أحدا قط)، فحدث بتسليم الملائكة عليه وحديث يوم أحد، (1) فوجدتهما في صحيفة سليم بعد ذلك يرويهما عن علي عليه السلام أنه سمعهما منه.
أكاذيب الحسن البصري لتبرير نفاقه
قال أبان: فلما حدثنا بهذين الحديثين خلوت به وتفرق القوم غيري وغير أبي خليفة ، وبت ليلتي إذ ذاك عنده، فقال الحسن تلك الليلة: لولا رواية يرويها الناس عن النبي صلى الله عليه وآله لظننت أن الناس كلهم هلكوا منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله غير علي عليه السلام وشيعته.
قلت : يا با سعيد ، وأبو بكر وعمر ؟ قال : نعم .
---------------------------
(1) روي في البحار: ج 39 ص 9 بإسناده عن ابن عباس أنه قال: انتدب رسول الله صلى الله عليه وآله الناس ليلة بدر إلى الماء، فانتدب علي عليه السلام فخرج وكانت ليلة باردة ذات ريح وظلمة، فخرج بقربته ، فلما كان إلى القليب لم يجد دلوا ، فنزل إلى الجب تلك الساعة فملأ قربته ثم أقبل، فاستقبلته ريح شديدة، فجلس حتى مضت ، ثم قام ، ثم مرت به أخرى فجلس حتى مضت ، ثم قام ، ثم مرت به أخرى فجلس حتى مضت ،
فلما جاء قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما حبسك يا أبا الحسن ؟ قال : لقيت ريحا ثم ريحا ثم ريحا شديدة ، فأصابتني قشعريرة ، فقال : أتدري ما كان ذلك يا علي ؟ فقال : لا ، فقال : ذاك جبرئيل في ألف من الملائكة وقد سلم عليك وسلموا ، ثم مر ميكائيل في ألف من الملائكة فسلم عليك وسلموا ، ثم مر إسرافيل في ألف من الملائكة فسلم عليك وسلموا ،
وروي في البحار: ج 20 ص 85 أنه أشار رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم أحد إلى قوم انحدروا من الجبل فحمل عليهم علي عليه السلام فهزمهم ، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم ، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم ، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم ، فجاء جبرئيل : فقال : يا رسول الله، لقد عجبت الملائكة وعجبنا معها من حسن مواساة علي لك بنفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما يمنعه من هذا وهو مني وأنا منه ، فقال جبرئيل : وأنا منكما،
وروي في البحار: ج 20 ص 72 عن ابن مسعود أنه قال : انهزم الناس يوم أحد إلا علي وحده ، فقلت : إن ثبوت علي عليه السلام في ذلك المقام لعجب قال : إن تعجبت منه فقد تعجبت الملائكة ، أما علمت أن جبرئيل قال في ذلك اليوم وهو يعرج إلى السماء : (لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي)،
وروي في البحار: ج 20 ص 69 أن أمير المؤمنين عليه السلام قال يوم الشورى: نشدتكم بالله ، هل فيكم أحد وقفت الملائكة معه يوم أحد حين ذهب الناس غيري ؟ قالوا : لا .
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 415 _
قلت : وما تلك الرواية يا با سعيد ؟ قال : قول حذيفة (قوم ينجون ويهلك أتباعهم)، قيل : وكيف ذلك يا حذيفة ؟ قال : (قوم لهم سوابق أحدثوا أحداثا فتبعهم على أحداثهم قوم ليست لهم سوابق، فنجا أولئك بسوابقهم وهلك الأتباع بأحداثهم)، (1) وقول رسول الله صلى الله عليه وآله لعمر - حين استأذنه في قتل حاطب بن أبي بلتعة (2) ـ فقال : (وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع إلى عصبة أهل بدر فأشهد ملائكته : إني قد غفرت لهم فليعملوا ما شاءوا)، وحديث جابر بن عبد الله الأنصاري : أن رسول الله صلى الله عليه وآله ذكر الموجبتين، قالوا : يا رسول الله، ما تعني بالموجبتين ؟ قال : (من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ، ومن لقيه يشرك به دخل النار)، فلست أرجو لأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير النجاة إلا بهذه الروايات والسلامة.
قلت : أتجعل حدث أبي بكر وعمر مثل حدث عثمان وطلحة والزبير ، إن كان الأمر لعلي عليه السلام دونهم من الله ورسوله ؟
فقال : يا أحمق، لا تقولن (إن كان) هو والله لعلي دونهم ، وكيف لا يكون له دونهم بعد الخصال الأربع ؟ ولقد حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وآله الثقات ما لا أحصي، قلت : وما هذه الخصال الأربع ؟
قال : قول رسول الله صلى الله عليه وآله ونصبه إياه يوم غدير خم.
وقوله في غزوة تبوك : (أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة)، ولو كان غير النبوة لاستثناه رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد علمنا يقينا أن الخلافة غير النبوة.
وخطب رسول الله صلى الله عليه وآله آخر خطبة خطبها للناس ثم دخل بيته فلم يخرج حتى قبضه الله إليه : (أيها الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وأهل بيتي ، فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين ـ وجمع بين سبابتيه ـ لا كهاتين ـ وجمع بين سبابته والوسطى ـ لأن إحديهما
---------------------------
(1) لا يخفى أن هذه الرواية من الموضوعات التي تمسك بها الحسن البصري لتوجيه نفاقه.
(2) حاطب بن أبي بلتعة الخالفي اللخمي المتوفى سنة 30 ، قد مر قصته في الحديث 15 من هذا الكتاب.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 416 _
قدام الأخرى فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تولوا ، لا تقدموهم فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.
ولقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر وعمر ـ وهما سابعا سبعة - أن يسلموا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين.
