وروايات القوم في هذا الموضع مشوشة جدّاً ، يعرف ذلك كلّ من يراجع رواياتهم وأقوالهم وكلماتهم .
لقد نصّت رواياتهم على أنّه كان لعلي (عليه السلام) من الذكور ثلاثة أولاد: حسن ، وحسين ، ومحسن أو محسِّن أو محسَّن ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد سمّى هؤلاء بهذه الاسامي تشبيهاً بأسماء أولاد هارون : شَبَر شُبير ومشبّر ، وهذا موجود في : مسند أحمد
(1) ، وموجود في المستدرك وقد صحّحه الحاكم
(2) ، والذهبي أيضاً
---------------------------
(1) مسند أحمد 1 / 118 .
(2) المستدرك على الصحيحين 3 / 165.
مظلومية الزهراء (عليها السلام)
_ 69 _
صحّحه
(1) ، وموجود في مصادر أُخرى .
فيبقى السؤال : هل كان لعلي ولد بهذا الاسم أو لا ؟ قالوا : كان له ولد بهذا الاسم ... فأين صار ؟ وما صار حاله ؟ يقولون بوجوده ثمّ يختلفون ، أتريدون أن يصرّحوا تصريحاً واضحاً لا لبس فيه ولا غبار عليه ؟! إنّه في القضايا الجزئيّة البسيطة يتلاعبون بالاخبار والاحاديث ، كما رأينا في هذه المباحث ، وسنرى في المباحث الاتية ، وفي مثل هذه القضيّة تتوقّعون أن يصرّحوا ؟ نعم ، عثرنا على أفراد معدودين منهم قالوا بالحقيقة وواجهوا ما واجهوا ، وتحمّلوا ما تحمّلوا .
أحدهم : ابن أبي دارم المتوفى سنة 352 هـ .
قال الذهبي بترجمته : الامام الحافظ الفاضل أبو بكر أحمد بن محمّد السري بن يحيى بن السري بن أبي دارم التميمي الكوفي الشيعي ( أصبح شيعياً !! ) محدِّث الكوفة ، حدّث عنه الحاكم ، وأبو بكر ابن مردويه ، ويحيى بن إبراهيم المزكِّي ، وأبو الحسن ابن الحمّامي ، والقاضي أبو بكر الجيلي ، وآخرون ، كان موصوفاً بالحفظ والمعرفة ، إلاّ أنّه يترفّض ( لماذا يترفّض ؟ ) قد ألّف في الحطّ على بعض الصحابة »
(2) .
---------------------------
(1) المستدرك على الصحيحين ، ذيله .
(2) سير أعلام النبلاء 15 / 576 .
مظلومية الزهراء (عليها السلام)
_ 70 _
لا يقول أكثر من هذا : ألّف في الحطّ على بعض الصحابة ، فهو إذنْ يترفّض .
ولو راجعتم كتابه الاخر ميزان الاعتدال فهناك يذكر هذا الشخص ويترجم له ، وينقل عن الحافظ محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ أبي بشر الدولابي
(1) فيقول : قال محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ ـ بعد أن أرّخ موته ـ كان مستقيم الامر عامّة دهره ، ثمّ في آخر أيّامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، حضرته ورجل يقرأ عليه : إنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن
(2) .
كان مستقيم الامر عامّة دهره ، لكنّه في آخر أيّامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، فهو ـ إذن ـ خارج عن الاستقامة !!
أتذكّر أنّ أحد الصحابة وهو عمران بن حصين ـ هذاالرجل كان من كبار الصحابة ، يثنون عليه غاية الثناء ، ويكتبون بترجمته إنّ الملائكة كانت تحدّثه ، لعظمة قدره وجلالة شأنه
(3) ـ هذا الشخص عندما دنا أجله ، أرسل إلى أحد أصحابه ، وحدّثه عن رسول الله بمتعة الحج ـ التي حرّمها عمر بن الخطّاب وأنكر عليه
---------------------------
(1) سير أعلام النبلاء 14/309 .
(2) ميزان الاعتدال 1/139 .
(3) الاصابة في معرفة الصحابة 3 / 26 .
مظلومية الزهراء (عليها السلام)
_ 71 _
تحريمها ـ ثمّ شرط عليه أنّه إنْ عاش فلا ينقل ما حدّثه به ، وإنْ مات فليحدّث
(1) .
