علمهم )
(1).
وتدارك من : تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك .
ومعنى الإضراب ثلاث مرات أنه وصفهم أولا بأنهم ( لا يشعرون ) وقت البعث ، ثم بأنهم * (لا يعلمون) * بأن القيامة كائنة ، ثم بأنهم * (في شك) * يستطيعون إزالته ولا يزيلونه ، ثم بما هو أسوأ حالا وهو العمى ، وجعل الآخرة مبدأ إعمائهم فلذلك عداه ب ( من ) دون ( عن ) ، لأن الكفر بالعاقبة هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون.
والعامل في * (إذا) * ما دل عليه * (أئنا لمخرجون) * وهو تخرج ، لأن بين يدي ( عمل ) اسم فاعل فيه موانع من العمل ، وهي : همزة الاستفهام و ( إن ) ولام الابتداء ، واحدة منها كافية ، فكيف إذا اجتمع الجميع ، والمراد : الإخراج من الأرض أو من حال الفناء إلى الحياة ، وتكرير حرف الاستفهام بإدخاله على ( إذا ) و ( إن ) جميعا إنكار على إنكار وجحود بعد جحود ، والضمير في * (إنا) * لهم ولآبائهم ، لأن كونهم * (ترابا) * قد تناولهم وآباءهم.
فانظر * (كيف كان عقبة المجرمين) * أي : الكافرين.
* (ولا تحزن عليهم) * لأنهم لم يتبعوك ، والمراد : لم يسلموا * (ولا تكن في) * حرج صدر من مكرهم وكيدهم ، ولا تبال بذلك ، فإن الله يعصمك منهم ، يقال : ضاق الشئ ضيقا بالفتح والكسر ، وقد قرئ بهما جميعا
(2).
إستعجلوا العذاب الموعود ، فقيل لهم : * (عسى أن يكون) * ردفكم بعضه وهو عذاب يوم بدر ، فزيدت اللام للتأكيد كما زيدت الباء في * (ولا تلقوا بأيديكم) *
(3) ، أو ضمن * (ردف) * معنى فعل يتعدى باللام نحو : دنا لكم وأزف لكم ، والمعنى : تبعكم ولحقكم ، و ( عسى ) و ( لعل ) و ( سوف ) في وعد الملوك
-------------------
(1) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 379 .
(2) قرأ ابن كثير والمسيبي واسماعيل كلاهما عن نافع بكسر الضاد ، وقرأ الباقون بفتحها ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 485 .
(3) البقرة : 195 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 721 _
ووعيدهم يدل على صدق الأمر وجده ، يعنون بذلك أنهم لا يعجلون بالانتقام لوثوقهم بغلبتهم ، وبأن الأمر لا يفوتهم.
والفضل : الإفضال أي : هو مفضل عليهم بتأخير العقوبة ، وأكثرهم لا يعرفون حق النعمة فيه ولا يشكرونه ، كننت الشئ وأكننته : سترته ، أي : يعلم ما يخفون وما يعلنون من عداوة رسول الله وكيده ، وهو معاقبهم على ذلك على حسب استحقاقهم ، التاء في ( الغائبة ) و ( الخافية ) بمنزلتها في ( العاقبة ) و ( العافية ) ، والمعنى : الشئ الذي يغيب ويخفي ، وهما اسمان ، ويجوز أن يكونا صفتين ، والتاء تكون للمبالغة ك ( الراوية ) في قولهم : حماد الراوية ، كأنه قال : وما من شئ شديد الغيبوبة والخفاء إلا وقد علمه الله وأثبته في اللوح.
* (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ * فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ * إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ * وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ * وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ) * أي : * (يقص) * عليهم ما اختلفوا فيه من أمر المسيح ومريم وأشياء كثيرة وقع بينهم الاختلاف فيه من الأحكام وغيرها ، وكان ذلك من معجزات نبينا (صلى الله عليه وآله) ،
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 722 _
إذ كان لا يدرس كتبهم وأخبرهم بما فيها.
