خير نفسه وشره شر نفسه ، وكل وصف وحال له وصفاً وحالاً لنفسه ، فهذا الانسان يتفكر نحواً آخر من التفكر ولا يشتغل في الارتباط بغيره إلا بمن هو خارج عن مجتمعه واما اشتغاله بأجزاء مجتمعه فلا يهتم به ولا يقدره شيئاً .
  واستوضح ذلك بما نورده من المثال : الانسان مجموع مؤلف من أعضاء وقوى عديدة تجتمع الجميع نوع اجتماع يعطيها وحدة حقيقية نسميها الانسانية ، يوجب ذلك استهلاك الجميع ذاتاً وفعلاً تحت استقلاله فالعين والأذن واليد والرجل تبصر وتسمع وتبطش وتمشي للانسان ، وإنما يلتذ كل بفعله ضمن التذاذ الانسان به ، وكل واحدة من هذه الأعضاء والقوى همها أن ترتبط بالخارج الذي يريد الانسان الواحد الارتباط به بخير أو شر فالعين أو الأذن أو اليد أو الرجل إنما تريد الاحسان أو الإساءة إلى من يريد الانسان الاحسان أو الاساءة اليه من الناس مثلاً ، وأما معاملة بعضها مع بعض والجميع تحت لواء الانسانية الواحدة فقلما يتفق أن يسيء بعضها إلى بعض أو يتضرر بعضها ببعض .
  فهذا حال اجزاء الانسان وهي تسير سيراً واحداً اجتماعياً ، وفي حكمه حال أفراد مجتمع إنساني إذا تفكروا تفكراً اجتماعياً فصلاحهم وتقواهم أو فسادهم وإجرامهم وإحسانهم وإساءتهم إنما هي ما لمجتمعهم من هذه الاوصاف إذا اُخذ ذا شخصية واحدة .
  وهكذا صنع القرآن في قضائه على الامم والاقوام التي ألجأتهم التعصبات المذهبية أو القومية ان يتفكروا تفكراً اجتماعياً كاليهود والاعراب وعدة من الامم السالفة فتراه يؤاخذ اللاحقين بذنوب السابقين ، ويعاتب الحاضرين ويوبخهم بأعمال الغائبين والماضين كل ذلك لأنه القضاء الحق فيمن يتفكر فكراً اجتماعياً ، وفي القرآن الكريم من هذا الباب آيات كثيرة لا حاجة إلى نقلها .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 27 ـ

  نعم مقتضى الأخذ بالنصفة ان لا يضطهد حق الصالحين من الافراد بذلك ان وجدوا في مجتمع واحد فإنهم وإن عاشوا بينهم واختلطوا بهم إلا أن قلوبهم غير متقذرة بالفكر الفاسد والمرض المتبطن الفاشي في مثل هذا المجتمع ، وأشخاصهم كالأجزاء الزائدة في هيكله وبنيته ، وهكذا فعل القرآن في آيات العتاب العام فاستثنى الصلحاء والأبرار .
  ويتبين مما ذكرنا أن القضاء بالصلاح والطلاح على أفراد المجتمعات المتمدنة الراقية على خلاف أفراد الأمم الاخرى لا ينبغي أن يبنى على ما يظهر من معاشرتهم ومخالطتهم فيما بينهم وعيشتهم الداخلية بل بالبناء على شخصيتهم الاجتماعية البارزة في مماستها ومصاكتها سائر الأمم الضعيفة ومخالطتها الحيوية سائر الشخصيات الاجتماعية في العالم ، فهذه هي التي يجب أن تراعى وتعتبر في القضاء بصلاح المجتمع وطلاحه وسعادته وشقائه وعلى هذا المجرى يجب ان يجري باحثونا ثم إن شاؤوا فليستعجبوا وإن شاؤو فليتعجبوا .
  ولعمري لو طالع المطالع المتأمل تاريخ حياتهم الاجتماعية من لدن النهضة الحديثة الأوروبية وتعمق فيما عاملوا به غيرهم من الأمم والأجيال المسكينة الضعيفة لم يلبث دون ان يرى أن هذه المجتمعات التي يظهرون انهم امتلؤوا رأفة ونصحاً للبشر يفدون بالدماء والأموال في سبيل الخدمة لهذا النوع وإعطاء الحرية والأخذ بيد المظلوم المهضوم حقاً وإلغاء سنة الاسترقاق والأسر يرى أنهم لا هم لهم إلا استعباد الأمم الضعيفة ؛ مساكين الأرض ما وجدوا اليه سبيلاً بما وجدوا اليه من سبيل فيوماً بالقهر ، ويوماً بالاستعمار ، ويوماً بالاستملاك ، ويوماً بالقيمومة ، ويوماً باسم حفظ المنافع المشتركة ، ويوماً باسم الإعانة على حفظ الاستقلال ، ويوماً باسم حفظ الصلح ودفع ما يهدده ، ويوماً باسم الدفاع عن حقوق الطبقات المستأصلة

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 28 ـ

  المحرومة ويوماً ... ويوماً .
  والمجتمعات التي هذا شأنها لا ترتضى الفطرة الانسانية السليمة ان تصفها بالصلاح أو تذعن لها بالسعادة وإن أغمضت النظر عما يشخصه قضاء الدين وحكم الوصي والنبوة من معنى السعادة . وكيف ترضى الطبيعة الانسانية أن تجهز أفرادها بما تجهزها على السواء ثم تناقض نفسها فتعطي بعضاً منهم عهداً أن يتملكوا الآخرين تملكاً يبيح لهم دماءهم وأعراضهم وأموالهم ، ويسوي لهم الطريق إلى اللعب بمجامع حياتهم ووجودهم والتصرف في إدراكهم وإرادتهم بما لم يلقه ولا قاساه إنسان القرون الأولى ، والمعول في جميع ما نذكره تواريخ حياة هؤلاء الأمم وما يقاسيه الجيل الحاضر من أيديهم فإن سمي عندهم سعادة وصلاحاً فلتكن بمعنى التحكم وإطلاق المشيئة .

