الفهرس العام


ما ذكره نصر بن مزاحم :
وقفة تحقيق :
تعقيب على حديث غدر الأمة بالإمام :



  وهذا الخبر رواه البلاذري في أنساب الأشراف (1) موقوفاً عن ابن سيرين .
  ومهما يكن فهو جزء من عملية التعتيم الإعلامي السياسي ، وبجرّة من القلم تخلف علي في بيته ولقيه عمر وقال : ... ثم خرج فبايعه ؟
  النص السادس : وقال عبد الرزاق (2) ، أخبرنا ابن مبارك ، عن مالك بن مغول ، عن ابن أبجر قال : لما بويع لأبي بكر جاء أبو سفيان إلى علي فقال : غلبكم على هذا الأمر أذلّ أهل بيت في قريش ، أما والله لأملأنّها خيلاً ورجالاً ، قال : فقلت : ما زلت عدواً للإسلام وأهله ، فما ضر ذلك الإسلام وأهله شيئاً ، انّا رأينا أبا بكر لها أهلاً .
  وهذا الخبر أيضاً كسابقه في عملية التعتيم الإعلامي السياسي ، وقد روى البلاذري معناه مسنداً عن الحسين عن أبيه (3) .
  النص السابع : وقال عبد الرزاق (4) بسنده عن الزهري في حديث ( غزوة ذات السلاسل وخبر علي ومعاوية ) فجاء فيه : ثم بعث أبو بكر حين ولّي الأمر بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثلاث ( كذا ) أمراء إلى الشام ، وأمّر خالد بن سعيد على جند ... ثم انّ عمر كلّم أبا بكر ، فلم يزل يكلّمه حتى أمّر يزيد بن أبي سفيان على خالد بن سعيد وجنده ، وذلك من موجدة وجدها عمر بن الخطاب على خالد بن سعيد ، حين قدم من اليمن بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلقي علي بن أبي طالب خالد بن سعيد فقال : أغلبتم يابني عبد مناف على أمركم ؟ فلم يحملها عليه أبو بكر وحملها عليه عمر ، فقال عمر : فإنك لتترك إمرته على الثعالب ـ كذا ـ فلما استعمله أبو بكر ذكر ذلك ، فكلم أبا بكر فاستعمل مكانه يزيد بن أبي سفيان .

---------------------------
(1) أنساب الأشراف 1 : 587 .
(2) المصنف 5 : 451 .
(3) راجع أنساب الأشراف 1 : 588 .
(4) المصنف 5 : 454 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 227 _

  وهذا الخبر رواه ابن كثير في تاريخه (1) ، وفيه : انّ خالد قدم وعليه جبّة ديباج ، فلما رآها عمر أمر مَن هناك من الناس بتخريقها عنه ، فغضب خالد وقال لعلي بن أبي طالب : يا أبا الحسن أغلبتم يابني عبد مناف عن الامرة ؟ فقال له علي : أمغالبة تراها أو خلافة ؟
   فقال : لا يغالب على هذا الأمر أولى منكم ، فقال له عمر بن الخطاب : اسكت فضّ الله فاك ، والله لا تزال كاذباً تخوض فيما قلت ثم لا تضر إلاّ نفسك ، وأبلغها عمر أبا بكر فلم يتأثر لها أبو بكر .
  والخبر كسابقيه اعلامي سياسي لتبرير أمر الخلافة ، وانّ علياً مقرّ بشرعيتها .
  النص الثامن : وروى عبد الرزاق (2) ، ( خصومة علي والعباس ) عن معمر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري ، قال : أرسل إليّ عمر بن الخطاب ... فبينا أنا كذلك جاءه مولاه فقال : هذا عثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، والزبير بن العوام ... يستأذنون عليك ، قال : إئذن لهم .
   ثم مكث ساعة ... فقال : هذا العباس وعلي يستأذنان عليك ، فقال : إئذن لهما ... فلما دخل العباس قال : اقض بيني وبين هذا ، وهما يومئذٍ يختصمان فيما أفاء الله على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) من أموال بني النضير ، فقال القوم : اقض بينهما يا أمير المؤمنين ، وأرح كل واحد منهما من صاحبه فقد طالت خصومتهما ، فقال عمر : أنشدكم الله ... فلما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال أبو بكر : أنا ولي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعده ، أعمل فيه بما كان يعمل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيها ، ثم أقبل على عليّ والعباس فقال : وأنتما تزعمان أنّه فيها ظالم فاجر ، والله يعلم أنّه فيها صادق بار تابع للحق ، ثم وليتها بعد أبي بكر سنين من إمارتي ، فعملت فيها بما عمل رسول الله وأبو بكر ، وأنتما تزعمان إنّي فيها ظالم فاجر .

---------------------------
(1) تاريخ ابن كثير 7 : 3 .
(2) المصنف 5 : 469 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 228 _

  وأخرج هذا الخبر الشيخان في صحيحهما بتحريف متعمد عند البخاري ، حيث حذف جملة ( ظالم فاجر ) في المقامين مع أنّه أخرجه عن عبد الرزاق بسنده ، ولم يذكر في الخبر عند كل من رواه انّ علياً والعباس تنصلا من كلمتهما واعتذرا عنها ، مما يدل على إصرارهما بأنّ أبا بكر ظالم فاجر ، وعمر مثله ظالم فاجر ، وما أدري هل شهادة عمر عليهما بذلك مقبولة عند العمريين أم لا .
  النص التاسع : وروى عبد الرزاق (1) ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : إنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك ، وسهمه من خيبر ، فقال لهما أبو بكر : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لا نورّث ، ما تركنا صدقة إنّما يأكل آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) من هذا المال ... قال : فهجرته فاطمة ، فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت ، فدفنها عليّ ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر .
  قالت عائشة : وكان لعلي من الناس حياة فاطمة حبوة ـ كذا _ فلمّا توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عنه ، فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم توفيت .
  قال معمر : فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي ستة أشهر ؟ قال : لا ، ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي ، فلما رأى عليّ انصراف وجوه الناس عنه أسرع إلى مصالحة أبي بكر ، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا تأتنا معك بأحد ، وكره أن يأتيه عمر لما يعلم من شدّته ، فقال عمر : لا تأتهم وحدك ، فقال أبو بكر : والله لآتينّهم وحدي وما عسى أن يصنعوا بي ؟ .
  قال : فانطلق أبو بكر فدخل على عليّ وقد جمع بني هاشم عنده ، فقام عليٌ فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : أما بعد ، يا أبا بكر فإنّه لم يمنعنا أن

---------------------------
(1) مصنف عبد الرزاق 5 : 472 / 473 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 29 _

