ماذا تعني قيمومة الرجل ؟
  تقوية القرآن الكريم لجانب العقل الإنساني السليم ، وترجيحه إياه على الهوى واتباع الشهوات ، والخضوع لحكم العواطف والإحساسات الحادة وحضه وترغيبه في اتباعه ، وتوصيته في حفظ هذه الوديعة الإلهية عن الضيعة مما لا ستر عليه ، ولا حاجة إلى إيراد دليل كتابي يؤدي إليه فقد تضمن القرآن آيات كثيرة متكثرة في الدلالة على ذلك تصريحاً وتلويحاً وبكل لسان وبيان .
  ولم يهمل القرآن مع ذلك أمر العواطف الحسنة الطاهرة ، ومهام آثارها الجميلة التي يتربى بها الفرد ويقوم بها صلب المجتمع كقوله : ( أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) (1) .
  وقوله : ( لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ) (2) .
  وقوله : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) (3) .
  لكنه عدلها بالموافقة لحكم العقل فصار اتباع حكم هذه العواطف والميول اتباعاً لحكم العقل ، وقد مر في بعض المباحث السابقة أن من حفظ الإسلام لجانب العقل وبنائه أحكامه المشرعة على ذلك أن جميع الاعمال والأحوال والأخلاق التي تبطل استقامة العقل في حكمه ، وتوجب خبطه في قضائه وتقويمه لشؤون المجتمع كشرب الخمر والقمار وأقسام المعاملات الغررية والكذب والبهتان والإفتراء والغيبة كل ذلك محرمة في الدين .

**************************************************************
(1) سورة الفتح ، الآية : 29 .
(2) سورة الروم ، الآية : 21 .
(3) سورةالاعراف ، الآية : 32 .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 127 ـ

  والباحث المتأمل يحدس من هذا المقدار أن من الواجب أن يفوض زمام الأمور الكلية والجهات العامة الاجتماعية ـ التي ينبغي أن تدبرها قوة التعقل ويجتنب فيها من حكومة العواطف والميول النفسانية كجهات الحكومة والقضاء والحرب ـ إلى من يمتاز بمزيد العقل ويضعف فيه حكم العواطف وهو قبيل الرجال دون النساء .
  وهو كذلك ؛ قال الله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء ) والسنة النبوية التي هي ترجمان البيانات القرآنية بينت ذلك كذلك ، وسيرته صلى الله عليه وآله وسلم جرت على ذلك أيام حياته فلم يول امرأة على قوم ولا أعطى امرأة منصب القضاء ولا دعاهن إلى غزاة بمعنى دعوتهن إلى أن يقاتلن .
  وأما غيرها من الجهات كجهات التعليم والتعلم والمكاسب والتمريض والعلاج وغيرها مما لا ينافي نجاح العمل فيها مداخلة العواطف فلم تمنعهن السنة ذلك والسيرة النبوية تمضي كثيراً منها ، والكتب أيضاً لا يخلو من دلالة على إجازة ذلك في حقهن فإن ذلك لازم ما أعطين من حرية الإرادة والعمل في كثير من شؤون الحياة إذ لا معنى لاخراجهن من تحت ولاية الرجال وجعل الملك لهن بحيالهن ثم النهي عن قيامهن باصلاح ما ملكته أيديهن بأي نحو من الإصلاح ، وكذا لا معنى لجعل حق الدعوى أو الشهادة لهن ثم المنع عن حضورهن عند الوالي أو القاضي وهكذا .
  اللهم إلا فيما يزاحم حق الزوج فإن له عليها قيمومة الطاعة في الحضور ، والحفظ في الغيبة ، ولا يمضي لها من شؤونها الجائزة ما يزاحم ذلك .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 128 ـ

بحث روائي
  في المجتمع في قوله تعالى : ( ولا تتمنوا ما فضل الله ) ( الآية ) : أي لا يقل أحدكم : ليت ما اعطي فلان من النعمة والمرأة الحسنى كان لي فإن ذلك يكون حسداً ، ولكن يجوز أن يقول : اللهم أعطني مثله ، قال : وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام (1) .
  أقول : وروى العياشي في تفسيره عن الصادق عليه السلام مثله (2) .
  في تفسير البرهان عن ابن شهر آشوب عن الباقر والصادق عليهما السلام في قوله تعالى : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده ) ، وفي قوله : ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) أنهما نزلتا في على عليه السلام (3) .
  أقول : والرواية من باب الجري والتطبيق .
  وفي الكافي وتفسير القمي عن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : ليس من نفس إلا وقد فرض الله لها رزقها حلالاً يأتيها في عافية ، وعرض لها بالحرام من وجه آخر ، فإن هي تناولت شيئاً من الحرام قاصها به من الحلال الذي فرض لها وعند الله سواهما فضل كثير ، وهو قول الله عز وجل : واسألوا الله من فضله (4) .
  أقول : ورواه العياشي عن إسماعيل بن كثير رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وروى هذا المعنى أيضاً عن أبي الهذيل عن الصادق عليه السلام (5) ، وروى قريباً منه أيضاً القمي في تفسيره عن الحسين بن مسلم عن الباقر عليه السلام .

