الفهرس العام

المسألة الاُولى
مصادرة ملك الزهراء (عليها السلام) وتكذيبها


  وإنّنا نعتقد بأنّ تكذيب الزهراء (عليها السلام) من أعظم المصائب ، ينقل عن بعض كبار فقهائنا أنّ أحد الخطباء في أيام مصيبة الحسين (عليه السلام) قرأ جملة : « دخلت زينب على ابن زياد » وأراد أن يشرح ذلك الموقف ، فأشار إليه الفقيه الكبير الحاضر في المجلس بالصبر وبالتوقف عن قراءة بقية الرواية، قال : لانّا نريد أن نؤدّي حقّ هذه الجملة : « دخلت زينب على ابن زياد » وهذه مصيبة ، وما أعظمها !! دخلت زينب على ابن زياد !!
  مجرّد تكذيب الزهراء سلام الله عليها وعدم قبول قولها مصيبة ما أعظمها ، ليست القضية قضية فدك ، ليست المسألة مسألة أرض وملك ، إنّما القضية ظلم الزهراء سلام الله عليها وتضييع حقّها ، وعدم إكرامها ، وإيذائها وإغضابها وتكذيبها ، ولاحظوا خلاصة

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 46 _

  القضية أنقلها كما في المصادر المهمة المعتبرة :
  أوّلاً:
  لقد كانت فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنّ رسول الله أعطى فاطمة فدكاً ، فكانت فدك عطية من رسول الله لفاطمة .
  وهذا الامر موجود في كتب الفريقين .
  أمّا من أهل السنة : فقد أخرج البزّار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لمّا نزلت الاية ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاطمة فأعطاها فدكاً .
  وهذا الحديث أيضاً مروي عن ابن عباس.
  تجدون هذا الحديث عن هؤلاء الكبار وأعاظم المحدّثين في الدر المنثور (1) .
  ومن رواته أيضاً : الحاكم ، والطبراني ، وابن النجار ، والهيثمي ، والذهبي ، والسيوطي ، والمتقي وغيرهم .
  ومن رواته : ابن أبي حاتم ، حيث يروي هذا الخبر في تفسيره ، ذلك التفسير الذي نصّ ابن تيميّة في منهاج السنة على أنّه خال من الموضوعات (2) ، تفسير ابن أبي حاتم في نظر ابن تيميّة خال من

---------------------------
(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 4 / 177 .
(2) منهاج السنّة 7 / 13 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 47 _

  الموضوعات ، فهؤلاء عدّة من رواة هذا الخبر .
  وقد أقرّ بكون فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول الله، وأنّ فدكاً كانت عطيةً منه (صلى الله عليه وآله وسلم) للزهراء البتول ، غير واحد من أعلام العلماء ، ونصّوا على هذا المطلب ، منهم : سعد الدين التفتازاني ، ومنهم ابن حجر المكي في الصواعق ، يقول صاحب الصواعق : إنّ أبا بكر انتزع من فاطمة فدكاً (1) .
  فكانت فدك بيد الزهراء وانتزعها أبو بكر .
  فلماذا انتزعها ؟ وبأيّ وجه ؟ لنفرض أنّ أبا بكر كان جاهلاً بأنّ الرسول أعطاها وملّكها ووهبها فدكاً ، فهلاّ كان عليه أن يسألها قبل الانتزاع منها ؟
  وثانياً :
  لو كان أبو بكر جاهلاً بكون فدك ملكاً لها ، فهل كان يجوز له أنْ يطالبها بالبيّنة على كونها مالكة لفدك ؟ إنّ هذا خلاف القاعدة ، وعلى فرض أنّه كان له الحق في أنْ يطالبها البيّنة على كونها مالكة لفدك ، فقد شهد أمير المؤمنين سلام الله عليه ، ولماذا لم تقبل شهادة أمير المؤمنين ؟ قالوا : كان من اجتهاده عدم كفاية الشاهد الواحد وإنْ علم صدقه !
  لاحظوا كتبهم ، فهم عندما يريدون أن يدافعوا عن أبي بكر

---------------------------
(1) الصواعق المحرقة : 31 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 48 _