  نبايعك إنكار لفضيلتك ، ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله إليك ، ولكنّا نرى أنّ لنا في هذا الأمر حقاً فاستبدتم به علينا ، قال : ثم ذكر قرابته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وحقهم ، فلم يزل يذكر ذلك حتى بكى أبو بكر .
  فلمّا صمت عليّ ، تشهد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ، فوالله لقرابة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أحرى إلي أن أصل من قرابتي ، والله ما ألوت في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم عن الخير ، ولكنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لا نورّث ، ما تركنا صدقةٌ ، وإنّما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإنّي والله لا أذكر أمراً صنعه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيه إلا صنعته إن شاء الله .
  ثم قال عليّ : موعدك العشية للبيعة ، فلمّا صلّى أبو بكر الظهر ، أقبل على الناس ثم عذر علياً ببعض ما اعتذر به ، ثم قام عليّ فعظّم من حق أبي بكر ، وفضيلته وسابقيته ، ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه ، فأقبل الناس إلى علي ، فقالوا : أصبت وأحسنت ، قالت _ يعني عائشة ـ : فكانوا قريباً إلى علي حين قارب الأمر والمعروف .
  وهذا الخبر بطوله اختصره أحمد في المسند (1) ، والبخاري في صحيحه (2) اختصاراً مشيناً ومهيناً مع روايتهما له عن عبد الرزاق ، فلم يذكرا جملة : فهجرته فاطمة فلم تكلّمه في ذلك حتى ماتت ، إلى قوله : فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم توفيت ، كما لم يذكرا سؤال رجل من الزهري عن عدم مبايعة الإمام لأبي بكر ستة أشهر ، ولا جوا ب الزهري .
  ولم يذكرا انصراف وجوه الناس عن الإمام علي بعد موت فاطمة ( عليها السلام ) مما اضطره لأن أسرع إلى مصالحة أبي بكر ... ولم يذكرا أشياء أخرى فيها إدانة ، فتحمل وزر الخيانة ولم يؤد الأمانة ، والخبر كلّه من رواية الزهري الذي أوضح

---------------------------
(1) مسند أحمد 1 : 26 برقم 9 .
(2) صحيح البخاري 5 : 20 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 230 _

  سبب المصالحة كما سمّاها فقال : لما رأى علي إنصراف وجوه الناس عنه أسرع إلى مصالحة أبي بكر .
  وهذا يعني مبلغ الجهد الذي كان يعانيه من ذلك الحصار الإجتماعي المضروب حوله ، وبالتالي حول بني هاشم ، وكأن قريشاً أعادت ذكرى الحصار الذي قاسوه منهم في أوائل البعثة بمكة أيام زعيمهم أبي طالب ، وهاهم اليوم يعيشون الحصار بشكل آخر مع ابن أبي طالب .
  النص العاشر : وروى عبد الرزاق (1) عن معمر ، عن قتادة أنّ علياً قضى عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أشياء بعد وفاته كان عامتها عدة ، قال : حسبت أنه قال : خمس مائة ألف .
  قال عبد الرزاق : يعني دراهم ، قلنا لعبد الرزاق : وكيف قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأوصى إليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) بذلك ؟ قال : نعم ، لا أشك أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أوصى إلى علي ، فلولا ذلك ما تركوه أن يقضي .
  وهذا الخبر علّق عليه محقق المصنف على قوله : ( وأوصى إليه النبي ... ) فقال : النص هكذا في ( ص ) والصواب عندي : ( وكيف قضى علي أو أوصى ... ) .
  وقلت : مهما كان هو الصحيح فإنّ قوله ( صلى الله عليه وآله ) : عليّ منجز عدتي ، ورد في عدة أحاديث عن جماعة من الصحابة ، ولم يقل ذلك مرّة واحدة ، بل بدءاً من يوم حديث الانذار ثم ما بعده من الأيام (2) .

---------------------------
(1) المصنف 7 : 294 .
(2) راجع عليّ إمام البررة 1 : 87 / 90 ، ستجد قوله ( صلى الله عليه وآله ) في حديث الانذار : ( يضمن عنّي ديني ومواعيدي ، ويكون معي في الجنة ، ويكون خليفتي ووصيي من بعدي ) ، أخرجه أحمد في مسنده 2 : 265 ، ح 883 ، تحقيق أبو الأشبال وقال : اسناده حسن ، وهذا رواه ابن كثير في تفسيره 3 : 350 ، وابن عساكر في تاريخه ( ترجمة الإمام ) 1 : 85 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 8 : 302 ، وقال : رواه أحمد ورجاله ثقات ، وورد في منتخب كنز العمّال ( بهامش مسند أحمد 5 : 42 ) إلى غير ذلك من الأحاديث،التي أثبتت الوصاية للإمام ، وأنّه يقضي الدين وينجز العداة .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 231 _

  النص الحادي عشر : وروى عبد الرزاق (1) ، عن معمر ، عن موسى بن إبراهيم ـ رجل من آل ربيعة ـ أنّه بلغه أنّ أبا بكر حين استخلف قعد في بيته حزيناً فدخل عليه عمر ، فأقبل على عمر يلومه ، وقال : أنت كلفتني هذا ، وشكا إليه الحكم بين الناس فقال له : أما علمت أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : إنّ الوالي إذا اجتهد فأصاب الحكم فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ، قال : فكأنّه سهل على أبي بكر حديث عمر .
  وقد روى عبد الرزاق عقب ما سبق بلا فصل خبراً رواه عن معمر عن قتادة أنّ علياً قال : القضاة ثلاثة : قاض ٍاجتهد فأخطأ في النار ، وقاض ٍرأى الحق فقضى بغيره في النار ، وقاض ٍ اجتهد فأصاب في الجنة .
وفي هذا التعقيب نحو من التكذيب لما رواه عمر ، فلاحظ .
  النص الثاني عشر : وروى عبد الرزاق (2) عن معمر ، عن رجل ، عن الحسن أنّ أبا بكر الصديق خطب فقال : أما والله ما أنا بخيركم ، ولقد كنت لمقامي هذا كارهاً ، ولوددت لو أنّ فيكم من يكفيني ، فتظنون أنّي أعمل فيكم سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذاً لا أقوم لها ، إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يُعصم بالوحي ، وكان معه ملك ، وإنّ لي شيطاناً يعتريني ، فإذا غضبت فاجتنبوني ، لا أوثر في أشعاركم ولا أبشاركم ، ألا فراعوني ، فإن استقمت فأعينوني ، وإن زغت فقوموني .
قال الحسن : خطبة والله ما خطب بها بعده (3) .

