في نفسه محالاً إلا أن الآيات القرآنية خالية عن الدلالة عليها كما تقدم .
وفي الاحتجاج عن السجاد عليه السلام في حديث له مع قريش يصف فيه تزويج هابيل بلوزا أخت قابيل ، وتزويج قابيل باقليما اخت هابيل ، قال : فقال له القرشي : فأولداهما ؟ قال : نعم فقال له القرشي ، فهذا فعل المجوس اليوم ، قال : فقال : إن المجوس فعلوا ذلك بعد التحريم من الله ، ثم قال له : لا تنكر هذا إنما هي شرائع الله جرت ، أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم أحلها له ؟ فكان ذلك شريعة من شرائعهم ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك
(1).
أقول : وهذا الذي ورد في الحديث هو الموافق لظاهر الكتاب والاعتبار وهناك روايات أخر تعارضها وهي تدل على أنهم تزوجوا بمن نزل اليهم من الحور والجان ، وقد عرفت الحق في ذلك .
وفي المجتمع في قوله تعالى : ( وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ) عن الباقر عليه السلام : واتقوا الأرحام أن تقطعوها
(2) .
أقول : وبناؤه على قراءة النصب .
وفي الكافي وتفسير العياشي : هي أرحام الناس إن الله عز وجل أمر بصلتها وعظمها ، ألا ترى أنه جعلها معه ؟
(3) .
أقول : قوله : ألا ترى ( الخ ) بيان لوجه التعظيم ، والمراد بجعلها معه الاقتران الواقع في قوله تعالى : ( وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ) .
وفي الدر المنثور : أخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله : ( الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ) قال : قال ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يقول
**************************************************************
(1) الطبري ، الاحتجاج ص 171 المطبعة المرتضوية النجف ، 1350 هـ .
(2) الطبرسي : مجمع البيان ج 2 ، ص 3 دار احياء التراث العربي .
(3) تفسير العياشي ج 1 ، ص 217 المكتبة العلمية : إيران .
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 80 ـ
الله تعالى : صلوا أرحامكم فإن أبقى لكم في الحياة الدنيا وخير لكم في آخرتكم
(1) .
أقول : قوله : فإنه أبقى لكم ( الخ ) إشارة إلى ما ورد مستفيضاً : أن صلة الرحم تزيد في العمر وقطعها بالعكس من ذلك ، ويمكن أن يستأنس لوجهه كما سيأتي في تفسير قوله تعالى : ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ )
(2) .
ويمكن أن يكون المراد بكونه أبقى كون الصلة أبقى للحياة من حيث أثرها فإن الصلة تحكم الوحدة السارية بين الأرقاب فيتقوى بذلك الإنسان قبال العوامل المخالفة لحياته المضادة لرفاهية عيشه في البلايا والمصائب والأعداء .
وفي تفسير العياشي عن الأصبغ بن نباتة ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : إن أحدكم ليغضب فما يرضى حتى يدخل النار ، فأيما رجل منكم غضب على ذي رحمه ، فليدن منه فإن الرحم إذا مستها الرحم استقرت ، وإنها متعلقة بالعرش تنقضه انتقاض الحديد فتنادي : اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني وذلك قول الله في كتابه : ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان بكم رقيباً ، وأيما رجل غضب وهو قائم فليلزم الأرض من فوره فإنه يذهب رجس الشيطان )
(3) .
أقول : والرحم كما عرفت هي جهة الوحدة الموجودة بين اشخاص الإنسان من حيث اتصال مادة وجودهم في الولادة من أب وأم أو أحدهما ، وهي جهة حقيقية سائرة بين أولي الأرحام لها آثار حقيقية خلقية وخلقية ،
**************************************************************
(1) السيوطي : الدر المنثور ، ج 2 ، ص 117 ( مكتبة مرعشي : إيران ) .
(2) سورة النساء ، الآية : 9 .
(3) تفسير العياشي : ج 1 ، ص 217 وكذا مجمع البيان ، ج 2 ، ص 3 .
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 81 ـ
وروحية وجسمية غير قابلة الإنكار وإن كان ربما توجد معها عوامل مخالفة تضعف أثرها أو تبطله بعض الأبطال حتى يلحق بالعدم ولن يبطل من رأس .
وكيف كان فالرحم من أقوى أسباب الالتئام الطبيعي بين أفراد العشيرة مستعدة للتأثير أقوى الإستعداد ، ولذلك كان ما ينتجه المعروف بين الأرحام أقوى وأشد مما ينتجه ذلك بين الأجانب وكذلك الإساءة في مورد الأقارب أشد أثراً منها في مورد الأجانب .
