (ص) يقنت بالدعاء عليه ويلعنه ، وقد أسلم تحت السيف يوم فتح مكة ولكنه بقي الناطق باسم قريش في مواجهة النبي والإسلام ... فمن أين يأتي الصدق والتدين الى بنته ؟!
  وقال عبد الرزاق ( ... عن معمر عن الزهري أن عائشة أمرت أم كلثوم أن ترضع سالماً ، فأرضعته خمس رضعات ، ثم مرضت ، فلم يكن يدخل سالم على عائشة .
  ... أخبرنا ابن جريج قال : سمعت نافعاً يحدث أن سالم بن عبدالله حدثه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت به الى أختها أم كلثوم ابنة أبي بكر ، لترضعه عشر رضعات ، ليلج عليها إذا كبر ، فأرضعته ثلاث مرات ، ثم مرضت ، فلم يكن سالم يلج عليها ، قال زعموا أن عائشة قالت : لقد كان في كتاب الله عزوجل عشر رضعات ، ثم رد ذلك الى خمس ، ولكن من كتاب الله ما قبض مع النبي صلى الله عليه وسلم .
  ... أخبرنا ابن جريج قال : سمعت نافعاً مولى ابن عمر يحدث أن ابنة أبي عبيد امرأة ابن عمر ، أخبرته أن حفصة بنت عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أرسلت بغلام نفيس لبعض موالي عمر الى أختها فاطمة بنت عمر ، فأمرتها أن ترضعه عشر مرات ، ففعلت ، فكان يلج عليها بعد أن كبر ) انتهى .
  كما روى عبد الرزاق عدداً من الروايات المخالفة لمذهب عائشة في رضاع الكبير ... قال ( ... عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم عن النزال عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا رضاع بعد الفصال .
  ... عن الثوري عن جويبر عن الضحاك عن النزال عن علي قال : لا رضاع بعد الفصال ، وسمعته يقول لمعمر : إنه لم يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم ، قال معمر : بلى ... جابر عن أبيهما جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يمين لولد مع يمين والد ، ولا يمين لزوجة مع يمين زوج ، ولا يمين لمملوك مع يمين مالك ، ولا يمين في قطيعة ، ولا نذر في معصية ، ولا طلاق قبل نكاح ، ولا عتاقة قبل ملك ، ولا صمت يوم الى الليل ، ولا مواصلة في الصيام ، ولا يتم بعد حلم ، ولا رضاع بعد الفطام ، ولا تعرب بعد الهجرة ، ولا هجرة بعد الفتح ... عن الثوري عن عمرو بن دينار عمن سمع ابن عباس يقول : لا رضاع بعد الفطام ... عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال : لا رضاع إلا لمن أرضع في الصغر ، ولا رضاعة لكبير ) انتهى ، ورواه عنه البيهقي في سننه ج 7 ص 461 وقال مالك في الموطأ ج 2 ص 601 : ( عن نافع ، أن عبدالله بن عمر كان يقول : لا رضاعة إلا لمن أرضع في الصغر ، ولا رضاعة لكبير .
  ... عن يحيى بن سعيد ، أنه قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : لا رضاعة إلا ما كان في المهد ، وإلا ما أنبت اللحم والدم ، وحدثني عن مالك ، عن ابن شهاب ، أنه كان يقول : الرضاعة ، قليلها وكثرت تحرم ، والرضاعة من قبل الرجال تحرم ، قال يحيى : وسمعت مالكاً يقول : الرضاعة ، قليلها وكثيرها إذا كان في الحولين تحرم ، فأما ما كان بعد الحولين ، فإن قليله وكثيره لا يحرم شيئاً ، وإنما هو بمنزلة الطعام .

تدوين القرآن _ 73 _
  ... عمرة بنت عبدالرحمن ، عن عائشة زوج النبي (ص) ، أنها قالت : كان فيما أنزل من القرآن ـ عشر رضعات معلومات يحرمن ـ ثم نسخن بـ ـ خمس معلومات ـ فتوفي رسول الله( ص) وهو فيما يقرأ من القرآن ، قال يحيى ، قال مالك : وليس على هذا العمل ) انتهى .
  وقال الشافعي في مسنده ص 416 : ( عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل أن ترضع سالماً خمس رضعات فتحرم بهن ، أخبرنا مالك عن عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبدالرحمن عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت كان فيما أنزل الله في القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن ) .
