الفصل الثاني : فيمن ذكر المحسن السبط وانّه مات صغيراً : الفصل الثالث : فيمن ذكر المحسن السبط وانّه سقط :
سمّى الأبناء الثلاثة ، كما أنّ بعضهم أيضاً شاركه مع أخويه في العقيقة ، وحلق الرأس ، والتصدق بزنة شعره ، والأمر بقطع سرته ، ثم الأمر بختانه .
وفي اثبات هذا يكون جده النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد ساوى بين الأسباط الثلاثة ، وما دام أولئك الذين ذكروه يحاولون اثبات هذا مصرين على ما يقولون ، فلسائل أن يسأل منهم ـ ومن حقه ذلك ـ لماذا أهملوا ذكر جوانب أخرى تتبع حديث الولادة ، ولم يهملوها عند ذكر أخويه الحسن والحسين ؟ فمثلاً :
لماذا لم يذكروا لنا اسم القابلة التي تولّت أمر ولادته ، فقبّلت أمه الزهراء ( عليها السلام ) ، كما صرحوا باسمها في ولادة أخويه الحسنين ، وذكروا لنا حديث أسماء بنت عميس حدثت به علي بن الحسين ، وأنّها قبّلت جدته فاطمة في ولادة الحسن والحسين ، وهذا ما تسرب ذكره إلى المصادر الشيعية فذكرته بعضها ، كما مر في أول حديث ذكرته هذه المصادر كما مرت مناقشته وأنّه لا يصح بوجه ، لأنّ أسماء بنت عميس لم تكن زمان ولادة الحسنين في المدينة ، بل كانت في الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
واحتمل بعضهم أنّها أسماء بنت السكن الأنصارية ، ومهما يكن أمرها ، فلماذا لم تقبل فاطمة ( عليها السلام ) وليدها الثالث مع أنّ حضور أسماء بنت عميس بالمدينة كان معلوماً ، وترددها على بيت الزهراء ( عليها السلام ) كان موصولاً ، بالرغم من تزوجها بأبي بكر بعد مقتل زوجها جعفر ، أليست هي التي تولت تمريضها ؟ أليست هي التي منعت عائشة من الدخول عليها فشكتها إلى أبيها وقالت له : هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فسأل أبو بكر أسماء عن ذلك ، فقالت : هي أمرتني ألاّ يدخل عليها أحد (1) .
وقد يقول قائل : إنّ الزهراء ( عليها السلام ) استدعت امرأة اخرى لتلي منها ما تلي النساء من النساء عند الولادة ، ولقد مرّت رواية الطبراني بأنّ التي وليت أمرها في ولادة الحسن ( عليه السلام ) هي سودة بنت مسرح ، فلعلها هي أو غيرها من النساء ولم يصل اسمها إلينا .
فنقول له : إن صحت الأحلام ، ولم تزغ الأقلام ، وكانت الولادة طبيعية ، فمن هي تلك المرأة ؟ ولماذا كُمّت الأفواه ، وتلجلجت في الجواب ؟ نعم ، تقول مصادر التراث الشيعي وشايعهم على ذلك بعض رجال السنّة ، أنها زُحمت عند الباب فأسقطته ، واستدعت جاريتها فضّة لمساعدتها .
ونعود إلى أصحاب المصادر سواء الفريق الذي قال أنّ المحسن كان مولوداً على عهد جده ، أو الذين لم يذكروا حديث ولادته ، ولكنّهم ذكروه موجوداً ومعدوداً مع أبناء الإمام أمير المؤمنين من فاطمة ( عليهم السلام ) جميعاً ، فنقول لهم : ما دامت قد صحت عندكم جميعاً ولادته ، فلماذا تغفل مصادركم وغيرها تعيين تاريخ الولادة ـ المزعومة ـ وقد ذكرت ذلك في أخويه الحسنين ؟
فقالوا : إنّ الحسن ولد في الخامس عشر من شهر رمضان السنة الثالثة من الهجرة (1) ، وقالوا : إنّ الحسين ولد في الثالث أو الخامس من شعبان السنة الرابعة من الهجرة (2) ، وقالوا : إنّه لم يكن بين ولادة الحسن والحمل بالحسين إلا طهر واحد (3) ، وقالوا : انّه خمسين ليلة (4) .
وهكذا قالوا وقالوا : فلماذا أغفلوا جميع ذلك في ولادة المحسن ( عليه السلام ) ، فلم يذكر عن ذلك أيّ شيء ؟ فإنّ هذا لشيء عجاب .
ثم هل هو أقلّ شأناً من ابن خالته عبد الله بن عثمان وأمه رقيّة بنت رسول الله ، فقد ذكر ابن سعد في طبقاته (1) ، فقال في ترجمة عثمان :
ولد له ـ عثمان ـ من رقيّة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غلام سماه عبد الله واكتنى به ، فكناه المسلمون أبا عبد الله ، فبلغ عبد الله ست سنين ، فنقره ديك على عينيه فمرض فمات في جمادى الأولى سنة أربع من الهجرة ، فصلى عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ونزل في حفرته عثمان بن عفان .
فلاحظ في هذا النقل ضبط العمر عند الوفاة ، وسبب الوفاة ، وتاريخ الوفاة شهراً وسنة ، وحتى الصلاة عليه ومن نزل قبره ، فما بال الرواة أهملوا ذكر جميع ذلك عند ذكر المحسن بن علي وأمه فاطمة ، وهو وأبوه وأمه أعلا شرفاً من عبد الله بن عثمان وأبويه ؟
1 ـ ابن إسحاق صاحب السيرة (1) ، قال ابن الجوزي في صفة الصفوة (2) : وزاد ابن إسحاق في اولاد فاطمة من علي محسناً ، قال : ومات صغيراً ، ونقله عنه أيضاً غيره كالدولابي في الذرية الطاهرة (3) .
2 ـ ابن قتيبة في كتابه المعارف (4) ، قال : وأما محسن بن علي فهلك وهو صغير (5) .
3 ـ البلاذري في أنساب الأشراف (6) ، قال : ومحسّناً درج صغيراً .
4 ـ الطبري في تاريخه (7) قال : ويذكر أنّه كان لها _ فاطمة ـ منه ـ من علي ـ ابن آخر يسمى محسناً ، توفي صغيراً .