---------------------------
(1) المصنف 11 : 328 .
(2) المصنف 11 : 336 .
(3) أخرجه ابن سعد في الطبقات عن وهب بن جرير عن أبيه عن الحسن 3 : 213 ، وأخرجه أحمد في مسنده من حديث قيس بن أبي حازم ، ولفظه مختصر 1 : 188 ( طبعة أحمد شاكر عن هامش المصنف ) .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 232 _

  النص الثالث عشر : وروى عبد الر زاق (1) عن معمر قال : وحدّثني بعض أهل المدينة قال : خطبنا أبو بكر فقال : يا أيّها الناس إنّي قد ولّيت عليكم ولست بخيركم ، فإن ضعفت فقوموني ، وإن أحسنت فأعينوني ... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله .
  قال معمر : وأخبر فيه بعض أصحابي (2) .
  فهذان الخبران فيهما اعتراف أبي بكر بأنّه ليس بخير الصحابة ، وهذا ينسف ما يعدّه ابن عمر من قاعدة في التفضيل ، كما في الخبر الأول اعتراف ليس دون ما تقدم في الخطورة ، وهو أنّ له شيطاناً يعترية ، فحذّرهم من نفسه إذا غضب ، فهل كان أمره لعمر بجلب علي والزبير حين تخلفا عن بيعته : إئتني بهما بأعنف العنف ، من حضور الشيطان وساعة الغضب ؟ ربما كان كذلك ، وربما كانت الخطبة من الدجل السياسي الذي عند الحاكمين يستعملونه في أول ولاياتهم يخادعون به الناس ، والله يخادعهم .
ما ذكره نصر بن مزاحم :

  ثالثاً : ماذا عند نصر بن مزاحم ( ت 212 هـ ) ؟
  فقد روى في كتابه وقعة صفّين (3) ، عن محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني ، قال : فبقي أصحاب علي يوماً وليلة ـ يوم الفرات _ بلا ماء ، وقال رجل من السكون من أهل الشام يُعرف بالسليل بن عمرو : يا معاوية
اسمع  اليوم  ما  يقول السليل      إن   قولي   قول   له  iiتأويل
امنع  الماء  من صحاب iiعلي      أن   يذوقوه   والذليل   iiذليل
واقتل  القوم مثل ما قُتل iiالش      يخ ظماً والقصاص أمر جميل

---------------------------
(1) المصنف 11 : 336 .
(2) أخرج ابن سعد بعضه من حديث هشام بن عروة عن أبيه 3 : 182 ، ( عن هامش المصنف ) .
(3) وقعة صفّين 181 / 182 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 233 _

  إلى آخر أبيات سبعة .
  فقال معاوية : الرأي ما تقول ، ولكن عمرو لا يدعني .
  قال عمرو : خل بينهم وبين الماء ، فإنّ علياً لم يكن ليظمأ وأنت ريّان ، وفي يده أعنّة الخيل ، وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت ، وأنت تعلم أنّه الشجاع المطرق ، ومعه أهل العراق وأهل الحجاز ، وقد سمعته أنا وأنت وهو يقول : لو استمكنت من أربعين رجلاً فذكر أمراً ، يعني لو أنّ معي أربعين رجلاً يوم فُتش البيت يعني بيت فاطمة .
  وهذا النص بالرغم من تكتم الراوي على ما كان يفعله الإمام لو تمكن من أربعين رجلاً يوم فُتش البيت يعني بيت فاطمة ، فهو يكشف عن شيوع أمر الهجوم على بيت فاطمة ( عليها السلام ) بعد موت أبيها ، ولم يطرأ نسيان على ذكره بالرغم من مرور ربع قرن عليه ، فهو لا يزال في خزين الذاكرة عند أعداء علي فضلاً عن شيعته ، يتحدثون به عند مسيس الحاجة إليه للاستشهاد به .
  ما ذكره ابن هشام :
  رابعاً : ماذا عند ابن هشام ( ت 218 هـ ) ؟
  وليس عنده من جديد ، بعد أن كان هو مصدرنا الوحيد ، فيما نقلناه عن ابن إسحاق ، وقد مرّ برقم/ 1 ، فراجع فليس ثمة من مزيد .
  ما ذكره ابن سعد :
  خامساً : ماذا عند محمد بن سعد كاتب الواقدي ( ت 231 هـ ) ؟
  النص الأول : فقد روى (1) فقال : أخبرنا محمد بن عمر ، حدّثني معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : إنّ فاطمة بنت رسول الله أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيما أفاء الله على رسوله ، وفاطمة حينئذٍ تطلب

---------------------------
(1) الطبقات ( لمحمد بن سعد ) 2 : 273 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 234 _

  صدقة النبي التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله قال : لا نورّث ما تركنا صدقة إنّما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإنّي والله لا أغيّر شيئاً من صدقات رسول الله عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ، ولأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول الله ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيّت ، وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر (1) .
  النص الثاني : وروى (2) بسنده قال : لما ولي أبو بكر خطب الناس ... أيها الناس قد وليت أمركم ولست بخيركم .
  النص الثالث : وقال ابن سعد (3) : أخبرنا الفضل بن دكين وشعيب بن حرب قالا : حدّثنا مالك بن مغول عن مُصرِّف ، قال : سألت عبد الله بن أبي أوفى : أوصى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : لا ، قلت : فكيف كتب على الناس الوصية وأُمروا بها ؟ ! قال : أوصى بكتاب الله ، قال : وقال هُذيل (4) : أكان أبو بكر يتأمّر على وصي رسول الله ، لودّ أبو بكر أنّه وجد من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عقداً فخزم أنفه بخزامة .
  وهذا الخبر يكشف عن عمق الصدمة التي عاشها المجتمع الواعي في المدينة إثر بيعة أبي بكر ، فطلحة بن مصرف يعجب كيف لم يوص رسول الله ( صلى الله عليه وآله )

---------------------------
(1) أورده النويري بنصّه 18 : 1396 .
(2) المصدر نفسه 3 ، ق 1 : 129 .
(3) المصدر نفسه 3 ، ق 1 : 129 .
(4) هكذا ورد اسمه في طبعة ليدن ، غير أنّ الصواب هو هزيل بن شرحبيل كما في 2 : 228 ، طبعة مكتبة الخانجي بمصر بتحقيق الدكتور علي محمد عمر ، حيث ورد الخبر مرّة ثانية في الطبقات وفيه : قال هزيل بن شرحبيل : أأبو بكر كان يتأمر على وصي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ وقد أورد الخبر جماعة من المحدثين في كتبهم ، راجع مسند أبي عوانة 3 : 475 ، وسنن الدارمي 2 : 496 ، ومسند البزار 8 : 298 ، وفتح الباري 5 : 361 ، والرياض النضرة 2 : 97 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 235 _

