ما ذكره ابن قتيبة : ما ذكره البلاذري : ما ذكره الطبري :
أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مما أفاء الله على رسوله ، وفاطمة حينئذٍ تطلب صدقة النبي ( صلى الله عليه وآله ) التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله قال : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) إنّما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإنّي لا أغيّر شيئاً من صدقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولأعملنّ فيها بما عمل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة ( رضي الله عنها ) منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها [زوجها] علي ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلى عليها علي ( رضي الله عنه ) .
النص الثاني : وأيضاً روى تلو ذلك فقال : حدّثنا إسحاق بن إدريس ، قال : حدّثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : انّ فاطمة والعباس أتيا ابا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك [وسهمه] من خيبر ، فقال لهما أبو بكر : انّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لا نورّث ، ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد من هذا المال ، وإنّي والله لا أغير أمراً رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصنعه إلا صنعته ، قال : فهجرته فاطمة ( رضي الله عنها ) ، فلم تكلمه في ذلك المال حتى ماتت .
ثالثاً : ، قال (1) : حدّثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ، قال : حدّثنا فضيل بن مرزوق ، قال : حدّثني النميري بن حسان ، قال : قلت لزيد بن علي ( رحمة الله عليه ) وأنا أريد أن أهجّن أمر أبي بكر : أنّ أبا بكر انتزع من فاطمة ( رضي الله عنها ) فدك ، فقال : انّ أبا بكر كان رجلاً رحيماً ، وكان يكره أن يغيّر شيئاً تركه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأتته فاطمة فقالت : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أعطاني فدك ، فقال لها : هل لك على هذا
---------------------------
(1) المصدر نفسه 1 : 124 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 277 _
بيّنة ؟ فجاءت بعلي ( رضي الله عنه ) فشهد لها ، ثم جاءت بأم أيمن فقالت : أليس تشهد أنّي من أهل الجنة ؟ قال : بلى ـ قال أبو أحمد : يعني أنّها قالت ذاك لأبي بكر وعمر _ قالت : فأشهد أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أعطاها فدك ، فقال أبو بكر : فبرجل وامرأة تستحقينها أو تستحقين بها القضية ؟ قال زيد بن علي : وأيم الله لو رجع الأمر إليّ لقضيت فيها بقضاء أبي بكر .
أقول : وهذا الخبر لا يصح سنداً لجهالة النميري بن حسان الذي خلت معاجم الرجال والتراجم عن ذكره ، مضافاً إلى جرح فضيل بن مرزوق الذي قال فيه ابن حبّان : منكر الحديث جداً ، وقال فيه الحاكم : عيب على مسلم إخراجه في الصحيح ، وسئل ابن أبي حاتم عن حديثه يحتج به ؟ فقال : لا . راجع بشأنه ميزان الاعتدال ، وسير أعلام النبلاء ، والمغني ، والكاشف كلها للذهبي ، وتهذيب التهذيب لابن حجر .
أما نكارة متنه فهو مستبطن لكذبه ، إذ كيف يعقل أن يقول زيد ذلك ، وهو الفقيه في دينه العالم بالأحكام ، وهو يعلم أنّ جده علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : علي مع الحق والحق مع علي ، مضافاً إلى عصمته بنص آية التطهير ، وكذلك جدته فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) المعصومة بآية التطهير ، وهي بضعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهي صاحبة اليد ، كل ذلك يمنع من التجاوز على ما تحت يدها ويغني عن طلب البينة ، ودع أم أيمن المشهود لها بالجنة ، واستشهادها لأبي بكر على ذلك فصدقها ، أكل ذلك لا يعرفه زيد ؟
ولو أغمضنا النظر عن جميع ذلك ، ألم يعلم أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وأبو بكر هو المدّعي فكان عليه هو أن يقيم البيّنة ، لا السيدة الزهراء صاحبة اليد، لانتزاعه منها فدكاً بنص الخبر ، فكل هذا لا يعرفه زيد ؟ معاذ الله ، ثم خلوّ المصادر الزيدية عن ذكر هذا عن زيد ( رحمه الله ) يوهن الرواية .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 278 _
رابعاً : ذكر خبر مالك بن أوس بن الحدثان في ( خصومة علي والعباس ( رضي الله عنهما ) إلى عمر ( رضي الله عنه ) ) (1) وفيه شهادة عمر على علي والعباس أمامهما وأمام الحضور من وجوه الصحابة : ( تزعمان أنّ أبا بكر فيها ظالم فاجر ... ) ، وأيضاً : ( فتزعمان أنّي فيها ظالم فاجر... ) .
وهذا الخبر مرّ بطوله فيما ذكرناه في النص الثامن عن عبد الرزاق من كتابه ( المصنف ) وذكرناه أيضاً عن البخاري فيما أخرجه في صحيحه بدون كلمة الشتيمة ، وعقبنا عليه بما اقتضاه المقام فراجع النص الثالث ماذا عند البخاري ، وقد علّق المحققان على كتاب عمر بن شبه في هامش الخبر بذكر المصادر (2) .
ونحن سوف لا نذكر الخبر بعد هذا مرّة ثالثة ورابعة عن أصحاب تلك المصادر ، كما لا يفوتنا التنبيه على أنّ عمر بن شبة قد ذكر الخبر بعد هذا ست مرّات بتفاوت في الألفاظ مطولاً ومختصراً .
كما روى مكرراً خبر مطالبة الزهراء ( عليها السلام ) أبا بكر في فدك والصوافي ، وهو يأبى أن يدفع إليها ذلك ، حتى روى في خبر عنها أنّها طالبته واحتجت عليه بآيات الخمس والفيء فلم يستجب لها ، وفي آخر الخبر قال لها : وهذا عمر بن الخطاب ، وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهما فاسأليهم عن ذلك ، فانظري هل يوافق
---------------------------
(1) المصدر نفسه 1 : 126 .
(2) أخرجه البخاري : 2904 و 3094 و 4033 و 4885 و 5357 و 5358 و 2728 و 7305 .
