الفهرس العام

فتن ما بعد بني أمية

يفرج الله عن الفتن بالإمام المهدي عليه السلام
أهل البيت عليهم السلام هم الملجأ في الفتن
نحن أفق الإسلام، بنا يلحق المبطئ وإلينا يرجع التائب.
بلاء آل محمد عليهم السلام في الفتن
1 ـ تأثير الميل إلى الدنيا في علم الإنسان ودينه
كيف تبدأ الفتن
2 ـ كلام أمير المؤمنين عليه السلام عن بدع أبي بكر وعمر وعثمان
(19) أحاديث عن فتنة أبي بكر وعمر
الصحيفة الملعونة والمعاهدة في الكعبة
ندامة الصحابة لتقصيرهم في حق أمير المؤمنين عليه السلام
(20) أصحاب الصحيفة وأصحاب العقبة
عمار وحذيفة في فتنة السقيفة
(21) شدة حب رسول الله صلى الله عليه وآله للإمامين الحسنين عليهما السلام
الحسين عليه السلام يعلو ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله في السجدة
الحسن عليه السلام على عاتق رسول الله صلى الله عليه وآله في المنبر
1 ـ خطبة عمرو بن العاص في الشام ضد أمير المؤمنين عليه السلام
2 ـ خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في البصرة بتكذيب ابن العاص
3 ـ كيف جمع معاوية أهل الشام على الأخذ بثار عثمان!!
(23) الرسالة السرية من معاوية إلى زياد بن أبيه
سيرة معاوية في قبايل العرب
سيرة معاوية في إهانة العجم والموالي
كيف طمع معاوية في الخلافة وكيف نالها ؟
أمر معاوية بإهانة الأعاجم
معاوية يستلحق زيادا بأبي سفيان

  ألا إنكم ستجدون بني أمية أرباب سوء بعدي كالناب الضروس تعض بفيها وتخبط بيديها وتضرب برجليها وتمنع درها.
  وأيم الله، لا تزال فتنتهم حتى لا تكون نصرة أحدكم لنفسه إلا كنصرة العبد السوء لسيده، إذا غاب سبه وإذا حضر أطاعه، وأيم الله لو شردوكم تحت كل كوكب لجمعكم الله لشر يوم لهم.
  فقال الرجل: فهل من جماعة ـ يا أمير المؤمنين ـ بعد ذلك ؟ قال عليه السلام: إنها ستكونون جماعة شتى، عطاؤكم وحجكم وأسفاركم واحد والقلوب مختلفة.
  قال: قال واحد: كيف تختلف القلوب ؟ قال عليه السلام: هكذا ـ وشبك بين أصابعه ـ ثم قال : يقتل هذا هذا وهذا هذا، هرجا هرجا ويبقى طغام جاهلية ليس فيها منار هدى ولا علم يرى ، نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة.
  قال: فما أصنع في ذلك الزمان يا أمير المؤمنين ؟ قال عليه السلام: انظروا أهل بيت نبيكم ، فإن لبدوا فالبدوا وإن استنصروكم فانصروهم تنصروا وتعذروا، فإنهم لن يخرجوكم من هدى ولن يدعوكم إلى ردى ، ولا تسبقوهم بالتقدم فيصرعكم البلاء وتشمت بكم الأعداء.

يفرج الله عن الفتن بالإمام المهدي عليه السلام

  قال: فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال عليه السلام: يفرج الله البلاء برجل من بيتي كانفراج الأديم من بيته ، ثم يرفعون إلى من يسومهم خسفا ويسقيهم بكأس مصبرة ولا يعطيهم ولا يقبل منهم إلا السيف، هرجا هرجا ، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر حتى تود قريش بالدنيا وما فيها أن يروني مقاما واحدا فأعطيهم وآخذ منهم بعض ما قد منعوني وأقبل منهم بعض ما يرد عليهم حتى يقولوا : (ما هذا من قريش ، لو

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 259 _

  كان هذا من قريش ومن ولد فاطمة لرحمنا) يغريه الله ببني أمية فيجعلهم تحت قدميه ويطحنهم طحن الرحى، (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ). ، (1)

أهل البيت عليهم السلام هم الملجأ في الفتن

  أما بعد، فإنه لا بد من رحى تطحن ضلالة، فإذا طحنت قامت على قطبها، ألا وإن لطحنها روقا وإن روقها حدها وعلى الله فلها.
  ألا وإني وأبرار عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلمهم كبارا، معنا راية الحق والهدى، من سبقها مرق ومن خذلها محق ومن لزمها لحق.
  إنا أهل بيت من علم الله علمنا، ومن حكم الله الصادق قيلنا، ومن قول الصادق سمعنا، فإن تتبعونا تهتدوا ببصائرنا وإن تتولوا عنا يعذبكم الله بأيدينا أو بما شاء.

نحن أفق الإسلام، بنا يلحق المبطئ وإلينا يرجع التائب.

  والله لولا أن تستعجلوا ويتأخر الحق لنبأتكم بما يكون في شباب العرب والموالي، فلا تسألوا أهل بيت محمد العلم قبل إبانه، ولا تسألوهم المال على العسر فتبخلوهم، فإنه ليس منهم البخل.
  وكونوا أحلاس البيوت، ولا تكونوا عجلا بذرا ، كونوا من أهل الحق تعرفوا به وتتعارفوا عليه، فإن الله خلق الخلق بقدرته وجعل بينهم الفضائل بعلمه وجعل منهم عبادا اختارهم لنفسه ليحتج بهم على خلقه ، فجعل علامة من أكرم منهم طاعته وعلامة من أهان منهم معصيته، وجعل ثواب أهل طاعته النضرة في وجهه في دار الأمن والخلد الذي لا يورع أهله، وجعل عقوبة أهل معصيته نارا تأجج لغضبه، (وَمَا ظَلَمَهُمُ

---------------------------
(1) سورة الأحزاب: الآية 62 ، وفي المتن: وأخذوا.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 260 _

   اللّهُ وَلكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ). (1)
  يا أيها الناس، إنا أهل بيت بنا ميز الله الكذب، وبنا يفرج الله الزمان الكلب وبنا ينزع الله ربق الذل من أعناقكم وبنا يفتح الله وبنا يختم الله، فاعتبروا بنا وبعدونا وبهدانا وبهداهم وبسيرتنا وسيرتهم وميتتنا وميتتهم، يموتون بالدال والقرح والدبيلة ، ونموت بالبطن والقتل والشهادة.

بلاء آل محمد عليهم السلام في الفتن التائب.

