الفهرس العام





   قال الذهبي : « كان من أوعية العلم لولا بدعته » (1).
   « وكان أهل حمص نفوه وأخرجوه » (2).
  و « تكلّم فيه جماعة بسبب ذلك »(3) وأورده ابن عديّ في « الضعفاء »(4).
   وخامساً : كان مالك يذمّه وينهى عن مجالسته وليس له عنه رواية (5).
، وكان الأوزاعي سيّئ القول فيه ، يتكلّم فيه ويهجوه (6) ، وكذا كان ابن المبارك (7).
   وعن يحيى القطان : « ثور إذا حدثني عن رجل لا أعرفه قلت : أنت أكبر أم هذا ؟ ! فإذا قال : هو أكبر مني ، كتبته ، وإذا قال : هو أصغر مني ، لم أكتبه »(8).
ترجمة عمرو بن أبي سلمة الدمشقي (9).
: وأما « عمرو بن أبي سلمة الدمشقي نزيل « تنبيس » الراوي له عن « عبد الله ابن العلاء عند الحاكم ، فقد : ضعفه الساجي وابن معين . وقال أبو حاتم : لا يحتج به . وقال العقيلي : في حديثه وهم . وقال أحمد : روى عن زهير أحاديث بواطيل » (10).
   ثم إن رواة الحديث عن هؤلاء هم :
---------------------------
(1) سير أعلام النبلاء 6|344.
(2) تاريخ دمشق 3|608.
(3) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 1|154 .
(4) الكامل في الضعفاء 2|529.
(5) تهذيب التهذيب 2|30 .
(6) تاريخ دمشق 3|607 ، تهذيب الكمال 4|425 .
(7) تهذيب التهذيب 2|30 .
(8) تهذبب التهذيب 2|30.
(9) تاريخ دمشق 13|467 .
(10) تاريخ دمشق 13|469 .

الرسائل العشرة _ 105 _

1 ـ بقيّة بن الوليد.
2 ـ الضحاك بن مخلد وهو أبو عاصم النبيل .
3 ـ الوليد بن مسلم .
4 ـ عبدالله بن أحمد بن بشير.
5 ـ عبدالرحمن بن مهدي .
6 ـ عبدالملك بن الصباح المسمعي .
7 ـ يحيى بن أبي كثير.
8 ـ أحمد بن عيسى بن زيد التنيسي .
   أمّا « الوليد بن مسلم » الراوي له عن « ثور » عند أبي داود فقد عرفته .
   وأمّا « عبدالرحمن بن مهدي » الراوي له عن « معاوية بن صالح » عند أحمد وابن ماجة ، فقد عرفت أنه كان يزجر عن الرواية عن « معاوية » ولا يبالي .
   وأما « أبو عاصم » الراوي له عن « ثور » عند الترمذي وأحمد والحاكم فقد كان يحيى بن سعيد يتكلم فيه ، فلا ذكر له ذلك قال : « لست بحيٍ ولا ميت إذا لم أذكر » ! (1) ، وأورده العقيلي في « الضعفاء » وحكى ما ذكرناه (2).
    وأمّا « يحيى بن أبي كثير » الراوي له عن « محمد بن إبراهيم » عند أحمد ، فقد « كان يدلّس » (3).
وروى العقيلي عن همام قوله : « ما رأيت أصلب وجهاً من يحيى بن أبي كثير ، كنا نحدّثه بالغداة فيروح بالعشي فيحدثناه » (4).
   وأما « عبدالملك بن الصباح المسمعي » الراوي له عن « ثور » عند ابن ماجة .

---------------------------
(1) ميزان الاعتدال 2|325 .
(2) الضعفاء الكبير 2|222 .
(3) تهذيب التهذيب 11|236 .
(4) الضعفاء الكبير 4|423 .

الرسائل العشرة _ 106 _

   فقد ذكره الذهبي في ( ميزانه ) وقال : « متّهم بسرقة الحديث » (1).
   وأمّا « عبدالله بن أحمد بن بشير الدمشقي » شيخ ابن ماجة ، فقد كان إمام الجامع بدمشق (2).
   وامّا « أحمد بن عيسى » الراوي له عن « عمرو بن أبي سلمة » عند الحاكم ، فليس من رجال الكتب الستة ، وإنما ذكره ابن حجر للتمييز (3).
   وقال ابن عدي : له مناكير ، وقال الدارقطني : ليس بالقوي ، وكذبه ابن طاهر ، وذكره ابن حبّان في الضعفاء (4).
ترجمة بقيّة بن الوليد الحمصي :
   وأمّا « بقية بن الوليد » الراوي له عن « بحير بن سعيد » عند الترمذي وأحمد ، فهذه كلماتهم فيه باختصار :
   قال ابن حبان : لا يحتجّ ببقيّة .
   وقال أبو مسهر : أحاديث بقية ليست نقيّة ، فكن منها على تقيّة .
   وقال أبو حاتم : لا يحتجّ به .
   وقال ابن عيينة ـ وقد سئل عن حديث من هذه الملح : أنا أبو العجب ، أنا بقية بن الوليد .
   وقال ابن خزيمة : لا أحتجّ ببقية .
   وقال أحمد : توهمّت أن بقية لا يحدث المناكير إلا عن المجاهيل ، فإذ هو يحدّث المناكير عن المشاهير ، فعلمت من أين أتى .
   وقال وكيع : ما سمعت أحداً أجرأ على أن يقول : قال رسول الله ، من بقية .

---------------------------
(1) ميزان الاعتدال 2|656.
(2) تهذيب التهذيب 5|123.
(3) تهذيب التهذيب 1|57.
(4) تهذيب التهذيب 1|57.

الرسائل العشرة _ 107 _

   وقال شعبة : بقيّة ذو غرائب وعجائب ومناكير .
   وقال ابن القطّان : يدلس عن الضعفاء ويستبيح ذلك وهذا مفسد لعدالته .
   وقال الفيروزآبادي : بقيّة محدّث ضعيف .
   قال الزبيدي : محدّث ضعيف يروي عن الكذابين ويدلّسهم ، قاله الذهبي في الميزان .
   وقال الذهبي : قال غير واحد : كان مدلّساً ، فإذا قال : عن ، فليس بحجّة (1).

