* (حجابا مستورا) * أي : ذا ستر كقولك : سيل مفعم (1) أي : ذو إفعام ، وقيل : حجابا مستورا عن العيون من قدرة الله تعالى لا يبصر ، حجبه الله سبحانه عن أبصار أعدائه من المشركين فكانوا يمرون به ولا يرونه (2) .
  * (وحده) * من نوع قولهم : رجع عوده على بدئه (3) في أنه مصدر يسد مسد الحال ، يقال : وحد يحد وحدا وحدة ، والأصل يحد وحده ، والنفور : مصدر بمعنى التولية ، أو جمع نافر كشهود جمع شاهد ، أي : أحبوا أن تذكر معه آلهتهم لأنهم مشركون ، فإذا لم تذكرهم نفروا .
  * (بما يستمعون به) * من اللغو والاستهزاء بالقرآن ، و * (به) * في موضع الحال ، أي : يستمعون هازئين ، و * (إذ يستمعون) * نصب ب‍ * (أعلم) * أي : أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون * (وإذ هم نجوى) * وبما يتناجون به إذ هم ذوو نجوى ، أي : متناجون * (إذ يقول) * بدل من * (إذ هم) * أي : ما * (تتبعون إلا رجلا) * قد سحر فجن واختلط عليه عقله ، وإنما قالوا ذلك لينفروا عنه .
  * (كيف ضربوا لك الامثال) * مثلوك بالساحر والمجنون * (فضلوا) * في ذلك ضلال المتحير في أمره لا يدري كيف يتوجه .
  * (ورفتا) * أي : ترابا وغبارا وانتثر لحومنا أنبعث بعد ذلك * (خلقا جديدا) * ؟ * (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلْ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً * يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً * وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً * وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً)

-------------------
(1) مفعم : مملوء ، يقال : أفعمت الإناء : إذا ملأته ، (الصحاح : مادة فعم) .
(2) وهو قول أسماء بنت أبي بكر كما في تفسير الآلوسي : ج 15 ص 88 .
(3) العود : الطريق القديم ، يقال : رجع عوده على بدئه : إذا رجع في الطريق الذي جاء منه ، (الصحاح : مادة عود) . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 377 _
  * رد قوله : * (كونوا حجارة) * على قولهم : * (كنا عظما) * ، فكأنه قال : كونوا حجارة * (أو حديدا) * ولا تكونوا عظاما فإنه يقدر على إعادتكم أحياء ، وردكم إلى رطوبة الحي وغضاضته (1) .
  * (أو خلقا مما يكبر في صدوركم) * عن قبول الحياة ، ويعظم عندكم أن يحييه الله * (قل الذي فطركم) * أي : خلقكم * (أول مرة) * فإن من قدر على الإنشاء كان على الإعادة أقدر ، وإنما قال ذلك لكونهم مقرين بالنشأة الأولى * (فسينغضون) * أي : فسيحركون نحوك * (رؤوسهم) * تعجبا واستهزاء .
   * (يوم يدعوكم) * أي : يبعثكم فتنبعثون منقادين غير ممتنعين ، والدعاء والاستجابة كلاهما مجاز هنا * (بحمده) * حال منهم أي : حامدين لله ، موحدين ، وعن سعيد بن جبير : يخرجون من قبورهم قائلين : سبحانك اللهم وبحمدك (2) * (وتظنون) * أنكم ما * (لبثتم) * في الدنيا * (إلا قليلا) * لسرعة انقلاب الدنيا إلى الآخرة ، أو لعلمكم بطول اللبث في الآخرة ، ونزل النفي منزلة الاستفهام في التعليق .
  * (وقل) * للمؤمنين : * (يقولوا) * للمشركين الكلمة * (التي هي أحسن) * ، وفسر * (التي هي أحسن) * بقوله : * (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) * ولا تقولوا لهم مايغيظهم ويغضبهم ، وقيل : معناه : مرهم يقولوا الكلمة الحسنى

-------------------
(1) شئ غض وغضيض : أي طري ، (الصحاح : مادة غضض) .
(2) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 672 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _378 _
  وهي كلمة الشهادتين والأقوال المندوب إليها (1) * (إن الشيطن ينزغ بينهم) * أي : يفسد بينهم ويغري بعضهم على بعض ليوقع بينهم العداوة والبغضاء .
  * (ربكم أعلم) * بأحوالكم وبتدبير أموركم (2) * (إن يشأ يرحمكم) * بفضله * (أو إن يشأ يعذبكم) * بعدله * (وكيلا) * أي : ربا موكولا إليك أمرهم تجبرهم على الإسلام ، وإنما أرسلناك بشيرا ونذيرا فدارهم واحتمل منهم .
  * (وربك أعلم) * رد على كفار قريش في إنكارهم نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله) ، أي : ربك أعلم * (ب‍) * أحوال * (من في السموات والارض) * ومقاديرهم ، فلا يختار من يختاره من الملائكة والأنبياء لميله إليهم ، وإنما يختارهم لعلمه ببواطنهم وبما يستأهل كل واحد منهم * (ولقد فضلنا) * إشارة إلى تفضيل رسول الله * (وءاتينا داوود زبورا) * دلالة على تفضيله ـ أيضا ـ فإنه خاتم الأنبياء ، ومكتوب في زبور داود : * (أن الارض يرثها عبادي الصلحون) * (3) وهم محمد وأهل بيته (عليهم السلام) .
  * (قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً * وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً * وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً * وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً)

