وللمعتقد ان يعتقد ان الخليفة ابا بكر تفطن إلى سوء عواقب هذا الشريع ، فأسرع إلى تعيين الخليفة من بعده ، بالرغم على جدة هذا التشريع الذي به كان خليفة ، وعلى تركزه في النفوس تتوقف صحة خلافته .
كيف لا وقد شاهد هو الموقف في بيعته يوم السقيفة ، وكان أدق من سم الخياط ، مع غفلة الناس يومئذ عن الامر ، وانشغالهم بفاجعة نبيهم .
وهكذا حذا حذوه خليفتة ، فاخترع طريقة الشورى من ستة اشخاص ، وهي تبعد كل البعد عن قاعدة الرجوع إلى اختيار اهل الحل والعقد ، على ان وجدنا هؤلاء ـ وهم ستة لا غير ـ لم يتفقوا على رأي واحد ، فلعبت دورها التحيزات والعواطف ، فصغى رجل لضغنه ، ومال الاخر لصهره ، على حد تعبير الامام علي بن أبي طالب .
ولا شك لم يخف على الخليفة عمر استحالة حتى اتفاق الجماعة الصغيرة ، فحكم فيها الاكثرية ، وعند التساوي فالكفة الراجحة التي فيها عبدالرحمن بن عوف . ومع ذلك حدد لهم الوقت بثلاثة ايام ، واعطى السلطة التنفيذية لغيرهم ، ليقهرهم على تنفيذ خطته .
العقائد السقيفة _ 27 _
لماذا كل هذه القيود التي وضعها ، مع تهديدهم بالقتل إن تأخروا عن الموعد ولم يبرموا العهد ؟ لاشك انها كانت لقصد الابتعاد عن الخلاف والنزاع الطبيعي لمثل هذا الامر ، إذا القى حبله على غاربه .
وهنا وجدنا كيف أحكم عمر بن الخطاب وضع هذه الخطة ، اتقاء للخلاف والنزاع على الامارة الذي لا ينفك عادة عن اراقة الدماء ، في وقت اراد ألا يتحمل تبعة تعيين شخص الخليفة بعده ، أو انه في الاصح لم يجد نفسه تميل كل الميل إلا لتعيين احد الثلاثة الذين قد ماتوا يومئذ ، وهم ابو عبيدة بن الجراح ، وسالم مولى ابي حذيفة ، ومعاذ بن جبل .
ولا اعجب ان يكون ابو بكر وعمر تفطنا إلى ما في تشريع إلقاء الامر على عاتق اختيار الامة من فساد ، وما ينجم منه من جدال وجلاد . ولكن عجبي ممن يتسرع فينسب ذلك التشريع إلى النبي الحكيم الذي لا يفعل إلا عن وحي ولا يحكم الا بوحي .
ومع ذلك يدعي الاسلام وعرفان الرسول العظيم ، ولو كان للخليفة عثمان كلمة تسمع ورأي يطاع يوم
حوصر وأيس من الحياة ؛ لما تأخر عن تعيين من يخلفه قطعا .
ولكن الموقف كان ابعد من ان يتحكم عليه بمثل ذلك ، وهو محاط به ليخلع .
العقائد السقيفة _ 28 _
ومما يزيدنا اعتقادا بعقم هذا الحل لمشكلتنا الاجتماعية الخطيرة ، انا لم نعرف خليفة تعين بهذه الطريقة إلا ابا بكر وعلي بن أبي طالب ، وابو بكر كانت بيعته فتنة أو فلتة وقى الله شرها على حد تعبير عمر عنها وهو نفسه الذي شيد اركانها ، ومع ذلك قال عنها : ( فمن دعا إلى مثلها فهو الذي لابيعة له ولا لمن بايعه )(1).
اما علي عليه السلام ، فبعد تمام البيعة له ( الشرعية بنظر اصحاب هذا الرأي ) قد وجدنا كيف انتفض عليه نفس اهل الحل والعقد ، والاسلام بعد لم يرث والعهد قريب ، وهؤلاء المنتقضون هم جلة الصحابة .
فكانت حرب الجمل فحرب صفين اللتان اريقت بهما الاف الدماء المحرمة هدرا ، وانتهكت فيهما حرمات الشريعة ، وشلت بهما حركة الدين الاسلامي .
ولم نعرف بعد ذلك خليفة تعين إلا بتعيين من قبله أو بحد السيف ، ولقد لعب السيف دورا قاسيا جعل العالم الاسلامي يمخر في بحر من الدماء ، ولم يجرئ الطامعين بالخلافة على خوض غمار الحروب إلا سن هذا القانون قانون الاختيار .
---------------------------
(1) كنز العمال ـ ج 3 ـ رقم 2326 وغيره .
العقائد السقيفة _29 _
فمهد السبيل لطلحة والزبير ان يشعلا نار حرب الجمل ، ومهد لمعاوية ما اجترم ، ولابن الزبير تطاوله للخلافة وهو القصير ، وللعباسيين ثورتهم على الامويين ولغيرهم ما شئت ان تحدث والحديث ذو شجون .
إلى هنا اجد من نفسي القناعة والاطمئنان إلى القول بفساد تشريع تعيين الامام باختيار اهل الحل والعقد .
وهيهات ان يكون من النبي الحكيم مثل هذا التشريع .
وكيف يخفى عليه ضرر هذا التشريع ، ولا يخفى على عائشة ام المؤمنين يوم تقول لعمر على لسان ابنه عبدالله : ( لا تدع امه محمد بلا راع استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا فاني اخشى عليهم الفتنة ) .
