الصحيحين من مشيخة القرن الثالث ، ألا ؟ وهم :
   يحيى بن آدم المتوفى 203 شبابة بن سوار المتوفى 206 أسود بن عامر المتوفى 208
   عبد الرزاق بن همام المتوفى 211 عبد الله بن يزيد المتوفى 212 عبيد الله بن موسى المتوفى 213
   حجاج بن منهال المتوفى 217 فضل بن دكين المتوفى 218 عفان بن مسلم المتوفى 219
   علي بن عياش المتوفى 219 محمد بن كثير المتوفى 223 موسى بن إسماعيل المتوفى 223
   قيس بن حفص المتوفى 227 هدبة بن خالد المتوفى 235 عبد الله بن أبي شيبة المتوفى 235
   عبيد الله بن عمر المتوفى 235 إبراهيم بن المنذر المتوفى 236 ابن راهويه إسحاق المتوفى 237
   عثمان بن أبي شيبة المتوفى 239 قتيبة بن سعيد المتوفى 240 حسين بن حريث المتوفى 244
   أبو الجوزاء أحمد المتوفى 246 أبو كريب محمد المتوفى 248 يوسف بن عيسى المتوفى 249
   نصر بن علي المتوفى 251 محمد بن بشار المتوفى 252 محمد بن المثنى المتوفى 252
   يوسف بن موسى المتوفى 253 محمد صاعقة المتوفى 255 وغيرهم (1) .
   فعدم إخراج البخاري ومسلم هذا الحديث المتفق على صحته وتواتره والحال هذه لا يكون قدحا في الحديث إن لم يكن نقصا في الكتابين ومؤلفيهما ، وكأن الشيخ محمود القادري فطن بهذا وحاول بقوله المذكور ص 304 : وكم حديث صحيح ما أخرجه الشيخان ، تقديس ساحة الكتابين ومؤلفيهما عن هذا النقص ، لا أنه أراد إثبات صحة الحديث بذلك ، كيف ؟ وهو يقول ؟ إتفق على ما ذكرنا جمهور أهل السنة .
   وغير خاف على النابه البصير أن البادي بخلاف الإجماع في رد الحديث هو ابن حزم الأندلسي (2) وهو يقول : إن الأمة لا تجتمع على خطأ ، ثم تبعه في ذلك ابن تيمية وجعل قوله مدرك قدحه في الحديث ولم يجد غميزة فيه غيره بيد أنه زاد عليه قوله : نقل عن البخاري وإبراهيم الحراني وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه وضعفوه ، ذاهلا عن قوله في منهاج السنة 4 ص 13 : إن قصة الغدير كانت في مرتجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع وقد أجمع الناس على هذا ، ثم قلدهما من راقة الانحياز عن الحق الثابت من نظراء التفتازاني والقاضي الايجي والقوشجي

---------------------------
(1) سبقت تراجم هؤلاء جميعا من ص 82 ـ 93 .
(2) ستقف على الرأي العام فيه بعد تمام المحاكمة.

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 28 _

   والسيد الجرجاني وزادوا ضغثا على إبالة فلم يكتفوا في رد الحديث بعدم إخراج الصحيحين ، ولم يقفوا على فرية ابن تيمية في عزوه الطعن إلى البخاري والحراني ، أو ما راقتهم النسبة إلى البخاري والحراني لمكان ضعف الناقل (ابن تيمية) عندهم ، فقالوا بإرسال مسلم : قد طعن فيه ابن أبي داود وأبو حاتم السجستاني ، ثم جاء ابن حجر فزاد على أبي داود والسجستاني قوله : وغيرهم ، إلى أن جاد الدهر بالهروي فزحزح السجستاني ووضع في محله الواقدي وابن خزيمة فقال في السهام الثاقبة : قدح في صحة الحديث كثير من أئمة الحديث كأبي داود والواقدي وابن خزيمة وغيرهم من الثقات .
   لا أدري ما أجرأهم على الرحمن ( وقد خاب من افترى ) وما عساني أن أقول في بحاثة يذكر هذه النسب المفتعلة على أئمة الحديث وحفاظ السنة في كتابه ؟ ألا مسائل هؤلاء عن مصدر هذه النقول والاضافات ؟ أفي مؤلف وجدوها ؟ فما هو ؟ وأين هو ؟
   ولم لم يسموه ، أم عن المشايخ رووها ؟ فلم لم يسندوها ؟ ألا مسائل هؤلاء كيف خفي طعن مثل البخاري وقرنائه في الحديث على ذلك الجم الغفير من الحفاظ والأعلام و مهرة الفن في القرون الأولى إلى القرن السابع والثامن قرن ابن تيمية ومقلديه ؟
   فلم يفه به أحد، ولا يوجد منه أثر في أي تأليف ومسند ، أو أنهم أوقفهم السير عليه ولكنهم لم يروا في سوق الحق له قيمة فضربوا عنه صفحا ؟ .
   وبعد هذا كله فأين تجد مقيل القول بإنكار تواتره من مستوى الحقيقة ؟ والقول :
   بأن الشيعة إتفقوا على اعتبار التواتر فيما يستدل به على الإمامة فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بحديث الغدير وهو من الآحاد ؟ (1) يقول الرجل ذلك وهو يرى الحديث متواترا لرواية ثمانية صحابي (2) وأن في القوم من يرى الحديث متواترا لرواية أربعة من الصحابة له ويقول : لا تحل مخالفته (3) ويجزم بتواتر حديث :

---------------------------
(1) التفتازاني في المقاصد ص 290 ، وابن حجر في الصواعق ص 25 ومقلديهما .
(2) راجع الصواعق ص 13 .
(3) قال ابن حزم في المحلى في مسألة عدم جواز بيع الماء : فهؤلاء أربعة من الصحابة رضي الله عنهم فهو نقل تواتر لا تحل مخالفته .