نعم ، كان هذا الرجل مستقيم الامر عامّة دهره ، لا ينقل مثل هذه القضايا ، اقتضت ظروفه أن لا ينقل ، ولذا كان مستقيم الامر عامة دهره !! ثمّ في آخر أيّامه عندما دنا أجله وقرب موته ، حينئذ جعل يُقرأ له المثالب ومنها هذا : « دخلت عليه ورجل يقرأ » فلولا دخول هذا الشخص عليه لما بلغنا هذا الخبر أيضاً ، اتفق أنْ دخل عليه هذا الراوي ووجد رجلاً يقرأ له هذا الخبر ، وذلك في أواخر حياته ، حتّى إذا مات ، أو حتّى إذا أوذي أو ضرب فمات على أثر الضرب ، فقد عاش في هذه الدنيا وعمّر عمره .
ورجل آخر هو : النظّام ، إبراهيم بن سيّار النظّام المعتزلي المتوفى سنة 231 هـ .
هذا أيضاً ينصّ على وقوع هذه الجناية على الزهراء الطاهرة وجنينها ، وهذا الرجل كان رجلاً جليلاً ، وكان من المعتزلة
---------------------------
(1) نصّ الخبر : عن مطرف قال : بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفّي فيه ، فقال : إنّي محدّثك بأحاديث ، لعلّ الله أنْ ينفعك بها بعدي ، فإنْ عشت فاكتم عَلَيّ وإنْ متُّ فحدّث بها إنْ شئت ، إنّه قد سُلّم علي ، واعلم أنّ نبي الله (صلى الله عليه وسلم) قد جمع بين حج وعمرة ، ثمّ لم ينزل فيها كتاب الله ، ولم ينه عنها نبي الله ، فقال رجل برأيه فيها ما شاء ، راجع باب جواز التمتّع من الصحيحين ، وهو في المسند 4/434 .
مظلومية الزهراء (عليها السلام)
_ 72 _
الجريئين الذين لا يخافون ولا يهابون ، وله أقوال مختلفة في المسائل الكلامية ، تذكر في الكتب ، وربّما خالف فيها المشهور بين العلماء ، وكانت أقواله شاذّة ، إلاّ أنّه من كبار العلماء ، ذكروا عنه أنّه كان يقول : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح عمر : أحرقوا دارها بمن فيها ، وما كان بالدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين .
وممّن نقل عنه هذا : الشهرستاني في الملل والنحل ، والصّفدي في الوافي بالوفيات
(1) ، ويوجد قوله هذا في غير هذين الكتابين .
وممّن عثرنا عليه : ابن قتيبة صاحب كتاب المعارف ، لكن لو تراجعون كتاب المعارف الموجود الان لا تجدون هذه الكلمة ، الكتاب محرّف .
ابن شهرآشوب المتوفى سنة 588 هـ ينقل عن كتاب المعارف قوله : إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي
(2) .
أمّا في كتاب المعارف الموجود الان بين أيدينا المحقق !! فلفظه : أمّا محسن بن علي فهلك وهو صغير
(3) .
وتجدون في كتاب تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي يقول :
---------------------------
(1) الملل والنحل 1 / 59 ، الوافي بالوفيات 6 / 17 .
(2) مناقب آل أبي طالب 3 / 358 .
(3) المعارف : 211 .
مظلومية الزهراء (عليها السلام)
_ 73 _
مات طفلاً
(1) .
لكن البعض الاخر منهم ـ وهو الحافظ محمد بن معتمد خان البدخشاني وهذا من المتأخرين ، وله كتب منها نُزل الابرار فيما صحّ من مناقب أهل البيت الاطهار ، يقول بأنّه مات صغيراً
(2) .
وعندما نراجع ابن أبي الحديد ، نراه ينقل عن شيخه ـ حيث حدّثه قضية هبّار بن الاسود ، وأنتم مسبوقون بهذا الخبر ، وأنّ هذا الرجل روّع زينب بنت رسول الله فألقت ما في بطنها ـ قال شيخه : لمّا ألقت زينب ما في بطنها أهدر رسول الله دم هبّار لانّه روّع زينب فألقت ما في بطنها ، فكان لابدّ أنّه لو حضر ترويع القوم فاطمة الزهراء وإسقاط ما في بطنها ، لحكم بإهدار دم من فعل ذلك .
هذا يقوله شيخ ابن أبي الحديد .