ولعمري لئن جاز لنا ـ يا أخا عبد القيس (1) ـ أن نستغفر لعثمان وطلحة والزبير ـ وقد بلغ من حدثهم ما قد ظهر لنا ـ إنه ليسعنا أن نستغفر لهما.
فأما طلحة والزبير ، فإنهما بايعا عليا عليه السلام ـ وأنا شاهد ـ طائعين غير مكرهين ، ثم نكثا بيعتهما وسفكا الدماء التي قد حرم الله رغبة في الدنيا وحرصا على الملك، وليس ذنب بعد الشرك بالله أعظم من سفك الدماء التي حرم الله.
وأما عثمان فأدنى السفهاء وباعد الأتقياء وآوى طريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسير أولياء الله أبا ذر وقوما صالحين وجعل المال دولة بين الأغنياء وحكم بغير ما أنزل الله، وكانت أحداثه أكثر وأعظم من أن تحصى ، وأعظمهما تحريق كتاب الله، وأفظعها صلاته بمنى أربعا خلافا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . (2)
---------------------------
(1) المخاطب به أبان بن أبي عياش الذي كان من موالي يني عبد القيس، راجع المقدمة.
(2) راجع عن تحريق عثمان المصاحف : الحديث 11 من هذا الكتاب،
وروي في البحار : ج 8 طبع قديم ص 312 ، والغدير : ج 8 ص 101 عن تاريخ الطبري وغيره : أنه حج عثمان بالناس في سنة 29 فضرب بمنى فسطاطا ، فكان أول فسطاط ضربه عثمان بمنى وأتم الصلاة بها وبعرفة ، فذكر الواقدي بالإسناد عن ابن عباس قال : إن أول ما تكلم الناس في عثمان ظاهرا أنه صلى بالناس بمنى في ولايته ركعتين حتى إذا كانت السادسة أتمها ، فعاب على ذلك غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وتكلم في ذلك من يريد أن يكثر عليه حتى جاءه علي عليه السلام فيمن جاءه فقال : والله ما حدث أمر ولا قدم عهد،
أولا عهدت نبيك يصلي ركعتين ثم أبا بكر ، ثم عمر ، وأنت صدرا من ولايتك ، فما أدري ما يرجع إليه ؟
فقال : رأي رأيته !!
راجع عن مثالب عثمان : بحار الأنوار : ج 8 (طبع قديم) ص 323 ـ 301، والغدير: ج 8 ص 387 ـ 9 و ج 9 ص 69 ـ 3.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 417 _
قلت : أصلحك الله، فترحمك عليه وتفضيلك إياه ؟
قال : إنما أصنع ذلك ليسمع بذلك أوليائه الطغاة العتاة الجبابرة الظلمة، الحجاج وابن زياد قبله وأبوه ، أما علمت أنهم من اتهموه في بغض عثمان وحب علي عليه السلام وأهل بيته نفوه ومثلوا به وقتلوه ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (ليس للمؤمن أن يذل نفسه) ، قلت : وما إذلاله لنفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يقوى عليه ولا يقوم به.
وقد سمعت عليا عليه السلام يروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله يوم قتل عثمان وهو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إن التقية من دين الله، ولا دين لمن لا تقية له، والله لولا التقية ما عبد الله في الأرض في دولة إبليس)، فقال له رجل : وما دولة إبليس ؟ قال عليه السلام : (إذا ولى الناس إمام ضلالة فهي دولة إبليس على آدم، وإذا وليهم إمام هدى فهي دولة آدم على إبليس).
ثم همس إلى عمار ومحمد بن أبي بكر همسة وأنا أسمع، فقال : (ما زلتم منذ قبض نبيكم في دولة إبليس بترككم إياي واتباعكم غيري).
ثم هرب من الناس ثلاثة أيام ، فطلبوه فأتوه في خص (1) لبني النجار فقالوا : إنا قد تشاورنا في هذا الأمر ثلاثة أيام فما وجدنا أحدا من الناس أحق بها منك ، فننشدك الله في أمة محمد صلى الله عليه وآله أن تضيع وأن يلي أمرها غيرك ، فبايعوه وكان أول من بايعه طلحة والزبير ، ثم جاءا إلى البصرة يزعمان أنهما بايعا مكرهين ، وكذبا.
ثم أتاه رجل من مهرة (2) ـ ومحمد بن أبي بكر بجنبه ـ فقال له علي عليه السلام ـ وأنا أسمع ـ :
يا أخا مهرة ، أجئت لتبايع ؟ قال : نعم ، قال : تبايعني على أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض والأمر لي ، فانتزى علينا ابن أبي قحافة ظلما وعدوانا، ثم انتزى علينا بعده عمر ؟ قال : نعم ، فبايعه على ذلك طائعا غير مكره .
---------------------------
(1) الخص: البيت من قصب أو شجر.
(2) (مهرة) : بلاد مقفرة في جزيرة العرب تقع بين حضرموت وعمان.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 418 _
قال : فقلت للحسن : أفبايع الناس كلهم على هذا ؟ قال : لا ، إنما بايع من أمن ووثق به على هذا.
يا أخا عبد القيس، ولئن جاز لنا أن نستغفر لعثمان وقد ركب ما ركب من الكبائر والأمور القبيحة، إنه ليجوز لنا أن نستغفر لهما وقد عوفيا من الدماء وعفا في ولايتهما وكفا وأحسنا السيرة، ولم يعملا بمثل عمل عثمان من الجور والتخليط ، ولا بمثل ما عمله طلحة والزبير من نكثهما البيعة وما سفكا من الدماء إرادة الدنيا والملك ، وقد سمعا رسول الله صلى الله عليه وآله ينهى عما ركبا وعما أتيا فتركا أمر الله وأمر رسوله بعد الحجة والبينة استخفافا بأمر الله وأمر رسوله.
ولئن قلت يا أخا عبد القيس: (إن أبا بكر وعمر قد سمعا ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام)، فلقد سمع ذلك عثمان وطلحة والزبير ثم ركبوا ما ركبوا من الحرب وسفك الدماء وعوفيا من ذلك!