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 29 _

   الأئمة من قريش (1) ويقول : رواه أنس بن مالك ، وعبد الله بن عمر ، ومعاوية ، وروى معناه جابر بن عبد الله، وجابر بن سمرة ، وعبادة بن الصامت ، وآخر يقول ذلك في حديث آخر رواه علي بن النبي صلى الله عليه وآله ويرويه عن علي اثني عشر رجل فيقول (2) :
   هذه اثنتا عشرة طريقا إليه ومثل هذا يبلغ حد التواتر وآخر يرى حديث : تقتلك الفئة الباغية ، متواترا ويقول (3) : تواترت الروايات به روي ذلك عن عمار وعثمان وابن مسعود وحذيفة وابن عباس في آخرين ، وجود السيوطي قول من حدد التواتر بعشرة وقال في ألفيته ص 16 .
ومـا رواه عـدد جم يجب      إحالة اجتماعهم على الكذب
فـمتواتر  وقـوم iiحـددوا      بـعشرة  وهـو لدي iiأجود
   هذه نظريتهم المشهورة في تحديد التواتر ، لكنهم إذا وقفوا على حديث الغدير اتخذوا له حدا أعلى لم تبلغه رواية مائة وعشر صحابي أو أكثر بالغا ما بلغ .
   ومن غرائب اليوم ما جاء به أحمد أمين في كتابه ظهور الاسلام تعليق ص 194 من : أنه يرويه الشيعة عن البراء بن عازب ، وأنت تعلم أن نصيب رواية البراء من إخراج علماء أهل السنة أوفر من كثير من روايات الصحابة ، فقد عرفت ص 18 ، 19 ، 20 و ص 272 ـ 283 : إنه أخرجها ما يربو على الأربعين رجلا من فطاحل علمائهم وفيهم مثل أحمد وابن ماجة والترمذي والنسائي وابن أبي شيبة ونظرائهم ، وجملة من أسانيدها صحيحة رجالها كلهم ثقات ، لكن : أحمد أمين راقه أن تكون الرواية معزوة إلى الشيعة فحسب ، إسقاطا للاحتجاج بها ، وليس هذا ببدع من تقولاته في صحايف إسلامه صبحا وضحا وظهرا .
   ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولوا إلا كذبا فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) (سورة الكهف)

---------------------------
(1) راجع الفصل 4 ص 89 .
(2) راجع تاريخ ابن كثير 7 ص 289 .
(3) تهذيب التهذيب 7 ص 409 ، والإصابة 2 ص 512 .

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 30 _

الرأي العام في ابن حزم الأندلسي المتوفى 456

   ما عساني أن أكتب عن شخصية أجمع فقهاء عصره على تضليله والتشنيع عليه ونهي العوام عن الاقتراب منه ، وحكموا بإحراق تآليفه ومدوناته مهما وجدوا الضلال في طياتها كما في لسان الميزان 4 ص 200 ، ويعرفه الآلوسي عند ذكره بقوله : الضال المضل كما في تفسيره 21 ص 76 .
   ما عساني أن أقول في مؤلف لا يتحاشا عن الكذب على الله ورسوله ، ولا يبالي بالجرأة على مقدسات الشرع النبوي ، وقذف المسلمين بكل فاحشة ، والأخذ بمخاريق القول وسقطات الرأي .
   ما عساني أن أذكر عن بحاثة لا يعرف مبدئه في أقواله ، ولا يستند على مصدر من الكتاب والسنة في آرائه ، غير أنه إذا أفتى تحكم ، وإذا حكم مان ، يعزو إلى الأمة الإسلامية ما هي بريئة منه ، ويضيف إلى الأئمة وحفاظ المذهب ما هم بعداء منه ، تعرب تآليفه عن حق القول من الرأي العام في ضلاله وإليك نماذج من آرائه .
   قال في فقهه ( المحلى ج 10 ص 482 : مسألة : مقتول كان في أوليائه غائب أو صغير أو مجنون ، إختلف الناس في هذا ، ثم نقل عن أبي حنيفة أنه يقول : إن للكبير أن يقتل ولا ينتظر الصغار ، وعن الشافعي : إن الكبير لا يستقيد حتى يبلغ الصغير ثم أورد على الشافعية بأن الحسن بن علي قد قتل عبد الرحمن بن ملجم ولعلي بنون صغار ، ثم قال : هذه القصة ( يعني قتل ابن ملجم ) عائدة على الحنفيين بمثل ما شنعوا على الشافعيين سواء سواء ، لأنهم والمالكيين لا يختلفون في أن من قتل آخر على تأويل فلا قود في ذلك ، ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل عليا رضي الله عنه إلا متأولا مجتهدا مقدرا على أنه صواب ، وفي ذلك يقول

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 31 _

   عمران بن حطان شاعر الصفرية:
يـا  ضربة من تقي ما أراد iiبها      إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إنـي لأذكـره حـينا iiفـأحسبه      أوفـى  الـبرية عند الله iiميزانا
   أي لأفكر فيه ثم أحسبه، فقد حصل الحنفيون في خلاف الحسن بن علي على مثل ما شنعوا به على الشافعيين ، وما ينقلون أبدا من رجوع سهامهم عليهم ، ومن الوقوع فيما حفروه (1) .
   فهلم معي نسائل كل معتنق للاسلام أين هذا الفتوى المجردة من قول النبي صلى الله عليه وآله في حديث صحيح لعلي عليه السلام : قاتلك أشقى الآخرين ، وفي لفظ : أشقى الناس ، وفي الثالث : أشقى هذه الأمة كما أن عاقر الناقة أشقى ثمود ؟ أخرجه الحفاظ الاثبات والأعلام الأئمة بغير طريق ، ويكاد أن يكون متواترا على ما حدد ابن حزم التواتر به ، منهم : إمام الحنابلة أحمد في المسند 4 ص 263، والنسائي في الخصايص ص 39، و ابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1 ص 135، والحاكم في المستدرك عن عمار 3 ص 140، و الذهبي في تلخيصه وصححاه، ورواه الحاكم عن ابن سنان الدؤلي ص 113 وصححه وذكره الذهبي في تلخيصه ، والخطيب في تاريخه عن جابر بن سمرة 1 ص 135 ، وابن عبد البر في الاستيعاب (هامش الإصابة) 3 ص 60 ذكره عن النسائي ثم قال : وذكره الطبري وغيره أيضا، وذكره ابن إسحاق في السير، وهو معروف من رواية محمد بن كعب القرظي عن يزيد (2) بن جشم عن عمار بن ياسر ، وذكره ابن أبي خيثمة من طرق ، وأخرجه محب الدين الطبري في رياضه عن علي من طريق أحمد وابن الضحاك، وعن صهيب من طريق أبي حاتم والملا ، ورواه ابن كثير في تاريخه 7 ص 323 من طريق أبي يعلى ، وص 325 من طريق الخطيب، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص 411 عن ابن عساكر والحاكم والبيهقي ، وص 412 بعدة طرق عن ابن

---------------------------
(1) حكاه عنه ابن حجر في تلخيص الخبير لي تخريج أحاديث الرافعي الكبير ـ ط هند سنة 1303 ـ ص 416.
(2) كذا في النسخ والصحيح : عن أبي يزيد بن خثيم .