-------------------
(1) قاله ابن عباس ، راجع تفسير البحر المحيط لأبي حيان : ج 6 ص 49 .
(2) في بعض النسخ زيادة : لا يجبركم على الإسلام .
(3) الأنبياء : 105 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _379 _
  * * (الذين زعمتم من دونه) * هم الملائكة ، وقيل : عيسى وعزير (1) ، وقيل : نفر من الجن عبدهم قوم من العرب ثم أسلم الجن (2) ، والمعنى : ادعوهم فإنهم لا يقدرون على أن يكشفوا * (عنكم) * الضر * (ولا) * أن يحولوه عنكم إلى غيركم .
  * (أولئك) * مبتدأ وخبره * (يبتغون) * يعني : أن آلهتهم يبتغون * (الوسيلة) * وهي القربة * (إلى) * الله عزوجل ، و * (أيهم) * بدل من واو * (يبتغون) * ، و ( أي ) اسم موصول ، أي : يبتغي من هو * (أقرب) * منهم الوسيلة إلى الله فكيف غير الأقرب ! أو ضمن * (يبتغون) * معنى يحرصون ، أي : يحرصون أيهم يكون أقرب إلى الله، وذلك بأن يزيدوا في الطاعة والخير * (ويرجون ... ويخافون) * كغيرهم فكيف تدعونهم آلهة ! * (إلا نحن مهلكوها) * بالموت * (أو معذبوها) * بالقتل وأنواع العذاب ، وقيل : الهلاك للصالحة والعذاب للطالحة (3) ، و * (الكتب) * : اللوح المحفوظ ، استعار سبحانه المنع لترك إرسال الآيات من أجل صارف الحكمة .
  و * (أن) * الأولى منصوبة الموضع والثانية مرفوعة ، والمعنى : ولم يمنعنا إرسال * (الايت إلا) * تكذيب الأولين ، يريد الآيات التي اقترحوها من إحياء الموتى وأن يحول الصفا ذهبا وغير ذلك ، وقد حكم الله تعالى في الأمم : أن من كذب بالآية المقترحة عوجل بعذاب الاستئصال ، وقد علم سبحانه أنه لو أرسل هذه

-------------------
(1) قاله ابن عباس ومجاهد والحسن ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 120 .
(2) وهو قول ابن مسعود ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 250 .
(3) قاله مقاتل ، راجع تفسير الرازي : ج 20 ص 233 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 380_
  الآيات لكذبوا بها واستوجبوا العذاب العاجل المستأصل ، ومن حكمه (1) سبحانه في هذه الأمة أن لا يعذبهم بعذاب الاستئصال تشريفا لنبيه (صلى الله عليه وآله) ، وأن يؤخر أمرهم إلى يوم القيامة .
  ثم ذكر سبحانه من الآيات التي * (كذب بها الاولون) * فأهلكوا : ناقة صالح ، لأن آثارهم في بلاد العرب قريبة منهم * (مبصرة) * بينة * (فظلموا) * أي : فكفروا * (بها وما نرسل بالايت) * التي نظهرها على الأنبياء * (إلا تخويفا) * وإنذارا بعذاب الآخرة .
  * (و) * اذكر * (إذ قلنا لك) * أي : أوحينا إليك : * (إن ربك أحاط بالناس) * بقريش ، يعني : بشرناك بوقعة بدر ونصرتك عليهم وهو قوله : * (سيهزم الجمع ويولون الدبر) * (2) ، * (ستغلبون وتحشرون إلى جهنم) * (3) ، فجعله سبحانه كأن قد كان ، فقال : أحاط بالناس ، على عادته سبحانه في إخباره ، وقيل : معناه : أحاط علما بأحوال الناس وأفعالهم وما يستحقونه عليها من الثواب والعقاب وهو قادر على فعل ذلك بهم ، عالم بما يصلحهم (4) ، وهذا وعد له بالعصمة من أذي قومه .
  واختلف في* (الرءيا التي) * أريها النبي (صلى الله عليه وآله) ، فقيل : هي رؤية العين المذكورة في أول السورة من الإسراء إلى بيت المقدس والمعراج (5) ، وأراد بالفتنة : الامتحان وشدة التكليف ليعرض المصدق بذلك لجزيل الثواب والمكذب لأليم العقاب ، وقيل : هي الرؤيا التي في قوله : * (لقد صدق الله رسوله الرءيا

-------------------
(1) في نسخة : حكمته .
(2) القمر : 45 .
(3) آل عمران : 12 .
(4) قاله الكلبي ، راجع تفسير السمرقندي : ج 2 ص 274 .
(5) وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وابراهيم وابن جريج وابن زيد ومجاهد والضحاك ، راجع التبيان : ج 6 ص 494 ، وتفسير الطبري : ج 8 ص 101 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _381 _
  بالحق) * (1) رأى أنه سيدخل مكة وهو بالمدينة فصده المشركون عن دخولها يوم الحديبية ، وإنما كانت فتنة لما دخل على بعض المسلمين من الشبهة والشك فقال : أليس قد أخبرتنا بأن ندخل المسجد الحرام آمنين ؟ فقال (صلى الله عليه وآله) : لم أقل : إنكم تدخلونها العام ، لتدخلنها إن شاء الله، ورجع ثم دخلها في العام القابل (2) ، وقيل : هي رؤيا رآها في منامه أن قرودا تصعد منبره وتنزل (3) ، وقيل ـ على هذا التأويل ـ : إن * (الشجرة الملعونة في القرءان) * هي بنو أمية أخبره الله سبحانه بتغلبهم على مقامه وقتلهم ذريته (4) ، وقيل : إن الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم لعنت في القرآن حيث لعن طاعموها من الكفار ، فوصفت بلعن أصحابها على المجاز (5) * (ونخوفهم) * بمخاوف الدنيا والآخرة * (فما يزيدهم) * التخويف * (إلا طغينا كبيرا) * أي : عتوا في الكفر لا يرجعون عنه . * (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً * وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً)