ولئن قلت : (إنهما أول من فتح ذلك وسنه وأدخلا الفتنة والبلاء على الأمة بانتزائهما على ما قد علما يقينا أنه لا حق لهما فيه وأن الله جعله لغيرهما ، وأنهما سلما على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، ثم قالا للنبي صلى الله عليه وآله حين أمرهما بالتسليم عليه : أمن الله ومن رسوله ؟ قال : نعم، من الله ومن رسوله)، إن في ذلك لمقالا. (1)
لقد قال لي أبو ذر ـ حين حدثني بتسليمهما على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين ، هو والمقداد وسلمان ـ : سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : (ما ولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا) .
---------------------------
(1) جواب لقوله (لئن قلت : ...) أي لئن قلت هكذا فهذا كلام في محله.
يا أخا عبد القيس ، إن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله لم يكونوا يشكون ولا يختلفون ولا يتنازعون بينهم أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان أولهم إسلاما وأكثرهم علما وأعظمهم عناء في الجهاد في سبيل الله ومبارزة الأقران ووقايته لرسول الله صلى الله عليه وآله بنفسه.
وأنه لم ينزل برسول الله صلى الله عليه وآله شديدة ولا كربة ولا مبارزة قرن وفتح حصن إلا قدمه فيها ثقة به ومعرفة بفضله وأنه أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وأنه أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأنه وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وأنه قد كان له كل يوم وكل ليلة من رسول الله صلى الله عليه وآله خلوة ودخلة إليه ، إذا سأله أعطاه وإذا سكت ابتدأه، وأنه لم يحتج إلى أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله في علم ولا فقه ، وأن جميعهم كانوا يحتاجون إليه وهو لا يحتاج إلى أحد.
وأن له من السوابق والمناقب وما أنزل فيه من القرآن ما ليس لأحد منهم، وأنه كان أجودهم كفا وأسخاهم نفسا وأشجعهم لقاء ، وما خصلة من خصال الخير له فيها نظير ولا شبيه ولا كفو ، في زهده في الدنيا ولا في اجتهاده.
فمما خصه الله به أن أخذ على الناس بالفصل الأول (1) مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلم يسبقه أحد منهم إلى خير ، ولم يؤمر رسول الله صلى الله عليه وآله أحدا قط عليه ولم يتقدم أمامه أحد في صلاة قط .
---------------------------
(1) إن الحسن البصري قسم حياة أمير المؤمنين عليه السلام على فصلين : الفصل الأول جهاده في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ، والفصل الآخر صبره وجهاده بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قال أبان : قلت : يا أبا سعيد، أليس أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر أن يصلي بالناس ؟
فقال : أين يذهب بك يا أبان ؟ إن عليا عليه السلام لم يكن مع الناس الذين أمر أبا بكر أن يصلي بهم ، وإنما كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يمرضه ويوصي إليه ويصلي بصلاته ، ثم لم يتم ذلك لأبي بكر ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فأخر أبا بكر وصلى بالناس.(1)
---------------------------
(1) في (ب) هكذا : والله لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فأخر أبا بكر عن المحراب فصلى بالناس ،
روي في البحار: ج 28 ص 110 طبع قديم ص 25 عن حذيفة بن اليمان أنه قال عند ذكر وقائع الأيام الأخيرة من عمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كان بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله يؤذن بالصلاة في كل وقت صلاة : فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلى بالناس وإن هو لم يقدر على الخروج أمر علي بن أبي طالب عليه السلام فصلى بالناس وكان علي بن أبي طالب عليه السلام والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك ،
فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله من ليلته تلك ـ التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يد أسامة ـ أذن بلال ثم أتاه يخبره كعادته ، فوجده قد ثقل ، فمنع من الدخول إليه ، فأمرت عائشة صهيبا أن يمضي إلى أبيها فيعلمه :
(أن رسول الله قد ثقل في مرضه وليس يطيق النهوض إلى المسجد وعلي بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس ، فاخرج أنت إلى المسجد فصل بالناس فإنها حال تهنئك وحجة لك بعد اليوم)!
قال : فلم تشعر الناس ـ وهم في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وآله أو عليا عليه السلام يصلي بهم كعادته التي عرفوها في مرضه ـ إذ دخل أبو بكر المسجد وقال : (إن رسول الله قد ثقل وقد أمرني أن أصلي بالناس) فقال له رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وأنى لك ذلك وأنت في جيش أسامة ، ولا والله لا أعلم أحدا بعث إليك ولا أمرك بالصلاة ،
ثم نادى الناس بلال ، فقال : على رسلكم رحمكم الله لأستأذن رسول الله في ذلك، ثم أسرع حتى أتى الباب فدقه دقا شديدا ، فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : ما هذا الدق العنيف ؟ فانظروا ما هو ؟ قال : فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذا بلال ، فقال : ما وراءك يا بلال ؟ فقال : إن أبا بكر قد دخل المسجد وقد تقدم حتى وقف في مقام رسول الله وزعم أن رسول الله أمره بذلك ، فقال : أوليس أبو بكر مع جيش أسامة ؟ هذا هو والله الشر العظيم ، طرق البارحة المدينة لقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ،
ودخل الفضل وأدخل بلالا معه ، فقال : ما وراءك يا بلال ؟ فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله الخبر، فقال : (أقيموني ، أقيموني، أخرجوا بي إلى المسجد، والذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن)، ثم خرج معصوب الرأس يتهادى بين علي عليه السلام والفضل بن العباس ورجلاه يجران في الأرض حتى دخل المسجد وأبو بكر قائم في مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أطاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الذين دخلوا ، وأكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي بلال ، فلما رأى الناس رسول الله صلى الله عليه وآله قد دخل المسجد وهو بتلك الحالة العظيمة من المرض أعظموا ذلك ،
وتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله فجذب أبا بكر من وراءه فنحاه عن المحراب، وأقبل أبو بكر والنفر الذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله، وأقبل الناس فصلوا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وهو جالس وبلال يسمع الناس التكبير حتى قضى صلاته ، ثم التفت فلم ير أبا بكر ، فقال : (يا أيها الناس، ألا تعجبون من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي أسامة وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الذي وجهوا إليه، فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة؟ ألا وإن الله قد أركسهم فيها).