  إلى أحد ، وهو الذي كان يأمر الناس بالوصية ، فسأل عبد الله بن أبي أوفى ، وهذا الآخر يقول له : أوصى بكتاب الله ، وهذا جواب غير شافٍ ووافٍ بالمقصود ، ويبدو أنّ الرجل كان يخشى من رقيب حاضر ، دلّ على ذلك قول هذيل ، ولعلّ هذا هو الرقيب الذي نمّ على نفسه حين قال : أكان أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله ، لود أبو بكر أنه وجد من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عقداً فخزم أنفه بخزامة ؟
  ولتنوير القارئ بمعرفة هؤلاء الأشخاص الثلاثة ، وأنّهم ليسوا بمتهمين عند الحاكمين وأتباعهم ، فليسوا هم من الشيعة .
  فأولهم : طلحة بن مصرف ، وصفه ابن سعد في طبقاته (1) ، فقال : وكان قارئ أهل الكوفة يقرأون عليه القرآن ، فلما رأى كثرتهم عليه كأنّه كره ذلك لنفسه ، فمشى إلى الأعمش فقرأ عليه ، فمال الناس إلى الأعمش وتركوا طلحة .
  ثم روى من أخباره ما دلّ على تواضعه وحسن خلقه ، إلى أن روى عن الحسن بن عمرو قال : قال طلحة بن مصرف : لولا انّي على وضوء أخبرتك بما تقول الشيعة ؟ إذن فهو يرى إنّ حكاية ما تقول الشيعة من نواقض الوضوء ، أتريد فوق هذا دليل على مخالفته للشيعة وتعصبه ضدهم .
وقد وثقه ابن سعد فقال : وكان ثقة له أحاديث صالحة .
  وثانيهم : عبد الله بن أبي أوفى صحابي ترجمه ابن سعد في الطبقات (2) وذكره مرّة اُخرى (3) ، وقال فيهما : لم يزل بالمدينة حتى قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فتحوّل إلى الكوفة فنزلها حيث نزلها المسلمون ، وابتنى بها دارا في أسلم وكان قد ذهب بصره ، وتوفي بالكوفة سنة ست وثمانين ، وحكى عن الحسن أنّه آخر من مات من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالكوفة .

---------------------------
(1) طبقات ابن سعد 6 : 215 .
(2) المصدر نفسه 4 ، ق 2 : 36 .
(3) المصدر نفسه 6 : 13 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 236 _

  وثالثهم : هو هذيل ، ولم ينسب في الخبر ، وفي طبقات ابن سعد (1) الهذيل بن بلال الفزاري ، وقال عنه : وكان ضعيفاً في الحديث ، فإن يك هو ذاك فيكفي ضعفه ، وإن يكن هو غيره فمن ذا هو ذلك المجهول ؟
  واحتمال التصحيف في اسمه وإنّه هزيل ، فقد ذكره ابن سعد في الطبقات (2) باسم الهزيل بن شرحبيل ووثقه ، ومهما يكن فالرجل على أحسن تقدير مأخوذ بالإعلام السياسي الذي أذاعه رواة الخالفين بأنّ النبي مات من دون أن يوصي إلى أحد .
  وعلى أسوء تقدير انه زاد على ذلك أن جعل نفسه محامي دفاع حين قال : أكان أبو بكر يتأمّر على وصي رسول الله ، لودّ أبو بكر أنّه وجد من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عقداً فخزم أنفه بخزامة .
  وإلا فمن ينكر وصاية الإمام علي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ينكر ضوء الشمس ، فبدءاً من حديث بدء الدعوة ، وانتهاء بحديث الغدير ، وما بينهما من أحاديث في سائر الأيام ، وكلها تتثبت انّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال فيها لعلي : وصيي وخليفتي من بعدي ولكن للإعلام الكاذب أثره على عواطف الناس ، وفي المقام يردّ على هذيل المجهول في زعمه المرذول : أكان أبو بكر يتأمّر ؟
  نعم ، بل وتآمر حتى تأمّر ، وبين يدي القارئ النصوص الثابتة فليقرأ ويتدبّر ، كيف كانت بيعة أبي بكر .
  النص الرابع : وروى في الطبقات (3) بسنده عن عائشة قالت : توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين سحري ونحري وفي دولتي لم أظلم فيه أحداً ، فعجبت من حداثة سني أنّ

---------------------------
(1) المصدر نفسه 7 ، ق 2 : 66 .
(2) المصدر نفسه 6 : 122 .
(3) المصدر نفسه 2 ، ق 2 : 50 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 237 _

  رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبض في حجري ، فلم أتركه على حاله حتى يغسّل ، ولكن تناولت وسادة فوضعتها تحت رأسه ، ثم قمت مع النساء أصيح وألتدم ، وقد وضعت رأسه على الوسادة وأخّرته عن حجري .
  وهذا الخبر يستبطن كذبه ، لعدة أمور :   منها : قولها : بين سحري ونحري وفي دولتي ، فماذا تعني بدولتها ؟ وأيّ دولة كانت لها ؟
  ومنها : لم أظلم فيه أحداً ، وهذا يكشف عن ظلم اتهمت بارتكابه في زعمها الأول ، وهو دفع دخل كما يقولون .
  ومنها : أنّها عجبت من حداثة سنّها كيف لم تترك النبي ( صلى الله عليه وآله ) على حاله في حجرها حتى يغسّل ؟
  ومنها : أنّها تناولت وسادة فوضعتها تحت رأسه ، وكأن الوسادة كانت بالقرب منها وتحت متناول يدها ؟
  ومنها : أنّها قامت تصيح وتلتدم مع النساء ، وقد وضعت رأسه على الوسادة ، وأخّرته عن حجرها بكل يسر وسهولة ؟
  وأخيراً : كلّ ذلك كان وحدث ، وكأنّ البيت خال لوحدها ليس ثمة أحد من أهل البيت لا رجالاً ولا نساء ؟ وما أدري كيف يروي ابن سعد وغيره أمثال هذه الترهات التي لا يمكن تصديقها بأيّ وجه من الوجوه ؟
  وروى بسنده (1) عن عائشة : توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بيتي وبين سحري ونحري ، وكان جبريل يدعو له بدعاء إذا مرض ، فذهبت أدعو له فرفع بصره إلى السماء وقال : في الرفيق الأعلى .