فيقول له ابن أبي الحديد : أروي عنك ما يرويه بعض الناس من أنّ فاطمة روّعت فألقت محسناً ؟ فقال : لا تروه عنّي ولا ترو عنّي بطلانه
(3) .
نعم لا يروون ، وإذا رووا يحرّفون ، وإذا رأوا من يروي مثل هذه القضايا فبأنواع التهم يتّهمون .
---------------------------
(1) تذكرة خواص الامة : 54 .
(2) نزل الابرار بما صحَّ من مناقب أهل البيت الاطهار : 74 .
(3) شرح نهج البلاغة 14 / 192 .
مظلومية الزهراء (عليها السلام)
_ 74 _
المسألة الرابعة
كشف بيتها (عليه السلام)
وكشف القوم بيت فاطمة الزهراء ، وهجموا على دارها ، وهذا من الاُمور المسلّمة التي لا يشكّ ولا يشكّك فيها أحد حتّى ابن تيميّة ، ولو أنّ أحداً شكّ ، فيكون حاله أسوأ من حال ابن تيميّة ، فكيف لو كان يدّعي التشيّع أو يدّعي كونه من ذريّة رسول الله وفاطمة الزهراء ؟
ورووا عن أبي بكر أنّه قال قبيل وفاته : إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ ووددت أنّي تركتهنّ ، وثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ ، وثلاث وددت أنّي سألت عنهنّ رسول الله.
وهذا حديث مهم جدّاً ، والقدر الذي نحتاج إليه الان:
أوّلاً: قوله : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن
مظلومية الزهراء (عليها السلام)
_ 75 _
كانوا قد غلقوه على الحرب .
ثانياً : قوله : وددت أني كنت سألت رسول الله لمن هذا الامر فلا ينازعه أحد .
أترونه صادقاً في تمنّيه هذا ؟ ألم يكن ممّن بايع يوم الغدير وغير يوم الغدير من المواقف والمشاهد ؟
وأمّا هذا الخبر ـ خبر تمنّيه هذه الاُمور ـ ففي : تاريخ الطبري ، وفي العقد الفريد لابن عبد ربّه ، وفي الاموال لابي عبيد القاسم بن سلاّم المحدّث الحافظ الكبير الامام ، وفي مروج الذهب للمسعودي ، وفي الامامة والسياسة لابن قتيبة
(1) .
ولكن هنا أيضاً يوجد تحريف ، فراجعوا كتاب الاموال ، فقد جاء فيه بدل قوله : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة ، هذه الجملة : وددت أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا .
يحذفون الكلام ويضعون بدله كلمة : كذا وكذا !!
أتريدون أنْ ينقلوا الحقائق على ما هي عليه ؟ وممّن تريدون هذا ؟ وممّن تتوقّعون ؟ .
أمّا ابن تيميّة ، فلا ينكر أصل القضيّة ، ولا ينكر تمنّي أبي بكر ،
---------------------------
(1) كتاب الاموال : 131 ، الامامة والسياسة 1 / 18 ، تاريخ الطبري 3 / 430 ، العقد الفريد 2 / 254 .
مظلومية الزهراء (عليها السلام)
_ 76 _
وإنّما يبرّر !! لاحظوا تبريره هذه المرّة يقول : إنّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه ليعطيه للمسلمين !!
وكذلك يفعلون !!
وكذلك يقولون !!
ذكرنا مسألة فدك ، وإحراق البيت ، وإسقاط الجنين ، وكشف البيت وهجومهم على البيت بلا إذن وأنّهم فعلوا ما فعلوا !!
مظلومية الزهراء (عليها السلام)
_ 78 _
قضايا أُخرى
وبقيت أُمور أتعرّض لها باختصار :
الامر الاوّل:
إنّ فاطمة سلام الله عليها ماتت ولم تبايع أبا بكر ، ماتت وهي واجدة على أبي بكر ، وهذا موجود في الصحاح وغيرها ، وقد قرأنا نصّ الحديث عن عائشة .
أترون أنّها ماتت بلا إمام ؟ ماتت ولم تعرف إمام زمانها ؟ وماتت ميتة جاهلية وهي التي فضّلوها على أبي بكر وعمر ؟ وهي التي قالوا بأنّ إيذاءها كفر ومحرّم ؟ ماتت بغير إمام ميتةً جاهلية ؟ أيقولها أحد ؟ فمن كان إمامها ؟
الامر الثاني :
إنّ عليّاً (عليه السلام) لم يؤذن أبا بكر بموت الزهراء ، ولم يخبره بأمرها ، ولم يحضر لا هو ولا غيره للصلاة عليها .
الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 79 _
وأنتم تعلمون أنّ الصلاة على الميّت في تلك العصور كانت من شؤون الخليفة ، ومع وجود الخليفة أو أمير المدينة لا يحقّ لاحد أنْ يتقدّم للصلاة على ميّت إلاّ بإذن خاص ، ولذا لمّا دفنوا عبدالله بن مسعود بلا إذن وبلا إخبار من عثمان ، أرسل عثمان إلى عمّار بن ياسر وضرب عمّار لهذه الغاية ، ولهذا السبب ، وله نظائر كثيرة .
فكان عدم إخباره أبابكر للحضور للصلاة رمزاً وعلامةً لرفض إمامته وخلافته .
ولكن القوم يعلمون بهذا ، القوم يعلمون بأنّ عدم صلاة أبي بكر على الزهراء دليل على عدم إمامته ، فوضعوا حديثاً بأنّ عليّاً أرسل إلى أبي بكر ، فجاء أبو بكر وجاء معه عمر وعدّة من الاصحاب وصلّوا على الزهراء ، واقتدى علي بأبي بكر في تلك الصلاة ، وكبّر أبو بكر أربعاً في تلك الصلاة !! لاحظوا الكذب !! أنقل لكم هذا النص :
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني بترجمة عبدالله بن محمّد بن ربيعة بن قدامة القدامي المصيصي : أحد الضعفاء ، ( هذا الشخص أحد الضعفاء ) أتى عن مالك ( مالك بن أنس ) بمصائب منها : عن جعفر بن محمّد .
يتقوّلون على أهل البيت ويضعون الاخبار عن أهل البيت
مظلومية الزهراء (عليها السلام)
_ 80 _
أنفسهم ! وكم له من نظير ، ولي مذكّرات من هذا القبيل ، إنّهم كثيراً مّا يضعون الاشياء عن لسان أهل البيت ، عن لسان أمير المؤمنين وأبنائه ، وعن لسان ولده محمّد بن الحنفيّة ينقلون كثيراً من الاشياء ، عندي مذكّرات في هذا الباب .
وهذا الخبر : عن جعفر بن محمّد يرويه عن أبيه الباقر عن جدّه قال : توفّيت فاطمة ليلاً ، فجاء أبو بكر وعمر وجماعة كثيرة ، فقال أبو بكر لعلي : تقدّم فصلِّ ، قال لا ، لا والله لا تقدّمت وأنت خليفة رسول الله، فتقدّم أبو بكر وكبّر أربعاً
(1) .
هذا من مصائب أُمّتنا ، أنْ لا تنقل القضايا كما هي ، وتوضع في مقابلها موضوعات .
الامر الثالث :
وكان دفنها ليلاً بوصية منها ، لتبقى مظلوميّتها على مدى التأريخ ، وخطاب أمير المؤمنين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند دفنها يكشف للتاريخ جوانب كثيرة من المصائب والحقائق ، وحقيق على كلّ مؤمن أن يراجع تلك الخطبة لامير المؤمنين عند دفن الزهراء سلام
---------------------------
(1) لسان الميزان 3 / 334 .
مظلومية الزهراء (عليها السلام)
_ 81 _
الله عليها .
يقول ابن تيميّة في مقام الجواب : كثير من الناس دفنوا ليلاً .
ولكن فاطمة أوصت أن تغسّل ليلاً وأنْ تدفن ليلاً ، وأنْ لا يخبر أحد ممّن آذاها .
الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام )
_ 82 _
كلمة الختام
هذا ما اقتضى الوقت وساعد عليه التوفيق على نحو الاستعجال ، أنْ أذكر لكم هذه القضايا ، بنحو خطوط عريضة ، وعلى شكل عناوين ، ولم أتعرّض لكثير من الجزئيّات والتفاصيل والاقوال والروايات في هذه القضايا ، كما لم أنقل شيئاً عن أهل البيت ، وعن شيعة أهل البيت ، وعمّا في كتب الاماميّة في هذه القضايا .
ولعلّ فيما ذكرت كفاية لهداية أُولي الالباب ، ومن يكون بصدد التحقيق عن هذه القضايا بإنصاف .
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين .