السائرة بسيرة القبائل كانت تدوم فيهم الحروب والغزوات وقتل الفتك والغيلة فكان القتل يفني الرجال ، ويزيد عدد النساء على الرجال زيادة لا ترتفع حاجة الطبيعة معها إلا بتعدد الزوجات ، هذا .
والإسلام شرع الازدواج بواحدة ، وأنفذ التكثير إلى أربع بشرط التمكن من القسط بينهن مع إصلاح جميع المحاذير المتوجهة إلى التعدد على ما سنشير إليها قال تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )
(1) .
وقد استشكلوا على حكم تعدد الزوجات :
أولاً : أنه يضع آثاراً سيئة في المجتمع فإنه يقرع قلوب النساء في عواطفهن ويخيب أمالهن ويسكن فورة الحب في قلوبهن فينعكس حس الحب إلى حس الانتقام فيهملن أمر البيت ويتثاقلن في تربية الأولاد ، ويقابلن الرجل بمثل ما أساؤوا اليهن فيشيع الزنا والسفاح الخيانة في المال والعرض ، فلا يلبث المجتمع دون أن ينحط في أقرب وقت .
وثانياً : ان التعدد في الزوجات يخالف ما هو المشهود المتراءى من عمل الطبيعة فإن الإحصاء في الأمم والإجيال يفيد أن قبيلي الذكورة والإناث متساويان عدداً تقريباً فالذي هيأته الطبيعة هو واحدة لواحد ، وخلاف ذلك خلاف غرض الطبيعة .
وثالثاً : أن في تشريع تعدد الزوجات ترغيباً للرجال إلى الشره والشهوة وتقوية لهذه القدرة في المجتمع .
ورابعاً : أن في لك حطاً لوزن النساء في المجتمع بمعادلة الأربع منهن بواحد من الرجال ، وهو تقويم جائر حتى بالنظر إلى مذاق الإسلام الذي سوي فيه بين امرأتين ورجل كما في الارث والشهادة وغيرهما ، ولازمه
**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 228 .
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 147 ـ
تجويز التزوج باثنتين منهن لا أزيد ففي تجويز الأربع عدول عن العدل على أي حال من غير وجه ، وهذه الإشكالات مما اعترض بها النصارى على الإسلام أو من يوافقهم من المدنيين المنتصرين لمسألة تساوي حقوق الرجال والنساء في المجتمع .
والجواب عن الأول ما تقدم غير مرة في المباحث المتقدمة أن الاسلام وضع بنية المجتمع الإنساني على أساس الحياة التعقلية دون الحياة الإحساسية فالمتبع عنده هو الصلاح العقلي في السنن الإجتماعية دون ما تهواه الإحساسات وتنجذب إليه العواطف .
وليس في ذلك إماتة العواطف والإحساسات الرقيقة وإبطال حكم المواهب الإلهية والغرائز الطبيعية فإن من المسلم في الأبحاث النفسية أن الصفات الروحية والعواطف والإحساسات الباطنة تختلف كما وكيفا باختلاف التربية والعادة كما أن كثيراً من الآداب والرسوم الممدوحة عند الشرقيين مذمومة عند الغربيين ، وبالعكس ، وكل أمة تختلف مع غيرها في بعض الأمور .
والتربية الدينية في الإسلام تقيم المرأة الإسلامية مقاماً لا تتألم بأمثال ذلك عواطفها . نعم المرأة الغربية حيث اعتادت منذ قرون بالوحدة ولقنت بذلك جيلاً بعد جيل استحكم في روحها عاطفة نفسانية تضاد التعدد ، ومن الدليل على ذلك الاسترسال الفظيع الذي شاعت بين الرجال والنساء في الأمم المتمدنة اليوم .
أليس رجالهم يقضون أوطار الشهوة من كل من هووها ، وهوتهم من نسائهم من محارم وغيرها ، ومن بكر أو ثيب ، ومن ذات بعل أو غيرها ، حتى أن الإنسان لا يقدر أن يقف في كل ألف منهم بواحد قد سلم من الزنا سواء
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 148 ـ
في ذلك الرجال والنساء ولم يقنعوا بذلك حتى وقعوا في الرجال وقوعا قل ما يسلم منه فرد حتى بلغ الأمر مبلغاً رفعوا قبيل سنة إلى برلمان بريطانيا العظمى أن يبيح لهم اللواط ( سنة قانونية ) وذلك بعد شيوعه بينهم من غير رسمية ، وأما النساء وخاصة الأبكار وغير ذوات البعل من الفتيات فالأمر فيهن أغرب وأفظع . فليت شعري كيف لا تأسف النساء هناك ولا يتحرجن ولا تنكسر قلوبهن ولا تتألم عواطفهن حين يشاهدن كل هذه الفضائح من رجالهن ؟ وكيف لا تتألم عواطف الرجال وإحساساته حين يبني بفتاة ثم يجدها ثيباً فقدت بكارتها وافترشت لا للواحد والاثنين من الرجال ثم لا يلبث حتى يتباهى بين الأقران ان سيدته ممن جذبت الرجال إلى نفسها وتنافس عليها العشرات والمئات !! .
إن هذه السيئات تكررت بينهم ونزعة الحرية تمكنت من أنفسهم حتى صارت عادة عريقة مألوفة لا تمتنع منها العواطف والإحساسات ولا تستنكرها النفوس ؟ فليس إلا أن السنن الجارية تميل العواطف الإحساسات إلى ما يوافقها ولا يخالفها .