  يقولون : لعلّه كان من اجتهاده عدم قبول الشاهد الواحد وإن كان يعلم بصدق هذا الشاهد (1) .
  نقول : لكنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل شهادة الواحد ـ وهو خزيمة ذو الشهادتين ـ وخبره موجود في كتب الفريقين ، بل إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قضى بشاهد واحد فقط في قضية وكان الشاهد الواحد عبدالله بن عمر ، وهذا الخبر موجود في صحيح البخاري وإنّه في جامع الاصول لابن الاثير : قضى بشهادة واحد وهو عبدالله بن عمر (2) .
  أكان علي في نظر أبي بكر أقل من عبدالله بن عمر في نظر النبي ؟
  وثالثاً :
  لو سلّمنا حصول الشك لابي بكر ، وفرضنا أنّ أبا بكر كان في شك من شهادة علي ، فهلاّ طلب من فاطمة أن تحلف ؟ فهلاّ طلب منها اليمين فتكون شهادة مع يمين ؟ وقد قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بشاهد ويمين .
  راجعوا صحيح مسلم في كتاب الاقضية (3) ، وراجعوا صحيح أبي داود (4) بل القضاء بشاهد ويمين هو الذي نزل به جبريل على

---------------------------
(1) شرح المواقف 8 / 356 .
(2) جامع الاصول 10/557 .
(3) صحيح مسلم 5 / 128 .
(4) صحيح أبي داود 3/419 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 49 _

  النبي، كما في كتاب الخلافة من كنز العمّال .
  وهنا يقول صاحب المواقف وشارحها : لعلّه لم ير الحكم بشاهد ويمين (1) .
  نقول : فكان عليه حينئذ أنْ يحلف هو ، ولماذا لم يحلف والزهراء ما زالت مطالبة بملكها ؟
  وهذا كلّه بغضّ النظر عن عصمة الزهراء ، بغضّ النظر عن عصمة علي (عليه السلام) ، لو أردنا أن ننظر إلى القضيّة كقضيّة حقوقيّة يجب أن تطبق عليها القواعد المقررة في كتاب الاقضية .
  وأيضاً ، فقد شهد للزهراء ولداها الحسن والحسين ، وشهد للزهراء أيضاً أُم أيمن ، ورسول الله يشهد بأنّها من أهل الجنّة ، كما في ترجمتها من كتاب الطبقات لابن سعد وفي الاصابة لابن حجر (2) .
  ثمّ نقول : سلّمنا ، إنّ فاطمة وأهل البيت غير معصومين ، وسلّمنا أنّ فدكاً لم تكن بيد الزهراء سلام الله عليها في حياة النبي ، فلا ريب أنّ الزهراء من جملة الصحابة الكرام ، أليس كذلك ؟! تنزّلنا عن كونها بضعة رسول الله، تنزّلنا عن كونها معصومة ، لا

---------------------------
(1) شرح المواقف 8 / 356 .
(2) الاصابة في معرفة الصحابة 4 / 432 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 50 _

  إشكال في أنّها من الصحابة ، وقد كان لاحد الصحابة قضية مشابهة تماماً لقضيّة الزهراء ، وقد رتّب أبو بكر الاثر على قول ذلك الصحابي وصدّقه في دعواه .
  هذا كلّه بعد التنزّل عن عصمتها ، عن شهادة علي والحسنين وأُم أيمن ، وبعد التنزّل عن كون فدك ملكاً لها في حياة النبي .
  استمعوا إلى القضية أنقلها لكم ، ثمّ لاحظوا تبريرات كبار العلماء لتلك القضية :
  أخرج الشيخان عن جابر بن عبدالله الانصاري : إنّه لمّا جاء أبا بكر مال البحرين، وعنده جابر ، قال جابر لابي بكر : إنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لي : إذا أتى مال البحرين حثوت لك ثمّ حثوت لك ثمّ حثوت لك ، فقال أبو بكر لجابر : تقدّم فخذ بعددها .
  فنقول : رسول الله ليس في هذا العالم ، يدّعي جابر أنّ رسول الله قد وعده لو أتى مال البحرين لاعطيتك من ذلك المال كذا وكذا ، وتوفي رسول الله وجاء مال البحرين بعد رسول الله ، وأبو بكر خليفة رسول الله ، عندما وصل هذا المال أتاه جابر فقال له : إنّ رسول الله قال لي كذا ، ورتّب أبو بكر الاثر على قوله وصدّقه وأعطاه من ذلك المال كما أراد .
  هذه هي القضية، وتأمّلوا فيها ، وهي موجودة في الصحيحين .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 51 _