**************************************************************
(1) تفسير مجمع البيان ج 2 ، ص 40 .
(2) تفسير العياشي ، ج 1 ، ص 239 رواية 115 .
(3) تفسير البرهان ج 1 ، ص 361 ( دار الكتب العلمية ) .
(4) الكافي ج 5 ، ص 80 رواية 2 .
(5) تفسير العياشي ج 1 ، ص 39 ، رواية 116 ورواية 117 .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 129 ـ

  وقد تقدم كلام في حقيقة الرزق وفرضه وانقسامه إلى الرزق الحلال والحرام في ذيل قول : ( وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (1) .
  وفي صحيح الترمذي عن ابي مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل (2) .
  وفي الدر المنثور أخرج ابن جرير من طريق حكيم بن جبير عن رجل لم يسمه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل ، وإن أفضل العبادة انتظار الفرج .
  وفي التهذيب بإسناده عن زرارة قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : ( ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ) قال : عنى بذلك أولي الأرحام في المواريث ، ولم يعن أولياء النعمة فأولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم التي تجره اليها (3) .
  وفيه أيضاً باسناده عن إبراهيم بن محرز قال : سأل أبا جعفر عليه السلام رجل وأنا عنده قال : فقال رجل لامرأته : أمرك بيدك ، قال : أنى يكون هذا والله يقول : ( الرجال قوّامون على النساء ) ليس هذا بشيء (4) .
  وفي الدر المنثور أخرج ابن ابي حاتم من طريق أشعث بن عبد الملك عن الحسن قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تستعدي على زوجها أنه لطمها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : القصاص ، فأنزل الله : ( الرجال قوامون على النساء ) الآية فرجعت بغير قصاص

**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 212 .
(2) صحيح الترمذي : ج 5 ، ص 528 باب 116 حديث 3571 .
(3) التهذيب ج 9 ، ص 268 رواية 2 باب 4 .
(4) التهذيب ج 8 ، ص 88 رواية 221 باب 36 وفي الحديث تكملة .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 130 ـ

  أقول : ورواه بطريق اخرى عنه عليه السلام ، وفي بعضها : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أردت أمراً وأراد الله غيره ، ولعل المورد كان من موارد النشوز ، وإلا فذيل الآية : ( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ) .
  وفي ظاهر الروايات إشكال آخر من حيث أن ظاهرها أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : القصاص بيان للحكم عن استفتاء من السائل لا قضاء فيما لم يحضر طرفا الدعوى ، ولازمه أن يكون نزول الآية تخطئة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حكمه وتشريعه ، وهو ينافي عصمته ، وليس بنسخ فإنه رفع حكم قبل العمل به ، والله سبحانه وإن تصرف في بعض أحكام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضعاً أو رفعاً لكن ذلك إنما هو في حكمه ورأيه في موارد ولايته لا في حكمه فيما شرعه لأمته فإن ذلك تخطئة باطلة .
  وفي تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : ( قانتات ) يقول مطيعات (1) .
  وفي المجمع في قوله تعالى : ( فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ) الآية ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : يحول ظهره اليها ، وفي معنى الضرب عن أبي جعفر عليه السلام أنه الضرب بالسواك (2) .
  وفي الكافي بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : ( فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ) قال : الحكمان يشترطان إن شاءا فرقاً ، وإن شاءا جمعا فإن فرقا فجائز ، وإن جمعا فجائز (3) .
  أقول : وروي هذا المعنى وما يقرب منه بعدة طرق أخر فيه وفي تفسير

**************************************************************
(1) تفسير القمي ج 1 ، ص 137 . ( مؤسسة دار الكتاب : قم ) .
(2) تفسير مجمع البيان ج 2 ، ص 44 .
(3) الكافي ج 6 ، ص 146 رواية 3 .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 131 ـ

  العياشي ، وفي تفسير العياشي عن ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة تزوجها رجل ، وشرط عليها وعلى أهلها ان تزوج عليها امرأة وهجرها أو أبى عليها سرية فإنها طالق ، فقال : شرط الله قبل شرطكم إن شاء وفى بشرطه ، وإن شاء أمسك امرأته ونكح عليها وتسرى عليها وهجرها إن أتت سبيل ذلك ، قال الله في كتابه : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) وقال : ( أحل لكم مما ملكت أيمانكم ) وقال : ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيرا ) (1) .
  وفي الدر المنثور أخرج البيهقي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بين أصحابه فقالت : بأبي أنت وامي إني وافدة النساء إليك ، واعلم نفسي لك الفداء أنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي .
  إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك ، وإنا معشر النساء محصورات مقسورات ، قواعد بيوتكم ، ومقضى شهواتكم ، وحاملات أولادكم ، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات ، وعيادة المرضى ، وشهود الجنائز ، والحج بعد الحج ، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله ، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم ، وغزلنا لكم أثوابكم ، وربينا لكم أموالكم فما نشارككم في الأجر يا رسول الله ؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ، ثم قال : هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من

**************************************************************
(1) تفسير العياشي ج 1 ، ص 240 رواية ( 121 ) .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 132 ـ

