عليه * (بلى) * لأن * (يبعث) * موعد من الله، ثم بين أن الوفاء بذلك الوعد حق واجب على الله في الحكمة * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * أنهم يبعثون ، أو أنه وعد واجب على الله لأنهم يقولون : لا يجب على الله شئ من مواجب الحكمة .
  * (ليبين لهم) * الضمير ل‍ * (من يموت) * وهو عام للمؤمنين والكافرين ، و * (الذي) * اختلفوا * (فيه) * هو الحق * (وليعلم الذين كفروا أنهم) * كذبوا في قولهم : لا يبعث الله من يموت .
   *(قولنا) * مبتدأ و * (أن نقول) * خبره و * (كن فيكون) * من " كان " التامة ، أي : إذا أردنا وجود شئ فليس إلا أن نقول * (له) * : احدث فهو محدث عقيب ذلك لا يتوقف ، وهذا مثل في أن مرادا لا يمتنع عليه ، وأن وجوده عند إرادته مثل وجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور المطيع الممتثل ، ولا قول هناك ، وقرئ : ( فيكون ) بالنصب (1) عطفا على * (نقول) * .
  * (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) * (والذين هاجروا) * هم : رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه ، ظلمهم أهل مكة ففروا بدينهم إلى الله، فهاجر بعضهم إلى الحبشة ثم بعد هاجروا إلى المدينة ، وقيل : هم الذين كانوا محبوسين بمكة بعد هجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله ) ، وكلما خرجوا تبعوهم

-------------------
(1) قرأه ابن عامر والكسائي ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 373 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)_ 327 _

  وردوهم ، منهم بلال وصهيب (1) وعمار وخباب (2) (3) * (في الله) * في حقه ولوجهه * (حسنة) * صفة لمصدر محذوف ، أي : * (لنبوئنهم) * تبوئة حسنة ، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( لنثوينهم ) (4) ومعناه : إثواءة حسنة ، أي : لننزلنهم في الدنيا منزلة حسنة ، وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموهم وعلى العرب قاطبة وعلى أهل المشرق والمغرب ، وقيل : لنبوئنهم مباءة حسنة وهي المدينة حيث آواهم الأنصار ونصروهم (5) * (لو كانوا يعلمون) * الضمير للكفار ، أي : لو علموا أن الله يجمع للمهاجرين الدنيا والآخرة لرغبوا في دينهم ، ويجوز أن يكون الضمير للمهاجرين ، أي : لو كانوا يعلمون ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم .
  * (الذين صبروا) * أي : هم الذين صبروا ، أو أعني الذين صبروا ، وكلاهما مدح ، صبروا على العذاب وعلى مفارقة الوطن وعلى الجهاد .
  قالت قريش : الله لا يرسل إلينا بشرا مثلنا ، فقال : * (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) * على ألسنة الملائكة * (فسلوا أهل الذكر) * وهم أهل

-------------------
(1) هو صهيب بن سنان بن مالك ، بدري ، وجميع المدنيين يثبتون نسبه في النمر ابن قاسط ، قال بعضهم : كان أبوه سنان بن مالك عاملا لكسرى على ( الأبلة ) ، وكانت منازلهم بأرض الموصل وما يليها من الجزيرة ، فأغارت الروم على تلك الناحية فسبوا صهيبا وهو غلام صغير ، فنشأ في الروم ، فابتاعته ( كلب ) منهم ، ثم قدمت به مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان ، ويقال : إن ابن جدعان أعتقه وبعث به إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ، توفي بالمدينة سنة ثمان وثلاثين في شوال ، وهو ابن سبعين سنة ، فدفن بالبقيع .
انظر المعارف لابن قتيبة : ص 151 .
(2) خباب بن الأرت بن جندلة ، من بني سعد بن تميم ، ويكنى : أبا عبد الله، وكان أصابه سباء فبيع بمكة فاشترته أم أنمار ـ وهي أم سباع الخزاعية من حلفاء بني زهرة ـ فاعتقته ، مات بالكوفة سنة سبع وثلاثين ه‍ ، وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وهو أول من قبره علي (عليه السلام) بالكوفة وصلى عليه عند منصرفه من صفين .
انظر المعارف لابن قتيبة : ص 179 .
(3) قاله الكلبي على ما حكاه عنه الماوردي في تفسيره : ج 3 ص 189 .
(4) حكاه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 607 .
(5) قاله الشعبي ، راجع تفسير الطبري : ج 7 ص 585 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 328 _
  الكتاب ليعلموكم أنه سبحانه لم يبعث إلى من تقدم من الأمم إلا البشر ، وقيل : إن أهل الذكر : أهل القرآن ، والذكر : القرآن (1) ، وقيل : أهل العلم (2) .
  وعن الباقر (عليه السلام) : ( نحن أهل الذكر ) (3) .
  * (بالبينت) * يتعلق ب‍ * (مآ أرسلنا) * ويدخل تحت الاستثناء ، أي : وما أرسلنا إلا رجالا بالبينات ، كما تقول : ما ضربت إلا زيدا بالسوط ، وأصله : ضربت زيدا بالسوط ، أو يتعلق ب‍ * (رجالا) * صفة له ، أي : رجالا ملتبسين بالبينات ، أو ب‍ * (نوحي) * أي : نوحي إليهم بالبينات ، وقوله : * (فسلوا أهل الذكر) * اعتراض * (وأنزلنا إليك الذكر) * أي : القرآن ، إنما سمي ذكرا لأنه موعظة وتنبيه للغافلين * (لتبين للناس ما) * نزل الله * (إليهم) * في الذكر مما أمروا به ونهوا عنه إرادة أن يتفكروا فينتبهوا (4) .
  * (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) *