---------------------------
(1) السيرة لابن إسحاق : 247 .
(2) صفة الصفوة 2 : 3 .
(3) الذرية الطاهرة 62 : 114 .
(4) المعارف : 211 .
(5) سيأتي في الفصل الثالث أنّ المروي عن ابن قتيبة غير ذلك ، وأنّ المذكور أعلاه مما طالته يد الخيانة .
(6) أنساب الأشراف 1 : 402 .
(7) تاريخ الطبري 5 : 153 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 106 _
5 ـ المطهر بن طاهر المقدسي في كتاب البدء والتاريخ (1) ، قال : فإنّه هلك صغيراً .
6 ـ ابن الأثير في تاريخه (2) ذكر المحسن وقال : أنّه توفي صغيراً ، وقد ذكر أنه كان له ـ لعلي ـ منها _ من فاطمة ـ ابناً آخر يقال له محسن .
وقال في كتابه اُسد الغابة (3) وقد ذكره ضمن الصحابة ، وساق باسناده حديث هانئ بن هانئ وقال بعده : رواه غير واحد عن أبي إسحاق كذلك ، ورواه سالم بن أبي الجعد عن علي فلم يذكر محسناً ، وكذلك رواه أبو الخليل عن سلمان ثم قال : وتوفي المحسن صغيراً ، أخرجه أبو موسى .
7 ـ ابن الجوزي في صفة الصفوة (4) نقل عن ابن إسحاق ، ذكر المحسن وقوله ومات صغيراً ، ولم يعقب عليه بشيء .
8 ـ الدولابي ( ت 310 هـ ) في الذرية الطاهرة (5) ، نقل قول ابن إسحاق : فذهب محسن صغيراً ، ولم يعقب عليه بشيء .
9 ـ ابن حزم في جمهرة أنساب العرب (6) قال : وتزوج فاطمة علي بن أبي طالب فولدت له الحسن والحسين والمحسن ، مات المحسّن صغيراً . وقال (7) : ولد علي بن أبي طالب الحسن أبا محمد ، والحسين أبا عبد الله ، والمحسّن ، وزينب ، وام كلثوم . وقال (8) عند ذكر أولاد الإمام من فاطمة ( عليهما السلام ) : أعقب هؤلاء كلهم حاشا المحسّن ، فلاعقب له مات صغيراً جداً إثر ولادته .
---------------------------
(1) البدء والتاريخ 5 : 75 .
(2) تاريخ ابن الأثير 3 : 172 .
(3) اُسد الغابة 4 : 308 .
(4) صفة الصفوة 2 : 3 .
(5) الذرية الطاهرة : 27 و 114 .
(6) جمهرة أنساب العرب : 16 .
(7) المصدر نفسه : 37 .
(8) المصدر نفسه : 38 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 107 _
10 ـ ابن فندق البيهقي ( ت 565 هـ ) في لباب الأنساب (1) قال : الحسن بن علي ، والحسين بن علي ، والمحسّن بن علي ( عليهم السلام ) هلك صغيراً .
11 ـ الصفدي في الوافي بالوفيات (2) قال : فولدت له الحسن والحسين ومحسّناً مات صغيراً .
12 ـ ابن الوردي في تاريخه (3) قال : وولدت له ـ فاطمة لعلي ـ الحسن والحسين ومحسّناً مات صغيراً .
13 ـ ابن كثير ( ت 774 هـ ) في تاريخه (4) قال ـ وهو يذكر أولاده من فاطمة ( عليهما السلام ) _ ويقال : ومحسناً ومات وهو صغير .
14 ـ ابن حجر في الاصابة (5) ذكره ، ونقل عن ابن فتحون قال : أراه مات صغيراً .
وقال في القسم الثاني فيمن له رؤية (6) : المحسّن ـ بتشديد السين المهملة ـ ابن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي ، سبط النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، استدركه ابن فتحون على ابن عبد البر وقال : أراه مات صغيراً ، واستدركه أبو موسى على ابن مندة ، وأخرج من مسند أحمد ، ثم من طريق هانئ بن هانئ عن علي ، وذكر الحديث الثاني الذي مرّ نقله في المصدر الثالث في سلّم المصادر في الفصل الأول من هذه الرسالة فراجع ، وعقّب عليه ابن حجر بقوله : إسناد صحيح .
15 ـ محمد بن أبي بكر البري التلمساني في كتابه الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة (7) قال : وولدت فاطمة لعلي : الحسن والحسين ومحسناً درج صغيراً .
---------------------------
(1) لباب الانساب 1 : 227 .
(2) الوافي بالوفيات 1 : 82 .
(3) تاريخ ابن الوردي 1 : 220 .
(4) تاريخ ابن كثير 7 : 331 .
(5) الاصابة 3 : 417 .
(6) المصدر نفسه 6 : 243 .
(7) الجوهرة 2 : 199 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 108 _
16 ـ سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص (1) قال : وذكر الزبير بن بكار ولداً آخر من فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) اسمه محسن مات طفلاً .
17 ـ النويري في نهاية الارب (2) قال : فولدت فاطمة ( رضي الله عنها ) حسناً وحسيناً ومحسناً ، فذهب محسن صغيراً ، قال : وقد قيل أنّها _ فاطمة ـ ولدت ابناً اسمه محسن توفي صغيراً (3) ، وقال أيضاً : ومحسن على خلاف فيه (4) .
18 ـ البدخشي في نزل الأبرار قال : والمحسن مات صغيراً (5) .
19 ـ المحب الطبري في الرياض النضرة (6) قال : ومحسن مات صغيراً .
وقال في كتابه ذخائرالعقبى (7) عن الليث بن سعد قال : تزوج علي فاطمة فولدت له حسناً وحسيناً ومحسناً ، وزينب ، وأم كلثوم ، ورقية ، فماتت رقية ولم تبلغ ، وقال غيره : ولدت حسناً وحسيناً ومحسناً ، فهلك محسن صغيراً . وقال أيضاً (8) : ومحسن مات صغيراً .
20 _ الدريا بكري في تاريخ الخميس (9) قال : ومحسن مات صغيراً .