وما ادري لماذا لم يشر احد على محمد عليه افضل التحيات ان يستخلف أو يبين على الاقل طريقة الاستخلاف حتى لا يفتتنوا ، كما اشارت عائشة على عمر ؟ ولماذا لم يسأله احد عن هذا الامر ، وهم يسألونه عن الكبيرة والصغيرة لماذا ؟ . . .
والمرجح انه سئل فأجاب ، ولكن التأريخ هو المتهم في اهمال مثل هذه القضيا .
على ان تأريخ الشيعة لم يمهل مثل هذا السؤال والجواب الصريح عليه .
العقائد السقيفة _30 _
4 ـ لانص في قاعدة الاختيار
لنتنازل الان جميع ما قلناه في البحث السابق من فساد تشريع قاعدة الاختيار ، ولكن ألا يجب علينا ان نسأل مدعي صدور هذا التشريع من النبي عن الدليل عليه في كتاب أو سنة .
وبودي ان يدلني احد على قول الرسول في هذا الشأن ، فما سمعنا عنه انه قال يوما : ان الاختيار في تعيين الامام لاهل الحل والعقد ، أو انه امر الامة باختيار الامام بعده ، لا تصريحا ولا تلويحا ، على ان الدواعي جد متوفرة لنقل مثل هذا القول ، والقوة والحول في صدر الاسلام إلى ما بعده في يد من يرتئي هذا الرأي ويدافع عنه ، فليس لاحد ان يدعي ان هذا الاثر قد خفي علينا أو امتنع الرواة عن نقله .
أجل ! إلا ان الله تعالى قال في كتابه العزيز : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) .
إذن لم يثبت عن النبي قول وتصريح في هذا الامر من الاتكال على اختيار الامة ، بل قال تعالى : ( مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) .
فلنذهب الان من طريق ثانية إلى إثبات صحة هذا التشريع ، فنقول :
« أليس النبي كان غير غافل عن امر الخلافة ! ولكنه سكت عن الحل لمشكلتها بطريق النص على احد من اصحابه ، فلا بد انه أوكل ذلك إلى اختيار أمته ، فيكون سكوته إذن دليلا على هذا الايكال » .
العقائد السقيفة _ 31 _
وهذا يقرب من التفكير الصحيح لاول وهلة ، إذا استطعنا التصديق بسكوته عن النص ، فلذلك لا يصح إلا إذا ثبت لنا ان لا نص هناك ، فوجب ان ننظر فيما تقوله اهل السنة والشيعة من النص على أبي بكر أو علي بن أبي طالب .
وسيأتي في البحث ( 7 ) و( 8 ) .
ولكن لو فكرنا قليلا ، فلا نرضى لمصلح عاقل فضلا عن النبي الكريم ان يرمز لهذا الامر العظيم الذي وقع فيه اعظم خلاف في الامة بمثل هذا الرمز الخفي .
وما الذي يلجئه إلى مثل هذا الدليل الصامت ـ إن صح هذا التعبير ـ مع علمه بما سيقع بعده من انشقاق وخلاف تتسع شقته هذا الاتساع ، وتتخلله فتن وحروب أنهكت المسلمين وأفسدت روحية الاسلام ؟ ! .
أما كان الجدير ـ إذا لم يكن قد نص على احد ـ ان يصرح لامته بايكال الامر إلى اختيارهم ؟ ثم يحدده باختيار اهل الحل والعقد منهم ، أو يحدده بخصوص اهل المدينة أو اهل عاصمة الخلافة ، ثم يكتفي باختيار الواحد والاثنين منهم ( على ما يذهب إليه جماعة من علماء اهل السنة ) ، ثم يذكر شروط الامام حتى يعرفوا من يجب ان يختاروه !
العقائد السقيفة _ 32_
أكل هذه الامور والقيود نستقيها من هذا الدليل الصامت ويكون هذا السكوت حجة على من يشكك في واحد من هذه الشئون فيستحق عقاب الخالق الجبار ، ثم مع ذلك يخرج عن ربقة الاسلام ويدخل في زمرة الكافرين ؟ ! .
اللهم اشهد علي اني لا أستطيع أن أؤمن بصحة دليل صامت يدل هذه الدلالة الواسعة على اعظم الشئون العامة التي يعم بلاؤها جميع الخلق في كل زمان ومكان ، في وقت الحاجة إلى دليل ناطق وحجة واضحة .
اللهم اشهد اني لا استطيع ان أؤمن بذلك إلا إذا فقدت حرية التفكير ومسكة العقل .
5 ـ اختلاف امتي رحمة
وأخشى الآن أن أكون قد أخذت بقلمي النعرة المذهبية في بحثي السابق ، فبالغت في تشويه تلك الدعوى وخرجت عن خطتي التي رسمتها لنفسي ، وهل تراني اخفف من وطأة تلك السورة ، فأطمئن إلى
تعليل مقبول لذلك الصمت ، بأن أقول : إن الرسول إنما ترك بيان هذا الامر ليوقع الخلاف بين امته رحمة بهم لما روى عنه : « اختلاف أمتي رحمة » ؟ .
العقائد السقيفة _ 33 _
ولكن هيهات ! إن لم تؤول الكلمة بما يتفق ومبادئ الاسلام (1) فانها الكذب الصراح على داعية الوحدة ومقاتل نزعات الجاهلية الاولى بسيف من الاخوة الاسلامية انتشل العرب من هوة عميقة للتفرق والنزاع والنزال .