-------------------
(1) قاله ابن زيد ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 189 .
(2) وهو قول الرماني والأزهري والزجاج ، راجع التبيان : ج 6 ص 384 .
(3) تفسير العياشي : ج 2 ص 260 ح 32 ، تفسير الطبري : ج 7 ص 587 .
(4) في بعض النسخ : فيتنبهوا . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 329 _
  أي : * (مكروا) * المكرات * (السيات) * ، يريد : أهل مكة وما مكروا به رسول الله (صلى الله عليه وآله) . * (في تقلبهم) * حال ، أي : متقلبين في أسفارهم ومتاجرهم .
  * (على تخوف) * أي : متخوفين ، وهو أن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا ، أي : * (يأخذهم) * العذاب وهم متخوفون متوقعون ، وهو خلاف قوله : * (من حيث لا يشعرون) * ، وقيل : معناه : على تنقص ، أي : يأخذهم على أن يتنقصهم شيئا بعد شئ في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا (1) * (فإن ربكم لرءوف رحيم) * حيث يحلم عنكم ولا يعذبكم عاجلا .
  وقرئ : ( أو لم تروا ) (2) و ( تتفيؤا ) بالتاء (3) والياء * (ما خلق الله) * : * (ما) * موصولة ، وهو مبهم بيانه : * (من شئ يتفيؤا ظلله) * ، و * (اليمين) * بمعنى الأيمان * (سجدا) * حال من الظلال * (وهم دا خرون) * حال من الضمير في * (ظلله) * لأنه في معنى الجمع ، وهو ما خلق الله من كل شئ له ظل ، وجمع بالواو والنون لأن الدخور من أوصاف العقلاء ، أو لأن في جملة ذلك من يعقل فغلب العقلاء ، والمعنى : أو لم يروا إلى ما خلق الله من الأجرام التي لها ظلال متفيئة عن أيمانها وشمائلها ، أي : عن جانبي كل واحد منها ، مستعار من يمين الإنسان وشماله ، أي : يرجع الظلال من جانب إلى جانب منقادة لله ، غير ممتنعة عليه فيما سخرها له من التفيؤ ، والأجرام في أنفسها ـ أيضا ـ داخرة صاغرة منقادة لأفعال الله فيها .
   * (من دابة) * بيان ل‍ * (ما في السموات وما في الارض) * جميعا ، على أن السماوات خلقا لله يدبون فيها ، أو بيان ل‍ * (ما في الارض) * وحده ويراد

-------------------
(1) قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد ، راجع التبيان : ج 6 ص 386 .
(2) وهي قراءة حمزة والكسائي ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 373 .
(3) قرأه أبو عمرو وحده ، راجع التيسير في القراءات السبع للداني : ص 138.

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _330 _
  ب‍ * (ما في السموات) * الملائكة ، وكرر ذكرهم على معنى : * (والملكة) * خصوصا من بين الساجدين لأنهم أعبد الخلق ، أو يراد ملائكة الأرض من الحفظة وغيرهم ، والمراد بسجود المكلفين : طاعتهم وعبادتهم ، وبسجود غيرهم : انقيادها لإرادة الله وأنها غير ممتنعة عليه .
  * (يخافون) * حال من الضمير في * (لا يستكبرون) * ، أو استئناف لبيان نفي الاستكبار وتأكيده ، لأن من خاف الله لم يستكبر عن عبادته * (من فوقهم) * إن تعلق ب‍ * (يخافون) * فالمعنى : يخافونه أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم ، وإن تعلق ب‍ * (ربهم) * فهو حال منه ، أي : يخافون ربهم غالبا لهم قاهرا ، كقوله : * (وإنا فوقهم قهرون) * (1) .
  * (وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ * وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) * (إلهين اثنين) * هو تأكيد للعدد ودلالة على العناية به ، ألا ترى أنك لو قلت : إنما هو إله ، ولم تؤكده ب‍ ( واحد ) لم يحسن ، وخيل أنك أثبت الإلهية لا الوحدانية * (فإيى فارهبون) * نقل الكلام من الغيبة إلى التكلم على طريقة الالتفات ، لأن الغائب هو المتكلم ، ولأنه أبلغ في الترهيب من قوله : وإياه فارهبوه ، ومن أن يجئ ما قبله على لفظ التكلم .

-------------------
(1) الأعراف : 127 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 331_
  و * (الدين) * : الطاعة * (واصبا) * حال عمل فيها الظرف ، والواصب : الواجب الثابت ، لأن كل نعمة منه فالطاعة واجبة له على كل منعم عليه ، ويجوز أن يكون من الوصب ، أي : وله الدين ذا كلفة ومشقة ولذلك سمي تكليفا ، أو : وله الجزاء دائما ثابتا سرمدا لا يزال (1) يعني : الثواب والعقاب .
  * (وما بكم من نعمة) * أي : ما اتصل بكم من نعمة في النفس أو المال * (ف‍) * هو * (من الله) * ، * (فإليه تجرون) * أي : فما تتضرعون إلا إليه ، والجؤار : رفع الصوت بالدعاء ، وقرئ : ( تجرون ) بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على الجيم (2) .
  * (إذا فريق منكم) * يجوز أن يكون الضمير في * (وما بكم من نعمة) * عاما ويريد بالفريق فريق الكفرة ، وأن يكون الخطاب للكفار ، و * (منكم) * للبيان لا للتبعيض ، كأنه قال : إذا فريق كافر وهم أنتم، ويجوز أن يكون فيهم من اعتبر ، كقوله : * (فلما نجيهم إلى البر فمنهم مقتصد) * (3) .
  * (ليكفروا بمآ ءاتينهم) * من نعمة الكشف عنهم ، كأنهم جعلوا غرضهم في الشرك كفران النعمة * (فتمتعوا فسوف تعلمون) * تخلية ووعيد ، ويجوز أن يكون * (ليكفروا) * و * (فتمتعوا) * من الأمر الوارد بمعنى الخذلان والتخلية ، واللام لام الأمر .
  * (وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ * وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