-------------------
(1) الفتح : 27 .
(2) قاله ابن عباس ، راجع التبيان : ج 6 ص 494 .
(3) قاله سهل بن سعد ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) ، راجع التبيان : ج 6 ص 494 ، وتفسير الماوردي : ج 3 ص 253 .
(4) قاله سعيد بن المسيب وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) ، راجع التبيان : ج 6 ص 494 .
(5) وهو قول ابن عباس والحسن وأبي مالك وسعيد بن جبير وابراهيم ومجاهد وقتادة وابن زيد والضحاك ، راجع التبيان : ج 6 ص 494 ، وتفسير الماوردي : ج 3 ص 253 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 382_
  * * (طينا) * حال من الموصول الذي هو * (من خلقت) * على معنى : * (ءأسجد) * له وهو طين أي : أصله طين ، أو من الضمير المحذوف من الصلة على معنى : * (لمن) * كان في وقت خلقه طينا .
  والكاف في * (أرءيتك) * للخطاب و * (هذا) * مفعول به ، والمعنى : أخبرني عن * (هذا الذي) * كرمته * (على) * أي : فضلته واخترته علي : لم اخترته علي وأنا خير منه ؟ فحذف للاختصار ، ثم ابتدأ فقال : * (لئن أخرتن‍) * ـ ي ، واللام لتوطئة القسم * (لاحتنكن ذريته) * لأستأصلنهم بالإغواء ولأستولين عليهم ، من احتنك الجراد الأرض: إذا أكل ما عليها ، وأصله من الحنك ، وإنما طمع الملعون في ذلك لأنه سبحانه أخبر الملائكة أنه سيجعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء .
  * (اذهب) * معناه : امض لشأنك الذي اخترته ، وليس هو من الذهاب الذي هو ضد المجئ ، ثم قال : * (فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم) * كما قال موسى للسامري : * (فاذهب فإن لك في الحيواة أن تقول لامساس) * (1) ، والتقدير : فإن جهنم جزاؤهم وجزاؤك ، فغلب المخاطب على الغائب فقال : * (جزاؤكم جزاء موفورا) * مصدر على إضمار تجازون ، أو لأن * (فإن جهنم جزاؤكم) * بمعنى : تجازون ، والموفور : الموفر الكامل .
  * (واستفزز) * واستخف * (من استطعت منهم) * واستزلهم بوسوستك ، والفز : الخفيف ، و * (أجلب) * من الجلبة وهي الصياح ، أي : صح ( بخيلك ورجلك ) واحشرهم عليهم ، والرجل : اسم جمع للراجل ، ونظيره الركب والصحب ، وقرئ : * (ورجلك) * (2)

-------------------
(1) طه : 97 .
(2) الظاهر أن المصنف قد اعتمد هنا على قراءة سكون الجيم تبعا للزمخشري كما هو واضح منه . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 383 _
  على أن فعلا بمعنى فاعل ، يقال : رجل ورجل ، أي : راجل ، ومعناه : وجمعك الرجل (1) * (وشاركهم في الاموا ل والاولد) * يريد كل معصية يحملهم عليها : في باب الأموال كالربا والإنفاق في الفسق ومنع الزكاة ، وفي باب الأولاد بالزنا ودعوى الولد بغير سبب * (وعدهم) * بالمواعيد الكاذبة من : شفاعة الآلهة وتمني البقاء وطول الأمل .
  * (إن عبادي) * الصالحين * (ليس لك عليهم سلطن) * أي : لا تقدر أن تغويهم لأنهم لا يغترون بك * (وكفي بربك وكيلا) * لهم ، يتوكلون عليه في الاستعاذة منك فيحفظهم من شرك .
  * (رَبُّكُمْ الَّذِي يُزْجِي لَكُمْ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً * أَفَأَمِنتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً * أَمْ أَمِنتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِنْ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً) * * (يزجى لكم الفلك) * أي : يسير ويجري لكم السفن * (في البحر) * .
  * (وإذا مسكم الضر) * أي : خوف الغرق * (ضل من تدعون) * أي : ذهب عن أوهامكم وخواطركم كل من تدعونه * (إلا إياه) * وحده ، فلا ترجون هناك النجاة إلا من عنده ، ولا يخطر ببالكم أن غيره يقدر على إنقاذكم * (فلما نجيكم) * من البحر * (إلى البر) * فأمنتم فحملكم ذلك على الإعراض .
  و * (جانب البر) * منصوب ب‍ * (يخسف) * مفعول به ، كالأرض في قوله :

-------------------
(1) في نسخة : ( الراجل ) . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 384_
  * (فخسفنا به وبداره الارض) * (1) ، و * (بكم) * حال ، والمعنى : أن يقلب جانب البر وأنتم عليه * (أو يرسل عليكم حاصبا) * وهي الريح التي تحصب ، أي : ترمي بالحصباء ، والمعنى : وإن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف أصابكم به من فوقكم بريح يرسلها عليكم فيها الحصباء يرجمكم بها * (ثم لا تجدوا لكم وكيلا) * حافظا يصرف عنكم ذلك .
  * (أم أمنتم أن) * يقوي دواعيكم إلى أن ترجعوا فتركبوا البحر الذي نجاكم منه فأعرضتم * (ف‍) * ينتقم منكم بأن * (يرسل عليكم قاصفا) * وهي * (الريح) * التي لها قصيف ، أي : صوت شديد ، كأنها تتقصف أي : تتكسر ، وقيل : هي التي لاتمر بشئ إلا قصفته (2) * (فيغرقكم) * وقرئ بالتاء (3) يعني : الريح ، وبالنون (4) ، وكذلك * (يخسف) * و * (يرسل) * ، و * (يعيدكم) * قرئ بالياء والنون (5) * (بما كفرتم) * أي : بكفرانكم النعمة في الإنجاء ، والتبيع : المطالب من قوله : * (فاتباع بالمعروف) * (6) أي : مطالبة ، قال الشماخ : كما لاذ الغريم من التبيع (7) المعنى : أنانفعل ما نفعل بهم * (ثم لا تجدوا) * أحدا يطالبنا بما فعلنا ، انتصارا منا .