ومسلم : 757 ح 48 ، 49 و 50 ، وأبو داود : 2965 ، والترمذي : 1610 ، والنسائي 7 : 136 / 137 ، وأحمد 1 : 25 و 48 و 162 و 164 و 179 و 191 ، والبيهقي في السنن 6 : 297 ، والبغوي في مصابيح السنة : 2738 ، وفي التفسير 4 : 416 ، وأبو يعلى 2 : 3 و 4 ، والطبري في التفسير : 38 ـ 39 ، والمروزي : 1 و 3 ، والحميدي : 22 ، وعبد الرزاق : 9772 ، وابن حبّان : 6608 ، وابن سعد 2 : 314 ، كلهم بنحو هذا الإسناد مختصراً ومطولاً .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 279 _
على ذلك أحد منهم ؟ فانصرفت إلى عمر فذكرت له مثل الذي ذكرت لأبي بكر بقصته وحدوده ، فقال لها مثل الذي كان راجعها به أبو بكر ، فعجبت فاطمة وظنت أنهما قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه .
فهذا الخبر _ وإسناده حسن كما ذكر المحققان في هامشه ـ جاء في آخره ما أوحى إلى أنّ فاطمة ( عليها السلام ) عجبت من موافقة عمر لصاحبه حتى ( ظنت قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه ) وهذا يشعر بسوء ظنها فيهما لتأمرهما على غصب النحلة منها ، أليس كذلك ! ؟
الحادي عشر : ماذا عند ابن قتيبة ( ت 270 هـ ) ؟
النص الأوّل : ذكر في كتابه المعارف ( المحسن ) وقد مرّ بنا في ( نظرة في المصادر ) ما يتعلق به فلا حاجة إلى الإعادة .
النص الثاني : ذكر في كتابه تاريخ الخلفاء الراشدين ( الإمامة والسياسة ) (1) ، بيعة السقيفة وما جرى بين أبي بكر والأنصار ، وامتناع سعد بن عبادة عن مبايعة أبي بكر حتى مات ، وإنّ بني هاشم اجتمعت عند بيعة الأنصار إلى علي بن أبي طالب ومعهم الزبير بن العوام ، وكانت أمه صفية بنت عبد المطلب ، وإنّما كان يعدّ نفسه من بني هاشم ، وكان علي ـ كرّم الله وجهه ـ يقول : ما زال الزبير منّا حتى نشأ بنوه فصرفوه عنّا ...
واجتمعت بنو أمية إلى عثمان ، واجتمعت بنو زهرة إلى سعد وعبدالرحمن بن عوف ، فكانوا في المسجد الشريف مجتمعين ، فلما أقبل عليهم أبو بكر وأبو عبيدة ـ وقد بايع الناس أبا بكر _ قال لهم عمر : ما لي أراكم مجتمعين حلقاً شتّى ، قوموا
فبايعوا أبا بكر فقد بايعته وبايعه الأنصار ، فقام عثمان بن عفان ومن معه من بني أمية فبايعوه ، وقام سعد وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما من بني زهرة فبايعوا .
وأما علي والعباس بن عبد المطلب ومن معهما من بني هاشم ، فانصرفوا إلى رحالهم ومعهم الزبير بن العوام ، فذهب اليهم عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن اشيم ، فقالوا : انطلقوا فبايعوا أبا بكر ، فأبوا ، فخرج الزبير بن العوام بالسيف ، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار ، وانطلقوا به فبايع ، وذهب بنو هاشم أيضاً فبايعوا .
وفي هذا الخبر تطالعنا ثلاثة أمور لم نقف عليها من قبل فيما عرضناه من المصادر :
الأول : وهو تكتلات سياسية قبلية ، تجمّعت في المسجد الشريف ، وما اجتمعت ، مما يدل على تباين في وجهات النظر .
الثاني : هيمنة عمر بن الخطاب على الموقف المتأزم ، وبمجرد دعوة أولئك النفر المتحلقين المتخلفين إلى بيعة أبي بكر قاموا فبايعوا .
الثالث : بيعة بني هاشم .
وليس في الأمر الأول والثاني ما يستدعي النظر فيهما ، لكن الأمر الثالث وهو بيعة بني هاشم يومئذٍ لافت للنظر ، وهو مما انفرد ابن قتيبة بروايته ، إذ أنّ بني هاشم ما بايعوا حتى بايع الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وهو لم يبايع إلاّ بعد ستة أشهر حيث انصرفت وجوه الناس عنه بعد موت الزهراء ( عليها السلام ) ، فضرع لفك الحصار الإجتماعي خشية تطوّره إلى المقاطعة ، فيحل به ومعه بنو هاشم مثل ما حلّ بهم من قبل في مكة المكرمة إبان الدعوة الإسلامية ، حين حوصروا في شعب أبي طالب ( عليه السلام ) .
النص الثالث : قال (1) ( إباية علي ـ كرّم الله وجهه ـ بيعة أبي بكر ) .
---------------------------
(1) المصدر نفسه 1 : 12 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 281 _
ثم إنّ علياً _ كرّم الله وجهه ـ أتي به إلى أبي بكر وهو يقول : أنا عبد الله وأخو رسول الله ، فقيل له : بايع أبا بكر ، فقال : أنا أحق بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتأخذوه منّا أهل البيت غصباً ! ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم ، فأعطوكم المقادة ، وسلّموا إليكم الإمارة ، فإذاً أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار ، نحن أولى برسول الله حياً وميّتاً ، فانصفونا إن كنتم تؤمنون ، وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون .
فقال عمر : إنّك لست متروكاً حتى تبايع ، فقال له علي : احلب حلباً لك شطره ، وشدّ له اليوم يردده عليك غداً ، ثم قال : يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه ، فقال له أبو بكر : فإن لم تبايع فلا أكرهك .
فقال أبو عبيدة بن الجراح لعلي ـ كرّم الله وجهه ـ : يابن عم إنّك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور ، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك ، وأشد احتمالاً واستطلاعاً ، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر ، فإنّك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق وحقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك .
