المؤلف :
   السيد المرتضى العسكرى
الوحدة حول مائدة الكتاب و السنة


بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة على محمد و آله الطاهرين ، و السلام على أصحابه البرره الميامين .
  و بعد : تنازعنا معاشر المسلمين على مسائل الخلاف في الداخل ففرق أعداء الإسلام من الخارج كلمتنا من حيث لا نشعر ، و ضعفنا عن الدفاع عن بلادنا ، و سيطر الأعداء علينا ، و قد قال سبحانه و تعالى : و أطيعوا الله و رسوله و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم ( الانفال / 46 ) وينبغي لنا اليوم و في كل يوم أن نرجع إلى الكتاب و السنة في ما اختلفنا فيه و نوحد كلمتنا حولهما ، كما قال تعالى : فإن تنازعتم في شي‏ء فردوه إلى الله و الرسول ( النساء / 59 )

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 2 ـ

  و في هذه السلسلة من البحوث نرجع إلى الكتاب و السنة و نستنبط منهما ما ينير لنا السبيل في مسائل الخلاف ، لتكون بإذنه تعالى وسيلة لتوحيد كلمتنا .
  راجين من العلماء أن يشاركونا في هذا المجال،و يبعثوا إلينا بوجهات نظرهم على عنوان : بيروت ـ ص . ب 124 / 24 العسكري
  بعض صفات الله جل اسمه و منشأ الخلاف حولها في المسلمين من يرى أن الله:

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 3 ـ

1 ـ خلق آدم على صورته :
  في صحيحي البخاري و مسلم و توحيد ابن خزيمة و اللفظ للبخاري :
  عن أبي هريرة ( عن النبي (ص) قال : خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك و تحية ذريتك فقال : السلام عليكم فقالوا السلام عليك و رحمة الله فزادوه و رحمة الله فكل من يدخل‏الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن (1) ) .

**************************************************************
(1) صحيح البخاري ، كتاب الاستئذان ، باب بدء السلام 2 / 59 و صحيح مسلم ، كتاب الجنة و صفة نعيمها ، باب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير ، ح 28 ، ص 2183 ـ 2184 ، و توحيد ابن خزيمة ص 40 ـ 41 .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 4 ـ

  و في صحيح مسلم و مسند أحمد و اللفظ لمسلم :
  عن أبي هريرة قال رسول الله (ص) ( إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته ) (1) .

2 ـ أن لله يدا :
  جاء في صحيحي البخاري و مسلم و سنن أبي داود و توحيد ابن خزيمة و اللفظ لمسلم : عن أبي هريرة يقول قال رسول الله (ص) :
  ( إحتج آدم و موسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا ، خيبتنا و أخرجتنا من الجنة فقال له آدم أنت موسى اصطفاك الله بكلامه و خط لك بيده أتلومني على أمر قدرة الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ) فقال النبي : ( يحج آدم موسى ، فحج آدم موسى ) (2) .

**************************************************************
(1) صحيح مسلم كتاب البر و الصلة و الآداب ، باب النهي عن ضرب الوجه ح 112 ـ 116 ، ص 2016 ـ 2017 و قريب منه في مسند أحمد 2/244 و 251 و 315 و 323 و 434 و 463 و 519 .
(2) صحيح مسلم كتاب القدر باب حجاج آدم موسى ص 2042 ـ 2043 ـ ح 13 ، 14 ، 15 ، و صحيح البخاري كتاب القدر باب تحاج آدم و موسى عند الله 4/98 و كتاب التوحيد باب قوله ( و كلم الله موسى تكليما ) 4/199 و سنن أبي داود كتاب السنة باب في القدر 4/222 توحيد ابن خزيمة ص 54 ـ 57 .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 5 ـ