-------------------
(1) القصص : 81 .
(2) قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن : ج 1 ص 385 .
(3) قرأه أبو جعفر ورويس ومجاهد وشيبة ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 501 ، وتفسير القرطبي : ج 10 ص 293 .
(4) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو ، راجع التذكرة في القراءات : ج 2 ص 501 .
(5) وبالنون قرأه ابن كثير وأبو عمرو ، راجع التبيان : ج 6 ص 501 .
(6) البقرة : 178 .
(7) وصدره : يلوذ ثعالب الشرقين منها ، وفيه يصف فرار مجموعة من الثعالب من هجمات العقبان ، يقول : إنها تلوذ من العقبان كما يفر الغريم من المطالب ، انظر شرح شواهد الكشاف للأفندي : ص 443 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 385 _
  * (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً * يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) * يعني : * (كرمنا) * هم بالنطق والعقل والتمييز والصورة الحسنة والقامة المعتدلة ، وتدبير أمر المعاش والمعاد ، وبتسليطهم على ما في الأرض، وتسخير سائر الحيوانات لهم * (وحملنهم في البر) * على الدواب * (و) * في * (البحر) * على السفن * (وفضلنهم على كثير ممن خلقنا) * هو ما سوى الملائكة ، لأن الفضل عام في جنس الملائكة وخاص في بني آدم .
  * (بإممهم) * بمن ائتموا به من نبي أو إمام أو كتاب .
  الصادق (عليه السلام) : ( ألا تحمدون الله ؟ إذا كان يوم القيامة فدعي كل قوم إلى من يتولونه ، وفزعنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفزعتم إلينا ، فإلى أين ترون يذهب بكم ؟ إلى الجنة ورب الكعبة ) قالها ثلاثا (1) .
   * (فمن أوتى) * من هؤلاء * (كتبه بيمينه فأولئك) * إشارة إلى * (من) * لأنه في معنى الجمع * (يقرءون كتبهم) * لايجبنون (2) عن قراءته لما يرون فيه من مواجب السرور * (ولا يظلمون فتيلا) * هو المفتول الذي في شق النواة ، أي : لا ينقصون من ثوابهم أدنى شئ .
  * (ومن كان في) * الدنيا * (أعمى) * لا يهتدي إلى طريق النجاة * (فهو في الاخرة أعمى) * لا يهتدي إلى طريق الجنة ، وجوز أن يكون الثاني بمعنى التفضيل ،

-------------------
(1) المناقب لابن شهر آشوب : ج 3 ص 65 .
(2) في بعض النسخ : لا يجتنبون . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 386_
  ولذلك قرأ أبو عمرو الأول ممالا والثاني بالتفخيم (1) ، لأن أفعل التفضيل تمامه ب‍ ( من ) فكانت ألفه كأنها في وسط الكلمة ، كقولك : أعمالكم .
  * (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً * وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنْ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً * سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً) * (إن) * هذه مخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية ، ومعناه : أن الحديث أو الأمر قاربوا أن يصرفوك * (عن) * القرآن * (الذي أوحينا إليك) * أي : عن حكمه ، لتضيف إلينا ما لم ننزله عليك * (وإذا لاتخذوك خليلا) * أي : ولو اتبعت مرادهم لأظهروا خلتك .
  روي : أن قريشا قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله) : لا ندعك تستلم الحجر الأسود حتى تلم (2) بآلهتنا ، فقال في نفسه : ما علي في أن ألم بها والله يعلم أني لها كاره ويدعوني أستلم الحجر ، فأنزلت (3) .
  وروي غير ذلك وهو مذكور في موضعه (4) .
  * (ولولا أن ثبتنك) * أي : لولا تثبيتنا لك بالعصمة والألطاف * (لقد) * قاربت أن تميل * (إليهم) * أدنى ميل فتعطيهم بعض ما سألوك .
  * (إذا لاذقنك ضعف) * عذاب * (الحيواة وضعف) * عذاب * (الممات) * يعني : عذاب الدنيا والآخرة

-------------------
(1) انظر تفسير القرطبي : ج 10 ص 299 .
(2) الإلمام : النزول ، وألم به : إذا نزل به ، (الصحاح : مادة لمم) .
(3) رواه سعيد بن جبير كما في تفسير الماوردي : ج 3 ص 259 .
(4) وهو ما رواه ابن عباس . راجع المصدر السابق . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _387_
  مضاعفين ، أي : لضاعفنا لك العذاب المعجل للعصاة في الحياة الدنيا وما نؤخره لما بعد الموت ، وفي هذا دليل على أن القبيح يكون عظم قبحه على مقدار عظم شأن فاعله .
  وعن ابن عباس : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) معصوم ، وإنما هو تخويف لئلا يركن مؤمن إلى مشرك في شئ من أحكام الله تعالى (1) .
  * (وإن كادوا) * يعني : قريشا * (ليستفزونك) * ليزعجونك * (من الارض) * أرض مكة بالإخراج * (وإذا لا يلبثون) * أي : لا يبقون بعد إخراجك * (إلا) * زمانا * (قليلا) * فإن الله يهلكهم وقد أهلكوا ببدر بعد إخراجه بقليل ، أو : إلا ناسا قليلا منهم يريد من انفلت منهم يوم بدر ومن آمن ، وقيل : من أرض المدينة ، لأن اليهود قالوا له : إن الأنبياء بعثوا بالشام وهي مهاجر إبراهيم ، فلو خرجت إلى الشام لامنا بك ، فهم بالخروج إلى الشام فنزلت (2) ، وقرئ : ( خلفك ) (3) و * (خلفك) * ومعناهما واحد ، قال : عفت الديار خلافهم فكأنما * بسط الشواطب بينهن حصيرا (4) أي : بعدهم * (سنة من قد أرسلنا) * يعني : أن كل قوم أخرجوا رسولهم من بينهم فسنة أن يهلكهم ، وانتصابه بأنه مصدر مؤكد ، أي : سن الله ذلك سنة .
  * (أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً * وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً * وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً * وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً * وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً)