قال علي ـ كرّم الله وجهه ـ : الله الله يا معشر المهاجرين ، لا تخرجوا سلطان محمد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت ، ونحن أحق بهذا الأمر منكم ، ما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله ، المتطلع لأمر الرعية ، الدافع عنهم الأمور السيئة ، القاسم بينهم بالسويّة ، والله أنه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحق بُعداً .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 282 _
وقال بشير بن سعد الأنصاري : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلفت عليك ، قال : وخرج علي ـ كرّم الله وجهه ـ يحمل فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على دابة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يابنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أنّ زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا عنه ، فيقول علي ـ كرّم الله وجهه ـ : أفكنت أدعُ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بيته لم أدفنه ، وأخرج أنازع الناس سلطانه ؟
فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم .
النص الرابع : ( كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ) .
قال (1) : وإنّ أبا بكر تفقد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي ـ كرّم الله وجهه ـ ، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم في دار علي ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنّها على مَن فيها ، فقيل له : يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة ، قال : وإن .
فخرجوا فبايعوا إلا علياً ، فإنّه زعم أنّه قال : حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن ، فوقفت فاطمة ( رضي الله عنها ) على بابها فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوء محضر منكم ، تركتم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقّاً .
فأتى عمر أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ، فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له : إذهب فادع لي علياً ، قال : فذهب إلى علي ، فقال له : ما حاجتك ؟ فقال : يدعوك خليفة رسول الله ، فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسول الله ، فرجع فأبلغ الرسالة ، قال : فبكى أبو بكر طويلاً .
---------------------------
(1) المصدر نفسه 1 : 13 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 283 _
فقال عمر الثانية : أن لا تهمل هذا المتخلف عنك بالبيعة ، فقال أبو بكر لقنفذ : عد إليه فقل له : أمير المؤمنين يدعوك لتبايع ، فجاءه قنفذ فأدّى ما أمر به ، فرفع عليّ صوته فقال : سبحان الله لقد ادعى ما ليس له ، فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة ، فبكى أبو بكر طويلاً .
ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة ، فدقوا الباب ، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ؟
فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين ، وكادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تتفطّر ، وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا علياً فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع ، فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذاً والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك ، قال : إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله، قال عمر : أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخا رسوله فلا .
وأبو بكر ساكت لا يتكلم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ، فقال : لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه ، فلحق علي بقبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصيح ويبكي وينادي : يابن أم إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني .
النص الخامس : قال (1) : فقال عمر لأبي بكر : انطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد أغضبناها ، فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما ، فأتيا علياً فكلّماه فأدخلهما عليها ، فلما قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط ، فسلّما عليها فلم تردّ عليهما السلام ، فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله والله إنّ قرابة رسول الله أحب إليّ من قرابتي ، وإنّك لأحبّ إليّ من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم مات أبوك أنّي مت ولا أبقى بعده ، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك ، وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله ، إلا أنّي سمعت أباكِ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لا نورّث ، ما تركنا فهو صدقة .
---------------------------
(1) المصدر نفسه 1 : 14 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 284 _
فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تعرفانه تفعلان به ؟ قالا : نعم ، فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟ قالا : نعم ، سمعناه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
قالت : فإنّي أشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي لأشكونّكما إليه ، فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطكِ يا فاطمة ، ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله لأدعونّ الله عليك في كل صلاة أصليها .
ثم خرج باكياً ، فاجتمع إليه الناس فقال لهم : يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي ، قالوا : يا خليفة رسول الله ، إنّ هذا الأمر لا يستتم ، وأنت أعلمنا بذلك إنّه إن كان هذا لم يقم لله دين ، فقال : والله لولا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة ولي في عنق مسلم بيعة بعدما سمعت ورأيت من فاطمة .
النص السادس : قال (1) : فلم يبايع علي ـ كرّم الله وجهه ـ حتى ماتت فاطمة ( رضي الله عنها ) ، ولم تمكث بعد أبيها إلا خمساً وسبعين ليلة .
النص السادس : قال (2) : فأتى المغيرة بن شعبة فقال : أرى يا أبا بكر أن تلقوا العباس ، فتجعلوا له في هذا الأمر نصيباً يكون له ولعقبه ، وتكون لكما الحجة على علي وبني هاشم إذا كان العباس معكم .
---------------------------
(1) المصدر نفسه 1 : 15 .
(2) المصدر نفسه 1 : 15 / 16 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 285 _
قال : فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة حتى دخلوا على العباس ( رضي الله عنه ) ، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه ثم قال : إنّ الله بعث محمداً ( صلى الله عليه وآله ) نبياً وللمؤمنين ولياً ، فمنّ الله تعالى بمقامه بين أظهرنا حتى اختار الله له ما عنده ، فخلى على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم متفقين لا مختلفين ، فاختاروني عليهم والياً ولأمورهم راعياً ، وما أخاف بحمد الله وهناً ولاحيرة ولا جبناً ، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم عليه توكلت وإليه أنيب .
وما زال يبلغني عن طاعن يطعن بخلاف ما اجتمعت عليه عامة المسلمين ، ويتخذونكم لحافاً ( لجأ / ظ ) فاحذروا أن تكونوا جهد المنيع ، فإما دخلتم فيما دخل فيه العامة ، أو دفعتموهم عما مالوا إليه ، وقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً ، يكون لك ولعقبك من بعدك ، إذ كنت عم رسول الله ، وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان أصحابك فعدلوا الأمر عنكم ، على رسلكم بني عبد المطلب فإن رسول الله منّا ومنكم .
ثم قال عمر : أي والله واخرى إنّا لم نأتكم حاجة منّا إليكم ، ولكنا كرهنا أن يكون الطعن منكم فيما اجتمع عليه العامة فيتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا لأنفسكم ولعامتكم .
فتكلم العباس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنّ الله بعث محمداً كما زعمت نبياً وللمؤمنين ولياً ، فمنّ الله بمقامه بين أظهرنا حتى اختار له ما عنده ، فخلّى على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين للحق لا مائلين عنه بزيغ الهوى ، فإن كنت برسول الله طلبت فحقنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين طلبت فنحن منهم متقدمون فيهم ، وإن كان هذا الأمر إنّما يجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنّا كارهين ، فأما ما بذلت لنا فإن يكن حقاً لك فلا حاجة لنا فيه ، وإن يكن حقاً للمؤمنين فليس لك أن تحكم عليهم ، وإن كان حقنا لم نرض عنك فيه ببعض
المحسن السبط مولود أم سقط _ 286 _
دون بعض ، وأما قولك إن رسول الله منّا ومنكم ، فإنّه قد كان من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها .
النص الثامن : قال (1) : ثم خرج أبو بكر إلى المسجد الشريف ، فأقبل على الناس فعذر علياً بمثل ما اعتذر عنده ، ثم قام علي فعظّم حق أبي بكر وذكر فضله وسابقته ، ثم مضى فبايعه ، فأقبل الناس على علي فقالوا : أصبت يا أبا الحسن وأحسنت .
النص التاسع : قال (2) : فلما تمت البيعة لأبي بكر أقام ثلاثة أيام يقيل الناس ويستقيلهم ، يقول : قد أقلتكم في بيعتي هل من كاره ؟ هل من مبغض ، فيقوم علي في أول الناس فيقول : والله لا نقيلك ولا نستقيلك أبداً ، قد قدّمك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لتوحيد ديننا من ذا الذي يؤخرك لتوجيه دنيانا .
النص العاشر : قال (3) : ( مرض أبي بكر واستخلافه عمر ) .
ثم إنّ أبا بكر عمل سنتين وشهوراً ثم مرض مرضه الذي مات فيه ، فدخل عليه أناس من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيهم عبد الرحمن بن عوف ، فقال له : كيف أصبحت يا خليفة رسول الله ، فإنّي أرجوا أن تكن بارئاً . قال : أترى ذلك ؟ قال : نعم .
قال أبو بكر : والله إنّي لشديد الوجع لما ألقى منكم يا معشر المهاجرين أشدّ عليّ من وجعي ، إنّي ولّيت أمركم ولّيت خيركم في نفسي فكلكم ورم أنفه ، إرادة أن يكون هذا الأمر له ، وذلك لما رأيتم الدنيا قد أقبلت .
أقول : ثم ساق ابن قتيبة حديث أبي بكر وما تمنّاه من مثلثاته ، وقد مرّ ذكر ذلك في مقدمة هذا الباب فراجع .
---------------------------
(1) المصدر نفسه 1 : 16 .
(2) المصدر نفسه 1 : 16 .
(3) المصدر نفسه 1 : 18 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 287 _
النص الحادي عشر : قال ابن قتيبة (1) : ودخل عليه المهاجرون والأنصار حين بلغهم أنّه استخلف عمر ، فقالوا : نراك استخلفت علينا عمر وقد عرفته ، وعلمت بوائقه فينا ، وأنت بين أظهرنا فكيف إذا وليت عنّا ، وأنت لاق الله ( عزّ وجلّ ) فسائلك فما أنت قائل ؟
النص الثاني عشر : قال (2) : ثم قال أبو بكر لعمر : خذ هذا الكتاب ، واخرج به إلى الناس ، وأخبرهم أنّه عهدي ، وسلهم عن سمعهم وطاعتهم ، فخرج عمر بالكتاب وأعلمهم ، فقالوا : سمعاً وطاعة ، فقال له رجل : ما في الكتاب يا أبا حفص ؟ قال : لا أدري ، ولكنّي أول من سمع وأطاع ، قال : لكني والله أدري ما فيه ، أمّرته عام أول وأمّرك العام .
الثاني عشر : ماذا عند البلاذري ( ت 279 هـ ) ، في كتاب أنساب الأشراف (3) ؟
النص الأوّل : بسنده عن ابن عباس قال : خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عاصباً رأسه ، حتى جلس على المنبر ، وكان الناس قد تكلموا في أمره ـ يعني أسامة ـ حين أراد توجيههم إلى مؤتة ، فكان أشدّهم قولاً في ذلك عياش بن أبي ربيعة ، فقال : أيها الناس ، أنفذوا بعث أسامة ، فلعمري لئن قلتم في إمرته ، لقد قلتم في إمرة أبيه من قبله ، ولقد كان أبوه للإمارة خليقاً ، وأنه لخليق بها ، وكان في جيش أسامة : أبو بكر وعمر ، ووجوه من المهاجرين والأنصار ، وخرج فعسكر بالجرف ، فلما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) واستخلف أبو بكر ، أتى أسامة فقال له : قد ترى موضعي من خلافة
---------------------------
(1) المصدر نفسه 1 : 19 .
(2) المصدر نفسه 1 : 20 .
(3) أنساب الأشراف 1 : 474 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 288 _
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنا إلى حضور عمر ورأيه محتاج ، فأنا أسألك تخليفه ، ففعل ، ومضى أسامة حتى قدم سالماً غانماً ، فسر الناس بذلك .
النص الثاني (1) : بسنده عن ابن عباس أنه قال : يوم الخميس ، وما يوم الخميس ؟ اشتدّ فيه وجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وبكى ابن عباس طويلاً ، ثم قال : فلما اشتد وجعه قال ( صلى الله عليه وآله ) : إئتوني بالدواة والكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلون معه بعدي أبداً ، فقالوا : أتراه يهجر ، وتكلموا ولغطوا ، فغم ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأضجره ، وقال : إليكم عنّي ،
ولم يكتب شيئاً .
النص الثالث (2) : بسنده عن جابر انّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) دعا بصحيفة أراد أن يكتب فيها كتاباً لاُمته ، فكان في البيت لغط ، فرفضها .
النص الرابع (3) : بسنده عن ابن عباس قال : توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم الإثنين ، فترك بقية يومه ومن الغد ودفن ليلاً ، فتكلم عمر فقال : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يمت ، وإنّما عُرج بروحه كما عُرج بروح موسى بن عمران ، والله لا يموت حتى يقطع أيدي رجال وألسنتهم ، وتكلّم حتى أزبد شدقاه ، فقام العباس فقال : يا قوم إنّ النبي قد مات فادفنوا صاحبكم ، فإنّه ليس يعزّ على الله إن كان كما يقولون أن ينحي عنه التراب ، فوالله ما مات رسول الله حتى ترك السبيل نهجاً واضحاً ، أحلّ الحلال وحرّم الحرام ، ونكح وطلّق ، وحارب وسالم ، والله ما كان راعي غنم يخبط عليها العصاة بمخبطه ، ويمد رحوضها بيده بأدأب من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيكم ، ولا أتعب ...
