عزالدين الجزائري


تقديم
  الدعاء تعبير عن تجربة روحية فريدة تنطلق من احساس النفس المؤمنة بعظمة الخالق تبارك وتعالى، وعبوديتها له،وحاجتها للارتباط به والاحتماء بقدرته.
  وعلى هذا الاساس فهو شعيرة من شعائر الايمان، والصلاة المشتركة بين جميع‏الاديان.
  وقد اورد منه القرآن الكريم امثله كثيرة حكى بعضها على لسان الانبياء والصالحين، وساق بعضها الخر تعليما للمؤمنين وارشادا لهم الى ما ينبغي ان يدعى به رب العالمين.
  كما تضمنت السنة النبوية الشريفة فصولا رائعة مما كان يدعو به النبي(ص) ويناجي به ربه، ويعلمه لاهله وصحابته وسائر المؤمنين به.
  وعلى منوالها نسج الائمة والصالحون ففاضت على السنتهم ادعية ومناجيات وابتهالات كثيرة تزخر بالتجارب الروحية ، والمعاني والقيم الانسانية والخليقة، والمفاهيم الدينية والاجتماعية.
  ولعل ما اغنى ما حفظه لنا التراث الاسلامي من هذه الثروة لمبدع واحد مجموعة الادعية المعروفة بالصحيفة السجادية‏للامام السجاد زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (ع) والتي اشتهرت في العصور اللاحقة لعصره باسم (زبور آل محمد) او (انجيل آل محمد) كما يقول صاحب معالم العلماء(1).
  وهي تتالف من اربعة وخمسين بابا في الدعاء واغراضه المختلفة.

**************************************************************
(1) معالم العلماء، لابن شهراشوب: ص 112.

الصحيفة السجادية   ـ 2 ـ

مقدمة
  بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه، والصلاة على محمد وآله ومن جرى على منواله.
  يرغب الانسان في حياته الى السعادة، ومن اجلها يسعى للمعرفة، ولكي تؤدي المعارف دورها في تحقيق سعادة‏الانسان، لابد ان يصاحبها سلوك فاضل في الحياة اليومية.
  وقد ولد الانسان على فطرة الخير، وانحرافه وجنوحه.. نتيجة البيئة الملوثة، لذا اصبح لزاما له اعتصامه عن الهوى، وتاكيد المعرفة الحقة.. لتكون لديه انضباطا وسلوكا صالحا في الحياة.
  وكيف يعتصم؟ القهر لا اثر له الا موقتا.
  فوجب ان يكون للانسان اقتناع ذاتي بالمحبة والرضا، وتصوير حاد مكثف لبدايته ونهايته وللطريق المستقيم، كي يعيش مجتمع الفضائل، ويلتزم بضوابط الحياة السعيدة، وكان الدعاء طريقا للتربية الذاتية، وكانت الادعية التي وردت‏عن الرسول الاعظم وآل بيته الكرام معدن الحكمة و اساتذة الحياة.

الصحيفة السجادية   ـ 3 ـ

الدعاء
  الدعاء : هو الطلب من اللّه والرغبة فيما عنده من الخير.
  وقد استعمله الانبياء والصالحون منذ آدم(ع)، ومما جاء في القرآن الكريم : ( قَالاَ (1)رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )(2).
  (وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ × وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ × وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ × فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِين َ× وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَ إِلَهَ إلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ × فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ × وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ × فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ )(3).

**************************************************************
(1) آدم وحواء .
(2) سورة الاعراف، الاية: 23 .
(3) سورة الانبياء، الايات: 76، 77، 83، 84، 87 الى 90
.

الصحيفة السجادية   ـ 4 ـ

اثر الدعاء وفائدته
  جاء في القرآن الكريم : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )(1).
  حث النبي وآل بيته (صلى اللّه عليهم وسلم) .. على الدعاء، ورغبوا فيه، وقد روي عن رسول اللّه(ص) : «الدعاء سلاح المؤمن‏»(2).
  «ما من مسلم دعا اللّه تعالى بدعوة ليست فيها قطيعة رحم ولا استجلاب اثم الا اعطاه اللّه تعالى بها احدى خصال‏ثلاث، اما ان يعجل له الدعوة، واما ان يدخرها له في الاخرة، واما ان يرفع عنه مثلها من السوء»(3).
  وورد عن آل البيت(ع) : «ان الدعاء يرد القضاء والبلا»(4)، و « انه شفاء من كل داء»(5)، «لا يرد القضا الا الدعاء»(6).. اي.. لا يصرفه ويدفعه ويهونه الا الدعاء «الدعاء مفتاح نجاح‏» (7).. اي.. ظفر بالمطلوب.
  وعن ابي عبداللّه(ع): « اكثر من الدعاء، فانه مفتاح كل رحمة ونجاح كل حاجة‏».. «وليس باب يكثر قرعه الا يوشك ان يفتح‏لصاحبه‏»(8).
  وعن الامام علي بن ابي طالب(ع): «تقدموا بالدعاء قبل نزول البلا»(9)، «ما المبتلى الذي قد اشتد به البلا باحوج الى الدعاء من المعافى الذي لا يامن البلا»(10).

**************************************************************
(1) سورة البقرة، الاية: 186.
(2) الكافي: 2/468، بحار الانوار: 93/294، مكارم الاخلاق: ص 297.
(3) بحار الانوار: 93/294، مكارم الاخلاق: ص 302.
(4) بحار الانوار: 93/295، الكافي: 2/470.
(5) عن الامام الصادق ع: بحار الانوار: 93/295، مكارم الاخلاق: ص 312.
(6) بحار الانوار: 93/296.
(7) بحار الانوار: 93/341.
(8) عن الامام الصادق ع: بحار الانوار: 93/295، مكارم الاخلاق: ص 299.
(9) سفينة البحار: 1/449.
(10) بحار الانوار: 93/301.