  وقال في كتاب الأم ج 5 ص 29 : ( رضاعة الكبير ، قال الشافعي رحمه الله تعالى ... فجاءت سهلة بنت سهيل وهي قال الشافعي : فإن قال قائل : ما دل على ما وصفت ؟ قال الشافعي : فذكرت حديث سالم الذي يقال له مولى أبي حذيفة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر امرأة أبي حذيفة أن ترضعه خمس رضعات يحرم بهن ، وقالت أم سلمة في الحديث وكان ذلك في سالم خاصة وإذا كان هذا لسالم خاصة فالخاص لا يكون إلا مخرجاً من حكم العام ، وإذا كان مخرجاً من حكم العام فالخاص غير العام ولا يجوز في العام إلا أن يكون رضاع الكبير لا يحرم ولا بد إذا اختلف الرضاع في الصغير والكبير من طلب الدلالة على الوقت الذي إذا صار إليه المرضع فأرضع لم يحرم .
  قال : والدلالة على الفرق بين الصغير والكبير موجودة في كتاب الله عزوجل ، قال الله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ، فجعل الله عزوجل تمام الرضاع حولين كاملين ) .
  ... قال الشافعي : فإن قال قائل : فقد قال عروة قال غير عائشة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما نرى هذا من النبي صلى الله عليه وسلم إلا رخصة في سالم .
  قيل : فقول عروة عن جماعة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم غير عائشة لا يخالف قول زينب عن أمها إن ذلك رخصة مع قول أم سلمة في الحديث هو خاصة وزيادة قول غيرها ما نراه إلا رخصة مع ما وصفت من دلالة القرآن وإني قد حفظت عن عدة ممن لقيت من أهل العلم إن رضاع سالم خاص .
  فإن قال قائل : فهل في هذا خبر عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بما قلت في رضاع الكبير ؟ قيل نعم : أخبرنا مالك عن أنس عن عبدالله بن دينار قال جاء رجل الى ابن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير فقال ابن عمر جاء رجل الى عمر ابن الخطاب فقال كانت لي وليدة فكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها فدخلت عليها فقالت دونك فقد والله أرضعتها ، فقال عمر بن الخطاب أوجعها وائت جاريتك فإنما الرضاع رضاع الصغير .
  ... قال الشافعي : فجماع فرق ما بين الصغير والكبير أن يكون الرضاع في الحولين فإذا ارضع المولود في الحولين خمس رضعات كما وصفت فقد كمل رضاعه الذي يحرم) انتهى .

تدوين القرآن _ 74 _
  وقال في كتاب الأم ج 7 ص 236 : باب في الرضاع ، قال الشافعي : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر سهلة ابنة سهيل أن ترضع سالماً خمس رضعات فيحرم بهن .
  قال الشافعي : أخبرنا مالك عن عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمروبن حزم عن عمرة عن عائشة أنها قالت كان فيما أنزل الله في القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن ! قال الشافعي : أخبرنا مالك عن نافع أن سالم بن عبدالله أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت به وهو يرضع الى أختها أم كلثوم فأرضعته ثلاث رضعات ثم مرضت فلم ترضعه غير ثلاث رضعات فلم يكن يدخل على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تكمل له عشر رضعات ... قال الشافعي : فرويتم عن عائشة أن الله أنزل كتاباً أن يحرم من الرضاع بعشر رضعات ثم نسخن بخمس رضعات وأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهي مما يقرأ من القرآن ، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بأن يرضع سالم خمس رضعات يحرم بهن ، ورويتم أن عائشة وحفصة أمي المؤمنين مثل ما روت عائشة وخالفتموه ، ورويتم عن ابن المسيب أن المصة الواحدة تحرم ، فتركتم رواية عائشة ورأيها ورأى حفصة بقول ابن المسيب وأنتم تتركون على سعيد بن المسيب رأيه برأى أنفسكم مع أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما روت عائشة وابن الزبير ووافق ذلك رأي أبي هريرة ، وهكذا ينبغي لكم أن يكون عندكم العمل ) انتهى .
  ونحوه في مجموع النووي ج 18 ص 210 و212 وقال السيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 135 : ( وأخرج مالك وعبدالرزاق عن عائشة قالت كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن .
  وأخرج عبدالرزاق عن عائشة قالت لقد كانت في كتاب الله عشر رضعات ثم رد ذلك الى خمس ولكن من كتاب الله ما قبض مع النبي صلى الله عليه وسلم .
  وأخرج ابن ماجه وابن الضريس عن عائشة قالت كان مما نزل من القرآن ثم سقط لا يحرم إلا عشر رضعات أو خمس معلومات .
  وأخرج ابن ماجه عن عائشة قالت لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها ) انتهى ، وروى البيهقي أكثر ذلك في سننه ج 7 ص 453