وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) .
وعلى النطاق القضائي ، يدعوها الى العدالة القضائية :
( وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ) (2) .
وعلى النطاق العائلي ، يدعوها الى حفظ الحقوق الزوجية المادية والمعنوية :
(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) (3) .
وعلى النطاق التعليمي ، يدعوها الى طلب العلم :
( وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) (4) وعلى نطاق الانحراف الاجتماعي فإنه يعالج مشكلة الجريمة معالجة صارمة بتشريع القصاص والحدود والديات :
( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (5) .
وعلى نطاق العدالة الاجتماعية ، فانه بعد ان يعلن بأن الأرض بخيراتها الهائلة انما خلقت لجميع الافراد :
( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ) (6) ، يأمر ـ بعدئذٍ ـ بعدالة توزيع هذه الخيرات عليهم :
( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) (7) ،
( وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ) (8) .
وباجتماع هذه العناصر الاساسية للنظام الاجتماعي ، تنشأ الدولة القرآنية بكل مؤسساتها الاجتماعية رافعةً لواء العدالة والمساواة بين جميع افراد المجتمع الانساني.
وعلى صعيد التسلية العاطفية والطمأنينة النفسية للفرد ، فان القرآن
--------------------
(1) المائدة : 55.
(2) المائدة : 42.
(3) النساء : 19.
(4) طه : 114.
(5) البقرة : 179.
(6) البقرة : 29.
(7) النحل : 90.
(8) طه : 111.
النظرية الاجتماعية
في القرآن الكريم
_ 10 _
مثلما يسلي الانسان المؤمن وقت المحن بتذكيره بأن الموت انما هو انتقال لعالم لاعناء فيه ولا شقاء : ( سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) (1) ، ( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم ) (2) ، فانه في الوقت ذاته يعرف الفرد بنفسه مثلما يعرفه بخالقه العظيم ، واول اكتشاف يكتشفه الانسان عن طريق القرآن ، هو ان للنفس الانسانية قابلية عظيمة على تنمية الخير أو انشاء الشر ، واستعداداً عظيماً لعمل الطيبات والحسنات أو لفعل السيئات والخبائث : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) (3) ، وما على المكلف الا سلوك الطريق الذي رسمه له القرآن .
فالقرآن اذن يمنح الانسان المؤمن بالتوحيد فهماً دقيقاً لمعنى وجوده في الحياة ويعطيه فهماً لاسباب التعاون الاجتماعي ، ويقدم له قاعدة فكرية تعلن ان وجوده في الاصل منبثق عن مبداً الكمال المطلق ، وان حياته الدنيوية بما فيها من اجتماع انساني ونظام يهذب علاقات الافراد انما هي إعداد لمرحلة اخرى ينتفي فيها العناء والشقاء ويتحقق التلبس بالسعادة الابدية.
ان هذا الكتاب مجرد محاولة ابتدائية لاكتشاف النظرية الاجتماعية الاسلامية عبر محاكاة كتاب الله الخالد ، والانصات لتعاليمه الالهية العظيمة في شؤون الاجتماع الانساني وتنظيم شؤون الافراد ومصالحهم ، وهذا البحث هو زبدة ابحاث كتابنا ( المجتمع الاسلامي ) والتي حالت بعض
--------------------
(1) الرعد : 24.
(2) الحديد : 12.
(3) الشمس : 7 ـ 8.
النظرية الاجتماعية
في القرآن الكريم
_ 11 _