* (يقضى بينهم) * أي : بين من آمن بالقرآن ومن كفر به ، أو : بين المختلفين في الدين يوم القيامة * (بحكمه) * أي : بما يحكم به وهو عدله ، فسمى المحكوم به حكما ، أو بحكمته * (وهو العزيز) * فلا يرد قضاؤه * (العليم) * بمن يقضي له وعليه.
أمره بالتوكل على الله وقلة المبالاة بأعداء الدين ، وعلل التوكل بأنه * (على الحق) * وصاحب الحق حقيق بالوثوق بنصرة الله.
* (إنك لا تسمع الموتى) * ومن سمع آيات الله وهو حي صحيح الحواس فلا تعيها أذنه ، وحاله كحال الموتى الذين فقدوا مصحح السماع ، وحاله كحال الصم الذين ينعق بهم فلا يسمعون ، و * (العمى) * الذين يضلون الطريق ولا يقدر أحد على أن يجعلهم هداة بصراء إلا الله ، وقوله : * (إذا ولوا مدبرين) * تأكيد لحال الأصم ، لأنه إذا ولى عن الداعي مدبرا كان أبعد عن إدراك صوته ، وقرئ : ( ولا يسمع الصم ) (1) ( وما أنت تهدي العمي ) (2).
وهداه عن الضلال كقوله : سقاه عن العيمة (3) أي : أبعده عنها بالسقي ، وأبعده عن الضلال بالهدى * (إن تسمع) * أي : ما تسمع * (إلا) * من يطلب الحق ، ويعلم الله أنه يؤمن بآياته ويصدق بها * (فهم مسلمون) * مخلصون * (وإذا وقع القول) * أي : حصل ما وعده الله من علامات قيام الساعة وظهور أشراطها * (أخرجنا لهم دابة من الأرض) * تخرج من بين الصفا والمروة ، فتخبر المؤمن بأنه مؤمن والكافر بأنه كافر ، وعن حذيفة : أن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( دابة الأرض طولها ستون
-------------------
(1) قرأه ابن كثير وابن محيص وحميد وابن أبي اسحاق وعباس عن أبي عمرو ، راجع كتاب
السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 486 ، وتفسير القرطبي : ج 13 ص 232.
(2) قرأه حمزة.
راجع كتاب السبعة السابق.
(3) عام الرجل الى اللبن يعام ويعيم عيما وعيمة ، (لسان العرب : مادة عيم).
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 723 _
ذراعا ، لا يدركها طالب ، ولا يفوتها هارب ، فتسم المؤمن بين عينيه ، وتسم الكافر بين عينيه ، ومعها عصا موسى ، وخاتم سليمان ، فتجلو وجه المؤمن بالعصا ، وتختم أنف الكافر بالخاتم حتى يقال : يا مؤمن ، ويا كافر ) (1).
وروي : ( فتضرب المؤمن بين عينيه بعصا موسى فتنكت نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة في وجهه حتى يبيض لها وجهه ، ويكتب بين عينيه : مؤمن ، وتنكت الكافر بالخاتم فتفشو النكتة حتى يسود لها وجهه ، ويكتب بين عينيه : كافر ) (2).
وعن السدي : تكلمهم ببطلان الأديان كلها سوى دين الإسلام (3).
وعن محمد بن كعب قال : سئل علي (عليه السلام) عن الدابة فقال : ( أما والله مالها ذنب ، وإن لها للحية ) (4).
وفي هذا إشارة إلى أنها من الإنس .
وقد روي عنه (عليه السلام) أنه قال : ( أنا صاحب العصا والميسم ) (5).
وعن ابن عباس وغيره (6) : * (تكلمهم) * من الكلم وهو الجرح ، والمراد به الوسم بالعصا والخاتم ، ويجوز أن يكون تكلمهم من الكلم أيضا على معنى التكثير ، يقال : فلان مكلم أي : مجرح ، ويجوز أن يستدل بالتخفيف على أن المراد بالتكليم التجريح ، كما فسر * (لنحرقنه) * بقراءة علي (عليه السلام) : ( لنحرقنه ) (7) ، ويستدل
-------------------
(1) رواه البغوي في تفسيره : ج 3 ص 429.
(2) رواه الماوردي في تفسيره : ج 4 ص 226 عن ابن الزبير.