  و في صحيحي البخاري و مسلم و سنن الترمذي و سنن أبي داود و تفسير الطبري و تفسير ابن كثير و تفسير زاد المسير لابن الجوزي و تفسير السيوطي : عن عبد الله بن مسعود قال جاء خبر من اليهود الى النبي (ص) فقال يا محمد يا أبا القاسم إن الله تعالى يمسك السموات يوم القيامة على إصبع ثم يهزهن فيقول أنا الملك .
  فضحك رسول الله تعجبا مما قال الحبر تصديقا له ثم قرأ و ما قدروا الله حق قدره و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه سبحانه و تعالى عما يشركون (1) ، و في صحيح البخاري و كنز العمال :
  عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال : ( يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل و النهار و قال أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات و الأرض فإنه لم يغض ما في يده و قال : و عرشه على الماء و بيده الأخرى و الميزان يخفض و يرفع ) (2) .

**************************************************************
(1) صحيح البخاري كتاب التفسير سورة الزمر باب ( ما قدروا الله حق قدره ) 3/22 ، و كتاب التوحيد باب ( إن الله يمسك السموات و الأرض أن تزولا ) 4/192 و صحيح مسلم كتاب صفة القيامة الجنة و النار ح 19 و ح 20 و ح 24 و ح 25 ص 2147 ـ 2148 سنن الترمذي كتاب التفسير سورة الزمر 5/371 و سنن أبي داود 4/234 ، و تفسير الطبري 5/18 ـ 19 ، و تفسير ابن كثير 4/62 ـ 63 تفسير زاد المسير لابن الجوزي 7/195 ـ 196 ، و تفسير السيوطي 5/334 ـ 335 .
(2) صحيح البخاري كتاب التوحيد باب قول الله ( بما خلقت بيدي ) 4/186 ، و كنز العمال 1/224 ح 1130 و 1131 ، و الترغيب و التهذيب 2/48 ، و تفسير ابن كثير 3/126 ، و تفسير القرطبي 6/240 ، و تفسير السيوطي 2 / 526 .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 6 ـ

  و عن ابي هريرة قال سمعت رسول الله (ص) يقول : ( يقبض الله الأرض و يطوي السموات بيمينه ثم يقول : أنا الملك أين ملوك الأرض (1) ) .
  و جاء في كتاب التوحيد لابن خزيمة في باب إثبات اليد للخالق البارى‏ء جل و علا ، أن الله تعالى له يدان كما أعلمنا في محكم تنزيله (2) ... ثم ذكر مجموعة من الآيات منها :
  1 ـ و قالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء (المائدة /64) .
  2 ـ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شي‏ء و إليه ترجعون ( يس / 83 ) .
  3 ـ تعزش من تشاء و تذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شي‏ء قدير ( آل عمران / 26 ) .

**************************************************************
(1) البخاري 3/122 كتاب التفسير باب تفسير سورة الزمر ، و صحيح مسلم كتاب صفاة المنافقين ح 23 ص 2148 .
(2) توحيد ابن خزيمة ص 53 .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 7 ـ

3 ـ إن لله ساقا و قدما :
  جاء في صحيحي البخاري و مسلم و مسند أحمد و توحيد ابن خزيمة و تفاسير الطبري و ابن كثير و السيوطي و اللفظ للبخاري : عن أبي هريرة عن النبي (ص) قال ( تحاجت النار و الجنة فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين و المتجبرين و قالت الجنة : فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس و سقطهم و عجزهم فقال الله للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي و قال لبنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي و لكل واحدة منكم ملؤها فأما النار فلا تمتلى‏ء فيضع قدمه عليها فتقول قط قط ) (1) .
  و في صحيحي البخاري و مسلم و سنن أبي داود و مسند أحمد ، و اللفظ للبخاري : عن أبي سعيد قال سمعت رسول الله (ص) يقول : ( يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن و مؤمنة و يبقى من كان يسجد في الدنيا رئاء و سمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ) (2) .