-------------------
(1) في نسخة : لا يزول .
(2) وهي قراءة الزهري على ما حكاه عنه أبو حيان في البحر المحيط : ج 5 ص 502 .
(3) لقمان : 32 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _332 _
  * أي : * (لما لا يعلمون‍) * ـ ها ، يريد : آلهتهم ، لأنهم اعتقدوا فيها أنها تضر وتنفع وتشفع وهي جماد ، فهم إذن جاهلون بها ، وقيل : الضمير في * (لا يعلمون) * للآلهة ، أي : لأشياء غير موصوفة بالعلم ، أي : يتقربون إليها (1) ، ف‍ * (يجعلون) * لها * (نصيبا) * في أنعامهم وزروعهم وهي لا تشعر بذلك * (لتسلن) * وعيد * (عما كنتم تفترون) * من الإفك في زعمكم أنها آلهة ، وأنها أهل للتقرب إليها .
  زعموا أن الملائكة بنات الله * (سبحنه) * تنزيه لذاته من نسبة الولد إليه، أو تعجب من قولهم * (ولهم مايشتهون) * يعني : البنين ، ومحله نصب عطفا على * (البنت) * أي : وجعلوا لأنفسهم ما يشتهونه من الذكور ، أو رفع على الابتداء .
  و * (ظل) * بمعنى : صار ، كما يستعمل ( أصبح ) و ( أمسى ) و ( بات ) بمعنى الصيرورة ، أي : صار * (وجهه مسودا) * مربدا (2) من الكآبة ، ف‍ * (هو كظيم) * : مملوء حنقا على المرأة .
  * (يتوا رى) * أي : يستخفي * (من القوم من) * أجل * (سوء) * المبشر * (به) * ويحدث نفسه وينظر * (أيمسكه على) * هوان وذل * (أم يدسه في التراب) * أي : يئده * (ألا ساء ما يحكمون) * حيث يجعلون الولد الذي هو عندهم بهذا المحل لله تعالى ، ويجعلون لأنفسهم من هو على العكس من هذه الصفة .
  * (مثل السوء) * أي : صفة السوء ، وهي الحاجة إلى الولد ، أو صفة النقص من الجهل والعجز * (ولله المثل الاعلى) * وهو صفات الإلهية والغنى عن الصاحبة

-------------------
(1) قاله مجاهد وقتادة ، راجع تفسير الطبري : ج 7 ص 598 .
(2) اربد وجهه وتربد : إذا احمر حمرة فيها سواد عند الغضب ، (لسان العرب : مادة ربد) . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 333 _
  والولد ، والنزاهة عن صفات المخلوقين .
  * (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ * وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمْ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ * تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمْ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) * (بظلمهم) * أي : بكفرهم ومعاصيهم * (عليها) * أي : على الأرض، أي : لأهلك الدواب كلها بشؤم ظلم الظالمين ، وقيل : ما ترك من دابة ظالمة تدب عليها (1) ، وعن ابن عباس : من مشرك (2) .
  * (ويجعلون لله ما يكرهون) * لأنفسهم من البنات ومن شركاء في رياستهم ومن الاستخفاف برسولهم ، ويجعلون له أرذل أموالهم ولأصنامهم أكرمها * (وتصف ألسنتهم) * مع ذلك * (الكذب) * ، و * (أن لهم الحسنى) * بدل من * (الكذب) * ، وهو قول قريش : لنا البنون ، أو هو قولهم : إن كان ما يقوله محمد (صلى الله عليه وآله) حقا فإن لنا الجنة * (مفرطون) * قرئ مفتوح الراء ومكسورها (3) ، وبالتخفيف والتشديد (4) ، فالمفتوح بمعنى : مقدمون إلى النار معجلون إليها ، من أفرطت فلانا وفرطته في

-------------------
(1) حكاه الماوردي في تفسيره : ج 3 ص 196 .
(2) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 613 .
(3) وبالكسر قرأه نافع ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 374 .
(4) وقراءة التشديد هي قراءة أبي جعفر المدني ، راجع التبيان : ج 6 ص 395 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 334 _
  طلب الماء ، أي : قدمته ، وقيل : منسيون متروكون (1) ، من أفرطت فلانا خلفي : إذا خلفته ونسيته ، والمكسور المخفف من الإفراط في المعاصي ، وبالتشديد من التفريط في الطاعات .
  * (فهو وليهم اليوم) * أي : فهو قرينهم في الدنيا ، جعل * (اليوم) * عبارة عن زمان الدنيا ، ويجوز أن يرجع الضمير إلى مشركي قريش ، أي : زين * (الشيطن) * للكفار قبلهم * (أعملهم) * فهو ولي هؤلاء لأنهم منهم .
  * (وهدى ورحمة) * عطف على محل * (لتبين) * ، و * (الذي اختلفوا فيه) * هو البعث ، لأن بعضهم كان يؤمن به وأشياء من التحريم والتحليل .
  * (لقوم يسمعون) * سماع إنصاف وتدبر ، لأن من لم يسمع بقلبه فكأنه أصم .
  * (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ * وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) ) * وقرئ : * (نسقيكم) * بفتح النون (2) وضمها ، هاهنا وفي ( المؤمنون ) (3)