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 32 _

  عساكر ، وص 413 من طريق ابن مردويه ، وص 157 من طريق الدارقطني ، وص 399 من طريق أحمد والبغوي والطبراني والحاكم وابن مردويه وأبي نعيم وابن عساكر وابن النجار .
  وأين هذا من قوله الآخر صلى الله عليه وسلم لعلي : ألا أخبرك بأشد الناس عذابا يوم القيامة ؟
  قال : أخبرني يا رسول الله ؟ قال : فإن أشد الناس عذابا يوم القيامة عاقر ناقة ثمود و خاضب لحيتك بدم رأسك ، رواه ابن عبد ربه في ( العقد الفريد ) 2 ص 298 .
  وأين هذا من قوله الثالث صلى الله عليه وآله : قاتلك شبه اليهود وهو يهود أخرجه ابن عدي في الكامل ، وابن عساكر كما في ترتيب جمع الجوامع 6 ص 412 .
  وأين هذا مما ذكره ابن كثير في تاريخه 7 ص 323 من أن عليا كان يكثر أن يقول : ما يحبس أشقاها؟ وأخرجه السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص 411 بطريقين عن أبي سعد وأبي نعيم وابن أبي شيبة ، وص 413 من طريق ابن عساكر .
  وأين هذا من قول أمير المؤمنين الآخر لابن ملجم : لا أراك إلا من شر خلق الله ؟ رواه الطبري في تاريخه 6 ص 85 ، وابن الأثير في الكامل 3 ص 169 وقوله الآخر عليه السلام: ما ينظر بي إلا شقي ؟ أخرجه أحمد بإسناده كما في البداية و النهاية 7 ص 324 ، وقوله الرابع لأهله : والله لوددت لو انبعث أشقاها ؟ أخرجه أبو حاتم والملا في سيرته كما في الرياض 2 ص 248 ، وقوله الخامس: ما يمنع أشقاكم ؟
  كما في الكامل 3 ص 168 ، وفي كنز العمال 6 ص 412 من طريق عبد الرزاق و ابن سعد ، وقوله السادس : ما ينتظر أشقاها؟ أخرجه المحاملي كما في الرياض 2 ص 248 .
  ليت شعري أي اجتهاد يؤدي إلى وجوب قتل الإمام المفترض طاعته ؟ أو أي اجتهاد يسوغ جعل قتله مهرا لنكاح (1) امرأة خارجية عشقها أشقى مراد ؟ أو أي مجال مجال للاجتهاد في مقابل النص النبوي الأغر ؟ ولو فتح هذا الباب لتسرب الاجتهاد

---------------------------
(1) راجع الإمامة والسياسة 1 ص 134 ، تاريخ الطبري 6 ص 83 ، والمستدرك 3 ص 143 ، والكامل 3 ص 168 ، والبداية والنهاية 7 ص 328 .

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 33 _

  منه إلى قتلة الأنبياء والخلفاء جميعا ، لكن ابن حزم لا يرضى أن يكون قاتل عمر أو قتلة عثمان مجتهدين ، ونحن أيضا لا نقول به .
  ثم ليتني أدري أي أمة من الأمم أطبقت على تعذير عبد الرحمن بن ملجم في ما ارتكبه ؟ ليته دلنا عليها ، فإن الأمة الإسلامية ليس عندها شئ من هذا النقل المائن، أللهم إلا الخوارج المارقين عن الدين ، وقد إقتص الرجل أثرهم واحتج بشعر قائلهم عمران .
  أللهم ؟ ما عمران بن حطان وحكمه في تبرير عمل ابن ملجم من إراقة دم ولي الله الإمام الطاهر أمير المؤمنين ؟ ما قيمة قوله حتى يستدل به ويركن إليه في أحكام الاسلام ؟ وما شأن فقيه ( ابن حزم ) من الدين يحذو حذو مثل عمران ويأخذ قوله في دين الله، ويخالف به النبي الأعظم في نصوصه الصحيحة الثابتة ويردها ويقذف الأمة الإسلامية بسخب خارجي مارق ؟ وهذا معاصره القاضي أبو الطيب طاهر ابن عبد الله الشافعي (1) يقول في عمران ومذهبه هذا .
إنـي لأبـرأ مـما أنـت iiقائله      عـن ابـن ملجم الملعون iiبهتانا
يـا ضربة من شقي ما أراد iiبها      إلا  لـيـهدم لـلاسلام أركـانا
إنـي  لأذكـره يـوما iiفـألعنه      دنـيا وألـعن عـمرانا iiوحطانا
عـليه  ثـم عليه الدهر iiمتصلا      لـعائن  الله إسـرارا iiوإعـلانا
فـأنتما  من كلاب النار جاء iiبه      نص الشريعة برهانا وتبيانا  (2)
  وقال بكر بن حسان الباهلي:
قـل  لابن ملجم والأقدار غالبة      : هـدمت ويلك للاسلام iiأركانا
قتلت أفضل من يمشي على قدم      وأول  الـناس إسـلاما iiوإيمانا
وأعـلم الـناس بالقرآن ثم iiبما      سـن الرسول لنا شرعا iiوتبيانا

---------------------------
(1) من فقهاء الشافعية، قال ابن خلكان في تاريخه 1 ص 253 : كان ثقة صادقا دينا ورعا عارفا بأصول الفقه وفروعه ، محققا في علمه ، سليم الصدر ، حسن الخلق ، صحيح المذهب ، يقول الشعر على طريقة الفقهاء ، ولد بآمل 348 وتوفي ببغداد 450 .
(2) مروج الذهب 2 ص 43 .