بماذا يتكون ويعيش المجتمع الاسلامي
  لا ريب ان الاجتماع أي اجتماع كان إنما يتحقق ويحصل بوجود وغاية واحدة مشتركة بين أفراده المتشتتة ، وهو الروح الواحدة السارية في جميع أطرافه التي تتحد بها نوع اتحاد ، وهذه الغاية والغرض في نوع الاجتماعات المتكونة غير الدينية إنما هي غاية الحياة الدنيوية للإنسان لكن على نحو الاشتراك بين الأفراد لا على نحو الانفراد وهي التمتع من مزايا الحياة المادية على نحو الاجتماع .
  والفرق بين التمتع الاجتماعي والانفرادي من حيث الخاصية ان الانسان لو استطاع أن يعيش وحده كان مطلق العنان في كل واحد من تمتعاته حيث لا معارض له ولا رقيب إلا ما قيد به بعض أجهزته بعضاً فإنه لا يقدر أن

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 29 ـ

  يستنشق كل الهواء فإن الرئة لا تسعه وإن اشتهاه ، ولا يسعه أن يأكل من المواد الغذائية لا إلى حد فإن جهاز الهاضمة لا يتحمله فهذا حاله بقياس بعض قواه وأعضائه إلى بعض ، وأما بالنسبة إلى إنسان آخر مثله ، فإذا كان لا شريك له في ما يستفيد منه من المادة على الفرض فلا سبب هناك يقتضي تضييق ميدان عمله ، ولا تحديد فعل من أفعاله وعمل من أعماله .
  وهذا بخلاف الانسان الواقع في ظرف الاجتماع وساحته فإنه لو كان مطلق العنان في إرادته وأعماله لأدى ذلك إلى التمانع والتزاحم الذي فيه فساد العيش وهلاك النوع وقد بينا ذلك في مباحث النبوة السابقة أوفى بيان ، وهذا هو السبب الوحيد الذي يدعو إلى حكومة القانون الجاري في المجتمع غير أن المجتمعات الهمجية لا تتنبه لوضعها عن فكر وروية وإنما يكون الآداب والسنن فيها المشاجرات والمنازعات المتوفرة بين أفرادها فتضطر الجميع إلى رعاية أمور تحفظ مجتمعهم بعض الحفظ ، ولما لم تكن مبنية على أساس مستحكم كانت في معرض النقض والإبطال تتغير سريعاً وتنقرض ، ولكن المجتمعات المتمدنة تبنيه على أساس قويم بحسب درجاتهم في المدنية والحضارة فيرفعون به التضاد والتمانع الواقع بين الارادات وأعمال المجتمع بتعديلها بوضع حدود وقيود لها ثم ركز القدرة والقوة في مركز عليه ضمان إجراء ما ينطق به القانون .
  ومن هنا يظهر أولاً : أن القانون حقيقة هو ما تعدل به إرادات الناس وأعمالهم برفع التزاحم والتمانع من بينهما بتحديدها .
  وثانياً : أن أفراد المجتمع الذي يحكم فيه القانون أحرار فيما وراءه كما هو مقتضى تجهز الانسان بالشعور والإرادة بعد التعديل ، ولذا كانت القوانين الحاضرة لا تتعرض لأمر المعارف الالهية والأخلاق ، وصار هذان المهمان

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 30 ـ

  يتصوران بصورة يصورها بهما القانون فيتصالحان ويتوافقان معه على ما هو حكم التبعية فيعودان عاجلاً أو آجلاً رسوماً ظاهرية فاقدة للصفاء المعنوي ، ولذلك السبب أيضاً ما نشاهده من لعب السياسة بالدين فيوماً تقضي عليه وتدحضه ويوماً تميل إليه فتبالغ في إعلاء كلمته ، ويوماً تطوي عنه كشحاً فتخليه وشأنه .
  وثالثاً : ان هذه الطريقة لا تخلو عن نقص فإن القانون وإن حمل ضمان إجرائه على القدرة التي ركزها في فرد أو أفراد ، لكن لا ضمان على إجرائه بالنهاية بمعنى أن منبع القدرة والسلطان لو مال عن الحق وحول سلطة النوع على النوع إلى سلطة شخصه على النوع وانقلبت الدائرة على القانون لم يكن هناك ما يقهر هذا القاهر فيحوله الى مجراه العدل ، وعلى هذا القول شواهد كثيرة مما شاهدناه في زمننا هذا وهو زمان الثقافة والمدنية فضلاً عما لا يحصى من الشواهد التاريخية ، وأضف إلى هذا النقص نقصاً آخر ، وهو خفاء نقض القانون على القوة المجرية أحياناً ، أو خروجه عن حومة قدرته .
  وبالجملة الاجتماعات المدنية توحدها الغاية الواحدة التي هي التمتع من مزايا الحياة وهي السعادة عندهم ، ولكن الاسلام لما كان يرى أن الحياة الانسانية أوسع مداراً من الحياة الدنيا المادية بل في مدار حياته الحياة الأخروية التي هي الحياة ، ويرى أن هذه الحياة لا تنفع فيها إلا المعارف الالهية التي تنحل بجملتها إلى التوحيد ، ويرى أن هذه المعارف لا تنحفظ إلا بمكارم الاخلاق وطهارة النفس من كل رذيلة ، ويرى أن هذه الاخلاق لا تتم ولا تكمل الا بحياة اجتماعية صالحة معتمدة على عبادة الله سبحانه والخضوع لما تقتضية ربوبيته ومعاملة الناس على أساس العدل الاجتماعي أخذ ( أعني الاسلام ) الغاية التي يتكون عليها المجتمع البشري ويتوحد بها دين التوحيد ثم وضع القانون الذي وضعه على أساس التوحيد ، ولم يكتف

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 31 ـ

  فيه على تعديل الاردات والأفعال فقط بل تممه بالعباديات وأضاف اليها المعارف الحقة والأخلاق الفاضلة .
  ثم جعل ضمان إجرائها في عهدة الحكومة الاسلامية أولاً ، ثم في عهدة المجتمع ثانياً ، وذلك بالتربية الصالحة علماً وعملاً والامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
  ومن أهم ما يشاهد في هذا الدين ارتباط جميع أجزائه ارتباطاً يؤدي إلى الوحدة التامة بينها بمعنى أن روح التوحيد سارية في الأخلاق الكريمة التي يندب اليها هذا الدين ، وروح الأخلاق منتشرة في الأعمال التي يكلف بها أفراد المجتمع ، فالجميع من أجزاء الدين الاسلامي ترجع بالتحليل إلى التوحيد ، والتوحيد بالتركيب يصير هو الاخلاق والأعمال ، فلو نزل لكان هي ولو صعدت لكان هو ، ( اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) ، فإن قلت : ما أورد من النقص على القوانين المدنية فيما إذا عصت القوة التنفذية عن إجرائها أو فيما يخفي عليها من الخلاف مثلاً وارد بعينه على الاسلام وأوضح الدليل عليه ما نشاهده من ضعف الدين وزوال سيطرته على المجتمع الاسلامي ، وليس إلا لفقدانه من يحمل نواميسه على الناس يوماً .
  قلت : حقيقة القوانين العامة سواء كانت إلهية أو بشرية ليست إلا صوراً ذهنية في أذهان الناس وعلوماً تحفظها الصدور ، وإنما ترد مورد العمل وتقع موقع الحس بالإرادات الانسانية تتعلق بها ، فمن الواضح أن لو عصمت الإرادات لم توجد في الخارج ما تنطبق عليه القوانين ، وإنما الشأن فيما يحفظ به تعلق هذه الإرادات بالوقوع حتى تقوم القوانين على ساقها والقوانين المدنية لا تهتم بأكثر من تعليق الافعال بالإدارات أعني بإرادة الأكثرية ، ثم لم يهتموا بما تحفظ هذه الإرادة ، فمهما كانت الإرادة حية