وبذلك يظهر معنى قوله عليه السلام : فأيما رجل منكم غضب على ذي رحمه فليدن منه ( الخ ) فإن الدنو من ذي الرحم رعاية لحكمها وتقوية لجانبها فتتنبه بسببه وتحرك لحكمها ويتجدد أثرها بظهور الرأفة والمحبة .
وكذلك قوله عليه السلام في ذيل الرواية : وأيما رجل غضب وهو قائم فليلزم الأرض ( الخ ) فإن الغضب إذا كان عن طيش النفس ونزقها كان في ظهوره وغليانه مستنداً إلى هواها وإغفال الشيطان أياها وصرفها إلى أسباب واهية وهمية ، وفي تغيير الحال من القيام إلى القعود صرف النفس عن شأن إلى شأن جديد يمكنها بذلك أن تشتغل بالسبب الجديد فتنصرف عن الغضب بذلك لأن نفس الإنسان بحسب الفطرة أميل إلى الرحمة منها إلى الغضب ولذلك بعينه ورد في بعض الروايات مطلق تغيير الحال في حال الغضب كما في المجالس عن الصادق عليه السلام عن أبيه أنه ذكرالغضب فقال : إن الرجل ليغضب حتى ما يرضى أبداً ، ويدخل بذلك النار ، فأيما رجل غضب وهو قائم فليجلس فإنه سيذهب عنه رجز الشيطان ، وإن كان جالساً فليقم ، وأيما رجل غضب على ذي رحم فليقم اليه وليدن منه وليمسه فإن الرحم إذا مست الرحم سكنت ، أقول : وتأثيره محسوس مجرب .
قوله عليه السلام : وإنها متعلقة بالعرش تنقضه انتقاض الحديد ( الخ ) أي
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 82 ـ
تحدث فيه صوتاً مثل ما يحدث في الحديد بالنقر ، وفي الصحاح : الانقاض صوت مثل النقر
(1) .
وقد تقدم في الكلام على الكرسي إشارة إجمالية سيأتي تفصيلها في الكلام على العرش : أن المراد بالعرش مقام العلم الإجمالي الفعلي بالحوادث ، وهو من الوجود المرحلة التي تجتمع عندها شتات أزمة الحوادث ومتفرقات الأسباب والعلل الكونية فهي تحرك وحدها سلاسل العلل والأسباب المختلفة المتفرقة ، أي تتعلق بروحها الساري فيها المحرك لها كما أن أزمة المملكة على اختلاف جهاتها وشؤونها وأشكالها تجتمع في عرش الملك والكلمة الواحدة الصادرة منه تحرك سلاسل القوى والمقامات الفعالة في المملكة وتظهر في كل مورد بما يناسبه من الشكل والأثر .
والرحم كما عرفت حقيقة هي كالروح السالب في قوالب الأشخاص الذين يجمعهم جامع القرابة فهي من متعلقات العرش فإذا ظلمت واضطهدت لاذت بما تعلقت به واستنصرت ، وهو قوله عليه السلام : تنقضه انتقاض الحديد ، وهو من أبدع التمثيلات شبه فيه ما يحدث في هذا الحال بالنقر الواقع على الحديد الذي يحدث فيه رنيناً يستوعب بالارتعاش والاهتزاز جميع جسامة الحديد كما في نقر الأجراس والجامات وغيرها .
قوله عليه السلام : فتنادي اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني ، حكاية لفحوى التجائها واستنصارها ، وفي الروايات الكثيرة أن صلة الرحم تزيد في العمر وأن قطعها يقطعه ، وقد مر في البحث عن ارتباط الأعمال والحوادث الخارجية من أحكام الأعمال ، ان مدير هذا النظام الكوني يسوقه نحو الأغراض والغايات الصالحة ، ولن يهمل في ذلك ، وإذا فسد جزءٌ أو أجزاء
**************************************************************
(1) الجوهري : الصحاح ج 2 ، ص 1111 ، مادة [ نقض ] .
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 83 ـ
منه عالج ذلك إما باصلاح أو بالحذف والإزالة ، وقاطع الرحم يحارب الله في تكوينه فإن لم يصلح بالاستصلاح بتر الله عمره وقطع دابره ، وأما أن الإنسان اليوم لا يحس بهذه الحقيقة وأمثالها فلا غرو لأن الأدواء قد أحاطت بجثمان الإنسانية فاختلطت وتشابهت وأزمنت فالحس لا يجد فراغاً يقوى به على إدراك الألم والعذاب .
المجتمع الأول
الآيات القرآنية ظاهرة ـ ظهوراً قريباً ـ من الصراحة في أن البشر الموجودين اليوم ـ ونحن منهم ـ ينتهون بالتناسل إلى زوج أي رجل وامرأة بعينهما ، وقد سمي الرجل في القرآن بآدم وهما غير متكونين من أب وأم بل مخلوقان من تراب أو طين أو صلصال أو الأرض على اختلاف تعبيرات القرآن .
