هذا اللفظ في : مجمع الزوائد عن : أبي يعلى والبزّار (1) ، ونفس السند موجود في المستدرك وقد صحّحه الحاكم ( والذهبي ) (2) ، فيكون سنده صحيحاً يقيناً ، لكن اللفظ في المستدرك مختصر وذيله غير مذكور ، والله أعلم ممّن هذا التصرف ، هل من الحاكم أو من الناسخين أو من الناشرين ؟ فراجعوا ، السند نفس السند عند أبي يعلى وعند البزّار وعند الحاكم ، والحاكم يصحّحه والذهبي يوافقه ، إلاّ أنّ الحديث في المستدرك أبتر مقطوع الذيل ، لانّه إلى حدّ « إنّ لك في الجنّة أحسن منها » لا أكثر .
  وهناك أحاديث أيضاً صريحة في أنّ « الاقوام » المراد منهم في هذا الحديث « هم قريش » ، وفي المطلب السادس أيضاً بعض الاحاديث تدلّ على ذلك ، فلاحظوا .

---------------------------
(1) مجمع الزوائد 9 / 118 .
(2) المستدرك على الصحيحين 3 / 139 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 28 _


  في أنّ قريشاً هم سبب هلاك الناس بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : « يهلك أُمّتي هذا الحي من قريش » ، قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : « لو أنّ الناس اعتزلوهم » .
  وعن أبي هريرة أيضاً قال : سمعت الصادق المصدوق يقول : «هلاك أُمّتي على يدي غلمة من قريش » ، فقالوا : مروان غلمة ؟ قال أبو هريرة : إن شئت أنْ أُسمّيه ، بني فلان ، بني فلان ، والحديثان في الصحيحين (1) .

---------------------------
(1) وأخرجه أحمد 2 / 324 ، 288 ، 299 ، 520 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 30 _


  وهذا المطلب مهم جدّاً ، فالغدر الذي كان ، والضغائن التي بدت ـ التي سبق وأنْ أخبر عنها رسول الله ـ لم يروَ منها في الكتب إلاّ القليل ، والسبب واضح ، لانّهم منعوا من تدوين الحديث ، وعندما دُوّن، فقد دوّن على يد بني أُميّة وفي عهدهم ، وهذا حال السنّة ، أي السنّة عند أهل السنّة .
  ثمّ إنّ من كان عنده شيء من تلك الاُمور التي أشار إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يروه ، وإذا رواه لم ينقلوه ولم يكتبوه ومنعوا من نشره ، ومن نقله إلى الاخرين، حتّى أنّ من كان عنده كتاب فيه شيء من تلك القضايا ، أخذوه منه ، أو أخفاه ولم يظهره لاحد ، أذكر لكم موارد من هذا القبيل :
  قال ابن عدي في آخر ترجمة عبد الرزاق بن همّام الصنعاني

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 31 _

  في كتاب الكامل : ولعبد الرزاق بن همّام [ هذا شيخ البخاري ]أصناف حديث كثير ، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمّتهم وكتبوا عنه ، ولم يروا بحديثه بأساً ، إلاّ أنّهم نسبوه إلى التشيّع ، وقد روى أحاديث في الفضائل ممّا لا يوافقه عليها أحد من الثقات ، فهذا أعظم ما رموه به من روايته لهذه الاحاديث ، ولما رواه في مثالب غيرهم ممّا لم أذكره في كتابي هذا ، وأمّا في باب الصدق فأرجو أنّه لا بأس به ، إلاّ أنّه قد سبق عنه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير (1) .
  وبترجمة عبد الرحمن بن يوسف بن خراش ـ الحافظ الكبير ـ يقول ابن عدي : سمعت عبدان يقول : وحمل ابن خراش إلى بندار جزئين صنّفهما في مثالب الشيخين فأجازه بألفي درهم .
  فأين هذا الكتاب الذي هو في جزئين ؟
  قال ابن عدي : فأمّا الحديث فأرجو أنّه لا يتعمّد الكذب (2) .
  فالرجل ليس بكاذب ، ولو راجعتم سير أعلام النبلاء للذهبي أو راجعتم تذكرة الحفّاظ للذهبي ، لرأيتم الذهبي ينقل هذا المطلب ، ويتهجّم على ابن خراش ويشتمه ويسبّه سبّ الذين