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 32 ـ

  شاعرة فاعلة جرى بها القانون ، وإذا ماتت من جهة انحطاط يعرض لنفوس الناس وهرم يطرأ على بنية المجتمع ، أو كانت حية لكنها فقدت صفة الشعور والادراك لانغمار المجتمع في الملاهي وتوسعه في الاتراف والتمتع ، أو كانت حية شاعرة لكنها فقدت التأثير لظهورة قوة مستبدة فائقة غالبة تقهر إرادتها إرادة الأكثرية ، وكذا في الحوادث التي لا سبيل للقوة التنفيذية على الوقوف عليها كالجرائم السرية ، أو لا سبيل لها إلى بسط سيطرتها عليها كالحوادث الخارجة عن منطقة نفوذها ففي جميع هذه الموارد لا تنال الأمة أمنيتها من تطبيق القانون وحصانة المجتمع من المفاسد والتلاشي وعمدة الانشعابات الواقعة في الامم الأوروبية بعد الحرب العالمية الكبرى الاولى والثانية من أحسن الأمثلة في هذا الباب .
  وليس ذلك ( أعني انتقاض القوانين وتفسخ المجتمع وتلاشيه ) إلا لأن المجتمع لهم يهتم بالسبب الحافظ لإرادات الامة على قوتها وسيطرتها وهي الأخلاق العالية إذ لا تستمد الارادة في بقائها واستدامة حياتها إلا في الخُلق المناسب لها كما بين ذلك في علم النفس ، فلولا استقرار السنة القائمة في المجتمع واعتماد القانون الجاري فيه على أساس قويم في الاخلاق العالية كانت كشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار . واعتُبر في ذلك ظهور الشيوعية ، فليست إلا من مواليد الديمقراطية أنتجها إتراف طبقة من طبقات المجتمع وحرمان آخرين ، فكان بُعداً شاسعاً بين نقطتي القساوة وفقد النصفة ، والسخط وتراكم الغيظ والحنق ، وكذا في الحرب العالمية التي وقعت مرة بعد مرة وهي تهدد الانسانية ثالثة ، وقد أفسدت الأرض وأهلكت الحرث والنسل ولا عامل لها إلا غريزة الاستكبار والشره والطمع ، هذا .
  ولكن الاسلام بنى سنته الجارية وقوانينه الموضوعة على أساس الاخلاق ، وبالغ في تربية الناس عليها لكون القوانين الجارية في الأعمال في

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 33 ـ

  ضمانها على عهدتها فهي مع الانسان في سره وعلانيته وخلوته وجلوته تؤدي وظيفتها وتعمل عملها أحسن ما يؤديه شرطي مراقب أو أي قوة تبذل عنايتها في حفظ النُظُم . نعم تعتني المعارف العمومية في هذه الممالك بتربية الناس على الأخلاق المحمودة وتبذل جهدها في حض الناس وترغيبهم اليها لكن لا ينفعهم ذلك شيئاً .
  أما أولاً : فلأن المنشأ الوحيد لرذائل الأخلاق ليس إلا الاسراف والافراط في التمتع المادي والحرمان البالغ فيه ، وقد اعطت القوانين للناس الحرية التامة فيه فأمتعت بعضاً وحرمت آخرين فهل الدعوة إلى فضائل الأخلاق والترغيب عليها إلا دعوة إلى المتناقضين أو طلباً للجمع بين الضدين .
  على أن هؤلاء كما عرفت يفكرون تفكراً اجتماعياً ، ولا تزال مجتمعاتهم تبالغ في اضطهاد المجتمعات الضعيفة ودحض حقوقهم ، والتمتع بما في أيديهم ، واسترقاق نفوسهم ، والتوسع في التحكم عليهم ما قدروا ، والدعوة إلى الصلاح والتقوى مع هذه الخصيصة ليست إلا دعوة متناقضة لا تزال عقيمة .
  وأما ثانياً : فلأن الأخلاق الفاضلة أيضاً تحتاج في ثباتها واستقرارها إلى ضامن يضمن حفظها وكلاءتها وليس إلا التوحيد أعني القول بأن للعالم إلهاً واحداً ذا أسماء حُسنى خَلقَ الخلق لغاية تكميلهم وسعادتهم وهو يحب الخير والصلاح ، ويبغض الشر والفساد وسيجمع الجميع لفصل القضاء وتوفية الجزاء فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، ومن الواضح ان لولا الاعتقاد بالمعاد لم يكن هناك سبب أصيل رادع عن اتباع الهوى والكف عن حظوظ النفس الطبيعية ، فإنما الطبيعة الإنسانية تريد وتشتهي مشتهيات نفسها لا ما ينتفع به غيرها كطبيعة الفرد الآخر إلا إذا رجع بنحو إلى مشتهى