**************************************************************
(1) صحيح البخاري ، تفسير سورة ق ، و كتاب التوحيد ، باب أن رحمة الله قريب من المحسنين 4/191 ، و الترمذي ، كتاب صفة الجنة ، باب ما جاء في خلود أهل الجنة و أهل النار 692 ، و صحيح مسلم كتاب الجنة و صفة نعيمها و أهلها ، باب النار يدخلها الجبارون و الجنة يدخلها الضعفاء ، ح 35 ، 36 ، 37 و 38 ص 2186 و 2187 ، و توحيد ابن خزيمة ص 92 ـ 98 ، و مسند أحمد 2/276 و 314 و 507 و 3/13 و 141 و 230 ، و تفسير الطبري 26 / 105 ، و تفسير ابن كثير 4 /226 / 228 ، و تفسير السيوطي 6 / 106 .
(2) صحيح البخاري كتاب التفسير باب تفسير سورة القلم ( يكشف الله عن ساق ) 3/139 ، و صحيح مسلم كتاب الإيمان باب معرفة طريق الرؤية ح 302 ص 167 ـ 168 ، و سنن أبي داود كتاب الرفاق باب في سجود المؤمنين يوم القيامة 2/326 ، و مسند أحمد 3/17 ، و تفسير الطبري 29/24 ، و تفسير ابن كثير 4/407 ، تفسير السيوطي 6/254 ، 256 .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 8 ـ

  و جاءت هذه الرواية مفصلة في صحيح البخاري في كتاب التوحيد عن أبي سعيد الخدري قال قلنا لرسول الله (ص) هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : ( هل تضارون في رؤية ربكم يؤمئذ الا كما تضارون في رؤيتهما ثم قال ينادي مناد ليذهب كل قوم الى ما كانوا يعبدون ... و يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر فيقال لهم ما يحبسكم و قد ذهب الناس فيقولون فارقناهم و نحن أحوج منا إليه اليوم و إنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون و إنما ننتظر ربنا قال فيأتيهم الجبار فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الانبياء فيقول هل بينكم و بينه آية تعرفونه بها فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ) (1) .

4 ـ مكان الله و عرشه :
  أن لله مكانا ، و أنه ينتقل من مكان إلى مكان ، و يجلس على عرشه و ينزل الى الارض و يرجع الى السماء .

**************************************************************
(1) صحيح البخاري كتاب التوحيد باب قوله ( وجوه يومئذ ناضرة ) .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 9 ـ

  جاء في سنن ابن ماجه و الترمذي و مسند أحمد و اللفظ لابن ماجه : عن أبي رزين قال : قلت : يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه ؟ قال : كان في عماءـأي ليس معه شي‏ء ـ ما تحته هواء ، و ما فوقه هواء ، و ما ثم خلق عرشه على الماء (1) .
  و في روياة اخرى قال (ص) :
  إن عرشه على سماواته كهكذا ـ و قال بأصابعه مثل‏القبة عليهـو إنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب (2) .

**************************************************************
(1) سنن ابن ماجة ، المقدمة ، باب في ما أنكرت الجهمية ، ح 182 ، و سنن الترمذي ، تفسير سورة هود ، الحديث الأول و فيه : العماء ـ أي ليس معه شي‏ء ـ : و مسند أحمد 4 / 11 و 12 .
(2) سنن أبي داود ، كتاب السنة ، باب في الجهمية ، ح 4726 ، و سنن ابن ماجة ، المقدمة ، باب في ما أنكرت الجهيمة ، و سنن الدارمي ، كتاب الرقائق ، باب في شأن الساعة و نزول الرب تعالى .

 صفات اللّه جل جلاله   ـ 10 ـ

  و في صحيحي البخاري و مسلم و سنن أبي داود و الترمذي و ابن ماجه و الدارمي و موطأ مالك و مسند أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال : ( ينزل الله في آخر الليل إلى السماء الدنيا فيقول : من يسألني فأستجيب له ، و من يسألني فاعطيه ... (1) ) .
  و أنه قال : ينزل في ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر ... (2) .
  و أنه قال عن يوم القيامة :
  يقال لجهنم : هل امتلأت ؟ و تقول : هل من مزيد ؟ فيضع الرب تبارك و تعالى قدمه عليها فتقول : قط قط .