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 34 _

صـهر الـنبي ومـولانا iiونـاصره      أضـحت  مـناقبه نـورا iiوبـرهانا
وكـان مـنه عـلى رغم الحسود iiله      مـكان هارون من موسى بن iiعمرانا
وكـان في الحرب سيفا صارما iiذكرا      لـيثا  إذا مـا لـقى الاقـران أقرانا
ذكــرت  قـاتله والـدمع مـنحدر      فـقلت: سـبحان رب الناس iiسبحانا
إنـي  لأحـسبه مـا كـان من iiبشر      يـخشى الـمعاد ولـكن كان iiشيطانا
أشـقـى مـراد إذا عـدت iiقـبائلها      وأخـسر الـناس عـند الله iiمـيزانا
كـعاقر الـناقة الأولـى التي iiجلبت      عـلى ثـمود بأرض الحجر iiخسرانا
قـد  كان يخبرهم أن سوف iiيخضبها      قـبـل  الـمـنية أزمـانا iiفـأزمانا
فـلا  عـفا الله عـنه ما تحمله  (1)ii      ولا سـقى قـبر عـمران بن iiحطانا
لـقوله فـي شـقي ظـل iiمـجترما      ونـال  مـا نـاله ظـلما iiوعـدوانا
:  (يـا ضـربة من تقي ما أراد iiبها      إلا  لـيبلغ من ذي العرش iiرضوانا)
بل ضربة من غوي أورثته لظى  (2)      وسـوف  يـلقى به الرحمن غضبانا
كـأنه لـم يـرد قـصدا iiبـضربته      إلا  لـيصلى عذاب الخلد نيرانا  (3)ii
  م ـ قال ابن حجر في الإصابة 3 ص 179 : صاحب الأبيات بكر بن حماد التاهرتي ، وهو من أهل القيروان في عصر البخاري وأجازه عنها السيد الحميري الشاعر المشهور الشيعي وهو في ديوانه ، ا ه .
  وفي الاستيعاب 2 ص 472 : أبو بكر ابن حماد التاهرتي ، وذكر له أبياتا في رثاء مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أولها :
وهـز  علي بالعراقين iiلحية      مصيبتها جلت على كل مسلم
وقال محمد بن أحمد الطبيب (4) ردا على عمران بن حطان :

---------------------------
(1) في الكامل : فلا عفا الله عنه سوء فعلته .
(2) في الكامل : بل ضربة من غوى أوردته لظى .
(3) مروج الذهب 2 ص 43 ، الاستيعاب في ترجمة أمير المؤمنين ، الكامل لابن الأثير 3 ص 171 ، تمام المتون للصفدي ص 152 .
(4) يوجد البيتان في كامل المبرد 3 : 90 ط محمد بن علي صبيح وأولاده، وليسا من أصل الكتاب كما لا يخفى .

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 35 _

يا ضربة من غدور صار ضاربها      أشـقى  الـبرية عـند الله iiإنسانا
إذا تـفكرت فـيه ظـلت iiألـعنه      وألـعن  الكلب عمران بن iiحطانا
  على أن قتل الإمام المجتبى لابن ملجم وتقرير المسلمين له على ذلك صحابيهم وتابعيهم حتى أن كل أحد منهم كان يود أنه هو المباشر لقتله يدلنا على أن فعل اللعين لم يكن مما يتطرق إليه الاجتهاد فضلا عن أن يبرره ، ولو كان هناك اجتهاد فهو في مقابلة النصوص المتضافرة ، فكان من الصالح العام لكافة المسلمين اجتياح تلك الجرثومة الخبيثة ، وهو واجب أي أحد من الأمة الإسلامية ، غير أن إمام الوقت السيد المجتبى تقدم إلى تلك الفضيلة كتقدمه إلى غيرها من الفضايل .
  فليس هو من المواضيع التي حررها ابن حزم فتحكم أو تهكم على الشافعية والحنفية والمالكية وإنما هو من ضروريات الاسلام في قاتل كل إمام حق ، ولذلك ترى أن القائلين بإمامة عمر بن الخطاب لم يشكوا في وجوب قتل قاتله ، ولم ير أحد منهم للاجتهاد هناك مجالا ، كما سيأتي في كلام ابن حزم نفسه : إنه لم ير له مجالا لقتلة عثمان .
  فشتان بين ابن حزم وبين ابن حجر ، هذا يبرر عمل عبد الرحمن وذاك يعتذر عن ذكر إسمه في كتابه لسان الميزان .
  م ـ ويصفه بالفتك وأنه من بقايا الخوارج في تهذيب التهذيب 7 : 338 .
  وابن حجر في كلامه هذا اتبع أثر الحافظ أبي زرعة العراقي في قوله في طرح التثريب 1 : 86 : انتدب له ( لعلي ) قوم من الخوارج فقاتلهم فظفر بهم ثم انتدب له من بقاياهم أشقى الآخرين عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، وكان فاتكا ملعونا فطعنه .

ومن نماذج آرائه

  قوله في الفصل 4 ص 161 في المجتهد المخطي : وعمار رضي الله عنه قتله أبو الغادية يسار بن سبع السلمي ، شهد (عمار) بيعة الرضوان فهو من شهداء الله له بأنه علم ما في قلبه وأنزل السكينة عليه ورضي عنه ، فأبو الغادية رضي الله عنه متأول مجتهد مخطئ فيه باغ عليه مأجور أجرا واحدا ، وليس هذا كقتلة عثمان رضي الله عنه لأنهم لا مجال للاجتهاد في قتله ، لأنه لم يقتل أحدا ولا حارب ولا قاتل ولا دافع ولا