---------------------------
(1) الكامل في الضعفاء 6 / 545 .
(2) الكامل في الضعفاء 5 / 519 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 32 _

  كفروا (1) .
  ولا يتوهمنّ أحد أنّ هذا الرجل ـ ابن خراش ـ من الشيعة ، وذلك ، لانّ هذا الرجل من كبار علماء القوم ومن أعلامهم في الجرح والتعديل ، ويعتمدون على آرائه في ردّ الراوي أو قبوله ، أذكر لكم مورداً واحداً ، يقول ابن خراش بترجمة عبدالله بن شقيق ، وعند ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب يقول : قال ابن خراش : كان ـ عبدالله بن شقيق ـ ثقة وكان عثمانياً يبغض عليّاً (2) .
  فابن خراش ليس بشيعي ، لانّه يوثق هذا الرجل مع تصريحه بأنّه كان عثمانيّاً يبغض عليّاً .
  فلا يتوهّم أنّ هذا الرجل ـ ابن خراش ـ من الشيعة ، بل هو من أعلام أهل السنّة ومن كبار حفّاظهم ، إلاّ أنّه ألّف جزئين في مثالب الشيخين .
  مورد آخر في كتاب العلل لاحمد بن حنبل ، قال أحمد : كان أبو عوانة ( الذي هو من كبار محدّثيهم وحفّاظهم ، وله كتاب في الصحيح اسمه : صحيح أبي عوانة ) وضع كتاباً فيه معايب أصحاب

---------------------------
(1) سير أعلام النبلاء 13 / 509 ، تذكرة الحفاظ 2 / 684 ، ميزان الاعتدال 2 / 600 .
(2) تهذيب التهذيب 5 / 223 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 33 _

  رسول الله، وفيه بلايا ، فجاء سلاّم بن أبي مطيع (1) فقال : يا أبا عوانة ، أعطني ذاك الكتاب فأعطاه ، فأخذه سلاّم فأحرقه (2) .
  ويروي أحمد بن حنبل في نفس الكتاب عن عبدالرحمن بن مهدي (3) قال : فنظرت في كتاب أبي عوانة وأنا أستغفر الله (4) .
  فهذا يستغفر الله من أنّه نظر في هذا الكتاب ، والشخص الاخر جاء إليه وأخذ الكتاب منه وأحرقه بلا إذن منه ولا رضا .
  مورد آخر : ذكروا بترجمة الحسين بن الحسن الاشقر : أنّ أحمد بن حنبل حدّث عنه وقال : لم يكن عندي ممّن يكذب ( فهو حدّث عنه وقال : لم يكن عندي ممّن يكذب ) فقيل له : إنّه يحدّث في أبي بكر وعمر ، وإنّه صنّف باباً في معايبهما ، فقال : ليس هذا بأهل أنْ يحدَّث عنه (5) !
  أوّلاً:
  أين ذاك الباب الذي اشتمل على هذه القضايا ؟ ولماذا لم يصل إلينا ؟
  وثانياً :
  إنّه بمجرَّد أنْ علم أحمد بن حنبل بأنّ الرجل

---------------------------
(1) الامام الثقة القدوة ، من رجال الصحيحين ، سير أعلام النبلاء 7/428 .
(2) كتاب العلل والرجال 1 / 60 .
(3) الامام الناقد المجوّد سيد الحفاظ ، سير أعلام النبلاء 9 / 192 .
(4) كتاب العلل والرجال 3 / 92 الطبعة الحديثة .
(5) تهذيب التهذيب 2 / 291 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 34 _