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 34 ـ

  نفسها . ففيما كان للأنسان مثلاً تمتع في إماتة حق من حقوق الغير ولا رادع يردعه ولا مجازي يجازيه ولا لائم معاتب يلومه ويعاتبه ، فأي مانع يمنعه في اقتراف الخطيئة وارتكاب المظلمة وإن عظمت ما عظمت ؟ وأما ما يتوهم ـ وكثيراً ما يخطئ فيه الباحث ـ من الروادع المختلفة كالتعلق بالوطن وحب النوع والثناء الجميل ونحو ذلك ، فإنما هي عواطف قلبية ونزوعات باطنية لا سبب حافظاً عليها إلا التعليم والتربية من غير استنادها إلى السبب الموجب فهي إذن أوصاف اتفاقية وأمور عادية لا مانع معها يمنع من زوالها فلماذا يجب على الانسان أن يفدي بنفسه غيره ، ليتمتع بالعيش بعده وهو يرى أن الموت فناء وبطلان ؟ والثناء الجميل إنما هو في لسان آخرين ولا لذة يلتذ به الفادي بعد بطلان ذاته .
  وبالجملة لا يرتاب المتفكر البصير في أن الانسان لا يقدم على حرمان لا يرجع اليه فيه جزاء ولا يعود اليه منه نفع ، والذي يعده ويمنيه في هذه الموارد ببقاء الذكر الحسن والثناء الجميل الخالد والفخر الباقي ببقاء الدهر ، فإنما هو غرور يغتر به وخدعة ينخدع بها بهيجان إحساساته وعواطفه فيخيل إليه انه بعد موته وبطلان ذاته حاله كحاله قبل موته فيشعر بذكره الجميل فيلتذ به وليس ذلك إلا من غلط الوهم كالسكران يتسخر بهيجان إحساساته فيعفو ويبذل من نفسه وعرضه وماله أو كل كرامة له ما لو يقدم عليه لو صحا وعقل ، وهو سكران لا يعقل ويعد ذلك فتوة وهو سفه وجنون .
  فهذه العثرات وأمثالها مما لا حصن للأنسان يتحصن فيه منها غير التوحيد الذي ذكرناه ولذلك وضع الاسلام الأخلاق الكريمة التي جعلها جزءاً من طريقته الجارية على أساس التوحيد الذي من شؤونه القول بالمعاد ، ولازمه أن يلتزم الانسان بالاحسان ويجتنب الإساءة أينما كان ومتى ما كان سواء علم به أو لم يعلم ، وسواء حمده حامد أو لم يحمد ، وسواء كان معه

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 35 ـ

  من يحمله عليه أو يردعه عنه أو لم يكن فإن معه الله العليم الحفيظ القائم على كل نفس ما كسبت ووراءه يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء ، وفيه تجزى كل نفس بما كسبت .
  التعقل والإحساس أما منطق الاحساس ، فهو يدعوا إلى النفع الدنيوي ، ويبعث إليه فإذا قارن الفعل نفع وأحسن به الانسان فالإحساس متوقد شديد التوقان في بعثه وتحريكه ، وإذا لم يحس الانسان بالنفع فهو خامد هامد ، وأما منطق التعقل فإنما يبعث إلى اتباع الحق ويرى أنه أحسن ما ينتفع به الانسان أحس مع الفعل بنفع مادي أو لم يحس فإن ما عند الله خير وأبقى ، وقس في ذلك بين قول عنترة ، وهو على منطق الاحساس :
وقولي كلما جشأت وجاشت * مكانك تحمدي أو تستريحي   يريد أني استثبت نفسي كلما تزلزت في الهزاهز والمواقف المهولة من القتال بقولي لها : اثبتي فإن قتلت يحمدك الناس على الثبات وعدم الانهزام ، وإن قتلت العدو استرحت ونلت بغيتك فالثبات خير على أي حال ، وبين قوله تعالى ... وهو على منطق التعقل ( قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ ) (1) .
  يريد أن أمر ولايتنا وانصارنا إلى الله سبحانه لا نريد في شيء مما يُصيبنا من ضر أو شر إلا ما وعدنا من الثواب على الاسلام له والالتزام لدينه

**************************************************************
(1) سورة التوبة ، الآيتان : 51 ـ 52 .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 36 ـ

  كما قال تعالى : ( لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) (1) .
  وإذا كان كذلك فإن قتلتمونا أو أصابنا منكم شيء كان لنا عظيم الأجر والعاقبة الحُسنى عند ربنا فإن قتلناكم أو أصبنا منكم شيئاً كان لنا عظيم الثواب والعاقبة الحسنى والتمكن في الدنيا من عدونا ، فنحن على أي حال سعداء مغبوطون ولا تتحفون لنا في قتالنا ولا تتربصون بنا في أمرنا إلا إحدى الحسنيين فنحن على الحسنى والسعادة على أي حال ، وأنت على السعادة ونيل البغية بعقيدتكم على أحد التقديرين ، وفي إحدى الحالين وهو كون الدائرة لكم علينا فنحن نتربص بكم ما يسؤوكم وأنتم لا تتربصون بنا إلا ما يسرنا ويسعدنا .
  فهذان منطقان أحدهما يعني الثبات وعدم الزوال على مبنى إحساسي وهو أن الثابت أحد نفعين ، إما حمد الناس وإما الراحة من العدو ، هذا إذا كان هناك نفع عائد إلى الانسان المقاتل الذي يلقي بنفسه إلى التهلكة ، أما إذا لم يكن هناك نفع عائد كما لو لم يحمده الناس لعدم تقديرهم قدر الجهاد وتساوى عندهم الخدمة والخيانة ، أو كانت الخدمة مما ليس من شأنه أن يظهر لهم البتة أو لا هي ولا الخيانة ، أو لم يسترح الاحساس بفناء العدو بل إنما يستريح به الحق فليس لهذا المنطق إلا العيّ واللكنة .
  وهذه الموارد المعدودة هي الاسباب العامة في كل بغي وخيانة وجناية يقول الخائن المساهل في أمر القانون : إن خدمته لا تقدر عند الناس بما يعد

**************************************************************
(1) سورة التوبة ، الآيتان : 120 ـ 121 .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 37 ـ

  لها وإن الخادم والخائن عندهم سواء بل الخائن أحسن حالاً وأنعم عيشاً ، ويرى كل باغ وجان انه سيتخلص من قهر القانون وأن القوى المراقبة لا يقدرون على الحصول عليه فيخفى أمره ويلتبس على الناس شخصه ويعتذر كل من يتثبط ويتثاقل في إقامة الحق والثورة على أعدائه ويداهنهم بأن القيام على الحق يذلـله بين الناس ، ويضحك منه الدنيا الحاضرة ، ويعدونه من بقايا القرون الوسطى أو أعصار الأساطير فإن ذكرته بشرافة النفس وطهارة الباطن رد عليك قائلاً : ما أصنع بشرافة النفس إذا جرت إلى نكد العيش وذلة الحياة .
  وأما المنطق الآخر ، وهو منطق الاسلام فهو يبني أساسه على اتباع الحق وابتغاء الأجر والجزاء من الله سبحانه ، وإنما يتعلق الغرض بالغايات والمقاصد الدنيوية في المرتبة التالية وبالقصد الثاني ، ومن المعلوم أنه لا يشذ عن شموله مورد من الموارد ، ولا يسقط كليته من العموم والإطراد ، فالعمل ـ أعم من الفعل والترك ـ إنما يقع لوجهه تعالى ، وإسلاماً له واتباعاً للحق الذي أراده وهو الحفيظ العليم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ، ولا عاصم منه ولا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء ، والله بما تعملون خبير .
  فعلى كل نفس فيما وردت مورد عمل أو صدرت ، رقيب شهيد قائم بما كسبت ، سواء شهده الناس أو لا ، حمدوه أو لا ، قدروا فيه على شيء أو لا .
  وقد بلغ من حسن تأثير التربية الاسلامية أن الناس كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيعترفون عنده بجرائمهم وجناياتهم بالتوبة ، ويذوقون مر الحدود التي تقام عليهم ( القتل فما دونه ) ابتغاء رضوان الله وتطهيراً لأنفسهم من قذارة الذنوب ودرن السيئات ، وبالتأمل في هذه النوارد الواقعة يمكن للباحث أن ينتقل إلى عجيب

