والاخطل من لا يطعن عليه في العربية ، ولا يمكن تخطئته فيما علم من جهة اللغة ، كان أحد شعراء العرب وفصحائهم ، والمبرزين في معرفة العربية . والكميت بن زيد (1) ، وهو ممن استشهد بشعره في كتاب الله عز وجل ، وأجمع أهل العلم على فصاحته ومعرفته باللغة ، ورئاسته في النظم . ************************************************************** (1) أبو المستهل ، الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد من بني أسد ، شاعر مقدم ، فقيه ، خطيب ، فارس ، شجاع . عالم بلغات العرب ، خبير بأيامها . من شعراء مضر وألسنتها ، ثقة في علمه ، حتى احتج المفسرون في شعره . قال أبو عكرمة الضبي : لولا شعر الكميت لم يكن للغة ترجمان . قال أبو الفرج : ولد أيام مقتل الامام الحسين عليه السلام سنة ستين ومات سنة ست وعشرين ومائة ، وكان مبلغ ، شعره حين مات خمسة آلاف ومائتين تسعة وثمانين بيتا . قال أبو عبيدة : لو لم يكن لبني أسد منقبة غير الكميت لكفاهم . دعا له الامام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام بعد أن سمع منه أبياتا فقال : ( اللهم اغفر للكميت ما قدم وما أخر وما أسر وما أعلن ، واعطه حتى يرضى ) . الاغاني 17 : 41 ، والاعلام 6 : 92 (*). رسالة في معني المولى
![]() قصيدته التي لا يشك أحد من أهل النقل فيها ، والعلم بها من قوله كالعلم بنصرته أمير المؤمنين عليه السلام وحربه أهل صفين والبصرة معه ، وهي التي أولها :
هذا مع صحبته رسول الله صلى الله عليه وآله ، ورئاسته في الانصار ومشاهدته الحال كما قدمنا بدءا . ثم حسان بن ثابت (1) وشعره المشهور في ذلك ، وهو شاعر رسول الله ************************************************************** => في الكوفة ، وكان على مقدمة جيش أمير المؤمنين عليه السلام يوم صفين ، وكان على شرطة الخميس ، ولم يزل قيس بن سعد مع علي عليه السلام حتى استشهد عليه السلام ، فصار مع الامام الحسن بن علي عليه السلام ، فوجهه على مقدمته يريد الشام ، وبعد أن وقعت المعاهدة بين الامام عليه السلام ومعاوية بن أبي سفيان رجع قيس إلى المدينة ، فلم يزل بها حتى توفى في آخر خلافة معاوية ، انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 6 : 52 ، الولاة والكتاب والقضاة : 22 - 20 . (1) أبو الوليد ، حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي => رسالة في معني المولى ![]() ( مولاها ) هي الامة ، لانه عنى بقوله : ( فأصبحت مولاها ) ناصر الامة ، والذاب عنها بولايتك ، هي دون أن يكون عنى الامامة . وكيف يكون مراده في هذا الباب الامامة ، و ( الهاء ) على ما قدمنا كناية عن الامة ، ولو كان أراد ذلك لكان معنى كلامه فأصبحت امام الامة ، وهذا مما لا يتلفظ به عاقل . فأما شعر الكميت الذي ذكر فيه ( مولى ) . فانه لا حجة فيه ، من قبل انه خبر عن اعتقاده في معنى خبر الغدير ، والعرب ليس يعصمها فصاحتها من الغلط في الاعتقاد ، وانما كان يسوغ لك التعلق بالكميت لو ضمن شعره الذي ذكر خبرا عن العرب ، فأما وهو عن عقده كما شاء فليست فيه حجة . وكذلك أيضا ما ذكرته عن قيس ان صح ، فهو خبر عن عقده دون العرب كافة ، واهل الفصاحة عامة . فاما حسان فقد كفينا التعلق به لشهرة مذهبه في أبي بكر وعمر وعثمان مما ينفي ما يدعى عليه في القول بامامة علي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله . فاما ما ذكرت عن الشيعة فلسنا ندفع أكثرهم عن الفصاحة ، ولكنا ندفع جميعهم عن صحة عقد في معنى لفظة ( مولى ) إذا اعتقدوا فيها الامامة ، وإذا كان الامر على ذلك ، فقد صح ما ذهبنا إليه في هذا الباب . فقلت : ما انكرت على من قال لك : ان ما تأولت به شعر الاخطل ، ورمت بالالتجاء إليه افساد تعلقنا به واضح البطلان ، وذلك ان ( الهاء ) انما هي كناية عمن تقدم وصفه دون ما لم يتقدم ، بل لم يجر ذكره البتة . ألا ترى انه قد بدأ بذكر قريش فقال : فما وجدت فيها قريش لامرها ، إلى آخر كلامه رسالة في معني المولى ![]() مع جلالته في اللغة لجاز أن يتوهم على جرير (1) والاخطل ، والفرزدق (2) . بل على من تقدمهم مثل امرئ القيس (3) ، وزهير (4)ونحوهما من شعراء الجاهلية وضع ( رجل ) و ( فرس ) و ( حمار ) على ما لم يضعه أحد من العرب قبلهم عليه ، بل لا ينكر أن يكون من تقدم هؤلاء أيضا قد فعلوا ذلك ومثله ، وهذا هو الذي قدمناه من غلق باب اللغة والحيلة من افساد الشريعة ، وهو يكفي في اسقاط ما ذكرته عن القيس إذ كان شيئا . ************************************************************** (1) جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي من تميم ، ولد باليمامة سنة 28 ومات بها سنة 110 ، قيل : 111 هجرية ، وكان جرير أشعر اهل عصره ، وكان هجاء مرا ، فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والاخطل ، الاغاني 8 : 89 ، خزانة الادب 1 : 36 . (2) همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي ، أبو فراس ، الشهير بالفرزدق شاعر من النبلاء ، من أهل البصرة ، عظيم الاثرة في اللغة ، كان يقال : لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب ، ولولا شعره لذهب نصف أخبار الناس ، له مهاجات مع الاخطل وجرير ، مات في بادية البصرة سنة 110 هجرية وقد قارب المئة ، الاغاني 9 : 224 . (3) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار بن معاوية بن ثور وهو من كندة ، أبو الحارث وقيل : أبو وهب ، اختلف في اسمه فقيل : حندج ، وقيل : مليكة ، وقيل : عدي ، ويقال ان امرأ القيس هو أول من قصد القصائد ، ووضع قواعد للشعر العربي ، كما كان أول من أنشأ القصائد التي يستوقف فيها الشاعر خليليه ليبكيا معه ، وبذلك بعث روحا جديدا في الشعر العربي الذي كان مقصورا على الرجز ، انظر الاغاني 9 : 77 ، دائرة المعارف الاسلامية 2 : 622 . (4) زهير بن ابي سلمى ، واسم أبي سلمى ربيعة بن رياح بن قرة بن الحارث بن مازن ، هو أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء ، قال جرير : شاعر أهل الجاهلية زهير ، الاغاني 10 : 228 (*). رسالة في معني المولى ![]() صحة هذا الشعر منه . فأما قولك : ان الشيعة ليس يدفع فصاحة أكثرها ، غيران ما تدعيه في لفظ ( مولى ) غلط منها من جهل العقد ، فالكلام فيه كالكلام في باب قيس والكميت حرفا بحرف . مع انك قد أغفلت موضع الاعتماد ، وهو انا اعتمدنا انتشارها عن سلفها من أهل الفصاحة ، وعن أهل بيت نبيها عليهم السلام خلفا عن سلف ، إلى أن ينتهي الى من حضر منهم يوم الغدير ، انهم اعتقدوا امامة أمير المؤمنين عليه السلام بالقول ، وفهموها منه ، وعلموها يقينا بقصد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى افهامهم ، واشارته إليها عليهم ، وليس هذا مما يقع الغلط فيه قياسا ولا عقلا ، بل انما يقع ان وقع حسا وسماعا ، وهذا باطل لا محالة ، فيعلم انك لم تعلم مما قلناه شيئا البتة . فقال صاحب المجلس حين انتهيت إلى هذا الموضع : وان شيخنا ـ أعزه الله ـ قد اعتمد أصلا صحيحا ، وهو أن ما طريقه اللغة فسبيل التوصل إليه سلوك طريقه دون التجاوز إلى غيره . وقد رأينا جماعة ممن لا يختلف الناس في معرفتهم باللغة ، ولا يطعن عليهم في علمها ، وقد صنفوا الكتب المرجوع إليها من هذا الباب ، كالخليل بن أحمد (1) ، ************************************************************** (1) أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري قال السيرافي : كان الغاية في استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس فيه ، وهو أول من استخرج العروض ، وحصر أشعار العرب بها ، وعمل اول كتاب ( العين ) المعروف المشهور الذي به يتهيا ضبط اللغة . وقال غيره : روى عن أيوب وعاصم الاحول وغيرهما ، واخذ عنه سيبويه والاصمعي والنضر بن شميل ، وكان خيرا متواضعا ذا زهد وعفاف => . رسالة في معني المولى ![]() زعموا على الكل ، لا من جهة النص . فأما حسان ، فما سمعنا منك قولا عنه فكنا نتامله ، وننظر معناه ، غير انك أضفت إليه في الجملة مثل ما أضفت إلى الكميت ، وهلم ما قال حسان لكي ننظره كما نظرنا ما تقدم . فقلت له : ما أنكرت على من قال لك : ان الذين وصفتهم بمعرفة اللغة ، وجعلتهم أئمة فيها ، وأشرت إلى وجوب الرجوع إليهم فيما تعلق بها ، ليس هم (1) الحجة بانفرادهم دون غيرهم ، ولا كل من عداهم من أهل اللغة راجعا إليهم ، بل لو قالوا قولا بأجمعهم ، وخالفهم عليه مثلهم في العدد أو دونهم ، ممن قد اشتهر أيضا بمعرفة اللغة وان لم يكن له مصنف يأتي به ، لوجب الترجيح عندك بين القولين ، والنظر في المذهبين ، حتى لو انهم أنكروا شيئأ فجاء بصحته رجل من أهل البادية لشاع لمحبه ، ولم يمتنع بانكارهم . وإنما كان يسلم لك ما تعلقت به ، لو كان من عددت وذكرت جميع أهل اللغة المرجوع إليهم ، كيف والذين عددت ، انما هم في جملة أهل اللغة كالجزء الذي لا يتجزأ في أكثر العالم ، فليس لك بهم تعلق مع انك لم تجد عنهم النكير على من جعل ( المولى ) إماما وبمعنى الامام ، ولم ترجع في ذلك إلى شئ من كتبهم ومصنفاتهم ، وانما رجعت خلو الكتب والمصنفات من تسطير ذلك ، وليس خلوها منه دليلا على فساده ، لا سيما وقد بينا اثبات من لا يطعن عليه من أهل اللغة ، ان الامامة بلفظة ( مولى ) ************************************************************** => على ولاية أسلافها الاولى سرا ، وكرهوا أن يشهدوا على اسلافهم بالكفر ، وهم مع ذلك يتولون أبا مسلم ويعظمونه ، وهم الذين غلوا في القول في العباس وولده . (1) (ج) تتم (*). رسالة في معني المولى ![]() كما وصفت جعلت اماما باعتقاد الفضل لا بالقول ، لعلق ما يعنيه به من الولاية على الجميع والرئاسة بذكر الفضل بعينه دون القول الذي لم يوجبه البتة وانما كان على ما زعمت عنده كاشفا عن رتبة بها يستحق ذلك الوصف ، أو كان إذ ذكر القول لا يقتصر عليه في باب الرئاسة دون ما يوجبه من الفضل ، بل يضم أحدهما إلى الآخر . فلما أفرد القول نفسه ، دذ على انه لم يرد ايجاب الامامة بغيره ، كيف وهو مع هذا يعدد في جميع قصائده المشهورة في مدائح بنى هاشم فضله ، الذي بان به من الكل شيئا بعد شئ ، وخصلة بعد خصلة ، ولا يوجب له الامامة عند ذكر شئ فيه بلفظه ، حتى إذا انتهى إلى يوم الغدير بعينه . فالامامة بنفس القول الواقع فيه دون ما سواه ، فهل يخفى هذا الباب (1) على أحد ، أو يمكن تأويله مع ما وصفنا إلا عند إمكان تأويل جميع أقوال الشعراء على غير اغراضهم ، وصرفها بأسرها عن مراداتهم . وأما استشراحك اياي شعر حسان ، فاني لم أنصرف عنه إلى الاجمال (2) إلا لعلمي بشهرته عندكم واستفاضته ، فكان اقتصاري على ما مضى من نظيره في الشهرة من الشعر يغني عن ذكره معينا . فأما إذا رمتم شرحه ، فهو قوله عند نصب رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام في يوم الغدير بعد استئذانه في قول الشعر والاذن له في ذلك على ما جاء في الاخبار (3) . ************************************************************** (1) ليس في نسخة (ج) . (2) في (ج) الاجمال . وفي غيرها : الاكمال . (3) المناقب لاخطب خوارزم : 80 ، وفرائد السمطين 1 : 61 ، ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 47 ، وأرجح المطالب : 567 . رسالة في معني المولى