إن أكبر ظاهرة للاسلام بل من أعظم أعماله ، تلك الدعوة إلى الوحدة المطلقة بأوسع معانيها وتحطيم الفروق حتى بين الشعوب والامم المختلفة ألا ( إنما المؤمنون إخوة ) .
وليس هناك شيء في الاسلام غني عن البرهان بل عن البيان مثل دعوته إلى الوحدة والعمل لها بكل الوسائل ، ليكون المؤمنون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا .
وقد تجلى ذلك ظاهرا في كثير من الاحكام العملية : في وجوب الحج وصلاة الجمعة والجماعة وحرمة الغيبة واللمز والغمز والقذف . . . وما إلى ذلك مما لا يحصى ، وبعد هذا أيمكننا ان نجرأ فندعي ان الرسول يدعو إلى الخلاف ! وأكثر من ذلك يسعى إلى التفرقة ، وأية تفرقة هي ؟ إن هذا لبهتان عظيم وزور مبين ! اللهم اني استجير بك من شطحات القلم والتفكير .
---------------------------
(1) هذه الكلمة مروية من طرق الطرفين . والوارد في تفسيرها عن آل البيت غير ما يتخيل من ظاهرها ففي علل الشرايع : « انه قيل للامام جعفر ابن محمد الصادق عليه السلام : ان قوما يروون أن رسول الله قال : « اختلاف امتي رحمة » ، فقال : صدقوا ، فقيل : إذا كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب ، قال : ليس حيث تذهب وذهبوا انما أراد قول الله عزوجل ( فلولا نفر من كل فرقة طائفة . . ) واختلاف أهل البلدان إلى نبيهم ثم من عنده إلى بلادهم رحمة . . . » الخبر . ومثله في معاني الاخبار للصدوق ، وفيه : « انما أراد اختلافهم من البلدان لا اختلافا في دين الله ، انما الدين واحد » .
العقائد السقيفة _ 34 _
6 ـ الاجماع على قاعدة الاختيار
وهنا لا بد أن ننصف في القول فلا نجري الكلام على عواهنه ، فأني لم أعرف عن اخواننا أهل السنة أنهم فسروا هذا الصمت المدعى بذلك التفسير إلا من قل .
وعلى الاقل انهم لم يجعلوه وحده دليلا على ايكال أمر الخلافة لاختيار أهل الحل والعقد ، وإنما يستدلون باجماع أهل الصدر الاول على كفاية اختيار أهل الحل والعقد ، بدليل بيعة أبي بكر يوم السقيفة .
وعندهم الاجماع حجة لما روي عنه عليه الصلاة والسلام ، « لا تجتمع أمتي على الخطا » و« ولا تجتمع أمتي على ضلال » .
ولكن الشيعة لا يعتبرون مثل هذا الاجماع ، وإنما يعتبرون الاجماع إذا كشف عن رضى امام معصوم حيث يكون داخلا في أحد المجمعين . وبيعة أبي بكر لم تقترن بموافقة الامام وهو علي بن أبي طالب فلم يتم عندهم الاجماع الذي يكون حجة .
ويذهبون إلى أكثر من ذلك ، فيقولون إن الاجماع بكل معانيه لم ينعقد على صحة بيعة أبي بكر ، لمخالفة علي الذي يدور معه الحق حيثما دار ومخالفة قومه بني هاشم وسعد بن عبادة وابنه وجماعة من كبار الصحابة كسلمان وابي ذر والمقداد وعمار والزبير وخالد بن سعيد وحذيفة اليمان وبريدة وغيرهم .
ولم يبايع من بايع منهم بعد ذلك إلا قهرا واضطرارا حفظا لبيضة الاسلام وتوحيدا لكلمة المسلمين . ولا يصح بحال ان يدعي ان هؤلاء ليسوا من اهل الحل والعقد ، وهم من تعرف .
ويقول الشيعة ايضا : لم يتكرر بعد ذلك تعيين الامام باختيار أهل الحل والعقد ، حتى نؤمن بحصول الاجماع على صحة الاختيار في تعيينه ، لان كل خليفة تعين إنما تعين بنص السابق عليه أو بحد السيف والقوة ، ما عدا علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو امام بالنص من النبي ( ص ) ولا شأن لاختيار الامة في امامته .
هكذا اختلف الطرفان ، وأجدني الآن حائرا إزاء أدلة الطرفين .
العقائد السقيفة _ 35 _
وإذا اردت ان اعالج في بحثي حادث السقيفة فانما اعالجه من عدة نواح هذه أهمها ، فهل استطيع ان استنتج الحكم الفاصل لاحدى الطائفتين ؟ هذا ما قد يكشفه مستقبل البحث ، وكل آت قريب ، ولا أتنبأ بالنتيجة قبل وقتها .
وكنت راغبا في بحثي هنا أن احصل على نتيجة حاسمة قبل الدخول في تفسير حوادث السقيفة ، بل قبل الدخول في البحث عن النص على الامام بعد النبي في هذا الفصل ، ولكني هنا وجدت هذه المسائل متداخلة بعضها آخذ برقاب بعض .
ومع ذلك أجد بامكاني أن أضع تقريرا يقرب من التفكير الصحيح مع الاعراض عما يقوله الطرفان في هذا الشأن ، مستعينا بما تقدم في الابحاث السابقة ، فهل تعيرني تفكيرك لحظة .
لاحظ انك لا تشك ـ وأنا معك ـ ان النبي ما فاه ولا ببنت شفة عن قاعدة انعقاد الامامة باختيار أهل الحل والعقد ، مع ان الواجب يدعو للبيان الصريح ، كما قلنا آنفا ، فلماذا سكت عن ذلك ؟ .