---------------------------
(1) المصدر نفسه 2 ، ق 2 : 50 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 238 _

  قالت : فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده جريدة رطبة فنظر إليها ، فظننت أنّ له بها حاجة ، قالت : فنضفت رأسها ونفضتها وطيبتها فدفعتها إليه فاستن بها كأحسن ما رأيت مستناً ، ثم ذهب يتناولها فسقطت من يده أو سقطت يده ، فجمع الله ريقي وريقه في آخر ساعة من الدنيا وأول يوم من الآخرة .
  فأين ما في هذا الخبر مما سبق ذكره عنها ؟ وإن بيت القصيد فيه ، هو الجمع بين ريقه ( صلى الله عليه وآله ) وريقها ولا تعجب كما عجب ابن أخيها القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وذلك فيما رواه ابن سعد أيضاً من ذكر السواك الذي روى فيه ثلاثة أخبار عن عائشة (1) ، في كل خبر لديها كشف جديد ، وفي ثالثها رواه بسنده عن القاسم بن محمد بقول : سمعت عائشة تقول : كان من نعمة الله عليّ وحسن بلائة عندي ، انّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مات في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري ، وجمع بين ريقي وريقه عند الموت .
  قال القاسم : قد عرفنا كل الذي تقولين فكيف جمع بين ريقك وريقه ؟ قالت : دخل عبد الرحمن بن أمّ رومان أخي على النبي ( صلى الله عليه وآله ) يعوده وفي يده سواك رطب ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مولعاً بالسواك ، فرأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يُشخص بصره إليه ، فقلت : يا عبد الرحمن أقضم السواك ، فناولنيه فمضغته ثم أدخلته في فم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فتسوك به فجمع بين ريقي وريقه .
  وهكذا تبقى عائشة تروي لنفسها اختصاصاً برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يحض به باقي أهل بيته ، وحتى ابنته فاطمة ( عليها السلام ) فضلاً عن باقي أزواجه ، فهو حكر لعائشة ، وهو من مروياتها فحسب ، فإن شئت أن تصدّق وإلاّ فلا .
  النص الخامس : وروى ابن سعد في الطبقات (2) عن عبد الله بن نمير ، حدّثنا إسماعيل ، عن عامر ، قال : جاء أبو بكر إلى فاطمة حين مرضت فاستأذن ، فقال

---------------------------
(1) المصدر نفسه 2 ، ق 2 : 30 .
(2) المصدر نفسه 8 : 17 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 239 _

  علي : هذا أبو بكر على الباب فإن شئت أن تأذني له ، فقالت : وذلك أحبّ إليك ؟ قال : نعم ، فدخل عليها واعتذر إليها وكلّمها فرضيت عنه .
  وهذا الخبر على ما فيه من آفة في الإسناد لوجود عامر ، فهو غير عامر في دينه ، وعامر هذا هو الشعبي المعروف بولائه للأمويين ، وهو قاضي الكوفة أيام عبد الملك بن مروان ، وفي تاريخه أيام القضاء مخازي أخلاقية ، يراجع عن بعضها كتاب ( علي إمام البررة ) (1) ، ومع غض النظر عن السند فإنّ في المتن ما يلزم البكريين بالإدانة لما يلي :
  1 ـ مجيئ أبي بكر إلى فاطمة حين مرضت ربّما يستساغ خبره ، فابنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مريضة ، وأبو بكر جاء لعيادتها فلا شيء ، لكن قول علي لفاطمة ( عليها السلام ) : فإن شئت أن تأذني له ، يوحي بأنّ شيئاً مّا يمنع من الإذن له دون أخذ موافقة فاطمة ( عليها السلام ) ؟ فما هو ذلك الأمر ؟ أهو الهجوم على بيتها بعد موت أبيها ؟ وما جرى عليها من كسر ضلع وإسقاط جنين ، وغير ذلك ما سبب لها المرض ، ربما هو ذلك ؟
  أو هو مضافاً إليه منعها من حقها من الأرث والفيء والخمس والنحلة ، لذلك هجرته ووجدت عليه ، ولم تزل مغاضبة له حتى مرضت ، فجاءها يترضاها ؟ وهذا هو الذي دلّ عليه الخبر في خبر ( فدخل عليها واعتذر إليها وكلّمها فرضيت عنه ) فثمة اعتذار ولا يكون إلا من جناية ، ثم ( وكلّمها فرضيت عنه ) ، وهذا لا يكون إلا عن غضب منها عليه .
  وزعم الشعبي ( فرضيت عنه ) يكذبه ما جاء في صحيح البخاري ـ كما سيأتي ـ من حديث عائشة ، بأنّها ماتت وهي غضبى فانتظر رجباً ترى عجباً ، وأعجب من ذلك أن نقرأ الحديث عند ابن سعد بالصورة التالية :

---------------------------
(1) علي إمام البررة 2 : 323 / 334 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 240 _

  النص السادس : وروى ابن سعد (1) بسنده عن الزهري قال : أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته : أنّ فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله مما أفاء الله عليه ، فقال لها أبو بكر : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : لا نورّث ما تركنا صدقة ، فغضبت فاطمة ، وعاشت بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ستة أشهر .
  فهذا الخبر الذي قلنا أخرجه البخاري ـ كما سيأتي ـ وفيه ماتت وهي غضبى ، فهنا ذكر الغضب عليه ، ولم يرد ذكر للرضا عنه لكنه صرّح فيما ذكره بما هو أفظع من جميع ذلك أن يروي ابن سعد الخبر التالي :
  النص السابع : روى (2) بسنده عن عائشة قالت : إنّ فاطمة بنت رسول الله أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيما أفاء الله على رسوله ، وفاطمة حينئذٍ تطلب صدقة النبي التي بالمدينة وفدك ، وما بقي من خمس خيبر .
  فقال أبو بكر : إنّ رسول الله قال : لا نورّث ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإنّي والله لا اُغيّر شيئاً من صدقات رسول الله عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول الله .
فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة ( عليها السلام ) على أبي بكر ، فهجرته فلم تكلمَه حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر .
  النص الثامن : روى (3) بسنده عن إبراهيم ـ وهذا هو ابن سعد الزهري ـ قال : صلّى أبو بكر الصدّيق على فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فكبّر عليها أربعاً .