21 ـ أبو الفداء في تاريخه (10) قال : وولد له منها _ لعلي من فاطمة ـ الحسن والحسين ومحسناً ومات صغيراً .
---------------------------
(1) تذكرة الخواص : 211 .
(2) نهاية الارب 18 : 213 .
(3) المصدر نفسه 20 : 221 .
(4) المصدر نفسه 20 : 223 .
(5) أرجح المطالب : 637 .
(6) الرياض النضرة 2 : 248 .
(7) ذخائر العقبى : 55 .
(8) المصدر نفسه : 116 .
(9) تاريخ الخميس 2 : 284 .
(10) تاريخ أبو الفداء 2 : 181 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 109 _
22 ـ الزرقاني في شرح المواهب (1) قال : ومُحسّناً _ بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر السين المشدّدة ـ فمات صغيراً .
روى أحمد عن علي قال : لما ولد الحسن سميته حرباً ، فجاء ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أروني ابني ما سميتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسن ، فلما ولد الحسين فذكر مثله ، قال : بل هو حسين ، فلما ولد الثالث فذكر مثله ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر ، اسناده صحيح .
23 ـ الملا علي القارئ في شرح الشمائل (2) قال : وفي مسند البزار عن أبي هريرة قال : ثقل ابن لفاطمة فبعث إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، الحديث ، وفيه مراجعة سعد بن عبادة في البكاء . والابن المذكور هو محسن بن علي ، وقد اتفق أهل العلم بالأخبار أنه مات صغيراً في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
24 ـ سليمان القندوزي الحنفي ( ت 1293 هـ ) قال في ينابيع المودة (3) : وولدت فاطمة حسناً وحسيناً ومحسناً ... ومات محسن صغيراً .
25 ـ الاسحاقي في تاريخه أخبار الدول (4) قال : فاما محسن فمات صغيراً في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
26 ـ زينب بنت يوسف فواز في الدر المنثور في طبقات ربات الخدور (5) ، قالت : وأما أولادها _ تعني فاطمة ـ فالحسن والحسين والمحسن ، وهذا مات صغيراً .
---------------------------
(1) شرح المواهب 3 : 207 .
(2) شرح الشمائل 2 : 122 .
(3) ينابيع المودة : 201 .
(4) أخبار الدول : 41 .
(5) الدر المنثور : 361 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 110 _
27 ـ الشبلنجي في نور الأبصار (1) قال : وأما أولادها فالحسن والحسين والمحسن وهذا مات صغيراً ، وقال أيضاً (2) : أما الذكور فالحسن والحسين ومحسن ، وفي كلام غيره ـ يعني كتاب بغية الطالب ـ : مات صغيراً .
28 ـ عبيد الله آمرتسري في أرجح المطالب (3) نقله عن البدخشي ، وقد مرّ ذكره وقال : مات صغيراً ، وتبع هؤلاء من الكتّاب المحدثين مثل الكاتب الشهير عباس محمود العقّاد في كتابه فاطمة الزهراء ضمن شخصيات إسلامية (4) ، وطاهر الحبوش في كتابه أصحاب صاحب البراق (5) .
29 ـ الحسين الحسيني السمرقندي ( ت نحو 1043 هـ ) قال في كتابه تحفة الطالب (6) : اولادها ( رضي الله عنها ) : الحسن والحسين والمحسن وزينب ، ورقية وتكنى أم كلثوم ، الجميع أولاد علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) مات المحسن صغيراً .
30 ـ أحمد محمود صبحي في كتابه نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثنا عشرية (7) .
تنبيه وتنوير :
ليس يعنينا كثرة المهوسين وراء من تقدم ذكرهم ، إنّما الذي يعنينا تنبيه القارئ إلى ما جاء عن بعضهم :
1 ـ ما ذكره البلاذري والبري التلمساني في أنّ المحسن ( درج صغيراً ) ، وهذا القول فيه تعمّد إيهام وإبهام ، لأنّ معنى درج في مصطلح أهل النسب من
---------------------------
(1) نور الأبصار : 43 .
(2) المصدر نفسه : 93 .
(3) أرجح المطالب : 637 .
(4) موسوعة العقّاد 2 : 42 .
(5) أصحاب صاحب البراق : 22 .
(6) تحفة الطالب ، نشر في مجلة تراثنا العدد 63 / 64 ، ص 305 .
(7) نظرية الإمامة : 226 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 111 _
مات صغيراً ولم يبلغ مبلغ الرجال ، كما حكاه الحسن القطان وقال : هو المشهور عند المتأخرين (1) .
وفي مصطلح أهل اللغة : أنّه الذي مات ولم يخلف نسلاً ، وليس كل من مات درج (2) .
فالبلاذري والبري التلمساني لم يقصدا بقولهما درج صغيراً يعني لم يبلغ مبلغ الرجال أو لم يخلف نسلاً ، بل قالا ذلك تحاشياً من ذكر موته سقطاً ، لأنّه لم يذكر أحد أنّ المحسن عاش فترة يصح أن يوصف فيها أنّه لم يخلف نسلاً أو لم يبلغ مبلغ الرجال ، ويدلّك على ذلك قول ابن حزم ـ وكان أحزم منهما في المقام ـ إذ قال : ( مات صغيراً جداً أثر ولادته ) يعني لم يعش يوماً واحداً .
2 ـ ما ذكره النويري في نهاية الأرب يلاحظ فيه تعمد الإيهام ، فهو ذكر المحسن وقال : فذهب محسن صغيراً . ثم ذكره ثانياً فقال : وقد قيل انّها _ يعني فاطمة ( عليها السلام ) _ ولدت ابناً اسمه محسن توفي صغيراً . ثم ذكره ثالثاً فقال : ومحسن على خلاف فيه .
فلاحظ كيف استدرج القارئ من الجزم بوجود المحسن إلى القيل فيه ، ونسبته إلى القيل وإن كانت تشعر بالتمريض كما يقولون ، إلاّ أنّه باح بما يكنّه حيث جزم بذكر الخلاف فيه ، وما يدرينا لو ذكره مرّة رابعة وخامسة لانتهى به المطاف إلى نفيه أصلاً (3) .