النص الخامس (4) : بسنده عن القاسم بن محمد : لما توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ... فلما اجتمع الناس على أبي بكر قسّم بينهم قسماً ، فبعث إلى عجوز من بني عدي بن
---------------------------
(1) المصدر نفسه 1 : 562 .
(2) المصدر نفسه 1 : 562 .
(3) المصدر نفسه 1 : 567 .
(4) المصدر نفسه 1 : 580 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 289 _
النجار بقسمها مع زيد بن ثابت فقالت : ما هذا ؟ قال : قسم قسّمه أبو بكر ، فقالت : أتراشونني عن ديني ؟ قال : لا ، قالت : أتخافوني أن أدع ما أنا عليه ؟ قال : لا ، قالت : فوالله لا آخذ منه شيئاً ، فرجع زيد إلى أبي بكر ، فأخبره بما قالت .
النص السادس (1) : بسنده عن ابن عباس قال : بلغني أنّ عمر بن الخطاب أراد الخطبة يوم الجمعة ، فعجلت الرواح حين صارت الشمس صكّة عُمّي ، فلما سكت المؤذنون خطب فقال : ... بلغني أنّ الزبير قال : لو قد مات عمر بايعنا علياً ، وإنما كانت بيعة أبي بكر فلتة ، فكذب والله .
النص السابع (2) : بسنده عن ابن شهاب الزهري ... : وأتي بأبي بكر المسجد فبايعوه ، وسمع العباس وعلي التكبير في المسجد ولم يفرغوا من غسل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال علي : ما هذا ؟ فقال العباس : ما رده مثل هذا قط ، لهذا ما قلت لك الذي قلت ، قال : فخرج علي فقال : يا أبا بكر ألم تر لنا حقاً في هذا الأمر ؟ قال : بلى ، ولكني خشيت الفتنة ، وقد قُلّدت أمراً عظيماً ، فقال علي : وقد علمت أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمرك بالصلاة ، وإنّك ثاني اثنين في الغار ، وكان لنا حق ولم نستشر ، والله يغفر لك ، وبايعه .
النص الثامن (3) : بسنده عن الزهري قال : لما قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) انحاز الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، واعتزل علي والزبير وطلحة في بيت فاطمة ، وانحاز المهاجرون إلى أبي بكر ومعهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بيته لم يفرغ من أمره .
---------------------------
(1) المصدر نفسه 1 : 581 .
(2) المصدر نفسه 1 : 582 .
(3) المصدر نفسه 1 : 583 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 290 _
النص التاسع (1) : بسنده عن جابر بن عبد الله قال : قال العباس لعلي : ما قدمتك إلى شيء إلاّ تأخّرت عنه ، وكان قال له لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أخرج حتى أبايعك على أعين الناس ، فلا يختلف عليك اثنان ، فأبى وقال : أومنهم من ينكر حقنا ويستبد علينا ؟ فقال العباس : سترى أنّ ذلك سيكون ، فلما بويع أبو بكر قال له العباس : ألم أقل لك يا علي ؟
النص العاشر (2) : بسنده قال : إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة ، فتلقته فاطمة على الباب ، فقالت فاطمة : يا ابن الخطاب أتراك محرقاً عليّ بابي ؟ قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك ، وجاء علي فبايع ، وقال : كنت عزمت أن لا أخرح من منزلي حتى أجمع القرآن .
النص الحادي عشر (3) : بسنده عن عائشة قالت : لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة بعد ستة أشهر ، فلمّا ماتت ضرع إلى صلح أبي بكر .
النص الثاني عشر (4) : بسنده عن ابن عباس قال : بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي ( رضي الله عنهم ) حين قعد عن بيعته وقال : إئتني به بأعنف العنف ، فلما أتاه جرى بينهما كلام ، فقال : أحلب حلباً لك شطره ، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤثرك غداً .
النص الثالث عشر (5) : بسنده عن أبي عون قال : لما ارتدت العرب مشى عثمان إلى علي فقال : يابن عم إنّه لا يخرج أحد إلى هذا العدو وأنت لم
---------------------------
(1) المصدر نفسه 1 : 583 .
(2) المصدر نفسه 1 : 586 .
(3) المصدر نفسه 1 : 586 .
(4) المصدر نفسه 1 : 587 .
(5) المصدر نفسه 1 : 587 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 291 _
تبايع ، فلم يزل به حتى مشى إلى أبي بكر ، فقام أبو بكر إليه فاعتنقا وبكى كل واحد إلى صاحبه ، فبايعه فسرّ المسلمون وجدّ الناس في القتال ، وقطعت البعوث .
النص الرابع عشر (1) : بسنده عن محمد بن المنكدر قال : جاء أبو سفيان إلى علي فقال : أترضون أن يلي أمركم ابن أبي قحافة ؟ أما والله لئن شئتم لأملأنّها عليه خيلاً ورجلاً ، فقال : لست أشاء ذلك .
النص الخامس عشر (2) : بسنده قال : إن أبا سفيان جاء إلى علي ( عليه السلام ) فقال : ياعلي بايعتم رجلاً من أذلّ قبيلة من قريش ، أما والله لئن شئت لأضرمنّها عليه من أقطارها ، ولأملأنّها عليه خيلاً ورجالاً ، فقال له علي : إنّك طال ما غششت الله ورسوله والإسلام فلم ينقصه ذلك شيئاً .
النص السادس عشر (3) : ، بسنده عن أبي هريرة قال : إنّ أبا سفيان كان حين قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) غائباً ، بعث به مصدقاً ، فلما بلغته وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : من قام بالأمر بعده ؟ قيل : أبو بكر ، قال : أبو الفصيل ؟ إنّي لأرى فتقاً لا يرتقه إلا الدم .
النص السابع عشر (4) : بسنده عن الزهري قال : خطب أبو بكر حين بويع واستخلف فقال : ... ألا وإنّي قد وليتكم ولست بخيركم ، ألا وقد كانت بيعتي فلتة وذلك إنّي خشيت فتنة .
النص الثامن عشر (5) : بسنده عن أبي عمرو الجوني قال : قال سلمان الفارسي
---------------------------
(1) المصدر نفسه 1 : 588 .