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 38 ـ

  تأثير البيان الديني في نفوس الناس وتعويده لهم السماحة في ألذ الاشياء وأعزها عندهم ، وهي الحياة وما في تلوها ، ولولا أن البحث قرآني لأوردنا طرفاً من الامثلة التاريخية فيه .

الأجر الأخروي : غاية المجتمع
  ربما يتوهم المتوهم أن جعل الأجر الأخروي وهو الغرض العام في حياة الانسان الاجتماعية يوجب سقوط الاغراض الحيوية التي تدعو اليه البنية الطبيعية الانسانية وفيه فساد نظام الاجتماع ، والانحطاط إلى منحط الرهبانية ، وكيف يمكن الانقطاع إلى مقصد من المقاصد مع التحفظ على المقاصد المهمة الاخرى ؟ وهل هذا الا تناقض ؟
  لكنه توهم ساذح في الجهل بالحكمة الإلهية والأسرار التي تكشفت عنها المعارف القرآنية فإن الاسلام يبني تشريعه على أصل التكوين كما مر ذكره مراراً في المباحث السابقة من هذا الكتاب ، قال تعالى : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) (1) .
  وحاصله : أن سلسلة الاسباب الواقعية التكونية تعاضدت على إيجاد النوع الانساني في ذيلها وتوفرت على سوقه نحو الغاية الحيوية التي هيأت له فيجب له أن يبني حياته في ظرف الكدح والاختيار على موافقة الاسباب فيما تريد منه وتسوقه إليه حتى لا تناقضها حياته فيؤديه ذلك إلى الهلاك والشقاء ، وهذا ( لو تفهمه المتوهم ) هو الدين الاسلامي بعينه ، ولما كان هناك فوق الأسباب سبب وحيد هو الموجه لها المدبر لأمرها فيما دق وجل وهو الله سبحانه الذي هو السبب التام فوق كل سبب بتمام معنى الكملة

**************************************************************
(1) سورة الروم : الآية 30 .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 39 ـ

  كان الواجب على الانسان الاسلام له والخضوع لأمره ، وهذا معنى كون التوحيد هو الأساس الوحيد للدين الاسلامي .
  ومن هنا يظهر أن حفظ كلمة التوحيد والاسلام لله وابتغاء وجهه في الحياة جرى على موافقة الأسباب طراً وإعطاء كل ذي حق منها حقه من غير شرك ولا غفلة فعند المرء المسلم غايات وأغراض دنيوية واخرى أخروية ، وله مقاصد مادية واخرى معنوية ، لكنه لا يعتني في أمرها بأزيد مما ينبغي من الاعتناء والاهتمام ولذلك بعينه نرى أن الاسلام يندب إلى توحيد الله سبحانه ، والانقطاع اليه والإخلاص له والإعراض عن كل سبب دونه ومبتغى غيره ومع ذلك يأمر الناس باتباع نواميس الحياة والجري على المجاري الطبيعية .
  ومن هنا يظهر أن أفراد المجتمع الإسلامي هم السعداء بحقيقة السعادة في الدينا وفي الآخرة وأن غايتهم وهو ابتغاء وجه الله في الأعمال لا تزاحم سائر الغايات الحيوية إذا ظهرت واستؤثرت .
  ومن هنا يظهر أيضاً فساد توهم آخر وهو الذي ذكره جمع من علماء الاجتماع من الباحثين أن حقيقة الدين والغرض الأصلي منه هو إقامة العدالة الاجتماعية والعباديات فروع متفرعة عليها فالذي يقيمها فهو على الدين ولو لم يتلبس بعقيدة ولا عبودية .
  والباحث المتدبر في الكتاب والسنة وخاصة في السيرة النبوية لا يحتاج في الوقوف على بطلان هذا التوهم إلى مؤونة زائدة وتكلف واستدلال ، على أن هذا الكلام الذي يتضمن إسقاط التوحيد ، وكرائم الأخلاق من مجموعة النواميس الدينية فيه إرجاع للغاية الدينية التي هي كلمة التوحيد إلى الغاية المدنية التي هي التمتع ، وقد عرفت أنهما غايتان

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 40 ـ

  مختلفتان لا ترجع إحداهما إلى الاخرى لا في أصلها ولا في فروعها وثمراتها .

الحرية والمجتمع الاسلامي
  كلمة الحرية على ما يراد بها من المعنى لا يتجاوز عمرها في دورانها على الألسن عدة قرون ولعل السبب المبتدع لها هي النهضة المدنية الأوروبية قبل بضعة قرون لكن معناها كان يجول في الأذهان وأمنية من أماني القلوب منذ أعصار قديمة .
  والأصل الطبيعي التكويني الذي ينتشي منه هذا المعنى هو ما تجهز به الانسان في وجوده من الإرادة الباعثة إياه على العمل فإنها حالة نفسية في إبطالها إبطال الحس والشعور المنجر إلى إبطال الإنسانية .
  غير أن الانسان لما كان موجوداً اجتماعياً تسوقه طبيعته إلى الحياة في المجتمع وإلقاء دلوه في الدلاء بإدخال إرادته في الإرادات ، وفعله في الأفعال المنجر إلى الخضوع لقانون يعدل الإرادات والأعمال بوضع حدود لها فالطبيعة التي أعطته إطلاق الإرادة والعمل هي بعينها تحدد الإرادة والعمل وتقيد ذلك الإطلاق الابتدائي والحرية الأولية .
  والقوانين المدنية الحاضرة لما وضعت بناء أحكامها على أساس التمتع المادي كما عرفت أنتج ذلك حرية الأمة في أمر المعارف الأصلية الدينية من حيث الإلتزام بها وبلوازمها ، وفي أمر الأخلاق ، وفي ما وراء القوانين من كل ما يريده ويختاره الانسان من الارادات والأعمال فهذا هو المراد بالحرية عندهم .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 41 ـ