  هذه ؟ فقالوا : يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا ، فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليها ثم قال لها : انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء : أن حسن تبعل إحداكن لزوجها ، وطلبها مرضاته ، واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ، فأدبرت المرآة وهي تهلل وتكبر استبشاراً (1) .
  أقول : والروايات في هذا المعنى كثيرة مروية في جوامع الحديث من طرق الشيعة ، وأهل السنة ومن أجمل ما روي فيه ما رواه في الكافي عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام : جهاد المرأة حسن التبعل (2) .
  ومن أجمع الكلمات لهذا المعنى مع اشتماله على اس ما بني عليه التشريع ما في نهج البلاغة ، ورواه أيضاً في الكافي بإسناده عن عبدالله بن كثير عن الصادق عليه السلام عن علي عليه أفضل السلام ، وبإسناده أيضاً عن الأصبغ بن نباتة عنه عليه السلام في رسالته إلى ابنه : أن المرأة ريحانة ، وليست بقهرمانة (3) .
  وما روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنما المرأة لعبة من اتخذها فلا يضيعها ) .
  وقد كان يتعجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف تعانق المرأة بيد ضربت بها ؛ ففي الكافي أيضاً بإسناده عن أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أيضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها ؟ ! وأمثال هذه البيانات كثيرة في الأحاديث ، ومن التأمل فيها يظهر رأي الإسلام فيها .
  ولنرجع إلى ما كنا فيه من حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية فنقول :

**************************************************************
(1) السيوطي : الدر المنثور : ج 2 ، ص 153 .
(2) الكافي ج 5 ، ص 9 رواية 1 .
(3) الكافي ج 5 ، ص 510 رواية 3 .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 133 ـ

  يظهر من التأمل فيه ، وفي نظائره الحاكية عن دخول النساء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتكليمهن إياه فيما يرجع إلى شرائع الدين ، ومختلف ما قرره الإسلام في حقهن أنهن على احتجابهن واختصاصهن بالأمور المنزلية من شؤون الحياة غالباً لم يكن ممنوعات من المراودة إلى ولي الأمر ، والسعي في حل ما ربما كان يشكل عليهن ، وهذه حرية الاعتقاد التي باحثنا فيها في ضمن الكلام في المرابطة الاسلامية في آخر سورة آل عمران .
  ويستفاد منه ومن نظائره أيضاً أولاً أن الطريقة المرضية في حياة المرأة في الإسلام أن تشتغل بتدبير امور المنزل الداخلية وتربية الأولاد ، وهذه وإن كانت سنة مسنونة غير مفروضة لكن الترغيب والتمريض الندبي ـ والظرف ظرف الدين ، والجو جو التقوى وابتغاء مرضاة الله ، وإيثار مثوبة الآخرة على عرض الدنيا والترتبية على الأخلاق الصالحة للنساء كالعفة والحياء ومحبة الأولاد والتعلق بالحياة المنزلية ـ كانت تحفظ هذه السنة .
  وكان الاشتغال بهذه الشؤون والاعكتاف على إحياء العواطف الطاهرة المودعة في وجودهن يشغلن عن الورود في مجامع الرجال ، واختلاطهن بهم في حدود ما أباح الله لهن ، ويشهد بذلك بقاء هذه السنة بين المسلمين على ساقها قروناً كثيرة بعد ذلك حتى نفذ فيهن الارسترسال الغربي المسمى بحرية النساء في المجتمع فجرت اليهن واليهم هلاك الأخلاق ، وفساد الحياة وهم لا يشعرون ، وسوف يعلمون ، ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتح الله عليهم بركات من السماء ، واكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولكن كذبوا فأخذوا ) .
  وثانياً : إن في السنة المفروضة في الاسلام منع النساء من القيام بأمر الجهاد والقضاء والولاية .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 134 ـ

  وثالثاً : ان الاسلام لم يهمل أمر هذه الحرمانات كحرمان المرأة من فضيلة الجهاد في سبيل الله دون أن تداركها ، وجبر كسرها بما يعادلها عنده بمزايا وفضائل فيها مفاخر حقيقية كما أنه جعل حسن التبعل مثلاً جهاداً للمرأة ، وهذه الصنائع والمكارم أوشك أن لا يكون لها عندنا ـ وظرفنا هذا الظرف الحيوي الفاسد ـ قدر لكن الظرف الاسلامي الذي يقوم الأمور بقيمها الحقيقية ، ويتنافس فيه في الفضائل الإنسانية المرضية عند الله سبحانه ، وهو يقدرها حق قدرها يقدر لسلوك كل إنسان مسلكه الذي ندب اليه ، وللزومه الطريق الذي خط له ، من القيمة ما يتعادل فيه أنواع الخدمات الإنسانية وتتوازن أعمالها فلا فضل في الإسلام للشهادة في معركة القتال والسماحة بدماء المهج ـ على ما فيه من الفضل ـ على لزوم المرأة وظيفتها في الزوجية ، وكذا لا فخار لوال يدير رحى المجتمع الحيوي ، ولا لقاض يتكي على مسند القضاء ، وهما منصبان ليس للمتقلد بهما في الدنيا لو عمل فيما عمل بالحق وجرى فيما جرى على الحق إلا تحمل أثقال الولاية والقضاء ، والتعرض لمهالك ومخاطر تهددهما حيناً بعد حين في حقوق من لا حامي له إلا رب العالمين ، وإن ربك لبالمرصاد ـ فإي فخر لهؤلاء على من منعه الدين الورود موردهما ، وخط له خطاً وأشار اليه بلزومه وسلوكه .
  فهذه المفاخر إنما يحييها ويقيم صلبها بإيثار الناس لها نوع المجتمع الذي يربي اجزاءه على ما يندب إليه من غير تناقض ، واختلاف الشؤون الاجتماعية والأعمال الإنسانية بحسب اختلاف المجتمعات في اجوائها مما لا يسع أحداً إنكاره .
  هو ذا الجندي الذي يلقي بنفسه في أخطر المهالك ، وهو الموت في منفجر القنابل المبيدة ابتغاء ما يراه كرامة ومزيداً ، وهو زعمه أن سيذكر اسمه في فهرس من فدا بنفسه وطنه ويفتخر بذلك على كل ذي فخر في عين