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 421 _
والله لقد سمعت عليا عليه السلام يقول : فتح لي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه مفتاح ألف باب من العلم، كل باب يفتح ألف باب.
ثم أخذ(1) بالفصل الآخر أن صبر على الظلم، فلما وجد أعوانا قاتل على تأويل القرآن كما قاتل على تنزيله ، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وجاهد في سبيل الله حتى استشهد، فلقي الله نقيا زكيا سعيدا شهيدا طيبا مطيبا قد قاتل الذين أمره الله ورسوله بقتالهم : الناكثين والقاسطين والمارقين .
قال أبان: قال الحسن هذه المقالة في أول عمره في أول عمل الحجاج وهو متوار في بيت أبي خليفة وهو يومئذ من الشيعة، فلما كبر وشهر وسمعته يقول ما يقول في علي عليه السلام خلوت به فذكرته ما سمعت منه ، فقال : اكتم علي، فإنما صنعت ما صنعت أحقن دمي ولولا ذلك لشالت بي الخشب .
---------------------------
(1) أي علي عليه السلام.
وذكر سليم بن قيس : أن عليا عليه السلام كان إذا لقي عدوا يوم الجمل ويوم صفين ويوم النهروان استقبل القبلة على بغلته الشهباء بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال :
(اللهم بسطت إليك الأيدي ورفعت الأبصار وأفضت القلوب ونقلت الأقدام ،
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين)، وهو رافع يديه وأصحابه يؤمنون.
سليم قال : جاء رجل إلى علي بن أبي طالب وأنا أسمع، فقال : أخبرني يا أمير المؤمنين بأفضل منقبة لك ؟ قال : ما أنزل الله في من كتابه.
قال : وما أنزل الله فيك ؟ قال : قوله : (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ) (1)، أنا الشاهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقوله : (وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (2)، إياي عنى ، ولم يدع شيئا مما ذكر الله فيه إلا ذكره .(3)
قال : فأخبرني بأفضل منقبة لك من رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال عليه السلام: نصبه إياي بغدير خم ، فقام لي بالولاية من الله عز وجل بأمر الله تبارك وتعالى.
وقوله (أنت مني بمنزلة هارون من موسى).
وسافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وذلك قبل أن يأمر نسائه بالحجاب ـ وأنا أخدم رسول الله صلى الله عليه وآله ليس له خادم غيري ، وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحاف ليس له لحاف غيره
---------------------------
(1) سورة هود: الآية 17.
(2) إياي (2). سورة الرعد: الآية 43.
(3) في الإحتجاج هكذا: فلم يدع شيئا أنزل الله فيه إلا ذكره، ومثل قوله : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ )، وقوله: (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) وغير ذلك.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 424 _
ومعه عائشة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثة لحاف غيره.
وإذا قام رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي حط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة ليمس اللحاف الفراش الذي تحتنا ويقوم رسول الله صلى الله عليه وآله فيصلي.
فأخذتني الحمي ليلة فأسهرتني ، فسهر رسول الله صلى الله عليه وآله لسهري.
فبات ليلته بيني وبين مصلاه يصلي ما قدر له ، ثم يأتيني فيسألني وينظر إلي، فلم يزل دأبه ذلك إلى أن أصبح، فلما أصبح صلى بأصحابه الغداة ثم قال : (اللهم اشف عليا وعافه فإنه قد أسهرني الليلة لما به من الوجع)، فكأنما نشطت من عقال ما بي قبله . (1)
قال عليه السلام: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أبشر يا أخي ـ قال ذلك وأصحابه يسمعون ـ قلت :
بشرك الله بخير يا رسول الله وجعلني فداؤك ، قال : إني لم أسأل الله شيئا إلا أعطانيه، ولم أسأل لنفسي شيئا إلا سألت لك مثله ، وإني دعوت الله أن يواخي بيني وبينك ففعل ، وسألته (أن يجعلك ولي كل مؤمن من بعدي) ففعل.
فقال رجلان ـ أحدهما لصاحبه ـ : وما أراد إلى ما سأل ؟ فوالله لصاع من تمر بال في شن بال خير مما سأل ولو كان سأل ربه أن ينزل عليه ملكا يعينه على عدوه أو ينزل عليه كنزا ينفقه على أصحابه ـ فإن بهم حاجة ـ كان خيرا مما سأل ، وما دعا عليا قط إلى حق ولا إلى باطل (2) إلا أجابه.
وحدث محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام بهذا الحديث.(3)
---------------------------
(1) قد مر ذكر هذه القضية في الحديث 36 من هذا الكتاب.
(2) قوله : (إلى باطل) على زعم أبي بكر وعمر ، فقوله : (وما دعا عليا ...) من تتمة كلام أبي بكر وعمر فيما بينهما ، يريدان أن عليا عليه السلام تسليم لكل أوامر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي الإحتجاج أورد هذه الفقرة هكذا:
(وما دعا عليا قط إلى خير إلا استجابه).
(3) الظاهر أن هذه العبارة من كلام أبان الذي كان من أصحاب أبي جعفر الباقر عليه السلام.