  فلاحظوا ما يقوله شرّاح البخاري ، كيف يجوز لابي بكر أنْ يصدّق كلام صحابي ودعواه على رسول الله ، وقد رحل رسول الله عن هذا العالم ، ثمّ أعطاه من مال المسلمين ، من بيت المال ، بقدر ما ادّعاه ، ولم يطلب منه بيّنة ، ولا يميناً !! لاحظوا ماذا يقولون !!
  يقول الكرماني في كتابه الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري وهو من أشهر شروح البخاري يقول : وأمّا تصديق أبي بكر جابراً في دعواه ، فلقوله (صلى الله عليه وسلم) : « من كذب عَلَيّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار » ، فهو وعيد ، ولا يُظنّ بأنّ مثله ـ مثل جابر ـ يقدم على هذا (1) .
  فإذا كنتم لا تظنّون بجابر أنْ يقدم على هذا الشيء ، ويكذب على رسول الله ، بل بالعكس ، تظنّون كونه صادقاً في دعواه ، فهلاّ ظننتم هذا الظن بحقّ الزهراء ـ بعد التنزّل عن كلّ ما هنالك كما كرّرنا ـ وقد فرضناها مجرّد صحابيّة كسائر الصحابة !
  ثمّ لاحظوا قول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري يقول : وفي هذا الحديث دليل على قبول خبر الواحد العدل من الصحابة ولو ( لو هذه وصلية ) جرّ ذلك نفعاً لنفسه (2) .

---------------------------
(1) الكواكب الدراري في شرح البخاري 10 / 125 .
(2) فتح الباري في شرح البخاري 4 / 375 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 52 _

  فالحديث يدلّ على قبول خبره ، لان أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهداً على صحة دعواه ، وهلاّ فعل هكذا مع الزهراء التي أخبرت بأنّ رسول الله نحلني فدكاً ، أعطاني فدكاً ، ملّكني فدكاً !!
  ويقول العيني في كتاب عمدة القاري في شرح صحيح البخاري قلت : إنّما لم يلتمس شاهداً منه ـ أي من جابر ـ لانّه عدل بالكتاب والسنّة ، أمّا الكتاب فقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وقوله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) ، فمثل جابر إنْ لم يكن من خير أُمّة فمن يكون ؟ وأمّا السنّة فلقوله (صلى الله عليه وسلم) : « من كذب عَلَيّ متعمداً ....
  لاحظوا بقية كلامه يقول : ولا يظن بمسلم فضلاً عن صحابي أنْ يكذب على رسول الله متعمّداً (1) .
  فكيف نظن بجابر هكذا ؟ فكان يجوز لابي بكر أنْ يصدّق جابراً في دعواه ، فلِمَ لم يصدق الزهراء في دعواها ؟ وهل كانت أقل من جابر ؟ ألم تكن من خير أُمّة أُخرجت للناس ؟ أيظن بها أن تتعمّد الكذب على رسول الله ؟ وأنت تقول : لا يظن بمسلم فضلاً عن صحابي أنْ يكذب متعمّداً على رسول الله ؟
  أقول :
  ما الفرق بين قضية جابر وقضية الصدّيقة الطاهرة

---------------------------
(1) عمدة القاري في شرح البخاري 12 / 121 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 53 _