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 36 _

  زنا بعد إحصان ولا ارتد فيسوغ المحاربة تأويل ، بل هم فساق محاربون سافكون دما حراما عمدا بلا تأويل على سبيل الظلم والعدوان ، فهم فساق ملعونون ، إنتهى .
  لم أجد معنى لاجتهاد أبي الغادية ( بالمعجمة ) وهو من مجاهيل الدنيا ، وأفناء الناس ، وحثالة العهد النبوي ، ولم يعرف بشئ غير أنه جهني ، ولم يذكر في أي معجم بما يعرب عن اجتهاده ، ولم يرو منه شئ من العلم الإلهي سوى قول النبي صلى الله عليه وآله : دمائكم وأموالكم حرام ، وقوله : لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يتعجبون من أنه سمع هذا ويقتل عمارا (1) ولم يفه أي أحد من أعلام الدين إلى يوم مجيئ ابن حزم باجتهاد مثل أبي الغادية .
  ثم لم أدر ما معنى هذا الاجتهاد في مقابل النصوص النبوية في عمار ، ولست أعني بها قوله صلى الله عليه وآله في الصحيح الثابت المتواتر (2) لعمار : تقتلك الفئة الباغية وفي لفظ : الناكبة عن الطريق ، وإن كان لا يدع مجالا للاجتهاد في تبرير قتله ، فإن قاتله مهما تأول فهو عاد عليه ناكب عن الطريق ، ونحن لا نعرف اجتهادا يسوغ العدوان الذي استقل العقل بقبحه ، وعاضده الدين الإلهي الأقدس ، وإن كان أوله معاوية أورده لما حدث به عبد الله بن عمرو وقال عمرو بن العاص : يا معاوية ؟
  أما تسمع ما يقول عبد الله ؟ بقوله :
  إنك شيخ أخرق ، ولا تزال تحدث بالحديث، وأنت ترحض في بولك ، أنحن قتلناه ؟ إنما قتله علي وأصحابه جاؤا به حتى ألقوه بين رماحنا (3) .
  وبقوله : أفسدت علي أهل الشام ، أكل ما سمعت من رسول الله تقوله ؟ فقال عمرو : قلتها ولست أعلم الغيب ، ولا أدري أن صفين تكون ، قلتها وعمار يومئذ لك ولي وقد رويت أنت فيه مثل ما رويت ، ولهما في القضية معاتبة مشهورة وشعر منقول ، منه قول عمرو :
تـعاتبني  إن قلت شيئا iiسمعته      وقد قلت لو أنصفتني مثله قبلي

---------------------------
(1) الاستيعاب 2 ص 680 ، والإصابة 4 ص 150 .
(2) ذكر تواتره ابن حجر في الإصابة 2 ص 512 ، وتهذيب التهذيب 7 ص 409 .
(3) تاريخ الطبري 6 ص 23 ، وتاريخ ابن كثير 7 ص 369 .

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 37 _

أنـعلك فـيما قـلت نـعل iiثبيتة ؟      وتـزلق  بي في مثل ما قلته iiنعلي
ومـا كـان لـي علم بصفين iiأنها      تـكون  وعـمار يحث على iiقتلي
ولـو كـان لي بالغيب علم iiكتمتها      وكـابدت أقـواما مـراجلهم iiتغلي
أبـى الله إلا أن صـدرك iiواغـر      عـلي  بـلا ذنب جنيت ولا iiذحل
سـوى  أنـني والراقصات iiعشية      بنصرك مدخول الهوى ذاهل العقل
  وأجابه معاوية بأبيات منها :
فـيا  قـبح الله الـعتاب iiوأهـله      ألم تر ما أصبحت فيه من الشغل ؟
فـدع ذا ولـكن هـل لك اليوم iiحيلة      تـرد  بـها قـوما مـراجلهم iiتغلي ؟
دعـاهم  عـلي فـاستجابوا iiلـدعوة      أحب إليهم من ثرى المال والأهل  (1)
  كما لست أعني ما أخرجه الطبراني (2) عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و آله : إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق ، وإن كان قاطعا للحجاج فإن المناوئ لابن سمية (عمار) على الباطل لا محالة ، ولا تجد اجتهادا يبرر مناصرة المبطل على المحق بعد ذلك النص الجلي .
  وإنما أعني ما أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 387 وصححه وكذلك الذهبي في تلخيصه ، بالإسناد عن عمرو بن العاص: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم يقول : أللهم أولعت قريش بعمار إن قاتل عمار وسالبه في النار ، وأخرجه السيوطي من طريق الطبراني في الجامع الصغير 2 ص 193 ، وابن حجر في الإصابة 4 ص 151 .
  وأخرج السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 7 ص 73 قوله صلى الله عليه وآله لعمار : يدخل سالبك وقاتلك في النار ، من طريق إن عساكر ، و ج 6 ص 184 من طريق الطبراني في الأوسط ، وص 184 من طريق الحاكم .
  وأخرج الحافظ أبو نعيم وابن عساكر كما في ترتيب جمع الجوامع 7 ص 72 عن زيد بن وهب قال : كان عمار بن ياسر قد ولع بقريش وولعت به فغدوا عليه فضربوه فجلس

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 ص 274 .
(2) جمع الجوامع للسيوطي كما في ترتيبه 6 ص 184 .

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 38 _

  في بيته فجاء عثمان بن عفان يعوده فخرج عثمان وصعد المنبر فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : تقتلك الفئة الباغية ، قاتل عمار في النار .
  وأخرج الحافظ أبو يعلى وابن عساكر كما في ترتيب جمع الجوامع 7 ص 74 عن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعمار : تقتلك الفئة الباغية ، بشر قاتل عمار بالنار .
  وفي جمع الجوامع كما في ترتيبه 7 ص 75 و ج 6 ص 184 من طريق الحافظ ابن عساكر عن أسامة بن زيد قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ؟ قاتله وسالبه في النار ، أخرجه ابن كثير في تاريخه 7 ص 268 .
  وفي ترتيب الجمع 7 ص 75 من طريق ابن عساكر عن مسند على : إن عمارا مع الحق والحق معه يدور عمار مع الحق أينما دار ، وقاتل عمار في النار .
  وأخرج أحمد وابن عساكر عن عثمان ، وابن عساكر عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار : تقتلك الفئة الباغية قاتلك في النار ، كنز العمال 6 ص 184 ، وأخرجه عن أم سلمة ابن كثير في تاريخه 7 ص 270 من طريق أبي بكر بن أبي شيبة .
  وأخرج أحمد في مسنده 4 ص 89 خالد بن الوليد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
  من عادى عمارا عاداه الله، ومن أبغض عمارا أبغضه الله، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 391 بطريقين صححهما هو والذهبي ، والخطيب في تاريخه 1 ص 152 ، وابن الأثير في أسد الغابة 4 ص 45 ، وابن كثير في تاريخه 7 ص 311 ، وابن حجر في الإصابة 2 ص 512 ، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 7 ص 73 من طريق ابن أبي شيبة وأحمد ، وفي 6 ص 184 من طرق أحمد وابن حبان والحاكم .
  وأخرج الحاكم في المستدرك 3 ص 390 بإسناد صححه هو والذهبي عن رسول الله صلى الله عليه وآله بلفظ : من يسب عمارا يسبه الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله، و من يسفه عمارا يسفهه الله، ورواه السيوطي في الجمع كما في ترتيبه 7 ص 73 من طريق ابن النجار والطبراني بلفظ من سب عمارا سبه الله، ومن حقر عمارا حقره الله، و ومن سفه عمارا سفهه الله.
  وأخرج الحاكم في المستدرك 3 ص 391 بإسناده بلفظ : من يحقر عمارا يحقره