-------------------
(1) حكاه عنه القرطبي في تفسيره : ج 10 ص 300 .
(2) وهو قول الكلبي ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 127 .
(3) قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم برواية أبي بكر ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 383 .
(4) قائله هو الحارث بن خالد المخزومي ، وفيه يصف ديار الأحبة بعد رحيلهم ، وأنها بقيت غير مكنوسة وفيها ركام السعف المتساقط ، كأنها بسط فيها السعف بسطا ، انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة : ج 1 ص 387 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 388 _
  * الدلوك : الزوال ، وقيل : هو الغروب (1) ، والأول أصح ، لتكون الآية جامعة للصلوات الخمس ، فصلاتا دلوك الشمس : الظهر والعصر ، وصلاتا * (غسق اليل) * : المغرب والعشاء الآخرة ، والمراد ب‍ * (قرءان الفجر) * : صلاة الفجر ، و * (غسق اليل) * : أول بدو الليل وظلمته * (مشهودا) * يشهده ملائكة الليل والنهار ، يصعد هؤلاء وينزل هؤلاء ، فهو في آخر ديوان الليل وأول ديوان النهار ، ويجوز أن يكون * (وقرءان الفجر) * حثا على طول القراءة في صلاة الفجر لكونها مشهودة بالجماعة الكثيرة ليسمع الناس القرآن فيكثر الثواب * (ومن اليل) * وعليك بعض الليل * (فتهجد به) * والتهجد : ترك الهجود للصلاة ، ونحوه : التأثم والتحرج ، ويقال للنوم : التهجد أيضا * (نافلة لك) * أي : عبادة زائدة لك على الصلوات الخمس ، وضع * (نافلة) * موضع تهجدا ، لأن التهجد عبادة زائدة فجمعهما معنى واحد ، فالمعنى : أن التهجد زيد لك على الصلوات المكتوبة فريضة عليك خاصة وتطوعا لغيرك ، وقيل : معناه : نافلة لك ولغيرك (2) ، وخص بالخطاب لما في ذلك من دعاء الغير (3) إلى الاستنان بسنته * (مقاما محمودا) * نصب على الظرف ، أي : * (عسى أن يبعثك ربك) * فيقيمك

-------------------
(1) قاله مجاهد عن ابن عباس وابن مسعود وابن زيد ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 262 .
(2) قاله مجاهد : راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 264 .
(3) في بعض النسخ : الخير . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _389 _
  مقاما محمودا ، أو ضمن * (يبعثك) * معنى : يقيمك ، ويجوز أن يكون حالا بمعنى : ذا مقام محمود ، ومعنى المقام المحمود : المقام الذي يحمده فيه الأولون والآخرون وهو مقام الشفاعة ، يسأل فيه فيعطى ، ويشفع فيه فيشفع ، ويشرف فيه على جميع الخلائق فيوضع في كفه لواء الحمد يجتمع تحته الأنبياء والملائكة .
  و * (مدخل) * و * (مخرج) * بمعنى المصدر ، أي : * (أدخلني) * في جميع ما أرسلتني به إدخالا مرضيا * (وأخرجنى) * منه إخراجا مرضيا يحمد عاقبته ، وقيل : يريد إدخاله مكة ظاهرا عليها بالفتح وإخراجه منها سالما (1) ، وقيل : هو عام (2) * (سلطنا) * حجة تنصرني على من خالفني ، أو ملكا وعزا ناصرا للإسلام على الكفر ، فأجيبت دعوته بقوله : * (ليظهره على الدين كله) * (3) ، * (فإن حزب الله هم الغلبون) * (4) .
  وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنما لقبائل العرب يحجون إليها ، فلما نزلت هذه الآية يوم الفتح قال جبرئيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) : خذ مخصرتك (5) ثم ألقها ، فجعل يأتي صنما صنما وينكت بالمخصرة في عينه ويقول : * (جاء الحق وزهق البطل) * ، فينكب الصنم لوجهه ، فألقاها جميعا ، وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من قوارير صفر ، فقال : يا علي ارم به ، فحمله رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى صعد فرمى به فكسره ، فجعل أهل مكة يتعجبون ويقولون : ما رأينا رجلا أسحر من محمد (صلى الله عليه وآله) (6) .

-------------------
(1) قاله الضحاك ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 132 .
(2) حكاه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 688 .
(3) التوبة : 33 .
(4) المائدة : 56 .
(5) المخصرة : كل ما اختصر الإنسان بيده فأمسكه من عصا ونحوه ، (الصحاح : مادة خصر) .
(6) وهو ما رواه ابن مسعود كما في تفسير القرطبي : ج 10 ص 314 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 390_
  * (وزهق البطل) * هلك وذهب ، من قولهم : زهقت نفسه : إذا خرجت ، و * (الحق) * الإسلام ، و * (البطل) * الشرك * (كان زهوقا) * أي : مضمحلا غير ثابت .
  * (من القرءان) * : * (من) * للتبيين أو للتبعيض ، أي : كل شئ نزل من القرآن فهو * (شفاء ... للمؤمنين) * يزدادون به إيمانا ، فيقع منهم موقع الشفاء من المرضى .
  وعن النبي (صلى الله عليه وآله) : ( من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله ) (1) .
  ولا يزداد به الكافرون * (إلا خسارا) * أي : نقصانا ، لتكذيبهم به وكفرهم .
  * (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً * قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً * وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً * وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً * إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) * (وإذآ أنعمنا على الانسن) * بالصحة والغناء * (أعرض) * عن ذكر الله تعالى كأنه مستغن عنه * (ونا بجانبه) * تأكيد للإعراض ، لأن معنى الإعراض عن الشئ : أن يوليه عرض وجهه ، ومعنى النأي بالجانب : أن يوليه ظهره ، أو يريد التجبر والاستكبار ، لأن ذلك من عادة المتكبر المعجب بنفسه * (وإذا مسه الشر) * أي : المحنة والشدة ، أو الفقر * (كان يوسا) * شديد القنوط واليأس من رجاء الفرج ، وقرئ : ( وناء بجانبه ) (2) قدم اللام على العين كما قالوا : ( راء ) في ( رأى ) ، أو يكون من ناء : إذا نهض .
  * (قل كل) * أحد * (يعمل على شاكلته) * أي : مذهبه وطريقته التي تشاكل حاله