(3) حكاه عنه البغوي في تفسيره : ج 3 ص 428.
(4) رواه الطوسي في التبيان : ج 8 ص 119 ، والماوردي في تفسيره : ج 4 ص 226.
(5) وهو ما رواه الكليني في الكافي : ج 1 ص 198 باب أن الائمة هم أركان الأرض ، والصدوق في العلل : ص 164 ب 130 ح 3.
(6) كالحسن وسعيد بن جبير وأبي زرعة وأبي رجاء العطاردي وعاصم الجحدري ، راجع التبيان : ج 8 ص 120 ، وتفسير القرطبي : ج 13 ص 238.
(7) حكاها عنه (عليه السلام) ابن خالويه في الشواذ : ص 92 ، والآية من سورة طه : 97. (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 724 _
بقراءة أبي ( تنبئهم ) (1) ، وبقراءة ابن مسعود : * (تكلمهم) * بالتشديد ( بأن الناس ) (2) على أنه من الكلام.
وعن الباقر (عليه السلام) : كلم الله من قرأ ( تكلمهم ) ، ولكن * (تكلمهم) * بالتشديد (3).
وقرئ : ( إن ) بالكسر (4) على حكاية قول الدابة أو قوله تعالى عند ذلك ، وإذا كانت حكاية لقول الدابة فمعنى * (بايتنا) * : بآيات ربنا ، أو : لأنها من خواص خلق الله أضافت آيات الله إلى نفسها ، كما يقول بعض خاصة الملك : بلادنا وجندنا ، وإنما هي بلاد مولاه وجنده ، والقراءة بفتح * (أن) * على حذف الجار.
* (فهم يوزعون) * أي : يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا * (ويوم نحشر) * منصوب بما دل عليه * (فهم يوزعون) * لأن * (يوم) * هاهنا بمنزلة ( إذا ) .
وقد استدل بعض الإمامية (5) بهذه الآية على صحة الرجعة وقال : إن المذكور فيها : يوم نحشر فيه * (من كل) * جماعة فوجا ، وصفة يوم القيامة أنه يحشر فيه الخلائق بأسرهم كما قال سبحانه : * (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) * (6).
وورد عن آل محمد (عليهم السلام) : أن الله تعالى يحيي عند قيام المهدي (عليه السلام) قوما من أعدائهم قد بلغوا الغاية في ظلمهم واعتدائهم ، وقوما من مخلصي أوليائهم قد ابتلوا بمعاناة كل عناء ومحنة في ولائهم ، لينتقم هؤلاء من أولئك ، ويتشفوا مما
-------------------
(1 و 2) انظر معاني القرآن للفراء : ج 2 ص 300.
(3) تفسير القمي علي بن ابراهيم : ج 2 ص 130 وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام).
(4) قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ، راجع كتاب السبعة في القراءات : ص 487.
(5) كالشيخ الطوسي في التبيان : ج 8 ص 120 .
(6) روى القمي باسناده الى أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) في حديث الى أن قال : فقال رجل له : إن العامة تزعم أن قوله : * (ويوم نحشر من كل امة فوجا) *
عنى يوم القيامة ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : أفيحشر الله من كل امة فوجا
ويدع الباقين ؟ ! لا ، ولكنه في الرجعة ، وأما آية القيامة فهي : * (وحشرناهم فلم
نغادر منهم أحدا) * راجع تفسير القمي : ج 2 ص 131. (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 725 _
تجرعوه من الغموم بذلك ، وينال كل من الفريقين بعض ما استحقه من الثواب والعقاب (1).
وهذا غير مستحيل في العقول فإن أحدا من المسلمين لا يشك في أنه مقدور لله تعالى ، وقد نطق القرآن بوقوع أمثاله في الأمم الخالية ك * ( ـ الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) * (2) ، والذي * (أماته الله مئة عام ثم بعثه) * (3) (4).
وروي عنه (عليه السلام) : ( سيكون في أمتي كل ما كان في بني إسرائيل ، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ) (5).
وعلى هذا فيكون المراد بالآيات : الأئمة الهادية (عليهم السلام).