![]() مستدلا بها على كذب الحاكي ، ولا غلطه . ولو كان ما اعتمدت عليه اعتمادا لاستحال حكاية العربي بالفارسي ، والفارسي بالنبطي ، والعبراني بالسرياني ، وبطلت جميع الحكايات المنظومة إذ كان ما حكى بها غير منظوم ، وهذا يوجب أن لا يكون أحد من الشعراء المتقدمين ولا المتأخرين صدق في حكاية قضية مضت ، وحكمة نقلت ، وذكر كرم وجد ، وفعل عجيب وقع ، الا إذا حكوه بالفاظه الجلية عينا ، وذكروه على ترتيب التعبير سواء ، وهذا ما لا نذهب إليه ، ولا أحد من أهل النظر فنشتغل في الاطناب فيه . فعاد صاحبي المتكلم أولا فقال : ان الذي أتيت به من شعر الاخطل فانه وان لم يكن أراد بقوله : ( فأصبحت مولاها ) الخلافة على ما قلت ، وأراد قريشا على ما وصفت ، فليسن أيضا فيه دلالة على ما ذهبت إليه ، وذلك انه أراد ب ( مولى ) أي ناصر قريش ، ومن يجب أن ينصره قريش ، والكميت فقد قلنا إنه لا يستحيل أن يكون اعتقد فضل أمير المؤمنين عليه السلام على الكل بما جرى يوم الغدير ، فأوجب له الامامة به لا من جهة القول . فراسله الكلام صاحب المجلس ها هنا فقال : ويمكن أن يكون غلط وان كان من أهل اللغة ، وان امرء القيس مع جلالته في معنى صاحبه قد غلطه جماعة في شئ ذكره عنه لم أحفظه في وقت اتياني هذه المسألة ، وهو نفسه ـ أعني الكميت ـ قد غلط في قوله :
************************************************************** (1) حكاه ابن منظور في لسان العرب 10 : 14 (*) . رسالة في معني المولى ![]()
ولولا أن الامر على ما قلناه دون ما قلت ، ما كان وجوب نصرته لهم ونصرتهم له مما يوجب تهنئته وحمده دون سائر الناس الناصرين والمنصورين ، اللهم الا أن يكون نصرة امامة ، وسلطان رئاسته ، فيعود الامر الى ما قلناه وقد قدمت ان تأمل الشعر بعين الانصاف يؤكد قولنا ، ويبطل ما خالفه دون النظر والاحتجاج وقد بان ذلك والحمد لله . ثم أقبلت على صاحب المجلس فقلت : ما قاله سيدنا ـ أدام الله عزه ـ في غلط امرئ القيس عند من غلطه والكميت في بيته من الشعر الذي طعن فيه فقد رضينا به شاهدا وذلك ان الذي غلطهما من منتحلي اللغة شذ بتغليطهما من سائر أهلها وتفرد في الحكم بما لم يوافقه عليه أحد من رؤساء علمائها وصار في ذلك فردا من بيتها ومسنا في الشذوذ من جملتها ولم يكن كذلك الا لرئاستهما في المعرفة وتقديمها في الصناعة وكونها قدوة لمن نشأ بعدهما . وإذا كان كذلك فواجب أن تكون هذه الحال حال من غلط من عددناه في لفظة ( مولى ) وما عبر بها وهذا يؤكد ما قلناه ويزيده بيانا ويسقط ما خالفه وضاده في معناه على أن البيت الذي حكى عن الاصمعي (2) الطعن فيه على الكميت ـ رحمة الله عليه ـ بخلاف بيته ************************************************************** (1) أبيات من قصيدة قالها الاخطل في مدح عبد الملك بن مروان . (2) أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع الاصمعي صاحب اللغة والنحو والغريب سمع شعبة بن الحجاج والحمادين ومسعر بن كدام وغيرهم => . رسالة في معني المولى ![]() ( فصل ) اعلم أرشدك الله : ان نفس ما اعتمدوا عليه في دفعنا عن معنى لفظة ( مولى ) يفسد عليهم بالذي راموا به فساد دليلنا في صحته من الشعر والرواية بعينه ، وذلك انه يقال لهم : إذا كنتم قد تركتم حال من ذكرناه من أهل الفصاحة ، وجعلنا