فهذا هو الذي تفيده الآيات ظهوراً معتداً به وإن لم تكن نصاً صريحاً لا يقبل التأويل ولا المسألة من ضروريات الدين نعم يمكن عد انتهاء النسل الحاضر إلى آدم ضرورياً من القرآن وأما أن آدم هذا هل اُريد به آدم النوعي أعني الطبيعة الإنسانية الفاشية في الأشخاص أو عدة معدودة من الأفراد هم اُصول النسب والآباء والامهات الأولية أو فرد إنساني واحد بالشخص ؟ وعلى هذا التقدير هل هو فرد من نوع الإنسان تولد من نوع آخر كالقردة مثلاً على طريق تطور الأنواع وظهور الأكمل من الكامل والكامل من الناقص ، وهكذا أو هو فرد من الانسان كامل بالكامل الفكري تولد من زوج من الانسان غير المجهز بجهاز التعقل فكان مبدأ لظهور النوع الإنساني المجهز بالتعقل القابل للتكليف وانفصاله من النوع غير المجهز بذلك فالبشر
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 84 ـ
الموجودون اليوم نوع كامل من الإنسان ينتهي أفراده إلى الإنسان الأول الكامل الذي يسمى بآدم ، وينشعب هذا النوع الكامل بالتولد تطوراً من نوع آخر من الإنسان ناقص فاقد للتعقل وهو يسير القهقرى في أنواع حيوانية مترتبة حتى ينتهي إلى أبسط الحيوان تجهيزاً وأنقصها كمالاً وإن أخذنا من هناك سائرين لم نزل ننتقل من ناقص إلى كامل ، ومن كامل إلى أكمل حتى ننتهي إلى الإنسان غير المجهز بالتعقل ثم إلى الإنسان الكامل كل ذلك في سلسلة نسبية متصلة مؤلفة من آباء وأعقاب .
أو أن سلسلة التوالد والتناسل تنقطع بالاتصال بآدم وزوجه وهما متكونان من الأرض من غير تولد من أب وأم فليس شيء من هذه الصور ضرورياً وكيف كان فظاهرة الآيات القرآنية هو الصورة الأخيرة وهي انتهاء النسل الحاضر إلى آدم وزوجه المتكونين من الأرض من غير أب واُم غير أن الآيات لم تبين كيفية خلق آدم من الأرض وأنه هل عملت في خلقه علل وعوامل خارقة للعادة ؟ وهل تمت خلقته بتكوين إلهي آني من غير مهل فتبدل الجسد المصنوع من طين بدناً عادياً ذا روح إنساني أو أنه عاد إنساناً تاماً كاملاً في أزمنة معتد بها يتبدل عليه فيها استعداد بعد استعداد وصورة وشكل بعد صورة وشكل حتى تم الاستعداد فنفخ فيه الروح وبالجملة اجتمعت عليه من العلل والشرائط نظير ما تجتمع على النطفة في الرحم .
ومن أوضح الدليل عليه قوله تعالى : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ )
(1) .
فإن الآية نزلت جواباً عن احتجاج النصارى على نبوة عيسى بأنه ولد من غير أب بشري ولا ولد إلا بوالد فأبوه هو الله سبحانه ، فرد في الآية بما
**************************************************************
(1) سورة آل عمران ، الآية : 59 .
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 85 ـ
محصله أن صفته كصفة آدم حيث خلقه الله من أديم الأرض بغير والد يولده فلم لا يقولون بأن آدم ابن الله ؟ ولو كان المراد بخلقه من تراب انتهاء خلقته كسائر المتكونين من النطف إلى الأرض كان المعنى : أن صفة عيسى ولا أب له كمثل آدم حيث تنتهي خلقته كسائر الناس إلى الأرض ، ومن المعلوم أن لا خصوصية لآدم على هذا المعنى حتى يؤخذ ويقاس اليه عيسى فيفسد معنى الآية في نفسه ، ومن حيث الاحتجاج به على النصارى .
وبهذا تظهر دلالة جميع الآيات الدالة على خلق آدم من تراب أو طين أو نحو ذلك على المطلوب كقوله ( إني خالق بشراً من طين )
(1) .
وقوله : ( وبدأ خلق الإنسان من طين )
(2) .