وقوله : * (ولم تحيطوا بها علما) * الواو للحال ، فكأنه قال : أكذبتم بها بادئ الرأي من غير فكر ونظر يؤدي إلى إحاطة العلم بكنهها ، أو للعطف أي : أجحدتموها ومع جحودكم لم تقصدوا معرفتها وتحققها * (أماذا كنتم تعملون) * من غير الكفر والتكذيب بآيات الله ، يعني : لم يكن لكم عمل في الدنيا غير ذلك * (ووقع القول عليهم) * أي : غشيهم العذاب بسبب ظلمهم فشغلهم عن الاعتذار والنطق به * (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ * وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ
-------------------
(1) انظر روضة الكافي : ص 206 ح 250.
(2) البقرة : 243.
(3) البقرة : 259.
(4) أنظر الاعتقادات في دين الإمامية للصدوق : ب 18 ص 39 ـ 43.
(5) من لا يحضره الفقيه : ج 1 ص 203 ح 609. (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 726 _
آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنْ الْمُنذِرِينَ * وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) * (مبصرا) * معناه : ليبصروا فيه طرق المكاسب * (ففزع) * ولم يقل : فيفزع ليعلم أنه كائن لا محالة ، والمراد : أن أهل السماوات والأرض يفزعون عند النفخة الأولى * (إلا من شاء الله) * من الملائكة الذين ثبتهم الله تعالى وهم : جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ، وقيل : الشهداء (1) ، وقرئ : ( وكل أتوه ) (2) أي : فاعلوه ، وكلاهما محمول على معنى ( كل ) ، والداخر : الصاغر ، ومعنى الإتيان : حضورهم الموقف بعد النفخة الثانية ، ويجوز أن يكون المراد : رجوعهم إلى أمرهم وانقيادهم له.
* (تحسبها جامدة) * من جمد في المكان : إذا لم يبرح منه ، تجمع الجبال وتسير كما تسير الريح السحاب ، فإذا نظر إليها الناظر حسبها واقفة * (وهي تمر) * مرا حثيثا.
وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد إذا تحركت لا يتبين حركتها ، كما قال النابغة الجعدي يصف جيشا : بأرعن مثل الطود تحسب أنهم * وقوف لحاج والركاب تهملج (3)
-------------------
(1) قاله أبو هريرة كما في تفسير الماوردي : ج 4 ص 230.
(2) وهي قراءة الجمهور إلا حمزة وحفصا ، راجع كتاب السبعة في القراءات : ص 487.
(3) الأرعن : الجبل العالي ، والهملجة : السير السريع ، يقول : إن جيشنا من الكثرة تظنهم واقفين لحاجة والحال أن ركابه تسرع السير ، انظر شرح شواهد الكشاف للافندي : 99 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 727 _
* (صنع الله) * مصدر مؤكد ، وانتصابه بما دل عليه ما تقدم من قوله : * (وهي تمر مر السحاب) * وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتى بها على وجه الحكمة
والإتقان وهو حسن الاتساق * (إنه خبير) * بما يفعله العباد ، وما يستحقونه عليه
فيجازيهم بحسب ذلك ، وقرئ : * (تفعلون) * بالتاء على الخطاب (1).
وقرئ : ( من فزع يومئذ ) مجرورا بالإضافة (2) و ( يومئذ ) مفتوحا مع الإضافة (3) لأنه أضيف إلى غير متمكن ، ومنصوبا مع تنوين ( فزع ) .
ومن نون ففي انتصاب ( يومئذ ) ثلاثة أوجه : أن يكون ظرفا للمصدر ، وأن يكون صفة له كأنه قال : من فزع يحدث يومئذ ، وأن يتعلق ب * (آمنون) * كأنه قال : وهم آمنون يومئذ من فزع شديد لا يكتنهه الوصف ، وهو خوف النار.
وعن علي (عليه السلام) : ( الحسنة حبنا أهل البيت ، والسيئة بغضنا ) (4).
ويؤيده ما رووه عن جابر عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال : ( يا علي ، لو أن أمتي صاموا حتى صاروا كالأوتار ، وصلوا حتى صاروا كالحنايا ، ثم أبغضوك ، لأكبهم الله على مناخرهم في النار ) (5).