-------------------
(1) قاله مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير والضحاك ، راجع المصدر السابق .
(2) قرأه نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 492 .
(3) الآية : 21 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 335_
  وهو استئناف ، كأنه قيل : كيف العبرة ؟ فقيل : نسقيكم * (مما في بطونه) * ، وإذا ذكر * (الانعم) * فعلى أن يكون اسما مفردا بمعنى الجمع ، مثل ( نعم ) في قوله : في كل عام نعم تحوونه * يلقحه قوم وتنتجونه (1) وإذا أنث فلأنه تكسير نعم ، والمعنى : أنه سبحانه يخلق اللبن وسيطا بين الفرث والدم يكتنفانه ، وبينه وبينهما برزخ من قدرة الله عزوجل لايشوبانه ولا يبغي أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة ، بل هو خالص من ذلك كله * (سائغا) * أي : سهل المرور في الحلق ، و * (من) * الأولى للتبعيض ، لأن اللبن بعض ما في بطونه ، والثانية لابتداء الغاية ، لأن بين الفرث والدم مكان الإسقاء الذي منه يبتدئ .
  * (ومن ثمرا ت النخيل) * يتعلق بمحذوف ، والتقدير : ونسقيكم من ثمرات النخيل * (والاعنب) * أي : من عصيرها ، و * (تتخذون منه سكرا) * بيان لكيفية الإسقاء ، أو يتعلق ب‍ * (تتخذون) * وتكون * (منه) * تكريرا للظرف للتوكيد ، والهاء في * (منه) * يعود إلى ( الثمرات ) لأن ( الثمر ) بمعنى ( الثمرات ) ، ويجوز أن يعود إلى موصوف محذوف و * (تتخذون) * صفة له ، والتقدير : ما تتخذون منه سكرا ، وتكون ( ما ) نكرة موصوفة ، أو : ثمر تتخذون منه سكرا * (ورزقا حسنا) * لأنهم كانوا يأكلون بعضها ويتخذون بعضها سكرا ، والسكر : الخمر وكل ما يسكر ، سميت بالمصدر من سكر سكرا وسكرا ، قال : فجاؤونا بهم سكر علينا * فأجلى اليوم والسكران صاحي (2)

-------------------
(1) وقائله : قيس بن الحصين الحارثي من بني سعد ، يخاطب فيها قوما من اللصوص المغيرين ، يقول لهم : انتم تحوون كل عام نعما لاناس ألقحوه وجهدوا في سبيله ثم إنكم تنتجونه وتستفيدون من فوائده في حيكم ، انظر شرح شواهد الكشاف للأفندي : ص 554 .
(2) لم نعثر على قائله فيما توفرت لدينا من مصادر ، وفيه يذم الشاعر قوما موصوفين بالغضب أرادوا الحرب مع قوم الشاعر ، لكن لشجاعة قومه وبطشهم كشفوهم وهزموهم ، فكأن قومه = (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 336 _
  والرزق الحسن، ما هو حلال منها كالخل والدبس والتمر (1) والزبيب .
  * (وأوحى ربك إلى النحل) * أي : ألهمها وقذف في قلوبها وعلمها على وجه لا سبيل لأحد إلى الوقوف عليه ، فإن صنعتها الأنيقة ولطفها في تدبير أمرها والعجائب المركبة في طباعها شواهد بينة على أن الله سبحانه أودعها علما بذلك * (أن اتخذي) * هي ( أن ) المفسرة ، لأن الإيحاء فيه معنى القول ، وقرئ : ( بيوتا ) بكسر الباء (2) لأجل الياء في جميع القرآن و * (يعرشون) * بضم الراء (3) وكسرها ، أي : ومن الكرم الذي يعرشونه ، أي : يتخذون منه العريش (4) ، والضمير في * (يعرشون) * للناس و * (من) * في جميعها للبعضية ، لأنها لاتبني بيوتها في كل جبل وكل شجر وكل مايعرش ولا في كل مكان منها .
  * (ثم كلى من كل الثمرا ت) * أي : من أي ثمرة شئت واشتهيت ، فإذا أكلتها * (فاسلكي سبل ربك) * أي : الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل ، أو : إذا أكلت الثمار فاسلكي إلى بيوتك راجعة سبل ربك لاتتوعر عليك ولا تضلين فيها ، و * (ذللا) * جمع ذلول حال من * (سبل ربك) * ، لأن الله ذللها لها وسهلها ، أو من الضمير في * (فاسلكي) * أي : وأنت ذلل منقادة لما أمرت به * (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوا نه) * يعني : العسل اختلف ألوانه : أبيض وأصفر وأحمر * (فيه شفاء للناس) * لأنه من جملة الأشفية والأدوية المشهورة ، وتنكيره : إما لتعظيم الشفاء الذي فيه ، أو لأن فيه بعض الشفاء ،

-------------------
= كانوا في سكرة وحيرة وفي اللقاء صحوا من سكرتهم وشمروا عن ساعدهم فهزموا القوم ، راجع شرح شواهد الكشاف للأفندي : ص 361 .
(1) في بعض النسخ ليس فيها ( التمر ) .
(2) قرأه عاصم على ما حكاه عنه المشهدي في كنز الدقائق : ج 5 ص 355 .
(3) قرأه ابن عامر وعاصم برواية أبي بكر والسلمي وعبيد بن نضلة ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 374 ، والبحر المحيط لأبي حيان : ج 5 ص 512 .
(4) العرش والعريش : ما يستظل به ، (الصحاح : مادة عرش ) . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 337_
  وقال : * (يخرج من بطونها) * وإن كانت تلقيه من أفواهها كالريق ، لئلا يظن أنه ليس من بطنها .
  * (إلى أرذل العمر) * أي : أخسه وأحقره ، وهو خمس وسبعون سنة عن علي (عليه السلام) (1) ، وتسعون سنة عن قتادة (2) ، لأنه لاعمر أسوء حالا من عمر الهرم * (لكى لا يعلم بعد علم شيا) * ليصير إلى حال شبيهة بحال الطفولية في النسيان ، وأن يعلم شيئا ثم ينسى فلا يعلمه إن سئل عنه ، وقيل : لئلا يعلم زيادة علم على علمه (3) .
  * (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ * وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنْ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ * فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) * أي : جعلكم متفاوتين * (في الرزق) * فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم وهم بشر مثلكم ، فأنتم لاتسوون بينكم وبينهم فيما أنعم الله به عليكم ، ولا تجعلونهم فيه شركاء ، ولا ترضون ذلك لأنفسكم ، فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيده له شركاء وتوجهوا العبادة والقرب إليهم كما توجهون ذلك إليه ؟ ! وقيل : معناه : أن الموالي