   وهنا كان من المناسب أن نقف وقفة قصيرة مع الحاكم ، الذي أتعب نفسه وأصر على تصحيح هذا الحديث ، وأكد على أن ليس له علّة ، وتوهم أن البخاري ومسلماً ، اللذين لم يخرجاه ـ « توهما أنه ليس له راو عن خالد بن معدان غير ثور بن يزيد » أي : ولولا هذا التوهّم لأخرجاه ! ! .
   ثم قال بالتالي : « قد استقصيت في تصحيح هذا الحديث و . . . كان أحب إلي من والدي وولدي والناس أجمعين ».
فنقول :
   أوّلاً : قد أوقفناك عل بعض علل هذا الحديث ، في أسانيده وطرقه ، وكيف تخفى هذه العلل على مثل البخاري ومسلم ومن تبعهما كالنسائي حتى يوجّه إعراضهم بالتوهّم الذي كرت ، لا سيّما وأن الراوي الآخر عن خالد ـ وهو محمد بن إبراهيم ـ قد خرّج حديثه في الصحيحين كما قلت ؟ ! .
   وثانياً : ما نسبته إلى البخاري من الاحتجاج بـ « عبدالرحمن بن عمرو السلمي » لم نستوثقه إلى هذا الحين . . . فآسم هذا الرجل غير وارد في كتاب ابن القيسراني المقدسي ( الجمع بين رجال الصحيحين ) .

---------------------------
(1) الموضوعات 1|109 و 151 و218 ، ميزان الاعتدال 1|33 ، تهذيب التهذيب 1|416 . تقريب التهذيب 1|104 ، فيض القدير 1|109 ، القاموس المحيط ، وتاج العروس (بقي) .

الرسائل العشرة _ 108 _

   وثالثاً : قولك : « وروى هذا الحديث في أول كتاب الاعتصام بالسنة » .
   إن كنت تقصد البخاري وحديث العرباض بن سارية ـ كما هو ظاهر العبارة ـ فإنا لم نجده .
   ورابعاً : قولك « وقد تابع عبدالرحمن بن عمرو على روايته عن العرباض بن سارية ثلاثة » فيه : أن الثالث منهم تركته أنت لعدم كون الطريق إليه من شرط الكتاب ، والثاني منهم لم يلق العرباض بن سارية حتى يروي عنه ، والأول لم يرو عنه إلاّ أبو داود ، وقال ابن القطّان : لا يعرف .
   هذه نتيجة الجهد الذي بذله الحاكم في تصحيح هذا الحديث ، وهذا شأن الحديث الذي كان تصحيحه أحب إليه من والديه وولده والناس أجمعين ! ! .
   ومن هنا تعرف شأن الحاكم ومستدركه وتصحيحاته ، وتعطي الحق لمن قال : « اعتنى الحاكم بضبط الزائد عليهما وهو متساهل »(1).
   بل قال بعضهم : « طالعت المستدرك الذي صنفه الحاكم من أوله إلى اخره فلم أر فيه حديثاً على شرطهما ! » (2).
   بل عن بعضهم أنه « جمع جزءً فيه الأحاديث التي فيه وهي موضوعة! »(3).

   ومن هنا يظهر بطلان الحديث وأن الحق مع من قال في هذا الحديث بأنه « لا يصحّ » .
   ومن هؤلاء الحافظ ابن القطّان الفاسي . . . فقد ذكر ابن حجر بترجمة « عبد الرحمن بن عمرو السلمي » بعد أن أشار الى هذا الحديث : « وزعم القطان الفاسي أنه لا يصح »(4).

---------------------------
(1) هذه عبارة النوري في التقريب 1|80 بشرح السيوطي.
(2) نقله السيوطي عن أبي سعيد الماليني في تدريب الراوي 1|81.
(3) ذكره السيوطي في تدريب الراوي 1|81 .
(4) تهذيب التهذيب 6|215 .

الرسائل العشرة _ 109 _


   والحافظ الكبير : أبو الحسن الكبير ، بن محمد ، المعروف بآبن القطان الفاسي ، المتوفى سنة 628 ، من كبار منتقدي الحديث والرجال ، ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ وأثنى عليه ، وذكره السيوطي في طبقاته فقال : « ابن القطان ، الحافظ العلامة ، قاضي الجماعة ، أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم الحميري الكتامي الفاسي ، سمع أبا ذر الخشني وطبقته .
   وكان من أبصر الناس بصناعة الحديث ، وأحفظهم لأسماء رجاله ، وأشدهم عناية في الرواية ، معروفاً بالحفظ والإتقان ، صنف : الوهم والإبهام على الأحكام الكبرى لعبد الحق .
   مات في ربيع الأول سنة 628 »(1).
   وقال ابن العربي المالكي بشرح الترمذي : « حكم أبو عيسى بصحته ، وفيه بقية بن الوليد ، وقد تكلم فيه » (2) وهذا طعن صريح في سند الحديث ، وان كان غير شديد ، إذ اكتفى بهذه الكلمة في قدح بقية بن الوليد ، وقد ذكرنا طرفاً من كلماته فيه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد . . .
---------------------------
(1) طبقات الحفّاظ : 498 .
(2) عارضة الاحوذي 10|145 .

الرسائل العشرة _ 110 _


   والقاضي ابن العربي : أبو بكر محمد بن عبد الله ، المتوفى سنة 543 من كبار الحفاظ والفقهاء البارعين . . . ترجم له ابن خلّكان في وفياته ، والذهبي في تذكرته ، وابن كثير في تاريخه . . . وإليك عبارة السيوطي بترجمته في طبقاته : « ابن العربي العلاّمة الحافظ ، القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الأشبيلي ، ولد سنة 468 ، ورحل إلى المشرق ، وسمع من طراد الزينبي ، ونصر بن البطر ، ونصر المقدسي ، وأبي الحسن الخلعي . وتخرج بأبي حامد الغزالي وأبي بكر الشاشي وأبي زكريّا التبريزي .
   وجمع وصنف وبرع في الأدب والبلاغة وبعُد صيته ، وكان متبحراً في العلم ، ثاقب الذهن ، موطّأ الأكناف ، كريم الشمائل ، ولي قضاء أشبيلية فكان ذا شدّة وسطوة ، ثّم عزل ، فأقبل على التأليف ونشر العلم ، وبلغ رتبة الاجتهاد .
   صنف في الحديث والفقه والأصول وعلوم القرآن والأدب والنحو والتاريخ . مات بفاس في ربيع الآخر سنة 543 » (1) .