الصحيفة السجادية   ـ 5 ـ

  ان دعاء اللّه.. يوقظ في الانسان روح التفاعل مع الحياة، فتتيسر الاسباب لحاجاته المشروعة، ويهتدي فكره لها، وتكون ‏لديه القوة النفسية الكافية لمواجهة المشاكل، لان الدعاء يعني الاعتماد على القدرة المطلقة التي تحكم الكون.
  انها لفرص ثمينة ان يقرب الانسان الى اللّه، وقد اذن سبحانه بالدعاء في كل الاوقات، من دون ان يتخذ اي حجاب اووسائط.
  كما قال الامام علي بن ابي طالب(ع)(1): «واعلم ان الذي بيده خزائن السموات والارض قد اذن لك في الدعاء، وتكفل لك بالاجابة، و امرك ان تساءله ليعطيك،وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك، ولم يلجئك الى من يشفع لك اليه، ولم يمنعك ان اسات من التوبة، ولم يعاجلك بالنقمة (الانتقام).. ولم يناقشك بالجريمة، ولم يؤيسك من الرحمة، بل جعل نزوعك (انقطاعك) عن الذنب حسنة، وحسب سيئتك‏واحدة، وحسب حسنتك عشرا، وفتح لك باب المتاب (التوبة)، فاذا ناديته سمع ند اك، واذا ناجيته علم نجواك، فافضيت اليه بحاجتك، وشكوت اليه همومك، واستعنته على امورك، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على اعطائه غيره من : زيادة الاعمار، وصحة الابدان، وسعة الارزاق ‏».
  هذا.. وليس المراد بالدعاء اتكالية الاحلام، وترك العمل الجاد المثمر، فقد كان الانبياء والائمة والصالحون يلتزمون الدعاء، ويجدون في امور الحياة المشروعة في دفع الضرر، وجلب المنفعة.

**************************************************************
(1) في وصيته لولده الامام الحسن ع: نهج البلاغة، شرح محمد عبده: 3/47.

الصحيفة السجادية   ـ 6 ـ

آداب الدعاء
  ذكر من آداب الدعاء :
ان يطهر الداعي طعامه من المحرمات والشبهات(1).
الطهارة (الوضوء او الغسل)(2).
شم الطيب(3).
الرواح الى المسجد(4).
الصدقة(5).
استقبال القبلة(6).
التختم ب(العقيق) و (الفيروزج).. عند الدعاء(7).
اقبال الداعي الى اللّه بقلبه بنية صادقة(8).
حسن الظن باللّه في تعجيل اجابته(9).
رفع اليدين (بالدعاء)(10).
الاسرار بالدعاء (بان يكتم مناجاته مع اللّه عن الاخرين)(11).

**************************************************************
(1) عدة الداعي: ص 371، بحار الانوار: 93/373. (2) سفينة البحار: 1/446.
(3) سفينة البحار: 1/446.
(4) سفينة البحار: 1/446.
(5) سفينة البحار: 1/446.
(6) سفينة البحار: 1/446.
(7) سفينة البحار: 1/447.
(8) بحار الانوار: 93/379.
(9) الكافي، 2/473، بحار الانوار: 93/305.
(10) سفينة البحار: 1/447.
(11) بحار الانوار: 93/312.

الصحيفة السجادية   ـ 7 ـ

الاعتراف بالذنب(1).
تجديد التوبة(2).
الخشوع للّه تعالى(3).
البكاء للّه تعالى، او التباكي.. عند الدعاء(4).
بدء الدعاء ( ان يفتتحه ) بـ : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، وبـ : حمد اللّه والثنا عليه تعالى(5).
التعميم ( مثل ان يقول : اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات )(6).
تقديم الاخوان ( بان يدعو لاخرين غيره.. قبل ان يدعو لنفسه )(7).
تسمية حاجته(8).
ان لا يسال محرما(9).
ان يختم دعاه بـ : الصلاة على محمد وآل محمد(10)، وقول : ما شا اللّه لا قوة الا باللّه(11).
ان يمسح بيديه وجهه وصدره.. عند نهاية الدعاء.

**************************************************************
(1) بحار الانوار: 93/318.
(2) سفينة البحار: 1/446.
(3) عدة الداعي: ص 341، بحار الانوار: 93/305.
(4) سفينة البحار: 1/446.
(5) بحار الانوار: 93/315.
(6) بحار الانوار: 93/313.
(7) بحار الانوار: 93/386.
(8) سفينة البحار: 1/446.
(9) سفينة البحار: 1/446.
(10) الكافي: 2/491، بحار الانوار: 93/311.
(11) سفينة البحار: 1/447.

الصحيفة السجادية   ـ 8 ـ

الاوقات التي يرجى فيها الاجابة
  وذكر من الاوقات التي يرجى فيها الاجابة:
عند الاذان(1).
بين الاذان والاقامة(2).
عند القنوت في الصلاة(3).
بعد الصلاة الواجبة(4).
بين الصلاتين(5).
بعد الفراغ من صلاة الليل(6).
في السحر الى طلوع الشمس(7).
في ساعة آخر النهار من يوم الجمعة(8).
عند قر اة القرآن(9).
عند رؤية الهلال(10).
عند نزول المطر(11).
في ليلة القدر.
عند قطع العلائق عما دون اللّه تعالى(12).

  وذكر من الادعية المستجابة:
دعا المريض لعائده(13).
دعا الوالدين لولدهما، وبالعكس(14).

**************************************************************
(1) سفينة البحار: 1/446.
(2) سفينة البحار: 1/447.
(3) سفينة البحار: 1/447.
(4) سفينة البحار: 1/447.
(5) سفينة البحار: 1/447.
(6) سفينة البحار: 1/447.
(7) سفينة البحار: 1/447.
(8) سفينة البحار: 1/447.
(9) سفينة البحار: 1/447.
(10) سفينة البحار: 1/447.
(11) سفينة البحار: 1/447.
(12) عدة الداعي: ص‏355، بحار الانوار: 75/107.
(13) بحار الانوار: 81/217.
(14) بحار الانوار: 74/77.

