وفي العلل : بعد ذلك بمحمد صلّى الله عليه وآله تقوم الصلاة ، وبعليّ الفلاح ، ويحتمل أن تكون هاتان الفقرتان مفسّرتين للسابقتين ، والغرض بيان
اشتراط قبول الصلاة وصحّتها بولايتهما ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما ورد في بعض الأخبار من تفسير الصلاة والعبادات بهم أي : الصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، والفلاح أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وهما متحدان من نور واحد ، مقرونان قولاً وفعلاً ، وبما فسّر في هذا الخبر يظهر سرّ تلك الأخبار ومعناها ، والضمير في قوله : ( لشيعته ) راجع إلى الرسول ـ على ما في العلل ـ أو إلى عليّ صلوات الله عليهما ، وترك ( حيّ على خير العمل ) الظاهر أنّه من الإمام ، أو من الرواة تقيّة ، ويحتمل أن يكون قرّر بعد ذلك كما مرّ ويؤيده عدم ذكر بقية فصول الأذان ، ويحتمل أن يكون خرق
الأطباق والحجب من تحته ، صلى الله عليه وآله ، أو من فوقه ، أو منهما معاً ، وأيضاً يحتمل أن يكون هذا في السماء الرابعة ، أو بعد عروجه إلى السابعة ، والأخير أوفق بما بعده ، فعلى الأوّل إنّما خرقت الحجب من تحته لينظر إلى الكعبة ، وإلى البيت المعمور ، فلما نظر إليهما وجدهما متحاذين ، متطابقين ، متماثلين ، ولذا قال : ( ولكل مثل مثال ) أي : كلّ شيءٍ في الأرض له مثال في السماء ، فعلى الثاني يحتمل أن تكون الصلاة تحت العرش محاذياً للبيت المعمور بعد النزول ، وعلى التقديرين استقبال الحجر مجازاً ، أي : استقبل ما يحاذيه أو ما يشاكله ويشبهه .
قوله : ( وأنت الحرام ) أي : المحترم المكرم ، ولعله إشارة إلى أن حُرمة البيت إنما هي لحرمتك ، كما ورد في غيره .
قوله : ( صار الوضوء ) في العلل صار أوّل الوضوء ، ويدلّ على استحباب أخذ ماءِ الوضوء أوّلاً باليمنى ، وعلى ما هنا يمكن أن يفهم منه استحباب
الإرادة .
قوله تعالى : ( وعلى عدد حجبي ) وفي العلل بعدد حجبي ، فمن أجل ذلك صار التكبير سبعاً ، لأن الحجب سبعة ، وافتتح القراءة عند انقطاع الحجب ، فمن أجل ذلك صار الافتتاح ستَّة ، والحجب مطابقة ثلاثة بعدد النور الذي نزل على محمد ثلاث مرّات ، فلذلك كان الافتتاح ثلاث مرّات ،
السـلام في القرآن والحديـث
_ 206 _
ومن أجل ذلك كان التكبير سبعاً ، والافتتاح ثلاثاً ، فلمّا فرغ من التكبير والافتتاح قال الله عزّ وجلّ : الآن وصلت إلي فسمّه باسمي ، فقال : ( بسم الله
الرحمن الرحيم ) إلى آخره .
الظاهر : أنّ المراد بالحجب هنا غير السموات ، كما يظهر من سائر الأخبار ، وأنَّ ثلاثة منها متلاصقة ، ثم تفصل بينهما بحار النور ، ثم اثنان منها
متلاصقان ، ثم تفصل بينهما بحار النور ، ثم اثنان ملتصقان ، فلذا استحبّ التوالي بين ثلاث من التكبيرات ، ثم الفصل بالدعاء ، ثم بين اثنين ثم الفصل بالدعاء ، ثم يأتي باثنتين متصلتين ، فكل شروع في التكبير ابتداء افتتاح ، وحمل الوالد العلامة ( ره ) ، الأفتتاح ثلاثاً على تكبيرة الإحرام، التي هي افتتاح القراءة ، وتكبير افتتاح الركوع ، وتكبير افتتاح السجود ، ولعل ما ذكرنا أظهر .
وقوله : ( شكراً ثانياً ) : يحتمل أن يكون كلام الإمام عليه السلام ، أي قال النبي صلّى الله عليه وآله على وجه الشكر : ( الحمد الله ربّ العالمين ) ،
والظاهر أنّه من تتمّة التحميد ، ويؤيد الأول أنه ورد تحميد المأموم في هذا المقام بدون هذه التتمَّة . ويؤيد الثاني أنّه ، صلّى الله عليه وآله ، أضمر شكراً عند قوله : ( الحمد لله ربّ العالمين ) أوّلاً ، ويدلّ على استحباب التحميد في هذا المقام للإمام والمنفرد أيضاً ، ولعله خص بعد ذلك بالمأموم .
قوله عليه السلام : ( قطعت ) لعلّه لمّا كانت سورة الفاتحة بالوحي ، وانقطع الوحي بتمامها ، وحمد الله من قبل نفسه ، قال الله تعالى لما قطعت القراءة
بالحمد فاستأنف البسملة ، فالمراد بالذكر القرآن .
قوله عليه السلام : ( نسبة ربّك ) في العلل ( فقال له اقرأ قل هو الله أحد كما أنزلت ، فإنها نسبتي ونعتي ) فيدلّ على تغيير في سورة التوحيد .
قوله تعالى : ( فإنها نسبتك ) أي : مبينة شرفك وكرامتك ، وكرامة أهل بيتك ، أو مشتملة على نسبتك ، ونسبتهم إلى الناس ، وجهة احتياج الناس إليك وإليهم ، فإن نزول الملائكة والروح بجميع الأمور التي يحتاج الناس
السـلام في القرآن والحديـث
_ 207 _
إليها ، إذا كان إليك وإليهم ، فبهذه الجهة أنهم محتاجون إليك وإليهم .