---------------------------
(1) طبقات الحفّاظ : 468.

الرسائل العشرة _ 111 _


الاستناد إليه في العلوم :
   وهكذا ثبت بطلان هذا الحديث من الأساس . . . فيبطل كل ما بني عليه وفُرّع منه من قبل بعض الناس . . .
   فالمؤلف في علم الأخلاق والسلوك يستدل به في مباحثه ... فترى الغزالي يذكره فيما يستدل به في مباحث الزهد من كتابه (1) .

   ومن المحدثين من استند إلى هذا الحديث لتصحيح حديث غير صحيح ! ! يقول القاري في الأحاديث الموضوعة : « حديث مسح العينين بباطن أنملتي السبّابتين بعد تقبيلهما عند سماع قول المؤذن : أشهد أن محمداً رسول الله ، مع قوله : اشهد أن محمداً عبده ورسوله ، رضيت با لله ربّاً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد عليه الصلاة والسلام نبياً .
   س ذكره الديلمي في الفردوس من حديث أبي بكر الصديق أن النبي ( عليه الصلاة والسلام ) قال : من فعل ذلك فقد حلت عليه شفاعتي .
    قال السخاوي : لا يصح .
   وأورده الشيخ أحمد الحداد في كتابه موجبات الرحمة بسند فيه مجاهيل مع انقطاعه ، عن الخضر عليه السلام ، وكل ما يروى في هذا فلا يصح رفعه ألبتّة .

---------------------------
(1) إحياء علوم الدين 4|233.

الرسائل العشرة _ 112 _

   قلت : وإذا ثبت رفعه إلى الصدّيق فيكفي العمل به ! ! لقوله ( عليه الصلاة والسلام ) : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين . . . » (1) .

   والمتكلمون منهم عندما يبحثون عن أدلة الإمامة وشروطها وأوصاف الإمام وحكم الخارج عليه . . . يقولون بحرمة الخروج على الإمام حتى في حال تغلبه على الأمر بالقهر والسيف ، وحتى إذا صدر منه الفسق والجور والحيف . . . استناداً إلى أمثال هذا الحديث المختلق البيّن الزيف . . .
   ولقد أفرط بعض النواصب المتعصبين فقال في قضية استشهاد الإمام الحسين السبط عليه السلام بما لا يتفّوه به أحد من المسلمين . . . وهذه عبارته : « وما خرج اليه أحد إلا بتأويل ، ولا قاتلوه إلا بما سمعوا من جده المهيمن على الرسل ، المخبر بفساد الحال ، المحذر من الدخول في الفتن ، وأقواله في ذلك كثيرة ، منها قوله : إنه ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمّة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان ، فما خرج الناس إلآ بهذا وأمثاله . . . ودع الأمر يتولاّه أسود مجدّع حسبما أمر به صاحب الشرع . . . » .
   قال : « وأخرج البخاري عن عبد الله بن دينار قال : شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبد الملك بن مروان كتب : إني أقرّ بالسمع والطاعة لعبد الملك أمير المؤمنين على سُنّة الله وسنة رسوله ما استطعت ، وإن بني قد أقرّوا بمثل ذلك » (2) .
   ومنهم من جعله من أدلة خلافة الخلفاء الأربعة ، وذكره في مقابلة الأحاديث الدالة على خلافة أمير المؤمنين بعد رسول الله بلا فصل . . . كالشيخ عبدالعزيز الدهلوي حيث تمسك به في مقابلة حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين (3) .

---------------------------
(1) الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ، للقاري : 306.
(2) العواصم من القواصم لابن العربي المالكي : 232 و 251.
(3) التحفة الاثنا عشرية في الردّ على الإمامية : 219 .

الرسائل العشرة _ 113 _


   وفي الفقه استدلوا بالحديث لتبرير بدع الخلفاء وما أحدثوه في الدين . . . ولنذكر من ذلك نموذجين :

   أحدهما : تحريم عمر المتعتين وقولته المشهورة المعروفة في ذلك (1) ، حيث اضطرب القوم في كيفية توجيه هذا الذي أحدثه عمر في الدين ، وعارضه فيه كبار الصحابة والتابعين ، فالتجأ بعضهم إلى تبريره بحديث : « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين » ! !
   قال ابن قيّم الجوزيّة في كلام له في ذلك : « فإن قيل : فكيف تصنعون بما روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله وأبي بكر حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث .
   وفيما ثبت عن عمر أنه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهى عنهما : متعة النساء ومتعة الحج ؟ ! قيل : الناس في هذا طائفتان : طائفة تقول : إن عمر هو الذي حرمها ونهى عنها ، وقد أمر رسول الله باتباع ما سنه الخلفاء الراشدون . . . » (2) .
أقول : لنا في هذا الموضوع رسالة مستقلة ، كانت الحلقة السابقة من هذه السلسلة فراجعها .

---------------------------
(1) ذكرنا مصادر هذه الكلمة في بحثنا عن المتعتين .
(2) زاد المعاد في هدي خير العباد 2|184 .

الرسائل العشرة _ 114 _


   والثاني : زيادة عثمان الأذان يوم الجمعة . . . فقد أخرجوا عن السائب بن يزيد قوله : « كان الأذان على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) وأبي بكر وعمر إذا خرج الإمام أقيمت الصلاة ، فلما كان عثمان زاد النداء الثالث على الزوراء » .
   وفي لفظ آخر : « فلما كان في خلافة عثمان وكثروا ، أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث ، فأذن على الزوراء ، فثبت الأمر على ذلك » (1) .
   ونصّ شراح البخاري على أن عثمان هو الذي زاد الأذان يوم الجمعة (2) .
   ونص الماوردي والقرطبي على أن الأذان الذي كان من عثمان « محدث » (3) .
   وقال ابن العربي بشرح الترمذي : « الأذان أول شريعة غيرت في الإسلام على وجه طويل ليس من هذا الشأن . . . والله تعالى لا يغير ديننا ولا يسلبنا ما وهبنا من نعمه »(4) .
   وقال المباركفوري بشرحه : « المعنى : كان الأذان في العهد النبوي وعهد أبي بكر وعمر أذانين ، أحدهما حين خروج الإمام وجلوسه على المنبر .
   والثاني حين إقامة الصلاة ، فكان في عهدهم الأذانان فقط ، ولم يكن الأذان الثالث ، والمراد بالأذانين : الأذان الحقيقي والإقامة » (5) .