  وأما الاسلام فقد وضع قانونه على أساس التوحيد كما عرفت ثم في المرتبة التالية على أساس الأخلاق الفاضلة ثم تعرضت لكل يسير وخطير من الاعمال الفردية والاجتماعية كائنة ما كانت فلا شيء مما يتعلق بالإنسان أو يتعلق به الانسان إلا وللشرع الإسلامي فيه قدم أو أثر قدم فلا مجال ولا مظهر للحرية بالمعنى المتقدم فيه .
  نعم للإنسان فيه الحرية عن قيد عبودية غير الله سبحانه وهذا وإن كان لا يزيد على كملة واحدة غير أنه وسيع المعنى عند من بحث بصورة عميقة في السنة الاسلامية ، والسيرة العملية التي تندب اليها وتقرها بين أفراد المجتمع وطباقاته ثم قاس ذلك إلى ما يشاهد من سنن السؤدد والسيادة والتحكمات في المجتمعات المتمدنة بين طبقاتها وأفرادها أنفسها وبين كل أمة قوية وضعيفة .
  وأما من حيث الأحكام فالتوسعة فيما أباحه الله من طيبات الرزق ومزايا الحياة المعتدلة من غير إفراط أو تفريط قال تعالى : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) (1) .
  وقال تعالى : ( خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ) (2) .
  وقال تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ) (3) .
  ومن عجيب الأمر ما رامه بعض الباحثين والمفسرين ، وتكلف فيه من إثبات حرية العقيدة في الاسلام بقوله تعالى : ( لاَ إِكْرَاهَ فِي

**************************************************************
(1) سورة الاعراف ، الآية : 32 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 29 .
(3) سورة الجاثية ، الآية : 13 .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 42 ـ

  الدِّينِ ) (1) وما يشابهه من الآيات الكريمة .
  وقد مر البحث التفسيري عن معنى الآية في سورة البقرة ، والذي نضيف اليها هاهنا أنك عرفت أن التوحيد أساس جميع النواميس الاسلامية ومع ذلك كيف يمكن أن يشرع حرية العقائد ؟ وهل ذلك إلا التناقض الصريح ؟ فليس القول بحرية العقيدة إلا كالقول بالحرية عن حكومة القانون في القوانين المدنية بعينه .
  وبعبارة اخرى العقيدة بمعنى حصول إدراك تصديقي ينعقد في ذهن الإنسان ليس عملاً اختيارياً للإنسان حتى يتعلق به منع أو تجويز أو استعباد أو تحرير ، وإنما الذي يقبل الحظر والإباحة هو الإلتزام بما تستوجبه العقيدة من الأعمال كالدعوة إلى العقيدة وإقناع الناس بها وكتابتها ونشرها وإفساد ما عند الناس من العقيدة ، والعمل المخالفين لها ؛ فهذه هي التي تقبل المنع والجواز ، ومن المعلوم أنها إذا خالفت مواد قانون دائر في المجتمع أو الأصل الذي يتكي عليه القانون لم يكن مناص من منعها من قبل القانون ولم يتكِ الإسلام في تشريعه على غير دين التوحيد ( التوحيد والنبوة والمعاد ) وهو الذي يجتمع عليه المسلمون واليهود والنصارى والمجوس ( أهل الكتاب ) فليست الحرية إلا فيها وليست فيما عداها إلا هدفاً لأصل الدين ؛ نعم هاهنا حرية اخرى وهي الحرية من حيث إظهار العقيدة في مجرى البحث .

التكامل في المجتمع الاسلامي
  ربما أمكن أن يقال : هب أن السنة الإسلامية سنة جامعة للوازم الحياة

**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 256 .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 43 ـ

  السعيدة ، والمجتمع الاسلامي مجتمع سعيد مغبوط لكن هذه السنة لجامعيتها وانتفاء حرية العقيدة فيها تستوجب ركود المجتمع ووقوفه عن التحول والتكامل وهو من عيوب المجتمع الكامل كما قيل فإن السير التكاملي يحتاج إلى تحقيق القوى المتضادة في الشيء وتفاعلها حتى تولد بالكسر والانكسار مولوداً جديداً خالياً من نواقص العوامل المولدة التي زالت بالتفاعل فإذا فرض أن الاسلام يرفع الأضداد والنواقص وخاصة العقائد المتضادة من أصلها فلازمه أن يتوقف المجتمع الذي يكونه عن السير التكاملي .
  أقول : وهو من إشكالات المادية الجدلية ( ماترباليسم ديالكتيك ) وفيه خلط عجيب فإن العقائد والمعارف الانسانية على نوعين نوع يقبل التحول والتكامل وهو العلوم الصناعية التي تستخدم في طريق ترفيع قواعد الحياة المادية وتذليل الطبيعة العاصية للإنسان كالعلوم الرياضية والطبيعية وغيرهما ، وهذه العلوم والصناعات وما في عدادها كلما تحولت من النقص إلى الكمال أوجب ذلك تحول الحياة الاجتماعية لذلك .
  ونوع آخر لا يقبل التحوّل وإن كان يقبل التكامل بمعنى آخر وهو العلوم والمعارف العامة الإلهية التي تقضي في المبدأ والمعاد والسعادة والشقاء وغير ذلك قضاءً قاطعاً واقفاً غير متغير ولا متحول وإن قبلت الارتقاء والكمال من حيث الدقة والتعمق وهذه العلوم والمعارف لا تؤثر في الاجتماعات وسنن الحياة إلا بنحو كلي ، فوقوف هذه المعارف والآراء وثبوتها على حال واحد لا يوجب وقوف الاجتماعات عن سيرها الارتقائي كما نشاهد أن عندنا آراء كثيرة كلية ثابتة في حال واحد من غير أن يقف اجتماعنا لذلك عن سيره كقولنا : إن الانسان يجب أن ينبعث إلى العمل لحفظ حياته وإن العمل يجب أن يكون لنفع عائد إلى الانسان ، وإن الانسان