  يحدّث في الشيخين ، وبأنّه صنّف مثل هذه الاحاديث في كتاب ، سقط من عين أحمد وأصبح كذّاباً لا يعتمد عليه ولا يروى عنه !
  مورد آخر : في ميزان الاعتدال بترجمة إبراهيم بن الحكم بن زهير الكوفي : قال أبو حاتم : روى في مثالب معاوية فمزّقنا ما كتبنا عنه (1) .
  روى في مثالب معاوية فمزّقنا ما كتبنا عنه ، فراحت تلك الروايات .
  وهذا بعض ما ذكروا في هذا الباب .
  ثمّ إنّهم ذكروا في تراجم رجال كثيرين من أعلام الحديث والرواة الذين هم من رجال الصحاح ، ذكروا أنّه كان يشتم أبا بكر وعمر ، لاحظوا هذه العبارة بترجمة إسماعيل بن عبدالرحمن السُدّي (2) ، وبترجمة تليد بن سليمان (3) ، وبترجمة جعفر بن سليمان الضبعي (4) ، وغير هؤلاء .
  ولماذا كان هؤلاء يشتمون ؟ هل بلغهم شيء أو أشياء ، ممّا

---------------------------
(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 1 / 27 .
(2) تهذيب التهذيب 1 / 274 .
(3) تهذيب الكمال 4 / 322 .
(4) تهذيب التهذيب 2 / 82 ـ 83 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 35 _

  أدّى وسبّب في أنْ يجوّزوا لانفسهم أن يشتموا ويسبّوا ؟ وأين تلك القضايا وماهي ؟
  وأمّا ما ذكروه بترجمة الرجال وكبار علمائهم وحفّاظهم من شتم عثمان وشتم معاوية ، فكثير جدّاً ، وأعتقد أنّه لا يحصى لكثرته .
  ولقد فشى وكثر اللعن أو الطعن في الشيخين في النصف الثاني من القرن الثالث ، يقول زائدة بن قدامة ـ ووفاته في النصف الثاني من القرن الثالث ـ : متى كان الناس يشتمون أبا بكر وعمر ؟! (1) .
  وكثر وكثر حتى القرن السادس من الهجرة ، جاء أحدهم ـ وهو الحافظ المحدّث عبد المغيث بن زهير بن حرب الحنبلي البغدادي ـ فألّف كتاباً في فضل يزيد بن معاوية وفي الدفاع عنه والمنع عن لعنه ، فلمّا سئل عن ذلك ، قال بلفظ العبارة : إنّما قصدت كفّ الالسنة عن لعن الخلفاء (2) .
  حتى جاء التفتازاني في أواخر القرن الثامن من الهجرة وقال في شرح المقاصد ما نصّه : فإن قيل : فمن علماء المذهب من لم يجوّز اللعن على يزيد مع علمهم بأنّه يستحقّ ما يربو على ذلك

---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 3 / 264 .
(2) سير أعلام النبلاء 21 / 161 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 36 _

  ويزيد ؟ قلنا : تحامياً عن أن يرتقى إلى الاعلى فالاعلى (1) .
  حتّى جاء كتّاب عصرنا ، فألّفوا في مناقب يزيد ، وألّفوا في مناقب الحجّاج ، وألّفوا في مناقب هند !!
  وإنّي أعتقد أنّهم يعلمون بأنّ هذه المناقب والفضائل ، والذي يذكرونه في الدفاع عن هؤلاء وأمثالهم ، كلّه كذب ، وإنّ هؤلاء يستحقّون اللعن ، إلاّ أنّ الغرض هو إشغال الكتّاب والباحثين والمفكّرين وسائر الناس بمثل هذه الاُمور ، ولكي لا يبقى هناك مجال لان يرتقى إلى الاعلى فالاعلى .
  ومن هنا نفهم : إنّ محاربتهم لقضايا الحسين (عليه السلام) ومحاربتم لمآتم الحسين (عليه السلام) ولقضايا عاشوراء ، كلّ ذلك ، لئلاّ يلعن يزيد ، ولئلاّ ينتهى إلى الاعلى فالاعلى .