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 135 ـ

  ما يعتقد بأن الموت فوت وبطلان وليس إلا بغية وهمية ، وكرامة خرافية ، وكذلك ما تؤثره هذه الكواكب الظاهرة في سماء السينماءات ويعظم قدرهن بذلك الناس تعظيماً لا يكاد يناله رؤساء الحكومات السامية ، وقد كان ما يعتورنه من الشغل وما يعطين من أنفسهن للملأ دهراً طويلاً في المجتمعات الإنسانية أعظم ما يسقط به قدر النساء ، وأشنع ما يعيرن به ، فليس ذلك كله إلا أن الظرف من ظروف الحياة يعين ما يعينه على أن يقع من سواد الناس موقع القبول ويعظم الحقير ، ويهون الخطير فليس من المستبعد أن يعظم الإسلام أموراً نستحقرها ونحن في هذه الظروف المضطربة ، أو يحقر أموراً نستعظمها ونتافس فيها فلم يكن الظرف في صدر الإسلام إلا ظرف التقوى وإيثار الآخرة على الأولى .

الفصل الرابع

الزواج

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 139 ـ

النكاح من مقاصد الطبيعة
  أصل التواصل بين الرجل والمرأة مما تبينه الطبيعة الإنسانية بل الحيوانية بأبلغ بيانها ، والإسلام دين الفطرة فهو مجوزه لا محالة .
  وأمر الإيلاد والإفراخ الذي هو بغية الطبيعة وغرض الخلقة في هذا الإجتماع هو السبب الوحيد والعامل الأصلي في تقليب هذا العمل في قالب الأزدواج وإخراجه من مطلق الإختلاط للسفاد والمقاربة إلى شكل النكاح والملازمة ولهذا ترى أن الحيوان الذي يشترك في تربيته الوالدان معاً كالطيور في حضانة بيضها وتغذية أفراخها وتربيتها وكالحيوان الذي يحتاج في الولادة والتربية إلى وكر تحتاج الإناث منه في بنائه وحفظه إلى معاونة الذكور ويختار لهذا الشأن الازدواج وهو نوع من الملازمة والاختصاص بين الزوجين الذكور والإناث منه فيتواصلان عندئذ ويتشاركان في حفظ بيض الإناث وتدبيرها وإخراج الأفراخ منها وهكذا إلى أخر مدة تربية الأولاد ثم

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 140 ـ

  ينفصلان إن انفصلا ثم يتجدد الازدواج وهكذا فعامل النكاح والإزدواج هو الإيلاد وتربية الأولاد ، وأما إطفاء نائرة الشهوة أو الإشتراك في الأعمال الحيوية كالكسب وجمع المال وتدبير الأكل والشرب والاثاث وإدارة البيت فأمور خارجة عن مستوى غرض الطبيعة والخلقة وإنما هي أمور مقدمية أو فوائد مترتبة .
  ومن هنا يظهر أن الحرية والاسترسال من الزوجين بأن يتواصل كل من الزوجين مع غير زوجه أينما أراد ومهما أراد من غير امتناع كالحيوان العجم الذي ينزو الذكور منه على الإناث أينما وجدها على ما يكاد يكون هو السنة الجارية بين الملل المتمدنة اليوم ، وكذا الزنا ، وخاصة زنا المحصنة منها .
  وكذا تثبيت الازدواج الواقع وتحريم الطلاق والانفصال بين الزوجين ، وترك الزوج واتخاذ زوج آخر ما دامت الحياة تجمع بينهما .
  وكذا إلغاء التوالد وتربية الأولاد وبناء الازدواج على أساس الاشتراك في الحياة المنزلية على ما هو المتداول اليوم بين الملل الراقية ونظيره إرسال المواليد إلى المعاهد العامة المعدة للرضاع والتربية ، كل ذلك على خلاف سنة الطبيعة ، وقد جهز الإنسان بما ينافي هذه السنن الحديثة على ما مرت الإشارة إليه .
  نعم الحيوان الذي لا حاجة في ولادته وتربيته إلى أزيد من حمل الاُم إياه وارضاعها له وتربيته بمصاحبتها ، فلا حاجة طبيعية فيه إلى الازدواج والمصاحبة والإختصاص فهذا النوع من الحيوان له حرية السفاد بمقدار ما لا يضر بغرض الطبيعة من جهة حفظ النسل .
  وإياك أن تتوهم أن الخروج عن سنة الخلقة وما تستدعيه الطبيعة لا بأس به بعد تدارك النواقص الطارئة بالفكر والروية مع ما فيه من لذائذ الحياة