**************************************************************
(1) التوحيد ص 110 ـ 112 ح 9 ، و البحار 4/31 ح 4 ، و الكافي كتاب التوحيد باب إبطال الرؤية ح 2 .
(2) توحيد الصدوق ص 110 ـ 112 ح 9 و راجع كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب ( ت : 1206 هـ ) ، و منهاج السنة لابن تيمية .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 11 ـ

  و في رواية .
  فأما النار فلا تمتلى‏ء حتى يضع رجله فتقول : قط قط ، فهنالك تمتلى‏ء و يزوى بعضها إلى بعض (1) .

5 ـ و إن الله يرى في يوم القيامة و في الجنة :
  رووا أن رسول الله (ص) يرى ربه يوم القيامة ، فقد قال (ص) : يأتيني المؤمنون للشفاعة بعد إباء الأنبياء من‏الشفاعة ، فأنطلق فأستأذن على ربي ، فيؤذن لي،فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا ... ـ إلى قوله : ـ ثم أشفع فيحد لي حدا فادخلهم الجنة ، ثم ارجع ، فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا ـ الحديث (2) .
  و أنه قال :

**************************************************************
(1) صحيح البخارى ، كتاب التهجد ، باب الدعاء و الصلاة في آخر الليل ، و كتاب التوحيد ، باب قوله تعالى : يريدون أن يبدلوا كلام الله ، و كتاب الدعوات ، باب الدعاء نصف الليل ، و صحيح مسلم ، كتاب الدعاء ، باب الترغيب في الدعاء و الذكر.في آخر الليل ، و سنن أبي داود ، كتاب السنة ، باب في الرد على الجهمية،ح 4733 ، و سنن الترمذي ، كتاب الصلاة ، باب ما جاء في نزول الرب إلى السماء الدنيا كل ليلة 2/233 و 235 ، و كتاب الدعوات ، باب حدثني الأنصاري 13/30 ، و سنن ابن ماجة ، كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء في أي ساعات الليل أفضل ، ح 1366 و سنن الدارمي ، كتاب الصلاة ، باب ينزل الله إلى السماء الدنيا و موطأ مالك ، كتاب القرآن ، باب 30 ، و مسند أحمد 2/264 ، 267 ، 282 ، 419 ، 433 ، 487 ، 504 و 521 ، و 3/34 ، و 4/ 16 .
(2) سنن الترمذي ، أبواب الصوم ، باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان ، و سنن ابن ماجة ، كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان و مسند أحمد 2/ 433 .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 12 ـ

  إن الله تبارك و تعالى ينزل يوم القيامة إلى العباد ليقضي بينهم (1) .
  و أنه قال :
  إنكم سترون ربكم عيانا (2) .
  و إن المسلمين يرون ربهم يوم القيامة كما يرون القمر لا يضامون في رؤيته (3) .

**************************************************************
(1) كلتا الروايتين عن الصحابي أبي هريرة في تفسير سورة من صحيح البخاري 3/128 ، و في باب وجوه يومئذ ناضرة من كتاب التوحيد منه 4 / 191 و عن أنس حديث القوم في باب قول الله تعالى : و هو العزيز الحكيم سبحان ربك ... من كتاب التوحيد منه 4/ 129 ، و راجع سنن الترمذي ، كتاب الجنة ، باب ما جاء في خلود أهل الجنة و أهل النار ، 10 /29 و مسند أحمد 2 / 396 .
(2) صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : لما خلقت بيدي 4/185 ، و في باب قول الله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة بتفصيل أوفى ، راجع 4/190 منه .
(3) سنن الترمذي ، كتاب الزهد ، باب ما جاء في الرياء و السمعة 9/ 229 .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 13 ـ

  و إن الله يقول يؤمئذ :
  من كان يعبد شيئا فليتبع ، فمنهم من يتبع الشمس و منهم من يتبع القمر ، و منهم من يتبع الطواغيت ، و تبقى هذه الامة فيها منافقوها فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم .
  فيقولون : نعوذ بالله منك ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا أتانا ربنا عرفناه ، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون : فيقول : أنا ربكم .
  فيقولون : أنت ربنا فيتبعونه ... (1) .

