الفهرس العام


الملحق الأول : حول نسبة كتابة ( الإمامة والسياسة ) إلى ابن قتيبة :



  ولو أعرضنا عن جميع تلك النصوص وضربنا عنها صفحاً ، وعُدنا إلى أحاديث الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فيما جاء عنه فيمن أخاف مسلماً ومن روّع مؤمناً ، فقد قال ( صلى الله عليه وآله ) : من روّع مسلماً روّعه الله يوم القيامة (1) .
  وقال ( صلى الله عليه وآله ) : من روّع مؤمناً لم يؤمن روعته يوم القيامة ، ومن أخاف مؤمناً لم يؤمن خوفه يوم القيامة ، ومن سعى بمؤمن أقامه الله مقام الخزي والذلّ يوم القيامة (2) .
  وقال ( صلى الله عليه وآله ) : من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله أن لا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة (3) .
   وقال ( صلى الله عليه وآله ) : من سوّد مع قوم فهو منهم ، ومن روّع مسلماً لرضاء من سلطان جيئ به يوم القيامة معه (4) .
  هذه أربعة أحاديث نبوية فصيحة صريحة في عقوبة المعتدي بالاخافة والترويع ، فهل يعقل انّ عمر ومن جاء معه ـ وكلّهم معدودون من عليّة الصحابة ـ لم يسمعوا واحداً من هذه الأحاديث ؟ وإذا لم يسمعوا ذلك فأحرى بهم انّهم لم يسمعوا الحديث القدسي : من أخاف لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة (5) وماذا رأي ابن تيمية في ذلك ؟ !
  فهل كان ثمة ترويع لأهل البيت يوم جاء عمر بقبس من نار إلى بيت فاطمة ( عليها السلام ) ليحرقه على من فيه ؟ وإن أنكر ذلك ابن تيمية ، فلماذا صاحت

---------------------------
(1) مسند الربيع بن حبيب 2 : 69 .
(2) كنز العمال 7 : 437 ، الكامل لابن عدي 6 : 323 .
(3) مجمع الزوائد 6 : 254 .
(4) تاريخ بغداد 10 : 41 .
(5) كنز العمال : ح 1680 .

المحسن السبط مولود أم سقط _552 _

  الزهراء ( عليها السلام ) وهي تستقبل المثوى الطاهر من خلال الشباك الذي يطل على منزل أبيها ، وهي تستنجد بهذا الغائب الحاضر : يا أبتاه يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ؟
  قال الكتاني في التراتيب الإدارية : وكان بمنزل فاطمة شباك يطلّ على منزل أبيها ، وكان ( صلى الله عليه وآله ) يستطلع أمرها منه (1) .
  فلا عجب ولا غرابة من استغاثتها ( عليها السلام ) بأبيها ، وشكواها إليه ما لقيت وأهل بيتها من ابن الخطاب وابن أبي قحافة بعد أن كان ( صلى الله عليه وآله ) حيّاً في قبره حيث يبلغه سلام من يسلّم عليه في مشرق الدنيا ومغربها ، فهل من شك في انّه ( صلى الله عليه وآله ) لم يستطلع أمرها كما كان وهو حيّ وبين حجرته التي دفن فيها وبين منزل فاطمة شباك ؟ والجواب بالنفي إنّما هو عند ابن تيمية الأفّاك ومن تبعه من الشكّاك .
  ولا غرابة في هذا من ابن تيمية المعروف بنصبه وعناده من خلال كتابه منهاج السنّة ، وقد رد فيه جملة مما صحت روايته في فضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، حتى حديث الثقلين وهذا أخرجه مسلم في صحيحه ، فأقدم ابن تيمية على رده .
  ختام الرسالة :
  لا شك أنّ المصارحة في العقائد مع بيان الحجة البالغة توضح الرؤية لطالب الحق ، وليس في سبل التفاهم خيراً منها مع حسن النيّة في التعايش ، كما هي في أحيان كثيرة تكون سبباً للهداية إلى طلب الحق .
  ويسعدني أن يكون القارئ ـ بعد انتهاء قراءته لهذه الرسالة ـ منصفاً لنفسه قبل أن يكون منصفاً لي ، فلا يتعجل بحكمه سواء كان لي أو عليَّ ، ما دمت أنا قد أنصفته فذكرت له من نصوص أحاديث وأخبار وآثار يدين هو لرواتها بالتصديق ، وهي عنده غير قابلة للإنكار ، والنقاش والجدل حولها في صحتها

---------------------------
(1) التراتيب الإدارية للكتاني 2 : 78 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 553 _

  ودلالتها إنّما هو مكابرة ، لأنّ أصحاب المصادر هم أعلام المحدّثين والمؤرخين ومن المعنيين بتسجيل تاريخ المسلمين وشؤون الخلفاء الراشدين ، وهم باتفاقهم ـ إن لم يكن ذلك يعدّ إجماعاً منهم ـ على قبول مؤدّى تلك النصوص ، والإستدلال بها يقطع جهيزة المعاندين ، لوضوح الدلالة وقبول الإسناد ، عند من لا يبتغي العناد ، سواء فئة التقليد أو فئة التجديد ممن يدعون إلى إعادة كتابة التاريخ الإسلامي من جديد .
  وأحسب أنّ العرض والتبسيط منّا كان فيه استيفاء كثير من جوانب الاحتجاج لدى الحوار مع الأطراف الأخرى ، وبيان الحق الذي يجب أن يتبع حين نتبيّنه فنتبنّاه لنبيّنه للناس ولا نكتمه ، ولا نؤخذ بغلبة الموروث وقداسته ، ولا نخشى في بيانه لومة لائم ما دمنا نزيل غشاوة التضبيب الإعلامي الذي وراءه مزاعم الحاكمين الظالمين ، فتشوّهت المعلومة من رواة السوء الضالعين في ركابهم .
  وتلك بلية المسلمين في تاريخهم منذ القرون الأولى ، حين أشاعوا مقولة أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) مات ولم يوص إلى أحد ، وترك للناس حق اختيار من يتولاهم ، وهذا من أفدح الظلم وأقبح الكذب ، إذ أنّه ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يهاجر إلى المدينة المنورة ، ومنذ بدء الدعوة قد بيّن وعيّن من هو الذي سيتولى أمر القيادة من بعده ، فقد ورد في شأن نزول قوله تعالى : ( وَأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) (1) ، فأمر ابن عمه علياً بأن يصنع طعاماً يدعو عليه بني هاشم ، وقد صنع ودعاهم وبلّغهم ما أمره الله بتبليغه فقال : أيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووزيري ووصييّ ووارثي وخليفتي من بعدي ، فلم يجبه أحد غير علي ( عليه السلام ) ، فأخذ برقبته ثم قال : إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا (2) .