3 ـ ما ذكره الملا علي القاري الحنفي في شرح الشمائل نقلاً عن مسند البزار عن أبي هريرة قال : ثقل ابن لفاطمة فبعث إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وذكر الحديث وفيه مراجعة سعد بن عبادة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) في بكائه ، قال : والابن المذكور هو محسن
بن علي ، وقد اتفق أهل العلم بالأخبار أنّه مات صغيراً في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم قال : هذا غاية التحقيق في هذا الحديث ، ولم أر من تعرض بهذا ، وهو الهادي إلى سواء الطريق .
أقول : أرى لزاماً عليّ أن أذكر الحديث المشار إليه ، وما وقع فيه من تلبيس وتدليس ، وتهويش وتهويس عند بعض شرّاح الحديث ومنهم الملا علي القاري ، لأنّ الحديث المشار إليه يجعل موت المحسن صغيراً في حجر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ! فليقرأ ذلك القارئ .
جاء في شرح الشمائل باب ما جاء في بكاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (1) في شرح الحديث الرابع من الباب المذكور ، والحديث هو كالآتي :
حدّثنا محمود بن غيلان ، حدّثنا أبو أحمد ، حدّثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ابنة له تقضي فاحتضنها فوضعها بين يديه فماتت وهي بين يديه ، وصاحت أم أيمن فقال ـ يعني النبي ( صلى الله عليه وآله ) _ : أتبكين عند رسول الله ؟ ! فقالت : ألست أراك تبكي ؟ ! قال : إنّي لست أبكي إنّما هي رحمة ، إنّ المؤمن بكل خير ، إن نفسه تنزع من بين جنبيه ، وهو يحمد الله تعالى .
قال الملا علي القارئ في تعقيبه على الحديث المذكور بعد أن شرح ألفاظه : ثم اعلم انّ رواية النسائي في هذا الحديث : فلما حُضرت بنت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صغيرة أخذها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وضمها إلى صدره ، ثم وضع يده عليها فقبضت وهي بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فبكت أم أيمن ، الحديث .
قال ميرك : وهذا الحديث لا يخلو عن اشكال ، لأنّ المراد من قوله : ابنة له ، أو بنت له صغيرة إما بنته حقيقة كما هو ظاهر اللفظ ، فهو مشكل ، لأنّ أرباب السير والحديث والتاريخ أطبقوا على أنّ بناته ( صلى الله عليه وآله ) كلهنّ متن في حالة الكبر .
---------------------------
(1) شرح الشمائل 2 : 121 / 122 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 113 _
وإما أن يراد بنت إحدى بناته ويكون اضافتها إليه مجازية ، فهذا ليس ببعيد ، لكن لم ينقل أنّ ابنة احدى بناته ماتت في حالة الصغر ، إلا ما وقع في مسند أحمد عن أسامة بن زيد قال : اتي النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأمامة بنت أبي العاص من زينب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهي في النزع ، لكنه أشكل من حيث أنّ أهل العلم بالأخبار اتفقوا على أنّ أمامة عاشت بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى تزوّجها علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه بعد وفاة فاطمة ، ثم عاشت عند علي حتى قتل عنها .
ولذا حملوا رواية أحمد على أنّها أشرفت على الموت ، ثم عافاها الله تعالى ببركة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فاما أن يقال : وقع وهم في هذا الحديث .
أما في قوله : ( تقضي ) وقوله : ( وهي تموت بين يديه ) والصواب ابنه ، وإذا كان كذلك فيحتمل أن يكون المراد به أحد بنيه : إما القاسم وإما عبد الله وإما إبراهيم ، فإنهم ماتوا صغاراً في حياته ، ويحتمل أن يكون المراد ابن بعض بناته وهو الظاهر ، ففي الاسباب الميلادي ! ( كذا ) أنّ عبد الله بن عثمان من رقية بنته ( صلى الله عليه وآله ) مات في حجره ، فبكى وقال : إنّما يرحم الله من عباده الرحماء .
وفي مسند البزار عن أبي هريرة قال : ثقل ابن لفاطمة فبعث إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، الحديث ، وفيه مراجعة سعد بن عبادة في البكاء ، والابن المذكور هو محسن بن علي .
وقد اتفق أهل العلم بالأخبار انّه مات صغيراً في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، هذا غاية التحقيق في هذا الحديث ، ولم أر من تعرض بهذا وهو الهادي إلى سواء الطريق .
انتهى ما جاء في شرح الشمائل لملا علي القارئ .
أقول : أود تنبيه القاري ـ كل قارئ ـ إلى أنّ الملا علي القارئ لم يكن دقيقاً في تحقيقه إلى الغاية كما قال ، ولا كان صادقاً فيما زعمه من المقال المحال لجهتين :
المحسن السبط مولود أم سقط _ 114 _
الجهة الأولى : أنّ زعمه لم ير من تعرض لذلك مردود عليه بأنّ المناوي ـ وهو من معاصريه ، إذ بين وفاتيهما اثنتي عشرة سنة ، فقد مات المناوي سنة 1004 هـ ومات الملا علي سنة 1016 هـ _ قد ذكر ذلك ، وكان الرجل أكثر أمانة حين حكاه عن القسطلاني ، فإذا كان الملا علي لم ير شرح المناوي على الشمائل ـ وأكبر الظن أنّه رآه وافاد منه ـ فلا ريب عندي انّه رأى كلام القسطلاني الذي نقله عنه المناوي ، وإليك ذلك بلفظه في شرح الشمائل المطبوع بهامش شرح الملا علي القاريء .
قال المناوي تعقيباً على الحديث المذكور : تنبيه ، قوله آنفاً : وهي بنت بنته زينب هو ما ذكره الشارح (1) وغيره ، فراراً مما أورد على إطلاق البنت من أنّ المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) كان له أربع بنات وكلهنّ بلغن التزويج ، وثلاثة منهن وإن متن في حياته لا يصلح لواحدة منهنّ أن يقال في حقها صغيرة ، وقد وصفها في رواية النسائي في هذا الحديث بالصغر .