  سلام الله عليها ، بعد التنزّل عن كلّ ما هنالك ، وفرضها واحداً أو واحدة من الصحابة فقط ؟ ما الفرق ؟ لماذا يعطى جابر ؟ ولماذا يكون الخبر الواحد هناك حجة ؟ ولماذا لا يكذَّب جابر بل يصدّق ويترتّب الاثر على قوله بلا بيّنة ولا يمين ولا ولا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟
  إذن ، هناك شيء آخر ...
  إذن ، من وراء القضيّة ـ قضيّة الزهراء ـ شيء آخر ...
  فرجعت فاطمة خائبة إلى بيتها ...
  ثمّ جاءت مرّةً أُخرى لتطالب بفدك وغير فدك من باب الارث من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لانّ فدكاً أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب بالاجماع ، وكلّ ما يكون كذا فهو ملك لرسول الله بالاجماع ، وكلّ ما يتركه المسلم من ملك أو من حق فإنّه لوارثه من بعده بالاجماع ، والزهراء أقرب الناس إلى رسول الله في الارث بالاجماع .
  هذه مقدمات أربع ، وكلّها مترتبة متسلسلة .
  أخرج البخاري ومسلم عن عائشة ـ واللفظ للاوّل ـ إنّ فاطمة (عليها السلام) بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي عن خمس خيبر ،

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 54 _

  فقال أبو بكر : إنّ رسول الله قال : « لا نورّث ما تركنا صدقة » ، إنّما يأكل آل محمّد في هذا المال ، وإنّي والله لا أُغيّر شيئاً من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ، ولاعملنّ فيها بما عمل به رسول الله ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته ، فلم تكلّمه حتّى توفّيت ، وعاشت بعد النبي ستّة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة (1) .
  وقضية مطالبة الزهراء بفدك وغير فدك من باب الارث قضية كتبت فيها الكتب الكثيرة منذ قديم الايّام ، وخطبتها سلام الله عليها في هذه القضية خطبة خالدة تذكر على مدى الايّام ، وهنا أيضاً نسأل ونتسائل فنقول :
  كيف يكون إخبار أبي سعيد وابن عباس وشهادة علي والحسنين وغيرهم في أن رسول الله أعطى فدكاً للزهراء ، هذه الاخبارات والشهادات كلها غير مقبولة ، ويكون خبر أبي بكر وحده في أنّ الانبياء لا يورّثون مقبولاً ؟ لاحظوا آراء العلماء في هذه القضيّة ، فلقد اختلفت آراؤهم واضطربت كلماتهم اضطراباً

---------------------------
(1) صحيح البخاري باب غزوة خيبر ، صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 55 _

  فاحشاً ، وكان أوجه حلّ للقضيّة أنْ يقال بأنّ الخبر متواتر ، ولم يكن أبو بكر لوحده الراوي لهذا الخبر ، وإنّما أبو بكر أحد الرواة من الصحابة ، وهنا نقاط :
  النقطة الاُولى :
  كيف لم يسمع هذا الحديث أحد من رسول الله ؟ ولم ينقله أحد ؟ وحتّى أبو بكر لم يُسمع منه هذا الخبر والاخبار به عن رسول الله إلى تلك الساعة ؟
  النقطة الثانية :
  كيف لم يسمع أهل بيته هذا الحديث ؟ وحتّى ورثته لم يسمعوا هذا الحديث ؟ ولذا أرسلت زوجاته عثمان إلى أبي بكر يطالبن بسهمهنّ من الارث ! هلاّ قال لهنّ عثمان ـ في الاقل ـ إنّ رسول الله قال كذا ؟ ولماذا مشى إلى أبي بكر وبلّغه طلب الزوجات ؟
  وهنا كلمة لطيفة للفخر الرازي سجّلتها ، هذه الكلمة في تفسيره يقول : إنّ المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلاّ فاطمة وعلي والعباس ، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل الدين ، وأمّا أبو بكر فإنّه ما كان محتاجاً إلى معرفة هذه المسألة ، لانّه ما كان ممّن يخطر بباله أنّه يورّث من الرسول ، فكيف يليق بالرسول أن يبلّغ هذه المسألة إلى من لا حاجة له إليها ، ولا يبلّغها