---------------------------
(1) الشعراء : 214 .
(2) تاريخ الطبري 2 : 216 ، طبعة الحسينية بمصر ، و 2 : 319 / 321 ، طبعة دار المعارف بمصر ، ولمزيد من معرفة المصادر راجع كتاب ( علي إمام البررة ) 1 : 72 / 92 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 554 _

  ولما أراد الهجرة إلى المدينة استخلفه بمكانه في بيته بمكة المكرمة ، وأمره أن ينام في فراشه ويتغطى ببرده ، ولم يأمر غيره بردّ الودائع إلى أهلها ثم اللحاق به مع عائلته ، وهذا كان إعداداً عملياً علمته قريش ، فكادت تقضي على علي ( عليه السلام ) لولا دفع الله تعالى عنه (1) .
  وبقي ( صلى الله عليه وآله ) يعلن في المدينة المنورة في شتى المناسبات والمواقف عن أن علياً وزيره وخليفته في اُمته ، ففي حديث عن ابن عمر مرفوعاً قال ( صلى الله عليه وآله ) : ألا أرضيك يا علي ؟ أنت أخي ووزيري ، وتقضي ديني ، وتنجز بوعدي ، وتبرئ ذمتي (2) .
   وفي حديث آخر عن أنس مرفوعاً بلفظ : إنّ أخي ووزيري وخليفتي في أهل بيتي ، وخير من تركت بعدي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، علي بن أبي طالب (3) .
   وأصرح من ذلك ما أخرجه الحمويني مسنداً عنه ( صلى الله عليه وآله ) قال : من أحب أن يستمسك بديني ، ويركب سفينة النجاة بعدي ، فليقتد بعليّ بن أبي طالب ، وليعاد عدوّه ، وليوال وليه ، فإنّه وصيي وخليفتي على اُمتي في حياتي وبعد وفاتي ، وهو إمام كل مسلم ، وأمير كل مؤمن بعدي ، قوله قولي ، وأمره أمري ، ونهيه نهيي ، وتابعه تابعي ، وناصره ناصري ، وخاذله خاذلي ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : من فارق علياً بعدي لم يرني ولم أره يوم القيامة ، ومن خالف علياً حرّم الله عليه الجنة ، وجعل مأواه النار ، ومن خذل علياً خذله الله يوم يعرض

---------------------------
(1) راجع كتاب ( علي إمام البررة ) 3 : 280 / 293 .
(2) نفس المصدر 1 : 105 تجده نقلاً عن مجمع الزوائد 9 : 121 نقلاً عن الطبراني، وأيضاً في كنز العمّال 12 : 209 ومنتخب الكنز بهامش مسند أحمد 5 : 32 .
(3) نفس المصدر 1 : 106 ، نقلاً عن اصابة ابن حجر 1 ق 1 : 217 ، وتاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام علي 1 : 115 / 116 ، بثلاثة أسانيد .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 555 _

  عليه ، ومن نصر علياً نصره الله يوم يلقاه ولقنّه حجته يوم المسألة ، إلى آخر الحديث (1) .
  إلى غير ذلك من مواقفه التي كان يُعدّ فيها علياً لخلافته إعداداً فريداً قولاً وعملاً ، لم يكن مثله لأيّ أحد سواه من الصحابة ، وحسبنا أن نستقرئ كتب الحديث والتاريخ عما صدر منه في سنة حجة الوداع فقط ، فقد أشركه في بُدنه ، وقام معلناً بفضله واستخلافه ، وأخذ البيعة له في غدير خم ، ولما عاد إلى المدينة اتخذ الحيطة لمنع وقوع الخلاف في الاستخلاف حين ظهرت حسيكة النفاق في نفر من الصحابة ، فعزم على بعث اُسامة إلى مؤتة ، وأمّره على جيش حشر فيه أسماء كثير ممن يخشى منهم الخلاف ، وكان مِن جملة مَنْ سمّاهم بأعيانهم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة ، والزبير ، وأبو عبيدة بن الجراح وآخرون ، وشدّد النكير على من تخلّف عن جيش اُسامة ، حتى قال : لعن الله من تخلّف عن جيش اُسامة (2) ولما أحسّ منهم التثاقل في الخروج ، أراد أن يكتب لاُمته كتاباً لن يضلوا بعده أبداً ، إلاّ أنّ عمر منع من ذلك ، وهذا ما رواه أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد وفي مقدمتهم البخاري ومسلم ، وهذا ما يعرف بحديث الرزية ، لأنّ ابن عباس حبر الاُمة كان يرويه ويقول الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب ، ويبكي حتى يبلّ دمعه الحصى ـ الحصباء (3) ـ وكان ( صلى الله عليه وآله ) يفعل ذلك بأمر من الله تعالى .

---------------------------
(1) فرائد السمطين 1 : 54 .
(2) رواه الشهرستاني في الملل والنحل نقلاً عن النظام .
(3) صحيح البخاري في سبعة مواضع ، ورواه مسلم ، وأحمد ، وابن سعد ، والطبري وآخرون ، استوفينا ذكرهم في موسوعة عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 556 _

  ففي كل تلك المواقف أعلن فيها انّ علياً ولي الأمر بعده ، وكان يشدّد على انّه الوصي والخليفة في اُمته ، كانت وتيرة الخلاف تتصاعد ، وجرت ملابسات ومعاكسات لما أمر به ، حتى أنكرت قريش وصيته ، وأصرّت عناداً على مخالفته في خلافته ، فقالت : مات ولم يوص ، ورووا أحاديث عن عائشة في ذلك ، وردّ عليها ابن عباس واُم سلمة وغيرهما ، كما تقدم في بعض النصوص التي ذكرناها (1) .
  ومن الغباء فضلاً عن الجفاء أن يزعم إنسان مسلم انّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) الذي أعلن دعوته بمكة ، وواصل سعيه في المدينة ، وقاسى في سبيل نجاحها من الأذى ما قاساه ، فأسس حكومته الرشيدة ، وبلّغ شريعة الإسلام تامة غير منقوصة ، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة تصلح اُمته إلاّ بيّنها لهم في سائر شؤون حياتهم ، حتى المرء في مخدعه مع حليلته ، وفي بيت الخلاء لقضاء حاجته ، بما ينبغي وما لا ينبغي من سنن وآداب ، فضلاً عن بيان الواجب والحرام وبقية الأحكام .
  كيف يعقل انّه يترك اُمته هملاً على غير نهج واضح ، وسبيل لائح في أمر من يتولى قيادتها من بعده ، ليكفل لها النجاة من الهلكة والهداية من الضلالة ما دامت سائرة على سنته ، وآخذه بشريعته ؟
  وهو القائل : قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلاّ هالك (2) .
  ولكنّها السياسة الرعناء مسخت العقول بطخية عمياء ، فهي لا تنظر بعين البصيرة إلى تلك الأدلّة الكثيرة التي حذّرت الاُمة من العواقب الوخيمة لمخالفتها الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في أوامره ونواهيه ، وتناست ما روته عنه ( صلى الله عليه وآله ) : لا ترجعوا بعدي كفاراً ...(3) .