---------------------------
(1) طبقات ابن سعد 8 : 18 .
(2) المصدر نفسه 2 ، ق 2 : 86 .
(3) المصدر نفسه 8 : 19 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 241 _

  ونحو هذا رواه الشعبي أيضاً من دون ذكر التكبيرات ، أتُريدون كذباً فوق هذا ؟ ! ويبدو أنّ رواة السوء حاولوا فاشلين أن يشوشوا على المسلمين تاريخهم بذكر أكاذيب تعتيماً على الحقائق ومَن يصدقهم ، وأسفارهم تروي أيضاً ما يلي :
   روى ابن سعد (1) بسنده عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت : صلّى العباس بن عبد المطلب على فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ونزل في حفرتها هو وعلي والفضل بن عباس .
  وروى ابن سعد (2) بسنده عن عروة : إن علياً صلّى على فاطمة .
  وروى ابن سعد (3) بسنده عن الزهري قال : دُفنت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليلاً ودفنها علي .
  وروى ابن سعد (4) بسنده عن ابن شهاب ـ الزهري ـ قال : دفنت فاطمة ليلاً دفنها علي .
  وكم من نظير نحو ما مرّ عن عروة ، وكسابقه عن عائشة ، وكسابقه عن يحيى بن سعيد ، وأخيراً :
  روى ابن سعد (5) بسنده عن علي بن حسين ـ يعني زين العابدين ـ قال : سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة ؟ فقال : دفنّاها بليل بعد هدأة ، قال : قلت : فمن صلّى عليها ؟ قال : علي .
  هذه جملة من النصوص التي رواها ابن سعد في طبقاته ، وفيها دلالة واضحة على ظلامة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .
  ما ذكره ابن أبي شيبة :
  سادساً : ماذا عند ابن أبي شيبة ( ت 235 هـ ) ؟
  النص الأول : أخرج ابن أبي شيبة في كتابه المصنف (6) ، بسنده عن هشام ، عن

---------------------------
(1) و (5)المصدر نفسه 8 : 19 .
(6) المصنف 12 : 139 ، برقم : 12355 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 242 _

  عروة ، عن أبيه : أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان قطع بعثاً قبل موته ، وأمّر عليهم أسامة بن زيد ، وفي ذلك البعث أبو بكر وعمر .
  قال : فكان أناس من الناس يطعنون في ذلك لتأمير رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أسامة عليهم ، قال : فقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فخطب الناس ثم قال : إنّ أناساً منكم قد طعنوا علي في تأمير أسامة ، وإنّما طعنوا في تأمير أسامة كما طعنوا في تأمير أبيه من قبله ، وأيم الله إن كان لخليقاً للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إليّ ، وإنّ ابنه لأحبّ الناس إليّ من بعده ، وإنّي أرجو أن يكون من صالحيكم فاستوصوا به خيراً .
  فهذا الخبر أورده مرّة ثانية (1) ، وذكره ابن سعد في الطبقات (2) ، وعبد الرزاق (3) باختصار ، وأورده في كنز العمّال (4) من رواية ابن أبي شيبة ، كلّهم عن هشام بن عروة .
  والخبر صريح في أنّ أناساً طعنوا على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فمَنْ هم أولئك الذين طعنوا على النبي ( صلى الله عليه وآله ) في تأميره أسامة بن زيد على بعث فيه أبو بكر وعمر ؟ .
  والجواب : إنّهم لا شك من الصحابة بل ومن وجوه الصحابة ـكما يسمونهم ـ ولو شئت أن أسمي لسميت ، لماذا طعنوا ؟ وليس من حقهم أن يطعنوا لو كانوا مؤمنين ، فإن القرآن الكريم يقول : « وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أمْراً أنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ » (5) .
  النص الثاني : أخرج ابن أبي شيبة في المصنف (6) بسنده عن ابن جريج عن أبيه أنّهم شكوا في قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أين يدفنونه ؟ فقال أبو بكر : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول :

---------------------------
(1) المصنف 14 : 520 ، برقم : 18826 .
(2) طبقات ابن سعد 4 ، ق 1 : 46 .
(3) المصنف 11 : 234 .
(4) كنز العمّال 5 : 312 .
(5) الأحزاب : 36 .
(6) المصنف 14 : 553 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 243 _

  إنّ النبي لا يحوّل عن مكانه ، يدفن حيث يموت ، فنحوا فراشه فحفروا له موضع فراشه .
  وهذا الخبر أورده الهندي في كنز العمّال (1) من طريق ابن أبي شيبة ، والإمام أحمد ، وفيه قال ابن كثير : هذا منقطع ، فإنّ والد ابن جريج فيه ضعف ، ولم يدرك أبا بكر الصديق ، وكأنّ المهم ملاحظة السند فقط أما المتن في ذمة الرواة .
  أقول : وما أدري لماذا يروي مدونوا الحديث والسيرة والتاريخ أمثال هذه الأخبار التي تستبطن كذبها ، أليس هم يروون باتفاق بأنّ أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح ، كانوا في سقيفة بني ساعدة ينازعون الأنصار على الخلافة ، حتى صرح عروة بن الزبير _ وهو ممّن لا يتهم عندهم ـ فقال : إنّ أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي ( صلى الله   عليه وآله ) كانا في الأنصار ، فدفن قبل أن يرجعاً .
  وهذا أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2) ، وأورده المتقي الهندي في كنز العمّال (3) أيضاً من طريق ابن أبي شيبة ، ويكذبه أيضاً ما رواه النص الثالث ابن أبي شيبة في المصنف (4) بسنده عن سعيد بن المسيب أنّ الذي ولي دفن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وإجنانه أربعة نفر دون الناس : علي وعباس والفضل وصالح مولى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فلحدوا له ونصبوا عليه اللبن نصباً .
  وهذا أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5) ، وأورده الهندي في كنز العمّال (6) من طريق ابن أبي شيبة .

---------------------------
(1) كنز العمّال 4 : 50 .
(2) مصنف ابن أبي شيبة 14 : 568 ، برقم : 18892 .
(3) كنز العمّال 3 : 140 .
(4) مصنف ابن أبي شيبة 14 : 556 .
(5) السنن الكبرى للبيهقي 4 : 53 .
(6) كنز العمّال 4 : 60 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 244 _

  النص الرابع : وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف (1) بسنده عن جعفر عن أبيه قال : خرجت صفية وقد قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهي تلمع بثوبها _ يعني تشير به ـ وهي تقول :
قد   كان   بعدك  أنباء  iiوهنبثة      لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب
  أقول : وهذا أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (2) بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : لما قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) خرجت صفية تلمع (3) بردائها وهي تقول :
قد   كان   بعدك  أنباء  iiوهنبثة      لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب
  ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد (4) .
  وهذا الخبر يطوي في بيت شعره أنباءً وهنبثة حدثت بعد موت النبي ( صلى الله عليه وآله ) هزت المسلمين ، وعظم وقعها على أهل البيت خاصة ، حتى خرجت صفية بنت عبد المطلب وهي أم الزبير بن العوام تلمع بثوبها _ تشير به ـ وهذا حال مَن بَلغَ به الأسى مبلغاً ضاق به صاحبه ذرعاً ، فعلاه الحزن لفقد فقيده الغالي ، وزاد أساه ما لاقاه من المآسي التي حيقت به من بعد فقيده ، وما هي تلك الأنباء والهنبثة غير تقديم من أخّر الله وتأخير من قدّم الله ، وغصب الخلافة من صاحبها .
  قال ابن منظور في لسان العرب (5) : الهنابث : الدواهي ، واحدها هنبثة ... وفي الحديث : إنّ فاطمة قالت بعد موت سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
قد   كان   بعدك  أنباء  iiوهنبثة      لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب
إنّا  فقدناك  فقد  الأرض  وابلها      فاختل  قومك فاشهدهم ولا iiتغب