قوله تعالى : ( إن السلام ) في العلل : ( إني أنا السلام والتحية ) فلعل التحية معطوفة على السلام تفسيراً وتأكيداً .
وقوله ( والرحمة ) مبتدأ أي : أنت المراد بالرحمة ، وذريتك بالبركات ، أو المراد أن كلامهم رحمة وبركات ، ويحتمل أن يكون قوله ( والتحية )
مبتدأ ، وعلى التقادير حاصل المعنى : سلام الله وتحيته ورحمته وشفاعة محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم ودعاؤهم وهدايتهم وإعانتهم عليكم : أي لكم .
قوله : ( تجاه القبلة ) أي من غير التفات إلى اليسار أو اليمين أيضاً كثيراً ، بأن يحمل ما فعله ، صلى الله عليه وآله ، على الالتفات القليل ، ويؤيده قوله
عليه السلام ( أن لا تلتفت يساراً ) وما قيل من أنه رأى الملائكة والنبيين تجاه القبلة ، فسلم عليهم مرة ، لأنهم المقربون ، ليسوا من أصحاب اليمين ، ولا من أصحاب الشمال ، فلا يخفى ما فيه ، إذ الظاهر أنهم كانوا مؤتمّين به صلى الله عليه وآله .
قوله عليه السلام : ( كان التكبير في السجود شكراً ) لعل المعنى أنه ، صلى الله عليه وآله ، لما كان هويّه إلى السجود لمشاهدة عظمته ، تجلت له ، كبّر قبل السجود شكراً لتلك النعمة كما قال تعالى : ( ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) (1) أي على ما هدى ، وفي العلل ومن أجل ذلك صار التسبيح في السجود والركوع شكراً وهو أظهر كما لا يخفى .
قوله عليه السلام : ( في صلاة الزوال ) وفي العلل : ( وهي الفرض الأول وهي أول ما فرضت عند الزوال ) ولعل المعنى أن هذه الصلاة التي
فرضت ، وعلمها الله نبيه في السماء ، إنما فرضت وأوقعت أولاً في الأرض عند الزوال ، فلا يلزم أن يكون إيقاعها في السماء عند الزوال ، مع أنه
--------------------
(1) البقرة : 185 .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 208 _
يحتمل أن يكون النبي ، صلى الله عليه وآله ، في ذلك الوقت محاذياً لموضع يكون في الأرض وقت الزوال ، لكنه بعيد ، إذ الظاهر من الخبر أنها أوقعت
في موضع كان محاذياً لمكّة ، ولمّا كان الظاهر من الأخبار تعدّد المعراج ، فيمكن حمل هذا الخبر على معراج وقع في اليوم ، وبهذا الوجه يمكن التوفيق بين أكثر الأخبار المختلفة الواردة في كيفية المعراج ، ثم إنه يظهر من هذا الخبر أن الصلاة ( لما كانت ) معراج المؤمن ، فكما (1) أن النبي ، صلى الله عليه وآله ، لمّا نفض عن ذيله الأطهر علائق الدنيا ، وتوجه إلى عرش القرب والوصال ومكالمة الكبير المتعال ، وكلّما خرق حجاباً من الحجب الجسمانيّة كبّر الربّ تعالى ، وكشف بسببه حجاباً من الحجب العقلائية حتى وصل إلى العرش (2) العظمة والجلال ، ودخل مجلس الأنس والوصال ، فبعد رفع الحجب المعنوية بينه وبين مولاه كلمه وناجاه ، فاستحقّ لأن يتجلّى له نور من أنوار الجبروت ، فركع وخضع لذلك النور ، فاستحقّ أن يتجلى عليه نور أعلى منه ، فرفع رأسه وشاهده وخر ساجداً لعظمته ، ثم بعد طيِّ تلك المقامات ، والوصول إلى درجة الشهود والاتصال بالربّ الودود ، رفع له الأستار من البين ، وقربه إلى مقام قاب قوسين ، فأكرمه بان يقرن اسمه باسمه في الشهادتين ، ثم حباه بالصلاة عليه ، وعلى أهل بيته المصطفين ، فلمّا لم يكن بعد الوصول إلا السلام ، أكرمه بهذا الإنعام ، وأمره أن يسلّم على مقرّبي جنابه ، الذين فازوا قبله بمثل هذا المقام تشريفاً لهم بإنعامه ،
وتأليفاً بين مقرّبي جنابه ، أو أنّه لمّا أذنه بالرجوع عن مقام ( لي مع الله ) (3) الذي لا يرحمه فيه سواه ، ولم يكن يخطر بباله غير مولاه ، التفت إليهم فسلَّم عليهم ، كما يؤمي إليه هذا الخبر ، فكذا ينبغي للمؤمن إذا أراد التوجه إلى جنابه تعالى بعد تشبثه بالعلائق الدنيّة ، وتوغّله في العوائق الدنيوية ، أن يدفع ( عنه ) عند الأنجاس الظاهرة والباطنة ، ويتجلى بما يستر
--------------------
(1) يحتمل أن يكون ( فكما ) جواب ( لما ) أي أن الصلاة معراج المؤمن ، كما أن النبي صلى الله عليه وآله أزال العلائق الدنيوية كلها عن نفسه ، أو يكون الجواب ( توجه إلى عرش القرب ... ) والواو زائدة .
(2) كذا ، والصحيح ( عرش العظمة ) .
(3) حديث مشهور لم أجد له مصدراً في مجامع الحديث .
السـلام في القرآن والحديـث
_ 209 _