فتعيّن أن يراد إحدى بنات بناته ، لكنه مع ذلك قد استشكل أيضاً بأنّه لم ينقل بأنّ ابنة احدى بناته ماتت صغيرة ، إلا ما رواه أحمد عن الهندي قال : ( أتي النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأمامة بنت زينب وهي في النزع فدمعت عيناه ) ويعارضه أنّ أهل العلم بالأخبار اتفقوا على أنّ امامة عاشت بعد النبي حتى تزوجها على بن أبي طالب بعد موت فاطمة وقتل عنها ، وحملوا رواية أحمد على أنّها أشرفت على الموت ولم تمت .
فإما أن يقال وقع وهم في هذا الحديث ، إما في قوله : ( تقضي ) وقوله : ( وهي تموت بين يديه ) وأما في قوله ( ابنته ) والصواب ابنه ، ويكون المراد أحد بنيه القاسم أو عبد الله أو إبراهيم ، ويحتمل : أنّ المراد ابن بعض بناته ، إما محسن بن
---------------------------
(1) يعني به ابن حجر فإنّ له شرح الشمائل ، وقد نبّه المناوي في مقدمة كتابه أنّه المراد بقوله ( الشارح ) فراجع .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 115 _
فاطمة ، أو عبد الله بن رقية من عثمان ، نبّه عليه القسطلاني .
انتهى ما قاله المناوي .
وجاء أيضاً نحو هذا في شرح الشمائل لجسوس (1) .
وعلى هذا فيكون القسطلاني أول من احتمل في توجيه الحديث المذكور في الشمائل أن يكون المتوفى بين يدي النبي ( صلى الله عليه وآله ) أحد ولدي الخالة ، إما محسّن بن فاطمة أو عبد الله بن رقية ، وتابعه على ذلك كل من المناوي وجسوس ، وهم جميعاً لم يجزموا فيهما ، بل احتملوا أن يكون هو أحدهما لا على التعيين ، ومجرد الاحتمال يبطل الاستدلال ، فيبقى أمر وفاة المحسن في عهد جده غير ثابت .
الجهة الثانية : فيما نقله الملا علي القارئ عن مسند البزار عن أبي هريرة ، فمن حقنا أن نسأله أين كان أبو هريرة يومئذٍ ؟ هل كان حاضراً فشاهد وسمع جميع ما حدث به من أمر الابن الذي ذكره مجملاً ؟ وإذا كان كذلك فما باله لم يسمّه ؟ وحديثه ينبئ عن حضوره ؟ !
ثم إذا لم يكن حاضراً _ وهو كذلك لأنه كان بالبحرين ـ فلماذا لم يذكر من حدّثه بذلك ؟ ولكن لا غرابة لو زعم أبو هريرة الحضور ، فأحاديثه التي صح منها ما حلّق بها بقادمة النسور حتى جعلته أول راوية في الإسلام ، يكذّبه من الصحابة ثلاثة من الخلفاء علي وعمر وعثمان ، وزد عليهم تكذيب السيدة عائشة وهي أم المؤمنين (2) ، وخل عنك التابعين ومَن بعدهم ، حتى كان أبو حنيفة إمام المذهب لا يأخذ بحديثه (3) .
وليس هذا بأول حديث له كذب فيه على أبناء فاطمة وأبناء الرسول وزعم فيه الحضور ، وما حديث زعمه حضوره ولادة الحسين ( عليه السلام ) ، وأنّه رآه وقد أخذه
---------------------------
(1) شرح الشمائل 2 : 105 .
(2) تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة : 27 / 28 ، وحكاه عن النظام شيخ الجاحظ ، ولم يستطع رده إلا دفعاً بالصدر .
(3) شيخ المضيرة 117 / 133 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 116 _
النبي ( صلى الله عليه وآله ) ملفوفاً بخرقة وقد خضبت يداه من الدم (1) ، الا نموذج واحد من أكاذيبه الفاضحة ، فإنّ ولادة الحسين كانت في الثالث أو الخامس من شعبان السنة الرابعة من الهجرة على أكثر تقدير ، وأبو هريرة يومئذٍ بعد لم يسلم ولم يأت إلى المدينة ، إذ أنّه جاء بعد فتح خيبر ، وكان الفتح في سنة 7 من الهجرة .
وهذا أيضاً ليس بأعظم من فريته على رقية بنت النبي ( صلى الله عليه وآله ) حين زعم دخوله عليها وبيدها مشط ، فقالت : خرج رسول الله من عندي آنفاً ورجلت شعره ، فقال : كيف تجدين أبا عبد الله ( يعني عثمان ) ؟ قالت : بخير ، قال : أكرميه فإنّه من أشبه أصحابي بي خلقاً .
ونحن لا نعقّب على ذلك بأكثر مما قاله الحاكم في المستدرك بعد أن أخرج الحديث فقال : هذا حديث صحيح الاسناد واهي المتن ، فإنّ رقية ماتت سنة ( 3 ) من الهجرة بعد فتح بدر ، وأبو هريرة أسلم بعد فتح خيبر في سنة ( 7 ) من الهجرة .
وما دام أبو هريرة يروي لنا أن الابن المذكور في الحديث هو محسن بن علي ، فلا غرابة ولا عجب ، فالرجل يضلع في ركاب الحاكمين ويضع لهم ما شاؤوا ، فأيّ وازع يمنعه عن أن يضع لهم ذلك الحديث ليثبت لهم موت المحسن في عهد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وإذا ثبت ذلك برئت ساحة المتهمين بإسقاطه ، ولكن ( وَأنَّى لَهُمُ التَّ ـ نَاوُشُ مِنْ مَكَان بَعِيد ) (2) .
والآن لنقرأ مقالة العلماء في أنّ المحسن مات سقطاً .
ليس من المتوقع أن نجد عدد الذين ذكروا موت المحسن سقطاً أن يكون كثيراً ، كما أنه ليس من المتوقع من أولئك أن يذكروا سبب السقوط ، فليس غريباً أن نجد حديث السقوط ـ بعد أن كان إسقاطاً _ نجده منسوباً عند بعضهم إلى الشيعة ، وهؤلاء إنّما لجأوا إلى ذلك فيما أرى إما دفعاً للغائلة ، أو حفاظاً على قداسة الموروث في النفوس .