وأما قول من قال : إن المراد بآدم هو آدم النوعي دون الشخصي بمعنى الطبيعة الإنسانية الخارجية الفاشية في الأفراد ، والمراد ببنوة الأفراد له تكثر الأشخاص منه بانضمام القيود إليه وقصة دخوله الجنة وإخراجه منها لمعصيته بإغواء من الشيطان تمثيل تخييلي لمكانته في نفسه ووقوفه موقف القرب ثم كونه في معرف الهبوط باتباع الهوى وطاعة إبليس ففيه أنه مدفوع بالآية السابقة وظواهر كثير من الآيات كقوله : ( الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً )
(3) .
فلو كان المراد بالنفس الواحدة آدم النوعي لم يبق لفرض الزوج لها محل ونظير الآية الآيات التي تفيد أن الله أدخله وزوجه الجنة وأنه وزوجه
**************************************************************
(1) سورة ص ، الآية : 71 .
(2) سورة السجدة ، الآية : 7 .
(3) سورة النساء ، الآية : 1 .
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 86 ـ
عصيا الله بالأكل من الشجرة .
على أن أصل القول بآدم النوعي مبني على قدم الأرض والأنواع المتأصلة ومنها الإنسان وأن أفراده غير متناهية من الجانبين والأصول العلمية تبطل ذلك بتاتاً وأما القول بكون النسل منتهياً إلى أفراد معدودين كأربعة أزواج مختلفين ببياض اللون وسواده وحمرته وصفرته أو أزواج من الإنسان ناشئين بعضهم بالدنيا القديمة وبعضهم بالدنيا الحديثة والأراضي المكشوفة أخيراً وفيها بشر قاطنون كأمريكا واستراليا .
فمدفوع بجميع الآيات الدالة على انتهاء النسل الحاضر إلى آدم وزوجه فإن المراد بآدم فيها إما شخص واحد إنساني وإما الطبيعة الإنسانية الفاشية في الأفراد ، وهو آدم النوعي ، وأما الأفراد المعدودون فلا يحتمل لفظ الآيات ذلك البتة .
على أنه مبني على تباين الاصناف الأربعة في الإنسان : البيض والسود والحمر والصفر وكون كل من هذه الأصناف نوعاً برأسه ينتهي إلى زوج غير ما ينتهي إليه الآخر أو كون قارات الآرض منفصلاً بعضها عن بعض انفصالاً أبدياً غير مسبوق بالعدم ، وقد ظهر بطلان هذه الفرضيات اليوم بطلاناً كاد يلحقها بالبديهيات وأما القول بانتهاء النسل إلى زوج من الإنسان أو أزيد انفصالاً أو انفصلوا من نوع آخر هو أقرب الأنواع اليه كالقرد مثلاً انفصال الأكمل من الكامل تطوراً .
ففيه أن الآيات السابقة الدالة على خلق الإنسان الأول من تراب من غير أب واُم تدفعه .
على أن ما اُقيم عليه من الحجة العلمية قاصر عن إثباته كما سنشير إليه في الكلام على القول التالي .
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 87 ـ
وأما القول بانتهاء النسل إلى فردين من الإنسان الكامل بالكمال الفكري من طريق التولد ثم انشعابهما وانفصالهما بالتطور من نوع آخر من الإنسان غير الكامل بالكمال الفكري ثم انقراض الأصل وبقاء الفرع المتولد منهما على قاعدة تنازع البقاء وانتخاب الأصلح .
فيدفعه قوله تعالى : ( ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) على التقريب المتقدم وما في معناه من الآيات .
على أن الحجة التي أقيمت على هذا القول قاصرة عن إثباته ، فإنها شواهد مأخوذة من التشريح التطبيقي وأجنة الحيوان والآثار الحفرية الدالة على التغير التدريجي في صفات الأنواع وأعضائها وظهور الحيوان تدريجاً آخذاً من الناقص إلى الكامل وخلق ما هو أبسط من الحيوان قبل ما هو أشد تركيباً .
وفيه أن ظهور النوع الكامل من حيث التجهيزات الحيوية بعد الناقص زماناً لا يدل على أزيد من تدرج المادة في استكمالها لقبول الصور الحيوانية المختلفة فهي قد استعدت لظهور الحياة الكاملة فيها بعد الناقصة والشريفة بعد الخسيسة ، وأما كون الكامل من الحيوان منشعباً من الناقص بالتوالد والاتصال النسبي فلا ولم يعثر هذا الفحص والبحث على غزارته وطول زمانه على فرد نوع كامل متولد من فرع نوع آخر على أن يقف على نفس التولد دون الفرد والفرد .
وما وجد منها شاهداً على التغير التدريجي فإنما هو تغير في نوع واحد بالانتقال من صفة لها إلى صفة اخرى لا يخرج بذلك من نوعيته والمدعى خلاف ذلك .