  ثم التفت عليه السلام إلى بنيه فقال : يا بني، ليبر صغاركم كباركم، وليرحم كبار كم صغاركم ، ولا تكونوا أمثال السفهاء الجفاة الجهال الذين لا يعطون في الله اليقين، كبيض بيض في داح. (2)
  ألا ويح للفراخ فراخ آل محمد من خليفة يستخلف ، جبار (3) عتريف مترف يقتل خلفي وخلف الخلف بعدي.
  أما والله، لقد علمت تبليغ الرسالات وتنجيز العدات وتمام الكلمات وفتحت لي الأسباب وعلمت الأنساب وأجري لي السحاب ، ونظرت في الملكوت فلم يعزب عني شئ فات ولم يفتني ما سبقني ولم يشركني أحد فيما أشهدني ربي يوم يقوم الأشهاد، وبي يتم الله موعده ويكمل كلماته ، وأنا النعمة التي أنعمها الله على خلقه، وأنا الإسلام الذي ارتضاه لنفسه ، كل ذلك من من الله به علي وأذل به منكبي.
  وليس إمام إلا وهو عارف بأهل ولايته، وذلك قول الله عز وجل: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) . (4)
  ثم نزل ، صلى الله عليه وآله الطاهرين الأخيار وسلم تسليما كثيرا.

---------------------------
(1) سورة النحل: الآية 33.
(2) الداح نقش يلوح به للصبيان يعللون به.
(3) العتريف بمعنى الخبيث الفاجر ، وفي (د): الغطريف، بمعنى المتكبر.
(4) سورة الرعد: الآية 7.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 261 _

1 ـ تأثير الميل إلى الدنيا في علم الإنسان ودينه

  قال سليم بن قيس : سمعت أبا الحسن عليه السلام يحدثني ويقول : إن النبي صلى الله عليه وآله قال :
  منهومان لا يشبعان : منهوم في الدنيا لا يشبع منها ، ومنهوم في العلم لا يشبع منه ، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل الله له سلم ، ومن تناولها من غير حلها هلك إلا أن يتوب ويراجع، ومن أخذ العلم من أهله وعمل به نجا ، ومن أراد به الدنيا هلك وهو حظه.
  والعلماء عالمان : عالم عمل بعلمه فهو ناج ، وعالم تارك لعلمه فهو هالك، إن أهل النار ليتأذون من نتن ريح العالم التارك لعلمه ، وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله فاستجاب له ، فأطاع الله فدخل الجنة وعصى الله الداعي فأدخل النار بتركه علمه واتباعه هواه وعصيانه لله .
  إنما هما اثنان: اتباع الهوى وطول الأمل ، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة.
  إن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ، ولكل منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة إن استطعتم ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإنما اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 262 _

كيف تبدأ الفتن

  وإنما ابتداء وقوع الفتن من أهواء تتبع وأحكام تبتدع ، يخالف فيها حكم الله، يتولى فيها رجال رجالا ويتبرء رجال من رجال ، ألا إن الحق لو خلص لم يكن فيه اختلاف وإن الباطل لو خلص لم يخف على ذي حجى ، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيحسبان معا ، فهنالك استولى الشيطان على أوليائه ونجا الذين سبقت لهم منا الحسنى.
  إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : كيف بكم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الوليد ويزيد (1) فيها الكبير، يجري الناس عليها فيتخذونها سنة، فإذا غير منها شئ قيل: (إن الناس قد أتوا منكرا)!!
  ثم يشتد البلاء وتسبى الذرية وتدقهم الفتن كما تدق النار الحطب وكما تدق الرحى بثفالها (2)، يتفقه الناس لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة.

2 ـ كلام أمير المؤمنين عليه السلام عن بدع أبي بكر وعمر وعثمان

  ثم أقبل عليه السلام بوجهه على ناس من أهل بيته وشيعته فقال : والله لقد عملت الأئمة قبلي بأمور عظيمة خالفت فيها رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدين ، لو حملت الناس على تركها وتحويلها عن موضعها إلى ما كانت تجري عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لتفرق عني جندي، حتى لا يبقى في عسكري غيري وقليل من شيعتي الذين إنما عرفوا فضلي وإمامتي من

---------------------------
(1) أي ينمو.
(2) الثفال: حجر الرحى الأسفل.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 263 _

  كتاب الله وسنة نبيه لا من غيرهما أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته إلى المكان الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها السلام، ورددت صاع رسول الله صلى الله عليه وآله ومده إلى ما كان ، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله صلى الله عليه وآله لأهلها ورددت دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته وهدمتها من المسجد (1) ، ورددت قضايا من قضى من كان قبلي بجور ، ورددت ما قسم من أرض خيبر (2)، ومحوت ديوان الأعطية (3) وأعطيت كما كان يعطي رسول الله (ص)، (صلى الله عليه وآله وسلم

---------------------------
(1) راجع الحديث 14 من هذا الكتاب، وقوله (رددت قضايا من قضى ...)، القضى والقضاء بمعنى واحد.
(2) روى ابن شبة في تاريخ المدينة المنورة: ج 1 ص 185 وأحمد في مسنده : ج 6 ص 330 : أنه لما أخرج عمر اليهود من خيبر ركب في المهاجرين والأنصار وخرج معه جبار بن صخر بن خنساء ـ وكان خارص أهل المدينة وحاسبهم ـ ويزيد بن ثابت ، فهما قسما خيبر بين أهلها على أصل جماعة السهمان التي كانت عليها، فكانت مما قسم عمر من وادي القرى لعثمان وعبد الرحمن بن عوف وعمر بن أبي سلمة وعامر بن ربيعة وعمرو بن سراقة والأشيم وبني جعفر ولابن عبد الله بن حجش وعبد الله بن الأرقم وغيرهم ، لكل إنسان حظر ، والحظر القطعة من النخيل أو الإبل أو غيره ، وعن ابن عباس : قسمت خيبر على ألف سهم : خمسمائة وثمانين سهما للذين شهدوا الحديبية، ألف وخمسمائة وأربعين رجلا والذين كانوا مع جعفر بأرض الحبشة أربعون رجلا وكان معهم يومئذ مائتا فرس أو نحوها فأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهما.
(3) روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 288 عن ابن أبي الحديد بأسناده : أن عمر استشار الصحابة بمن يبدء في القسم والفريضة ؟ فقالوا : ابدء بنفسك ، فقال : بل أبدء بآل رسول الله وذوي قرابته ، فبدء بالعباس قال ابن الجوزي: قد وقع الاتفاق على أنه لم يفرض لأحد أكثر مما فرض له ، روى أنه فرض له خمسة عشر ألفا ، وروى أنه فرض له اثني عشر ألفا وهو الأصح ، ثم فرض لزوجات رسول الله صلى الله عليه وآله لكل واحدة عشرة آلاف، وفضل عائشة عليهن بألفين ... ثم فرض للمهاجرين الذين شهدوا بدرا لكل واحد خمسة آلاف، ولمن شهدها من الأنصار لكل واحد أربعة آلاف، وقد روي أنه فرض لكل واحد ممن شهد بدرا من المهاجرين أو من الأنصار أو غيرهم من القبائل خمسة آلاف، ثم فرض لمن شهد أحدا وما بعدها إلى الحديبية أربعة آلاف، ثم فرض لكل من شهد المشاهد بعد الحديبية ثلاثة آلاف، ثم فرض لكل من شهد المشاهد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ألفين وخمسمائة وألفين وألفا وخمسمائة وألفا واحدا إلى مائتين وهم أهل هجر، ومات عمر على ذلك ، فأما ما اعتمده في النساء فإنه جعل نساء أهل بدر على خمسمائة خمسمائة ، ونساء من بعد بدر إلى إلى الحديبية على أربعمائة أربعمائة ونساء من بعد ذلك على ثلاثمائة ثلاثمائة ، وجعل نساء أهل القادسية على مائتين ، ثم سوى بين النساء بعد ذلك ، وكان ذلك في سنة 20 للهجرة ، راجع تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 153 وكتاب الخراج لأبي يوسف : ج 1 ص 43.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 264 _