-------------------
(1) التبيان : ج 6 ص 405 ، تفسير الماوردي : ج 3 ص 200 .
(2) تفسير البغوي : ج 3 ص 76 .
(3) حكاه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 620 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 338 _
  والمماليك الله رازقهم جميعا * (فهم) * في رزقه * (سوآء) * فلا يحسب الموالي أنهم يرزقونهم من عندهم وإنما هو رزق الله أجراه إليهم على أيديهم (1) ، وقيل : معناه : فلم يرد الموالي فضل مارزقوه على مماليكهم حتى يتساووا في المطعم والملبس (2) .
  ويحكى عن أبي ذر : أنه سمع النبي (صلى الله عليه وآله) يقول : إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون وأطعموهم مما تطعمون ، فما رئي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من غير تفاوت (3) .
  * (أفبنعمة الله يجحدون) * فجعل ذلك من جملة جحود النعمة ، وقرئ : * (يجحدون) * بالياء والتاء (4) * (من أنفسكم) * أي : من جنسكم * (حفدة) * أي : خدما وأعوانا .
  الصادق (عليه السلام) : ( هم أختان (5) الرجل على بناته ) (6) .
  وقيل : هم أولاد الأولاد (7) ، وهو جمع حافد ، وحفد الرجل : أسرع في الطاعة والخدمة .
  وفي الدعاء : ( إليك نسعى ونحفد ) (8) .
  * (من الطيبت) * يعني : بعضها * (أفبالبطل يؤمنون) * وهو ما يعتقدون من

-------------------
(1) حكاه ابن عيسى ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 201 .
(2) قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ، راجع المصدر السابق .
(3) رواه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 620 ، وابن حجر في الكاف الشاف : ص 94 .
(4) وقراءة التاء هي قراءة عاصم برواية أبي بكر ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 374 .
(5) الختن : كل من كان من قبل المرأة مثل الأب والأخ، وهم الأختان ، هكذا في كلام العرب ، وأما عند العامة فختن الرجل : زوج ابنته ، (الصحاح : مادة ختن) .
(6) تفسير القمي : ج 1 ص 387 .
(7) قاله ابن عباس ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 202 .
(8) وهو من أدعية القنوت ، رواه الجوهري في الصحاح وابن الأثير في النهاية ، انظر الصحاح والنهاية : مادة ( حفد ) . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 339 _
  منفعة الأصنام وشفاعتها * (و ... يكفرون) * ، * (بنعمت الله) * المشاهدة التي لاشبهة فيها ، وقيل : يريد بنعمة الله رسول الله (صلى الله عليه وآله) والقرآن والإسلام (1) أي : هم كافرون بها منكرون لها .
  * (رزقا) * مصدر و * (شيا) * منتصب به ، كقوله : * (أو إطعم ... يتيما ... أو مسكينا) * (2) ، أي : * (مالا يملك) * أن يرزق شيئا ، ويجوز أن يكون بمعنى : ( مايرزق ) فيكون * (شيا) * بدلا منه بمعنى : قليلا ، و * (من السموات والارض) * صلة للرزق إن كان مصدرا ، بمعنى : لا يرزق من السماوات مطرا ومن الأرض نباتا ، أو صفة إن كان اسما لما يرزق ، والضمير في * (ولا يستطيعون) * ل‍ * (ما) * لأنه في معنى الآلهة بعدما قيل : * (لا يملك) * على اللفظ ، ويجوز أن يكون للكفار ، أي : ولا يستطيعون مع أنهم أحياء شيئا من ذلك فكيف بالجماد .
  * (فلا تضربوا لله الامثال) * تمثيل للإشراك بالله والتشبيه به ، لأن من يضرب الأمثال يشبه حالا بحال وقصة بقصة * (إن الله يعلم) * ما تفعلونه ويعاقبكم عليها * (وأنتم لا تعلمون) * ذلك .
  * (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) *

-------------------
(1) قاله ابن عباس ومقاتل ، راجع البحر المحيط لأبي حيان : ج 5 ص 515 .
(2) البلد : 14 ـ 16 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _340 _
  ذكر * (مملوكا) * ليميز العبد من الحر لأنهما من عباد الله، و * (من) * في قوله : * (ومن رزقنه) * موصوفة ، أي : وحرا رزقناه ليطابق * (عبدا) * ، ويجوز أن يكون موصولة ، و * (يستوون) * معناه : هل يستوي الأحرار والعبيد ؟ وإذا كان القادر والعاجز لا يستويان فكيف يسوى بين الحجارة وبين الله القادر على ما يشاء الرازق جميع خلقه ؟ ! الأبكم : الذي ولد أخرس فلا يفهم ولا يفهم * (وهو كل على موليه) * أي : ثقل وعيال على من يلي أمره ويعوله * (أينما يوجهه) * حيثما يرسله في حاجة أو يصرفه في كفاية مهم لم ينفع ولم * (يأت) * بنجح ولا يهتدي إلى منفعة * (هل يستوى هو ومن) * كان سليم الحواس نفاعا كافيا ذا رشد وديانة فهو * (يأمر) * الناس * (بالعدل) * والخير * (وهو) * في نفسه * (على صرا ط مستقيم) * أي : دين قويم وسيرة صالحة ؟ ! وهذان مثلان ضربهما الله لنفسه ولما يفيضه على عباده من النعم الدينية والدنياوية ، وللأصنام التي هي جماد وموات لا تنفع ولا تضر ، وقيل : ضربهما الله مثلين للكافر والمؤمن (1) .
  * (ولله غيب السموات والارض) * أي : يختص به علم ما غاب منهما عن العباد وخفي عليهم علمه * (إلا كلمح البصر) * أي: هو عند الله وإن تراخى ، كما تقولون في الشئ الذي تستقربونه : هو كلمح البصر * (أو هو أقرب) * إذا بالغتم في استقرابه ، ونحوه : * (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) * (2) ، يعني : إنه عنده قريب دان وهو عندكم بعيد ، وقيل : معناه : أن إقامة الساعة وإحياء جميع