الصحيفة السجادية   ـ 9 ـ

وروي ان : ( دعوة المظلوم ليس لها حجاب دون العرش ).
( اسرع الدعاء نجح للاجابة.. دعاء الاخ لاخيه بظهر الغيب ).
وعن رسول اللّه (ص) : ( دعاء اطفال امتي مستجاب ما لم يقارفوا الذنوب ).
وروي ان الامام الصادق (ع) كان (اذا احزنه امر.. جمع النساء والصبيان ، ثم دعا، و امنوا) اي قالوا : آمين.
وروي عن الامام الصادق (ع) : ( ان تفسير قولك : آمين: رب افعل ).
وورد في الحديث.. الحث ( على الدعاء لحسن العاقبة، وعدم الزيغ عدم الميل عن الايمان والحق .. ).

الذنوب التي ترد الدعاء
  روي عن علي بن الحسين(ع) : ( اءعوذ بك من الذنوب التي ترد الدعاء ).
  وعنه(ع) : (الذنوب التي ترد الدعاء : سوء النية، وخبث السريرة، والنفاق مع الاخوان، وترك التصديق بالاجابة، وتاخير الصلوات المفروضة حتى تذهب اوقاتها) (1).
  وورد.. ان العبد اذا دعا اللّه تبارك وتعالى بنية صادقة وقلب مخلص.. استجيب له، بعد وفائه بعهد اللّه عز وجل، واذادعا اللّه بغير نية واخلاص لم يستجب له، اليس اللّه يقول : (أَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) (2) ؟ فمن وفى وفي‏له (3).
  وروي عن النبي(ص) : لتامرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، او ليسلطن اللّه شراركم على خياركم، فيدعوا خياركم، فلايستجاب لهم.
  وقد الف العلما في فضل الدعاء وآدابه وفي الادعية الماثورة عن آل البيت(ع).. كثيرا من الكتب من مطولة ومختصرة.
  وورد.. جواز ان يدعى بكل دعاء مشروع، والرخصة في تاءليفه.
  وتاتي ادعية (الصحيفة السجادية) للامام علي بن الحسين(ع).. دروسا عالية في التربية الذاتية.

**************************************************************
(1) عدة الداعي: ص 154.
(2) سورة البقرة، الاية: 40 .
(3) سفينة البحار: 1/449.

الصحيفة السجادية   ـ 10 ـ

الامام علي بن الحسين (ع)
  علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب(ع) (زين العابدين)، رابع الائمة الاثني عشر، يضرب به المثل في الحلم والورع .
  ولد في المدينة (الحجاز) سنة (38) ، ونشا تحت رعاية ابيه الحسين (ع) ، شهد ماساة كربلا، ولكن المرض الشديد حال ‏دون اشتراكه في معاركها الدامية، واكب مسير العائلة بعد الفاجعة الى الكوفة، ومنها الى الشام فالمدينة.
كانت اقامته في المدينة، وكان فيها المفزع للمهمات، تميز بانجازاته في تحرير العبيد، وحيث كان الغاية في العبادة في‏عصره.. سماه الناس (زين العابدين) ، ولكثرة سجوده للّه.. سموه (السجاد).
  وكانت سيرته الزكية الطاهرة ثورة صامتة، عمل على رجوع مجتمع الناس الى الفضائل بالمحبة والرضا، ففتح باب‏الدعاء، ودخل منه الى اداء رسالته الانسانية، وصاغ مجموعة من الادعية (الصحيفة السجادية) ذات الاثر الكبير في‏التربية الذاتية.
  توفي سنة (95) ، ودفن في (البقيع) في المدينة (الحجاز) ، خلف تراثا فكريا ساميا.. منه: (الصحيفة السجادية) و(رسالة الحقوق).

الصحيفة السجادية   ـ 11 ـ

الصحيفة السجادية وجه تسميتها.. سندها.. بعض ما يتعلق بها
  تسمى ( الصحيفة الكاملة ) (1)، وتشتهر اليوم بـ ( الصحيفة السجادية ) لانها منسوبة الى من اشتهر بكثرة السجود للّهتعالى، وهو الامام السجاد زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام).
  سند ( الصحيفة ) تواترت ( الصحيفة السجادية ) من عدة طرق، ومثل بعض العلماء (2) لما يكون في متنه ما يشهد بكونه من الائمة (ع ) بـ (الصحيفة السجادية ) .
  وقد مضى عليها ثلاثة عشر قرنا، وهي انيس الزهاد والصالحين، ومرجع مشار اليه عند مشاهير العلماء والمصنفين.
  تسالم مشايخ الاجازة والاخيار على قر اة ادعيتها، واتفقوا على الاعتماد عليها، ولمزيد الاهتمام بها.. افردوها بالاجازة، فبالاضافة الى ذكرها في ط‏ي اجازات الرواية الشاملة، فقد جاءت عدة اجازات رواية من العلما في خصوص ( الصحيفة )، ولي اسانيد عديدة الى روايتها.
  وتكرر اسم ( الصحيفة ) ورجالها في كتب الحديث والرجال، ونقل عنها اعلام المصنفين في مثل هذا الشان، وممن اشاراليها وهم كثير:
  1- محمد بن محمد النعمان المفيد (338 413 ) في ( الارشاد ).
  2- ابو المفضل الشيباني في كتابه ( كفاية الاثر ).
  3- احمد بن علي النجاشي ( 372 450 ) في كتابه المعروف بـ ( رجال النجاشي ) (3).
  4- محمد بن الحسن الطوسي ( 385 460 ) في كتابه المعروف ب ( فهرست الشيخ الطوسي ) (4)، وكتابه‏المعروف بـ ( رجال الشيخ الطوسي ).
  وممن نقل من ادعيتها وهم كثير:
  أ- محمد بن الحسن الطوسي ( 385 460 ) في كتابه ( مصباح المتهجد ) (5).
  ب‏- علي بن طاووس ( 589 644 ) في كتابه ( الاقبال ) و ( فتح الابواب ) (6).
  ج‏- محمد بن مكي ( الشهيد الاول 734 786 ) في كتابه ( المزار ).
  د- ابراهيم بن علي الكفعمي في كتابه (البلد الامين) (7) الذي فرغ من تاليفه سنة 868 .
ولـ ( لصحيفة السجادية ) شروح ، وعليها تعاليق ،.. ما يربو على اربعين ، منها:
  شرح السيد علي خان.. علي بن احمد المدني ( 1054 1119 ).
  وقد طبعت ( الصحيفة ) عدة طبعات مفردة ومع شروحها.