---------------------------
(1) أخرجه البخاري والترمذي وغيرهما في أبواب أذان الجمعة .
(2) الكواكب الدراري 6|27 ، عمدة القاري 6|210 ، إرشاد الساري 2|178.
(3) تفسير القرطبي 18|100.
(4) عارضة الأحوذي 2|305.
(5) تحفة الأحوذي 3|48 .

الرسائل العشرة _ 114 _

   هذا ، وقد رووا عن ابن عمر قوله عما فعل عثمان أنه « بدعة » (1) .
فهذا ما كان من عثمان . . . في أثناء خلافته . . . كما كان من عمر من تحريم المتعتين . . . في أثناء خلافته . . . وقد اشتدت الحيرة هنا وكثر الاضطراب . . . كما كان الحال تجاه ما فعل ابن الخطاب . . .
1 ـ فالسرخسي أراح نفسه بتحريف الحديث ! ! قال : « . . . لما روي عن السائب ابن يزيد قال : كان الأذان للجمعة على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حين يخرج فيستوي على المنبر ، وهكذا في عهد أبي بكر وعمر ، ثم أحدث الناس الأذان على الزوراء في عهد عثمان » (2) .
   قال : « . . . هكذا كان على عهد رسول الله والخليفتين من بعده ، إلى أن أحدث الناس الأذان على الزوراء على عهد عثمان » (3) .
2 ـ والفاكهاني أنكر أن يكون عثمان هو الذي أحدث الزيادة فقال : « إن أول من أحدث الأذان الأول بمكة الحجاج وبالبصرة زياد » (4) .
3 ـ وشراح البخاري ادعوا قيام الإجماع السكوتي ! ! على المسألة . . . قالوا : شرع باجتهاد عثمان وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار فصار إجماعاً سكوتياً » (5) .
4 ـ وقال ابن حجر : « الذي يظهر أن الناس اخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاك ، لكونه خليفة مطاع الأمر » (6) .

---------------------------
(1) فتح الباري 2|315 .
(2) المبسوط في الفقه الحنفي 1|134.
(3) المبسوط في الفقه الحنفي 2|31 .
(4) فتح الباري شرح البخاري 2|315 ، تحفة الأحوذي 3|48 .
(5) إرشاد الساري 2|178 ، الكواكب الدراري 6|27، عمدة القاري 6|210 .
(6) فتح الباري 2|315 .

الرسائل العشرة _ 115 _

5 ـ وقال بعض الحنفية : « الأذان الثالث الذي هو الاوّل وجوداً إذا كانت مشروعية باجتهاد عثمان وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار صار أمراً مسنوناً ، نظراً إلى قوله : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين » (1) وأجاب هؤلاء ـ الدافعون عن عثمان ـ عما رووا عن عبد الله بن عمر ، بما ذكر ابن حجر : « أن يكون قال ذلك على سبيل الإنكار ، ويحتمل أنه يريد أنه لم يكن في زمن النبي ، وكل ما لم في زمنه يسمى بدعة ، لكن منها ما يكن حسناً ، ومنها ما يكون بخلاف ذلك » .
   قلت : كانت تلك الوجوه التي ذكروها لتبرير ما فعله عثمان :
فأما الوجهان الأول والثاني فلا يعبأ بهما ولا يصغى إليهما .
   وأمّا الوجه الثالث فقد اشتمل على :
أ ـ اجتهاد عثمان .
   وفي الاجتهاد ـ واجتهادات الخلفاء خاصة ـ بحث طويل ليس هذا موضعه ، وعلى فرض القبول فهل يجوز الاجتهاد في مقابل النص ؟ ! .
ب ـ موافقة الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار وفيه :
   أوّلاً : ما الدليل على سكوتهم وعدم إنكارهم ؟ ! فلقد أنكروا عليه يقيناً ولما ينقل كما نقل قول ابن عمر .
   وثانياً : إن السكوت أعم من القبول والرضا .

---------------------------
(1) تحفة الأحوذي 3| 50 .

الرسائل العشرة _ 116 _

ج ـ الإجماع السكوتي .
وفيه :
اوّلاً : في حجية الإجماع كلام .
وثانياً : أنه يتوقف على السكوت الدال على الرضا والموافقة .
وثالثاً : أنه يتوقف على حجية الإجماع السكوتي .
   وأما الوجه الرابع ففيه : إن أخذ الناس بفعل عثمان لا يقتضي مشروعية فعله ، والخليفة إنما يطاع أمره إذا كان امرأ بما أمر الله ورسوله به ، وبه أحاديث كثيرة .
   وأما الوجه الخامس ففيه : إنه يتوقّف :
أولاً : على تمامية هذا الحديث سنداً .
وثانياً : على تمامية دلالته على وجوب اتباع سيرة الخلفاء وإن كانت مخالفة لسيرة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) .
وثالثاً : على أن يكون المراد من « الخلفاء الراشدين المهديين » شاملاً لعثمان أمثاله .
   أما الأمر الأول فقد بيناه في الفصل السابق ، وعرفت أن الحديث باطل موضوع .
   واما الأمران الثاني والثالث فسنذكرهما في هذا الفصل .
   لكن المحققين من القوم لم يوافقوا على دلالة الحديث على وجوب متابعة سيرة الخلفاء ـ حتى بناء على أن المراد خصوص الأربعة ـ فيما لو خالفت سيرتهم السيرة النبوية الكريمة ـ كما في مسألتنا هذه ـ فإن عثمان خالف فيها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وخالف أيضاً أبا بكر وعمر ، لا سيما وأن غير واحد منهم يخصّص حديث : « عليكم بسنتي . . . » بحديث : « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » (1) فيكون قد أمر ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بمتابعة سيرته وسيرة أبي بكر وعمر فقط . . . ! ! .

---------------------------
(1) وهذا الحديث موضوع الرسالة الثانية من هذه الرسائل .