**************************************************************
(1) صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة 4 / 188 .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 14 ـ

  و في رواية :
  حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر و فاجر ، أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها ، فيقال : ماذا تنتظرون ؟ تتبع كل امة ما كانت تعبد ، قالوا : ... نحن ننتظر ربنا الذي نعبد .
  فيقول : أنا ربكم .
  فيقولون : لا نشرك بالله شيئا ، مرتين أو ثلاثا ...
  فيقول : هل بينكم و بينه علامة فتعرفونه بها ؟
  فيقولون : ... الساق .
   فيكشف عن ساق (ثم يسجدون) (1) ثم يرفعون رؤوسهم و قد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فقال : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا (2) .

**************************************************************
(1) صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة ، و كتاب الصلاة ، باب فضل صلاة العصر ، و باب وقت العشاء إلى نصف الليل ، و كتاب التفسير ، باب سورة ق ، و صحيح مسلم ، كتاب الصلاة ، باب فضل صلاتي الصبح و العصر و المحافظة عليهما و الترمذي ، كتاب صفة الجنة ، باب ما جاء في رؤية الرب تبارك و تعالى 10 / 18 و 20 .
(2) صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب معرفة طريق الرؤية ، و صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة 4/188 ، و راجع تفسير سورة ق منه .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 15 ـ

  في الجنة : و أنه قال عن المؤمنين في الجنة :
  ما بينهم و ما بين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن (1) .
  و أن أهل الجنة إذا دخلوها يقول الله تبارك و تعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة و تنجنا من النار ؟ فيكشف الحجاب ، فما اعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز و جل .

**************************************************************
(1) ما بين القوسين ملخص من لفظ الحديث في السجدة .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 16 ـ

  و أن رسول الله (ص) قال :
  بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطح لهم نور ، فرفعوا رؤوسهم ، فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة ؟ قال : و ذلك قول الله : سلام قولا من رب رحيم .
  قال : فينظر إليهم و ينظرون إليه ، فلا يلتفتون إلى شي‏ء من النعيم ، ما داموا ينظرون إليه ، حتى يحتجب عنهم و يبقى نوره و بركته (1) و انه قال : ... أكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة و عشيا .
  ثم قرأ رسول الله (ص) : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة (2) .
  و أن رسول الله (ص) أخبر و قال : إن أهل الجنة يزورون الله عز و جل و يبرز لهم عرشه و يتبدى لهم في روضة من رياض الجنة ، و لا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله عز و جل محاضرة حتى أنه يقول للرجل منكم : ألا تذكر يا فلان يوم عملت كذا و كذا ؟ فيقول :

**************************************************************
(1) صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب معرفة طريق الرؤية ، ح 229 ، و اللفظ منه ، و صحيح البخاري في تفسير سورة النساء ، باب قوله : إن الله لا يظلم مثقال ذرة 3/80 و اللفظ فيه مختصر ، و كذلك في كتاب التوحيد منه ، باب قول الله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة 4/ 189 ، لو تفضل الراؤون ربهم و وصفوا لنا صورة ربهم التي رأوه عليها و ساقه التي هي علامة بينهم و بين ربهم لكان ذلك فضلا منهم كبيرا يشكرون عليه و يحمدون .
(2) صحيح البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة 4/191 ، و في صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم ، ح 296 .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 17 ـ