فالذي يتسلم أن نشأة الحياة ذات مراتب مختلفة بالكمال والنقص
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 88 ـ
والشرف والخسة وأعلى مراتبها الحياة الإنسانية ثم ما يليها ثم الأمثل فالأمثل وأما أن ذلك من طريق تبدل كل نوع مما يجاوره من النوع الأكمل ، فلايفيده هذا الدليل على سبيل الاستنتاج .
نعم يوجب حدساً ما غير يقيني بذلك فالقول بتبدل الأنواع بالتطور فرضية حدسية تبتني عليها العلوم الطبيعية اليوم ومن الممكن أن يتغير يوماً إلى خلافها بتقدم العلوم وتوسع الأبحاث .
وربما استدل على هذا القول بقوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ )
(1) ، بتقريب أن الاصطفاء هو انتخاب صفوة الشيء وإنما يصدق الانتخاب فيما إذا كان هناك جماعة يختار المصطفى من بينهم ويؤثر عليهم كما اصطفى كل من نوح وآل إبراهيم وآل عمران من بين قومهم ولا زال ذلك أن يكون مع آدم قوم غيره فيصطفى من بينهم عليهم ، وليس إلا البشر الأولي غير المجهز بجهاز التعقل فاصطفى آدم من بينهم فجهز بالعقل فانتقل من مرتبة نوعيتهم إلى مرتبة الإنسان المجهز بالعقل الكامل بالنسبة اليهم ثم نسل وكثر نسله وانقرض الإنسان الأولي الناقص .
وفيه أن « العالمين » في الآية جمع محلى باللام وهو يفيد العموم ويصدق على عامة البشر إلى يوم القيامة فهم مصطفون على جميع المعاصرين لهم والآتين بعدهم كمثل قوله : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) فما المانع من كون آدم مصطفى مختاراً من بين أولاده ما خلا المذكورين منهم في الآية ؟ وعلى تقدير إختصاص الاصطفاء بما بين المعاصرين وعليهم ما هو المانع من كونه مصطفى مختاراً من بين أولاده
**************************************************************
(1) سورة آل عمران ، الآية : 33 .
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 89 ـ
المعاصرين له ، ولا دلالة في الآية على كون اصطفائه أول خلقته قبل ولادة أولاده .
على أن اصطفاء آدم لو كان على الإنسان الأولي كما يذكره المستدل كان ذلك بما أنه مجهز بالعقل وكان ذلك مشتركاً بينه وبين بني آدم جميعاً على الإنسان الأولي فكان تخصيص آدم في الآية بالذكر تخصيصاً من غير مخصص .
وربما استدل بقوله : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ )
(1) .
بناء على أن ( ثم ) على التراخي الزماني ، فقد كان للنوع الإنساني وجود قبل خلق آدم وأمر الملائكة بالسجدة له .
وفيه أن ( ثم ) في الآية للترتيب الكلامي ، وهو كثير الورود في كلامه تعالى على أن هناك معنى آخر أشرنا اليه في تفسير الآية في مكان آخر من كتاب الميزان .
وربما استدل بقوله : ( وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه ) الآيات وتقريبه أن الآية الأولى المتعرضة لأول خلق الإنسان تذكر خلقته الأولية من تراب التي يشترك فيها جميع الأفراد ، والآية الثالثة تذكر تسويته ونفخ الروح فيه وبالجملة كماله الإنساني والعطف بثم تدل على توسط زمان معتد به بين أول خلقته من تراب وبين ظهوره بكماله .
وليس هذا الزمان المتوسط إلا زمان توسط الأنواع الأخرى التي تنتهي بتغيرها التدريجي إلى الإنسان الكامل وخاصة بالنظر إلى تنكر ( سلالة )
**************************************************************
(1) سورة الأعراف ، الآية : 11 .
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 90 ـ
المفيد للعموم .
وفيه أن قوله : ( ثم سواه ) عطف على قوله ( بدأ ) والآيات في مقام بيان ظهور النوع الإنساني بالخلق وأن بدأ خلقه وهو خلق آدم كان من طين ثم بدل سلالة من ماء في ظهور أولاده ، ثم تمت الخلقة سواء كان فيه أو في أولاده بالتسوية ونفخ الروح .
وهذا معنى صحيح يقبل الإنطباق على اللفظ ولا يلزم منه حمل قوله : ( ثم جعل نسله من سلالة ماء مهين ) على أنواع متوسطة بين الخلق من الطين وبين التسوية ونفخ الروح ، وكون ( سلالة ) نكرة لا يستلزم العموم فإن إفادة النكرة للعموم إنما هو فيما إذا وقعت في سياق النفي دون الإثبات .