الرسائل العشرة _ 117_

   وعلى هذا الأساس أبطلوا استدلال الحنفيّة وأجابوا عنه بكلمات قاطعة :
   قال المباركفوري : « ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته .
   وقال القاري في المرقاة : فعليكم بسنتي ، أي بطريقتي الثابتة عنّي واجباً ، أو مندوباً ، وسنة الخلفاء الراشدين ، فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي ، فالإضافة إليهم إما لعملهم بها ، أو لاستنباطهم واختيارهم إياها .
   وقال صاحب سبل السلام : أما حديث « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ » .
   أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وصححه الحاكم وقال : على شرط الشيخين .
   ومثله حديث : « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » ، أخرجه الترمذي وقال : حسن ، وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن حبّان ، وله طريق فيها مقال إلا أنه يقوي بعضها بعضاً ، فإنه ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته من جهاد الأعداء وتقوية شعائر الدين ونحوها .
   فإن الحديث عام لكل خليفة راشد لا يخص الشيخين ، ومعلوم من قواعد الشريعة أنه ليس لخليفةٍ راشد أن يشرع طريقة غير ما كان عليها النبي . . .
   قال المباركفوري : إن الاستدلال على كون الأذان الثالث الذي هو من مجتهدات (1) عثمان أمراً مسنوناً ليس بتام . . . » (2) .
   ثم إنهم أطالوا الكلام عن معنى البدعة ، فقال هؤلاء ـ في الجواب عما ذكر ابن حجر وغيره ـ بأنه :

---------------------------
(1) كذا ، ولعله : محدّثات .
(2) تحفة الأحوذي 3|50.

الرسائل العشرة _ 118_

    « لو كان الاستدلال تاماً وكان الأذان الثالث أمراً مسنوناً لم يطلق عليه لفظ البدعة ، لا على سبيل الإنكار ولا على سبيل غير الإنكار ، فإن الأمر المسنون لا يجوز أن يطلق عليه لفظ البدعة بأي معنى كان » (1) وتلخصّ أن لا توجيه لما أحدث عثمان ، لا عن طريق هذا الحديث ـ على فرض صحته ـ ولا عن طريق آخر من الطرق المذكورة .

   واستند الأصوليون إلى هذا الحديث في كتبهم ، ولكن مع اختلاف شديد بين كلماتهم :
1 ـ فمنهم من استدل به للقول بحجية سنة الصحابة ، كالشاطبي ، حيث قال : « سنة الصحابة سنة يعمل عليها ويرجع إليها ، والدليل على ذلك أمور :
أحدها . . .
والثاني : ما جاء في الحديث من الأمر باتباعهم ، وأن سننهم في طلب الاتباع كسنة النبي ( صلى اله عليه وآله وسلّم ) كقوله : فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ » (2) .
2 ـ ومنهم من جعله دليلاً على حجية رأي كل واحد من خلفائه الراشدين من غير حصر في الأربعة ، كصاحب « سبل السلام » كما عرفت من عبارته ، وكالمراغي وغيره كما ستعلم من عبارة شارح المنهاج .
3 ـ ومنهم من جعله حجة على قول كل واحد من الخلفاء الأربعة ، ومن هنا جعلوا من السنة حرمة المتعتين لتحريم عمر ، ووجوب الأذان الزائد يوم الجمعة لزيادة عثمان إياه .

---------------------------
(1) تحفة الأحوذي 3| 50.
(2) الموافقات 4|76 .

الرسائل العشرة _ 119_

4 ـ ومنهم من احتج به للقول بحجية ما اتّفق عليه الخلفاء الأربعة :
قال البيضاوي : « قال القاضي أبو خازم : إجماع الخلفاء الأربعة حجة لقوله عليه السلام : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي » (1) .
   قال شارحه السبكي : « ذهب القاضي أبو خازم من الحنفية ـ بالخاء المعجمة ـ وكذا أحمد بن حنبل ـ في إحدى الروايتين ـ إلى أن إجماع الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي حجة ، مستدلين بما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه الترمذي والحاكم في المستدرك ـ وقال : على شرطهما ـ من قوله : عليكم بسنتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، الحديث .
   فإن قيل : هذا عام في كل الخلفاء الراشدين .
   قيل : المراد الأربعة ، لقوله عليه الصلاة والسلام : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثّم تصير ملكاً عضوضاً ، وكانت مدة الأربعة هذه .
   قيل : والصحيح أن المكمل لهذه المدة الحسن بن علي ، وكانت مدة خلافته أشهر بها تكملت الثلاثون » (2) .
وقال شارحه الأسنوي : « . . . وجه الدلالة : أنه ( صلى الله عليه واله وسلّم ) أمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين كما أمر باتباع سنته ، والخلفاء الراشدون هم : الخلفاء الأربعة المذكورون ، لقوله : الخلافة بعدي . . . »(3) .
   وقال شارحه البدخشي : « قال القاضي أبو خازم . . . أوجب اتباعهم إيجاب اتباعه ، ولهذا لم يعتد أبو خازم بخلاف زيد بن ثابت في توريث ذوي الأرحام ، وحكم برد أموال حصلت في بيت مال المعتضد بالله إلى ذوي الأرحام ، وقبل المعتضد فتواه وأنفذ قضاءه .

---------------------------
(1) المنهاج بشرح السبكي 2| 367 .
(2) الإبهاج في شرح المنهاج 2|367 .
(3) نهاية السؤول في شرح منهاج الوصول 3|267 .