---------------------------
(1) شرح المقاصد 5 / 311 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 37 _


  وهنا ننقل بعض الشواهد على أحقاد قريش وبني أُميّة بالخصوص ، وضغائنهم على النبي وأهل البيت ، حتّى أنّهم كانت تصدر منهم أشياء في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولمّا لم يتمكّنوا من الانتقام من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالذات ، انتقموا من أهل بيته لينتقموا منه .
  قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « اللهمّ إنّي أستعديك على قريش ، فإنّهم أضمروا لرسولك (صلى الله عليه وآله وسلم) ضروباً من الشر والغدر ، فعجزوا عنها ، وحُلت بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بي والدائرة عليّ ، اللهمّ احفظ حسناًوحسيناً ، ولا تمكّن فجرة قريش منهما ما دمت حيّاً ، فإذا توفّيتني فأنت الرقيب عليهم وأنت على كلّ شيء شهيد » (1) .
  فيقول أمير المؤمنين : إنّ قريشاً أضمروا لرسول الله ضروباً من

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 20 / 298 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 38 _

  الشر والغدر وعجزوا عنها ، والله سبحانه وتعالى حال بينه وبين تلك الشرور أن تصيبه ، إلى أنْ توفّي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فكانت الوجبة بأمير المؤمنين والدائرة عليه ، كما أنّه في هذا الكلام يشير بأنّ قريشاً ستقتل الحسن والحسين أيضاً انتقاماً من النبي .
  وقال (عليه السلام) في خطبة له : « وقال قائل : إنّك يا ابن أبي طالب على هذا الامر لحريص ، فقلت : بل أنتم ـ والله ـ أحرص وأبعد ، وأنا أخص وأقرب ، وإنّما طلبت حقّاً لي وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه ، فلما قرّعته بالحجة في الملا الحاضرين هبّ كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به .
  اللهم إني استعديك على قريش ومن أعانهم ، فانهم قطعوا رحمي ، وصغّروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي ، ثم قالوا : ألا إنَّ في الحق أنْ تأخذه وفي الحق أن تتركه » (1)
  وفي كتاب له (عليه السلام) إلى عقيل : « فدع عنك قريشاً وتركاضهم في الضلال ، وتجوالهم في الشقاق ، وجماحهم في التيه ، فإنّهم قد أجمعوا على حربي إجماعهم على حرب رسول الله قبلي ، فجزت قريشاً عنّي الجوازي ، فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن

---------------------------
(1) نهج البلاغة ، الخطبة : 172 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 39 _

  أُمّي» (1) .
  وروى ابن عدي في الكامل في حديث : فقال أبو سفيان : مثل محمّد في بني هاشم مثل ريحانة وسط نتن ، فانطلق بعض الناس إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فأخبروا النبي ، فجاء (صلى الله عليه وسلم) ـ يعرف في وجهه الغضب ـ حتّى قام فقال : « ما بال أقوال تبلغني عن أقوام » إلى آخر الحديث .
  هذا في الكامل لابن عدي (2) بهذا النص ، والقائل أبو سفيان .
  وهو بنفس السند واللفظ موجود أيضاً في بعض المصادر الاُخرى، إلاّ أنّهم رفعوا كلمة : « فقال أبو سفيان » ، ووضعوا كلمة : « فقال رجل » .
  لاحظوا مجمع الزوائد (3) .
  وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال : أتى ناس من الانصار إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالوا : إنّا نسمع من قومك ، حتّى يقول القائل منهم إنّما مثل محمّد مثل نخلة نبتت في الكبا (4) .
  والكبا الارض غير النظيفة .