**************************************************************
(1) الصحيفة: الكتاب صحاح اللغة، ووصفها بالكاملة لكمالها فيما الفت له‏رياض السالكين.
(2) منهم الوحيد البهبهاني حدود 1118ه ، حدود 1208ه.
(3) ص 380.
(4) ص 171.
(5) ص 320.
(6) ص 197.
(7) ص 364، وفي كتابه‏المصباح ص 610.

الصحيفة السجادية   ـ 12 ـ

  واستدرك على ( الصحيفة ) جماعة، كل جمع ما استطاع.. من ادعية الامام زين العابدين (ع) مما لم يذكره الجامع السابق مما ليس في ( الصحيفة السجادية ) والموجودة بين ايدينا ثمانية استدراكات، منها:
  ( الصحيفة الثانية ) للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي ( 1033 1104 ) صاحب ( الوسائل ).
  وقد اشتهرت ( الصحيفة ) منذ القرون الهجرية الاولى، و اكب اهل العلم على استنساخها ومقابلتها و اخذ الاجازة على‏روايتها، ونقل : انتهى الامر في بعض الاقطار والازمنة.. الى انه لم يكن دار فيها ( القرآن الكريم ) الا ومعه نسخة من ( الصحيفة السجادية ).
  كما ان (الصحيفة) لا تزال من الكتب الدراسية في بعض مناطق الهند، يدرسها اعلامهم.
  مستوى ( الصحيفة السجادية ) و اثرها في التربية الذاتية ( الصحيفة السجادية ) من اغلا التراث الانساني، و انفس ذخائر الفكر البشري، كما هي من اعلا اساليب البيان العربي:
  معاني جسيمة، بجمال اسلوب وعبارات قصيرة، قريبة من اذهان الداعين.   وهي بعد ( القرآن الكريم ).. تالية لـ ( نهج البلاغة ) في تصوير الخطوط العامة للفكر الاسلامي في العقائد والاخلاق.
  تهدف ‏ادعيتها الى توعية الانسان وحمايته من الغفلة والضياع.. والى صياغته بشكل محترم، جاهدا لخيره وسعادة اسرته ‏ومجتمعه في خضم الحضارة المتطورة، وذلك.. عن طريق :
  توضيح الرؤية لبداية الانسان، وواقعه وسط هذا الكون الواسع، ومستقبله الرهيب.
تاصيل الشعور بالجزأ الدقيق.
  تاكيد الشعور بالرقابة القوية على مجموع تصرفاته الكبيرة والصغيرة :
  اله الكون.. ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ ألاََعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ).
  الملائكة.. ( الموكلون بالانسان يسجلون حسناته وسيئاته ).
  الجوارح.. ( اعضاء الانسان تشهد عليه يوم القيامة ).
  تذكر الصورة الحية التي سيشاهدها الانسان يوم القيامة لكل حياته الدنيوية.. امام الاشهاد.
  عرض ذلك بصور منوعة، و اسلوب ايحائي بالغ، وكان الداعي يرى امامه الهوة العميقة والعذاب الشديد الذي ينتظره ‏عند الجنوح ومخالفة شريعة اللّه.. شريعة الاسلام، ويرى.. بوضوح هناءه ونعيمه.. مع اسرته ومجتمعه.. في الدنياوالاخرة.. وبشكل يفوق الاماني المحدودة، وذلك عند الالتزام بشريعة الاسلام.
  ما يجعل لدى الانسان قناعة ذاتية بضرورة الانضباط والدقة والمتابعة في الانضباط ، ويكون الانسان اذ ذاك اداة‏ صالحة لخير المجتمع البشري.. ( الشر منه مامون.. والخير منه مامول ).

الصحيفة السجادية   ـ 13 ـ

مناجاة السر
  حين يغتر الانسان بنفسه.. يظلم، ويتعدى، ويراوغ، ويحسب انه لم يفعل الا ما ينبغي له.
  ومناجاة السر هي السبيل لتهذيبه، يختلي بنفسه، يفكر فيها، يحاسبها، وخير طريق لهذه المناجاة والمحاسبة ان يواظب ‏على قراة ادعية (الصحيفة السجادية) الادعية التي تصل بمعانيها الى اعماق النفس مع التوجه الى اللّه، وتدبرالمعاني، وملاحظة آداب الدعاء ... لتلمس الانسان مواقع الغرور والاحترام في نفسه، وتعرفه سر العبادة، ولذة مناجاة اللّه تعالى، وتبعث فيه روح التضحية‏في سبيل الحق، وتلقنه ما يجب عليه ان يعمله لدنياه وآخرته، ويبعده عن المفاسد والاهواء .
  وكل هذه الادعية مما اجرى اللّه تعالى على لسان قائلها (ع) حينما كان يخلو به سبحانه ، ويذكره.
  وعندما يهتدي الناس بما تثيره هذه الادعية في معانيها العالية .. ستنعدم المفاسد المثقلة بها الارض، فالعيش في جو(الصحيفة السجادية) عند متابعة تلاوة ادعيتها واحدا بعد آخر.. ينقل الانسان من مرحلة جانبية الى مرحلة عالية جدا ، ويشده ذاتيا وبفرح، وشعور بمسؤولية .. الى ما يقتضيه ان يسير عليه.
  فهي.. مدرسة تربوية ، تعد الانسان لاستثمار حياته وسعادة دنياه ، وضمان مستقبله في تلك الرحلة الرهيبة بعد الموت.
  و( الصحيفة).. بعد.. كافلة لانواع ما يحتاج الانسان ان يناجي به ربه، حسب مقتضى الازمنة والاحوال .. وراعية لاوقات‏استجابة الدعاء ، وللافعال التي يستجاب الدعاء بعدها ، او حين الاشتغال بها (1).

**************************************************************
(1) نقل عن ابن الجوزي في خصائص الائمة انه قال في حق سيد الساجدين ما محصله: ان علي بن الحسين زين العابدين (ع) له حق التعليم في الاملاء والانشاء وكيفية‏المكالمة والمخاطبة وعرض الحوائج الى اللّه تعالى، فانه لولاه لم يعلم المسلمون كيف يتكلموا معه سبحانه في حوائجهم، فان هذا الامام (ع) علمهم بانه: متى ما استغفرت.. فقل‏كذا، ومتى ما استسقيت.. قل كذا، ومتى ما خفت من عدو.. قل كذا...الخ.