أكان إهمالا وتوريطا للمسلمين في الخلاف والنزاع ، أو أنه لم يشرع مثل هذا التشريع ؟ والثاني هو الاقرب للصحة ، وعليه فما قيمة الاجماع ـ إن تم ـ مع علمنا بان هذا الامر ليس من الدين ولم يشرعه الله على لسان نبيه ، على أنا وجدنا في ابحاثنا السالفة ان البرهان الصحيح يقودنا إلى الاعتراف بفساد هذا التشريع ، فنعلم بنتيجة ان النبي لم يشرعه لامته ، فلا بد ان نتهم الاجماع المدعى باحدى التهم المتقدمة .
العقائد السقيفة _ 36_
هذا من جهة . ومن جهة اخرى ، انا لا أدري أن هؤلاء الذين اقدموا على الاجتماع في السقيفة لعقد البيعة بدون مشورة من جميع الموجودين في المدينة وغيرهم على أي سناد استندوا وبأية حجة اجتمعوا .
والمفروض ان لا حجة إلا الاجماع ، وهو ـ على فرضه ـ بعد لم ينعقد على صحة عملهم ؟ فهذا العمل من أساسه كان بغير حجة قائمة ولا بينة واضحة ، ولذا قال عمر لسعد بن عبادة : « اقتلوه قتله الله إنه صاحب فتنة » .
فلأي شيء استحق القتل ولم يكن يدعو إلا إلى نفسه كما دعا غيره ؟ ولماذا كان صاحب فتنة ؟ ـ ليس إلا لان دعوته من غير حجة قائمة . وإذا كان قد ثبت من النبي صحة انقاد الخلافة بأختيار أهل الحل والعقد ، ويكتفي بمثل القوم الذين اجتمعوا في السقيفة يومئذ فلم يكن قد دعا سعد إلا إلى ما هو مشروع لا يستحق عليه قتلا ولا غضبا .
أما النص المروي : « الائمة من قريش » فلم يكن معروفا عند المهاجرين يومئذ أو أنهم لم يريدوا ان يعرفوه ، ولذا لم يستدلوا له ذلك اليوم ، بناء على ما هو الصحيح وإنما استدل الخليفة أبو بكر بالقرابة من الرسول وان العرب لا تعرف هذا الامر إلا بهذا الحي من قريش .
العقائد السقيفة _ 37_
7 ـ النص على أبي بكر
لم نتوقف فيما مضى للاعتقاد بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو كل نصب الامام إلى اختيار الامة ، أو أهل الحل والعقد منهم خاصة . . . وهنا نبحث عما إذا كان قد عين شخص الامام بعده ، فمن هو هذا الامام ؟ .
أصحيح انه هو ( أبو بكر ) ؟ يقطع الباحث ان الاحاديث المروية في النص عليه موضوعة إذا كان يفهم منها النص المدعي .
وليس أدل على ذلك مما ثبت من تصريحاته نفسه ، ولا سيما عندما تمنى ـ قبيل موته ـ ان يسأل عن أشياء ثلاثة ترك السؤال عنها ، أحدها أمر الخلافة انه فيمن حتى لا ننازع أهله .
ثم من تصريحات خليفته عمر ابن الخطاب لا سيما عندما دنت منه الوفاة فصرح ان النبي لم يستخلف .
ثم من تصريحات عائشة « وهي المدافعة والمنفحة عن أبيها وقد قامت بقسط وافر من تأييده وتثبيت خلافته » فنفت الاستخلاف لما سئلت من كان رسول الله مستخلفا لو استخلف (1) .
ويكفينا لعدم الوثوق بهذا النص المدعى أن نطلع على مجرى حادث السقيفة ، ونعرف استدلال من استدل على صحة بيعته بالاجماع .
أولا تراه نفسه يوم السقيفة كيف قدم للبيعة عمر وأبو عبيدة ، فقال : « قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين » . أتراه كان لا يعلم بالنص عليه ، أو كان عالما به ولكنه أعرض عنه ؟ ـ لا شيء منهما يصح أن يقال .
ولا شيء أوضح من خطبته يومئذ إذ يقول فيها : « ان العرب لا تعرف هذا الامر إلا لقريش أوسط العرب دارا ونسبا » ، بل لو كان نص عليه لما كانت العرب تعرف هذا الامر إلا لشخصه بنص صاحب الرسالة ، وليس المقام مقام حياء من الدعوة إلى نفسه ،
وعندي لا شيء أوضح من وضع الاحاديث في النص عليه .
---------------------------
(1) ومن الغريب اعتذار ابن حزم : « ان هذا الاثر خفي على عمر كما خفي عليه كثير من أمر رسول الله ( ص ) كالاستيذان وغيره ، أو أنه أراد استخلافا بعهد مكتوب ، ونحن نقر ان استخلافه لم يكن بعهد مكتوب . وأما الخبر في ذلك عن عائشة فكذلك ايضا . . . » .
ولئن خفي هذا الامر على عمر وعائشة فعلى غيرهما اخفى واخفى ، على ان جمله ارادتها للعهد المكتوب فابعد وابعد .
العقائد السقيفة _ 38_
وأجد ان الذي ألجأ إلى وضعها ان من وضعوها بعد ان ضاقوا ذرعا بالاستدلال على خلافته بالاجماع ، مما وجدوه من مخالفة من خالف ممن لا يمكن اهمال شأنهم .