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 56 _

  إلى من له إلى معرفتها أشدّ الحاجة ؟ (1) .
  النقطة الثالثة :
  إنّه لو تنزّلنا عن كلّ ذلك ، فإنّ دعوى تواتر الخبر كاذبة ، لانّهم ينصّون على انفراد أبي بكر بهذا الخبر ، وقد ذكروا ذلك في مباحث حجّية خبر الواحد ، ومثّلوا بهذا الخبر من جملة ما مثّلوا ، وإن كنتم في شك من ذلك فارجعوا إلى: مختصر ابن الحاجب (2) ، والمحصول في علم الاصول (3) للفخر الرازي ، والمستصفى في علم الاصول (4) للغزّالي ، والاحكام في أصول الاحكام (5) للامدي ، وكشف الاسرار في شرح اصول البزدوي (6) للبخاري ، وغير هذه الكتب .
  مضافاً إلى هذا ، هناك في الاحاديث أيضاً شواهد على انفراد أبي بكر بهذا الحديث ، فراجعوا مثلاً : كتاب كنز العمال (7) .
  وحتّى المتكلّمون أيضاً يقرّون بانفراد أبي بكر بهذا الحديث ،

---------------------------
(1) التفسير الكبير 9/210 .
(2) المختصر في علم الاصول 2 / 59 بشرح العضد .
(3) المحصول في علم الاصول 2 / 85 .
(4) المستصفى في علم الاصول 2 / 121 .
(5) الاحكام في أصول الاحكام 2 / 75 و 348 .
(6) كشف الاسرار 2 / 688 .
(7) كنز العمال 12 / 605 ح14071 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 57 _

  فراجعوا : شرح المواقف ، (1) وشرح المقاصد (2) ، بل أقول في :
  النقطة الرابعة :
  إنّ أبا بكر أيضاً ليس من رواة هذا الحديث ، لا أنّه منفرد به ، بل إنّ هذا الحديث موضوع ، وضعه بعض الناس دفاعاً عن أبي بكر ، وأبو بكر في تلك القضيّة لم يكن عنده جواب ، حتّى بهذا الحديث لم يستدل ، وهذا ما يقوله الحافظ عبدالرحمن بن يوسف ابن خراش ، إنّه يقول : (هذا الحديث باطل ، وضعه مالك بن أوس بن الحدثان ) .
  وهو الراوي للقصّة ، فلقد ذكر الحافظ ابن عدي بترجمة الحافظ ابن خراش المتوفى سنة 283 هـ الذي ألّف جزئين في مثالب الشيخين قال : سمعت عبدان يقول : قلت لابن خراش : حديث ما تركنا صدقة ؟ قال : باطل ، أتّهم مالك بن أوس بالكذب (3) .
  فكيف يريدون رفع اليد عن محكمات القرآن الحكيم بخبر موضوع يحكم ببطلانه هذا الحافظ الكبير ، الذي لاجل هذا الحكم بالنسبة إلى هذا الحديث ، ولاجل تأليفه جزئين في مثالب

---------------------------
(1) شرح المواقف 8 / 355 .
(2) شرح المقاصد 5 / 278 .
(3) الكامل في الضعفاء 5 / 518 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 58 _

  الشيخين ، رموه بالرفض ، ومع ذلك كلّ كتبهم مملوءة بأقواله وآرائه في الحديث والرجال .
  لاحظوا كيف يتهجّم عليه الذهبي يقول : هذا والله الشيخ المعثّر الذي ضلّ سعيه ، فإنّه كان حافظ زمانه ، وله الرحلة الواسعة والاطلاع الكثير والاحاطة ، وبعد هذا فما انتفع بعلمه ( وكأنّ الانتفاع بالعلم يكون فيما إذا كان ما يقوله في صالح القوم !! ) فلا عتب على حمير الرافضة وحوافر جزّين ومشغرى (1) .
  هذه بلاد في جبل عامل في جنوب لبنان من المناطق الشيعية البحتة ، فلا عتب على حمير الرفضة أو الرافضة وحوافر جزّين ومشغرى !!
  فظهر أن هذه القضية ـ قضية غصب فدك وتكذيب الزهراء وأهل البيت ـ من جملة القضايا التي أخبر عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإنّ الفؤاد ليقطر دماً عندما يكتب الانسان الحرّ الابي مثل هذه القضايا أو يقرؤها أو يرويها ، ولكن أُريد أنْ اُسيطر على أعصابي ، وأقرأ لكم القضايا بقدر ما توصّلت إليه ، لتكونوا على بصيرة أو لتزدادوا بصيرة .

---------------------------
(1) تذكرة الحفّاظ 2 / 684 ، وانظر : سير أعلام النبلاء 13 / 509 ، ميزان الاعتدال 2/600 .