(2) المصدر نفسه 1 : 588 .
(3) المصدر نفسه 1 : 589 .
(4) المصدر نفسه 1 : 590 .
(5) المصدر نفسه 1 : 590 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 292 _
حين بويع أبو بكر ( كرداد وناكر داد ) (1) ، أي عملتم وما عملتم ، لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم .
هذه جملة مقتطفات مما رواه البلاذري في كتاب أنساب الأشراف ، وفيها من التهافت في الروايات ما يلفت النظر ، لكن الذي لا شك فيه هو ما ساقه بإسناده ، وساعد عليه الاعتماد والاشتهار نحو ما يلي :
1 ـ أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ببعث أسامة ، وجعل فيه أبا بكر وعمر ووجوهاً من المهاجرين والأنصار ، وقد تخلفوا جميعاً فخالفوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حيث كان يقول : نفذوا جيش أسامة ، وقد قال الله تعالى : ( لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ أنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ ) (2) .
بل روى الشهرستاني في الملل والنحل (3) ، والعضد الإيجي كما في شرح المواقف للشريف الجرجاني (4) ، قوله ( صلى الله عليه وآله ) : جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلّف عنه .
2 ـ أراد ( صلى الله عليه وآله ) أن يكتب كتاباً لأمته لا يضلون بعده ، فقالوا : أتراه يهجر ، ولغطوا فغمّ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأضجره ، فطردهم وقال : إليكم عنّي .
3 ـ تصنّع عمر في بلبلة الموقف حتى يأتي أبا بكر ، وكان غائباً بالسنح ، فقال : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يمت ، وردّ العباس على ذلك .
---------------------------
(1) كلام فارسي يكتب باللغة العصرية ( كرديد ونه كرديد ) وتلفظ الألف ( كرداد ) بالإمالة ، وذكر هذا الكلام الفارسي أيضاً الجاحظ في الرسالة العثمانية ( هامش المصدر ) .
(2) النور : 63 .
(3) الملل والنحل 1 : 23 .
(4) شرح المواقف للجرجاني 8 : 408 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 293 _
4 ـ استعمال الرشوة في تثبيت الموقف لأبي بكر على حساب الدين ، ورفض العجوز الأنصارية ومصارحتها بذلك .
5 ـ إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة باعتراف نفسه ، واعتراف عمر أيضاً بذلك ، ومثل ذلك ما قاله الزبير بن العوام في اُخريات عهد عمر ، وهذا يعني أنّ المسلمين حتى ذلك اليوم لم يكونوا جميعاً يرون صحة خلافة أبي بكر ولا شرعيتها ، وإنّما هي فلتة ، وقد سماها أحمد أمين ( غلطة ) (1) .
6 ـ إنّ العباس حاول مبايعة الإمام قبل أن يتم أمر السقيفة ، إلا أنّ الإمام ( عليه السلام ) رفض ذلك العرض لاشتغاله بتجهيز النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
7 ـ إنّ أبا بكر أرسل عمر لإحضار الإمام ليبايعه وأن يجيئ به بأعنف العنف ، وانّ عمر جاء بفتيلة فتلقته فاطمة ( عليها السلام ) ، وقالت له : يابن الخطاب أتراك محرقاً عليّ بابي ؟ ، قال : نعم ، وذاك أقوى فيما جاء به أبوك ، فكان هذا منه بمنتهى الفظاظة والعنجهية .
8 ـ إنّ علياً لم يبايع أبا بكر إلا بعد موت فاطمة ( عليها السلام ) وذلك بعد ستة أشهر ، فضرع للبيعة .
9 ـ وإنّه لم يضرع لو لم ير الردة قد تفشت في العرب ، ولم يخرج أحد إلى العدو ما دام هو لم يبايع ، وكلّمه عثمان في ذلك ، ومع ذلك فقد روى أنّه بايع أول يوم ، وله كلام دل على قناعته بأولوية أبي بكر مما نسجه الأفّاكون ؟ !
10 ـ وإنّ أبا سفيان أعلن سخطه على تولي أبي بكر الخلافة ، وأعجب كيف لم يراعي له حقاً وجميلاً سابقاً له عليه ، وذلك فيما رواه البلاذري (2) قال : كان
---------------------------
(1) يوم الإسلام : 53 ، قال : ولذلك قال عمر : إنّها غلطة وقى الله المسلمين شرّها ، وكذلك كانت غلطة بيعة أبي بكر لعمر .
(2) أنساب الأشراف 1 : 488 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 294 _
بلال وصهيب وسلمان جلوساً فمرّ بهم أبو سفيان بن حرب ، فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها بعدُ ، فقال أبو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها ؟ ثم انطلق أبو بكر إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره ، فقال : يا أبا بكر لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك ، قال : فأتاهم أبو بكر فقال : يا أخوتي لعلكم غضبتم ؟ فقالوا : يغفر الله لك يا أبا بكر .
أقول : وليتني أدري ماذا كان يقول أبو بكر في نفسه حين يأمر بجلب علي بأعنف العنف ، وتهديد عمر باحراق باب فاطمة ، أليس ذلك مما اغضبها ؟ وهل غضبها دون غضب الصحابة الثلاث ؟ أوليس صح قوله ( صلى الله عليه وآله ) : فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها فقد أغضبني ، ومن أغضبني فقد أغضب الله .
النص التاسع عشر : قال أيضاً البلاذري في فتوح البلدان (1) :
( فدك ) قالوا بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى أهل فدك منصرفه من خيبر ، محيصة بن مسعود الأنصاري يدعوهم إلى الإسلام ، ورئيسهم رجل منهم يقال له يوشع بن نون اليهودي ، فصالحوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على نصف الأرض بتربتها ، فقبل ذلك منهم ، فكان نصف فدك خالصاً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأنه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، وكان يصرف ما يأتيه منها إلى أبناء السبيل .
النص العشرون : في فتوح البلدان (2) قال : وحدثنا عبد الله بن ميمون المكتب ، قال : أخبرنا الفضيل بن عياض ، عن مالك بن جعونة ، عن أبيه قال : قالت فاطمة لأبي بكر : انّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جعل لي فدك فأعطني إيّاها ، وشهد لها علي بن أبي طالب فسألها شاهداً آخر فشهدت لها أم أيمن ، فقال : قد علمت يا بنت رسول الله انّه لا تجوز إلاّ شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ، فانصرفت .