وقليل ما هم أولئك الذين تخطّوا الحاجز النفسي فصرّحوا بالسبب ، ولا غرابة لو رأينا التعتيم والغموض يلفّ قضية موت المحسن سقطاً ، فالحكومات المتعاقبة من بعد النبي الكريم ( صلى الله عليه وآله ) ، والتي استحوذت على الحكم بالقوة ، كلّها تناوئ المحسن وآله أمّاً وأباً ومن يمتّ إليه نسباً ، فكيف يتوقع من الرواة من أن يذكروا الحَدَث كما حدث ، وهو حَدَثٌ مريع وفظيع ، وذكره يقلقل أحشاء الحاكمين ، وينسف مقولة شرعيّة حكم الظالمين .
لذلك لم نجد بعد البحث والتنقيب إلا العدد الذي لم يتجاوز العشرين إلا قليلاً ، فهؤلاء هم الذين ذكروا موت ( المحسن ) سقطاً ، والأقل من القليل الذي ذكر موته إسقاطاً ، ومع ذلك ففي هؤلاء من خشي مغبة العاقبة ، فذكر أمر
المحسن السبط مولود أم سقط _ 118 _
الإسقاط ونسبه إلى الشيعة ، وأحسبه أراد التخلّص من صراع نفسي مرير ، يتجاذبه كتمان أمر المحسن كلية ، وذكره منسوباً إلى الشيعة ، فرأى في الثاني ما يخفّف عنه وطأة الصراع ، ويضع عنه مسؤولية الكتمان وإصر التبعة ، وإلا فسيلقى المصير الذي لاقاه أحمد بن محمد بن محمد ابن السريّ بن يحيى بن أبي دارم المحدث ، فقد كان مستقيم الأمر عامة دهره ، ثم في آخر أيّامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، قال ـ الراوي ـ : حضرته ورجل يقرأ عليه : إنّ عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسّن راجع قصة هذا المحدث في ترجمته عند الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال (1) .
ولا يزال غير واحد يعيش هذا الصراع النفسي المحرج المكبوت ، فهو يتأرجح بين الموروث بمآسيه وبين الحقائق الثابتة ، فيعبّر عنها بلسان غيره ، ومن أولى بذلك من الشيعة ، فانظر مثلاً إلى الدكتور أحمد محمود صبحي مدرس الفلسفة بكلية الآداب بجامعة الاسكندرية حيث يقول في كتابه نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثني عشرية (2) ( تحليل فلسفي للعقيدة ) وهو يتحدّث عن حديث المنزلة :
ولا يقف الشبه بين علي وهارون إلى حد الصفات المثبتة في حق هارون كما هي مستخلصة من القرآن ، بل يضيف الشيعة خصائص اُخرى شخصية ، فقد أبى النبي إلا أن تكون أسماء بني علي مماثلة لأسماء بني هارون ، فسمّاهم حسناً وحسيناً ومحسناً قائلاً : إنّما سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبّر ...
وعلّق على اسم المحسن فقال في الهامش : يقال : مات صغيراً ، ويقال : إنّ عمر ركل فاطمة لمجافاتها أبا بكر في الخلافة وفدك ، فأجهضت محسناً جنيناً ، ولا شك أنّ القول الأول أصح ، وإلاّ فما يبرر تسمية جنين ميت .
---------------------------
(1) ميزان الاعتدال 1 : 139 ، ولاحظ سير أعلام النبلاء له أيضاً 15 : 578 ، وعنه ابن حجر في كتابه لسان الميزان 1 : 268 .
(2) نظرية الإمامة : 226 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 119 _
ومن الغريب تصحيحه للقول الأول وأنه مات صغيراً ، وأغرب من ذلك تذرّعه بعدم المبرر لتسمية جنين ميّت ، فنقول : إنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) سمّاه يوم كان جنيناً وهو حي ولم يكن ميتاً ، ولولا الرفسة لتمّ حمله وكانت ولادته طبيعية ، وتسمية الجنين الميّت السقط مندوب إليها فضلاً عن أن يكن حملاً .
ثم ما ذنب الشيعة لأن يتهمهم بأنهم أضافوا خصائص أخرى شخصية ، وذكر تسمية النبي ( صلى الله عليه وآله ) للأنبياء الثلاثة بأسماء ولد هارون ، وقد مرّ بنا في الباب الأول مصادر أهل السنة ؟
وفي كتاب هذا الرجل موارد كثيرة تطغى عليه فيها معاناة الصراع النفسي بين الموروث والحقائق لسنا بصددها .
والآن إلى أسماء أولئك الذين صرّحوا بأنّ المحسن مات سقطاً :
1 ـ أبو إسحاق إبراهيم النظام ( ت 231 هـ ) ، وهذا هو شيخ الجاحظ ، وهو من شيوخ المعتزلة ، قال : انّ عمر ضرب بطن فاطمة ( عليها السلام ) يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها ، وكان يصيح : أحرقوها بمن فيها ، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين .
هذا ما نقله عنه الشهرستاني في كتابه الملل والنحل (1) .
وحكى ذلك عن النظام أيضاً الصفدي في الوافي بالوفيات (2) .
2 ـ ابن قتيبة ( ت 276 هـ ) ، حكى عنه الحافظ السروي المعروف بابن شهرآشوب ( ت 588 هـ ) ، في كتابه مناقب آل أبي طالب (3) قال : وأولادها : الحسن والحسين والمحسن سقط ، وفي معارف القتبي : انّ محسناً فسد من زحم قنفذ العدوي .
---------------------------
(1) الملل والنحل 1 : 77 .
(2) الوافي بالوفيات 6 : 17 .
(3) المناقب 3 : 133 ، في أحوال فاطمة ( عليها السلام ) .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 120 _
وعند مراجعة كتاب المعارف المطبوع لم نجد ذلك فيه ، ولمّا كان الحافظ الكنجي الشافعي ( ت 658 هـ ) قد أكّد حكاية ابن شهرآشوب لذلك عن ابن قتيبة بعد أن ذكر أنّ فاطمة ( عليها السلام ) أسقطت بعد النبي ذكراً كان سماه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) محسناً ، فقال الكنجي : وهذا شيء لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة .
أقول : وسيأتي تحقيق حول كتاب المعارف في الملاحق في آخر الرسالة .