الرسائل العشرة _ 120_

   قال المراغي : وفيه نظر ، لعموم الخلفاء الراشدين وعدم الدليل على الحصر في الأربعة .
   قال العبري : وفيه نظر ، لأن العرف خصّصه بالأئمة الأربعة حتى صار كالعلم لهم .
   أقول : وفيه نظر ، لأن العرف طارئ فلا يخصّص عموم اللفظ الصادر قبل .
   ثم عند الشيعة : إن إجماع الأربعة حُجّة لا من حيث هو ، بل من حيث اشتماله على قول علي رضي الله عنه » (1) .
أقول :
   أما القول الأوّل فلا دلالة لهذا الحديث عليه أصلاً .
   نعم ، يدل عليه الخبر : « أصحابي كالنجوم فبايهم اقتديتم اهتديتم » لكنه حديث موضوع باطل (2) .
وأما القولان الثالث والرابع فموقوفان على قيام الدليل القاطع على حصر المراد في الأربعة ، سواء قلنا بحجية قول كلٍّ منهم على انفراد أو قلنا بحجية قولهم إذا اتفقوا . . . ولا شيء من الدليلين على الحصر ـ وهما حديث « الخلافة بعدي ثلاثون سنة » و « أن العرف خصّصه بالأئمة الأربعة فصار كالعلم لهم » ـ بحيث يصلح لرفع اليد به عن ظهور « الخلفاء » في العموم ، ومن هنا قال الغزالي : « قد ذهب قوم إلى أن مذهب الصحابي حُجّة مطلقاً ، وقوم إلى أنه حجّة إن خالف القياس ، وقوم إلى أن الحجة في قول أبي بكر وعمر خاصة لقوله : اقتدوا باللذين من بعدي ، وقوم إلى أن الحجة في قول الخلفاء الراشدين إذا اتفقوا والكل باطل عندنا » (3) .

---------------------------
(1) مناهج العقول في شرح منهاج الوصول 2| 402 .
(2) كما في الرسالة الاولى من هذه الرسائل .
(3) المستصفى في علم الأصول 1|260 .

الرسائل العشرة _ 121_

   وحينئذ يبقى الحديث على ظهوره في وجوب اتباع سنة كل واحدٍ من الخلفاء الراشدين من بعده ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) .
   ولكن من هم ؟
   وما معنى ذلك ؟ !
   هذا ما سنبينه . . .

   فلنعد إلى النظر في متن الحديث ودلالته . . . بعد فرض تمامية سنده وصحته . . . فبالنسبة إلى المتن . . . قد اتفقت جميع ألفاظ الحديث على أنه « عهد » و « وصية » من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) . . . واشتملت ألفاظه على أمور أربعة هي :
   الأمر بتقوى الله عزّ وجلّ . . .
   والأمر بالسمع والطاعة للحاكم كائناً من كان . . .
   والتحذير من محدثات الأمور . . .
   والأمر باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده . . .
   وليس في شيء من ألفاظ الحديث الوصيّة بالقرآن والعمل به . . . وربما خلت بعض الألفاظ من الأمر بالتقوى . . . ثم إن الأمور الثلاثة ـ عدا الأمر بالتقوى ـ تختلف فيها الألفاظ تقديماً وتأخيراً .
   ولربّما جاءت كلمة « عضّوا عليها . . . » بعد « الطاعة » لا بعد « السنة » . . . وربما قال : « وعضوا على نواجذكم بالحقّ » .

الرسائل العشرة _ 122_

   لكن في أحد الألفاظ : « عليكم بتقوى الله . . . أظنّه قال : والسمع والطاعة » فالراوي غير متأكد من أنه قال ذلك ! ثّم لمن السمع والطاعة ؟ ! .
   والحافظ أبو نعيم رواه بترجمة العرباض بسنده : عن الوليد بن مسلم ، ثنا ثور ابن يزيد ، عن خالد بن معدان ، حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر ، قالا : « أتينا العرباض بن سارية ـ وهو مّمن نزل . . . ـ وقلنا : أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين » (1) .
    رواه إلى هنا ولم يزد عليه .
   ورواه بترجمة خالد من أوله إلى آخره (2) .
والأمر سهل . . . ثم إنه جاء في بعض ألفاظ الحديث في آخره : « فكان أسد بن وداعة يزيد في هذا الحديث : فإن المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد » (3) لكن « أسد بن وداعة » ـ وهو من الذين كانوا يجلسون ويسبّون عليّ بن أبي طالب عليه السلام كما عرفت ـ لم يقع في شيء من طرق الحديث فبأي وجه كان يزيد في هذا الحديث ؟ ! وهل المؤمن كالجمل . . . ؟ ! .
    فلما رأى بعضهم أن هذا تلاعبّ بالحديث بزيادة باطلة من رجل مبطل ، وأن ذلك قد يكشف عن حقيقة حال الحديث . . . صحّفه إلى :
---------------------------
(1) حلية الأولياء 2|13 .
(2) حلية الأولياء 2|13 .
(3) المستدرك 1|96.

الرسائل العشرة _ 123_

   « . . . وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشياً ، فكان أشدّ علينا من وداعة ، يزيد في هذا الحديث : فإن المؤمن . . . » (1) .
    لكن تبقى كلمة « يزيد » بلا فاعل . . . ! فرجح البعض الآخر إسقاط الجملة وإلحاق الكلام بالحديث ، فقال : « وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً ، فإنما المؤمن . . . » (2).
   وليته أسقط الكلام أيضاً ، لكنه يقوّي المعنى ويؤكّد وجوب الطاعة المطلقة لوليّ الأمر كائناً من كان ! ! هذا ما يتعلق بالمتن . . .

   والأمر المهّم الذي اتفقت عليه جميع ألفاظ الحديث إخباره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالاختلاف الكثير من بعده ، ثم أمره من أدرك ذلك باتباع سنته وسنة الخلفاء بلفظ « فعليكم » .
   ففي جميع الألفاظ : « فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء . . . » .
و « السنة » هي الطريقة والسيرة ، يقال : سن الماء ، وسنّ السبيل ، وسنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كذا ، أي : شرّعه وجعله شرعاً .
   وسنته عند أهل الشرع : قوله وفعله وتقريره ، ولهذا يقال في أدلة الشرع : الكتاب والسنة ، أي : القرآن والحديث (3).
    وعلى الجملة ، فمعنى السنة في الشريعة نفس معناها في اللغة لم يعدل بها عنها .

---------------------------
(1) عارضة الأحوذي 10| 145 .
(2) تهذيب الأسماء واللغات 3|156 ، النهاية « سن » المصباح المنير 1|312 ، إرشاد الفحول : 29 .
(3) النهاية « سنن » .