---------------------------
(1) مصنف ابن أبي شيبة 14 : 556 ، برقم : 18874 .
(2) المعجم الكبير للطبراني 24 : 253 .
(3) لمع بثوبه وسيفه لمعاً وألمع أشار، وقيل : أشار للإنذار ، ولمع أعلى وهو أن يرفعه ويحركه ليراه غيره فيجيء إليه ( لسان العرب ) ( لمع ) .
(4) مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 92 .
(5) لسان العرب 3 : 20 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 245 _

  الهنبثة واحدة الهنابث ، وهي الأمور الشداد المختلفة ، وقد ورد هذا الشعر في حديث آخر قال : لما قبض سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرجت صفية تلمع بثوبها وتقول البيتين ، انتهى ، يقال : لمع بثوبه وألمع به إذا رفعه وحركه ليراه غيره فيجيء إليه .
وقفة تحقيق :

  وقفة تحقيق عابرة عند هذه الأبيات التي ورد فيها إقواء في القافية وهو من عيوب الشعر ، فنقول :
  لقد ورد البيتان في جملة من المصادر التاريخية والأدبية واللغوية على تفاوت في روايتهما تصحيفاً أو تحريفاً ، ومع الإقواء وبدونه ، وهذا ما يكشف عن أيدٍ أثيمة بدّلت واستبدلت ، حتى غيّرت في معاني الشعر ، فلا إتساق بين الصدر والعجز ، ومِن الذين رووا البيتين مع الإقواء ابن الأثير في النهاية (1) ، والزمخشري (2) في الفائق ، والزبيدي في تاج العروس (3) .
فهؤلاء رووا أنّ فاطمة ( عليها السلام ) قالت :
قد   كان   بعدك  أنباء  iiوهنبثة      لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب
إنّا  فقدناك  فقد  الأرض  وابلها      فاختل  قومك فاشهدهم ولا iiتغب
  وأعطف على هؤلاء علي فهمي جابي زادة في كتابه حسن الصحابة في أشعار الصحابة (4) ، وحكاه نقلاً عن العقد الفريد (5) ، ولدى مراجعتي له وجدت هكذا :
إنّا   فقدناك   فقد  الأرض  iiوابلها      وغاب مذ غبت عنّا الوحي والكتب
فليت   قبلك  كان  الموت  iiصادفنا      لما   نُعيت  وحالت  دونك  iiالكثب

---------------------------
(1) النهاية لابن الأثير 8 : 277 .
(2) الفائق للزمخشري 4 : 116 .
(3) تاج العروس للزبيدي 3 : 654 .
(4) حسن الصحابة 128 .
(5) العقد الفريد 3 : 238 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 246 _

  وهذا غير ما حكاه علي فهمي كما هو ظاهر .
  أما الذين رووا بتصحيف وتحريف مع الإقواء ، لعل أقدم من رأيت ذلك عنده هو محمد بن سعد صاحب الطبقات ، فقد روى الرثاء منسوباً إلى هند بنت أثاثة ، وهو صحيح في نسبته إلاّ أنّ تحريفاً وتصحيفاً وإقواءاً حصل في البيت الثاني والخامس من أبيات خمسة هي :
قد    كان   بعدك   أنباء   iiوهنبثة      لو  كنت  شاهدها  لم تكثر الخُطَب
إنّا   فقدناك   فقد   الأرض  وابلها      فاحتل  لقومك  واشهدهم  ولا iiتغبِ
قد  كنت  بدراً  ونوراً يستضاء iiبه      عليك  تنزل  من  ذي العزة iiالكتب
وكان   جبريل   بالآيات  يحضرنا      فغاب  عنّا  وكل  الغيب  iiمحتجب
فقد   رزئت   أيا   سهلاً   iiخليقته      محض الضريبة والأعراق والنسبِ
  فلاحظوا التصحيف في البيت الثاني في كلمة ( فاختل ) بالخاء المعجمة ، وهي فعل ماضي من الإختلال ، فصُحّفت إلى ( فاحتل ) بالحاء المهملة ، وهي فعل أمر من إعمال الحيلة ؟
  ولاحظوا التحريف في قافية البيت الثاني أيضاً حيث لا معنى يتسق مع سياق البيت ، وفيه إقواء ، وكذلك البيت الخامس ففيه أيضاً تحريف وإقواء .
  أما الذين رووا الأبيات بدون إقواء ، لكنّهم لم يسلموا من ضغط الموروث ، فكان التحريف في اللفظ والتحريف في النسبة ، فمثالهم جسوس في كتابه شرح الشمائل الترمذية (1) ، فقد قال : ويقال إنّ عائشة لما وقفت على القبر الشريف أنشدت :
قل  للمغيّب تحت أطباق iiالثرى      هل أنت تسمع ضرعتي وندائيا

---------------------------
(1) شرح الشمائل 2 : 182 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 247 _

ماذا  على  من شمّ تربة أحمدٍ      أن لا يشمّ مدى الزمان iiغواليا
صبّت  عليّ  مصائب لو أنّها      صبّت على الأيام صرن لياليا
   ثم قالت للقبر ثانية ، وتمثلت بقول صفية عمّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
قد   كان   بعدك  أنباء  iiوهينمة      لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطَب
إنّا  فقدناك  فقد  الأرض  وابلها      واختلى  قومك فافقدهم فقد iiنكبوا
قدكان  جبريل  بالآيات  iiيؤنسنا      فغاب  عنّا  فكل الخير iiمحتجب
وكنت  نوراً  وبدراً يستضاء iiبه      عليك تنزل من ذي العزة iiالكتب
فقد  رزئنا  بما  لم يرزأ به iiأحد      من  البرية  لا  عجمٌ ولا iiعربُ
  فهذه رواية جسوس جعلت صاحبة الرثاء والإنشاد عائشة ، وهذا ما لم أقف عليه عند غيره ، وكذبه واضح ، لأنّ صاحبة الرثاء الأول تشكو ما صبّ عليها من مصائب لو أنّها صُبّت على الأيام صرن ليالياً حالكات لشدة وقعها ، وعائشة لم يصبها أيّ أذى بعد فقد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بل أصبحت ذات عزّة ومنعة لتولي أبيها الخلافة ، فلا يمكن التصديق بما ذكره عنها وإن نسبه إلى القيل ، وهو مشعر بالتمريض .
وقد صرّح الزرقاني في شرح المواهب (1) ، وعلى القارئ في شرح الشمائل (2) ، بأنّ الشعر أنشأته ـ عند الأول ـ وأنشدته ـ عند الثاني ـ فاطمة ( عليها السلام ) .
  ثم إنّ نسبة الأبيات الخمسة إلى صفية هو أيضاً من الخطأ ، فإنّها _ الأبيات _ ليست لها بل هي تمثلت ببيت واحد منها حينما خرجت تلمع بثوبها ، كما سبق في رواية ابن أبي شيبة وراجع لسان العرب (3) ، بل هي ـ الأبيات _ لهند بنت إثاثة كما في طبقات ابن سعد .