سليم : قال : قلت لعبد الله بن العباس ـ وجابر بن عبد الله الأنصاري إلى جنبه ـ : شهدت النبي صلى الله عليه وآله عند موته ؟ قال : نعم ، لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله جمع كل محتلم من بني عبد المطلب وامرأة وصبي قد عقل، فجمعهم جميعا فلم يدخل معهم غيرهم إلا الزبير فإنما أدخله لمكان صفية ، وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد، ثم قال : (إن هؤلاء الثلاثة منا أهل البيت)، وقال : (أسامة مولانا ومنا).
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله استعمله على جيش وعقد له وفي ذلك الجيش أبو بكر وعمر، فقال كل واحد منهما : (لا ينتهي يستعمل علينا هذا الصبي العبد) فاستأذن (1) رسول الله صلى الله عليه وآله ليودعه ويسلم عليه ، فوافق ذلك اجتماع بني هاشم فدخل معهم واستأذن أبو بكر وعمر أسامة ليسلما على النبي صلى الله عليه وآله فأذن لهما.
فلما دخل أسامة معنا ـ وهو من أوسط بني هاشم (2) وكان صلى الله عليه وآله شديد الحب له ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله لنسائه : (قمن عني فأخلينني وأهل بيتي)، فقمن كلهن غير عائشة وحفصة فنظر إليهما رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : (اخلياني وأهل بيتي)، فقامت عائشة آخذة بيد حفصة وهي تدمر غضبا وتقول : (قد أخليناك وإياهم) فدخلتا بيتا من خشب .
---------------------------
(1) أي استأذن أسامة.
(2) كناية عن أنه يعد منهم وإن لم يكن منهم نسبا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: (يا أخي، أقعدني)، فأقعده علي عليه السلام وأسنده إلى نحره ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا بني عبد المطلب، اتقوا الله واعبدوه ، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ولا تختلفوا ، إن الإسلام بني على خمسة : على الولاية والصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج ، فأما الولاية فلله ولرسوله وللمؤمنين الذين يؤتون الزكاة وهم راكعون (1)، (وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ). (2)
قال ابن عباس : وجاء سلمان والمقداد وأبو ذر ، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وآله مع بني عبد المطلب.
فقال سلمان : يا رسول الله، للمؤمنين عامة أو خاصة لبعضهم ؟ قال : بل خاصة لبعضهم ، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه في غير آية من القرآن.
قال : من هم يا رسول الله ؟ قال : أولهم وأفضلهم وخيرهم أخي هذا علي بن أبي طالب ـ ووضع يده على رأس علي عليه السلام ـ ثم ابني هذا من بعده ـ ثم وضع يده على رأس الحسن عليه السلام ـ ثم ابني هذا ـ ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام ـ من بعده ، والأوصياء تسعة من ولد الحسين عليه السلام واحد بعد واحد ، حبل الله المتين وعروته الوثقى.
هم حجة الله على خلقه وشهدائه في أرضه، من أطاعهم فقد أطاع الله وأطاعني، ومن عصاهم فقد عصى الله وعصاني ، هم مع الكتاب والكتاب معهم، لا يفارقهم ولا يفارقونه حتى يردا علي الحوض.
يا بني عبد المطلب، إنكم ستلقون من بعدي من ظلمة قريش وجهال العرب وطغاتهم تعبا وبلاء وتظاهرا منهم عليكم واستذلالا وتوثبا عليكم وحسدا لكم وبغيا عليكم، فاصبروا حتى
---------------------------
(1) إشارة إلى قوله تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) في سورة المائدة: الآية 55.
(2) سورة المائدة: الآية 56.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 427 _
تلقوني ، إنه من لقي الله ـ يا بني عبد المطلب ـ موحدا مقرا برسالتي أدخله الجنة ويقبل ضعيف عمله ويجاوز عن سيئاته .
يا بني عبد المطلب، إني رأيت على منبري اثني عشر من قريش ، كلهم ضال مضل يدعون أمتي إلى النار ويردونهم عن الصراط القهقرى : رجلان من حيين من قريش (1) عليهما مثل إثم الأمة ومثل جميع عذابهم ، وعشرة من بني أمية، رجلان من العشرة من ولد حرب بن أمية (2) وبقيتهم من ولد أبي العاص بن أمية.
ومن أهل بيتي اثنا عشر إمام هدى كلهم يدعون إلى الجنة: علي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين واحدا بعد واحد ، إمامهم ووالدهم علي ، وأنا إمام علي وإمامهم ، هم مع الكتاب والكتاب معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه حتى يردوا علي الحوض.
يا بني عبد المطلب، أطيعوا عليا واتبعوه وتولوه ولا تخالفوه وابرؤوا من عدوه وآزروه وانصروه واقتدوا به ترشدوا وتهتدوا وتسعدوا.
يا بني عبد المطلب، أطيعوا عليا ، إني لو قد أخذت بحلقة باب الجنة ففتح لي فتح إلى ربي فوقعت ساجدا فقال لي : (إرفع رأسك، سل تسمع واشفع تشفع)، لم أؤثر عليكم أحدا.
قالوا: سمعنا وأطعنا يا رسول الله.
---------------------------
(1) هما أبو بكر من بني تيم وعمر من بني عدي.
(2) هما معاوية ويزيد.
ثم أقبل على علي عليه السلام فقال : يا أخي: إن قريشا ستظاهر عليكم وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك ، فإن وجدت أعوانا فجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك، أما إن الشهادة من وراءك ، لعن الله قاتلك.
ثم أقبل على ابنته فقال : إنك أول من يلحقني من أهل بيتي ، وأنت سيدة نساء أهل الجنة، وسترين بعدي ظلما وغيظا حتى تضربي ويكسر ضلع من أضلاعك، لعن الله قاتلك ولعن الأمر والراضي والمعين والمظاهر عليك وظالم بعلك وابنيك.