-------------------
(1) تفسير الرازي : ج 21 ص 34 .
(2) قرأه ابن ذكوان وابن عامر ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 501 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 391 _
   في الهدى والضلال ، بدلالة قوله : * (فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) * أي : أسد طريقة وأصوب مذهبا .
  * (الروح) * المسؤول عنه هو الروح الذي في الحيوان ، سئل (صلى الله عليه وآله) عن حقيقته فأخبر أنه * (من أمر) * الله (1) ، أي : مما استأثر الله به ، وقيل : إن اليهود قالت : إن أجاب محمد عن الروح فليس بنبي ، وإن لم يجب فهو نبي فإنا نجد في كتبنا ذلك (2) ، وقيل : هو جبرئيل (3) أو ملك من الملائكة يقوم صفا والملائكة صفا (4) ، وقيل : هو القرآن (5) ، و * (من أمر ربى) * أي : من وحيه وكلامه ، ليس من كلام البشر * (وما أوتيتم) * الخطاب عام * (إلا قليلا) * أي : شيئا يسيرا ، لأن معلومات الله سبحانه لا نهاية لها .
  * (لنذهبن) * جواب قسم محذوف وسد مسد جواب الشرط ، والمعنى : إن * (شئنا) * ذهبنا بالقرآن ومحوناه عن الصدور فلم نترك له أثرا * (ثم لاتجد لك) * بعد الذهاب * (به) * من يتوكل * (علينا) * باسترداده وإعادته محفوظا مسطورا .
  * (إلا رحمة من ربك) * إلا أن يرحمك ربك فيرده عليك ، كأن رحمته تتوكل عليه

-------------------
(1) ذكر الشيخ المصنف (رحمه الله) الخبر مجملا ، ولإتمام الفائدة نورده بلفظه : عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال : بينما أنا أمشي مع النبي (صلى الله عليه وآله) في حرث إذ مر بنفر من اليهود ، فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح ، فقالوا : مارابكم إليه ؟ لا يستقبلكم بشئ تكرهونه ، فقالوا : سلوه ، فقام إليه بعضهم فسأله عن الروح ، قال : فأسكت النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يرد عليه شيئا ، فعلمت أنه يوحى إليه ، قال : فقمت مكاني ، فلما نزل الوحي قال : * (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما اوتيتم من العلم إلا قليلا) * ، راجع صحيح مسلم : ج 4 ص 2152 ح 2794 ، سنن الترمذي : ج 5 ص 304 ح 3141 .
(2) قاله ابن عباس ، راجع تفسير الطبري : ج 8 ص 142 .
(3) وقائله ابن عباس أيضا ، راجع التبيان : ج 6 ص 515 .
(4) روي ذلك عن علي (عليه السلام) ، راجع المصدر السابق .
(5) وهو قول الحسن ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 269 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 392_
  بالرد ، أو يكون استثناء منقطعا بمعنى : ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به ، وهذا امتنان منه سبحانه ببقاء القرآن محفوظا بعد المنة في تنزيله وتحفيظه .
  * (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً * وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً) * أي : لو تظاهر الثقلان * (على أن يأتوا بمثل هذا القرءان) * في فصاحته وبلاغته وحسن تأليفه ونظمه لعجزوا عن الإتيان * (بمثله) * .
  * (ولقد صرفنا للناس) * أي : بينا لهم وكررنا * (من كل) * معنى هو كالمثل في حسنه وغرابته ، وقد احتاجوا إليه في دينهم ودنياهم فلم يرضوا * (إلا كفورا) * أي : جحودا .
  ولما تبين إعجاز القرآن ، وانضاف إليه غيره من المعجزات * (و) * لزمتهم الحجة ( قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر ) (1) أي : تفتح * (لنا من) * أرض مكة * (ينبوعا) * أي : عينا ينبع منه الماء لا ينقطع ، وهو يفعول كيعبوب (2) من عب ،

-------------------
(1) الظاهر أن المصنف (رحمه الله) قد اعتمد على قراءة التشديد هنا تبعا للزمخشري ، وهي القراءة المتداولة عند غير الكوفيين الذين قرؤوها بالتخفيف .
(2) اليعبوب : الفرس الكثير الجري ، وقيل : الطويل السريع ، وقيل : السهل في عدوه ، وأيضا النهر الشديد الجرية، (الصحاح ولسان العرب : مادة عبب) . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 393 _
  وقرئ : * (تفجر) * بالتخفيف .
  وقولهم : * (كما زعمت) * عنوا به قوله تعالى : * (إن نشأ نخسف بهم الارض أو نسقط عليهم كسفا من السماء) * (1) وقرئ : * (كسفا) * بفتح السين وسكونه (2) جمع كسفة * (قبيلا) * أي : كفيلا بما تقول ، شاهدا بصحته ، والمعنى : * (أو تأتى بالله) * قبيلا * (و) * ب‍ * (الملئكة) * قبلا (3) ، كقوله : رماني بأمر كنت منه ووالدي * بريئا ومن جول الطوي رماني (4) أو يريد : مقابلا لنا حتى نشاهده ونعاينه ، أو جمع قبيلة أي : جماعة ، حالا من * (الملئكة) * .
  والزخرف : الذهب * (أو ترقى في) * معارج * (السماء) * فحذف المضاف * (ولن نؤمن) * لأجل رقيك * (حتى تنزل علينا) * من السماء * (كتبا) * فيه تصديقك ، وإنما قصدوا بهذه الاقتراحات اللجاج والعناد * (قل سبحان ربى) * وقرئ : ( قال سبحان ربي ) (5) ، تعجب من اقتراحاتهم عليه * (هل كنت إلا بشرا) * مثل سائر الرسل ، وقد كانوا لا يأتون أممهم إلا بما يظهره الله عليهم من الآيات ، وليس أمر الآيات إلي، إنما هو إلى الله وهو العالم بالمصالح ، فلا وجه لطلبكم إياها مني .