-------------------
(1) قاله ابن عباس ، راجع تفسيره : ص 227 .
(2) الحج : 47 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 341 _
  الأموات تكون في أقرب وقت وأوحاه (1) (2) * (إن الله على كل شئ قدير) * فهو يقدر على أن يقيم الساعة .
  * (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ) * قرئ : * (أمهتكم) * بضم الهمزة وكسرها (3) في جميع القرآن * (لا تعلمون شيا) * في موضع الحال ، المعنى : غير عالمين شيئا من حق المنعم الذي خلقكم في البطون ، ويجوز أن يكون * (شيا) * مصدرا والمعنى : لا تعلمون علما * (وجعل لكم) * أي : وركب فيكم هذه الأشياء لإزالة الجهل الذي ولدتم عليه ، واكتساب العلم والعمل به من شكر المنعم وطاعته وعبادته .
   وقرئ : * (ألم يروا) * بالياء والتاء (4) * (مسخرا ت) * مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المؤاتية لذلك ، والجو: الهواء المتباعد من الأرض في سمت العلو والسكاك واللوح أبعد منه * (ما يمسكهن) * في قبضهن وبسطهن ووقوفهن * (إلا الله) * جل جلاله .

-------------------
(1) الوحى : السرعة ، والوحي : السريع ، (الصحاح : مادة وحى) .
(2) حكاه الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 623 .
(3) وقراءة الكسر هي قراءة الكسائي ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 493 .
(4) وبالتاء قرأه ابن عامر وحمزة ويعقوب ، راجع المصدر السابق . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 342 _
  * (من بيوتكم) * التي تسكنونها من الحجر والمدر والخيام والأخبية (1) * (سكنا) * هو فعل بمعنى مفعول ، وهو ما يسكن إليه من بيت أو إلف * (بيوتا) * هي القباب من الأدم والأنطاع * (تستخفونها) * ترونها خفيفة المحمل * (يوم ظعنكم) * أي : ارتحالكم من بلد إلى بلد ، وقرئ بفتح العين (2) وسكونها * (ويوم إقامتكم) * أي : تخف عليكم في أوقات السفر والحضر جميعا * (ومتعا) * أي : شيئا ينتفع به * (إلى حين) * إلى أن تبلى ، أو إلى أن تموتوا .
  * (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ * يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمْ الْكَافِرُونَ * وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ * وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ) * (مما خلق) * من الأشجار والأبنية أشياء تستظلون بها في الحر والبرد * (أكننا) * جمع ( كن ) وهو ما يستكن به من الغيران والبيوت المنحوتة في الجبال * (سرا بيل) * أي : قمصا من القطن والكتان والصوف وغيرها * (تقيكم الحر) * ولم يذكر البرد لأن الوقاية من الحر عندهم أهم ، ودل ذكر الحر على البرد * (وسرا بيل تقيكم بأسكم) * يريد الدروع والجواشن ، والسربال عام يقع على كل ماكان من حديد أو غيره * (لعلكم تسلمون) * تنظرون في نعمه الفاشية فتؤمنون به وتنقادون له .
   * (فإن تولوا) * فلم يقبلوا منك فقد أعذرت وأديت ما وجب عليك من التبليغ .

-------------------
(1) الأخبية جمع خباء : وهو بناء يكون من وبر أو صوف ، (الصحاح : مادة خبا) .
(2) قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 375 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 343_
  * (يعرفون نعمت الله) * التي عددناها حيث يعترفون بها وأنها من الله * (ثم ينكرونها) * بعبادتهم غير الله * (وأكثرهم) * الجاحدون ، وقيل : نعمة الله: نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) (1) كانوا يعرفونها ثم ينكرونها عنادا ، وأكثرهم المنكرون بقلوبهم .
  * (شهيدا) * وهو نبيها أو إمامها القائم مقامه يشهد لهم وعليهم بالإيمان والتصديق والكفر والتكذيب * (ثم لا يؤذن للذين كفروا) * في الاعتذار ، والمعنى : لا حجة لهم ، فدل بترك الإذن على أن لا حجة لهم ولا عذر * (ولاهم يستعتبون) * يسترضون ، أي : لا يقال لهم : أرضوا ربكم ، لأن الآخرة ليست بدار تكليف ، وانتصب * (يوم نبعث) * بمحذوف ، والتقدير : واذكر يوم نبعث ، أو : يوم نبعث وقعوا فيما وقعوا فيه .
  وكذا قوله : * (وإذا) * رأوا * (العذاب) * أي : إذا رأوه ثقل عليهم * (فلا يخفف عنهم) *.
   * (وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمْ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ * وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ * وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) * (شركاؤنا) * أي : آلهتنا التي دعوناها شركاء * (فألقوا إليهم القول) * أي : قال الذين عبدوهم لهم بإنطاق الله إياهم : * (إنكم لكذبون) * في أنا أمرناكم بعبادتنا

-------------------
(1) قاله السدي ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 207 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 344 _
  أو في قولكم : إنا آلهة .
  * (وألقوا) * يعني : الذين أشركوا * (السلم) * أي : الاستسلام لأمر الله وحكمه بعد الإباء والاستكبار في الدنيا * (وضل عنهم) * أي : بطل عنهم *(ما كانوا يفترون) * من أن لله شركاء وأنهم يشفعون لهم .
  * (الذين كفروا) * وحملوا غيرهم على الكفر يضاعف الله عقابهم كما ضاعفوا كفرهم * (بما كانوا يفسدون) * بكونهم مفسدين للناس بصدهم * (عن سبيل الله) * .
  * (شهيدا عليهم من أنفسهم) * يعني : نبيهم الذي أرسل إليهم ، أو الحجة الذي هو إمام عصرهم * (وجئنا بك) * يا محمد * (شهيدا على هؤلاء) * أي : أمتك * (تبينا) * أي : بيانا بليغا * (لكل شئ) * من أمور الدين ، فما من شئ منها إلا وقد بين في القرآن : إما بالنص عليه ، أو الإحالة على ما يوجب العلم من : بيان النبي (صلى الله عليه وآله) أو الحجج القائمين مقامه أو إجماع الأمة ، فيكون على هذا حكم جميعها مستفادا من القرآن .
  * (بالعدل) * بالواجب من الإنصاف بين الخلق وغير ذلك * (والاحسن) * وهو التفضل والندب ، ولفظ الإحسان جامع لكل خير * (وإيتآى ذي القربى) * وإعطاء الأقارب (1) حقهم بصلتهم ، وقيل : هم قرابة النبي (صلى الله عليه وآله) * (وينهى عن الفحشاء) * أي : الفاحشة وهي ما جاوز حدود الله * (والمنكر) * ما تنكره العقول * (والبغى) * طلب التطاول بالظلم .
  * (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)