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 141 ـ

  والتنعم ، فإن ذلك من أعظم الخبط ، فإن هذه البينات الطبيعية التي منها البنية الإنسانية مركبات مؤلفة من أجزاء كثيرة تستوجب بوقوع كل في موقعه الخاص على شرائطه المخصوصة به وضعاً هو الملائم لغرض الطبيعة والخلقة وهو المناسب لكمال النوع كالمعاجين والمركبات من الأدوية التي تحتاج إلى أجزاء بأوصاف ، ومقادير ، وأوزان وشرائط خاصة لو خرج واحد منها عن هيئته الخاصة أدنى خروج وانحراف سقط الأثر .
  فالإنسان مثلاً موجود طبيعي تكويني ذو أجزاء مركبة تركيباً خاصاً يستتبع أوصافه داخلية وخواص روحية تستعقب أفعالاً وأعمالاً فإذا حول بعض أفعاله وأعماله من مكانته الطبيعية إلى غيرها يستتبع ذلك انحرافاً وتغيراً في صفاته وخواصه الروحية وانحرف بذلك جميع الخواص والصفات عن مستوى الطبيعة ، وصراط الخلقة ، وبطل بذلك ارتباطه بكماله الطبيعي ، والغاية التي يبتغيها بحسب الخلقة .
  وإذا بحثنا في المصائب العامة التي تستوعب اليوم الإنسانية وتحبط أعمال الناس ومساعيهم لنيل الراحة والحياة السعيدة وتهدد الإنسانية بالسقوط ، والإنهدام وجدنا أن أقوى العوامل فيها بطلان فضيلة التقوى وتمكن الخرق والقسوة والشدة والشره من نفوس المجتمعات البشرية ، وأعظم أسبابه وعلله الحرية والاسترسال والإهمال في نواميس الطبيعة في أمر الزوجية وتربية الأولاد ، فإن سنة المجتمع المنزلي ( الأسرة ) وتربية الأولاد اليوم تميت قرائح الرأفة والرحمة والعفة والحياء والتواضع من الإنسان من أول حين يأخذ في التمييز إلى آخر ما يعيش .
  وأما تدارك هذه النواقص بالكفر والروية فهيهات ذلك فإنما الفكر كسائر لوازم الحياة وسيلة تكوينية اتخذتها الطبيعة وسيلة لرد ما خرج وانحرف عن صراط الطبيعة والتكوين اليه لا لابطال سعي الطبيعة والخلقة

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 142 ـ

  وقتلها بنفس السيف الذي أعطته للإنسان لدفع الشر عنها ، ولو استعمل الفكر الذي هو أحد وسائل الطبيعة في تأييد ما أفسد من شؤون الطبيعة عادت هذه الوسيلة أيضاً فاسدة منحرفة كسائر الوسائل ، ولذلك ترى أن الإنسان اليوم كلما أصلح بقوة فكره واحداً من المفاسد العامة التي تهدد مجتمعه انتج ذلك ما هو أمر وأدهى وزاد البلاء والمصيبة شيوعاً وشمولاً .
  نعم ربما قال القائل من هؤلاء : إن الصفات الروحية التي تسمي الفضائل النفسانية هي بقايا من عهد الأساطير والتوحش لا تلائم حياة الإنسان الراقي اليوم كالعفة والسخاء والحياء والرأفة والصدق فإن العفة تقييد لطبيعة النفس فيما تشتهيه من غير وجه ، والسخاء إبطال لسعي الإنسان في جمعه المال وما قاساه من المحن في طريق اكتسابه على أنه تعويد للمسكين بالبطالة في الاكتساب وبسط يده لذل السؤال ، والحياء لجام يلجم الإنسان عن مطالبة حقوقه وإظهار ما في ضيمره ، والرأفة تضعف القلب ، والصدق لا يلائم الحياة اليومية ، وهذا الكلام بعينه من مصاديق الانحراف الذي ذكرناه .
  ولم يدر هذا القائل أن هذه الفضائل في المجتمع الإنساني من الواجبات الضرورية التي لو ارتفعت من أصلها لم يعش المجتمع بعدها في حال الاجتماع ولا ساعة .
  فلو ارتفعت هذه الخصال وتعدى كل فرد إلى ما لكل فرد من مختصات الحقوق والأموال والأعراض ، ولم يسخ أحد ببذل ما مست اليه حاجة المجتمع ، ولم ينفعل أحد من مخالفة ما يجب عليه رعايته من القوانين ، ولم يرأف أحد بالعجزة الذين لا ذنب لهم في عجزهم كالأطفال ومن في تلوهم ، وكذب كل أحد لكل أحد في جميع ما يخبر به ويعده وهكذا تلاشى المجتمع الإنساني من حينه .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 143 ـ

  فينبغي لهذا القائل أن يعلم أن هذه الخصال لا ترتحل ولن ترتحل عن الدنيا وأن الطبيعة الإنسانية مستمسكة بها حافظة لحياتها ما دامت داعية للإنسان إلى الاجتماع ، وإنما الشأن كل الشأن في تنظيم هذه الصفات وتعديلها بحث توافق غرض الطبيعة والخلقة في دعوتها الإنسان إلى سعادة الحياة ، ولو كانت الخصال الدائرة في المجتمع المترقي اليوم فضائل للإنسانية معدلة بما هو الحري من التعديل لما أوردت المجتمع مورد الفساد والهلكة ولأقر الناس في مستقر أمن وراحة وسعادة .
  ولنعد إلى ما كنا فيه من البحث فنقول : الإسلام وضع أمر الازدواج فيما ذكرناه موضعه الطبيعي ، فأحل النكاح وحرم الزنا والسفاح ، ووضع علقة الزوجية على أساس جواز المفارقة وهو الطلاق ، ووضع هذه العلقة على أساس الاختصاص في الجملة على ما سنشرحه ، ووضع عقد هذا المجتمع على أساس التوالد والتربية ، ومن الأحاديث النبوية المشهورة قوله صلى الله عليه وآله وسلم : تناكحوا تناسوا تكثروا ( الحديث ) .