وأما ما ذكروه من استلزام ذلك إهمالهن في تدبير البيت وتثاقلهن في تربية الأولاد وشيوع الزنا والخيانة فالذي أفادته التجربة خلاف ذلك فإن هذا الحكم جرى في صدر الإسلام وليس في وسع أحد من أهل الخبرة بالتاريخ أن يدعي حصول وقفة في أمر المجتمع من جهته بل كان الأمر بالعكس .
على أن هذه النساء اللاتي يتزوج بهن على الزوجة الأولى في المجتمع الإسلامي وسائر المجتمعات التي ترى ذلك أعني الزوجة الثانية والثالثة والرابعة إنما يتزوج بهن عن رضاء ورغبة منهن وهن من نساء هذه المجتمعات ، ولم يسترققهن الرجال من مجتمعات اخرى ، ولا جلبوهن للنكاح من غير هذه الدنيا وإنما رغبن في مثل هذا الازدواج لعلل اجتماعية ،
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 149 ـ
فطباع جنس المرأة لا يمتنع عن مسألة تعدد الزوجات ، ولا قلوبهن تتألم منها بل لو كان شيء من ذلك فهو من لوازم وعوارض الزوجية الأولى أعني أن المرأة إذا توحدت للرجل لا تحب أن ترد عليها وعلى بيتها اخرى لخوفها أن تميل عنها بعلها أو تترأس عليها غيرها أو يختلف الأولاد ونحو ذلك فعدم الرضا والتألم فيما كان إنما منشأه حالة عرضية ( التوحد بالبعل ) لا غريزة طبيعية .
والجواب عن الثاني أن الاستدلال بتسوية الطبيعة بين الرجال والنساء في العدد مختل من وجوه .
منها أن أمر الازدواج لا يتكي على هذا الذي ذكروه فحسب بل هناك عوامل وشرائط اخرى لهذا الأمر فأولاً الرشد الفكري والتهيؤ لأمر النكاح أسرع إلى النساء منها إلى الرجال فالنساء وخاصة في المناطق الحارة إذاجزن التسع صلحن للنكاح ، والرجال لا يتهيؤون لذلك غالباً قبل الست عشرة من السنين ( وهو الذي اعتبره الإسلام للنكاح ) .
ومن الدليل على ذلك السنة الجارية في فتيات الامم المتمدنة ، فمن الشاذ النادر أن تبقى فتاة على بكارتها إلى سن البلوغ القانوني فليس إلا أن الطبيعة هيأتها للنكاح قبل تهيئتها الرجال لذلك .
ولازم هذه الخاصة أن لو اعتبرنا مواليد ست عشرة سنة من قوم ( والفرض تساوي عدد الذكورة والإناث فيهم ) كان الصالح للنكاح في السنة السادسة عشر من الرجال وهي سنة أول الصلوح مواليد سنة واحدة وهم مواليد السنة الأولى المفروضة ، والصالحة للنكاح من النساء مواليد سبع سنين وهي مواليد السنة الأولى إلى السابعة ، ولو اعتبرنا مواليد خمسة وعشرين سنة وهي سن بلوغ الأشد من الرجال حصل في السنة الخامسة
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 150 ـ
والعشرين على الصلوح في الرجال مواليد عشرة سنين ، ومن النساء مواليد خمس عشرة سنة ، وإذا أخذنا بالنسبة الوسطى حصل لكل واحد من الرجال اثنتان من النساء بعمل الطبيعة .
وثانياً : أن الإحصاء كما ذكروه يبين أن النساء أطول عمراً من الرجال ، ولازمه أن تهيئ سنة الوفاة والموت عدداً من النساء ليس بحذائهن رجال .
ومما يؤيد ذلك ما نشره بعض الجرائد في هذه الأيام ( جريدة الإطلاعات المنتشرة في طهران المؤرخة بالثلاثاء 11 ديماه سنة 1335 هـ ش ) حكاية عن دائرة الاحصاء في فرنسا ما حاصله : قد تحصل بحسب الاحصاء أنه يولد في فرنسا حذاء كل ( 100 ) مولودة من البنات ( 105 ) من البنين ، ومع ذلك فإن الإناث يربو عدتهن على عدة الذكور بما يعادل ( 1765000 ) نسمة ونفوس المملكة ( 40 مليوناً ) والسبب فيه أن البنين أضعف مقاومة من البنات قبال الأمراض ويهلك بها ( 5% ) الزائد منهم إلى سنة ( 19 ) من الولادة .
ثم يأخذ عدة الذكور في النقص ما بين 25 ـ 30 من السنين حتى إذا بلغوا سني 60 ـ 65 لم يبق تجاه ( 1500000 ) من الاناث إلا ( 750000 ) من الذكور .
وثالثاً : أن خاصة النسل والتوليد تدوم في الرجال أكثر من النساء ، فالأغلب على النساء ان يئسن من الحمل في سن الخمسين ويمكث ذلك في الرجال سنين عديدة بعد ذلك ، وربما بقي قابلية التوليد في الرجال إلى تمام العمر الطبيعي وهي مائة سنة فيكون عمر صلاحية الرجل للتوليد وهو ثمانون سنة تقريباً ضعفه في المرأة وهو أربعون تقريباً ، وإذا ضم هذا الوجه إلى الوجه السابق أنتج أن الطبيعة والخلقة أباح للرجال التعدي من الزوجة