  ولم أجعله دولة بين الأغنياء ، وسبيت ذراري بني تغلب (1)، وأمرت الناس أن لا يجمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة ، لنادى بعض الناس من أهل العسكر ـ ممن يقاتل معي ـ : (يا أهل الإسلام) وقالوا : (غيرت سنة عمر ، نهيتنا أن نصلي في شهر رمضان تطوعا) حتى خفت أن يثوروا في ناحية عسكري . (2)

---------------------------
(1) روي في البحار : ج 8 (طبع قديم) ص 287 عن الإمام الصادق عليه السلام: أن بني تغلب من نصارى العرب أنفوا واستنكفوا من قبول الجزية وسألوا عمر أن يعفيهم عن الجزية ويؤدوا الزكاة مضاعفا ، فخشي أن يلحقوا بالروم فصالحهم على أن صرف ذلك عن رؤوسهم وضاعف عليهم الصدقة ، فرضوا بذلك ، قال المجلسي : فهؤلاء ليسوا بأهل ذمة لمنع الجزية وقد جعل الله الجزية على أهل الذمة ليكونوا أذلاء صاغرين وليس في أحد من الزكاة صغار وذل ، فكان عليه أن يقاتلهم ويسبي ذراريهم لو أصروا على الاستنكاف والاستكبار.
(2) روى العلامة الأميني في الغدير: ج 5 ص 31 عن السيوطي وغيره: أن أول من سن التراويح عمر بن الخطاب سنة أربع عشرة وأن أول من جمع الناس على التراويح عمر وأن إقامة النوافل بالجماعات في شهر رمضان من محدثات عمر، و (التراويح) عشرون ركعة يصلونها جماعة في ليالي شهر رمضان ، روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 284 عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : أيها الناس، إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة ...)، ثم روي أن عمر خرج في شهر رمضان ليلا فرأى المصابيح في المسجد ، فقال : ما هذا ؟ فقيل له : إن الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوع، فقال : بدعة ونعمت البدعة!! روى الشيخ الطوسي في التهذيب: ج 3 ص 70 ح 227 عن الإمام الصادق عليه السلام قال : لما قدم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة أمر الحسن بن علي عليه السلام أن ينادي في الناس: (لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة)، فنادى في الناس الحسن بن علي عليه السلام بما أمره به أمير المؤمنين عليه السلام، فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي عليه السلام صاحوا : واعمراه واعمراه فلما رجع الحسن عليه السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال له : ما هذا الصوت ؟ فقال : يا أمير المؤمنين، الناس يصيحون : واعمراه ، واعمراه فقال أمير المؤمنين عليه السلام : قل لهم : صلوا! روي في البحار: ج 96 ص 385 ح 5 أنه لما كان أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة أتاه الناس فقالوا : اجعل لنا إماما منا في رمضان، فقال : لا ، ونهاهم أن يجتمعوا فيه ، فلما أمسوا جعلوا يقولون : (ابكوا في رمضان، وارمضاناه) فأتاه الحارث الأعور في أناس فقال : يا أمير المؤمنين، ضج الناس وكرهوا قولك ، فقال عند ذلك : دعوهم وما يريدون ، ليصلي بهم من شاءوا ، ثم قال : (فمن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 265 _

  بؤسي لما لقيت من هذه الأمة بعد نبيها من الفرقة وطاعة أئمة الضلال والدعاة إلى النار.
  ولم أعط سهم ذوي القربى منهم إلا لمن أمر الله بإعطائه الذين قال الله: (إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ) (1)، فنحن الذين عنى الله بذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، كل هؤلاء منا خاصة (2) لأنه لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا وأكرم الله نبيه صلى الله عليه وآله وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس. (3)