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 44 ـ

  يجب أن يعيش في حال الاجتماع ( التجمع ) وقولنا : إن العالم موجود حقيقة لا وهما وإن الانسان جزء من العالم ، وإن الانسان جزء من العالم الأرضي وان الانسان ذو أعضاء وأدوات وقوى إلى غير ذلك من الآراء والمعلومات الثابتة التي لا يوجب ثبوتها ووقوفها وقوف المجتمعات وركودها ، ومن هذا القبيل القول بأن للعالم إلهاً واحداً شرع للناس شرعاً جامعاً لطرق السعادة من طريق النبوة وسيجمع الجميع إلى يوم يوفيهم فيه جزاء أعمالهم ، وهذه هي الكلمة الوحيدة التي بنى عليها الاسلام مجتمعه وتحفظ عليها كل التحفظ ، ومن المعلوم أنه مما لا يوجب باصطكاك ثبوته ونفيه وانتاج رأي آخر فيه إلا انحطاط المجتمع كما بين مراراً وهذا شأن جميع الحقائق الحقة المتعلقة بما وراء الطبيعة فإنكارها بأي وجه لا يفيد للمجتمع إلا انحطاطاً وخسة .
  والحاصل أن المجتمع البشري لا يحتاج في سيره الارتقائي إلا إلى التحول والتكامل يوماً فيوماً في طريق الاستفادة من مزايا الطبيعة ، وهذا إنما يتحقق بالبحث الصناعي المداوم وتطبيق العمل على العلم دائماً والاسلام لا يمنع من ذلك شيئاً .
  وأما تغير طريق إدارة المجتمعات وسنن الاجتماع الجارية كالاستبداد الملوكي والديموقراطية والشيوعية ، ونحوها فليس بلازم إلا من جهة نقصها وقصورها عن إيفاء الكمال الانساني الاجتماعي المطلوب لا من جهة سيرها من النقص إلى الكمال فالفرق بينها لو كان فإنما هو فرق الغلط والصواب لا فرق الناقص والكامل فإذا استقر أمر السنة الاجتماعية على ما يقصده الانسان بفطرته وهو العدالة الاجتماعية واستظل الناس تحت التربية الجيدة بالعلم النافع والعمل الصالح ثم أخذوا يسيرون مرتاحين ناشطين نحو سعادتهم بالارتقاء في مدارج العلم والعمل ولا يزالون يتكاملون ويزيدون تمكناً

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 45 ـ

  واتساعاً في السعادة فما حاجتهم إلى تحول السنة الاجتماعية زائداً على ذلك ؟ ومجرد وجوب التحول على الانسان من كل جهة حتى فيما لا يحتاج فيه إلى التحوّل مما لا ينبغي أن يقضي به ذو نظر وبصيرة .
  فإن قلت : لا مناص من عروض التحوّل في جميع ما ذكرت ، أنه مستغن عنه كالاعتقادات والأخلاق الكلية ونحوها فأنها جميعاً تتغير بتغير الأوضاع الاجتماعية والمحيطات المختلفة ، ومرور الأزمنة ، فلا يجوز أن ينكر أن الانسان الجديد تغاير أفكاره أفكار الإنسان القديم ، وكذا الانسان يختلف نحو تفكره بحسب اختلاف مناطق حياته كالأراضي الاستوائية والقطبية ، والنقاط المعتدلة ، وكذا بتفاوت أوضاع حياته من خادم ومخدوم وبدوي وحضري ومثر ومعدم ، وفقير وغني ، ونحو ذلك فالأفكار والآراء تختلف باختلاف العوامل وتتحول بتحول الأعصار بلا شك كائنة ما كانت .
  قلت : الإشكال مبني على نظرية نسبية العلوم والآراء الانسانية ، ولازمها كون الحق والباطل والخير والشر أموراً نسبية إضافية فالمعارف الكلية النظرية المتعلقة بالمبدأ والمعاد وكذا الآراء الكلية العملية كالحكم بكون الاجتماع خيراً للإنسان ، وكون العدل خيراً ( حكماً كلياً لا من حيث انطباقه على المورد ) تكون أحكاماً نسبية متغيرة بتغير الأزمنة والأوضاع ، والأحوال ، وقد بيّنا في محله فساد هذه النظرية من حيث كليتها .
  وحاصل ما ذكرناه هناك أن النظرية غير شاملة للقضايا الكلية النظرية وقسم من الآراء الكلية العملية .
  وكفى في بطلان كليتها أنها لو صحت ( أي كانت كلية ـ مطلقة ـ ثابتة ) أثبتت قضية مطلقة غير نسبية وهي نفسها ، ولو لم تكن كلية مطلقة ، بل قضية جزئية أثبتت بالاستلزام قضية كلية مطلقة فكليتها باطلة على أي حال ،

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 46 ـ

  وبعبارة اخرى لو صح أن ( كل رأي واعتقاد يجب أن يتغير يوماً ) وجب أن يتغير هذا الرأي نفسه ـ أي لا يتغير بعض الاعتقادات أبداً ـ فانهم ذلك .

هل الاسلام قادر على إسعاد البشرية
  ربما يقال : هب أن الاسلام لتعرضه لجميع شؤون الانسانية الموجودة في عصر نزول القرآن كان يكفي في إيصاله مجتمع ذلك العصر إلى سعادتهم الحقيقية ، وجميع أمانيهم في الحياة لكن الزمن استطاع أن يغير طرق الحياة الانسانية ، فالحياة الثقافية والعيشة الصناعية في حضارة اليوم لا تشبه الحياة الساذجة قبل أربعة عشر قرناً المقتصرة على الوسائل الطبيعية الابتدائية ، فقد بلغ الانسان إثر مجاهداته الطويلة الشاقة مبلغاً من الارتقاء والتكامل المدني لو قيس إلى ما كان عليه قبل عدة قرون كان كالقياس بين نوعين متباينين فكيف تفي القوانين الموضوعة لتنظيم الحياة في ذلك العصر للحياة المتشكلة العبقرية اليوم ؟ وكيف يمكن أن تحمل كل من الحياتين أثقال الاخرى ؟
  والجواب : أن الاختلاف بين العصرين من حيث صورة الحياة لا يرجع إلى كليات شؤونها ، وإنما هو من حيث المصاديق والموارد وبعبارة اخرى يحتاج الانسان في حياته إلى غذاء يتغذى به ، ولباس يلبسه ، ودار يقطن فيه ويسكنه ، ووسائل تحمله وتحمل أثقاله وتنقلها من مكان إلى آخر ومجتمع يعيش بين أفراده ، وروابط تناسلية وتجارية وصناعية وعملية وغير ذلك ، وهذه حاجة كلية غير متغيرة ما دام الانسان إنساناً ذا هذه الفطرة والبنية ، وما دام حياته هذه الحياة الانسانية والانسان الأولي وإنسان هذا اليوم في ذلك على حد سواء .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 47 ـ