الطبيعة الإنسانية والمجتمع
المتأمل في شؤون الاجتماع الإنساني ، والناظر في الخواص والآثار التي يتعقبها هذا الأمر المسمى بالاجتماع من جهة أنه اجتماع لا يشك في أن هذا الاجتماع إنما كونته ثم شعبته وبسطته إلى شعبه وأطرافه الطبيعة الإنسانية لما استشعرت بإلهام من الله سبحانه بجهات حاجتها في البقاء والاستكمال إلى أفعال اجتماعية فتلتجي إلى الاجتماع وتلزمها لتوفق إلى أفعالها وحركتها وسكناتها في مهد تربية الإجتماع وبمعونته ، ثم استشعرت والهمت بعلوم ( صور ذهنية ) وإدراكات توقعها على المادة ، وعلى حوائجها فيها وعلى افعالها وجهات أفعالها تكون هي الوصلة والرابطة بينها وبين أفعالها وحوائجها كاعتقاد الحسن والقبح ، وما يجب ، وما ينبغي ، وسائر الأصول الإجتماعية من الرئاسة والمرؤوسية والملك والاختصاص ، والمعاملات المشتركة والمختصة ، وسائر القواعد والنواميس العمومية
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 91 ـ
والآداب والرسوم القومية التي لا تخلو عن التحول والإختلاف باختلاف الأقوام والمناطق والأعصار ، فجميع هذه المعاني والقواعد المستقرة عليها من صنع الطبيعة الإنسانية بإلهام من الله سبحانه ، تلطفت بها طبيعة الإنسان ، لتمثل بها ما تعتقدها وتريدها من المعاني في الخارج ، ثم تتحرك اليها بالعمل ، والفعل والترك ، والاستكمال .
والتوجه العبادي إلى الله سبحانه ، وهو المنزه عن شؤون المادة والمقدس عن تعلق الحس المادي إذا أريد أن يتجاوز حد القلب والضمير ، وتنزل على موطن الأفعال ـ وهي لا تدور إلا بين الماديات ـ ولم يكن في ذلك بد ومخلص من أن يكون على سبيل التمثيل بأن يلاحظ التوجهات القلبية على اختلاف خصوصياتها ، ثم تمثل في الفعل بما يناسبها من هيئات الأفعال وأشكالها ، كالسجدة يراد بها التذلل ، والركوع يراد به التعظيم ، والطواف يراد به تفدية النفس ، والقيام يراد به التكبير ، والوضوء والغسل يراد بها الطهارة للحضور ونحو ذلك .
ولا شك أن التوجه إلى المعبود ، استقباله من العبد في عبوديته روح عبادته ، التي لولاها لم يكن لها حياة ولا كينونة ، وإلى تمثيله تحتاج العبادة في كمالها وثباتها واستقرار تحققها .
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 93 ـ
الفصل الثالث
المرأة
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 95 ـ
من المعلوم أن الإسلام ـ والذي شرعه هو الله عزّ اسمه ـ لم يبن شرائعه على أصل التجارب كما بنيت عليه سائر القوانين لكنا في قضاء العقل في شرائعه ربما احتجنا إلى التأمل في الأحكام والقوانين والرسوم الدائرة بين الأمم الحاضرة والقرون الخالية ، ثم البحث عن السعادة الإنسانية ، وتطبيق النتيجة على المحصل من مذاهبهم ومسالكهم حتى نزن به مكانته ومكانتها ، ونميز به روحه الحية الشاعرة من أرواحها ، وهذا هو الموجب للرجوع إلى تواريخ الملل وسيرها ، واستحضار ما عند الموجودين منهم من الخصائل والمذاهب في الحياة ولذلك فإنا نحتاج في البحث عما يراه الإسلام ويعتقده في :
1 ـ هوية المرأة والمقايسة بينها وبين هوية الرجل .
2 ـ وزنها في الاجتماع حتى يعلم مقدار تأثيرها في حياة العالم الإنساني .
3 ـ حقوقها والأحكام التي شرعت لأجلها .
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 96 ـ
4 ـ الأساس الذي بنيت عليه الأحكام المربوطة بها .
إلى استحضار ما جرى عليه التأريخ في حياتها قبل طلوع الإسلام وما كانت الأمم غير المسلمة يعاملها عليه حتى اليوم من المتمدنة وغيرها ، والاستقصاء في ذلك وإن كان خارجاً عن طوق الكتاب ، لكنا نذكر طرفاً منه .
حياة المرأة في الأمم غير المتمدنة
كانت حياة النساء في الاُمم والقبائل الوحشية كالأمم القاطنين بافريقيا واستراليا والجزائر المسكونة بالأوقيانوسية وأمريكا القديمة وغيرها بالنسبة إلى حياة الرجال كحياة الحيوانات الأهلية من الأنعام وغيرها بالنسبة إلى حياة الإنسان .