---------------------------
(1) سورة الأنفال: الآية 41.
(2) في الكافي والتهذيب : نحن والله الذين عنى الله بذي القربى الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال : (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين)، منا خاصة.
(3) من قوله (ورددت من قضى من كان قبلي بجور ...) إلى آخر الحديث في روضة الكافي زيادة مهمة هكذا :( ... ورددت قضايا من الجور قضى بها ، ونزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن، واستقبلت بهن الحكم في الفروج والأحكام وسبيت ذراري بني تغلب ورددت ما قسم من أرض خيبر ومحوت دواوين العطايا وأعطيت كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعطي بالسوية ولم أجعلها دولة بين الأغنياء وألقيت المساحة وسويت بين المناكح وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل وفرضه، ورددت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ما كان عليه، وسددت ما فتح فيه من الأبواب وفتحت ما سد منه وحرمت المسح على الخفين وحددت على النبيذ وأمرت بإحلال المتعتين، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وأخرجت من أدخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده ممن كان رسول الله صلى الله عليه وآله أخرجه وأدخلت من أخرج بعد رسول الله ممن كان رسول الله أدخله، وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم، ورددت سبايا فارس وسائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، إذا لتفرقوا عني، والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن جماعتهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : (يا أهل الإسلام، غيرت سنة عمر ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا) ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري، ما لقيت من هذه الأمة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار، وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى الذي قال الله عز وجل: (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان)، فنحن والله عني بذي القربى الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله فقال تعالى : (فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ـ فينا خاصة ـ كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم) و (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله ـ في ظلم آل محمد ـ إن الله شديد العقاب) لمن ظلمهم رحمة منه لنا وغنى أغنانا الله به ووصى به نبيه صلى الله عليه وآله ، ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا ، أكرم الله رسوله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس، فكذبوا الله وكذبوا رسوله وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا ومنعونا فرضا فرضه الله لنا ، ما لقي أهل بيت نبي من أمته ما لقينا بعد نبينا ، والله المستعان على من ظلمنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، ولا بأس بالإشارة إلى ذكر تفصيل بعض ما أشار عليه السلام إليه من البدع: قوله عليه السلام: (وألقيت المساحة)، روي في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 284 أن عمر وضع الخراج على أرض السواد وأمر بمساحة أرضها، ثم ضرب على كل جريب نخل عشرة دراهم وعلى الكرم ثمانية دراهم وعلى جريب الشجر والرطبة ستة دراهم وعلى الحنطة أربعة دراهم وعلى الشعير درهمين ، وكان الفرض في الأراضي المفتوحة عنوة أن يخرج خمسها لأرباب الخمس وأربعة الأخماس الباقية تكون للمسلمين قاطبة، قوله عليه السلام : (أنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل)، قال ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 393 : إن عمر صرف الأخماس عن أهلها فجعلها في الكراع والسلاح ومنع الخمس منهم حين كثره واستعظم ما رآى من كثرته أن يدفعه إلى أهله! وقوله عليه السلام: (سويت بين المناكح) إشارة إلى ما سيجئ في الحديث 23 من أن عمر سن أن تنكح العرب في الأعاجم ولا ينكحوهم ، وقوله عليه السلام (حرمت المسح على الخفين)، روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 287 عن أبي جعفر عليه السلام قال: جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وفيهم علي عليه السلام وقال: ما تقولون في المسح على الخفين ؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح على الخفين، فقال علي عليه السلام : قبل المائدة أو بعدها ؟ (أي قبل نزول سورة المائدة أو بعدها ؟) فقال: لا أدري، فقال علي عليه السلام : سبق الكتاب الخفين، إنما أنزلت مائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة ، وقوله عليه السلام (وحددت على النبيذ)، روى العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 257 عن عدة طرق : أن عمر كان يشرب النبيذ الشديد وكان يقول : إنا نشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن تؤذينا فمن رابه من شرابه شئ فليمزجه بالماء! وقوله عليه السلام (وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات) ، روي في البحار : ج 8 طبع قديم ص 287 عن ابن حزم في كتاب المحلى قال : جمع عمر بن الخطاب الناس فاستشارهم في التكبير على الجنائز، فقالوا: أكبر النبي صلى الله عليه وآله سبعا وخمسا وأربعا. فجمعهم عمر على أربع تكبيرات، وأورده في الغدير: ج 6 ص 244 ، وقوله عليه السلام: (وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم) ، إشارة إلى إسقاط عمر للبسملة عن أول السور، فقد روى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 381 : أن عمر حذف بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن ومن الصلاة وقال : ليس في القرآن إلا مرة واحدة ! وقوله عليه السلام (الطلاق على السنة)، روي في البحار : ج 8 طبع قديم ص 287 أن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم، وأورده العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 178 ،وقوله عليه السلام (رددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها) ، إشارة إلى البدع التي أحدث فيها كالمسح على الخفين ومسح الرأس والأذنين وغسل الرجلين ، وكترك الصلاة لمن لم يجد الماء للغسل ، ومثل وضع اليمين على الشمال في الصلاة وإسقاط البسملة وقول (آمين) بعد الحمد وكتأخير صلاة الصبح حتى تغيب النجوم وتأخير صلاة المغرب حتى تطلع النجوم وغير ذلك ، وقوله عليه السلام (رددت أهل نجران إلى مواضعهم)، روى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 393 والطبري في وقائع سنة 20 : أن عمر أجلى أهل نجران وخيبر عن ديارهم وقال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وآله عليه أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمن وكتب لهم كتابا بذمتهم وهو معهم إلى يومنا هذا ، وقوله عليه السلام (رددت سائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله)، روى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 393 عن كتاب آداب الوزراء: أن عمر كان يأخذ من جميع أهل الذمة فيما اتجروا فيه كل سنة العشر ومرتين إن اتجروا مرتين ومن لم يتجر أربعة دنانير أو أربعين درهما، والفقهاء أجمعوا أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ من كل حالم دينارا ولم ينقل أحد من أهل الأثر خبرا أن النبي صلى الله عليه وآله جعلهم في الجزية طبقات ، وقد جعلهم عمر طبقات ثلاث فأخذ من الأغنياء خمسة دنانير إلى مائة درهم ومن الأوساط خمسين درهما ونحو هذا ومن الفقراء دينارا واحدا.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 268 _

(19) أحاديث عن فتنة أبي بكر وعمر

  أبان عن سليم قال : شهدت أبا ذر مرض مرضا على عهد عمر في إمارته، فدخل عليه عمر يعوده وعنده أمير المؤمنين عليه السلام وسلمان والمقداد ، وقد أوصى أبو ذر إلى علي عليه السلام وكتب وأشهد.
  فلما خرج عمر قال رجل من أهل أبي ذر من بني عمه بني غفار: ما منعك أن توصي إلى أمير المؤمنين عمر ؟
  قال : قد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقا حقا.
  أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن أربعون رجلا من العرب وأربعون رجلا من العجم، فسلمنا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، فينا هذا القائم الذي سميته (أمير المؤمنين).
  ولا أحد من العرب ولا من الموالي العجم راجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلا هذا وصويحبه الذي استخلفه، فإنهما قالا : ( أحق من الله ورسوله ) ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: اللهم نعم ، حق من الله ورسوله، أمرني الله بذلك فأمرتكم به.
  قال سليم : فقلت : يا أبا الحسن وأنت يا سلمان وأنت يا مقداد، أتقولون كما قال أبو ذر ؟ قالوا : نعم ، صدق ، قلت : أربعة عدول، ولو لم يحدثني غير واحد ما شككت في صدقه ولكن أربعتكم أشد لنفسي وبصيرتي.
  قلت : أصلحك الله، أتسمون الثمانين من العرب والموالي ؟ فسماهم سلمان رجلا رجلا، فقال علي عليه السلام وأبو ذر والمقداد : (صدق سلمان) رحمة الله ومغفرته عليه وعليهم.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 269 _