وأما أنت يا حسن فإن الأمة تغدر بك ، فإن وجدت أعوانا فجاهدهم وإلا فكف يدك واحقن دمك فإن الشهادة من وراءك ، لعن الله قاتلك والمعين عليك، فإن الذي يقتلك ولد زنا ابن زنا ابن ولد زنا ، إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة ولم يرض لنا الدنيا.
قال : ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على ابن عباس (1) فقال : أما إن أول هلاك بني أمية ـ بعد ما يملك منهم عشرة ـ على يد ولدك ، فليتقوا الله وليراقبوا في ولدي وعترتي، فإن الدنيا لم تبق لأحد قبلنا ولا تبقى لأحد بعدنا ، دولتنا آخر الدول، يكون مكان كل يوم يومين ومكان كل سنة سنتين ، ومنا من ولدي من يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا .
---------------------------
(1) الظاهر أن الخطاب إلى عباس لا ابن عباس الناقل للحديث ، ولا إشكال في توجه الخطاب إلى ابن عباس أيضا.
سليم ، قال : سمعت سلمان يقول : قلت : يا رسول الله، إن الله لم يبعث نبيا قبلك إلا وله وصي ، فمن وصيك يا نبي الله ؟ قال : يا سلمان ، إنه ما أتاني من الله فيه شئ.
فمكث غير كثير ، ثم قال لي : يا سلمان ، إنه قد أتاني من الله في الأمر الذي سألتني عنه، إني أشهدك يا سلمان إن علي بن أبي طالب وصيي وأخي ووارثي ووزيري وخليفتي في أهلي وولي كل مؤمن من بعدي ، يبرئ ذمتي ويقضي ديني ويقاتل على سنتي.
يا سلمان ، إن الله اطلع على الأرض اطلاعة فاختارني منهم، ثم اطلع ثانية فاختار منهم عليا أخي ، وأمرني فزوجته سيدة نساء أهل الجنة، ثم اطلع ثالثة فاختار فاطمة والأوصياء : ابني حسنا وحسينا وبقيتهم من ولد الحسين.
هم مع القرآن والقرآن معهم ، لا يفارقهم ولا يفارقونه كهاتين ـ وجمع بين إصبعيه المسبحتين ـ حتى يردوا علي الحوض واحدا بعد واحد ، شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله، كلهم هاد مهدي.
ونزلت هذه الآية في وفي أخي علي وفي ابنتي فاطمة وفي ابني والأوصياء واحدا بعد واحد ، ولدي وولد أخي : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا). (1) أتدرون ما (الرجس) يا سلمان ؟ قلت: لا، قال : الشك،
---------------------------
(1) سورة الأحزاب: الآية 33.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 430 _
لا يشكون في شئ جاء من عند الله أبدا، مطهرون في ولادتنا وطينتنا إلى آدم، مطهرون معصومون من كل سوء.
ثم ضرب بيده على الحسين عليه السلام فقال : يا سلمان، مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما من ولد هذا، إمام بن إمام، عالم بن عالم ، وصي بن وصي ، أبوه الذي يليه إمام وصي عالم.
قال : قلت : يا نبي الله، المهدي أفضل أم أبوه ؟ قال : أبوه أفضل منه، للأول مثل أجورهم كلهم لأن الله هداهم به.
أيما داع دعا إلى هدى فله أجره ومثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، وأيما داع دعا إلى ضلالة فعليه وزره ومثل أوزار من تبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا.
يا سلمان ، إن موسى سأل ربه أن يجعل له وزيرا من أهله فجعل له أخاه هارون وزيرا ، وإنني سألت ربي أن يجعل لي وزيرا من أهلي فجعل لي أخي أشد به ظهري وأشركه في أمري، فاستجاب لي كما استجاب لموسى في هارون.
سليم ، قال : سمعت عليا عليه السلام يقول على منبر الكوفة : والذي فلق الحبة وبرء النسمة لأقولن كلاما لم يقله أحد قبلي ولا يقوله أحد بعدي إلا كذاب : (أنا عبد الله وأخو رسوله.
ورثت نبي الرحمة ونكحت خير نساء الأمة وأنا خير الوصيين).
فقام رجل من الخوارج فقال : (أنا عبد الله وأخو رسول الله) فأخذته الموتة مكانه ، فما انقلع عنه حتى مات .
قال سليم : وسمعت عليا عليه السلام يقول :
(علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من العلم، يفتح كل باب ألف).
فلم أشك أنه عليه السلام صادق ، ولم أسأل عن ذلك أحدا.
وقال سليم : إني لجالس أنا وعلي عليه السلام والناس حوله ، إذ أتاه رأس اليهود ورأس النصارى ، فأقبل على رأس اليهود فقال : على كم تفرقت اليهود ؟ فقال : هو عندي مكتوب في كتاب ، فقال علي عليه السلام : قاتل الله زعيم قوم يسأل عن مثل هذا من أمر دينه فيقول : (هو عندي في كتاب)!
قال : ثم قال لرأس النصارى : كم تفرقت النصارى ؟ قال : (على كذا وكذا)، فأخطأ.
فقال علي عليه السلام : لو قلت كما قال صاحبك كان خيرا من أن تقول وتخطئ.
ثم أقبل عليهما علي عليه السلام وعلى الناس فقال : أنا والله أعلم بالتوراة من أهل التوراة، وأعلم بالإنجيل من أهل الإنجيل، وأعلم بالقرآن من أهل القرآن، أنا أخبركم على كم تفرقوا.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، سبعون منها في النار وواحدة في الجنة وهي التي تبعت وصي موسى ، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، واحدة وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي التي تبعت وصي عيسى ، وأمتي تفترق على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة وهي التي تبعت وصيي.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 434 _
قال: ثم ضرب بيده على منكب علي عليه السلام (1) ، ثم قال : ثلاث عشرة فرقة من الثلاث وسبعين كلها تنتحل مودتي وحبي ، واحدة منها في الجنة وثنتا عشرة في النار. (2)
---------------------------
(1) الأوفق بالعبارة باعتبار أن القائل هو أمير المؤمنين عليه السلام أن يكون هكذا : قال عليه السلام : ثم ضرب بيده على منكبي ثم قال : ثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين كلها تنتحل مودتك وحبك.