الرسائل العشرة _ 124_


   وسُنّة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) الثابتة عنه بالطرق المعتبرة حجّة بلا كلام ، وضرورة دينية لا يخالف فيها إلا من لا حظ له من دين الإسلام . . . وقد استدلّوا عل حجيتها بآيات من الكتاب وأحاديث عن المصطفى ، لكن لا يتّم الاستدلال بها إلا على وجه دائر كما لا يخفى . . . فالعمدة في وجه الحجّيّة هي « العصمة » ومن هنا يتعرض العلماء ـ في بحثهم عن حجيّة السنة ـ لعصمة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (1).
معنى سُنّة الخلفاء :
   قال ابن فارس : « وكره العلماء قول من قال : سنة أبي بكر وعمر ، وإنما يقال : سنة الله وسنة رسوله » (2) قلت : وجه كراهية العلماء ذلك واضح ، لأن كلمة « السنة » أصبحت في عرف المتشرعة مختصّةً بما عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قولاً وفعلاً وتقريراً ، لأنه الحجّة بعد الكتاب ، حيث يقال : الكتاب والسنة ، لكنهم كرهوا هذا القول مع كون حديث « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين » بمرأىً منهم ومشهد ، فإن كانوا في شك من صدور الحديث عن النبي فلا بحث ، وإلأ فبم يفسرونه ؟ ! .
   هنا مشاكل :
1 ـ لقد ذكرنا أن « السنة » في اللغة بمعنى « الطريقة » ، وهي بنفس المعنى في الشريعة بالنسبة إلى « سنة النبي » ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فهل تفسر « سنة الخلفاء » بنفس المعنى كذلك ؟ ! .

---------------------------
(1) لا حظ كتب الأصول كإرشاد الفحول : 29 .
(2) فقه العربية « سنن ».

الرسائل العشرة _ 125_

2 ـ لقد عطف ( صلى الله عليه وآله وسلم ) « سنة الخلفاء » على « سنته » وظاهر العطف هو المغايرة بين السنتين ، فما معنى هذه المغايرة ؟ ! وكيف يأمر ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) اتباع سنتهم المغايرة لسنته ؟ ! .
3 ـ أمره باتباع سنتهم مطلق غير مقيّد كما هو الحال في وجوب اتباع سنته ، وهكذا أمر يقتضي عصمة المتبوع بلا ريب ، اما النبي فمعصوم بالإجماع ، وأما الخلفاء فليس كلّهم بمعصوم بالإجماع ، فكيف يؤمر ـ أمراً مطلقاً ـ باتباع المعصوم وغير المعصوم معاً ؟ ! .
   هذه مشاكل حار القوم في حلها . . . واضطربوا اضطراباً شديداً تجاهها . . . قال الشوكاني : « إن أهل العلم قد أطالوا الكلام في هذا وأخذوا في تأويله بوجوه أكثرها متعسفة » (1).
المشكلة الأ ولى :
    أما الأولى فلا مانع من حلّها بتفسير « السنة » هنا أيضاً بـ « الطريقة » كما ذكر الشرّاح كصاحب « سبل السلام » والقاري والمباركفوري . . . وهذا هو الذي اختاره الشوكاني حيث قال : « الذي ينبغي التعويل عليه والمصير إليه هو العمل بما يدلّ عليه هذا التركيب بحسب ما تقتضيه لغة العرب ، فالسنة هي الطريقة ، فكأنه قال : الزموا طريقتي وطريقة الخلفاء الراشدين ، وقد كانت طريقتهم هي نفس طريقته ، فإنهم أشدّ الناس حرصاً عليها وعملاً بها في كل شيء وعلى كل حال ، كانوا يتوقون مخالفته في أصغر الأمور فضلاً عن أكبرها » (2).

---------------------------
(1) إرشاد الفحول .
(2) إرشاد الفحول .

الرسائل العشرة _ 126_

أقول :
   وهكذا تنحل المشكلة الأولى ، وقد أكّد كلهم على أنه « كانت طريقتهم نفس طريقته » متجاوزين ظهور الحديث في المغايرة ، وقد أضاف الشوكاني بأن علّل اتخاد الطريقة بقوله : « فإنهم أشدّ الناس حرصاً عليها وعملاً بها في كل شيء وعلى كل حال ، كانوا يتوقون مخالفته في أصغر الأمور فضلاً عن أكبرها » .
   قلت : لكنّا وجدنا الخلفاء الثلاثة ـ وكذا أكثر الأصحاب ـ يخالفونه في أكبر الأمور فضلاً عن أصغرها ، حتى مع وجود النصوص الصريحة عنه ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ، وقد سبق أن ذكرنا بعض الموارد المسلمة من تلك المخالفات . . . فالّذين كانت « طريقتهم نفس طريقته ، فإنهم أشد الناس حرصاً عليها وعملا بها . . . » غير هؤلاء ، فمن هم ؟ ! .
   المشكلة الثانية :
   وإذا كان المراد من « الخلفاء » غير الذين يقول بهم أهل السنة فالمشكلة الثانية منحلة أيضاً . . . أما على قولهم فقد رأيتهم يتجاوزون هذه المشكلة . . . إلأ الشوكاني . . . فإنه قال بعد عبارته المذكورة : « وكانوا إذا أعوزهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله عملوا بما يظهر لهم من الرأي بعد الفحص والبحث والتشاور والتدبر ، وهذا الرأي عند عدم الدليل هو أيضاً من سنته ، لما دلّ عليه حديث معاذ لمّا قال له رسول الله : بما تقضي ؟ قال : بكتاب الله .
  قال : فإن لم تجد ؟ قال : فبسنة رسوله .
   قال : فإن لم تجد؟ قال : أجتهد رأيي . قال : الحمد لله الذي وفق رسوله أو كما قال ، وهذا الحديث وإن تكلم فيه بعض أهل العلم بما هو معروف ، فالحق أنه من قسم الحسن لغيره وهو معمول به ، وقد أوضحت هذا في بحثٍ مستقلً .
   فإن قلت : إذا كان ما عملوا فيه بالرأي هو من سنته لم يبق لقوله : « سنة الخلفاء الراشدين » ثمرة .