  فكان ممن سمى (1): أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ومعاذ وسالم والخمسة من أصحاب الشورى، وعمار بن ياسر وسعد بن عبادة والباقي من أصحاب العقبة (2) وأبي بن كعب وأبو ذر والمقداد ، وبقية جلهم وأعظمهم من أهل بدر وأعظمهم من الأنصار ، فيهم أبو الهيثم بن التيهان وخالد بن زيد أبو أيوب وأسيد بن حضير وبشير بن سعيد.
  قال سليم : فأظن أني قد لقيت عامتهم فسألتهم وخلوت بهم رجلا رجلا ، فمنهم من سكت عني فلم يجبني بشئ وكتمني ، ومنهم من حدثني ثم قال : أصابتنا فتنة أخذت بقلوبنا وأسماعنا وأبصارنا وذلك لما ادعى أبو بكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول بعد ذلك : (إنا أهل بيت أكرمنا الله واختار لنا الآخرة على الدنيا وإن الله أبى أن يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة)، فاحتج بذلك أبو بكر على علي عليه السلام حين جيئ به للبيعة، وصدقه وشهد له أربعة كانوا عندنا خيارا غير متهمين : أبو عبيدة وسالم وعمر ومعاذ، وظننا أنهم قد صدقوا.

الصحيفة الملعونة والمعاهدة في الكعبة

  فلما بايع علي عليه السلام أخبرنا (3) أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ما قاله ، وأخبر أن هؤلاء الخمسة كتبوا بينهم كتابا تعاهدوا فيه وتعاقدوا في ظل الكعبة: (إن مات محمد أو قتل أن يتظاهروا على علي عليه السلام فيزووا عنه هذا الأمر)، واستشهد أربعة: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير ، وشهدوا بعد ما وجبت في أعناقنا لأبي بكر بيعته الملعونة الضالة، فعلمنا أن عليا عليه السلام لم يكن ليروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله باطلا ، وشهد له الأخيار من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله.

---------------------------
(1) أي من سماهم أبو ذر من الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالتسليم على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين.
(2) راجع الحديث 20 من هذا الكتاب.
(3) قائل هذا الكلام هو البعض الذي لقيهم سليم لا أبو ذر، فلا يشتبه.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 270 _

ندامة الصحابة لتقصيرهم في حق أمير المؤمنين عليه السلام

  فقال جل من قال هذه المقالة: إنا تدبرنا الأمر بعد ذلك فذكرنا قول النبي صلى الله عليه وآله ـ ونحن نسمع ـ : (إن الله يحب أربعة من أصحابي وأمرني بحبهم وإن الجنة تشتاق إليهم)، فقلنا : من هم يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وآله : (أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي علي بن أبي طالب ، وسلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد بن الأسود) ، وإنا نستغفر الله ونتوب إليه مما ركبناه ومما أتيناه.
  وقد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول قولا لم نعلم تأويله ومعناه إلا خيرا، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ليردن علي الحوض أقوام ممن صحبني ومن أهل المكانة مني والمنزلة عندي، حتى إذا وقفوا على مراتبهم ورأوني اختلسوا دوني وأخذ بهم ذات الشمال، فأقول : يا رب، أصحابي أصحابي فيقال لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم القهقرى منذ فارقتهم.
  ولعمرنا، لو أنا ـ حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ـ سلمنا الأمر إلى علي عليه السلام وأطعناه وتابعناه وبايعناه لرشدنا واهتدينا ووفقنا، ولكن الله قضى الاختلاف والفرقة والبلاء، فلا بد من أن يكون ما علم الله وقضى وقدر.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 271 _

(20) ـ أصحاب الصحيفة وأصحاب العقبة

  سليم بن قيس قال : شهدت أبا ذر بالربذة حين سيره عثمان (1) وأوصى إلى علي عليه السلام في أهله وماله ، فقال له قائل : لو كنت أوصيت إلى أمير المؤمنين عثمان.
  فقال : قد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، سلمنا عليه بإمرة المؤمنين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر الله، قال لنا : (سلموا على أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي بإمرة المؤمنين، فإنه زر الأرض الذي تسكن إليه ولو فقدتموه أنكرتم الأرض وأهلها)، فرأيت عجل هذه الأمة وسامريها راجعا رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال : حق من الله ورسوله ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال : (حق من الله ورسوله، أمرني الله بذلك).
  فلما سلمنا عليه أقبلا على أصحابهما معاذ وسالم وأبي عبيدة ـ حين خرجا من بيت علي عليه السلام من بعد ما سلمنا عليه ـ فقالا لهم : ما بال هذا الرجل، ما زال يرفع خسيسة

---------------------------
(1) روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 305 ما ملخصه : أن عثمان قال لأبي ذر : قد كثر أذاك لي وتولعك بأصحابي ، الحق بالشام ، فأخرجه إليها ، فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها فكتب معاوية إلى عثمان فيه ، فكتب عثمان إلى معاوية : (أما بعد فاحمل جندبا على أغلظ مركب وأوعره) ، فوجه به مع من سار به الليل والنهار وحمله على شارف ليس عليها إلا قتب حتى قدم به المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد، فلما قدم أبو ذر المدينة بعث إليه عثمان : أن الحق بأي أرض شئت ، قال : بمكة ؟ قال : لا ، قال : فبيت المقدس ؟ قال : لا ، قال : فبأحد المصرين ؟ قال : لا ، ولكني مسيرك إلى الربذة، فسيره إليها، فلم يزل بها حتى مات .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 272 _

  ابن عمه وقال أحدهما: إنه ليحسن أمر ابن عمه وقال الجميع: ما لنا عنده خير ما بقي علي!!
  قال: فقلت : يا أبا ذر ، هذا التسليم بعد حجة الوداع أو قبلها ؟ فقال: أما التسليمة الأولى فقبل حجة الوداع، وأما التسليمة الأخرى فبعد حجة الوداع.
  قلت : فمعاقدة هؤلاء الخمسة متى كانت ؟ قال : في حجة الوداع.
  قلت: أخبرني ـ أصلحك الله عن الاثني عشر أصحاب العقبة المتلثمين الذين أرادوا أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وآله الناقة، ومتى كان ذلك ؟ قال : بغدير خم مقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع.
  قلت: أصلحك الله، تعرفهم ؟ قال : أي والله، كلهم.
  قلت : من أين تعرفهم وقد أسرهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حذيفة ؟ قال : عمار بن ياسر كان قائدا وحذيفة كان سائقا ، فأمر حذيفة بالكتمان ولم يأمر بذلك عمارا. قلت :
  تسميهم لي ؟ قال : خمسة أصحاب الصحيفة، وخمسة أصحاب الشورى وعمرو بن العاص ومعاوية .(1)

عمار وحذيفة في فتنة السقيفة

  قلت : أصلحك الله، كيف تردد عمار وحذيفة في أمرهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله حين رأياهم ؟
  قال : إنهم أظهروا التوبة والندامة بعد ذلك ، وادعى عجلهم منزلة وشهد لهم سامريهم والثلاثة معهم بأنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك ، فقالوا : لعل هذا أمر حدث بعد الأول، فشكا فيمن شك منهم إلا أنهما تابا وعرفا وسلما.