  يا رب أفلم تغفر لي ؟ فيقول :
  بلى ... ثم ننصرف إلى منازلنا فتلقانا أزواجنا فيقلن : أهلا و مرحبا ، لقد جئت و إن بك من الجمال و النور و الطيب أفضل مما فارقتنا عليه .
  فنقول : إنا جالسنا اليوم‏ربنا عز و جل و يحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا (1) .
  نكتفي بإيراد ما أوردنا من الأحاديث الكثيرة الوفيرة في صفات أعضاء الله و رؤية العباد ربهم يوم القيامة ، لأننا بصدد ضرب المثل لبيان منشأ الخلاف ، و لسنا بصدد الإحصاء ، و ندرس في ما يأتي الخلاف حول تأويل هذه الأحاديث .
  الخلاف على تأويل تلكم الأحاديث : في المسلمين من يؤمن بظواهر تلك الأحاديث و يرى الإيمان بها إيمانا بالله و دليلا على القول بتوحيده تعالى ، و يسمون من يؤولها إلى غير معنى الجسمية بمعطلة الصفات ، أي معطلة صفات الله.

**************************************************************
(1) صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم ، ح 297 .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 18 ـ

  و قد دون مسلم تلك الأحاديث في كتاب الإيمان من صحيحه ، و البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه .
  و ألف ابن خزيمة كتابا سماه : (التوحيد و إثبات صفات الرب عز و جل التي وصف بها نفسه في تنزيله و على لسان نبيه ، نقل الأخبار الصحيحة نقل العدول عن العدول من غير قطع في إسناد و لا جرح في ناقل الأخبار الثقات) (1) .
  و هذا فهرس بعض أبواب الكتاب كما جاء في آخره : أبواب كتاب ابن خزيمة : إثبات النفس لله .

**************************************************************
(1) سنن ابن ماجة ، كتاب المقدمة ، باب في ما أنكرت الجهمية ، ح 184 .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 19 ـ

إثبات الوجه لله :
  باب ذكر صورة ربنا جل و علا .
  باب ذكر إثبات العين لله جل و علا .
  باب إثبات السماع و الرؤية لله جل و علا .
  باب إثبات اليد للخالق البارى‏ء جل و علا .
  باب ذكر إثبات الرجل لله عز و جل .
  باب ذكر البيان أن الله عز و جل ينضر إليه جميع المؤمنين .
  باب ذكر البيان أن جميع المؤمنين يرون الله يوم القيامة مخليا به .
  و ألف الإمام الحافظ عثمان بن سعيد الدارمي ( ت : 280 هـ ) كتاب : الرد على الجهمية ، و من أبوابه :

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 20 ـ

  باب استواء الرب على العرش و ارتفاعه إلى السماء و بينونته من الخلق .
  باب النزول ليلة النصف من شعبان .
  باب النزول يوم عرفة .
  باب نزول الرب يوم القيامة للحساب .
  باب نزول الله لأهل الجنة .
  باب الرؤية (1) .

**************************************************************
(1) سنن الترمذي ، كتاب صفة الجنة ، باب رؤية الرب 10/18 ـ 19 .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 21 ـ

  و ألف الذهبي كتاب (العلو العال للعلي الغفار) (1) أورد فيه الآيات و الأحاديث التي يفهمون منها أن مكان الله في العلو المكاني ، ثم ذكر أقوال الصحابة و التابعين و العلماء و المحدثين في تأييد ذلك .

صفات الله عند مدرسة أهل البيت (ع) :
  في المسلمين من درسنا آراءهم في صفات الله المذكورة استنادا لروايات أبي هريرة ، و غيره و قد أجاب أئمة أهل البيت (ع) في الرد على مثل هذه الشبهات الناتجة عن انتقال بعض الأفكار التوراتية و التمسك بظاهر القرآن و حمله على معانيه اللغوية ، و فيما يلي دراسة تلك الروايات علي ضوء هدي أهل البيت (عليهم السلام) :

**************************************************************
(1) سنن ابن ماجة ، كتاب الزهد ، باب صفة أهل الجنة ، ح 4336 ، ص 1451 ـ 1452 و سنن الترمذي ، أبواب صفة الجنة ، باب ما جاء في سوق الجنة 10 / 16 ـ 17 .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 22 ـ