استيلاء الذكور على الاناث
  ثم إن التأمل في فساد الحيوانات يعطي أن للذكور منها شائبة الاستيلاء على الاناث في هذا الباب ، فإنا نرى أن الذكر منها كأنه يرى نفسه مالكاً للبضع مسلطاً على الأنثى ، ولذلك ما ترى أن الفحولة منها تتنازع وتتشاجر على الإناث من غير عكس فلا تثور الأنثى على مثلها إذا مال اليها الذكر بخلاف العكس ، وكذا ما يجري بينها مجرى الخطبة في الإنسان إنما يبدأ من ناحية الذكران دون الاناث ، وليس إلا أنها ترى بالغريزة بأن الذكور في هذا العمل كالفاعل المستعلي والإناث كالقابل الخاضع ، وهذا المعنى غير ما

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 144 ـ

  يشاهد من نحو طوع من الذكور للإناث في مراعاة ما تميل اليه نفسها ويستلذه طبعها فإن ذلك راجع إلى مراعاة جانب العشق والشهوة واستزادة اللذة ، وأما نحو الإستيلاء والاستعلاء المذكور فإنه عائد إلى قوة الفحولة وإجراء ما تأمر به الطبيعة .
  وهذا المعنى أعني لزوم الشدة واليأس لقبيل الذكور واللين والانفعال لقبيل الإناث مما يوجب الاعتقاد به قليلاً أو كثيراً عند جميع الأمم حتى سرى إلى مختلف اللغات فسمى كل ما هو شديد صعب الانقياد بالذكر ، وكل لين سهل الانفعال بالانثى يقال : حديد ذكر وسيف ذكر ونبت ذكر ومكان ذكر وهكذا .
  وهذا الأمر جار في نوع الإنسان دائر بين المجتمعات المختلفة والأمم المتنوعة في الجملة وإن كان ربما لم يخل من الإختلاف زيادة ونقيصة .
  وقد اعتبره الإسلام في تشريعه قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) (1) .
  فشرع وجوب إجابتها له إذا دعاها إلى المواقعة إن أمكنت لها .

تعدد الزوجات
  وأمر الوحدة والتعدد فيما نشاهده من أقسام الحيوان غير واضح ففيما كان بينها اجتماع منزلي تتأحد الأناث وتختص بالذكور لما أن الذكور في شغل شاغل في مشاركتها في تدبير المنزل وحضانة الأفراخ وتربيتها وربما تغير الوضع الجاري بينها بالصناعة والتدبير والكفالة أعني بالتأهل والتربية

**************************************************************
(1) سورة النساء ، الآية : 34 .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 145 ـ

  كما يشاهد من أمر الديك والدجاج والحمام ونحوها .
  وأما الإنسان فاتخاذ الزوجات المتعددة كانت سنة جارية في غالب الامم القديمة كمصر والهند والصين والفرس بل الروم واليونان ، فإنهم كانوا ربما يضيفون إلى الزوجة الواحدة في البيت خدنا يصاحبونها بل وكان ذلك عند بعض الامم لا ينتهي إلى عدد يقف عليه كاليهود والعرب فكان الرجل منهم ربما تزوج العشرة والعشرين وأزيد ، وقد ذكروا أن سليمان الملك تزوج مئات من النساء .
  وأغلب ما كان يقع تعدد الزوجات إنما هو في القبائل ، ومن يحذو حذوهم من سكان القرى والجبال فإن لرب البيت منهم حاجة شديدة إلى الجمع وكثرة الأعضاء فكانوا يقصدون بذلك التكاثر في البنين بكثرة الاستيلاد ليهون لهم أمر الدفاع الذي هو من لوازم عيشتهم وليكون ذلك وسيلة يتوسلون بها إلى الترؤس والسؤدد في قومهم على ما في كثرة الازدواج من تكثر الأقرباء بالمصاهرة .
  وما ذكره بعض العلماء أن العامل في تعدد الزوجات في القبائل وأهل القرى إنما هو كثرة المشاغل والأعمال فيهم كأعمال الحمل والنقل والرعي والزراعة والسقاية والصيد والطبخ والنسج وغير ذلك فهو وإن كان حقاً في الجملة إلا أن التأمل في صفاتهم الروحية يعطي أن هذه الأعمال في الدرجة الثانية من الأهمية عندهم ، وما ذكرناه هو الذي يتعلق به قصد الإنسان البدوي أولاً وبالذات كما أن شيوع الادعاء والتبني أيضاً بينهم سابقاً كان من فروع هذا الغرض .
  على أنه كان في هذه الأمم عامل أساسي آخر لتداول تعدد الزوجات بينهم وهو زيادة عدد النساء على الرجال بما لا يتسامح فيه فإن هذه الأمم