* (هل تجزون) * على إضمار القول * (هذه البلدة) * يعني : مكة ، خصها
الله سبحانه بإضافة اسمه إليها ، وأشار إليها إشارة تعظيم لها ، ووصف ذاته بالتحريم
الذي هو خاص ، وصفها : لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها ،
-------------------
(1) الظاهر أن القراءة المعتمدة لدى المصنف هنا بالياء.
(2) قرأه ابن كثير وابو عمرو ونافع وابن عامر ، راجع كتاب السبعة في القراءات : ص 487.
(3) قرأه ابن جماز وقالون وابن أبي اويس والمسيبي وورش كلهم عن نافع ، راجع المصدر السابق.
(4) أخرجه الكليني في الكافي : ج 1 ص 185 ح 14 ، والطوسي في الأمالي ج 2 ص 107.
(5) العلل المتناهية لابن الجوزي : ج 1 ص 257. (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 728 _
ومن التجأ إليها فهو آمن ، ومن انتهك حرمتها فهو ظالم ، وهو مالك * (كل شئ) * فيحرم ما يشاء ويحل ما يشاء * (فمن اهتدى) * باتباعه إياي فمنفعة اهتدائه راجعة إليه لا إلي * (ومن ضل) * ولم يتبعني فلا علي ، وما أنا إلا رسول منذر ، وليس علي إلا البلاغ المبين.
ثم أمر سبحانه أن يحمد الله على ما آتاه من نعمة النبوة ، وأن يهدد أعداءه بما سيريهم سبحانه من الآيات التي تلجئهم إلى المعرفة والإقرار بأنها آيات الله ، وذلك حين لا تنفعهم المعرفة ، يعني : في الآخرة ، وقيل : هي العذاب في الدنيا والقتل يوم بدر فيشاهدونها (1) ، وقرئ : * (تعملون) * بالتاء والياء (2).
-------------------
(1) وهو قول مقاتل ، راجع مجمع البيان : ج 7 ص 237.
(2) وبالياء قرأه ابن كثير وأبو عمرو وهشام ، راجع الكشف عن وجوه القراءات : ج 2 ص 169. (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 729 _
سورة القصص مكية (1)
وهي ثمان وثمانون آية ، * (طسم) * كوفي ، * (يسقون) * غيرهم.
وفي حديث أبي : ( من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق موسى (عليه السلام) ومن كذب به ) (2).
-------------------
(1) قال الشيخ الطوسي في التبيان : ج 8 ص 127 : مكية في قول قتادة والحسن عطاء وعكرمة
ومجاهد ، وليس فيها ناسخ ولا منسوخ ، وقال ابن عباس : آية منها نزلت بالمدينة ، وقيل
بالجحفة ، وهي قوله : * (ان الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد) * ، وهي ثمانون
وثمان آيات بلا خلاف في جملتها ، واختلفوا في رأس آيتين.
وفي الكشاف : ج 3 ص 391 : مكية إلا من آية 52 إلى غاية آية 55 فمدنية ، وآية 85 فبالجحفة أثناء الهجرة ، وآياتها 88 ، نزلت بعد النمل.
وفي تفسير الآلوسي : ج 20 ص 41 ما لفظه : مكية كلها على ما روي عن الحسن وعطاء وطاوس وعكرمة ، وقال مقاتل : فيها من المدني قوله تعالى : * (الذين آتيناهم االكتاب) * إلى قوله : * (لا نبتغى الجاهلين) * فقد أخرج الطبراني عن ابن عباس أنها نزلت هي وآخر الحديد في أصحاب النجاشي الذين قدموا وشهدوا واقعة أحد ، وفي رواية عنه أن الآية المذكورة نزلت بالجحفة في خروجه (صلى الله عليه وآله وسلم) للهجرة ، وقيل : نزلت بين مكة والجحفة.
(2) رواه الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 437 مرسلا ، وزاد في آخره : ( ولم يبق ملك في السماوات والأرض إلا شهد له يوم القيامة أنه كان صادقا أن كل شئ هالك إلا وجهه ، له الحكم وإليه ترجعون ) . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 730 _