(2) ورد هذا الحديث في الفضائل لشاذان بن جبرئيل عن سليم بتفاوت ليس باليسير ولذا نورد هنا نص ما في الفضائل بعينه :
بالأسناد يرفعه إلى سليم بن قيس قال : دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام في مسجد الكوفة والناس حوله، إذ دخل عليه رأس اليهود ورأس النصارى، فسلما وجلسا ، فقال الجماعة: بالله عليك يا مولانا ، اسألهم حتى ننظر ما يعملون ،
قال عليه السلام لرأس اليهود: يا أخا اليهود، قال : لبيك ، قال : على كم انقسمت أمة نبيكم ؟ قال : هو عندي في كتاب مكنون ، قال : قاتل الله قوما أنت زعيمهم يسأل عن أمر دينه فيقول : (هو عندي في كتاب مكنون) ثم التفت إلى رأس النصارى وقال له : كم انقسمت أمة نبيكم ؟ قال : على كذا وكذا ، فأخطأ ، فقال عليه السلام: لو قلت مثل قول صاحبك لكان خيرا لك من أن تقول وتخطئ ولا تعلم،
ثم أقبل عند ذلك وقال : أيها الناس، أنا أعلم من أهل التوراة بتوراتهم ، وأعلم من أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وأعلم من أهل القرآن بقرآنهم ، أنا أعرف كم انقسمت الأمم ، أخبرني به أخي وحبيبي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال : إفترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، سبعون فرقة في النار وفرقة واحدة في الجنة وهي التي اتبعت وصيه ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، فإحدى وسبعون فرقة في النار وفرقة واحدة في الجنة وهي التي اتبعت وصيه ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي التي اتبعت وصيي ـ وضرب بيده على منكبي ـ ،
ثم قال : اثنتان وسبعون فرقة حلت عقد الإله فيك ، وواحدة في الجنة وهي التي اتخذت محبتك وهم شيعتك .
سليم ، قال : لما قتل الحسين بن علي عليه السلام بكى ابن عباس بكاء شديدا ، ثم قال : ما لقيت هذه الأمة بعد نبيها اللهم إني أشهدك أني لعلي بن أبي طالب ولي ولولده ، ومن عدوه وعدوهم برئ ، وإني أسلم لأمرهم.
لقد دخلت على علي عليه السلام بذي قار ، فأخرج إلي صحيفة وقال لي : يا بن عباس، هذه صحيفة أملاها علي رسول الله صلى الله عليه وآله وخطي بيدي ، فقلت : يا أمير المؤمنين، إقرأها علي فقرأها، فإذا فيها كل شئ كان منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله إلى مقتل الحسين عليه السلام وكيف يقتل ومن يقتله ومن ينصره ومن يستشهد معه ، فبكى بكاء شديدا وأبكاني.
فكان فيما قرأه علي : كيف يصنع به وكيف يستشهد فاطمة وكيف يستشهد الحسن ابنه وكيف تغدر به الأمة ، فلما أن قرأ كيف يقتل الحسين ومن يقتله أكثر البكاء، ثم أدرج الصحيفة وقد بقي ما يكون إلى يوم القيامة.(1)
وكان فيها ـ فيما قرأ ـ أمر أبي بكر وعمر وعثمان وكم يملك كل إنسان منهم ، وكيف بويع علي عليه السلام، ووقعة الجمل وسير عائشة وطلحة والزبير ، ووقعة صفين ومن يقتل
---------------------------
(1) أي بقي قراءته ولم أره.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 436 _
فيها ، ووقعة النهروان وأمر الحكمين، وملك معاوية ومن يقتل من الشيعة، وما يصنع الناس بالحسن ، وأمر يزيد بن معاوية حتى انتهى إلى قتل الحسين، فسمعت ذلك ثم كان كل ما قرأ (1) لم يزد ولم ينقص.
فرأيت خطه أعرفه في صحيفة لم تتغير ولم تصفر ، فلما أدرج الصحيفة قلت : يا أمير المؤمنين ، لو كنت قرأت علي بقية الصحيفة ؟ قال عليه السلام : لا ، ولكني محدثك ،
ما يمنعني فيها ما نلقى من أهل بيتك وولدك (2) وهو أمر فظيع من قتلهم لنا وعداوتهم إيانا وسوء ملكهم وشوم قدرتهم ، فأكره أن تسمعه فتغتم ويحزنك ولكني أحدثك.
أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله عند موته بيدي ففتح لي ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب ـ وأبو بكر وعمر ينظران إلي ـ وهو يشير إلى ذلك، فلما خرجت قالا لي : ما قال لك ؟ فحدثتهما بما قال ، فحركا أيديهما ثم حكيا قولي ، ثم وليا يردان قولي ويخطران بأيديهما.
يا بن عباس ، إن الحسن يأتيك من الكوفة بكذا وكذا ألف رجل غير رجل . (3)
يا بن عباس، إن ملك بني أمية إذا زال كان أول ما يملك من بني هاشم ولدك ، فيفعلون الأفاعيل.
فقال ابن عباس: لأن يكون نسختي ذلك الكتاب أحب إلي مما طلعت عليه الشمس.
---------------------------
(1) أي وقع كل ما قرأه من ذلك الكتاب من غير زيادة ولا نقيصة.
(2) أي إن المانع من قراءة الصحيفة كلها ما جاء فيها مما نلقى من أهل بيتك.
(3) راجع الحديث 30 من هذا الكتاب.