---------------------------
(1) راجع كتاب علي إمام البررة 3 : 347 / 361 .
(2) المستدرك على الصحيحين 1 : 175 .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم باب بيان معنى قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ) 3 : 55 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 557 _

  وحسبنا أن نتبصر قوله تعالى : ( أفَمَنْ يَهْدِي إلَى الحَقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمَّنْ لا يَهِدِّي إلا أنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (1) وكتاب الله شاهد على هذه الاُمة ، كيف لا وقد جعله النبي ( صلى الله عليه وآله ) أحد خليفتين له فقال : إنّي تارك فيكم خليفتين : كتاب الله عزّ وجلّ حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض وهذا هو حديث الثقلين (2) .
  وأحاديث الحوض تكفي في التحذير من مغبة الخلاف في استحداث الأحداث ، التي أصابت المسلمين بانتكاسة بعد موته ( صلى الله عليه وآله ) ، فتنازعتهم الأهواء ، ولست أدعو إلى تحميل التاريخ ما لا يطيق ، ولا إلى تزييف الوقائع ، ولكنّي أدعو ـ والله شهيد على ما أقول ـ أن ننظر إلى ما حلّ بأهل البيت من الفجائع ، فنقول الحق من دون تمجيد الخالفين أو التنديد بالمخالفين ، ثم لنرجع البصر كرتين ، ونراجع الفكر مرتين ، لنرى أيّ الفريقين أهدى سبيلاً ، ولا نكون إلاّ كفقيه المستنصرية الذي اجتمع بالنقيب ابن طاووس الحسني في مشهد الإمامين الكاظم والجواد ( عليهما السلام ) فأبصره الحق فاستبصر ، وليكن حديثه مسك الختام ، فقد ذكره النقيب في كتابه كشف المحجة (3) ، قال رحمه الله تعالى يخاطب ولده :
  واعلم يا ولدي إنّي كنت في حضرة مولانا الكاظم ( عليه السلام ) والجواد ( عليه السلام ) ، فحضر فقيه من المستنصرية كان يتردد عليَّ قبل ذلك اليوم ، فلما رأيت وقت حضوره يحتمل المعارضة له في مذهبه ، قلت له : يا فلان ما تقول لو انّ فرساً لك ضاعت منك وتوصلت إلى ردها إليَّ ، أو فرساً لي ضاعت منّي وتوصلت في ردها إليك ، أما كان ذلك حسناً أو واجباً ؟

---------------------------
(1) يونس : 35 .
(2) الدر المنثور 2 : 285 .
(3) كشف المحجة : 76 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 558 _

  فقال : بلى .
  فقلت له : قد ضاع الهوى إمّا منّي وإمّا منك ، والمصلحة أن ننصف من أنفسنا ، وننظر ممن ضاع الهدى فنرده عليه .
  فقال : نعم .
  فقلت له : لا أحتج بما ينقله أصحابي لأنّهم متهمون عندك ، ولا تحتج بما ينقله أصحابك لأنّهم متهمون عندي أو على عقيدتي ، ولكن نحتج بالقرآن ، أو بالمجمع عليه من أصحابي وأصحابك ، أو بما رواه أصحابي لك ، وبما رواه أصحابك لي .
   فقال لي : هذا انصاف .
   فقلت له : ما تقول فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ؟ فقال : حق بغير شك .
  فقلت : فهل تعرف أنّ مسلماً روى في صحيحه عن زيد بن أرقم انّه قال ما معناه :
  انّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) خطبنا في ( خم ) فقال : أيّها الناس إنّي بشر يوشك أن أدعى فاُجيب ، وإنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، اذكركم الله في أهل بيتي ، اذكركم الله في أهل بيتي ، اذكركم الله في أهل بيتي (1) .
  فقال : هذا صحيح .
  فقلت : وتعرف انّ مسلماً روى في صحيحه في مسند عائشة أنّها روت عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) انّه لما نزلت آية : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (2) فجمع علياً وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، فقال : هؤلاء أهل بيتي (3) .

---------------------------
(1) صحيح مسلم 7 : 122 / 123 ، وتفسير ابن كثير 4 : 114 في سورة الشورى ، وراجع كتاب ( علي إمام البررة ) 1 : 292 .
(2) الأحزاب : 33 .
(3) صحيح مسلم 7 : 130 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 559 _

  فقال : نعم هذا صحيح .
  فقلت له : تعرف انّ البخاري ومسلماً رويا في صحيحيهما انّ الأنصار اجتمعت في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة ، وانّهم ما نفذوا إلى أبي بكر ولا عمر ، ولا إلى أحد من المهاجرين ، حتى جاء أبو بكر وعمر وأبو عبيدة لما بلغهم في اجتماعهم ، فقال لهم أبو بكر : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ـ يعني عمر وأبا عبيدة ـ فقال عمر :
  ما اتقدم عليك ، فبايعه عمر وبايعه من بايعه من الأنصار ، وانّ علياً ( عليه السلام ) وبني هاشم امتنعوا من المبايعة ستة أشهر (1) .
  وأنّ البخاري ومسلماً قال ـ فيما جمعه الحميدي من صحيحيهما _ : وكان لعليّ ( عليه السلام ) وجه بين الناس في حياة فاطمة ( عليها السلام ) فلما ماتت فاطمة ( عليها السلام ) بعد ستة أشهر من وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) انصرفت وجوه الناس عن علي ( عليه السلام ) ، فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه خرج إلى مصالحة أبي بكر (2) !
  فقال : هذا صحيح .
  فقلت له : ما تقول في بيعة تخلف عنها أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذين قال عنهم انّهم الخلف من بعده وكتاب الله جل جلاله ، وقال ( صلى الله عليه وآله ) فيهم : اُذكركم الله في أهل بيتي ، وقال عنهم انّهم الذين نزلت فيهم آية الطهارة ، وانّهم ما تأخروا مدة يسيرة حتى يقال انّهم تأخروا لبعض الاشتغال ، وإنّما كان التأخر للطعن في خلافة أبي بكر بغير إشكال في مدة ستة أشهر ، ولو كان الإنسان تأخر عن غضب برد غضبه ، أو عن شبهة زالت شبهته بدون هذه المدة ، وانّه ما صالح أبا بكر على مقتضى حديث البخاري ومسلم إلاّ لما ماتت فاطمة ( عليهما السلام ) ورأي انصراف وجوه الناس عنه خرج عند ذلك إلى المصالحة ، وهذه صورة حال تدل على انّه ما بايع