وهذا هو التعصب الذي يحمل صاحبه على الكذب والاختراع ، فيقف حجر عثرة دون وصول طالب الحقيقة إلى هدفه ، ويجعل النفس لا تثق بكل ما يرويه هذا المتعصب فيما يخص معتقده ، بل في كل شيء .
أما قضية تقديمه للصلاة فان صحت ( وهي صحيحة بمعنى انه صلى بالمسلمين ) ، فليس فيها اية اشارة إلى تعيينه للخلافة ، فضلا عن النص ، لان الامامة في الصلاة ليست بالامر الخطير الشأن الذي لا يكون إلا لمن له الامامة ، ولا سيما على مذهب اهل السنة ، وكان ائمام المسلمين بعضهم ببعض مما اعتادوا عليه ، وشاع يومئذ بينهم بترغيب النبي فيه ، فقد رود (1) .
ان ابا بكر صلى بالناس من دون إذن النبي ( ص ) لما ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم .
ولا اعتقد بصحة ما يروى ان النبي هو الذي قدمه للصلاة وانه صلى أياما ، لان ابا بكر كان من جيش اسامة من غير شك ـ وسيأتي ـ وقد نهي النبي عن التخلف عنه .
---------------------------
(1) راجع صحيح البخاري 1 : 8 .
العقائد السقيفة _ 39_
وشدد في الاسلااع ؟ بانفاذه ، فكيف يجتمع هذا مع تقديم النبي له للصلاة مدة مرضه ؟ .
نعم الثابت انه صلى صلاة واحدة وهي صلاة الغدير يوم الاثنين يوم وفاة النبي ( ص ) ، وقبل ان يتمها خرج صاحب الرسالة يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان الارض من الوجع فصلى بالناس صلاتهم وتأخر ابو بكر .
فان عائشة هي التي روت امر النبي بتقديمه لا غيرها ، وانها راجعته في ذلك حتى قال لها غاضبا : « انكن لانتن صواحب يوسف » وهي نفسها تروي خروجه في نفس تلك الصلاة (1) .
وكان خروجه بهذه الحال إلى الصلاة يوم وفاته وهو يوم الاثنين .
ولو ان النبي كان قدمه للصلاة اشارة إلى خلافته ، فلماذا خرج بهذه الحال المؤلمة ، وصلى بالناس صلاة المضطرين جالسا ؟ ولا معنى ما يقال : « انه صلى ابو بكر بصلاة النبي وصلى الناس بصلاة ابي بكر » فمن هو الامام اذن ؟ ان كان أبا بكر فلم يكن قد صلى بصلاة النبي ، وان كان النبي فلم تكن الناس قد صلت بصلاة أبي بكر ، وتأويله ـ ان صح ـ ان النبي جالسا فلا يرون شخصه وكان مريضا فلا يسمعون
صوته ، فكانت الناس تعرف ركوعه وسجوده بصلاة أبي بكر الذي كان بارائه لما تأخر عن مقامه .
---------------------------
(1) صحيح البخاري ( 1 : 78 و84 في حديثين ) . وصحيح مسلم في باب استخلاف الامام إذا عرض له من كتاب الصلاة .
العقائد السقيفة _ 40_
والاحاديث مضطربة في هذا الباب ، مع أن أكثرها عن عائشة ام المؤمنين واختلافها الجوهري في ستة امور :
1 ـ ( في علاقة عمر بالصلاة ) فيذكر بعضهم ان النبي قال : ( مروا عمر ) بعد مراجعة عائشة عن أبيها فأبى عمر وتقدم أبو بكر وبعضها ذكر انه أبتداء أمر عمر ، فقال عمر لبلال قل له ان أبا بكر على الباب ، وحينئذ أمر أبا بكر ، وبعضها ذكر انه اول من صلى عمر بغير اذن النبي فلما سمع صوته .
قال : « يأبى الله ذلك والمؤمنون » وفي بعضها انه أمر أبا بكر ان يصلي نفس الصلاة التي صلاها عمر بالناس ، وفي بعضها صلى عمر وكان ابو بكر غائبا . وفي بعضها ان النبي أمر أبا بكر وأبو بكر قال لعمر صل بالناس فامتنع .
2 ـ ( في من أمره النبي ليأمر ابا بكر ) ، فبعضها تذكر عائشة ، وبعضها بلالا ، وبعضها عبدالله بن زمعة .
3 ـ ( فيمن راجعة في أمر أبي بكر ) ، فبعضها تذكر عائشة وحدها راجعته ثلاث مرات أو أكثر ، وبعضها تذكر عائشة راجعته ثم خالت لحفصة فراجعته مرة أو مرتين ، فلما زجرها النبي قالت لعائشة : « ما كنت لاصيب منك خيرا » .
العقائد السقيفة _ 41_
4 ـ ( في الصلاة المأمور بها ) ، فبعضها يخصها بصلاة العصر وبعضها بصلاة العشاء ، والثالث بصلاة الصبح .
5 ـ ( في خروج النبي ) ، فبعضها تذكر انه خرج وصلى ، واخرى تقول أخرج رأسه من الستار والناس خلف ابي بكر ثم القى الستار ولم يصل معهم .
6 ـ ( في كيفية صلاة النبي بعد الخروج ) ، فيذكر بعضها انه ائتم بأبي بكر بعد أن دفع في ظهره ومنعه من التأخر . وبعضها أن أبا بكر تأخر وائتم بالنبي . وبعضها ان ابا بكر صلى بصلاة النبي والناس بصلاة ابي بكر . وبعضها ان النبي ابتدأ بالقراءة من حيث انتهى ابو بكر .