---------------------------
(1) فهم : أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة ، وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص، راجع الحديث 4 من هذا الكتاب.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 273 _

  قال سليم بن قيس : فلقيت عمارا في خلافة عثمان بعد ما مات أبو ذر، فأخبرته بما قال أبو ذر ، فقال : صدق أخي أبو ذر ، إنه لأبر وأصدق من أن يحدث عن عمار بما لا يسمع منه.
  فقلت : أصلحك الله، بما تصدق أبا ذر ؟ قال : أشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :
  (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ولا أبر)، قلت : يا نبي الله، ولا أهل بيتك ؟ قال : إنما أعني غيرهم من الناس.
  ثم لقيت حذيفة بالمدائن ـ رحلت إليه من الكوفة ـ فذكرت له ما قال أبو ذر ، فقال:
  سبحان الله، أبو ذر أصدق وأبر من أن يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله بغير ما قال .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 274 _

(21) شدة حب رسول الله صلى الله عليه وآله للإمامين الحسنين عليهما السلام

  استسقيا رسول الله صلى الله عليه وآله
  أبان عن سليم قال : حدثني علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلمان وأبو ذر والمقداد ، وحدث أبو الحجاف داود بن أبي عوف العوفي (1) يروي عن أبي سعيد الخدري قال :
  دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على ابنته فاطمة عليها السلام وهي توقد تحت قدر لها تطبخ طعاما لأهلها ، وعلي عليه السلام في ناحية البيت نائم والحسن والحسين عليهما السلام نائمان إلى جنبه ، فقعد رسول الله صلى الله عليه وآله مع ابنته يحدثها وهي توقد تحت قدرها ليس لها خادم ، إذ استيقظ الحسن عليه السلام فأقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : (يا أبت، اسقني)، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قام إلى لقحة (2) كانت ، فاحتلبها بيده ، ثم جاء بالعلبة (3) ـ وعلى اللبن رغوة ـ ليناوله الحسن عليه السلام، فاستيقظ الحسين عليه السلام فقال : (يا أبت اسقني)، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا بني ، أخوك ، وهو أكبر منك وقد استسقاني قبلك، فقال الحسين عليه السلام: (اسقني قبله) فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يرقبه ويلين له ويطلب إليه أن يدع أخاه يشرب قبله ، والحسين عليه السلام يأبى.

---------------------------
(1) أبو الحجاف البرجمي الكوفي من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، ثقة، وعلى هذا فقائل (حدث أبو الحجاف) هو أبان بن أبي عياش، لا سليم.
(2) اللقحة: الناقة الحلوي الغزيرة اللبن.
(3) العلبة: إناء ضخم من جلد أو خشب.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 275 _

  فقالت فاطمة عليها السلام : يا أبت، كأن الحسن أحب إليك من الحسين ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : ما هو بأحبهما إلي وإنهما عندي لسواء ، غير أن الحسن استسقاني أول مرة ، وإني وإياك وإياهما وهذا الراقد في الجنة لفي منزل واحد ودرجة واحدة.
  قال (1) : وعلي عليه السلام نائم لا يدري بشئ من ذلك.
  على منكب رسول الله صلى الله عليه وآله
  قال : ومر بهما رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وهما يلعبان ، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وآله فاحتملهما ووضع كل واحد منهما على عاتقه ، فاستقبله رجل فقال : لنعم الراحلة أنت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ونعم الراكبان هما إن هذين الغلامين ريحانتاي من الدنيا.
  اصطرعا عند رسول الله صلى الله عليه وآله
  قال : فلما أتى بهما منزل فاطمة عليها السلام قال : (اصطرعا)، فأقبلا يصطرعان ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : (هي (2) يا حسن) فقالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله، أتقول (هي يا حسن) وهو أكبر منه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا جبرئيل يقول : (هي يا حسين) .
  فصرع الحسين الحسن!
  الرسول صلى الله عليه وآله يخاطبهما بالإمامة
  قال : ونظر رسول الله صلى الله عليه وآله إليهما يوما وقد أقبلا، فقال: هذان والله سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما، إن خير الناس عندي وأحبهم إلي وأكرمهم علي أبوكما ثم أمكما، وليس عند الله أحد أفضل مني وأخي ووزيري وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي علي بن أبي طالب، ألا إن أخي وخليلي ووزيري وصفيي وخليفتي من بعدي وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي علي بن أبي طالب ، فإذا هلك فابني الحسن من

---------------------------
(1) أي قال الراوي.
(2) (هي) كلمة استزادة، تقولها للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 276 _

  بعده ، فإذا هلك فابني الحسين من بعده ثم الأئمة التسعة من عقب الحسين.
  هم الهداة المهتدون، هم مع الحق والحق معهم ، لا يفارقونه ولا يفارقهم إلى يوم القيامة ، هم زر الأرض الذين تسكن إليهم الأرض، وهم حبل الله المتين، وهم عروة الله الوثقى التي لا انفصام لها ، وهم حجج الله في أرضه وشهداءه على خلقه وخزنة علمه ومعادن حكمته.
  وهم بمنزلة سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تركها غرق ، وهم بمنزلة باب حطة في بني إسرائيل، من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا ، فرض الله في الكتاب طاعتهم وأمر فيه بولايتهم ، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله.

الحسين عليه السلام يعلو ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله في السجدة

  قال : وكان الحسين عليه السلام يجيئ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ساجد ، فيتخطى الصفوف حتى يأتي النبي صلى الله عليه وآله فيركب ظهره ، فيقوم رسول الله صلى الله عليه وآله وقد وضع يده على ظهر الحسين عليه السلام ويده الأخرى على ركبته حتى يفرغ من صلاته.