---------------------------
(1) راجع ما ذكره البخاري ومسلم في النصوص التي مر ذكرها عنهما .
(2) تقدم ذلك عن البخاري وغيره ، راجع النصوص التي مرت آنفاً .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 560 _

  مختاراً ، وانّ البخاري ومسلماً رويا في هذا الحديث ، انّه ما بايع أحد من بني هاشم حتى بايع علي ( عليه السلام ) !
  فقال : ما اقدم على الطعن في شيء قد عمله السلف والصحابة .
  فقلت له : فهذا القرآن يشهد بأنّهم عملوا في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو يرجى ويخاف ، والوحي ينزل عليه بأسرارهم في حال الخوف وفي حال الأمن وحال الصحة والإيثار عليه ما لا يقدروا أن يجحدوا الطعن عليهم به ، وإذا جاز منهم في حياته وهو يرجى ويخاف ، فقد صاروا أقرب إلى مخالفته بعد وفاته ، وقد انقطع الرجاء والخوف منه وزال الوحي عنه .
  فقال : في أيّ موضع من القرآن ؟
  فقلت : قال الله جل جلاله في مخالفتهم في الخوف : ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ) (1) فروى أصحاب التواريخ انّه لم يبق معه إلاّ ثمانية أنفس ، علي ، والعباس ، والفضل ، وربيعة ، وأبو سفيان ابنا الحارث بن عبدالمطلب ، واُسامة بن زيد ، وعبيدة بن اُم أيمن ، وروي أيمن بن اُم أيمن (2) .
  وقال الله جل جلاله في مخالفتهم له في الأمن : ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (3) .
  فذكر جماعة من المؤرخين انّه كان يخطب يوم الجمعة ، فبلغهم أنّ جمالاً جاءت لبعض الصحابة من مزينة ، فسارعوا إلى مشاهدتها وتركوه قائماً ، وما كان

---------------------------
(1) التوبة : 25 .
(2) راجع كتاب علي إمام البررة 3 : 190 .
(3) الجمعة : 11 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 561 _

  عند الجمال شيء يرجون الانتفاع به ، فما ظنّك بهم إذا حصلت خلافة يرجون نفعها ورياستها ؟
  وقال الله تعالى في سوء صحبتهم ما قال الله جل جلاله : ( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) (1) .
  ولو كانوا معذورين في سوء صحبتهم ما قال الله جل جلاله : ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) وقد عرفت في صحيحي مسلم والبخاري معارضتهم للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في غنيمة هوازن لما اُعطي المؤلّفة قلوبهم أكثر منهم (2) .
  ومعارضتهم له لما عفا عن أهل مكة ، وتركه تغيير الكعبة واعادتها إلى ما كانت في زمن إبراهيم ( عليه السلام ) خوفاً من معارضتهم له (3) ، ومعارضتهم له لما خطب في تنزيه صفوان بن المعطل لما قذف عائشة ، وانّه ما قدر أن يتم الخطبة (4) ، أتعرف هذا جميعه في صحيحي مسلم والبخاري ؟
  فقال : هذا صحيح .
  فقلت : وقال الله جل جلاله في ايثارهم عليه القليل من الدنيا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ) (5) وقد عرفت انّهم امتنعوا من مناجاته ومحادثته لأجل التصدق برغيف وما دونه ، حتى تصدّق علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بعشرة دراهم عن عشر دفعات ناجاه

---------------------------
(1) آل عمران : 159 .
(2) راجع سيرة ابن هشام 2 : 499 .
(3) المصدر نفسه 2 : 300 / 301 .
(4) المصدر نفسه .
(5) المجادلة : 12 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 562 _

  فيها ، ثم نسخت الآية بعد أن صارت عاراً عليهم ، وفضيحة إلى يوم القيامة بقوله جل جلاله : ( ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ) (1) .
  فإذا حضرت يوم القيامة بين يدي الله جل جلاله وبين يدي رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال لك : كيف جاز لك أن تقلد قوماً في عملهم وفعلهم وقد عرفت منهم مثل هذه الاُمور الهائلة ، فأيّ عذر وأيّ حجة تبقى لك عند الله وعند رسوله في تقليدهم ، فبهت وحار حيرة عظيمة .
  فقلت له : أما تعرف في صحيحي البخاري ومسلم في مسند جابر بن سمرة وغيره انّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال في عدة أحاديث : لا يزال هذا الدين عزيزاً ما وليهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش (2) .
  وفي بعض أحاديثه عليه وآله السلام من الصحيحين : لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنى عشر خليفة كلهم من قريش (3) .
  وأمثال هذه الألفاظ كلها تتضمن هذا العدد الاثني عشر ، فهل تعرف في الإسلام فرقة تعتقد هذا العدد غير الإمامية الاثني عشرية ، فإن كانت هذه أحاديث صحيحة كما شرطت على نفسك في تصحيح ما نقله البخاري ومسلم ، فهذه مصححة لعقيدة الإمامية ، وشاهد بصدق ما رواه سلفهم ، وإن كانت كذباً فلأيّ حال رويتموها في صحاحكم ؟
  فقال : ما أصنع بما رواه البخاري ومسلم من تزكيته أبي بكر وعمر وعثمان ، وتزكية تابعهم ؟

---------------------------
(1) المجادلة : 13 .
(2) صحيح مسلم ، باب الناس تبع لقريش ، ومسند أحمد 5 : 98 ، وفتح الباري 13 : 211 .
(3) صحيح مسلم كتاب الامارة، وفتح الباري 13 : 211 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 563 _

  فقلت له : أنت تعرف انّني شرطت عليك أن لا تحتج عليَّ بما ينفرد به أصحابك ، وأنت أعرف انّ الإنسان ولو كان من أعظم أهل العدالة بمهما شهد من الاُمور مما يقبل فيه شهادة أمثاله قبلت شهادته ، والبخاري ومسلم يعتقدان إمامة هؤلاء القوم ، فشهادتهم شهادة بعقيدة نفوسهم ، ونصرة لرياستهم ومنزلتهم .
  فقال : والله ما بيني وبين الحق عداوة ، ما هذا إلاّ واضح لا شبهة فيه ، وأنا أتوب إلى الله تعالى بما كنت عليه من الاعتقاد ...
  قال السيد النقيب : فلما فرغ من شرط التوبة إذا رجل من ورائي قد أكبّ على يدي يقبّلها ويبكي ، فقلت من أنت ؟
  فقال : ما عليك اسمي ، فاجتهدت به حتى قلت : فأنت الآن صديق أو صاحب حق ، فكيف يحسن لي أن لا أعرف صديقي وصاحب حق عليَّ لاُكافيه ، فامتنع من تعريف اسمه ، فسألت الفقيه الذي في المستنصرية فقال : هذا فلان ابن فلان من فقهاء النظامية ، سهوت عن اسمه الآن .
  وبهذا أنهى السيد ابن طاووس كلامه ، فرحمة الله عليه وأعلا مقامه .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 564 _