  1 ـ خلق آدم على صورته :
  و قد كشف أهل البيت حقيقة روايات أبي هريرة في أن الله خلق آدم على صورته : عن الحسين بن خالد قال قلت للرضا (ع) يا ابن رسول الله (ص) إن الناس يروون أن رسو الله (ص) قال إن الله خلق آدم على صورته ، فقال : قاتلهم الله لقد حذفوا أول‏الحديث أن رسول الله (ص) مر برجلين يتسابان فسمع أحدهما يقول لصاحبه قبح الله وجهك و وجه من يشبههك فقال : يا عبد الله لا تقل هذا لأخيك فإن الله عز و جل خلق آدم على صورته (1) .

**************************************************************
(1) هو الحافظ الكبير إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت : 311 هـ) استاذ البخاري و مسلم في الحديث ، طبع الكتاب سنة 1378 هـ ، نشر مكتبة الكليات الأزهرية بميدان الأزهر في القاهرة ، راجع ترجمة المؤلف في مقدمة الكتاب .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 23 ـ

  و في رواية اخرى قريبة من الأولى : عن أبي الورد بن ثمامة عن علي (ع) قال : سمع النبي (ص) رجلا يقول لرجل قبح الله وجهك و وجه من يشبهك ، فقال (ص) : مه لا تقل هذا فإن الله عز و جل خلق آدم على صورته (1) .
  عن بعض أصحابنا قال : كتبت الى أبي الحسن (ع) أسأله عن الجسم و الصورة فكتب سبحان من ليس كمثله شي‏ء لا جسم و صورة (2) .
  و عند دراسة الحديث يتضح ما يلي :

**************************************************************
(1) ط ، ليدن ، سنة 1960 م .
(2) الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت : 748 هـ) ، نشر المكتبة السلفية في المدينة المنورة ، باب الرحمة ، ط ، الثانية ، (سنة 1388 هـ) .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 24 ـ

  أولا : حذف بداية الحديث :
  حذفت من رواية أبي هريرة بداية حديث الرسول و هي ( رأى النبي (ص) رجلان يتخاصمان يتنازعان و يسب أحدهما الآخر قبح الله وجهك و وجه من يشبهك فقال : لا تقل هذا لأخيك ) .
  حذفت بداية الحديث الهامة و لم يتبق منها سوى آخر الخبر و هو ( أن الله خلق آدم على صورته ) ، و بهذا الحذف يتوهم أن الضمير في كلمة ( صورته ) يعود الى الله و يتصور السامع أن الرسول (ص) قال : ( إن الله خلق آدم على صورته ، أي صورة الله ) .
  ثانيا : إضافتان في حديث أبي هريرة :
  الأولى : جاء في بداية الحديث الثاني للرسول ( أيما رجل تشاجر مع أخيه فليتجنب ضربه على وجهه ) ، و قد تكون هذه العبارة تحريفا آخر لذلك الجزء من الرواية التي أشرنا الى حذفها .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 25 ـ

  الثانية : في نهاية الرواية الأولى عن الرسول (ص) ذكر أبو هريرة أن الرسول (ص) قال : ( إن الله خلق آدم بطول ستين ذراعا ) ، و هذا الكلام لا ينطبق و نتائج الأبحاث العلمية العصرية .
  و يلاحظ على هذا الجزء من حديث أبي هريرة أنه متأثر بالأساطير التوراتية عن بداية الخلق ، تلك الأساطير التي كان أبو هريرة متشبعا بها .
  و استنادا لما ذكرنا من حذف أبي هريرة لجزء من حديث الرسول (ص) و جعله يتلائم و ما جاء في التوراة بل و إضافة للحديث أساطير من عنده لتتطابق مع أساطير التوراة حول بداية الخلق ، و يمكن القول أن روايتي أبي هريرة هي من جملة ما تغلغل من الإسرائيليات الى ثقافة المسلمين .
  و بما أن هذا الحديث مروي عن صحابي شهير كأبي هريرة فإن أتباع مدرسة الخلفاء قد تمسكوا به فتصوروا أن لله شكلا و أعضاء مثل الإنسان و لذلك في كل مكان من القرآن جاء به لفظ ( وجه ) مضاف إلى الباري تعالى مثل ( وجه ربك ) فإنهم يفسرون معنى الوجه بالمعنى اللغوي الذي هو عضو من جسم الإنسان و الحيوان .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 26 ـ