الصحيفة السجادية   ـ 14 ـ

ظاهرة (الصحيفة السجادية)
والظاهرة التي تتضح من (الصحيفة السجادية) هي بيان :
  1 ـ اصول العقائد التوحيد النبوة المعاد.
  2 ـ تهذيب الاخلاق بتعداد الامراض الاخلاقية ومعالجتها، وسوق الداعي بهذه الادعية الى الترفع عن مساوى‏ء الافعال، لتنقية ضميره وتطهير قلبه .
  3 ـ بحث الحقوق الاجتماعية حقوق الوالدين ، الاولاد ، الجيران ، الاقارب ، الاصدقا ، من تستعملهم في مصالحك ، المسلمين عامة ، الناس كافة ، والحقوق ازاء الفقراء والدائنين.
  وتاكيد وجوب حقوق الاخرين ، ومعاونتهم والشفقة والرأفة من بعض الناس لبعض ، والايثار فيما بينهم ، تحقيقا لمعنى‏الاخوة الاسلامية ، ما ينبه المرء للرجوع الى نفسه والعمل بما يجب .. ان تخلف عن بعض الواجبات .
  4 ـ اشاعة الروح الاممية وحب الخير للناس اجمعين، تلك النظرة الانسانية الشمولية، التي تقرب بين الناس، وتقر الالفة ، وتمحو الفوارق الطبقية والاقليمية و امثالها .. من الانانيات الضيقة او الموسعة .. مهلكة الانسان .
  وتنبيه النفوس على لزوم سلامة النية مع جميع الناس، وطلب السعادة لكل احد.
  5 ـ كيفية ملاقاة حالات المكاره، والحوادث، والمرض، والصحة.
  6 ـ واجبات الجيوش الاسلامية وواجبات الناس معها .
  كل ذلك باسلوب المناجاة.
  فحري بنا ان نوالي قر اة هذه (الصحيفة) المباركة، وناخذها للعمل والتطبيق.

الصحيفة السجادية   ـ 15 ـ

جهدي مع (الصحيفة السجادية)
  في التقديم .. اوضحت الامور التي يلزم ان تصير لدى المناجين ، ليكونوا على بينة عند قيامهم بالدعاء ، وليصلوا الى‏مقاصدهم المشروعة ، وهم على وضوح رؤية .
  وفي الشرح .. رغبت ان لا اطيل على جماهير الداعين بالتفصيل والبحوث التي تستحقها (الصحيفة) ، فذلك له مقام‏آخر.. يقرؤه البعض ، وقد حرصت على ان تستفيد الملايين من نفس (الصحيفة) ، ومن كلام الامام(ع) ، لهذا بينت في .. الشرح .. القدر الضروري او شبهه، كي تكون المعاني لدى الداعين، وليعيشوا الجو القدسي .. لا ان يقرؤوا الفاظا لايعرفوا بعضها كالنقط المظلمة المعمات .
وفي الاخراج .. اخذت بـ :
1 ـ وضع (الفارزة) بين الجمل.. مع بعض وسائل الايضاح.
2 ـ الفصل والترتيب بين المقاطع والعبارات، ليستسيغها القراء ، ويسهل على المناجين فهم المعاني ، ومتابعتها بيسرومحبة .. من دون افراط ممل في ذلك .
3 ـ الاخراج الفني الطباعي.
  سائلا المولى سبحانه وتعالى ان يتقبل مني هذا الجهد خالصا لوجهه الكريم.

الصحيفة السجادية   ـ 16 ـ

إسناد الصحيفة
  بسم اللّه الرحمن الرحيم
  حدثنا (1) السيد الاجل ، نجم الدين ، بهاء الشرف ، ابو الحسن : محمد بن الحسن بن احمد بن علي بن محمد بن عمربن يحيى العلوي الحسيني ( رحمه اللّه ) ، قال : اخبرنا الشيخ السعيد ابو عبداللّه : محمد بن احمد بن شهريار ، الخازن‏لخزانة مولان امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) في شهر ربيع الاول من سنة ست عشرة وخمسمائة قر اة‏عليه و انا اسمع ، قال : سمعتها على الشيخ الصدوق ابي منصور : محمد بن محمد بن احمد بن عبد العزيز العكبري ‏المعدل ( رحمه اللّه ) عن ابي المفضل : محمد بن عبداللّه بن المطلب الشيباني ، قال : حدثنا الشريف ابو عبداللّه : جعفربن محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليهم السلام ) ، قال : حدثنا عبداللّه بن عمر بن خطاب الزيات سنة خمس وستين ومائتين ، قال : حدثني خالي : علي بن النعمان الاعلم ، قال : حدثني عمير بن متوكل الثقفي البلخي عن ابيه : متوكل بن هارون ، قال : لقيت يحيى بن زيد بن علي ( عليه السلام ) وهو متوجه الى خراسان ، بعد قتل ابيه ، فسلمت عليه ، فقال لي : من اين اقبلت ؟ قلت : من الحج.
  فسالني : عن اهله وبني عمه بالمدينة ، و احفى السؤال عن جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) .
  فاخبرته : بخبره وخبرهم وحزنهم على ابيه زيد بن علي ( عليه السلام ) .
  فقال لي : قد كان عمي محمد بن علي ( عليه السلام ) اشار على ابي بترك الخروج ، وعرفه ان هو خرج وفارق المدينة مايكون اليه مصير امره ، فهل لقيت ابن عمي جعفر بن محمد (عليهما السلام) ؟ قلت : نعم .
  قال : فهل سمعته يذكر شيئا من امري ؟ قلت : نعم .
  قال : بم ذكرني ؟ خبرني .
  قلت : جعلت فداك ، ما احب ان استقبلك بما سمعته منه .
  فقال : ابالموت تخوفني ؟ ! هات ما سمعته .
  فقلت : سمعته يقول : انك تقتل وتصلب كما قتل ابوك وصلب .
  فتغير وجهه ، وقال : ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) ، يا متوكل .. ان اللّه عز وجل اءيد هذا الامر بنا ، وجعل لنا العلم والسيف ، فجمعا لنا ، وخص بنو عمنا بالعلم وحده .
  فقلت : جعلت فداك ، اني ر ايت الناس الى ابن عمك جعفر ( عليه السلام ) اميل منهم اليك والى ابيك .
  فقال : ان عمي محمد بن علي وابنه جعفر ( عليهما السلام ) دعوا الناس الى الحياة ، ونحن دعوناهم الى الموت .
  فقلت : يا بن رسول اللّه .. اهم اعلم ، ام انتم ؟ فاطرق الى الارض مليا ، ثم رفع ر اسه ، وقال : كلنا له علم ، غير انهم يعلمون كل ما نعلم ، ولا نعلم كل ما يعلمون ، ثم قال‏لي : اكتبت من ابن عمي شيئا ؟ قلت : نعم .
  قال : ارنيه .
  فاخرجت اليه وجوها من العلم ، و اخرجت له دعاء املاه علي .. ابو عبداللّه ( عليه السلام ) وحدثني ان اباه محمد بن‏علي ( عليهما السلام ) املاه عليه ، و اخبره انه من دعا ابيه علي بن الحسين ( عليهما السلام ) من دعا ( الصحيفة‏الكاملة ) .
  فنظر فيه يحيى حتى اتى على آخره ، وقال لي : اتاذن في نسخه ؟ فقلت : يا بن رسول اللّه اتستاذن فيما هو عنكم ؟ فقال : اما لاخرجن اليك صحيفة من الدعاء الكامل ، مما حفظه ابي عن ابيه ، وان ابي اوصاني بصونها ومنعها غيراهلها .
  قال عمير : قال ابي : فقمت اليه فقبلت ر اسه ، وقلت له : واللّه يا بن رسول اللّه اني لادين اللّه بحبكم وطاعتكم ، واني لارجوان يسعدني في حياتي ومماتي بولايتكم .
  فرمى صحيفتي التي دفعتها اليه الى غلام كان معه ، وقال : اكتب هذا الدعاء بخط بين حسن ، واعرضه علي ، لعلي احفظه ، فاني كنت اطلبه من جعفر ( حفظه اللّه ) فيمنعنيه .
   قال متوكل : فندمت على ما فعلت ، ولم ادر ما اصنع ، ولم يكن ابو عبداللّه ( عليه السلام ) تقدم الي الا ادفعه الى احد.
  ثم دعا (2) بعيبة (3) ، فاستخرج منها صحيفة مقفلة مختومة ، فنظر الى الخاتم وقبله وبكى ، ثم فضه وفتح القفل ، ثم نشر الصحيفة ، ووضعها على عينه ، و امرها على وجهه ، وقال : واللّه يا متوكل لولا ما ذكرت من قول ابن عمي انني‏اقتل واصلب .. لما دفعتها اليك ، ولكنت بها ضنينا ، ولكني اعلم ان قوله حق ، اخذه عن آبائه ، و انه سيصح ، فخفت ان‏ يقع مثل هذا العلم الى بني امية فيكتموه ، ويدخروه في خزائنهم لانفسهم ، فاقبضها ، واكفنيها ، وتربص بها ، فاذا قضى اللّهمن امري و امر هؤلاء القوم ما هو قاض ، فهي امانة لي عندك حتى توصلها الى ابني عمي : محمد وابراهيم ابني عبداللّه بن الحسن بن الحسن بن علي ( عليهما السلام ) ، فانهما القائمان في هذا الامر بعدي .

**************************************************************
(1) القائل ((حدثنا)) في اول هذا السند.. هو عميد الرؤساء رضي الدين، ابو منصور هبة الدين حامد الحلي المتوفى 609 تلخيص الرياض.
(2) دعا .. نادى .
(3) العيبة .. المستودع كالصندوق.