الحسن عليه السلام على عاتق رسول الله صلى الله عليه وآله في المنبر

  وكان الحسن عليه السلام يأتيه وهو على المنبر يخطب ، فيصعد إليه فيركب على عاتق النبي صلى الله عليه وآله ويدلي رجليه على صدر النبي صلى الله عليه وآله حتى يرى بريق خلخاله ، ورسول الله صلى الله عليه وآله يخطب ، فيمسكه كذلك حتى يفرغ من خطبته .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 277 _

1 ـ خطبة عمرو بن العاص في الشام ضد أمير المؤمنين عليه السلام

  أبان عن سليم قال : بلغ أمير المؤمنين عليه السلام أن عمرو بن العاص خطب الناس بالشام فقال :
  بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله على جيشه فيه أبو بكر وعمر ، فظننت أنه إنما بعثني لكرامتي عليه، فلما قدمت قلت: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك ؟ فقال : (عائشة)، قلت :
  ومن الرجال ؟ قال : (أبوها).
  أيها الناس، وهذا علي يطعن على أبي بكر وعمر وعثمان ، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : (إن الله ضرب بالحق على لسان عمر وقلبه) وقال في عثمان : (إن الملائكة لتستحي من عثمان) وقد سمعت عليا وإلا فصمتا ـ يعني أذنيه ـ يروي على عهد عمر : إن نبي الله نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين ، فقال : (يا علي ، هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ما خلا النبيين منهم والمرسلين ، ولا تحدثهما بذلك فيهلكا)!!

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 278 _

2 ـ خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في البصرة بتكذيب ابن العاص

  فقام علي عليه السلام فقال : العجب لطغاة أهل الشام حيث يقبلون قول عمرو ويصدقونه وقد بلغ من حديثه وكذبه وقلة ورعه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقد لعنه سبعين لعنة ولعن صاحبه الذي يدعو إليه في غير موطن ، وذلك أنه هجا رسول الله صلى الله عليه وآله بقصيدة سبعين بيتا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : (اللهم إني لا أقول الشعر ولا أحله، فالعنه أنت وملائكتك بكل بيت لعنة تترى على عقبه إلى يوم القيامة). (1)
  ثم لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله قام فقال : إن محمدا قد صار أبتر لا عقب له ، وإني لأشنأ الناس له وأقولهم فيه سوء فأنزل الله فيه : (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (2) ، يعني أبتر من الإيمان ومن كل خير.

---------------------------
(1) روى العلامة الأميني في الغدير: ج 10 ص 139 عن تاريخ الطبري: أنه قد رآى رسول الله صلى الله عليه وآله أبا سفيان مقبلا على حمار ومعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق به ، قال : لعن الله القائد والراكب والسائق ، وروى في ج 2 ص 135 : أن الإمام الحسن عليه السلام قال لعمرو بن العاص: إنك هجوت رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين بيتا من الشعر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اللهم إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي ، اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة ، وروي في البحار: ج 20 ص 76 ح 14 : أن رسول الله صلى الله عليه وآله مر بعمرو بن العاص والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وهما في حائط يشربان ويغنيان بهذا البيت في حمزة بن عبد المطلب حين قتل : (كم من حواري تلوح عظامه ...)، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (اللهم العنهما واركسهما في الفتنة ركسا ودعهما إلى النار دعا).
(2) سورة الكوثر: الآية 3.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 279 _

  ما لقيت من هذه الأمة من كذابيها ومنافقيها ، لكأني بالقراء الضعفة المجتهدين قد رووا حديثه وصدقوه فيه واحتجوا علينا أهل البيت بكذبه ، إنا نقول : خير هذه الأمة أبو بكر وعمر ؟ (1) ولو شئت لسميت الثالث، والله ما أراد بقوله في عائشة وأبيها إلا رضا معاوية ولقد استرضاه بسخط الله.
  وأما حديثه الذي يزعم أنه سمعه مني ، فلا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليعلم أنه كذب علي يقينا وأن الله لم يسمعه مني سرا ولا جهرا.
  اللهم العن عمرا والعن معاوية بصدهما عن سبيلك وكذبهما على كتابك ونبيك واستخفافهما بنبيك وكذبهما عليه وعلي.

3 ـ كيف جمع معاوية أهل الشام على الأخذ بثار عثمان!!

  قال سليم : ثم دعا معاوية قراء أهل الشام وقضاتهم فأعطاهم الأموال وبثهم في نواحي الشام ومدائنها ، يروون الروايات الكاذبة ويضعون لهم الأصول الباطلة، ويخبرونهم بأن عليا عليه السلام قتل عثمان ويتبرأ من أبي بكر وعمر ، وإن معاوية يطلب بدم عثمان ومعه أبان بن عثمان وولد عثمان ، حتى استمالوا أهل الشام واجتمعت كلمتهم.

  ولم يزل معاوية على ذلك عشرين سنة، ذلك عمله في جميع أعماله حتى قدم عليه طغام الشام وأعوان الباطل المنزلون له بالطعام والشراب ، يعطيهم الأموال ويقطعهم القطائع

---------------------------
(1) أي هل يمكن أن يصدر عن مثلنا هذا الكلام ؟ فيريد عليه السلام أن عمرو بن العاص يكذب علينا إذا نسب إلينا القول بأن أبا بكر وعمر خير هذه الأمة.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 280 _

  ويطعمهم الطعام والشراب ، حتى نشأ عليه الصغير وهرم عليه الكبير وهاجر عليه الأعرابي ، وترك أهل الشام لعن الشيطان وقالوا : لعن علي وقاتل عثمان ، فاستقر على ذلك جهلة الأمة وأتباع أئمة الضلالة والدعاة إلى النار ، فحسبنا الله ونعم الوكيل، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ولكن الله يفعل ما يشاء .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 281 _

(23) الرسالة السرية من معاوية إلى زياد بن أبيه

  أبان عن سليم قال : كان لزياد بن سمية كاتب يتشيع وكان لي صديقا ، فأقرأني كتابا كتبه معاوية إلى زياد جواب كتابه إليه :

سيرة معاوية في قبايل العرب

  أما بعد ، فإنك كتبت إلي تسألني عن العرب، من أكرم منهم ومن أهين ومن أقرب ومن أبعد، ومن آمن منهم ومن أحذر ؟
  وأنا ـ يا أخي ـ أعلم الناس بالعرب، انظر إلى هذا الحي من اليمن، فأكرمهم في العلانية وأهنهم في الخلاء فإني كذلك أصنع بهم ، أقرب مجالسهم وأريهم أنهم آثر عندي من غيرهم ويكون عطائي وفضلي على غيرهم سرا منهم لكثرة من يقاتلني منهم مع هذا الرجل.
  وانظر (ربيعة بن نزار)، فأكرم أشرافهم وأهن عامتهم، فإن عامتهم تبع لأشرافهم وساداتهم.
  وانظر إلى (مضر) فاضرب بعضها ببعض فإن فيهم غلظة وكبرا وأبهة ونخوة شديدة ، وإنك إذا فعلت ذلك وضربت بعضهم ببعض كفاك بعضهم بعضا ، ولا ترض بالقول منهم دون الفعل ولا بالظن دون اليقين.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 282 _