اعتمادنا ثلاثة منازل : أحدها : الجهل والغلط . والثاني : العصبية والعناد . والثالث : التأويل المتعلق بالاعتقاد . فما أنكرتم ان تكون هذه الثلاثة المنازل حال من دعوتمونا إلى الرجوع إليه والى كتبه ومصنفاته ، وزعمتم انهم العماد في هذا الباب ، إذ لم يكونوا معصومين من ذلك ، ولا مبرأين منه ، ولا علم عليهم في دفع جوازه منهم ، بل كانت أحوالهم داعية إليه ، وأسبابهم مقربة منه ، ودواعيهم موقعة فيه ، لانه قد فصلت لهم الرئاسة لا شك من جهة من كان يدفع نص النبي صلى الله عليه وآله على أمير المؤمنين عليه السلام بالامامة ، ويتدين بذلك ، ويلبث (1) عليه معاقب ، وقد علم كل عاقل تأثير الرغبة والرهبة في الحق وستره ، والباطل وقسره ، وهذا مالا يجدون فيه فصلا . ************************************************************** (1) في (ج) وثبتت (*). رسالة في معني المولى ![]() ( فصل ) ويقال لمن اعترض (1) فقال : ما أنكرتم أن يكون الكميت بن زيد رحمة الله عليه انما عنى بقوله :
أول ما في هذا الباب انه لو كان على ما وصفت ، لكان من أدل دليل على تكذيب أصحابك جميعا ، أو بطلان دعواهم على الشيعة انه لم يك أحد منهم فيما مضى يدعي الامامة لامير المؤمنين عليه السلام من جهة القول الصريح ، حتى قذفه إليه ابن الراوندي وافتعله ورتبه ، فتعلقوا به ، واحدثوا الاحتجاج والذب عنه ، وهذا اسقاط لكافتهم ، وطعن لا شبهة فيه على سائر شيوخهم ممن تأخر وكان في عصر ابن الراوندي وبعده ، كأنهم بأجمعهم يدعون ذلك ويقولون به ، ويستغرون (2) الجهال، لا سيما وشيخهم الاجل أبو علي اعتماده عليه ، وهذا مما لا به نفس الذي قدمت حكاية الاعتراض عنه ، ولا أحد منهم كافة الآن . ( فصل ) ثم يقال له : ان الروايات التي جاءت بأن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الامة أن تسلم في يوم الغدير على أمير المؤمنين عليه السلام بامرة المؤمنين ، انما جاءت بانه لما قرر الامة على فرض طاعته ، ثم قال عقيب ذلك ( فمن كنت مولاه فعلي مولاه ) واستوفى الكلام فيه أمر الامة حينئذ أن تقر له بمعنى ما جعله له بلفظة ( مولى ) فقال لهم : سلموا عليه بامرة المؤمنين ، كان أمره عليه السلام اياهم بذلك كشفا عن معنى اللفظ ، وجاريا مجرى التفسير ، وأخذا بالاقرار بالمعلوم ، وتأكيد المقصود ، وهذا موضح عن صحة ما قلناه نحن في لفظة ( مولى ) له . وشئ آخر : هو ان المقام إذا وجد فيه شيئان اجمع على أحدهما ، واختلف في الآخر ، وكتم التعلق به في مدح ان كان ما وقع فيها مدحا ، أو ذما ان كان ذما ونظم المتعلق به شعرا ، أو تكلم فيه نثرا ، فمحال أن يقصد الى المختلف منه دون المتفق عليه ، والمكتوم دون المشهور ، إلا أن يكون في غاية الجهل والعناد والنقص . وليس يتوهم بالكميت رحمه الله هذه المنازل وان كان يطعن عليه في الغلط من جهة الرأي والقياس ، وما يقع من العقلاء الالباب بالشبهات . وإذا كان الامر على ما وصفناه ، وكان قوله عليه السلام : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) مجمعا على انه كان في يوم الغدير وظاهر ذلك عام في الكل ، حتى لا يذكر الغدير الا ويراد بذكره مقدمة القول ، ولا يقال القول الا وسائر مستمعيه ذاكرون به المقام ، ولم يك ما اختصت به الشيعة من قوله عليه السلام في ذلك اليوم : سلموا على علي بامرة المؤمنين يجري هذا . ************************************************************** (1) في (ج) اعرض . (2) في (ج) ويشعرون (*). رسالة في معني المولى |
فـما وجـدت فيها قريش واورى بـزنديه ولـو كان غيره غداة اختلاف الناس أكدى وأصلدا | لامرها أعـف وأوفـى من أبيك وأمجدا