7 ـ ( في جلوس النبي إلى جنب ابي بكر ) فبعضها تذكر جلوسه إلى يساره ، وبعضها إلى يمينه .
8 ـ ( في مدة صلاة ابي بكر ) ، فبعضها تجعلها طيلة مرض النبي ، واخرى تخصها بسبع عشر صلاة ، وثالثة بثلاثة أيام ، ورابعة بستة ، ويظهر من بعضها انه صلى صلاة واحدة .
9 ـ ( في وقت خروج النبي إلى الصلاة ) ، فبعضها صريحة في انه خرج لنفس الصلاة التي امر بها ابا بكر ، وبعضها صريحة في انه خرج لصلاة الظهر بعد صلاة ابي بكر ايما ، وبعضها صريحة في خروجه لصلاة الصبح .
العقائد السقيفة _ 42_
وهذه الاختلافات كما رأيت في جوهر الحادثة .
ولم يظهر من الاخبار تعدد أمر النبي له بالصلاة ولا تعدد خروجه ، وهذا كله يذهب بالاطمئنان بتصديقها في خصوصيات الحادثة لا سيما فيما يتعلق بأمر النبي له ، نعم يعلم منها شيء واحد على الاجمال هو صلاة ابي بكر بالناس قبل خروج النبي .
ولعل أبا بكر كان مخدوعا في تبليغه أمر النبي ، كما جاء في الحديث ان عبدالله بن زمعة خدع عمر بن الخطاب فبلغه أمر النبي له بالصلاة .
واحسب ان اصل الواقع أن النبي ( ص ) أمر الناس بالصلاة لما تعذر عليه الخروج من دون ان يخص احدا بالتقديم ، فتصرف متصرف ، وتأول متأول . ولما بلغ ذلك اسماع النبي التجأ أن يخرج يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان الارض من الوجع ، فصلى بالناس جالسا صلاة المضطرين ، ليكشف للناس هذا التصرف الذي استبد به عليه .
واستغرب توبيخه لعائشة لما راجعته عن أبيها إذ قال لها : « انكن لانتن صواحب يوسف » . لماذا هذا التوبيخ القارص ؟ وأي شيء صنعته تستحق به هذا اللوم ؟ ألا أنها ضنت على أبيها بهذه الكرامة ، فلئن لم تستحق المدح فعلى الاقل لا تستحق مثل هذا التوبيخ .
العقائد السقيفة _ 43_
ومن هنا يتطرق الشك ايضا في صحة تقديم النبي لابي بكر ، ويبدوا أنه كان من أمرها وتدبيرها ، فلذا وجهت إليها هذه الكلمة اللاذعة ، لا لمراجعة هناك .
ولا شك انها ترغب لابيها كل فضيلة وتلزه لزا . ولذا التجأت ان تعتذر عن مراجعتها المستغربة منها التي ادعتها بأنها انما كانت تحب ان يصرف عن أبيها لانها رأت ان الناس لا يحبون رجلا قام مقام النبي ابدا وانهم سيتشأمون به في كل حدث كان .
ألا تراها كيف بعثت إلى ابيها تدعوه لما بعث النبي إلى علي يدعوه ليوصيه ، وكذلك صنعت حفصة لابيها ، ولكن النبي لما رآهم قد اجتمعوا أمرهم بالانصراف وقال : فإن تلك لي حاجة ابعث اليكم » (1).
وهذا قول من عنده ضجر وغضب باطن .
و النتيجة : انه ليس هناك ما يستحق ان يسمى نصا ، ولا اشارة إلى خلافة ابي بكر .
8 ـ النص على علي بن أبي طالب اذن ، أفصحيح ما تقوله الشيعة من النص على علي عليه السلام ؟ أيها القارئ ! بودي ان تكون حياديا ، فلا تنظر إلى ما تقوله الشيعة عن هذا الرجل إلا بتقزز ، حتى لا اكلفك بالرجوع إلى كتبهم واخبارهم .
وانا معك الان سأطرحها جانبا وما يدرينا لعل حبهم وتعصبهم لصاحبهم يسوقانهم إلى القول عنه بما لم يكن ، كما ساق أهل السنة إلى رواية النص على أبي بكر . فلنأخذ حذرنا من الان .
و بعد هذا اترانا نحذر من مؤلفات اهل السنة وصحاحهم في حق علي ، وهم ان تعصبوا فعليه ، لا له ؟ كلا ! فان الكثير من محدثيهم يحذرون كل الحذر من رواة مدحه وفضائله ، فيقدح المؤلف منهم في الراوي الذي تشم منه رائحة الميل إليه ، ويرسلون الطعن في الحديث ارسالا فيقولون : « وفي متنه غرابة شديدة » ، وليس إلا لانه لا يتفق وعقيدته ويكفي في الثقة بالمحدث ان يكون ممن يميل عنه كأبي هريرة والمغيرة بن شعبة وعمران بن حطان وامثالهم .
وقبل ذلك نجد سيوف بني أمية مسلولة على رؤؤس الرواة لئلا ينسبوا فضيلة لهذا الذي ناصبوه العداء وسنوا سبه على المنابر والمعابر ، ونجدهم كيف كانوا يغدقون بالاعطيات على الطاعنين فيه والمنحرفين عنه .