---------------------------
(1) فتوح البلدان : 36 .
(2) المصدر نفسه : 38 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 295 _
النص الحادي والعشرون : في فتوح البلدان (1) بسنده عن أم هانئ انّ فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أتت أبا بكر ، فقالت له : من يرثك إذا مت ؟ قال : ولدي وأهلي ، قالت : فما بالك ورثت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دوننا ؟ قال : يا بنت رسول الله والله ما ورثت أباك ذهباً ولا فضة ولا كذا ولا كذا ، فقالت : سهمنا بخيبر وصدقتنا بفدك ، فقال : يا بنت رسول الله سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إنّما هي طعمة أطعمنيها الله في حياتي ، فإذا مت فهي بين المسلمين .
النص الثاني والعشرون : في فتوح البلدان (2) بسنده عن الكلبي انّ بني أمية اصطفوا فدك ، وغيّروا سنّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيها ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز ردّها إلى ما كانت عليه .
النص الثالث والعشرون : في فتوح البلدان (3) بسنده عن أبي برقان انّ عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة خطب فقال : انّ فدك كانت ممّا أفاء الله على رسوله ، ولم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب ، فسألته فاطمة رحمها الله تعالى فقال : ما كان لكِ أن تسأليني ، وما كان لي أن أعطيك ، فكان يضع ما يأتيه منها في أبناء السبيل .
ثم ولي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، فوضعوا ذلك بحيث وضعه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم ولي معاوية فقطعها مروان بن الحكم ، فوهبها مروان لأبي ولعبد الملك ، فصارت لي وللوليد وسليمان ، فلما ولي الوليد سألته حصته منها فوهبها لي ، وسألت سليمان حصته فوهبها لي ، فاستجمعتها ، وما كان لي من مال أحب إليَّ منها ، فاشهدوا أنّي قد رددتها إلى ما كانت عليه .
---------------------------
(1) المصدر نفسه : 38 .
(2) المصدر نفسه : 37 .
(3) المصدر نفسه : 39 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 296 _
ولما كانت سنة 210 أمر أمير المؤمنين المأمون عبد الله بن هارون الرشيد ، فدفعها إلى فاطمة ، وكتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة : أما بعد فإنّ أمير المؤمنين بمكانه من دين الله وخلافة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والقرابة به أولى من استنّ سننه ، ونفذ أمره ، وسلّم لمن منحه منحة وتصدّق عليه بصدقة منحته وصدقته ، وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته ، واليه في العمل بما يقرّبه إليه رغبته .
وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أعطى فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فدك ، وتصدّق بها عليها ، وكان ذلك أمراً ظاهراً معروفاً لا اختلاف فيه بين آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولم تزل تدعي منه ما هو أولى به من صدّق عليه ، فرأى أمير المؤمنين أن يردّها إلى ورثتها ، ويسلمها إليهم تقرّباً إلى الله تعالى بإقامة حقه وعدله ، وإلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بتنفيذ أمره وصدقته .
فأمر باثبات ذلك في دواوينه والكتاب إلى عمّاله ، فلأن كان ينادى في كل موسم بعد أن قبض الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يذكر كل من كانت له صدقة أو هبة أو عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدته ، انّ فاطمة ( رضي الله عنها ) لأولى بأن يصدّق قولها فيما جعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لها .
وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين يأمره برد فدك على ورثة فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها ، وما فيها من الرقيق والغلاّت وغير ذلك ، وتسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، لتولية أمير المؤمنين إياها القيام بها لأهلها .
فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين ، وما ألهمه الله من طاعته ووفقه له من التقرب إليه وإلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأعلمه مَن قبلك وعامل محمد بن يحيى ، ومحمد بن
المحسن السبط مولود أم سقط _ 297 _
عبد الله بما كنت تعامل به المبارك الطبري ، وأعنهما على ما فيه عمارتها ومصلحتها ووفور غلاتها إن شاء الله ، والسلام .
وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة 210 .
فلما استخلف المتوكل على الله ... أمر بردها إلى ما كانت عليه قبل المأمون .
الثالث عشر : محمد بن جرير الطبري ( ت 310 هـ ) ، فماذا عنده في تاريخه من نصوص ؟ مما رواه في أحداث السنة الحادية عشرة من الهجرة ، وهي السنة التي توفي فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، مما يعنينا نقله ، ولمّا كان جملة مما راه ينتهي بإسناده إلى محمد بن إسحاق ، فسوف لا نذكره جميعه لأنّه سبق لنا أن ذكرنا عن ابن إسحاق ما أردناه ، فلسنا بحاجة إلى الإعادة ، لكن نذكر الآن نصوصاً في ثلاث روايات ساقها الطبري بأسانيد متحدة عن ابن إسحاق ، فقال : حدّثنا ابن حميد ، قال : حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق .
النص الأوّل : روى الطبري في تاريخه (1) ، بسنده عن ابن إسحاق ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مليكة ، قال : لما كان يوم الإثنين خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عاصباً رأسه إلى الصبح ، وأبو بكر يصلي بالناس ، فلما خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تفرّج الناس فعرف أبو بكر أنّ الناس لم يفعلوا ذلك إلا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فنكص عن مصلاه ، فدفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ظهره ، وقال : صل بالناس ، وجلس رسول الله إلى جنبه ، فصلى قاعداً عن يمين أبي بكر ، فلما فرغ من الصلاة أقبل على الناس وكلمهم رافعاً صوته ، حتى خرج صوته من باب المسجد يقول : يا أيها الناس سُعّرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، وإنّي والله لا تمسكون عليّ شيئاً ، إني لم أحلّ إلا ما أحلّ لكم القرآن ، ولم أحرّم عليكم إلا ما حرّم عليكم القرآن .
---------------------------
(1) تاريخ الطبري 3 : 198 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 298 _
فلما فرغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من كلامه ، قال له أبو بكر : يا نبي الله إنّي أراك قد أصبحت بنعمة الله وفضله كما نحبّ ، واليوم يوم ابنة خارجة فأتيها ، ثم دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وخرج أبو بكر إلى أهله بالسُنح .