فكما أن الإنسان لوجود قريحة الاستخدام فيه يرى لنفسه حقاً أن يمتلك الأنعام وسائر الحيوانات الأهلية ويتصرف فيها كيفما شاء ، وفي أي حاجة من حوائجه شاء ، يستفيد من شعرها ووبرها ولحمها وعظمها ودمها وجلدها وحليبها وحفظها وحراستها وسفادها ونتاجها ونمائها ، وفي حمل الأثقال ، وفي الحرث ، وفي الصيد ، إلى غير ذلك من الأغراض التي لا تحصى كثرة .
وليس لهؤلاء العجم من الحيوانات من مبتغيات الحياة وآمال القلوب في المأكل والمشرب والمسكن والسفاد الراحة إلا ما رضي به الإنسان الذي امتلكها ولن يرضى إلا بما لا ينافي أغراضه في تسخيرها وله فيه نفع في الحياة ، وربما أدى ذلك إلى تهكمات عجيبة ومجازفات غريبة في نظر
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 97 ـ
الحيوان المستخدم لو كان هو الناظر في أمر نفسه : فمن مظلوم من غير أي جرم كان أجرمه ، ومستغيث وليس له أي مغيث يُغيثه ، ومن ظالم من غير مانع يمنعه ، ومن سعيد من غير استحقاق كفحل الضراب يعيش في انعم عيش وألذه عنده ، ومن شقي من غير استحقاق كحمار الحمل وفرس الطاحونة .
وليس لها من حقوق الحياة إلا ما رآه ، الإنسان المالك لها حقاً لنفسه فمن تعدى اليها لا يؤاخذ إلا لأنه تعدى إلى مالكها في ملكه ، لا إلى الحيوان في نفسه ، كل ذلك لأن الإنسان يرى وجودها تبعاً لوجود نفسه وحياتها فرعاً لحياته ومكانتها مكانة الطفيلي .
كذلك كانت حياة النساء عند الرجال في هذه الاُمم والقبائل حياة تبعية ، وكانت النساء مخلوقة عندهم ( لأجل الرجال )س بقول مطلق : كانت النساء تابعة الوجود والحياة لهم من غير استقلال في حياة ، ولا في حق فكان آبائهن ما لم ينكحن وبعولتهن بعد النكاح أولياء لهن على الإطلاق .
كان للرجل أن يبيع المرأة ممن شاء وكان له أن يهبها لغيره ، وكان له أن يقرضها لمن استقرضها للفراش أو الاستيلاد أو الخدمة أو غير ذلك ، وكان له أن يسوسها حتى بالقتل ، وكان له أن يخلي عنها ، ماتت أو عاشت ، وكان له أن يقتلها ويرتزق بلحمها كالبهيمة وخاصة في المجاعة وفي المآدب ، وكان له ما للمرأة من المال والحق وخاصة من حيث إيقاع المعاملات من بيع وشراء وأخذ ورد .
وكان على المرأة أن تُطيع الرجل ، أباها أو زوجها ، في ما يأمر به طوعاً أو كرهاً ، وكان عليها أن لا تستقل عنه في أمر يرجع اليه أو اليها ، وكان عليها أن تلي أمورالبيت والأولاد وجميع ما يحتاج إليه حياة الرجل فيه ، وكان
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 98 ـ
عليها أن تتحمل من الأشغال أشقها كحمل الأثقال وعمل الطين وما يجري مجراهما ومن الحرف والصناعات أرديها وسفسافها ، وقد بلغ عجيب الأمر إلى حيث أن المرأة الحامل في بعض القبائل إذا وضعت حملها قامت من فورها إلى حوائج البيت ، ونام الرجل على فراشها أيام يتمرض ويداوي نفسه ، هذه كليات ما له وعليها ، ولكل جيل من هذه الأجيال الوحشية خصائل وخصائص من السنن والآداب القومية باختلاف عاداتها الموروثة في مناطق حياتها والأجواء المحيطة بها يطلع عليه من راجع الكتب المؤلفة في هذه الشؤون .
حياة المرأة في الاُمم المتمدنة قبل الإسلام
نعني بهم الأمم التي كانت تعيش تحت الرسوم المليئة المحفوظة بالعادات الموروثة من غير استناد إلى كتاب أو قانون كالصين والهند ومصر القديم وإيران ونحوها .
تشترك جميع هذه الأمم ، في أن المرأة عندهم ، كانت ذات استقلال وحرية ، لا في إرادتها ولا في أعمالها ، بل كانت تحت الولاية والقيمومة ، لا تنجز شيئاً من قبل نفسها ولا كان لها حق المداخلة في الشؤون الاجتماعية من حكومة أو قضاء أو غيرهما .