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 146 ـ

  السائرة بسيرة القبائل كانت تدوم فيهم الحروب والغزوات وقتل الفتك والغيلة فكان القتل يفني الرجال ، ويزيد عدد النساء على الرجال زيادة لا ترتفع حاجة الطبيعة معها إلا بتعدد الزوجات ، هذا .
  والإسلام شرع الازدواج بواحدة ، وأنفذ التكثير إلى أربع بشرط التمكن من القسط بينهن مع إصلاح جميع المحاذير المتوجهة إلى التعدد على ما سنشير إليها قال تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) (1) .
  وقد استشكلوا على حكم تعدد الزوجات :
  أولاً : أنه يضع آثاراً سيئة في المجتمع فإنه يقرع قلوب النساء في عواطفهن ويخيب أمالهن ويسكن فورة الحب في قلوبهن فينعكس حس الحب إلى حس الانتقام فيهملن أمر البيت ويتثاقلن في تربية الأولاد ، ويقابلن الرجل بمثل ما أساؤوا اليهن فيشيع الزنا والسفاح الخيانة في المال والعرض ، فلا يلبث المجتمع دون أن ينحط في أقرب وقت .
  وثانياً : ان التعدد في الزوجات يخالف ما هو المشهود المتراءى من عمل الطبيعة فإن الإحصاء في الأمم والإجيال يفيد أن قبيلي الذكورة والإناث متساويان عدداً تقريباً فالذي هيأته الطبيعة هو واحدة لواحد ، وخلاف ذلك خلاف غرض الطبيعة .
  وثالثاً : أن في تشريع تعدد الزوجات ترغيباً للرجال إلى الشره والشهوة وتقوية لهذه القدرة في المجتمع .
  ورابعاً : أن في لك حطاً لوزن النساء في المجتمع بمعادلة الأربع منهن بواحد من الرجال ، وهو تقويم جائر حتى بالنظر إلى مذاق الإسلام الذي سوي فيه بين امرأتين ورجل كما في الارث والشهادة وغيرهما ، ولازمه

**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 228 .

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 147 ـ

  تجويز التزوج باثنتين منهن لا أزيد ففي تجويز الأربع عدول عن العدل على أي حال من غير وجه ، وهذه الإشكالات مما اعترض بها النصارى على الإسلام أو من يوافقهم من المدنيين المنتصرين لمسألة تساوي حقوق الرجال والنساء في المجتمع .
  والجواب عن الأول ما تقدم غير مرة في المباحث المتقدمة أن الاسلام وضع بنية المجتمع الإنساني على أساس الحياة التعقلية دون الحياة الإحساسية فالمتبع عنده هو الصلاح العقلي في السنن الإجتماعية دون ما تهواه الإحساسات وتنجذب إليه العواطف .
  وليس في ذلك إماتة العواطف والإحساسات الرقيقة وإبطال حكم المواهب الإلهية والغرائز الطبيعية فإن من المسلم في الأبحاث النفسية أن الصفات الروحية والعواطف والإحساسات الباطنة تختلف كما وكيفا باختلاف التربية والعادة كما أن كثيراً من الآداب والرسوم الممدوحة عند الشرقيين مذمومة عند الغربيين ، وبالعكس ، وكل أمة تختلف مع غيرها في بعض الأمور .
والتربية الدينية في الإسلام تقيم المرأة الإسلامية مقاماً لا تتألم بأمثال ذلك عواطفها . نعم المرأة الغربية حيث اعتادت منذ قرون بالوحدة ولقنت بذلك جيلاً بعد جيل استحكم في روحها عاطفة نفسانية تضاد التعدد ، ومن الدليل على ذلك الاسترسال الفظيع الذي شاعت بين الرجال والنساء في الأمم المتمدنة اليوم . أليس رجالهم يقضون أوطار الشهوة من كل من هووها ، وهوتهم من نسائهم من محارم وغيرها ، ومن بكر أو ثيب ، ومن ذات بعل أو غيرها ، حتى أن الإنسان لا يقدر أن يقف في كل ألف منهم بواحد قد سلم من الزنا سواء

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 148 ـ

  في ذلك الرجال والنساء ولم يقنعوا بذلك حتى وقعوا في الرجال وقوعا قل ما يسلم منه فرد حتى بلغ الأمر مبلغاً رفعوا قبيل سنة إلى برلمان بريطانيا العظمى أن يبيح لهم اللواط ( سنة قانونية ) وذلك بعد شيوعه بينهم من غير رسمية ، وأما النساء وخاصة الأبكار وغير ذوات البعل من الفتيات فالأمر فيهن أغرب وأفظع . فليت شعري كيف لا تأسف النساء هناك ولا يتحرجن ولا تنكسر قلوبهن ولا تتألم عواطفهن حين يشاهدن كل هذه الفضائح من رجالهن ؟ وكيف لا تتألم عواطف الرجال وإحساساته حين يبني بفتاة ثم يجدها ثيباً فقدت بكارتها وافترشت لا للواحد والاثنين من الرجال ثم لا يلبث حتى يتباهى بين الأقران ان سيدته ممن جذبت الرجال إلى نفسها وتنافس عليها العشرات والمئات !! .
  إن هذه السيئات تكررت بينهم ونزعة الحرية تمكنت من أنفسهم حتى صارت عادة عريقة مألوفة لا تمتنع منها العواطف والإحساسات ولا تستنكرها النفوس ؟ فليس إلا أن السنن الجارية تميل العواطف الإحساسات إلى ما يوافقها ولا يخالفها .
  وأما ما ذكروه من استلزام ذلك إهمالهن في تدبير البيت وتثاقلهن في تربية الأولاد وشيوع الزنا والخيانة فالذي أفادته التجربة خلاف ذلك فإن هذا الحكم جرى في صدر الإسلام وليس في وسع أحد من أهل الخبرة بالتاريخ أن يدعي حصول وقفة في أمر المجتمع من جهته بل كان الأمر بالعكس .
  على أن هذه النساء اللاتي يتزوج بهن على الزوجة الأولى في المجتمع الإسلامي وسائر المجتمعات التي ترى ذلك أعني الزوجة الثانية والثالثة والرابعة إنما يتزوج بهن عن رضاء ورغبة منهن وهن من نساء هذه المجتمعات ، ولم يسترققهن الرجال من مجتمعات اخرى ، ولا جلبوهن للنكاح من غير هذه الدنيا وإنما رغبن في مثل هذا الازدواج لعلل اجتماعية ،