---------------------------
(1) شرح المواهب للزرقاني 8 : 293 .
(2) شرح الشمائل 2 : 210 .
(3) راجع لسان العرب 3 : 30 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 248 _

  ومما يؤكد أنّ البيت لفاطمة ( عليها السلام ) ، ما ذكره الزمخشري في الفائق (1) أنّ معاوية قال يوم صفّين : آهاً أبا حفص :
قد   كان   بعدك  أنباء  iiوهنبثة      لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطَب
  هي كلمة تأسّف ، وانتصابها على إجرائها مجرى المصادر ، كقولهم ويحاً له ... الهنبثة : إثارة الفتنة ، وهي من النبث ، والهاء زائدة ، ويقال للأمور الشدائد : هنابث .
يريد ما وقع الناس فيه من الفتن بعد عمر ، وهذا البيت يعزى إلى فاطمة انتهى .
  النص الخامس : مما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2) ، بسنده أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لعلي : ستلقى بعدي جهداً ، قال : يارسول الله في سلامة من ديني ؟ ، قال : نعم ، في سلامة من دينك .
  وهذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك (3) عن ابن عباس ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في تلخيصه على تخريجه ورمز له : ( خ م ) يعني : البخاري ومسلم .
  وأخرجه غير أولاء ، وحمله بعضهم مفسراً له بما عاناه الإمام ( عليه السلام ) في الحروب الثلاثة : الجمل وصفّين والنهروان ، وهو كذلك .
  إلاّ أنّ البعَدية في لفظ الحديث تشير إلى ما أصابه بعد فقد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) من غدر الأمة به ، كما رواه أبو إدريس الأودي عن علي قال : إنّ مما عهد إليّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنّ الأمة ستغدر بي بعده .

---------------------------
(1) الفائق للزمخشري 1 : 66 .
(2) المصنف 12 : 78 .
(3) المستدرك للحاكم 3 : 140 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 249 _

  أخرجه الحاكم في المستدرك (1) ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في التلخيص على تخريجه وتصحيحه .
وللحديث مصادر أخرى كدلائل النبوة للبيهقي ، وتاريخ بغداد ج 11 ، وتاريخ دمشق ج 3 ، وخصائص النسائي ، وكنز العمال ، وغيرها كثير .
  النص السادس : وأخرج في المصنف (2) ، بسنده عن أسلم ، وذكر خبر مجيئ عمر إلى فاطمة يريد منها منع علي والزبير من الاجتماع في بيتها ، وتهديدها بقوله : وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم البيت ... والخبر إلى هنا ليس فيه ما يستنكر عنه من يعرف شدة عمر ، وعدم مبالاته في شن الغارة على بيت فاطمة ، وأمره بأن يحرق على من فيه .
  ولكن هلم الخطب في بقية الخبر فاقرأ ماذا فيه : ( فلمّا خرج عمر جاؤوها فقالت : تعلمون أنّ عمر قد جاءني ، وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت ، وأيم الله ليمضينّ لما حلف عليه فانصرفوا راشدين ، فروا رأيكم ولا ترجعوا إليّ ، فانصرفوا عنها ، فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر ) ؟
  فهذا الجزء من الخبر نسف الرأي الثابت في مجيئ عمر ومعه قبس من النار ، ومعه من يحمل الحطب ، واقتحامه الدار بعنف ، وإخراج عليّ والزبير ب ـ العنف ، كما سيأتي عن البلاذري وابن قتيبة وغيرهما ، إلى آخر ما هنالك من الأذى الذي لحق بفاطمة من ضرب وإسقاط جنين وو .
  النص السابع : وأخرج في المصنف (3) بسنده عن عروة أنّ أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، كانا في الأنصار فدفن قبل أن يرجعا .

---------------------------
(1) المصدر نفسه 3 : 140 .
(2) المصنف 14 : 568 .
(3) المصدر نفسه 14 : 568 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 250 _

  النص الثامن : وأخرج في المصنف (1) بسنده عن أسلم قال : دخل عمر على أبي بكر وهو آخذ بلسانه ينضنضه ، فقال له عمر : الله الله يا خليفة رسول الله ، وهو يقول : هاه إنّ هذا أوردني الموارد (2) .
تعقيب على حديث غدر الأمة بالإمام :

  لقد وردت عدة أحاديث تندّد مفهوماً بالأمة ، وتصرّح منطوقاً بما سيلقى الإمام من جهد بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) من تلك الأمة ، وألفاظها مختلفة مما يدلنا على اهتمام الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بابن عمه ، فهو إذ يخبره بما سيجري عليه من بعده ، وهو إذ يسلّيه أيضاً يعدّه لمواجهة الأحداث بصبر وثبات ، وهذا ما دلّ عليه جواب الإمام في سلامة من ديني .
  فمن الأحاديث في هذا المعنى خبر الحدايق التي مرّ عليها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومعه الإمام ، فيقول الإمام : ما أحسن هذه ويجيبه النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ولك في الجنة أحسن منها ، ثم اعتنقه وأجهش باكياً ، فقال علي ( عليه السلام ) : ما يبكيك يا رسول الله ؟ ، فقال : أبكي لضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك إلاّ بعدي ، فقلت : في سلامة من ديني ؟ فقال : في سلامة من دينك .
  ( أخرجه أبو يعلى في مسنده ، والحاكم في المستدرك ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، والخوارزمي في المناقب ، والحمويني في فرائد السمطين ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والمتقي الهندي في كنز العمال ، والقندوزي في الينابيع ، وغيرهم ) .

---------------------------
(1) المصدر نفسه 14 : 568 .
(2) وهذا أخرجه قبلاً في المصنف 9 : 66 كتاب الأدب ، وذكر في الهامش : أخرجه أبو نعيم في الحلية 1 : 33 ، وأورده الهندي في كنز العمّال 3 : 478 ، أقول : وذكره غيرهم في تاريخ أبي بكر ، وحتى في بعض مصادر اللغة في مادة ( نضنض ) فراجع .