  2 ـ يد الله :
  و جاء في الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) حول تفسير ما المراد من يد الله : عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر (ع) فقلت قوله عز و جل يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي فقال اليد في كلام العرب القوة و النعمة ، قال : و اذكر عبدنا داود ذا الأيد ، و قال : و الماء بنيناها بأيد ، أي بقوة ، و قال : و أيدهم بروح منه ، أي‏ قواهم ، و يقال لفلان عندي أيادي كثير أي فواضل و إحسان و له عندي يد بيضاء أي نعمة (1) .
  و عن محمد بن عبيدة قال : سألت الرضا (ع) عن قول الله عز و جل لإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت ، قال : يعني بقدرتي و قوتي (2) .

**************************************************************
(1) كتاب توحيد الصدوق طبع طهران 1387 هـ ق ص 153 ، و بحار الأنوار كتاب التوحيد با 2 ، 14 / 11 .
(2) توحيد الصدوق ص 152 ، وبحار الأنوار 14/ 12 .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 27 ـ

  و عن محمد بن عيسى بن عبيد قال سألت أبا الحسن علي بن محمد العسكري عن قوله تعالى و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه ، فقال ذلك تعبير الله تبارك و تعالى لمن شبهه بخلقه ألا ترى أنه قال و ما قدروا الله حق قدره ، و معناه إذ قالوا إن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه كما قال عز و جل و ما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شي‏ء ، ثم نزه عز و جل‏عن القبضة و اليمين فقال : سبحان الله و تعالى عما يشركون (1) .
  و ما جاء عن أهل البيت يدركه كل ملم باللغة العربية لانه مطابق لاستعمالاتها و أدواتها التعبيرية .
  يقول الراغب الأصفهاني في ( مفردات القرآن ) و علماء مصريين في ( معجم ألفاظ القرآن الكريم ) أن اليد تعني عضو البدن و قد استعملت في معاني اخر مثل الشي‏ء تحت تصرف أحد ما يقال ( في يده ) و كذلك الأمر إذا كان الشي‏ء في ملكه أو تحت أمره و اختياره.

**************************************************************
(1) توحيد الصدوق ص 102 ح 16 .

 صفات اللّه جل جلاله  ـ 28 ـ

  ثم يذكر هؤلاء العلماء المصريين تسعة معان مجازية لكلمة اليد ، منها ما جاء في الآيات الثلاثة السابقة و منها الآية الكريمة بيده ملكوت كل شي‏ء ، التي تعني زمام أمر الوجود و الحكم خاضعين له و كذلك الحال في بيدك الخير ، أي إن الخير في إختيارك ، و يد الله مغلولةعند اليهود تعني يده التي هي عضو من بدنه مكبلة فلا يتمكن من الإنفاق ، و إن ( مبسوطة ) يعني يده مفتوحة و يمكنه الإنفاق و نظير الآية التي تخاطب النبي (ص) يدك مغلولة .
  ما أعجب سلوك أتباع مدرسة الخلفاء فهؤلاء يفسرون اليد في الآية النازلة بشأن النبي (ص) و لا تجعل يدك مغلولة بالمعنى المجازي عبر به عن البخيل الذي لا يقدر من قبله على إخراج شي‏ء من ماله (1) .
  لكنهم يفسرون اليد في الآية يد الله مغلولة بأنها عضو من أعضاء البدن ! ! فما هو سبب سوء الفهم هذا عند بعض علماء مدرسة الخلفاء .

**************************************************************
(1) توحيد الصدوق ص 153 ح 1 .