النص الثاني : رواه الطبري في تاريخه (1) ، بسنده السابق عن ابن إسحاق ، عن يعقوب بن عتبة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : رجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك اليوم حين دخل المسجد ، فاضطجع في حجري ، فدخل علي رجل من آل أبي بكر في يده سواك أخضر ، قالت : فنظر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى يده نظراً عرفت أنّه يريده ، فأخذته فمضغته حتى ألنته ، ثم أعطيته إياه ، قالت : فاستن به كأشدّ ما رأيته يستنّ بسواك قبله ، ثم وضعه ، ووجدت رسول الله يثقل في حجري ، قالت : فذهبت أنظر في وجهه ، فإذا نظره قد شخص وهو يقول : بل الرفيق الأعلى من الجنة ، قالت : قلت : خُيّرت فاخترت والذي بعثك بالحق ، قالت : وقبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
النص الثالث : رواه الطبري في تاريخه (2) ، بسنده السابق عن ابن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن الزبير ، عن أبيه عباد ، قال : سمعت عائشة تقول : مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين سحري ونحري وفي دوري ، ولم أظلم فيه أحداً ، فمن سفهي وحداثة سني أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة ، وقمت ألتدمُ مع النساء وأضرب وجهي .
هذه ثلاث روايات رواها الطبري بإسناده عن ابن إسحاق ، ورجال إسناده كما يلي :
1 ـ محمد ـ ابن حميد ـ ابن حيان التميمي الرازي ( ت 248 هـ ) ، قال ابن أبي شيبة : كثير المناكير ، وقال البخاري : في حديثه نظر ، وقال صالح بن محمد
---------------------------
(1) المصدر نفسه 3 : 199 .
(2) تاريخ الطبري 3 : 199 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 299 _
الأسدي : كلّ شيء كان يحدّثنا ابن حميد كنّا نتهمه فيه ، وقال أيضاً : كانت أحاديثه تزيد ، وما رأيت أحداً أجرأ على الله منه ، كان يأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضها على بعض ... إلى غير ذلك من أقوال في تجريحه يراجع بشأنها تهذيب التهذيب (1) .
2 ـ سلمة هو ابن الفضل الأبرش الأنصاري ( توفي بعد سنة 190 هـ ) ، قال البخاري : عنده مناكير ، وقال ابن عدي : عنده غرائب وإفراد ، وعن أبي زرعة : كان أهل الري لا يرغبون فيه لمعانٍ فيه من سوء رأيه وظلم فيه ... إلى غير ذلك من تجريح ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب (2) .
3 ـ محمد بن إسحاق صاحب السيرة ( ت 150 هـ ) ، كان مؤرّخ دولة ، وطعنه مالك بقوله : دجّال الدجاجلة ، وقال أحمد بن حنبل : كان ابن إسحاق يدلّس ، وكذّبه سليمان التميمي ، ويحيى القطان ، ووهيب بن خالد . وقد مرّت ترجمته فيما سبق .
وحسبنا بيان حالهم ، فهو يغنينا عن النظر في حال باقي رجال الإسناد في الروايات الثلاث ، مع الغض عما في متونها من احتجان الساعات الأخيرة من الحياة النبوية ، وجعلها قصراً على أبي بكر وآل أبي بكر ، وبالطبع تكون عائشة هي سيدة الموقف فيما روته ، لولا أنّ سفهها وحداثة سنّها غلبا عليها ـ كما قالت هي عن نفسها ومرّ ذلك في ثالث الروايات ـ فظن خيراً ولا تسل عن الخبر ، هذا هو النص الذي تضمن حضور آل أبي بكر ، وتغييب بني هاشم وباقي الأزواج ، مما يحملنا على الريبة في صحته .
النص الرابع : قال أبو جعفر (3) بسنده عن الثالوث المتقدم ذكره : ابن حميد عن
---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 9 : 128 / 131 .
(2) المصدر نفسه 4 : 153 / 154 .
(3) تاريخ الطبري 3 : 200 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 300 _
سلمة عن ابن إسحاق ، وهو عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : لما توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قام عمر بن الخطاب فقال : إنّ رجالاً من المنافقين يزعمون انّ رسول الله توفي ، وإنّ رسول الله والله ما مات ، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران ، فغاب عن قومه أربعين ليلة ، ثم رجع بعد أن قيل قد مات ، والله ليرجعنّ رسول الله ، فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله مات .
وهذا نص له خطره في تقييم الصحابة ، فإنّ عمر رمى أناساً بالنفاق لأنّهم زعموا أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد مات ، وإذا رجعنا إلى تاريخ الطبري نستقريه عن أولئكم الذين رماهم عمر بالنفاق، لأنّهم زعموا موت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، نجد أهل البيت جميعاً قالوا بذلك ، وجميع أمهات المؤمنين اللاتي كنّ يلتدمن ويضربن وجوههنّ بما فيهنّ عائشة التي قالت : فمن سفهي وحداثة سنّي أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبض وهو في حجري .
بل وكل الصحابة رجالاً ونساءاً ، مهاجرين وأنصاراً إلاّ عمر ، فهل يرضى العمريون بذلك ؟ أو أنّها كانت منه حبكة وحنكة ليبلغ بها حاجة في نفسه ، واعتذر له العمريون عنها بأنّها من الذهول من شدة الصدمة ، وقال غيرهم : إنّها بلبلة واستغفال لعقول الناس ، وقد بلغ بها ما أراد ، ويكشف عن أنّها تضليل وتهويل ما يأتي في النص الخامس .
النص الخامس : رواه الطبري (1) عن ابن حميد ، عن جرير ، عن مغيرة ، عن أبي معشر زياد بن كليب ، عن أبي أيوب ، عن إبراهيم قال : لما قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان أبو بكر غائباً فجاء بعد ثلاث ، ولم يجترئ أحد أن يكشف عن وجهه ، حتى اربدّ بطنه ، فكشف عن وجهه وقبّل بين عينيه ، ثم قال : بأبي أنت وأمي طبت حياً وطبت ميّتاً .
---------------------------
(1) المصدر نفسه 3 : 201 .