  دمعة ولاء حمراء على المحسن حبيب الزهراء ( عليها السلام )
(  للمحسن  السقط  )  حقٌ لو iiتوفّيه      (  فالمحسن  السبط  ) مظلوم iiلتبكيه
  ميلاده   كان   رزءاً   حين   iiنذكره      للمصطفى     جدّهِ     حقاً    iiنعزّيه
  فابن   البتولة   لا   ذكرى  تقامُ  iiله      ورزؤه   رزؤها   مذ   أُثكلت   iiفيه
  مولى  هو  الفذ  في  الدنيا  iiبأجمعها      فلا     شبيه    له    فيها    iiيوازيه
  في  أشهر  الحمل  ستاً  نيّفت iiفعلت      على   السنين   جهاداً  حيث  iiترويه
  من يومه بان وجه الزيف في صُحفٍ      تُملى   وتُتلى   كما   يرويه   iiراويه
  لولا    رزيّته   في   يوم   iiهجمتهم      لم  يعرف  الناس  مولى  من iiأعاديه
* * *
إيهاً   بني   لُحمة  التاريخ  iiنوّلها      نيل    الولاة    وأيديكم    iiتسدّيه
  ماذا  جرى رحلة المختار iiمبدؤها      أين  انتهت ؟  آخر  الأنباء iiتحكيه
  فقلتمُ  غاب  صحبٌ  عن iiجنازته      فأين  راحوا ؟  ولم غابوا ؟ iiلنرويه
  تصاهلت  زمرُ الأطماع في iiزجل      لخدمة   الحكم   تشويهاً   iiبتمويه
  وكان    للأصفر   الرنّان   iiرنّته      عجينة   الفكر   مطبوعاً  بتشويه
  فربّما   حَدَثٌ   قد   جاء   iiمبتراً      لموقف  الحق  عن  عمدٍ  ليطويه
  قالوا   بنو  قيلة  ضمّت  iiسقيفتهم      عناصر   الشر  إذ  سعداً  iiتناحيه
  فأسرع   النفر   الثالوث  iiمقتنصاً      طيرَ الشواهين ما اصطادت لتلقيه

المحسن السبط مولود أم سقط _ 565 _

وقد  جرى  ما  جرى والكلّ iiيعلمه      علم   اليقين   بلا  زيف  iiوترويه
  إنّ  الأولى  أسرعوا  عافوا  iiنبيّهمُ      لم  يحضروا الغسل لا دفناً iiيواريه
  من  ذا  تولّى ؟  لذا  قالت iiروايتكم      ما  كان  غير  أبي السبطين iiيكفيه
  قلتم   عليٌ  وأهلوه  به  iiاضطلعوا      نفسي    فداء    عليٍ   ثم   iiأهليه
  ما  بارحوا  حجرة  طابت iiمعالمُها      وطاب  تربٌ  أجنّ المصطفى iiفيه
  وخيّم  الحزنُ  في  الأجواء  iiجلّله      خوف  الغزاة  لبيت  مَن  يحاميه ؟
  إذ أضمروا الحقد في غلواء أنفسهم      أنّى   عليٌّ   له   المختار   iiيعليه
  منذ  الغدير  فقد  جاشت  iiمراجلهم      واستضعفوا حيدراً مذ غاب iiحاميه
  شاهت  وجوههم  رغماً  iiمعاطسهم      لولا   الوصية  مَن  يقوى  iiيدانيه
* * *
يا  ( محسن السقط ) في الدنيا iiونرثيه      أنت  (  المحسَّن ) في الأخرى iiنرجّيه
  حدّث      فديتك     مظلوماً     iiأفدّيه      سِفر    الشهادة   بدءاً   أنت   iiترويه
  ياثالثاً     شرف    الأسباط    iiسابقها      سبق    الشهادة    جلّى   في   iiمعاليه
  ياأولاً     لضحايا     العُنف    iiأسّسه      حكمُ   الأولى  لم  تزل  تترى  iiتواليه
  يامنية    العمر    عند    الأم   iiترقبه      كيما      تهدهده      مهداً     iiتناغيه
  فصرت   أول   مظلوم   قضيت  وقد      نلت    الشهادة    حملاً   شُلّ   iiجانيه
  حدث   فديتك   بعض   النثّ   iiتبديه      ليكشف   الزيف   ما  التاريخ  iiيطويه
  ماذا  لقيت  من  الأصحاب  حين iiأتوا      صحابةٌ     ظلمت     جَداً    iiذراريه
  جاءت     لبيتكمُ     تغلي    iiمراجلُها      وألقت   الجزلَ   عند   الباب  iiتوريه
  خابت  ظنون  بني  الأحقاد إذ iiحسبت      بجمرة    الحقدِ    نور    الله   iiتطفيه
  وجاوزوا الحدّ ضرب الطهر سوط جفا      وعصرَها    لَمصابٌ    أنت   iiتدريه
  فأسقطتك   على   الترباء   من  iiوَجَلٍ      بزحم      قنفذ      ياويلي     iiمَواليه
  يابن     البتولة     والجلى    iiتؤرّقها      قد   هدّ   حملُك   من  صبرٍ  iiرواسيه