3 ـ النسابة الشيخ أبو الحسن العمري ـ وكان حياً سنة 425 هـ _ قال في كتابه المجدي ـ بعد ذكر اختلاف النسابين في المحسن ـ : ولم يحتسبوا بمحسن لأنّه ولد ميتاً ، وقد روت الشيعة خبر المحسن والرفسة ، ووجدت بعض كتب أهل النسب يحتوي على ذكر المحسن ، ولم يذكر الرفسة من جهة أعوّل عليها .
4 ـ النسابة محمد بن أسعد بن علي الحسيني الجواني ( ت 588 هـ ) ذكر المحسّن في الشجرة المحمدية والنسبة الهاشمية (1) وقال : أسقط ، وقيل : درج صغيراً ، والصحيح أنّ فاطمة ( رضي الله عنها ) أسقطت جنيناً .
5 ـ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي ( ت 652 هـ ) قال في مطالب السؤول (2) عند ذكر أولاد الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
اعلم أيّدك الله بروح منه ، إنّ أقوال الناس اختلفت في عدد أولاده ( عليه السلام ) ذكوراً وإناثاً ، فمنهم من أكثر فعدّ فيهم السقط ، ولم يسقط ذكر نسبه ، ومنهم من أسقطه ولم ير أن يحتسب في العدة ، فجاء قول كل واحد بمقتضى ما اعتمده في ذلك وبحسبه ـ ثم نقل عن صفة الصفوة وغيرها ذكرهم إلى أن قال : ـ وذكر قوم آخرون زيادة على ذلك ، وذكروا فيهم محسناً شقيقاً للحسن والحسين ( عليهما السلام ) وكان سقطاً .
---------------------------
(1) الشجرة المحمدية : ( نسخة مصورة في مجلة الموسم ، العدد 32 ، سنة 1418 هـ ) .
(2) مطالب السؤول : 62 ، الفصل 11 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 121 _
6 ـ الحافظ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي ( ت 658 هـ ) ، حكى في كتابه كفاية الطالب (1) عند ذكر أولاد الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قول المفيد في عددهم ، ثم قال : وزاد الجمهور وقال : إنّ فاطمة ( عليها السلام ) أسقطت بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذكراً كان سمّاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) محسناً ، وهذا شيء لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلاّ عند ابن قتيبة .
7 ـ الحمويني ( ت 730 هـ ) ، ذكر باسناده في فرائد السمطين (2) حديثاً عن ابن عباس أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن ( عليه السلام ) فلمّا رآه بكى ، ثم قال : إليّ إليّ يابني ، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى ، ثم أقبل الحسين ( عليه السلام ) فلما رآه بكى ثم قال : إليّ إليّ يابُني فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى ، ثم أقبلت فاطمة ( عليها السلام ) ، فلما رآها بكى ثم قال : إليّ إليّ يا بنية فاطمة ، فأجلسها بين يديه .
ثم أقبل أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، فلما رآه بكى ثم قال : إليّ إليّ يا أخي ، فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن ، فقال له أصحابه : يا رسول الله ما ترى واحداً من هؤلاء إلا بكيت ، أوما فيهم مَن تسرّ برؤيته ؟ فقال ( عليه السلام ) : والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية ، إنّي وإياهم لأكرم الخلائق على الله ( عزّ وجلّ ) ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم أما علي بن أبي طالب ... وذكر فضله وما خصّه الله به_ وأما ابنتي فاطمة فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، وهي بضعة منّي وهي ... وإنّي لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ، كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها ، وانتهكت حرمتها ، وغُصب حقها ، ومُنعت إرثها ، وكُسر جنبها ، وأُسقطت جنينها _ إلى أن قال : يقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) _ : اللّهم العن من ظلمها ، وعاقب من غصبها ، وذلّل ـ كذا والصواب فأذل ـ من أذلّها ، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها ، فتقول الملائكة عند ذلك : آمين .
8 ـ الحافظ جمال الدين المزي ( ت742 هـ ) ، قال في كتابه تهذيب الكمال (1) : كان لعلي من الولد الذكور ... والذين لم يعقبوا محسن درج سقطاً ...
أقول : ونقل ذلك عنه الفاسي في العقد الثمين (2) أيضاً .
9 ـ الشيخ الإمام سعيد بن محمد بن مسعود الكازروني ( ت 758 هـ ) ، جاء في كتابه مطالع الأنوار المصطفوية في شرح مشارق الأنوار النبوية للصغاني الحنفي ( ت 650 هـ ) ، عند ذكره رواة الكتاب على ترتيب حروف المعجم ، فقال في حرف الفاء :
فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، كان من حقها أن تذكر في أول الأسامي لكن ترتيب الكتاب اقتضى هذا التنسيق ... ـ إلى أن قال بعد ذكر شيء من ترجمتها ـ : وولدت لعلي الحسن والحسين والمحسن ، وقيل : سقط المحسن من بطنها ميتاً بسبب أنّ عمر بن الخطاب دقّ الباب على بطنها حين جاء لعلي أن يروح به إلى عند أبي بكر لأخذ البيعة .
10 ـ و 11 ـ الصلاح الصفدي ( ت 764 هـ ) ، قال في الوافي بالوفيات (3) : والمحسن طرح .
وحكى ذلك من كتاب شيخه الذهبي ( فتح المطالب في فضل علي بن أبي طالب ) ولمّا لم نقف على كتاب شيخه فاكتفينا بنقله عنه ، وعددنا شيخه ممّن قال بأنّ المحسن سقط .
12 ـ التقي الفاسي الحسني المكي ( ت 832 هـ ) ، ذكر في كتابه العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين (4) في ترجمة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أولاد الإمام ، فحكى قول ابن قتيبة : ( ولعلي ( رضي الله عنه ) من الولد الحسن والحسين ومحسناً ... ) فعلق المحقق فؤاد سيد على اسم المحسن فقال : تكملة من المعارف .
---------------------------
(1) تهذيب الكمال 20 : 479 .
(2) العقد الثمين 6 : 203 .
(3) الوافي بالوفيات 21 : 281 .
(4) العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين 6 : 202 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 123 _
أقول : ولاندري هل عدم ذكره كان سقطاً من سهو القلم ، أم هو من الاسقاط المتعمد ؟ ثم انّ الفاسي حكى أيضاً في كتابه (1) قول الحافظ المزي في تهذيب الكمال : ( ومحسن درج سقطاً ) ولم يعقب عليه بشيء ، فهو إمضاء منه لقوله .