الصحيفة السجادية   ـ 17 ـ

  قال المتوكل : فقبضت الصحيفة ، فلما قتل يحيى بن زيد صرت الى المدينة ، فلقيت ابا عبداللّه ( عليه السلام ) فحدثته‏ الحديث عن يحيى .
  فبكى ، واشتد وجده به ، وقال : رحم اللّه ابن عمي ، و الحقه ببائه و اجداده ، واللّه يا متوكل .. ما منعني من دفع الدعاء اليه‏ الا الذي خافه على صحيفة ابيه ، و اين الصحيفة ؟ فقلت : هاهي .
  ففتحها .. وقال : هذا واللّه خط عمي زيد ودعا جدي علي بن الحسين ( عليهما السلام ) ، ثم قال لابنه : قم يا اسماعيل ‏فائتني بالدعاء الذي امرتك بحفظه وصونه ، فقام اسماعيل ، فاخرج صحيفة كانها الصحيفة التي دفعها الي يحيى بن‏زيد ، فقبلها ابو عبداللّه ، ووضعها على عينه ، وقال : هذا خط ابي واملا جدي ( عليهما السلام ) بمشهد مني .
  فقلت : يا بن رسول اللّه .. ان ر ايت ان اعرضها مع صحيفة زيد ويحيى ؟ فاذن لي في ذلك ، وقال : قد ر ايتك لذلك اهلا .
  فنظرت واذا هما امر واحد ، ولم اجد حرفا منهما يخالف ما في الصحيفة الاخرى ، ثم استاذنت ابا عبداللّه ( عليه‏السلام ) في دفع الصحيفة الى ابني عبداللّه بن الحسن .
  فقال : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) ، نعم ، فادفعها اليهما .
  فلما نهضت للقائهما ، قال لي : مكانك ، ثم وجه الى محمد وابراهيم فجاء ، فقال هذا ميراث ابن عمكما يحيى من ابيه ، قد خصكما به دون اخوته ، ونحن مشترطون عليكما فيه شرطا .
  فقالا : رحمك اللّه ، قل ، فقولك المقبول .
  فقال : لا تخرجا بهذه الصحيفة من المدينة .
  قالا : ولم ذلك ؟ قال : ان ابن عمكما خاف عليها امرا اخافه انا عليكما .
  قالا : انما خاف عليها حين علم انه يقتل .
  فقال ابو عبداللّه ( عليه السلام ) : و انتما فلا تامنا ، فواللّه اني لاعلم انكما ستخرجان كما خرج ، وستقتلان كما قتل .
  فقاما ، وهما يقولان : لا حول ولا قوة الا باللّه العلي العظيم .
  فلما خرجا .. قال لي ابو عبداللّه ( عليه السلام ) : يا متوكل .. كيف قال لك يحيى .. ان عمي محمد بن علي وابنه جعفرادعوا الناس الى الحياة ، ودعوناهم الى الموت ؟ قلت : نعم اصلحك اللّه ، قد قال لي ابن عمك يحيى : ذلك .
  فقال : يرحم اللّه يحيى ، ان ابي حدثني عن ابيه عن جده عن علي ( عليه السلام ) : ان رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وآله وسلم ) اخذته نعسة وهو على منبره ، فر اى في منامه رجالا ينزون على منبره نزو القردة ، يردون الناس على اعقابهم القهقري ، فاستوى رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وآله وسلم ) جالسا والحزن يعرف في‏وجهه ، فأتاه جبرئيل ( عليه السلام ) بهذه الاية : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ) .. يعني بني امية .
  قال : يا جبرئيل اعلى عهدي يكونون ، وفي زمني ؟ قال : لا ، ولكن تدور رحى الاسلام من مهاجرك ، فتلبث بذلك عشرا ، ثم تدور رحى الاسلام على راس خمسة وثلاثين‏ من مهاجرك ، فتلبث بذلك خمسا ، ثم لابد من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها ، ثم ملك الفراعنة ، قال : و انزل اللّه تعالى في ذلك : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ × وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ× لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (1) .. يملكها بنو امية ليس فيها ليلة القدر .
  قال : فاطلع اللّه عز وجل نبيه ( عليه السلام ) : ان بني امية تملك سلطان هذه الامة وملكها طول هذه المدة ، فلو طاولتهم‏ الجبال لطالوا عليها حتى ياذن اللّه تعالى بزوال ملكهم ، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا اهل البيت وبغضنا ، اخبر اللّهنبيه بما يلقى اهل بيت محمد و اهل مودتهم وشيعتهم منهم في ايامهم وملكهم .
  قال : و انزل اللّه تعالى فيهم : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ × جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ) ، ونعمة اللّه محمد و اهل بيته ، حبهم ايمان يدخل الجنة ، وبغضهم كفر ونفاق يدخل النار ، فاسر رسول اللّه ( صلى اللّه عليه‏وآله ) ذلك الى علي و اهل بيته .
  قال : ثم قال ابو عبداللّه ( عليه السلام ) : ما خرج ولا يخرج منا اهل البيت الى قيام قائمنا احد ليدفع ظلما او ينعش حقا الا اصطلمته (2) البلية ، وكان قيامه زيادة في مكروهن وشيعتنا .

**************************************************************
(1) سورة القدر، الايات: 1 الى 3.
(2) اصطلمته ... استاصلته .. من الصلم : وهو القطع المستاصل.

الصحيفة السجادية   ـ 18 ـ

  قال المتوكل بن هارون : ثم املى علي ابو عبداللّه (عليه السلام) الادعية، وهي خمسة وسبعون بابا ، سقط عني منها احد عشر بابا ، وحفظت منها نيفا وستين بابا .
  وحدثنا ابو المفضل قال : وحدثني محمد بن الحسن بن روزبه ابو بكر المدائني الكاتب نزيل الرحبة في داره ، قال : حدثني محمد بن احمد بن مسلم المطهري ، قال : حدثني ابي عن عمير بن متوكل البلخي عن ابيه المتوكل بن هارون ، قال : لقيت يحيى بن زيد بن علي (عليهما السلام) فذكر الحديث بتمامه الى رؤيا النبي ( صلى اللّه عليه وآله ) التي ذكرهاجعفر بن محمد عن آبائه ( صلوات اللّه عليهم ) ، وفي رواية المطهري ذكر الابواب ، وهي :
1 ـ التحميد للّه عز وجل.
2 ـ الصلاة على محمد وآله.
3 ـ الصلاة على حملة العرش.
4 ـ الصلاة على مصدقي الرسل.
5 ـ دعاؤه لنفسه وخاصته.
6 ـ دعاؤه عند الصباح والمساء.
7 ـ دعاؤه في المهمات.
8 ـ دعاؤه في الاستعاذة.
9 ـ دعاؤه في الاشتياق.
10 ـ دعاؤه في اللجا الى اللّه تعالى .
11 ـ دعاؤه بخواتم الخير.
12 ـ دعاؤه في الاعتراف.
13 ـ دعاؤه في طلب الحوائج.
14 ـ دعاؤه في الظلامات.
15 ـ دعاؤه عند المرض.
16 ـ دعاؤه في الاستقالة.
17 ـ دعاؤه على الشيطان.
18 ـ دعاؤه في المحذورات.
19 ـ دعاؤه في الاستسقا.
20 ـ دعاؤه في مكارم الاخلاق.
21 ـ دعاؤه اذا حزنه امر.
22 ـ دعاؤه عند الشدة.
23 ـ دعاؤه بالعافية.
24 ـ دعاؤه لابويه.
25 ـ دعاؤه لولده.