المحسن السبط مولود أم سقط _ 566 _

عمرٌ  من  الحمل ماتمت iiكواملُه      فأسقطته   لدى   الأعتاب  iiتلقيه
  كانت  تؤمّل  أن  يبقى  iiليؤنسها      في  وحشة الليل إذ يبكي iiتناغيه
  كانت ترجّى بك الزهراء مؤنسها      فخاب  ظنٌ  وكان  الحزنُ  تاليه
* * *
ياثاوياً   جَدَثاً   ضاعت   iiمعالمه      في  تربة البيت ربّ البيت iiيدريه
  إن ضاع قبرك في الأجداث إنّ له      من   قلب  كل  وليّ  مشهداً  iiفيه
  واسيت   أمَك   فيما  قد  ألمّ  iiبها      حتى   بقبرك   إذ  تخفى  iiمغانيه
  روحي  فداك  فأين  القبر iiضمكما      بيتٌ  فقدّس  ربّ  العرش  iiثاويه
  نفتّ    أكبادنا    حزناً    iiليومكمُ      ماقيمة   الدمع   طوفاناً   iiونذريه
  تلكم   قلوبٌ  تلظّت  في  iiمحبتكم      تُجنّ     حبّكمُ    طوراً    وتبديه
* * *
ياسيدي  وعزائي  اليوم  iiمنصرفٌ      للخمسة   الصيد   إذ   كلاً  iiنعزّيه
  للمصطفى جدكم نزجي العزاء أسىً      والمرتضى  أبداً  في  الفضل iiتاليه
  نفس    النبي   بآيٍ   أنزلت   فيه      من   ذا  يقاس  به  فضلاً  iiيوازيه
  وأنزل   الوحيُ  هاروناً  له  iiشبهاً      سماكمُ    باسم    ابناه    لما   iiفيه
  فشابه  الغدر  وصفاً  في  iiصحابته      قوم  ابن عمران إذ خانوه في iiالتيه
  ثمّ   العزاء   لطهر  كنت  iiتؤنسها      حملاً  خفيفاً  وجلّ  الخطبُ ما iiفيه
  بعدُ   العزاء   لسبطي  أحمد  iiفهما      كانا   الشقيقين   في  اسم  iiوتشبيه
* * *
ياسادتي  وحديث  السقط iiترويه      مصادرٌ  لجلجت  عمداً  iiبتمويه
  كم  حاول  القومُ إنكاراً iiلمحسننا      تخال  غاشية  الأضواء  iiتخفيه
  تسهّموه   بأقوال   لهم   iiنُجمت      عن  سرّ  فعل لأشياخ الجفا فيه
  فأنكروا   ذكره   طوراً  iiبرمّته      ودمدموا  مثل  مخبولٍ  iiومعتوه
  وقال  قومٌ  فذا قدمات في صِغرٍ      أنّى ؟ وكيف ؟ بذا ضاعت معانيه

المحسن السبط مولود أم سقط _ 567 _

وقارب     الحقَ     من    أبدى    iiحقيقته      فذاك     سقط     له     الزهراء     iiتلقيه
  وأمطروا      ساحة      التاريخ     iiكذبهمُ      غطّى    النجودَ    فغطّى    الكذبُ   iiواديه
  وباع      للحاكم      النوكى     iiضمائرهم      فقدّسوا       ذكره       الجاني      iiبتنزيه
  فأهملوا     ما     جرى    ستراً    iiلشُنعته      إذ    أنكروا    ما    إله    الخلق    iiمبديه
  وضيّعت      محسناً      بغضاً      iiلوالده      وجاوزت      حقدها      حتى      iiتعاديه
  وهكذا       جاء       تاريخ      iiصحائفُه      تتلى     وتكتب     في     أقلام     iiممليه
  فاستنطقوا ( المحسن ) المظلوم كيف قضى ؟      من   ذا   الذي   باء   وزراً  من  iiأعاديه ؟
  سلوا   (   المحسّن  )  عما  دار  في  iiفلك      بعد    السقوط    فمن    قد   كان   جانيه ؟
  لا     تأمنوا     حَدَث     التاريخ    iiتكتبه      زعانفُ       الحكم      توحيه      iiوتمليه
  واستنبطوا    النص    كشفاً   عن   iiدلالته      وأعملوا     الفكر    في    شتى    iiنواحيه
  لا     تخدعوا     بحديث     شاده     iiسندٌ      فربّ        آفة        إسنادٍ        iiلراويه
* * *
يا ( محسن السبط ) ما زالت ظلامتكم      في  (  محسن السقط ) عنواناً iiوتبديه
  كم  محسن  من  بني الزهراء iiأسقطه      حقدُ    العداة    له   التاريخ   iiيخفيه
  فابن    البتولة    قدماً   مرّ   مسقطهُ      وقد    أصات    نعاء    الاُم   iiتبكيه
  (  تقول  ياوالدي  ضاق  الخناق  iiبنا      لما  مضيت  )  وباقي  البيت  iiترويه
  وابن   الحسين   سميٌّ  كان  iiمسقطه      مثل    السميّ    شبيهٌ   في   iiمآسيه
  فأمه    سُبيت    في    أسر   طاغيةٍ      إلى    الشئام   لدى   الشهباء   iiتلقيه
  لكنّ    هذا   وإن   عزّت   iiمصيبته      ما   زال   مشهده   الإملاك   iiتحميه
  يزوره     الناس     إيماناً     iiببقعته      بالغرب   من   حَلَبٍ   بالشوق  iiتأتيه
  لكنما     عمّه     ضاعت     iiمعالمه      فضوّع   المسكَ   في   أخبار  iiراويه
  فاستنشق   العطر   من  ريّا  iiمعطّره      وأمطرت     لؤلواً    حرّى    iiمآقيه

المحسن السبط مولود أم سقط _ 568 _

يا  (  محسنَين ) فعذراً إنّني iiكلف      مستنطق   زبر   التاريخ  ما  فيه
  هل  كان  حقاً  لنا  التاريخ يرويه      كلاكما   كان  سقطاً  من  أعاديه ؟
  فربما    انبثقت    عفواً   iiروايته      عن  وجه  حق فذاك الحق iiيحميه
  وتلك     فلتة    إنسان    iiيسجلها      في  صحوة من ضمير فيه ما iiفيه
  قالوا  بأنّ  البتول  الطهر  لطمتها      أصابت   القُرط   فانداحت  لئاليه
  قالوا  لنا  حيدرٌ  قد  قيد iiمضطهداً      قسراً  بحبل  وتاج  الرأس  iiيلويه
  وقد رووا صرخة السبطين يشفعها      رنين    فاطمة   الزهراء   iiتبكيه
  فكل  هذا  جرى  والخصم iiيرويه      ويبتغي     سفهاً     منّا    iiنواليه
  ونحن   حجتنا   قول  النبي  iiلهم      والوا   علياً  وعادوا  من  iiيعاديه
* * *
ياسيدي   وختام   الشعر   iiمعتذراً      أتيت   أنفث   وجدي  في  iiقوافيه
  من طيب شهد علاك استاف عنبره      فاقبل    فديتك    مشتاراً   iiفتوفيه
  فأنت   أول   من   يشكو   iiلخالقه      من  زحم  قنفذ في الأخرى iiيشكّيه
  لن  يذهبن  دمكم  طلاّ  ً  بلا  ترةٍ      فسوف   يأتي  الذي  دوماً  نرجّيه
  فاشفع   فديتك   في   عبد  iiيحبكمُ      ويرتجي    زلفةً   ترقى   iiمراقيه
  ويحسن  الله  في  الأخرى iiمثوبته      ويبدل    الله   بالحسنى   iiمساويه
* * *
  8 / جمادى الثاني / 1425 هـ 94 بيتاً