وذكر الفاسي أيضاً في كتابه (2) في ترجمة الزهراء ( عليها السلام ) قول أبي عمر : ( فولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب ... ) .
فعلق المحقق على ذلك في الهامش فقال : ( ومحسناً ) كما في سير أعلام النبلاء حكاية عن ابن عبد البر .
أقول : وما ذكره الطناحي صحيح ، فهو موجود في سير أعلام النبلاء (3) ، لكن إذا رجعنا إلى الاستيعاب وهو كتاب أبي عمر وهو ابن عبد البر ، فلا نجد ذلك النص جملة وتفصيلاً ، وبين يدي ثلاث طبعات من الاستيعاب .
1 ـ طبعة حيدر آباد سنة 1326 هـ .
2 ـ طبعة مصطفى محمد سنة 1339بهامش الإصابة .
3 ـ طبعة محققة بتحقيق علي محمد البجاوي بمطبعة نهضة مصر .
وقد راجعت ترجمتي الإمام أمير المؤمنين والزهراء ( عليهما السلام ) ، فلم أجد النص المذكور ، فيا ترى من الذي غصّ بذكر المحسن ، فابتلعه على مضض ليضيع ذكره كما خفي قبره ، وعلى سنن الماضين جاء سير الخالفين ، وهكذا أضاع الخلف ما يدين السلف طمساً للحقائق ، فالله حسيبهم .
13 ـ إبراهيم بن عبد الرحمن الحنفي الطرابلسي ، كان حيّاً سنة 841 هـ ، قال في المشجرة التي صنعت للخليفة الناصر وكتبت لخزانة صلاح الدين ص 9 : محسن بن فاطمة أسقط ، وقيل درج صغيراً ، والصحيح أن فاطمة أسقطت جنينها .
---------------------------
(1) المصدر نفسه 6 : 203 .
(2) المصدر نفسه 8 : 284 .
(3) سير أعلام النبلاء 3 : 425 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 124 _
14 ـ ابن الصباغ المالكي الصفاقسي ( ت 855 هـ ) ، قال في الفصول المهمة (1) في ذكر أولاد الإمام : وذكروا أنّ فيهم محسناً شقيقاً للحسن والحسين ، ذكرته الشيعة وأنّه كان سقطاً .
أقول : ولم يعقب على ذلك بشيء ، فهو إمضاء منه لما قالته الشيعة ، ولو لم يكن كذلك لردّ عليهم بشيء .
15 ـ أبو الفضيل محمد الكاظم بن أبي الفتوح ، قال في كتابه ( النفحة العنبرية في أنساب خير البرية ) الذي ألّفه سنة 891 هـ : ( والمحسّن وأخوه ولدا ميتين من الزهراء ) (2) .
16 ـ الصفوري الشافعي ( ت 894 هـ ) ، قال في نزهة المجالس (3) : كان الحسن أول أولاد فاطمة الخمسة : الحسن ، والحسين ، والمحسن كان سقطاً ، وزينب الكبرى ، وزينب الصغرى وقال في كتابه الآخر : ( المحاسن المجتمعة في الخلفاء الأربعة ) (4) من كتاب الاستيعاب لابن عبد البر قال : وأسقطت فاطمة سقطاً سمّاه علي محسناً .
أقول : وهذا ليس في الاستيعاب المطبوع فلاحظ .
17 ـ الشيخ جمال الدين يوسف المقدسي ( ت 909 هـ ) ، في الشجرة النبوية في نسب خير البرية (5) قال : ( محسن ، قيل : سقط ، وقيل : بل درج صغيراً ، والصحيح أنّ فاطمة أسقطت جنيناً ) .
---------------------------
(1) الفصول المهمة : 54 .
(2) النفحة العنبرية . ( نسخة مصورة عن نسخة المجمع العلمي العراقي ) .
(3) ن ـ زهة المجالس 2 : 229 .
(4) المحاسن المجتمعة : 164 .
(5) الشجرة النبوية في نسب خير البرية : 60 .
المحسن السبط مولود أم سقط _ 125 _
18 ـ النسابة عميد الدين كان حياً سنة 929 هـ ذكره في المشجر الكشاف (1) فقال : ( والمحسن الذي أسقط ) .
19 ـ السيد مرتضى الزبيدي المتوفى 1205 هـ ، قال في تاج العروس ( شبر ) : المحسّن بتشديد السين ، ذهب أكثر الإمامية من أنه كان حملاً فأسقطته فاطمة الزهراء لستة أشهر ، وذلك بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
أقول : ولمّا لم يعقب على قول الإمامية برد عليه ، فذلك السكوت رضىً به .
20 ـ الشيخ محمود بن وهيب الحنفي القراغولي قال في جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام (2) : ( وأما محسّن فأدرج سقطاً ) .
21 ـ الشيخ محمد الصبان الشافعي ( ت 1206 هـ ) ، قال في كتابه اسعاف الراغبين بهامش مشارق الأنوار للحمزاوي (3) : ( فأما محسن فادرج سقطاً ) .
22 ـ الشيخ حسن الحمزاوي المالكي قال في كتابه مشارق الأنوار الذي فرغ من تأليفه سنة 1264 هـ كما في آخره ، قال : ( وأما محسن فأدرج سقطاً ) (4) .
23 ـ محمد بن محمد رفيع ملك الكتاب ـ من علماء أواخر القرن الثالث عشر _ قال في كتابه رياض الأنساب (5) ما تعريبه : ( وولد آخر معدود في أولاده ـ يعني الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) _ كانت الزهراء ( عليها السلام ) حاملاً به ، فأسقطته قبل استكمال مدة الحمل ، لأنّ قنفذاً ضربها وزحمها خلف الباب ) .
24 ـ المؤرّخ الفارسي الشهير بسپهر في كتابه ناسخ التواريخ في الجزء المختص بالزهراء (6) قال ما تعريبه : ذكر أنّ المحسن الذي سماه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مات سقطاً ، لأنّ قنفذاً والمغيرة بن شعبة مع غيرهما ضربوا الزهراء فأسقطوا جنينها .