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 149 ـ

  فطباع جنس المرأة لا يمتنع عن مسألة تعدد الزوجات ، ولا قلوبهن تتألم منها بل لو كان شيء من ذلك فهو من لوازم وعوارض الزوجية الأولى أعني أن المرأة إذا توحدت للرجل لا تحب أن ترد عليها وعلى بيتها اخرى لخوفها أن تميل عنها بعلها أو تترأس عليها غيرها أو يختلف الأولاد ونحو ذلك فعدم الرضا والتألم فيما كان إنما منشأه حالة عرضية ( التوحد بالبعل ) لا غريزة طبيعية .
  والجواب عن الثاني أن الاستدلال بتسوية الطبيعة بين الرجال والنساء في العدد مختل من وجوه .
  منها أن أمر الازدواج لا يتكي على هذا الذي ذكروه فحسب بل هناك عوامل وشرائط اخرى لهذا الأمر فأولاً الرشد الفكري والتهيؤ لأمر النكاح أسرع إلى النساء منها إلى الرجال فالنساء وخاصة في المناطق الحارة إذاجزن التسع صلحن للنكاح ، والرجال لا يتهيؤون لذلك غالباً قبل الست عشرة من السنين ( وهو الذي اعتبره الإسلام للنكاح ) .
  ومن الدليل على ذلك السنة الجارية في فتيات الامم المتمدنة ، فمن الشاذ النادر أن تبقى فتاة على بكارتها إلى سن البلوغ القانوني فليس إلا أن الطبيعة هيأتها للنكاح قبل تهيئتها الرجال لذلك .
  ولازم هذه الخاصة أن لو اعتبرنا مواليد ست عشرة سنة من قوم ( والفرض تساوي عدد الذكورة والإناث فيهم ) كان الصالح للنكاح في السنة السادسة عشر من الرجال وهي سنة أول الصلوح مواليد سنة واحدة وهم مواليد السنة الأولى المفروضة ، والصالحة للنكاح من النساء مواليد سبع سنين وهي مواليد السنة الأولى إلى السابعة ، ولو اعتبرنا مواليد خمسة وعشرين سنة وهي سن بلوغ الأشد من الرجال حصل في السنة الخامسة

  قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم ـ 150 ـ

  والعشرين على الصلوح في الرجال مواليد عشرة سنين ، ومن النساء مواليد خمس عشرة سنة ، وإذا أخذنا بالنسبة الوسطى حصل لكل واحد من الرجال اثنتان من النساء بعمل الطبيعة .
  وثانياً : أن الإحصاء كما ذكروه يبين أن النساء أطول عمراً من الرجال ، ولازمه أن تهيئ سنة الوفاة والموت عدداً من النساء ليس بحذائهن رجال .
  ومما يؤيد ذلك ما نشره بعض الجرائد في هذه الأيام ( جريدة الإطلاعات المنتشرة في طهران المؤرخة بالثلاثاء 11 ديماه سنة 1335 هـ ش ) حكاية عن دائرة الاحصاء في فرنسا ما حاصله : قد تحصل بحسب الاحصاء أنه يولد في فرنسا حذاء كل ( 100 ) مولودة من البنات ( 105 ) من البنين ، ومع ذلك فإن الإناث يربو عدتهن على عدة الذكور بما يعادل ( 1765000 ) نسمة ونفوس المملكة ( 40 مليوناً ) والسبب فيه أن البنين أضعف مقاومة من البنات قبال الأمراض ويهلك بها ( 5% ) الزائد منهم إلى سنة ( 19 ) من الولادة .
  ثم يأخذ عدة الذكور في النقص ما بين 25 ـ 30 من السنين حتى إذا بلغوا سني 60 ـ 65 لم يبق تجاه ( 1500000 ) من الاناث إلا ( 750000 ) من الذكور .
  وثالثاً : أن خاصة النسل والتوليد تدوم في الرجال أكثر من النساء ، فالأغلب على النساء ان يئسن من الحمل في سن الخمسين ويمكث ذلك في الرجال سنين عديدة بعد ذلك ، وربما بقي قابلية التوليد في الرجال إلى تمام العمر الطبيعي وهي مائة سنة فيكون عمر صلاحية الرجل للتوليد وهو ثمانون سنة تقريباً ضعفه في المرأة وهو أربعون تقريباً ، وإذا ضم هذا الوجه إلى الوجه السابق أنتج أن الطبيعة والخلقة أباح للرجال التعدي من الزوجة