المحسن السبط مولود أم سقط _ 569 _

  تاريخ وضع ( اللمسات الأخيرة ) على كتاب ( المحسن ) تفضل به السيد الجليل العلاّمة السيد عبد الستار الحسني أحسن الله جزاه ، وله منّي جزيل الشكر ووافر الدعاء :
مَــهْــدِيُّ آلِ مُـحَـمَّـدٍ iiآثـــارُهُ      لِـذَوَي  الـهُدى وَالْـعِلْم ِ قُـرَّةُ iiأَعْـيُنِ
( صُـحُفٌ مُـطَهَّرَةٌ )حَـوَتْ فِـي طَيِّها      آيــاً  لِـمُـلْتَمِسِ الـصِّـراطِ iiالْـبَيِّنِ
رَشَـحـاتُ مِـرْقَـمِهِ نَـطَقْنَ iiشَـواهِداً      بَ  ( الأَوْحَـدِيَّةِ ) فِـيَ رقِـيْم ِ iiالأَزْمُنِ
عَـلَمُ  الـشَّرِيْعَةِ مِـقْوَلُ الْـحَقِّ iiالّـذي      بِـيَمِيْنِهِ  صَـرْحُ الْـمَعارِفِ قَـدْ iiبُـنِيْ
إِنْ  كُـنْـتُ أَدَّخِــرُ الْــولاءِ iiلِـمِثْلهِ      وَأَرى مَــوَدَّتَـهُ شِــعـارَ iiتَـدَيُّـني
فَـمَوَدَّةُ  ( الأَشـرافِ ) غـايَةُ iiمَـأْرَبي      أَبَــداً ، وَحُـبُّ بَـني الـنُّبُوَّةِ iiدَيْـدَني
وولائــيَ ( الْـمَهْدِيَّ ) ضَـرْبَةُ iiلازَبٍ      كَــولاءِ عِـتـرَةِ أَحْـمَـدَ الْـمُـتَعَيّنِ
فَـإلَـيْهِمُ ضَـرَبَـتْ بِــهِ iiأَعْـراقُـهُ      فَـهُوَ  الْـهِجانُ الـمَحْضُ غَـيْرُ iiمُهَجَّنِ
لِـلّهِ  مِـنْ خَـوّاضِ عِـلْم ٍ لـيس iiيَسْ      أَمُ  فــي تَـتَـبُّعِهِ الْـحَثِيْثِ وَلا iiيَـنيْ
وَالْـيَـوْمَ وافـانـا بـأَكْـرَم ِ iiتُـحْـفَةٍ      مِـنْ رَوْضِـهِ الْـمُزْدانِ بـالثَّمَر iiالْجَنيْ
عَـنْ  ( مُحْسِنٍ ) نَجْلِ الْبَتُولِ أَفاضَ iiفِي      أَبْـحـاثِـهِ بِـعَـزِيْـمَةٍ لا iiتَـنْـثَـنِيْ
وَأَقــامَ  فِـي الْـتَحقِيقِ غُـرَّ شَـواهِدٍ      تَشْدُو بِتَقْرِيْظٍ لِمَنْهَجِهِ السَّنِيْ هُوَ إِنْ نَطَقْتَ
( مُــحَـسِّـنٌ ) أَوْ ( مُــحْـسِـنٌ ii)      فَـكِـلاهُمَا نُـقِـلا بِـضَـبْطٍ iiمُـتْـقَنِ
لـكنّما  ( الـتخفيفُ ) شـاعَ وَلَـمْ iiيَكُنْ      يَـوْمَـاً  لِـيُـنْكِرَهُ فِـصـاحُ iiالأَلْـسٌنِ
(  سَُِـقطٌ )(1)   بِـهِ زادَتْ ظُـلامَةُ iiأُمِّهِ      عُـظْماً  ، وَكُـدِّرَ بَـعْدَهُ الْـعَيْشُ iiالْهَنِيْ
وَبِـمُقْتَضى ( الإلْـزام ِ ) جـاءَ حَـدِيْثُهُ      ( مُـتَـشَيِّعٌ ) يَـرْوِيْهِ عَـنْ ( iiمُـتَسَنِّنِ
* * *

---------------------------
(1) وَضَعْتُ الحركاتَ الثَّلاثَ على كلمة ( سَُِقط ) لأنَّهُ مُثَلَّثُ الْسِّيْنِ .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 570 _

َعْـظِـمْ  بِــهِ سِـفْراً سَـما iiبِـحَقائِقٍ      مِـنْ  قَـبْلِهِ لِـذَوِي الـنُّهى لَـمْ iiتُـعْلَنِ
رَقَـمَـتْ صَـحـائِفَهُ يَـراعَـةُ iiعَـيْلَمٍ      فَـأَتـى كَـعِـقْدٍ بـالـنُّضارِ iiمُـزَيَّـنِ
( فَـنُّ الـحِجاج ) بِما حَوى اقْتَعَدَ iiالذّرى      ِحَـصِـيْفِ  فِـكْرِ الْـنَّيْقَدِ ( الْـمُتَفَنِّنِ ii)
أَوْفـى عـلى ( الأَسْـفارِ ) فـي iiإسْفارِهِ      ب  إِذْ لاحَ شَـمْـسَ هِـدايَـةٍ iiلِـلْمُوقِنِ
وَبِ ( باءِ ) ( بِسْم ِ اللّهِ ... ) أَرَّخْناهُ : قَدْ      أَحْـيى  (1) لَـنا الْمَهْدِيُ ذِكْرى iiالْمُحْسِن
   104 = 29 / 81 / 90 / 930 / 189
  وكنت قد قلتُ بعد قولي : ( أوفي أعلى الأسفار ... ) سنة 1425 هـ :
ومُذِ ازْدَهَتْ للناظرين iiفصولُهُ      وَتَدَفَّقَتْ  بعطائها  الثّرِّ iiالْغني
  بأئمة   الثَقَلَين  أرّخْناهُ  :  iiقد      أَحْيى لنا المهديُّ ذِكْرَ المُحْسِنِ
  12 / 104 = 29 / 81 / 90 / 930 / 189
  وأنتم تختارون ما يقع عليه الإختيار .