وكان عليها أن تشارك الرجل في جميع أعمال الحياة من كسب وغير ذلك .
وكان عليها : أن تختص بأمور البيت والأولاد ، وكان عليها أن تطيع الرجل في جميع ما يأمرها ويريد منها .
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 99 ـ
وكانت المرأة عند هؤلاء أرفه حالاً بالنسبة إليها في الاُمم غير المتمدنة ، فلم تكن تقتل ويؤكل لحمها ، ولم تحرم من تملك المال بالكلية بل كانت تمتلك في الجملة من إرث أو أزدواج أو غير ذلك ، وإن لم تكن لها أن تتصرف فيها بالاستقلال ، وكان للرجل أن يتخذ زوجات متعددة من غير تحديد وكان لها تطليق من شاء منهن ، وكان للزوج أن يتزوج بعد موت الزوجة ولا حق لها في الغالب ، وكانت ممنوعة عن معاشرة خارج البيت غالباً .
ولكل اُمة من هذه الامم مختصات بحسب اقتضاء المناطق والأوضاع : كما أن تمايز الطبقات في إيران ربما أوجب تميزاً لنساء الطبقات العالية من المداخلة في الملك والحكومة أو نيل السلطنة ونحو ذلك أو الإزدواج بالمحارم من أم أو بنت أو اُخت أو غيرها .
وكما أنه كان بالصين الازدواج بالمرأة نوعاً من اشتراء نفسها ومملوكيتها ، وكانت هي ممنوعة من الارث ومن ان تشارك الرجال حتى ابنائها في التغذي ، وكان للرجال أن يتشارك في أكثر من واحدة منهم في الازدواج بمرأة واحدة يشتركون في التمتع بها ، والانتفاع من اعمالها ، ويلحق الأولاد أقوى الأزواج غالباً .
وكما أن النساء كانت بالهند من تبعات أزواجهن لا يحل لهن الازدواج بعد توفي أزواجهن أبداً ، بل إما أن يحرقن بالنار مع جسد أزواجهن أو يعشن مذللات ، وهن في أيام الحيض انجاس خبيثات لازمة الاجتناب ، وكذا ثيابها وكل ما لا مستها بالبشرة .
ويمكن أن يلخص شأنها في هذه الأمم : أنها كالبرزخ بين الحيوان والإنسان يستفاد منها استفادة الإنسان المتوسط الضعيف الذي لا يحق له إلا
قضايا
المجتمع والأسرة والزواج
على ضوء القرآن الكريم
ـ 100 ـ
أن يمد الإنسان المتوسط في أمور حياته كالولد الصغير بالنسبة إلى وليه غير انها تحت الولاية والقيمومة دائماً .
حال المرأة عند الاُمم القديمة
كانت الاُمم المذكورة آنفاً اُمماً تجري معظم آدابها ورسومهم الخاصة على أساس اقتضاء المناطق والعادات الموروثة ونحوها من غير أن تعتمد على كتاب أو قانون ظاهراً لكن هناك أمم اخرى كانت تعيش تحت سيطرة القانون أو الكتاب ، مثل الكلدة والروم واليونان .
أما الكلدة والآشور فقد حكم فيهم شرع ( حامورابي ) بتبعية المرأة لزوجها وسقوط استقلالها في الارادة والعمل ، حتى ان الزوجة لو لم تطع زوجها في شيء من أمور المعاشرة أو استقل بشيء فيها كان له أن يخرجها من بيته ، أو يتزوج عليها ويعامل معها بعد ذلك معاملة ملك اليمين محضاً ولو أخطأت في تدبير البيت بإسراف أو تبذير كان له أن يرفع أمرها إلى القاضي ثم يغرقها في الماء بعد إثبات الجرم .
وأما الروم فهي أيضاً من أقدم الاُمم وضعاً للقوانين المدنية ، وضع القانون فيها أول ما وضع حدود سنة اربعمائة قبل الميلاد ثم أخذوا في تكميله تدريجاً ، وهو يعطي للبيت نوع استقلال في إجراء الأوامر المختصة به ، ولرب البيت وهو زوج المرأة وأبو أولادها نوع ربوبية كان يعبده لذلك أهل البيت كما كان يعبد هو من تقدمه من آبائه السابقين عليه في تأسيس البيت ، وكان له الاختيار التام والمشيئة النافذة في جميع ما يريده ويأمر به على أهل البيت من زوجة وأولاد حتى القتل لو رأى أن الصلاح فيه ، ولا يعارضه في ذلك معارض ، وكانت النساء نساء البيت كالزوجة والبنت