  وإنما الاختلاف بينهما من حيث مصاديق الوسائل التي يرفع الانسان بها حوائجه المادية ، ومن حيث مصاديق الحوائج حسب ما يتنبه لها وبوسائل رفعها .
  فقد كان الانسان الأولي مثلاً يتغذى بما يجده من الفواكه والنبات ولحم الصيد على وجه بسيط ساذج ، وهو اليوم يهيىء منها ببراعته وابتداعه ألوفاً من ألوان الطعام والشراب ذات خواص تستفيد منها طبيعته ، وألوان يستلذ منها بصره ، وطعوم يستطيبها ذوقه ، وكيفيات يتنعم بها لمسه ، وأوضاع وأحوال اخرى يصعب إحصاؤها ، وهذا الاختلاف الفاحش لا يفرق الثاني من الأول من حيث ان الجميع غذاء يتغذى به الانسان لسد جوعه وإطفاء نائرة شهوته . وكما أن هذه الاعتقادات الكلية التي كانت عند الانسان أولاً لم تبطل بعد تحوله من عصر إلى عصر بل انطبق الأول على الآخر انطباقاً ، كذلك القوانين الكلية الموضوعة في الاسلام طبق دعوة الفطرة واستدعاء السعادة لا تبطل بظهور وسيلة مكان وسيلة ما دام الوفاق مع أصل الفطرة محفوظاً من غير تغير وانحراف ، وأما مع المخالفة فالسنة الاسلامية لا توافقها سواء في ذلك العصر القديم ، والعصر الحديث .
  وأما الاحكام الجزئية المتعلقة بالحوادث الجارية التي تحدث زماناً وزماناً وتتغير سريعاً بالطبع كالأحكام المالية والانتظامية المتعلقة بالدفاع وطرق تسهيل الارتباطات والمواصلات والمؤسسات البلدية ونحوها فهي مفوضة إلى اختيار الوالي ومتصدي أمر الحكومة فإن الوالي نسبته إلى ساحة ولايته كنسبة الرجل إلى بيته فله أن يعزم على أمور من شؤون المجتمع في داخله أو خارجه مما يتعلق بالحرب أو السلم مالية أو غير مالية يراعي فيها صلاح حال المجتمع بعد المشاورة مع المسلمين كما قال تعالى : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 48 ـ

  اللّهِ ) (1) كل ذلك من الأمور العامة .
  وهذه أحكام وقواعد جزئية تتغير بتغير المصالح والاسباب التي لا تزال يحدث منها شيء ويزول منها شيء غير الأحكام الإلهية التي يشتمل عليها الكتاب والسنة ولا سبيل للنسخ إليها ولبيانه التفصيلي محل آخر .

من الذي يتقلّد ولاية المجتمع في الإسلام وما سيرته ؟
  كانت ولاية أمر المجتمع الاسلامي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وافتراض طاعته صلى الله عليه وآله وسلم على الناس واتباعه صريح القرآن الكريم .
  قال تعالى : ( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ) (2) .
  وقال تعالى : ( لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ ) (3) .
  وقال تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (4) .
  وقال تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ) (5) .
  إلى غير ذلك من الآيات الكبيرة التي يتضمن كل منها بعض شؤون ولايته العامة في المجتمع الاسلامي أو جميعها .
  والوجه الوافي لغرض الباحث في هذا الباب أن يطالع سيرته صلى الله عليه وآله وسلم ويمتلىء منه نظراً ثم يعود إلى مجموع ما نزل من الآيات في الأخلاق والقوانين المشرعة في الأحكام العبادية والمعاملات والسياسات وسائر

**************************************************************
(1) سورة آل عمران ، الآية : 159 .
(2) سورة التغابن ، الآية : 12 .
(3) سورة النساء ، الآية : 105 .
(4) سورة الأحزاب ، الآية : 6 .
(5) سورة آل عمران ، الآية : 31 .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 49 ـ

  المرابطات والمعاشرات فإن هذا الدليل المتخذ بنحو الانتزاع من ذوق التنزيل الإلهي له من اللسان الكافي والبيان الوافي ما لا يوجد في الجملة والجملتين من الكلام البتة .
  وهاهنا نقطة اخرى يجب على الباحث الاعتناء بأمرها ، وهو أن عامة الآيات المتضمنة لإقامة العبادات والقيام بأمر الجهاد وإجراء الحدود والقصاص وغير ذلك توجه خطاباتها إلى عامة المؤمنين دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ، كقوله تعالى : ( وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ) (1) .
  وقوله : ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) (2) .
  وقوله : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) (3) .
  وقوله : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) (4) .
  وقوله : ( وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ ) (5) .
  وقوله : ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِ ) (6) .
  وقوله : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ) (7) .
  وقوله : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا ) (8) .

**************************************************************
(1) سورة النساء ، الآية : 77 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 195 .
(3) سورة البقرة ، الآية : 183 .
(4) سورة آل عمران ، الآية : 104 .
(5) سورة المائدة ، الآية : 35 .
(6) سورة الحج ، الآية : 78 .
(7) سورة النور ، الآية : 2 .
(8) سورة المائدة ، الآية : 38 .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 50 ـ

  وقوله : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) (1) .
  وقوله : ( وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ) (2) .
  وقوله : ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) (3) .
  وقوله : ( إن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) (4) .
  وقوله : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (5) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة .
  ويستفاد من الجميع أن الدين صبغة اجتماعية حمله الله على الناس ولا يرضى لعباده الكفر ، ولم يرد إقامته إلا منهم ، فالمجتمع المتكون منهم أمره إليهم من غير مزية في ذلك لبعضهم ولا اختصاص منهم ببعضهم والنبي ومن دونه في ذلك سواء .
  قال تعالى : ( أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) (6) .
  فإطلاق الآية تدل على أن التأثير الطبيعي الذي لأجزاء المجتمع الاسلامي في مجتمعهم مراعى عند الله سبحانه تشريعاً كما راعاه تكويناً وأنه تعالى لا يضيعه ، وقال تعالى : ( إن الارض لله يورثها من يشاء من عباده

**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 179 .
(2) سورة الطلاق ، الآية : 2 .
(3) سورة آل عمران ، الآية 103 .
(4) سورة الشورى ، الآية : 13 .
(5) سورة آل عمران ، الآية : 144 .
(6) سورة آل عمران ، الآية : 195 .