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 39 _

  الله، ومن يسب عمارا يسبه الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله، وأخرجه السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 7 ص 73 من طريق أبي يعلى وابن عساكر ، وفي 6 ص 185 عن أبي يعلى وابن قانع والطبراني والضياء المقدسي في المختارة .
  وأخرج الحاكم في المستدرك 3 ص 389 بإسناد صححه هو والذهبي في تلخيصه بلفظ : من يسب عمارا يسبه الله، ومن يعاد عمادا يعاده الله.
  وأخرج أحمد في المسند 4 ص 90 بإسناده بلفظ : من يعاد عمارا يعاده الله عز وجل ، ومن يبغضه يبغضه الله عز وجل ، ومن يسبه يسبه الله عز وجل .
  فأين هذه النصوص الصحيحة المتواترة (1) من اجتهاد أبي الغادية ؟ أو أين هو من تبرير ابن حزم عمل أبي الغادية ؟ أو أين هو من رأيه في اجتهاده ، ومحاباته له بالأجر الواحد؟ وهو في النار لا محالة بالنص النبوي الشريف، وهل تجد بغضا أو تحقيرا أعظم من القتل ؟.
  وهناك دروس في هذه كلها يقرأها علينا التأريخ، قال ابن الأثير في الكامل 3 ص 134 : إن أبا الغادية قتل عمارا وعاش إلى زمن الحجاج ودخل عليه فأكرمه الحجاج وقال له : أنت قتلت ابن سمية ؟ يعني عمارا قال : نعم ، فقال : من سره أن ينظر إلى عظيم الباع يوم القيامة فلينظر إلى هذا الذي قتل ابن سمية ، ثم سأله أبو الغادية حاجته فلم يجبه إليها ، فقال : نوطئ لهم الدنيا ولا يعطونا منها ويزعم أني عظيم الباع يوم القيامة ، فقال الحجاج: أجل والله من كان ضرسه مثل أحد وفخذه مثل جبل ورقان ومجلسه مثل المدينة والربذة إنه لعظيم الباع يوم القيامة ، والله لو أن عمارا قتله أهل لأرض كلهم لدخلوا كلهم النار ، م ـ وذكره ابن حجر في الإصابة 4 ص 151 .
  وفي الاستيعاب ( هامش الإصابة ) 4 ص 151 : أبو الغادية كان محبا في عثمان وهو قاتل عمار وكان إذا استأذن على معاوية وغيره يقول : قاتل عمار بالباب ، وكان يصف قتله له إذا سئل عنه لا يباليه ، وفي قصته عجب عند أهل العلم روى عن النبي قوله : لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، وسمعه منه ثم قتل عمارا .

---------------------------
(1) على ما اختاره ابن حزم من حد التواتر في ساير الأحاديث .

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 40 _

  وهذه كلها تنم عن غايته المتوخاة في قتل عمار واطلاعه ووقوفه على ما أخبر به النبي الأقدس في قاتل عمار ، وعدم ارتداعه ومبالاته بقتله بعدهما ، غير أنه كان بطبع الحال على رأي إمامه معاوية ويقول لمحدثي قول النبي بمقاله المذكور : إنك شيخ أخرق ، ولا تزال تحدث بالحديث ، وأنت ترحض في بولك .
  وأنت أعرف مني بمغزى هذا الكلام ومقدار أخذ صاحبه بالسنة النبوية و اتباعه لما يروى عن مصدر الوحي الإلهي ، وبأمثال هذه كان اجتهاد أبي الغادية فيما ارتكبه أو ارتبك فيه .
  وغاية ما عند ابن حزم في قتلة عثمان : أن اجتهادهم في مقابلة النص : ( لا يحل دم امرء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلث ، الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) (1) لكنه لا يقول ذلك في قاتل علي عليه السلام ومقاتليه وقاتل عمار ، وقد عرفت أن الحالة فيهم عين ما حسبه في قتلة عثمان .
  ثم إن ذلك على ما أصله هو في غير مورد لا يأدي إلا خطأ القوم في اجتهادهم فلم لم يحابهم الأجر الواحد كما حابى عبد الرحمن بن ملجم ونظرائه ؟ نعم : له أن يعتذر بأن هذا قاتل علي وأولئك قتلة عثمان .
  على أن نفيه المجال للاجتهاد هناك إنما يصح على مزعمته في الاجتهاد المصيب وأما المخطئ منه فهو جار في المورد كأمثاله من مجاريه عنده .
  ثم إن الرجل في تدعيم ما ارتئاه من النظريات الفاسدة وقع في ورطة لا تروقه ، ألا وهي سب الصحابة بقوله : فهم فساق ملعونون ، وذهب جمهور أصحابه على تضليل من سبهم بين مكفر ومفسق ، وإنه موجب للتعزير عند كثير من الأئمة بقول مطلق من غير تفكيك بين فرقة وأخرى أو استثناء أحد منهم ، وهو إجماعهم على عدالة

---------------------------
(1) أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة و الدارمي في السنن ، وابن سعد في الطبقات ، وأحمد والطيالسي في المسندين ، وابن هشام في السيرة ، والواقدي في المغازي 430 و 432 .