الرسائل العشرة _ 127_

   قلت : ثمرته أن من الناس من لم يدرك زمنه وأدرك زمن الخلفاء الراشدين ، أو أدرك زمنه وزمن الخلفاء ، ولكنه حدث أمر لم يحدث في زمنه ، ففعله الخلفاء ، فأشار بهذا الإرشاد إلى سنة الخلفاء إلى دفع ما عساه يتردّد إلى بعض النفوس من الشك ويختلج فيها من الظنون .
   فأقل فوائد الحديث أن ما يصدر منهم من الرأي وإن كان من سنته كما تقدّم ، ولكنه أولى من رأي غيرهم عند عدم الدليل .
   وبالجملة فكثيراً ما كان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ينسب الفعل أو الترك إليه أو إلى أصحابه في حياته مع أنه لا فائدة لنسبته إلى غيره مع نسبته إليه ، لأنه محل القدوة ومكان الأسوة .
   فهذا ما ظهر لي في تفسير هذا الحديث ، ولم أقف عند تحريره على ما يوافقه من كلام أهل العلم . فإن كان صواباً فمن الله ، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان ، وأستغفر الله العظيم » (1).
أقول :
   لقد تنبه هذا الشيخ الجليل إلى أن القول بأن « طريقتهم نفس طريقته » يتنافى وظاهر الحديث الدال على « المغايرة » ، ورفع اليد عن الظهور بلا دليل غير جائز ، فنقل الكلام إلى حجيّة آراء الخلفاء واجتهاداتهم ، وقال بذلك استناداً إلى حديث معاذ ، ثّم ذكر في هذا المقام دلالة الحديث على المغايرة بصورة سؤال ، وحاول الإجابة عنه بما هو في الحقيقة التزام بالإشكال ! .
وعلى الجملة ، فإن الكلام في إثبات أنّ « طريقة الخلفاء نفس طريقة النبي » .
   والإجابة عما إن قيل بأنه : كيف تكون طريقتهم نفس طريقته وظاهر الحديث المغايرة ؟ ! وأنه إذا « كانت طريقتهم نفس طريقته » لم يبق لقوله : « وسنة الخلفاء » ثمرة ؟ ! .
   امّا أن اجتهادات الخلفاء وآرائهم حجّة أو لا ؟ فذاك بحث آخر ليس هذا موضعه ، وخلاصة الكلام فيه أنه لا دليل عليه إلآ حديث معاذ الذي أخرجه الترمذي وأبو داود وأحمد عن « الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة قال : حدّثنا ناس من أصحاب معاذ عن معاذ » .
   فمن الحارث ؟ ! ومن أصحاب معاذ ؟ ! .

---------------------------
(1) إرشاد الفحول : 214 .

الرسائل العشرة _ 128_

   ولذا اعترف الشوكاني بهوانه ، بل عده بعضهم في ( الموضوعات ) كما لا يخفى على من يراجع شروح السنن والكتب المطولات . . .
   والحاصل : إن المشكلة الثانية باقية على أساس أهل السنة ، وأن هذا الذي ظهر للشوكاني في تفسير الحديث ـ ولم يقف على ما يوافقه من كلام أهل العلم ـ يجب عليه أن يستغفر منه ! .
المشكلة الثالثة :
   قد ذكرنا أن الأمر المطلق بالإطاعة والمتابعة المطلقة دليل على عصمة المتبوع . . . وقد نصّ على ذلك العلماء في نظائره ، كقوله تعالى : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) قال الرازي بتفسيره ما نصه : « إن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوماً عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأ منهى عنه ، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد ، وإنه محال .
   فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أن كل من أمر الله بطاعته عل سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ » (1).
   وفي هذا المقام أيضاً نبّه الغزّالي على ذلك ، حيث قال بعد الحكم ببطلان الأقوال ـ في عبارته التي نقلناها آنفاً ـ ما نصّه : « فإنه من يجوز عليه الغلط والسهو ولم تثبت عصمته عنه فلا حجة في قوله ، فكيف يحتجّ بقولهم مع جواز الخطأ ؟ !
   وكيف ندّعي عصمتهم من غير حجة متواترة ؟ !
   وكيف يتصوّر عصمة قوم مجوز عليهم الاختلاف ؟!
   وكيف يختلف المعصومان ؟!
   كيف وقد اتفقت الصحابة على جوازمخالفة الصحابة ، فلم ينكر أبو بكر وعمر على من خالفهما بالاجتهاد ، بل أوجبوا في مسائل الاجتهاد على كل مجتهد أن يتبع اجتهاد نفسه ؟!
   فانتفاء الدليل على العصمة ، ووقوع الاختلاف بينهم ، وتصريحهم بجواز مخالفتهم فيه ، ثلاثة أدلة قاطعة » (2).
أقول :
   نعم ، هي ـ وغيرها مّما ذكرناه ومما لم نذكره ـ أدلة قاطعة على أن ليس « الخلفاء » في هذا الحديث مطلق الصحابة ، ولا مطلق الخلفاء ، ولا خصوص الأربعة مطلقاً . . .

---------------------------
(1) التفسير الكبير 10|144.
(2) المستصفى 1|135.

الرسائل العشرة _ 129_

بطلان الحديث دلالةً :    وتلخّص أن هذا الحديث لا ينطبق في معناه على الأصول المعتمدة عند أهل السنة ، وأن الوجوه التي ذكروها أكثرها متعسفة لا تحل المشاكل الموجودة فيه على أصولهم . . . فلا مناص من الاعتراف ببطلان الحديث من ناحية الدلالة كذلك . . .

   لكنه ينطبق من حيث الدلالة على مباني الإماميّة في الأصولين ، واستدلالاتهم من الكتاب والسنة المتواترين . . .
وبيان ذلك :
   إن هذا الحديث وصية وعهد من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ قاله وكأنه مودّع ـ تعيينا لوظيفة الأمّة وتكليفها إذا كان « الاختلاف الكثير » فإنهم إذا تبعوا « سنته وسنة الخلفاء الراشدين » أمنوا من الهلاك والضلال . . . فهو صريح في حصر الاتباع في « الخلفاء » من بعده اتباعاً مطلقاً ، فيجب كونهم معصومين . . . والإشارة إلى حديث الثقلين : وحديث الثقلين ... كذلك ... (1).

---------------------------
(1) حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة القطعية الصدور ، المتفق عليها بين المسلمين ، أخرجه من أهل السنة مسلم في صحيحه ، وكذا أصحاب السنن والمسانيد والمعاجم كافة ... عن أكثر من صحابي وصحابية ... عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بألفاظ مختلفة في مواقف متعددة ... راجع : الأجزاء 1 ـ 3 من كتابنا : نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الاطهار .