سيرة معاوية في إهانة العجم والموالي

  وانظر إلى الموالي ومن أسلم من الأعاجم، فخذهم بسنة عمر بن الخطاب فإن في ذلك خزيهم وذلهم ، أن تنكح العرب فيهم ولا ينكحوهم وأن ترثهم العرب ولا يرثوهم (1) وأن تقصر بهم في عطائهم وأرزاقهم ، وأن يقدموا في المغازي يصلحون الطريق ويقطعون الشجر، ولا يؤم أحد منهم العرب في صلاة ولا يتقدم أحد منهم في الصف الأول إذا حضرت العرب إلا أن يتموا الصف.
  ولا تول أحدا منهم ثغرا من ثغور المسلمين ولا مصرا من أمصارهم، ولا يلي أحد منهم قضاء المسلمين ولا أحكامهم فإن هذه سنة عمر فيهم وسيرته، جزاه الله عن أمة محمد وعن بني أمية خاصة أفضل الجزاء!!

كيف طمع معاوية في الخلافة وكيف نالها ؟

  فلعمري لولا ما صنع هو وصاحبه وقوتهما وصلابتهما في دين الله لكنا وجميع هذه الأمة لبني هاشم الموالي، ولتوارثوا الخلافة واحدا بعد واحد كما يتوارث أهل كسرى وقيصر ، ولكن الله أخرجها بأيديهما من بني هاشم وصيرها إلى بني تيم بن مرة ، ثم خرجت إلى بني عدي بن كعب ، وليس في قريش حيان أقل وأذل منهما ولا أنذل (2)، فأطمعانا فيها وكنا أحق منهما ومن عقبهما، لأن فينا الثروة والعز ونحن أقرب إلى رسول الله في الرحم منهما ، ثم نالها قبلنا صاحبنا عثمان بشورى ورضا من العامة بعد شورى ثلاثة أيام بين الستة، ونالها من نالها قبله بغير شورى ، فلما قتل صاحبنا عثمان مظلوما نلناها به لأن من قتل مظلوما فقد جعل الله لوليه سلطانا!

---------------------------
(1) روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 287 أن عمر أطلق تزويج قريش في سائر العرب والعجم وتزويج العرب في سائر العجم ، ومنع العرب من التزويج في قريش ومنع العجم من التزويج في العرب، فأنزل العرب مع قريش والعجم مع العرب منزلة اليهود والنصارى، وروي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 288 وفي الغدير: ج 6 ص 187 عن موطأ مالك عن سعيد بن المسيب أنه قال : أبى عمر بن الخطاب أن يورث أحدا من الأعاجم إلا أحدا ولد في العرب.
(2) الأنذل : الأخس والأحقر والأسقط في الحسب.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 283 _

أمر معاوية بإهانة الأعاجم

  ولعمري يا أخي، لو أن عمر سن دية المولى نصف دية العربي لكان أقرب إلى التقوى، ولو وجدت السبيل إلى ذلك ورجوت أن تقبله العامة لفعلت ولكني قريب عهد بحرب فأتخوف فرقة الناس واختلافهم علي، وبحسبك ما سنه عمر فيهم فهو خزي لهم وذل ، فإذا جاءك كتابي هذا فأذل العجم وأهنهم وأقصهم ولا تستعن بأحد منهم ولا تقض لهم حاجة .(1)

معاوية يستلحق زيادا بأبي سفيان

  فوالله إنك لابن أبي سفيان خرجت من صلبه ، وما تناسب عبيدا نسبا دون آدم ! (2)

---------------------------
(1) قال العلامة الأميني في الغدير: ج 10 ص 216 ما ملخصه : كان من ضروريات الإسلام إلى سنة 44 : (الولد للفراش وللعاهر الحجر)، ولكن سياسة معاوية المتهجمة تجاه الهتافات النبوية أصمته عن سماعها وجعلت للعاهر كل النصيب فوهب زيادا كله لأبي سفيان العاهر، وقد كان زياد ولد على فراش عبيد مولى ثقيف وربي في شر حجر ، فكان يقال له قبل الاستلحاق : (زياد بن عبيد الثقفي) وبعده: (زياد بن أبي سفيان) ومعاوية نفسه كتب إليه في أيام الإمام الحسن عليه السلام: (من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن عبيد ، أما بعد فإنك عبد قد كفرت النعمة... إنك لا أم لك، بل لا أب لك)! ولما انقضت الدولة الأموية صار يقال له : (زياد بن أبيه) و (زياد بن أمه) و (زياد بن سمية)، وأمه سمية كانت لدهقان من دهاقين الفرس بزندرود بكسكر ، فمرض الدهقان فدعا الحارث بن الكلدة الطبيب الثقفي فعالجه فبرأ ، فوهبه سمية وزوجها الحارث غلاما له روميا يقال له (عبيد)، فولدت زيادا على فراشه ... وكانت أمه من البغايا المشهورة بالطائف ذات راية، أمر عمر زيادا أن يخطب يوما فأحسن في خطبته وجود ، وعند أصل المنبر أبو سفيان بن حرب وعلي بن أبي طالب عليه السلام، فقال أبو سفيان لعلي عليه السلام: أيعجبك ما سمعت من هذا الفتى ؟ قال : نعم ، قال : أما إنه ابن عمك ، قال : وكيف ذلك ؟ قال : أنا قذفته في رحم أمه سمية ... ! ولما بويع معاوية قدم زياد على معاوية فصالحه ... ورآى معاوية أن يستميل زيادا واستصفى مودته باستلحاقه ، فاتفقا على ذلك وأحضر الناس وحضر من يشهد لزياد ، وكان فيمن حضر أبو مريم السلولي، فقال له معاوية : بم تشهد يا أبا مريم ؟ فقال : أنا أشهد أن أبا سفيان حضر عندي وطلب مني بغيا ، فقلت له : ليس عندي إلا سمية ، فقال : ائتني بها على قذرها ووضرها ، فأتيته بها فخلا معها ثم خرجت من عنده وإن اسكتيها ليقطران منيا ، فقال له زياد : مهلا يا أبا مريم ، إنما بعثت شاهدا ولم تبعث شاتما فاستلحقه معاوية ، وأن أبا سفيان كان يحذو حذو أمية بن عبد .
(2) جاء في البحار : ج 19 ص 260 و ج 8 طبع قديم ص 302 : أن عقيل قال لوليد بن العقبة بن أبي معيط : يا بن أبي معيط ، كأنك لا تدري من أنت وأنت علج من أهل صفورية ، كان ذكر أن أباه كان يهودي منها ، و (صفورية) قرية في فلسطين شمال غربي الناصرة.