---------------------------
(1) أحيى يحيي مثل ألقى يُلقي ألِفُهُ منقلبة عن ( ياء ) فتكتب ألِفُهُ الأخيرةُ على صورةِ الياء وإن شاع على اسلات الأقلام كتابته بالألف ( أحيا ) .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 571 _

  الملاحق :
  الملحق الأول : حول نسبة كتابة الإمامة والسياسة إلى ابن قتيبة
  الملحق الثاني : كتاب المعارف لابن قتيبة وما لحقه من تحريف وتخريف
  الملحق الثالث : المحسن بن الحسين ( عليه السلام )

المحسن السبط مولود أم سقط _ 573 _

الملحق الأول : حول نسبة كتابة ( الإمامة والسياسة ) إلى ابن قتيبة :

  إنّ نسبة أيّ كتاب كان إلى مؤلف مخصوص لا تأتي اعتباطاً ، وشهرة النسبة تستبعد كثيراً من الاحتمالات المشككة ، وإذا كانت هناك مؤشرات ثبوتية يقوي بعضها بعضاً ، تحصل القناعة لدى من يرى صحة النسبة .
  أمّا الذين تستحكم في نفوسهم شبهة عدم النسبة فلهم رأيهم ، والناس أحرار في آرائهم ، ولما كان كتاب ( الإمامة والسياسة ) لابن قتيبة من تلك الكتب التي حامت حوله الشبهة في صحة النسبة إلى ابن قتيبة ، وشكك غير واحد في صحة ذلك ، وأبدوا ملاحظات تمسكوا بها ، وبعضها لا يخلو من مناقشة كما سيأتي بيان ذلك .
  وأول من أعلن تشكيكه ، بل نفى النسبة هو ( غاينفوس المجريطي ) ذكر ذلك في صدر كتابه عن الأندلس في سنة ( 1881م ) ثم تبعه دوزي وآخرون (1) .
  وساقوا أدلّة على ما يقولون ، نلخصها في النقاط العشر التالية :
  1 ـ لم يذكره أحد ممن ترجم لابن قتيبة انّه له .
  2 ـ ذكر في الكتاب فتح الأندلس نقلاً عمن شاهد ذلك ، وكان الفتح في سنة/ 92 قبل مولد ابن قتيبة بنحو مائة وعشرين سنة .
  3 ـ ورد في الكتاب خبر يوهم بأن أبا العباس والسفاح شخصيتان متغايرتان ، كما ورد فيه : ان للمهدي ولد اسمه عبد الله ، وانّه هو الذي سمّه .

---------------------------
(1) شاكر مصطفى في كتابه التاريخ العربي والمؤرخون 1 : 241 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 574 _

  4 ـ في الكتاب مزيد عناية بأخبار الأندلس ، لم يكن لابن قتيبة ولا لغيره من معاصريه في العراق سبيل إلى معرفتها .
  5 ـ لم يرد ذكر أحد من شيوخ ابن قتيبة الذي يروي عنهم عادة في كتبه .
  6 ـ المؤلف مالكي الهوى والمذهب ، بينما كان ابن قتيبة حنفياً .
  7 ـ يظهر من المؤلّف انّه كان مقيماً بدمشق ، وابن قتيبة لم ير هذه المدينة .
  8 ـ في الكتاب رواية عن أبي يعلى محمد بن عبد الرحمن الأنصاري المتوفى سنة 146 هـ قبل ولادة ابن قتيبة بخمس وستين سنة .
  9 ـ ورد في الكتاب ذكر ( مراكش ) وفتح موسى بن نصير لها ،وهي بناها يوسف بن تاشفين سنة/ 454 هـ .
  10 ـ وأخيراً مغايرة أسلوب الكتاب لمألوف أسلوب ابن قتيبة .
  هذه هي الشبهات التي ساقها المشككون ، وبالأحرى النافون نسبة الكتاب لابن قتيبة ، وقد ذكرها الدكتور شاكر مصطفى في كتابه ( التاريخ العربي والمؤرخون ) (1) ، وأخذ بعضها الدكتور ثروت عكاشة في مقدمة كتاب ( المعارف ) لابن قتيبة حيث تولى كبر تحقيقه ، وستأتي بعض الملاحظات على تحقيقه لذلك الكتاب ( مقدمة ومتناً وفهرسة ) في الملحق الثاني ، وسيطلع القارئ على نماذج تثبت عن أنّ الرجل لم يكن فارس ميدانه ، بل كان راجلاً ومتعثراً في خطاه .
  ونعود إلى النقاط التي ذكرت حول نفي النسبة ، فإنّ بعضها لا يخلو من مناقشة .
   فمثلاً ما ذكر أولاً من عدم ذكر مترجمي ابن قتيبة لهذا الكتاب بانّه له ، فكم له من نظير ، ولا عجب بعد أن نقرأ ما قاله النووي ( ت 676 هـ ) في تهذيب الأسماء واللغات (2) عند ذكره :

---------------------------
(1) التاريخ العربي والمؤرخون 1 : 241 / 242 .
(2) تهذيب الأسماء واللغات 2 : 281 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 575 _

  ( القتُبي ـ مذكور في المهذب والوسيط (1) في كتاب الوقف ، ثم في أول كتاب العدد من المهذب ـ بضم القاف وفتح التاء بعدها موحدة ـ وهو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، الكاتب اللغوي الفاضل في علوم كثيرة ، سكن بغداد وله مصنفات كثيرة جداً ، رأيت فهرستها ، ونسيت عددها ، أظنها تزيد على ستين مصنفاً في أنواع العلوم ... ) .
  فإذا كان مثل النووي في إحاطته بترجمة ابن قتيبة يقول هذا ، وهو أقرب زماناً ومكاناً إلى ابن قتيبة من المستشرق ( غاينفوس المجريطي ) فالأولى بنا أن نصدّقه في ذكره كثرة مصنفات ابن قتيبة في علوم شتى ، وأحرى بنا أيضاً أن نصدّقه في رؤيته فهرست تلك المصنّفات حتى ظن انّها تزيد على ستين مصنفاً ، ولا نأسف على نسيانه حقيقة العدد ، كما نأسف على عدم ذكره جميع ما بقي على ذُكر من اسمه ، لكنه ذكر ما رآه فقط فقال :
  ( فمن كتبه التي رأيتها غريب القرآن ، ومشكل القرآن ، وغريب الحديث ، ومختلف الحديث ، وأدب الكاتب ، والمعارف ، وعيون الأخبار ...) .
  وهذا الذي رآه لا يدل على عدم صحة نسبة كتاب ( الإمامة والسياسة ) لعدم ذكره ، فالرجل ذكر ما رآه من كتبه وهي سبعة ، وأما ما لم يره فلم يذكره ، وليكن كتاب ( الإمامة والسياسة ) من ذلك الكم الكثير الذي لم يره .
  وهذا النسيان الذي اعتذر به محتمل عند غيره من قدامى مترجمي ابن قتيبة إذا أحسنّا الظن بهم ، فلم يذكروا كتاب ( الإمامة والسياسة ) ، و لم يكن إهمالهم لذكره عن سوء نيّة وخبث طوية ، لأنّ في الكتاب ما لا يعجبهم ذكره من أحداث وقعت في صدر الإسلام ، فهذا ابن خلدون ( ت 808 هـ ) غمز من قناة ابن قتيبة على

---------------------------
(1) من كتب الفقه الشافعي .