الحق أوعلى الباطل ، يعني أنا بينا لكم جميع السنن السابقة من حق وباطل لتكونوا على بصيرة فتأخذوا بالحق منها وتدعوا الباطل .
وهذا معنى لا بأس به غير أن الهداية في القرآن غير مستعمل في هذا المعنى ، وإنما استعمل فيما استعمل في الإيصال إلى الحق أو إرادة الحق كقوله : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )
(1) .
وقوله : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا )
(2) والأوفق بمذاق القرآن أن يعبر عن أمثال هذه المعاني بلفظ التبيين والقصص ونحو ذلك .
نعم لو جعل قوله يبين وقوله: ويهديكم متنازعين في قوله : ( سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) .
وقوله : ( يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ) أيضاً راجعاً إليه ، وآل المعنى إلى أن الله يبين لكم سنن الذين من قبلكم ، ويهديكم إلى الحق منها ، ويتوب عليكم فيما ابتليتم به من باطلها كان له وجه فإن الآيات السابقة فيها ذكر من سنن السابقين والحق والباطل منها والتوبة على ما قد سلف من السنن الباطلة .
قوله تعالى : ( وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة المذكورة هو رجوعه إلى عبده بالنعمة والرحمة ، وتشريع الشريعة ، وبيان الحقيقة ، والهداية إلى طريق الاستقامة كل ذلك توبة منه سبحانه كما أن قبول توبة العبد ورفع آثار المعصية توبة .
وتذييل الكلام بقوله : والله عليم حكيم ليكون راجعاً إلى جميع فقرات الآية ، ولو كان المراد رجوعه إلى آخر الفقرات لكان الانسب ظاهراً أن يقال : والله غفور رحيم .
**************************************************************
(1) سورة القصص ، الآية : 56 .
(2) سورة الإنسان ، الآية : 3 .