ولذا تراني اطمئن كل الاطمئنان ـ وانت معي لا شك ـ إلى كل حديث خلص من هذه العقبات ، واستطاع ان يطلع رأسه من بين الاحاديث ظافرا بالصحة والتأييد ، فسجلته كتب اهل السنة وصحاحهم في فضل علي والنص على خلافته ، ومع هذا فستجدني لا اعتمد إلا على بعض الصحيح الثابت عند اهل الحديث منهم الذي بلغ حد التواتر أو كالمتواتر .
العقائد السقيفة _ 45_
والحق ان لعلي منزلة كبرى عند اخيه وابن عمه ، يغبطه عليهما كل مسلم بل حسدوه عليها ، ولا ينكرها إلا مكابر ، حتى ان ام المؤمنين عائشة « على ما بينها وبين علي ما هو معروف » قالت فيه : « ما رأيت رجلا احب إلى رسول الله منه ولا رأيت امرأة كانت احب إليه من امرأته » .
وقد كان صلى الله عليه واله وسلم يمجد ويرحب بصهره عند كل مناسبة من يوم ولد صهره قبل البعثة بعشر سنين إلى يوم فاضت نفسه الزكية في حجره .
وهذا مما لا يشك فيه مسلم ، وإنما الشأن فيما يدل على العهد إليه بالخلافة فلنقرأ بعض الاحاديث الصحيحة المتواترة أو المشهورة ، ولننظر ماذا سنفهم منها :
1 ـ لما نزلت الآية الكريمة « وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ » جمع النبي ( ص ) من اهل بيته اربعين رجلا في قصة معروفة ـ وكان ذلك في مبدأ البعثة ـ فعرض عليهم الاسلام وضمن لمن يؤازره وينصره منهم الاخوة له والوراثة والوزارة والوصاية والخلافة من بعده فأمسكوا كلهم الا عليا ، فقد اجابه وحده ، فأخذ برقبته ، وقال : « ان هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم ـ أو من بعدي على اختلاف الروايات ـ فاسمعوا له واطيعوا » .
فقام القوم يضحك بعضهم إلى بعض استهزاء ، ويقولون لابي طالب قد امرك ان تسمع وتطيع لهذا الغلام . يعنون ابنه (1).
---------------------------
(1) من الغريب ما صنعه الاستاذ محمد حسين هيكل . إذ يذكر هذه الحادثة في كتابه « حياة محمد » في الطبعة الاولى ويهملها في الطبعات الاخرى من غير تنبيه .
العقائد السقيفة _ 46_
2 ـ وفي غزوة الخندق لما برز علي إلى عمرو بن عبد ود قال ( ص ) فيه : « برز الايمان كله إلى الشرك كله » . وذلك سنة 5 هـ .
3 ـ وفي غزوة خيبر باهى به الذين تراجعوا بالراية فقال : « أني دافع الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار » فتطاولوا لها ، ولكنه دفعها إلى علي ، وذلك سنة 7 هـ .
4 ـ ولما آخى بين المهاجرين قبل الهجرة وبين المهاجرين والانصار بعدها بخمسة اشهر ، اصطفى عليا لنفسه فآخاه ، وقال له : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي » .
ثم لم يزل يكرر هذه الكلمة في مناسبات كثيرة ، منها لما سد الابواب الشارعة إلى المسجد إلا باب علي ، ومنها غزاة تبوك لما خله على المدينة سنة 9 هـ . وفي رواية ابن عباس زيادة « انه لا ينبغي ان اذهب إلا وانت خليفتي »(1).
---------------------------
(1) وصححها الحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه .
العقائد السقيفة _ 47_
5 ـ وقال له : « لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق » . وبعد ذلك كان يعرف المنافق ببغضه لعلي .
6 ـ وقال : « ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله » . وبعد ان نفى ذلك عن ابي بكر وعمر
قال : « ولكنه خاصف النعل » وكان علي يخصف نعل رسول الله ساعة ئذ في الحجرة عند فاطمة .
7 ـ وكان عند النبي طاير طبخ له ، فقال : « اللهم آتني بأحب الناس إليك يأكل معي » فجاء علي فأكل معه .
8 ـ وقال : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » .
9 ـ وقال : « أقضاكم علي » .
10 ـ وقال : « علي مع الحق والحق مع علي ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » .
11 ـ وأثبت له غير مرة الوراثة والوصاية ، وأوضح انهما وراثة ووصاية نبوة ، فقال مرة : « لكل نبي وصي ووارث
وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب »(1). وقال له علي مرة : « ما أرث منك » .
قال ( صلى الله عليه وآله ) : « ما ورث الانبياء من قبل كتاب ربهم وسنة نبيهم » (2).
---------------------------
(1) راجع ميزان الاعتدال في ترجمة شريك . وقال عن رواية محمد بن حميد الرازي ليس بثقة مع أنه قد وثقه احمد بن
حنبل وابو القاسم البغوي والطبري وابن معين وغيرهم . ونقل هذا الحديث عن السيوطي في اللآلئ وعن الحاكم .
(2) راجع كنز العمال ( 5 : 41 ) .
العقائد السقيفة _ 48_
12 ـ وقال سنة 8 هـ : « إن عليا مني وأنا من علي لا يؤدي عني إلا أنا وعلي » .
13 ـ وقال : « إن عليا مني وأنا من علي ، وهو ولي كل مؤمن بعدي » .
14 ـ وقال : « انت ولي كل مؤمن بعدي » .
15 ـ وسد ابواب المسجد غير باب علي ، فكان يدخل المسجد جنبا ، وهو طريقه ليس طريق غيره .