-------------------
(1) في بعض النسخ زيادة : جميعا . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 346_
  * عهد الله، البيعة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) على الإسلام والإيمان لقوله تعالى : * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) * (1) ، * (ولا تنقضوا الايمن) * البيعة * (بعد توكيدها) * أي : بعد توثيقها باسم الله، و ( أكد ) و ( وكد ) لغتان ، والأصل : الواو والهمزة بدل منه * (وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) * رقيبا وشاهدا ، لأن الكفيل يراقب حال المكفول به ويراعيه .
  * (ولا تكونوا) * في نقض الأيمان * (ك‍) * المرأة * (التي) * غزلت ثم * (نقضت غزلها) * بعد إمراره (2) وإحكامه فجعلته * (أنكثا) * جمع نكث ، وهو ماينكث فتله ، وهي ريطة بنت سعد بن تيم بن مرة من قريش ، كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن * (أن تكون أمة) * بسبب أن تكون أمة ، يعني : جماعة قريش * (هي أربى من أمة) * أي : أزيد عددا وأوفر مالا من أمة من جماعة المؤمنين * (إنما يبلوكم الله به) * الضمير لقوله : * (أن تكون أمة) * لأنه في معنى المصدر ، أي : إنما يختبركم بكونهم أربى لينظر أتوفون بعهد الله وبيعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم تغترون بكثرة قريش وقوتهم وثروتهم وقلة غيرهم من المؤمنين وضعفهم وفقرهم * (وليبينن لكم يوم القيمة) * وعيد وتحذير من مخالفة الرسول .
  * (ولو شآء الله لجعلكم أمة وا حدة) * مسلمة مؤمنة * (ولكن يضل من يشآء) *

-------------------
(1) الفتح : 10 .
(2) في بعض النسخ : إبرامه ، وفي الصحاح : أمررت الحبل : إذا فتلته فتلا شديدا . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 346 _
  وهو أن يخذل من علم أنه يختار الضلال والكفر ، ويلطف بمن علم أنه يختار الإيمان ، يعني : أنه بنى الأمر على الاختيار لا على الإجبار ، وحقق ذلك بقوله : * (ولتسلن عما كنتم تعملون) * .
  ثم كرر النهي عن اتخاذ الأيمان * (دخلا) * بينهم ، تأكيدا عليهم ، والدخل : أن يكون الباطن خلاف الظاهر ، فيكون داخل القلب على الكفاء (1) والظاهر على الوفاء * (فتزل قدم) * أي : فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام * (بعد ثبوتها) * عليها ، وإنما وحدت القدم ونكرت لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن ثبتت عليه فكيف بأقدام كثيرة * (وتذوقوا السوء) * في الدنيا بصدودكم * (عن سبيل الله) * أو بصدكم غيركم عنها ، لأنهم لو نقضوا أيمان البيعة وارتدوا لاتخذوا نقضها سنة لغيرهم يستنون بها * (ولكم عذاب عظيم) * في الآخرة .
  الصادق (عليه السلام) : ( نزلت هذه الآية في ولاية علي (عليه السلام) والبيعة له حين قال النبي (صلى الله عليه وآله) : سلموا على علي بإمرة المؤمنين ) (2) .
  * (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) *

-------------------
(1) في نسخة : اللفاء ، وهو مقابل الوفاء ، انظر لسان العرب : مادة ( لفأ ) .
(2) تفسير العياشي : ج 2 ص 268 ح 64 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 347 _
  * (ولا) * تستبدلوا * (بعهد الله) * وبيعة رسول الله * (ثمنا قليلا) * عرضا يسيرا من الدنيا * (إنما عند الله) * من الثواب على الوفاء بالعهود * (خير لكم) * وأشرف * (إن كنتم تعلمون) * الفرق بين الخير والشر .
  * (ما عندكم) * من متاع الدنيا * (ينفد) * أي : يفنى ، وقرئ : * (لنجزين) * بالياء (1) والنون .
  * (حيوا ة طيبة) * يعني : في الدنيا ، وهو الظاهر لقوله : * (ولنجزينهم) * وعده الله ثواب الدنيا والآخرة ، وعن ابن عباس : الحياة الطيبة : الرزق الحلال (2) ، وعن الحسن : القناعة (3) ، وقيل : يعني في الجنة (4) ، ولا يطيب لمؤمن حياة إلا في الجنة .
  ولما ذكر العمل الصالح وثوابه وصل به قوله : * (فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله) * ليعلم أن الاستعاذة من جملة العمل الصالح ، يعني : فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ ، كقوله : * (إذا قمتم إلى الصلواة فاغسلوا وجوهكم) * (5) وكما تقول : إذا أكلت فسم الله، وإنما عبر عن إرادة الفعل بلفظ الفعل لأن الفعل يوجد عند القصد والإرادة بغير فاصل .
  * (ليس له سلطن) * أي : تسلط على أولياء الله، يعني : أنهم لا يقبلون منه ما يريده منهم * (إنما سلطنه على) * من يتولاه ويطيعه * (به مشركون) * الضمير في * (به) * يرجع إلى * (ربهم) * ، ويجوز أن يرجع إلى * (الشيطن) * أي : بسببه مشركون .
  * (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ * إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ)