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 41 _

  الصحابة أجمعين (1) وهو بنفسه يقول في الفصل ج 3 ص 257 : وأما من سب أحدا من الصحابة رضي الله عنهم فإن كان جاهلا فمعذور ، وإن قامت عليه الحجة فتمادى غير معاند فهو فاسق كمن زنى وسرق : وإن عاند الله تعالى في ذلك ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو كافر ، وقد قال عمر رضي الله عنه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عن حاطب وحاطب مهاجر بدري : دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فما كان عمر بتكفيره حاطبا كافرا بل كان مخطئا متأولا ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آية النفاق بغض الأنصار ، وقال لعلي : لا يبغضك إلا منافق ، ا ه .
  وكم عند ابن حزم من المجتهدين نظراء عبد الرحمن بن ملجم وأبي الغادية حكم في الفصل بأنهم مجتهدون وهم مأجورون فيما أخطأوا قال في ج 4 ص 161 : قطعنا أن معاوية رضي الله عنه ومن معه مخطئون مجتهدون مأجورون أجرا واحدا ، وعد في ص 160 معاوية وعمرو بن العاصي من المجتهدين ، ثم قال : إنما اجتهدوا في مسائل دماء كالتي إجتهد فيما المفتون وفي المفتين من يرى قتل الساحر وفيهم من لا يراه ، وفيهم من يرى قتل الحر بالعبد وفيهم من لا يراه ، وفيهم من يرى قتل المؤمن بالكافر وفيهم من لا يراه ، فأي فرق بين هذه الاجتهادات واجتهاد معاوية وعمرو وغيرهما؟ لولا الجهل والعمى والتخليط بغير علم ، إنتهى .
  وشتان بين المفتين الذين التبست عليهم الأدلة في الفتيا ، أو اختلفت عندهم بالنصوصية والظهور ولو بمبلغ فهم ذلك المفتي ، أو أنه وجد إحدى الطائفتين من الأدلة أقوى من الأخرى لصحة الطريق عنده ، أو تضافر الاسناد ، فجنح إلى جانب القوة ، وارتأى مقابله بضرب من الاستنباط تقوية الجانب الآخر ، فأفتى كل على مذهبه ، كل ذلك إخباتا إلى الدليل من الكتاب والسنة .
  فشتان بين هؤلاء وبين محاربي علي عليه السلام وبمرأى الملأ الاسلامي ومسمعهم كتاب الله العزيز وفيه آية التطهير الناطقة بعصمة النبي وصنوه وصفيته وسبطيه ، وفيه آية المباهلة النازلة فيهم وعلي فيها نفس النبي ، وغيرهما مما يناهز ثلاثة مائة آية (2)

---------------------------
(1) راجع الصارم المسلول على شاتم الرسول ص 572 ـ 592 ، والاحكام في أصول الأحكام 2 ص 631 ، والشرف المؤبد للشبراوي ص 112 ـ 119 .
(2) راجع تاريخي الخطيب 6 ص 221 وابن عساكر ، وكفاية الكنجي ص 108 ، والصواعق ص 76 ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 115 ، والفتوحات الإسلامية 2 ص 342 ، ونور الأبصار ص 81 ، وهناك مصادر كثيرة أخرى .

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 42 _

  النازلة في الإمام أمير المؤمنين.
  وهذه نصوص الحفاظ الاثبات، والأعلام الأئمة، وبين يديهم الصحاح والمسانيد فيها حديث التطهير ، وحديث المنزلة ، وحديث البرائة ، ذلك الهتاف النبوي المبين المتواتر، كل ذلك كانت تلوكه أشداق الصحابة وأنهي إلى التابعين .
  أفترى من الممكن أن يهتف المولى سبحانه في المجتمع بطهارة ذات وقدسه من الدنس، وعصمته من كل رجس ؟ أو ينزله منزلة نفس النبي الأعظم ويسمع به عباده ؟ أو يوجب بنص كتابه المقدس على أمة نبيه الأقدس مودة ذي قرباه ؟ ( وأمير المؤمنين سيدهم ) ويجعل ولائهم أجر ذلك العب الفادح الرسالة الخاتمة العظمى ؟ ويخبر بلسان نبيه أمته بأن طاعة ( على ) طاعته ومعصيته معصيته ؟ (1) ويكون مع ذلك كله هناك مجال للاجتهاد بأن يقاتل ؟ أو يقتل ؟ أو ينفى من الأرض ؟ أو يسب على رؤس الاشهاد ؟ أو يلعن على المنابر ؟ أو تعلن عليه الدعايات ؟ وهل يحكم شعورك الحر بأن الاجتهاد في كل ذلك كاجتهاد المفتين واختلافهم في قتل الساحر وأمثاله ؟ .
  وابن حزم نفسه يقول في الفصل 3 ص 258 : ومن تأويل من أهل الاسلام فأخطأ فإن كان لم تقم عليه الحجة، ولا تبين له الحق ، فهو معذور مأجور أجرا واحدا لطلبه الحق وقصده إليه ، مغفور له خطؤه إذ لم يتعمد ، لقول الله تعالى : وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ، وإن كان مصيبا فله أجران أجر لإصابته و أجر آخر لطلبه إياه ، وإن كان قد قامت الحجة عليه ، وتبين له الحق فعند عن الحق غير معارض له تعالى ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم فهو فاسق لجرأته على الله تعالى بإصراره على الأمر الحرام ، فإن عند عن الحق معارضا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فهو كافر مرتد حلال الدم والمال ، لا فرق في هذه الأحكام بين الخطأ في الاعتقاد في أي شئ كان من الشريعة وبين الخطأ في الفتيا في أي شئ كان ، إنتهى .
  فهل من الممكن إنكار حجية كتاب الله العزيز ؟ أو نفي ما تلوناه منه ؟ أو احتمال خفاء هذه الحجج الدامغة كلها على أهل الخطأ من أولئك المجتهدين ؟ وعدم تبين الحق لهم ؟ وعدم قيام الحجة عليهم ؟ أو تسرب الاجتهاد والتأويل في تلك النصوص أيضا ؟ .

---------------------------
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 121 ، 128 ، والذهبي في تلخيصه وصححاه .

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 43 _

  على أن هناك نصوص نبوية حول حربه وسلمه منها : ما أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 149 عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين : أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم ، وذكره الذهبي في تلخيصه ، وأخرجه الكنجي في الكفاية ص 189 من طريق الطبراني والخوارزمي في المناقب ص 90 ، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص 216 من طريق الترمذي وابن ماجة و ابن حبان والحاكم .
  وأخرجه الخطيب بإسناده عن زيد في تاريخه 7 ص 137 بلفظ : أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم ، والحافظ ابن عساكر في تاريخه 4 ص 316 ، ورواه الكنجي في كفايته ص 189 من طريق الترمذي ، وابن حجر في الصواعق ص 112 من طريق الترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم ، وابن الصباغ المالكي في فصوله ص 11 ، ومحب الدين في الرياض 2 ص 189 ، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 7 ص 102 من طريق ابن أبي شيبة والترمذي والطبراني والحاكم والضياء المقدسي في المختارة .
  م ـ وأخرجه ابن كثير في تاريخه 8 ص 36 باللفظ الأول عن أبي هريرة من طريق النسائي من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين وابن ماجة من حديث وكيع كلاهما عن سفيان الثوري .
  وأخرج أحمد في مسنده 2 ص 442 عن أبي هريرة بلفظ : أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم ، والحاكم في المستدرك 3 ص 149 ، والخطيب في تاريخه 4 ص 208 ، والكنجي في الكفاية ص 189 من طريق أحمد وقال : حديث حسن صحيح ، والمتقي في الكنز 6 ص 216 من طريق أحمد والطبراني والحاكم .
  وأخرج محب الدين الطبري في الرياض 2 ص 189 عن أبي بكر الصديق: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خيم خيمة وهو متكئ على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة و الحسن والحسين فقال : معشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة ، حرب لمن حاربهم ، ولي لمن والاهم ، لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد ، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ الولادة .