-------------------
(1) سبأ : 9 .
(2) وبالسكون قرأه ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 385 .
(3) في بعض النسخ : قبيلا .
(4) اختلف في قائله ، فقد نسبه سيبويه الى ابن أحمر ، وقيل : للأزرق بن طرفة ، كما نسبه الأفندي الى الفرزدق ولم نجده في ديوانه المطبوع ، ومعناه واضح ، وجول الطوي : جدار البئر من اعلاها الى أسفلها ، وفي المثل : رماني من جول الطوي : أي رماني بما هو راجع إليه ، انظر كتاب سيبويه : ج 1 ص 75 ، وشرح شواهد الكشاف : ص 549 .
(5) قرأه ابن كثير وابن عامر وكذا هي في مصاحف أهل مكة والشام ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 385 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _394_
  * (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً * قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُوراً) * أي : * (وما منع الناس) * الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) * (إلا) * إنكارهم أن يرسل الله البشر ، ف‍ * (أن) * الأولى مفعول ثان ل‍ * (منع) * ، و * (أن) * الثانية فاعل (1) والهمزة في * (أبعث الله) * للإنكار ، فبين سبحانه أن ما أنكروه غير منكر وإنما المنكر خلافه عند الله، لأن حكمته البالغة تقتضي أن لا يرسل الملك بالوحي إلا إلى الأنبياء أو إلى أمثاله من الملائكة ، ثم قرر سبحانه بأنه * (لو كان في الارض ملئكة يمشون) * على أرجلهم * (مطمئنين) * ساكنين في الأرض لنزل الله * (عليهم من السماء ملكا رسولا) * يهديهم إلى الرشد ويعلمهم الدين ، فأما الإنس فإنما يرسل الملك إلى من يختاره منهم للنبوة فيقوم بدعوتهم وإرشادهم .

-------------------
(1) في بعض النسخ : فاعله . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 395_
  * (شهيدا بينى وبينكم) * على أني قضيت ما علي من التبليغ وأنكم كذبتم * (إنه كان بعباده خبيرا) * عالما بأحوالهم ، وهذا وعيد للكفار وتسلية للنبي (صلى الله عليه وآله) ، و * (شهيدا) * تمييز أو حال .
  * (ومن يهد الله) * أي : يوفقه * (فهو المهتد ومن يضلل) * ومن يخذل * (فلن تجد لهم أولياء) * أي : أنصارا * (على وجوههم) * يسحبون عليها إلى النار كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في إهانته وتعذيبه * (عميا) * عما يسرهم * (بكما) * عن التكلم بما ينفعهم * (صما) * عما يمتعهم ، كما كانوا في الدنيا لا يستبصرون ولا ينطقون بالحق ويتصامون عن استماعه ، ويجوز أن يحشروا وقد إيفت (1) حواسهم من الموقف إلى النار بعد الحساب ، فقد أخبر عنهم بأنهم يتكلمون * (كلما خبت) * أي : كلما احترقت (2) لحومهم فسكن لهبها بدلوا غيرها فرجعت ملتهبة مستعرة .
  * (ذلك جزاؤهم) * وهو تسليط النار على أجزائهم تأكلها وتفنيها ثم إعادتها ، ليزيد بذلك تحسرهم على التكذيب بالبعث .
  * (أولم) * يعلموا * (أن) * من قدر على خلق * (السموات والارض) * فهو * (قادر على) * خلق أمثالهم من الإنس ، لأنهم ليسوا بأشد خلقا منهن كما قال : * (ءأنتم أشد خلقا أم السماء) * (3) * (وجعل لهم أجلا لاريب فيه) * وهو الموت أو القيامة ، فأبوا مع وضوح الدليل * (إلا) * الجحود .
  * (قل لو أنتم تملكون) * تقديره : لو تملكون أنتم تملكون ، لأن ( لو ) لا تدخل إلا على الفعل ، فأضمر ( تملكون ) على شريطة التفسير ، وأبدل من الضمير المتصل الذي هو الواو ضمير منفصل وهو * (أنتم) * ، ف‍ * (أنتم) * فاعل الفعل المضمر

-------------------
(1) إيفت حواسهم : أي أصابتها آفة ، يقال : إيف الزرع : إذا أصابته آفة ، (الصحاح : مادة أوف) .
(2) في بعض النسخ زيادة : جلودهم .
(3) النازعات : 27 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 396_
  و * (تملكون) * تفسيره ، أي : لو ملكتم * (خزائن) * أرزاق الله ونعمه على خلقه * (لامسكتم) * شحا وبخلا ، والقتور : البخيل ، وقيل : هو جواب قولهم : * (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا) * (1) وما اقترحوه من الزخرف وغيره ، ويريد : أنهم لو ملكوا خزائن الله لبخلوا بها (2) .
  * (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْألْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً * قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً * فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنْ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً * وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً * وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً) * الآيات التسع : هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والبحر والطور الذي رفع فوق بني إسرائيل ، هذا قول ابن عباس (3) ، وقد ذكر أيضا : الطوفان والسنون ونقص من الثمرات مكان الحجر والبحر والطور (4) ، وقيل : إنها تسع آيات في الأحكام ، فروي : أن بعض اليهود سأل رسول الله عن ذلك فقال : أوحى الله إلى موسى أن : قل لبني إسراءيل : لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببرئ إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة

-------------------
(1) الآية : 90 .
(2) قاله الزجاج في معاني القرآن : ج 3 ص 261 .
(3) حكاه الماوردي في تفسيره : ج 3 ص 277 .
(4) وهو ما ذكره الحسن البصري في تفسيره : ج 2 ص 95 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _397_
  ولا تفروا من الزحف ، وأنتم يا يهود خاصة لا تعدوا في السبت ، فقبل اليهودي يده وقال : أشهد أنك نبي (1) .
  * (فسل بنى إسرا ءيل) * أي : سلهم من فرعون وقل له : أرسل معي بني إسرائيل ، أو سلهم عن حال دينهم ، أو سلهم أن يعاضدوك ، وقيل : معناه : فسأل يارسول الله المؤمنين من بني إسرائيل وهم عبد الله بن سلام وأصحابه لتزداد يقينا وطمأنينة قلب (2) ، وعلى القول الأول تعلق * (إذ جاءهم) * بالقول المحذوف ، أي فقلنا له : سلهم ، وأما على القول الثاني فتعلق ب‍ * (ءاتينا) * أو بإضمار ( اذكر ) ، والمعنى : إذ جاء آباءهم (3) * (مسحورا) * سحرت فخولط عقلك .
  * (لقد علمت) * يا فرعون * (ما أنزل هؤلاء) * الآيات * (إلا رب السموات والارض بصائر) * حججا وبينات مكشوفات ولكنك معاند ، وقرئ : ( علمت ) (4) بمعنى : لست بمسحور بل أنا عالم بصحة الأمر ، ثم قابل ظنه بظنه ، فكأنه قال : إن ظننتني مسحورا ف‍ * (إنى) * أظنك * (مثبورا) * هالكا ، وظني أصح من ظنك ، فإن له أمارة ظاهرة وهي إنكارك ما تعرف صحته وعنادك .
  * (فأراد) * فرعون * (أن) * يستخف موسى وقومه * (من) * أرض مصر ويخرجهم منها ، أو ينفيهم عن ظهر * (الارض) * بالقتل ، فاستفززناه : بأن أغرقناه وقومه بأجمعهم .
  * (وقلنا ... لبنى إسرا ءيل اسكنوا) * أرض مصر * (فإذا جاء وعد الاخرة) * وهو قيام الساعة * (جئنا بكم لفيفا) * جميعا مختلطين ثم يحكم بينكم ، واللفيف :

-------------------
(1) هو ما رواه صفوان بن عسال عن النبي (صلى الله عليه وآله) ، راجع مسند أحمد : ج 4 ص 239 ، وسنن النسائي : ج 7 ص 111 .
(2) حكاه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 697 .
(3) في نسخة : إياهم .
(4) قرأه الكسائي والأعشى ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 503 .

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 398 _
  الجماعات من قبائل شتى .
  * (وبالحق أنزلنه) * أي : ما أنزلنا القرآن إلا بالحق والحكمة * (و) * ما * (نزل) * إلا بالحكمة ، لاشتماله على الهداية إلى الخيرات * (وما أرسلنك إلا) * لتبشرهم وتنذرهم .
  * (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً * قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً * قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) * * (وقرءانا) * منصوب بفعل مضمر يفسره : ( فرقناه ) (1) وقرئ بالتخفيف ، وروي عن علي (عليه السلام) بالتشديد وعن ابن عباس وأبي وغيرهم (2) ، ومعنى المشدد : وجعلناه مفرقا منجما في النزول * (على مكث) * أي : على تثبت وتؤدة (3) وترتيل ليكون أمكن في قلوبهم * (ونزلنه) * على حسب الحاجة والحوادث .
  وعن ابن عباس : لان أقرأ سورة البقرة وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ

-------------------
(1) الظاهر أن القراءة المعتمدة لدى المصنف هنا على التشديد .
(2) كابن مسعود وقتادة وأبي رجاء العطاردي والشعبي وحميد وعمرو بن قائد وزيد بن علي وعمرو بن ذر وعكرمة والحسن ، انظر تفسير القرطبي : ج 10 ص 339 ، والبحر المحيط لأبي حيان : ج 6 ص 87 .
(3) التؤدة : التمهل والرزانة والتأني ، (العين : مادة وأد) . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 399 _
  القرآن هذا (1) (2) .
  * (قل ءامنوا به أو لا تؤمنوا) * أمر بالإعراض عنهم وقلة الاكتراث بهم وبإيمانهم ، وأنهم لم يدخلوا في الإيمان ، فإن من هم أفضل منهم من الذين قرأوا الكتب وعلموا الشرائع قد آمنوا به وصح عندهم أنه النبي الموعود في كتبهم ، ف‍ * (إذا) * تلي * (عليهم) * خروا * (سجدا) * تعظيما لأمر الله، ولإنجازه ما وعده في الكتب المنزلة من بعثة محمد (صلى الله عليه وآله) وإنزال القرآن عليه ، وهو المراد بالوعد في قوله : * (إن كان وعد ربنا لمفعولا) * أي: إنه كان وعد الله حقا كائنا ، وإنما ذكر الذقن لأن الساجد أقرب شئ منه إلى الأرض ذقنه ، ومعنى اللام : الاختصاص ، لأنهم جعلوا أذقانهم ووجوههم للسجود والخرور .
  وكرر قوله : * (يخرون للاذقان) * لاختلاف الحالين ، وهما : خرورهم في حال كونهم ساجدين ، وخرورهم في حال كونهم باكين * (ويزيدهم) * القرآن * (خشوعا) * أي : لين قلب وتواضعا لله . والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء ، وهو يتعدى إلى مفعولين ، تقول : دعوته زيدا ، ثم تترك أحد المفعولين استغناء عنه فتقول : دعوت زيدا ، و * (الله) * و * (الرحمن) * يريد بهما الاسم لا المسمى ، و * (أو) * للتخيير ، أي : سموا الله بهذا الاسم أو بهذا ، والتنوين في ( أي ) عوض من المضاف إليه ، و * (ما) * مزيدة مؤكدة للشرط ، و * (تدعوا) * مجزوم بالشرط الذي يتضمنه ( أي ) والمعنى : أي هذين الاسمين سميتم أو ذكرتم * (فله الاسماء الحسنى) * ، والضمير في * (له) * لا يرجع إلى أحد الاسمين لكن إلى مسماهما وهو ذاته عز اسمه ، لأن التسمية للذات

-------------------
(1) الهذ : الاسراع في القراءة وفي القطع ، (الصحاح : مادة هذذ) .
(2) سنن البيهقي : ج 2 ص 54 و 396 وج 3 ص 13 . (*)