-------------------
(1) قرأه نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 375 .
(2) حكاه عنه الماوردي في تفسيره : ج 3 ص 212 .
(3) تفسير الحسن البصري : ج 2 ص 75 .
(4) قاله قتادة ، راجع التبيان : ج 6 ص 424 .
(5) المائدة : 6 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 348_
  * تبديل الآية * (مكان) * الآية هو النسخ * (والله أعلم بما ينزل) * فينزل في كل وقت ما توجبه المصلحة ، وما كان مصلحة أمس جاز أن يصير مفسدة اليوم وخلافه مصلحة ، وهو سبحانه عالم بالمصالح كلها * (قالوا إنما أنت مفتر) * أي : كاذب تأمر أمس بأمر واليوم بخلافه * (بل أكثرهم لا يعلمون) * جواز النسخ ، وأنه من عند الله لجهلهم .
  * (قل نزله روح القدس) * يعني : جبرئيل ، أضيف إلى * (القدس) * وهو الطهر كقولهم : حاتم الجود ، وزيد الخير ، والمراد : الروح المقدس ، وحاتم الجواد ، وزيد الخير .
  والمقدس : المطهر من المآثم ، وفي * (ينزل) * و * (نزله) * من المعنى أنه نزله شيئا بعد شئ على حسب المصالح ، وفيه إشارة إلى أن التنزيل (1) أيضا من باب المصالح * (بالحق) * في موضع الحال من الهاء في * (نزله) * أي : ملتبسا بالحكمة ، يعني : أن النسخ من جملة الحق * (ليثبت الذين ءامنوا) * بما فيه من الحجج والبينات فيزدادوا تصديقا ويقولوا : هو الحق من ربنا * (وهدى وبشرى) * معطوفان على محل * (ليثبت) * والتقدير : تثبيتا لهم وهداية وتبشيرا .
  * (إنما يعلمه بشر) * قالوا : يعلمه غلام رومي كان لحويطب بن عبد العزى (2) ،

-------------------
(1) في بعض النسخ : التبديل .
(2) وهو من بني عامر بن لؤي ، عاش مائة وعشرين سنة ، نصفها في الجاهلية ، مات في خلافة معاوية ، وكان من المؤلفة قلوبهم ، راجع المعارف لابن قتيبة : ص 176 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 349 _
  اسمه : عائش أو يعيش ، أسلم وحسن إسلامه وكان صاحب كتاب ، وقيل : هو سلمان الفارسي (رحمه الله) ، قالوا : إنه يتعلم القصص منه (1) * (لسان الذي يلحدون إليه أعجمى) * أي : لغة الذي يضيفون إليه التعليم ويميلون إليه القول أعجمية ، من ألحد القبر ولحده فهو ملحد وملحود : إذا أمال حفره عن الاستقامة ، ثم استعير ذلك لكل إمالة عن استقامة ، فقالوا : ألحد فلان في قوله ، وألحد في دينه * (وهذا) * يعني : القرآن * (لسان عربي مبين) * ذو بيان وفصاحة ، وقرئ : ( يلحدون ) بفتح الياء والحاء (2) .
  * (إن الذين لا يؤمنون بايت الله) * أي : يعلم الله منهم أنهم لا يؤمنون * (لا يهديهم الله) * لا يلطف بهم ويخذلهم .
  * (إنما يفترى الكذب) * رد لقولهم : * (إنما أنت مفتر) * ، أي : إنما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن بالله ، لأن الإيمان يمنع من الكذب .
  * (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ * لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الْخَاسِرُونَ * ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) * (من كفر) * بدل من * (الذين لا يؤمنون بايت الله) * ، والمعنى : إنما يفتري

-------------------
(1) قاله الضحاك ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 215 .
(2) وهي قراءة حمزة والكسائي . راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 375 . (*)

تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني) _ 350 _
  الكذب * (من كفر بالله من بعد إيمنه) * واستثنى منهم المكره ، ويجوز أن ينتصب على الذم ، أو يكون شرطا مبتدأ محذوف الجواب ، لأن جواب * (من شرح) * يدل عليه ، كأنه قيل : من كفر بالله فعليهم غضب من الله، إلا من أكره .
   وروي : أن أناسا من أهل مكة ارتدوا عن الإسلام ، وكان فيهم من أكره فأجرى كلمة الكفر على لسانه وهو معتقد للإيمان ، منهم عمار وأبواه ياسر وسمية ، وصهيب وبلال وخباب ، وقتل أبو عمار وأمه فأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا ، فقال قوم من المسلمين : كفر عمار ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( كلا ، إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه ) ، وجاء عمار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يبكي ، فقال له : ( ما وراءك ؟ ) قال : شر يارسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير ، فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح عينيه ويقول : ( مالك ، إن عادوا لك فعد لهم بما قلت ) (1) .
  * (ذلك) * إشارة إلى الوعيد بسبب استحبابهم * (الدنيا على الاخرة) * واستحقاقهم خذلان الله بكفرهم .
  * (أولئك هم) * الكاملون في الغفلة فلا أحد أغفل منهم ، إذ غفلوا عن تدبر عاقبة حالهم في الآخرة وذلك غاية الغفلة .
  * (ثم إن ربك) * دلالة على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك وهم عمار وأصحابه ، ومعنى ( إن ربك لهم ) : أنه لهم لا عليهم ، بمعنى : أنه وليهم وناصرهم لا عدوهم وخاذلهم ، وقيل : إن خبر * (إن) * قوله : * (لغفور رحيم) * (2) ، وهذا من باب ما جاء في القرآن تكرير ( إن ) ، وكذلك الآية التي فيما بعد : * (ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهلة) * إلى آخره (3) * (من بعد ما فتنوا) * أي : عذبوا في الله

-------------------
(1) انظر تفسير البغوي : ج 3 ص 86 .
(2) قاله أبو البقاء على ما في البحر المحيط لأبي حيان : ج 5 ص 541 .
(3) الآية : 119 . (*)