قال سليم : شهدت عليا عليه السلام حين عاد زياد بن عبيد بعد ظهوره على أهل الجمل ، وإن البيت لممتلئ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم عمار وأبو الهيثم بن التيهان وأبو أيوب وجماعة من أهل بدر نحو من سبعين رجلا - وزياد في بيت عظيم شبه البهو (1) - إذ أتاه رجل بكتاب من رجل من الشيعة بالشام:
(إن معاوية استنفر الناس ودعاهم إلى الطلب بدم عثمان، وكان فيما يحضهم به أن قال : إن عليا قتل عثمان وآوى قتلته ، وإنه يطعن على أبي بكر وعمر ويدعي أنه خليفة رسول الله وإنه أحق بالأمر منهما ، فنفرت العامة والقراء ، واجتمعوا على معاوية إلا قليلا منهم).
قال : فحمد الله وأثنى عليه وقال : أما بعد ، ما لقيت من الأمة بعد نبيها منذ قبض صلى الله عليه وآله.
فأقام عمر وأصحابه الذين ظاهروا علي أبا بكر فبايعوه وأنا مشغول بغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وكفنه ودفنه ، وما فرغت من ذلك حتى بايعوه وخاصموا الأنصار بحجتي وحقي، والله إنه ليعلم يقينا والذين ظاهروه أني أحق بها من أبي بكر .
فلما رأيت اجتماعهم عليه وتركهم إياي ناشدتهم الله عز وجل وحملت فاطمة عليها السلام
---------------------------
(1) البهو: البيت الذي كانوا يقيمونه أمام البيوت أو الخيام منزلا للغرباء والضيوف.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 438 _
على حمار وأخذت بيد ابني الحسن والحسين لعلهم يرعوون (1) ، فلم أدع أحدا من أهل بدر ولا أهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا استعنتهم ودعوتهم إلى نصرتي وناشدتهم الله حقي فلم يجيبوني ولم ينصروني ، أنتم تعلمون يا معاشر من حضر من أهل بدر أني لم أقل إلا حقا.
قالوا : صدقت يا أمير المؤمنين وبررت ، فنستغفر الله من ذلك ونتوب إليه.
قال : وكان الناس قريبي عهد بالجاهلية فخشيت فرقة أمة محمد واختلاف كلمتهم ، وذكرت ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه أخبرني بما صنعوا وأمرني : إن وجدت أعوانا جاهدتهم وإن لم أجد أعوانا كففت يدي وحقنت دمي.
ثم ردها أبو بكر إلى عمر ـ ووالله إنه ليعلم يقينا أني أحق بها من عمر ـ فكرهت الفرقة فبايعت وسمعت وأطعت.
ثم جعلني عمر سادس ستة فولى الأمر ابن عوف ، فخلا بابن عفان فجعلها له على أن يردها عليه ثم بايعه ، فكرهت الفرقة والاختلاف.
ثم إن عثمان غدر بابن عوف وزواها عنه ، فبرء منه ابن عوف وقام خطيبا فخلعه كما خلع نعله ، ثم مات ابن عوف وأوصى أن لا يصلي عليه عثمان، وزعم ولد ابن عوف أن عثمان سمه.
ثم قتل (2)، واجتمع الناس ثلاثة أيام يتشاورون في أمرهم ، ثم أتوني فبايعوني طائعين غير مكرهين .
---------------------------
(1) أي يرجعون، أو يكفون عن الجهل.
(2) أي قتل عثمان.
ثم إن الزبير وطلحة أتياني يستأذناني في العمرة، فأخذت عليهما ألا ينكثا بيعتي ولا يغدرا بي ولا يبغيا علي غائلة ، ثم توجها إلى مكة فسارا بعائشة إلى أهل مدرة (1) جهلهم قليل فقههم ، فحملوهم على نكث بيعتي واستحلال دمي.
ثم ذكر عليه السلام عائشة وخروجها من بيتها وما ركبت منه، فقال عمار : (يا أمير المؤمنين، كف عنها فإنها أمك) فترك ذكرها وأخذ في شئ آخر، ثم عاد إلى ذكرها فقال أشد مما قال أولا، فقال عمار : (يا أمير المؤمنين ، كف عنها فإنها أمك) فأعرض عن ذكرها ثم عاد الثالثة فقال أشد مما قال ، قال : فقال عمار : (يا أمير المؤمنين، كف عنها فإنها أمك) فقال : كلا ، إني مع الله على من خالفه ، وإن أمكم ابتلاكم الله بها ليعلم أمعه تكونون أم معها ؟
قال سليم : ثم ذكر علي عليه السلام بيعة أبي بكر وعمر وعثمان فقال : (لعمري لئن كان الأمر كما يقولون ، ولا والله ما هو كما يقولون)، ثم سكت ، فقال له عمار : وما يقولون ؟ فقال :
يقولون (إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحدا وإنهم إنما تركوا ليتشاوروا)، ففعلوا غير ما أمروا في قوله ، (2) فقد بايع القوم أبا بكر عن غير مشورة ولا رضى من أحد، ثم أكرهوني وأصحابي على البيعة ، ثم بايع أبو بكر عمر عن غير مشورة ، ثم جعلها عمر شورى بين ستة رهط وأخرج من ذلك جميع الأنصار والمهاجرين إلا هؤلاء الستة ثم قال : (يصلي صهيب بالناس ثلاثة أيام) ، ثم أمر الناس : (إن مضت ثلاثة أيام ولم يفرغ القوم أن تضرب رقابهم، وإن اجتمع أربعة وخالف اثنان أن يقتلوا الاثنين) ، ثم تشاوروا في ثلاثة أيام وكانت بيعتهم عن مشورة من جماعتهم وملأهم ، ثم صنعوا ما رأيتم !
---------------------------
(1) المدرة بمعنى البلدة والقرية لأن بنيانها غالبا من المدر أي الطين، ولعله تصحيف كلمة (مدينة)، والمراد به البصرة.
(2) أي في قوله المنسوب إليه بزعمهم.