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 16 / 151 .
(2) الكامل في الضعفاء 3 / 28 .
(3) مجمع الزوائد 8/215 .
(4) مجمع الزوائد 8 / 215 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 40 _

  لكن هذا الحديث أيضاً في بعض المصادر محرّف .
  ثمّ إنّ السبب في هذه الضغائن ماذا ؟ ليس السبب إلاّ أقربية أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فينتقمون منه انتقاماً من النبيّ ، مضافاً إلى مواقف أمير المؤمنين (عليه السلام) في الحروب وقتله أبطال قريش ، وهذا ما صرّح به عثمان لامير المؤمنين في كلام له معه عليه الصلاة والسلام ، أذكر لكم النص الكامل .
  ذكر الابي في كتاب نثر الدرر ـ وهو كتاب مطبوع موجود ـ وعنه أيضاً ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن ابن عباس قال : وقع بين عثمان وعلي كلام ، فقال عثمان : ما أصنع إن كانت قريش لا تحبّكم ، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأنّ وجوههم شنوف الذهب (1) .
  هذه هي الاحقاد والضغائن ، ولم يتمكّنوا من الانتقام من رسول الله، فانتقموا من أهل بيته كما أخبر هو (صلى الله عليه وآله وسلم) .
  وهكذا توالت القضايا ، انتقموا من الزهراء وأمير المؤمنين ، وانتقموا ، وانتقموا ، إلى يوم الحسين (عليه السلام) وبعد يوم الحسين (عليه السلام) ... وإلى اليوم ...

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 9 / 22 .

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 41 _


  أي في ذكر بعض الضغائن التي بدت ، والقضايا التي وقعت ، ومن الطبيعي أنْ لا يصلنا كلّ ما وقع ، وأنْ لا تصلنا تفاصيل الحوادث ، مع الحصار الشديد المضروب على الروايات والاحاديث ، ومع ملاحقة المحدثين والرواة ، ومع منعهم من نقل الاحاديث المهمة ، وحتى مع حرق تلك الكتب التي اشتملت على مثل هذه القضايا أو تمزيقها وإعدامها بأيّ شكل من الاشكال .
  فإذن ، من بعد هذه القرون المتطاولة ، ومن بعد هذه الحواجز والموانع ، لا نتوقّع أنْ يصل إلينا كلّ ما وقع ، وإنّما يمكننا العثور على قليل من ذلك القليل الذي رواه بعض المحدّثين وبعض

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 42 _

  المؤرخين .
  رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخبر أهل بيته بأنّ الاُمّة ستغدر بهم ، وأنّهم سيظهرون ضغائنهم من بعده ، وسينتقمون منه أي : سينتقمون من النبي بانتقامهم من بضعته ، لانّها بضعته ، والانتقام من الزهراء انتقام من النبي ، وإنّما أبقاها هذه البضعة في هذه الاُمّة ليختبر الاُمّة ، وليظهروا ما في ضمائرهم .
  ولم تطل المدة ، فقد وقع الاختبار ، وكانت المدة على الاشهر أشهُر ، ثمّ عادت البضعة إلى رسول الله واتّصلت اللحمة ببدنه المبارك وجسده الشريف ، وكلّ ذلك وقع .
  ولكنّنا لا نتوقّع أنْ نعثر على كلّ تفاصيل تلك القضايا ، وحتّى لو عثرنا على الخمسين بالمائة من القضايا يمكننا فهم الخمسين البقيّة .
  لقد رأيتم كيف يحرّفون الروايات ، حتّى تلك الكلمة القاسية التي يقولها أبو سفيان في حقّ النبي رأيتم كيف يرفعون اسم أبي سفيان ويضعون مكان الاسم كلمة قال رجل ، فكيف تتوقّعون أنْ يروي لنا الرواة كلّ ما حدث بعد رسول الله، أو يتمكّن الرواة من نقل كلّ ما حدث ؟
  وبالرغم من ذلك الحصار الشديد ، ومن ذلك المنع الاكيد ،

مظلومية الزهراء (عليها السلام) _ 43 _

  ومن ذلك الارعاب والتهديد ، مع ذلك ، تبلغنا أطرافٌ من أخبار ما وقع .
  ونحن لا ننقل في بحثنا هذا إلاّ من أهم مصادر أهل السنّة ، ولا نتعرّض لِما ورد في كتبنا أبداً ، وحتّى أنّا ننقل ـ قدر الامكان ـ عن أسبق المصادر وأقدمها ، فلا ننقل في الاكثر والاغلب عن الكتب المؤلَّفة في القرون المتأخّرة .
  فهنا مسائل :