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 44 _

  وأخرج الحاكم في المستدرك 3 ص 129 عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب وهو يقول : هذا أمير البررة، قاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ، ثم مد بها صوته ، وأخرجه ابن طلحة الشافعي في مطالب السئول ص 31 عن أبي ذر بلفظ : قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، إلخ، ورواه ابن حجر في الصواعق ص 75 عن الحاكم، وأحمد زيني دحلان في الفتوحات الإسلامية 2 ص 338 .
  إلى أحاديث كثيرة لو جمعت لتأتي مجلدات ضخمة ، على أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يبث الدعاية بين أصحابه حول تلك المقاتلة التي زعم ابن حجر فيها اجتهاد معاوية وعمرو بن العاص ومن كان معهما ، وكان صلى الله عليه وآله يأمرهم ويأمر أميرهم (ولي الله الطاهر) بحربهم وقتالهم ، وبطبع الحال ما كان ذلك يخفى على أي أحد من أصحابه ، وإليك نماذج من تلك (1) الدعاية النبوية .
  أخرج الحاكم في المستدرك 3 ص 139 والذهبي في تلخيصه عن أبي أيوب الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، ورواه الكنجي في كفايته ص 70 .
  وأخرج الحاكم في المستدرك 3 ص 140 عن أبي أيوب قال : سمعت رسول الله يقول لعلي : تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين .
  وأخرج الخطيب في تاريخه 8 ص 340 و ج 13 ص 187 وابن عساكر عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين ، وأخرجه الحمويني في فرايد السمطين في الباب الثالث والخمسين ، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص 392 ، وأخرج الحاكم وابن عساكر كما في ترتيب جمع الجوامع 6 ص 391 عن ابن مسعود قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى منزل أم سلمة فجاء علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أم سلمة ؟ هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي ، وأخرج الحمويني في فرايد السمطين في الباب الرابع والخمسين بطريقين عن سعد بن عبادة عن علي قال : أمرت بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين .
  وأخرج م ـ البيهقي في المحاسن والمساوي ج 1 ص 31 والخوارزمي في المناقب

---------------------------
(1) لم نذكرها بجميع طرقها التي وقفنا عليها روما للاختصار وستوافيك في الجزء الثالث .

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 45 _

  ص 52 و 58 عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة : هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي ودمه من دمي ، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، يا أم سلمة هذا أمير المؤمنين وسيد المسلمين ووعاء علمي ووصيي وبابي الذي أوتى منه ، أخي في الدنيا والآخرة ومعي في المقام الأعلى ، علي يقتل القاسطين والناكثين والمارقين ، ورواه الحمويني في الفرايد في الباب السابع والعشرين والتاسع والعشرين بطرق ثلث ، م ـ وفيه : وعيبة علمي مكان وعاء علمي ، والكنجي في الكفاية ص 69 ، والمتقي في الكنز 6 ص 154 من طريق الحافظ العقيلي .
  وأخرج شيخ الاسلام الحمويني في فرايده عن أبي أيوب قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين ، من طريق الحاكم ، ومن طريقه الآخر عن غياث بن ثعلبة عن أبي أيوب قال (غياث) : قاله أبو أيوب في خلافة عمر بن الخطاب .
  وأخرج في الفرايد في الباب الثالث والخمسين عن أبي سعيد الخدري قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، قلنا : يا رسول الله ؟ أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من؟ قال : مع علي بن أبي طالب .
   م ـ وقال ابن عبد البر في الاستيعاب 3 ص 53 هامش الإصابة : وروي من حديث علي ، ومن حديث ابن مسعود ، ومن حديث أبي أيوب الأنصاري : إنه أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ...
  فلعلك باخع بما ظهرت عليه من الحق الجلي غير أنك باحث عن القول الفصل في معاوية وعمرو بن العاصي فعليك بما في طيات كتب التأريخ من كلماتهما وسنوقفك على ما يبين الرشد من الغي في ترجمة عمرو بن العاصي وعند البحث عن معاوية في الجزء العاشر .
  هذا مجمل القول في آراء ابن حزم وضلالاته وتحكماته فأنت ( كما يقول هو ) لولا الجهل والعمى والتخليط بغير علم ، تجد الرأي العام في ضلاله قد صدر من أهله في محله ، وليس هناك مجال نسبة الحسد والحنق إلى من حكم بذلك من المالكيين أو غيرهم ، ممن عاصره أو تأخر عنه ، وكتابه الفصل أقوى دليل على حق القول وصواب الرأي .
  قال ابن خلكان في تاريخه 1 ص 370 : كان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين

أقوال العلماء في صحة حديث الغدير وتواتره _ 46 _

  لا يكاد أحد يسلم من لسانه قال ابن العريف : كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقين ، قاله لكثرة وقوعه في الأئمة ، فنفرت منه القلوب ، واستهدف لفقهاء وقته ، فتمالؤا على بغضه ، وردوا قوله ، وإجتمعوا على تضليله ، وشنعوا عليه ، وحذروا سلاطينهم من فتنته ، ونهوا عوامهم من الدنو إليه ، والأخذ عنه ، فأقصته الملوك ، وشردته عن بلاده ، حتى انتهى إلى بادية لبلة (1) فتوفي بها في آخر نهار الأحد لليلتين بقيتا من شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة .
  ( ولقد حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار) ؟

---------------------------
(1) بفتح اللامين من بلاد الأندلس .