قال عمر بن الخطاب : « لقد اعطي علي بن أبي طالب ثلاثا لئن تكن لي واحدة منها أحب الي من خمر النعم : زوجته فاطمة بنت رسول الله ، وسكناه المسجد مع رسول الله يحل له ما يحل فيه ، والراية يوم خيبر » .
وكذلك روي عن ابن عمر .
ولما روجع النبي في فتح باب علي قال : « إنما أنا عبد مأمور ما امرت به فعلت إن اتبع إلا ما يوحى إلي » .
16 ـ ولما آخى النبي بين كل اثنين من المهاجرين ، وذلك قبل الهجرة اصطفاه لنفسه فآخاه وقال له فيما قال : « أنت أخي
ووارثي ، أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي » .
وكذلك صنع وقال لما آخى بين المهاجرين والانصار ، فاصطفاه لنفسه مع ان كلا منهما من المهاجرين وذلك بعد الهجرة بخمسة أشهر ، ولا يزال يدعوه أخي في مناسبات لا تحصى .
العقائد السقيفة _ 49_
وإذا ادعى انه أوكل الامر إلى اتفاق أمته واختيارهم جميعا ، فمن خطل الرأي ، إلا إذا جوزنا عليه ان يطلب المستحيل أو تعمد ايقاع أمته في منازعات دائمية تفضي إلى ازهاق النفوس واضعاف القوي المادية والادبية ، ثم إلى ضعف كلمة الاسلام في الارض .
فتلخص ان هذا التشريع أعني تشريع تعيين الامام بالانتخاب لا يصح لنا ان ننسبه إلى منقذ البشرية من الضلالة إلى الهدى الذي لا ينطق إلا عن وحي ، سواء فسرناه بالاكثرية أو باتفاق الجميع .
ومهما حاولنا اصلاح هذا التشريع بتفسير الامة بأهل الحل والعقد منها خاصة ، فلا اجد هذه المحاولة تسلم من ذلك النقص البارز فان اهل الحل والعقد وكبار الامة هم بؤرة الخلاف والنزاع .
فان الخاصة مع اختلاف نفوسهم وتباين نزعاتهم كسائر الناس ، لا ينفكون عن تحيزات فيهم اعظم منها في غيرهم . ويندر ان يتجردوا من اهواء نفسية واغراض شخصية ، تجعل كل فرد يشرئب إلى هذا المنصب الرفيع ما هيء له ووجد مجالا لارتقائه ، ولو عن غير قصد ، بل عن رغبة نفسية كامنة هي غريزية لا يفطن لها صاحبها أو لا يعدها باطلا وخروجا عن محجة الصواب ، بل حب النفس قد يحمله على الاعتقاد بأن زعامته اصلح للامة واجدى ، فيوحي الهوى للنفس البرهان المقنع على صحة رأيه .
العقائد السقيفة _ 50_
17 ـ ويوم الغدير ، بعد الرجوع من حجة الوداع سنة 10 هـ أمر بالصلاة ، فصلاها بهجير ، وقام خطيبا على مائة الف أو
يزيدون ، حيث تفترق قبائل العرب .
وبعد أن نعى نفسه إليهم ذكر الثقلين كتاب الله وعترته وانهما لن يفترقا ولن يضلوا بالتمسك بهما أبدا ، أخذ بيد علي وقال :
أيها الناس ألست أولى منكم بأنفسكم ؟ .
قالوا : بلى يارسول الله ! وكرر السؤال عليهم واجابوا .
ثم قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ( وفي أحاديث كثيرة : من كنت مولاه فعلي وليه ) ، اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيثما دار « فلقيه عمر بن الخطاب فقال له : هنيئا يا
بن أبي طالب اصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة » (1). أو « أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة »
(2).
---------------------------
(1) مسند أحمد ( 4 : 281 ) وعن تفسير الثعلبي . وفي الصواعق المحرقة في الشبهة 11 عن ابي بكر
وعمر معاً .
(2) تفسير الرازي في قوله تعالى : « يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك » .
العقائد السقيفة _ 51_
هذه هي الاحاديث التي أخذناها من الصحيحة ، اكتفاء بهذا القليل عن كثير لا تسعه هذه الرسالة .
أما الآيات فقد قال ابن عباس : « نزلت في علي ثلثمائة آية من كتاب الله تعالى » ، ولم يعرف من طريق اهل السنة إلا مائة .
ونختار منها ثلاث آيات :
1 ـ آية « إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ » .
وقد نزلت فيه إذ تصدق بخاتمه وهو راكع في الصلاة ، فاثبت الولاية له كولاية الله ورسوله على الناس ، وهي مثل الاحاديث التي جعلت له تلك الولاية الالهية .
2 ـ آية التطهير ، إذ جمع النبي ( ص ) عليا وزوجه وابنيه معه في كساء واحد ، فنزلت الآية باذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم .
وهذه العصمة التي تشترط في الامامة .
3 ـ آية المباهلة ، إذ باهل بأهل بيته اولئكم ، نصارى نجران في قصة مشهورة ، وجعل عليا بنص الآية نفسه .
ونحن لما اعتقدنا ان طريقة الاختيار لا يصح ان يقال ان النبي عول عليها في تعيين الخليفة من بعده ، فمن الضروري ان ينص على واحد من اصحابه ، ولكن لم يكن أبا بكر فمن هو إذن ؟
ليس هناك شخص ورد فيه ما ورد في علي يصح ان يكون نصا كهذه الاحاديث مع الآيات التي يؤيد بعضها بعضا ويفسر بعضها بعضا .