الصحيفة السجادية   ـ 19 ـ

26 ـ دعاؤه لجيرانه و اوليائه.
27 ـ دعاؤه لاهل الثغور.
28 ـ دعاؤه في التفزع.
29 ـ دعاؤه اذا قتر عليه الرزق.
30 ـ دعاؤه في المعونة على قضا الدين.
31 ـ دعاؤه بالتوبة .
32 ـ دعاؤه في صلاة الليل.
33 ـ دعاؤه في الاستخارة.
34 ـ دعاؤه اذا ابتلي او ر اى مبتلى بفضيحة بذنب .
35 ـ دعاؤه في الرضا بالقضا .
36 ـ دعاؤه عند سماع الرعد.
37 ـ دعاؤه في الشكر.
38 ـ دعاؤه في الاعتذار.
39 ـ دعاؤه في طلب العفو.
40 ـ دعاؤه عند ذكر الموت.
41 ـ دعاؤه في طلب الستر والوقاية.
42 ـ دعاؤه عند ختمه القرآن.
43 ـ دعاؤه اذا نظر الى الهلال.
44 ـ دعاؤه لدخول شهر رمضان.
45 ـ دعاؤه لوداع شهر رمضان.
46 ـ دعاؤه لعيد الفطر والجمعة.
47 ـ دعاؤه في يوم عرفة.
48 ـ دعاؤه في يوم الاضحى والجمعة.
49 ـ دعاؤه في دفع كيد الاعداء.
50 ـ دعاؤه في الرهبة.
51 ـ دعاؤه في التضرع والاستكانة.
52 ـ دعاؤه في الالحاح.
53 ـ دعاؤه في التذلل.
54 ـ دعاؤه في استكشاف الهموم.

الصحيفة السجادية   ـ 20 ـ

  وباقي الابواب بلفظ ابي عبداللّه الحسني (رحمه اللّه) حدثنا ابو عبداللّه جعفر بن محمد الحسني ، قال : حدثنا عبداللّه بن‏عمر بن خطاب الزيات ، قال حدثني خالي علي بن النعمان الاعلم ، قال : حدثني عمير بن متوكل الثقفي البلخي عن ابيه‏متوكل بن هارون ، قال : املى علي سيدي الصادق ابو عبداللّه جعفر بن محمد ، قال : املى جدي علي بن الحسين على‏ابي محمد بن علي (عليهم اجمعين السلام) بمشهد مني :

1 ـ بالدعاء بداء .. بالتحميد للّه عز وجل والثناء عليه
  وكان من دعائه عليه السلام اذا ابتدا بالدعاء بداء .. بالتحميد للّه عز وجل والثناء عليه فقال : الحمد للّه الاول بلا اءول كان قبله ، والاخر بلا آخر يكون بعده ، الذي قصرت عن رؤيته اءبصار الناظرين، وعجزت عن‏نعته (1) اءوهام الواصفين (2).
  ابتدع (3) بقدرته الخلق ابتداعا ، واخترعهم (4) على مشيته اختراعا ، ثم سلك بهم طريق ارادته (5) ، وبعثهم‏في سبيل محبته (6) ؟ ، لا يملكون تاءخيرا عما قدمهم اليه ، ولا يستطيعون تقدما الى ما اءخرهم عنه.
  وجعل لكل روح منهم قوتا معلوما مقسوما من رزقه ، لا ينقص من زاده ناقص ، ولا يزيد من نقص منهم زائد.
  ثم ضرب له في الحياة اءجلا موقوتا ، ونصب له اءمدا محدودا ، يتخط‏ى اليه باءيام عمره، ويرهقه (7) باءعوام دهره ، حتى اذا بلغ اءقصى اءثره، واستوعب حساب عمره .. قبضه الى ما ندبه اليه (8) من موفور ثوابه ، اءو محذور عقابه ، ( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) ، عدلا منه تقدست (9) اءسمؤه ، وتظاهرت (10) آلاؤه ، (11) ( لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ )(12) .
  والحمد للّه الذي لو حبس عن عباده معرفة‏حمده على ما اءبلاهم (13) من مننه (14) المتتابعة، واءسبغ عليهم (15) من نعمه المتظاهرة .. لتصرفوا في مننه فلم‏يحمدوه ، وتوسعوا في رزقه فلم يشكروه ، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الانسانية (16) الى حد البهيمية (17) ،فكانوا كما وصف في محكم (18) ، كتابه : ( إِنْ هُمْ إلاَّ كألاََنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ).
  والحمد للّه على ما عرفنا من نفسه ، واءلهمنا من شكره (19) ، وفتح لنا من اءبواب العلم بربوبيته ، ودلنا عليه من‏الاخلاص له في توحيده ، وجنبنا من الالحاد (20) والشك في اءمره ، حمدا نعمر به (21) فيمن حمده من خلقه ، ونسبق به من سبق الى رضاه وعفوه ، حمدا يضي‏ء لنا به ظلمات البرزخ (22) ، ويسهل علينا به سبيل المبعث ، ويشرف به منازلنا عند مواقف الاشهاد ، يوم تجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ، .. ( يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا ولاَ هُمْ يُنصَرُونَ ).

**************************************************************
(1) عن نعته: اي عن وصفه كما هو اهله.
(2) اوهام الواصفين: افكارهم، فان الافكار لا تصل الى كنه معرفة اللّه سبحانه.
(3) ابتدع: خلق بلا سابقة وبلا تعلم من احد.
(4) اخترعهم: انشاهم.
(5) سلك بهم طريق ارادته: جعلهم كما اراد في الكيفية والخصوصيات من حيث التكوين.
(6) بعثهم في سبيل محبته : وهبهم محبته ومحبة تعاليمه .. من حيث فطرتهم على الخير.
(7) يرهقه : يدنو اليه.
(8) الى ما ندبه اليه: الى نتيجة ما كلفه به من القيام بالواجبات وترك المحرمات.
(9) تقدست : تنزهت عن النقائص.
(10) تظاهرت : تبينت لكل احد.
(11) آلاؤه: نعمه .
(12) وهم يسالون : هم خلقه .. انه تعالى يسالهم عن افعالهم.
(13) ابلاهم: امتحنهم.
(14) مننه : نعمه .
(15) اسبغ عليهم : اعطاهم بتوسع .
(16) حدود الانسانية المميزة: بالقوة العقلية.
(17) حد البهيمية: الفاقدة للقوة العقلية. والبهيمية : كل ما كان من الحيوان لا يميز .
(18) محكم : المحكم: المستقيم الخال عن الزلل.
(19) الهمنا من شكره : فانه القى في قلوبنا وجوب شكره ، كل انسان يعرف بالفطرة لزوم شكر المنعم.
(20) الالحاد : الانحراف عن الحقيقة.
(21) نعمر به : نعيش اعمارنا به .
(22) البرزخ: العالم الذي يكون بين الموت في الدنيا .. وبين البعث يوم القيامة.