الفهرس العام





5 ـ بل وجدناه في السقيفة يخاطب الحاضرين بقوله : « بايعوا أيّ الرجلين شئتم » يعني : أبا عبيدة وعمر بن الخطاب (1) ويلتفت إلى أبي عبيدة الجراح قائلاً : « امدد يدك ابايعك » (2).
6 ـ ثم لمّا بويع بالخلافة قال : « أقيلوني ، أقيلوني ، فلست بخيركم . . . »(3).
7 ـ ثم لمّا حضرته الوفاة قال : « وددت أني سألت رسول الله لمن هذا الأمر ، فلا ينازعه أحد ، وددت أني كنت سألت : هل للأنصار في هذا الأمر نصيب » (4).

---------------------------
(1) أنظر : صحيح البخاري ـ باب فضل أبي بكر ، مسند أحمد 1| 56 ، تاريخ الطبري 3| 309 ، السيرة الحلبية 3| 386 ، وغيرها .
(2) الطبقات الكبرى 3|128 ، مسند أحمد 1|35 ، السيرة الحلبية 3|386 .
(3) الإمامة والسياسة 1|14 ، الصواعق المحرقة : 30 ، الرياض النظرة 1|175 ، كنز العمال 3|132 .
(4) تاريخ الطبري 3|431 ، العقد الفريد 2|254 ، الإمامة والسياسة 1|18 ، مروج الذهب 2|302 .

الرسائل العشرة _ 80 _

8 ـ وجاء عمر يقول : « كانت بيعة أبي بكر فلتة ، وقى المسلمين شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه » (1).
   وبعد : فما هو متن الحديث ؟ وما هو مدلوله ؟ قد عرفت سقوط هذا الحديث معنى على فرض صدوره . . . وعلى الفرض المذكور . . . فلا بُدّ من الالتزام بأحد أمرين : إمّا وقوع التحريف في لفظه ، وإمّا صدوره في قضيةٍ خاصّة . . .
   أمَا الأول فيشهد به : أنه قد روى هذا الخبر بالنصب ، أي جاء بلفظ « أبا بكر وعمر» بدلاً عن « أبي بكر وعمر » وجعل أبو بكر وعمر مناديين مأمورين بالاقتداء . . . (2).
   فالنبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يأمر المسلمين عامة بقوله « اقتدوا » ـ مع تخصيصٍ لأبي بكر وعمر بالخطاب ـ « باللذين من بعده » وهما « الكتاب والعترة » ، وهما ثقلاه اللذان طالما أمر بالاقتداء والتمسك والاعتصام بهما (3).
   وأما الثاني . . . فهو ما قيل : من أن سبب هذا الخبر : أن النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) كان سالكاً بعض الطرق ، وكان أبو بكر وعمر متأخرّين عنه ، جائيين على عقبه ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لبعض من سأله عن الطريق الذي سلكه في اتّباعه واللحوق به : « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » وعنى في سلوك الطريق دون غيره (4).

---------------------------
(1) صحيح البخاري 5|208 ، الصواعق المحرقة : 5 ، تاريخ الخلفاء : 67 .
(2) تلخيص الشافي 3|35 .
(3) راجع حديث الثقلين لألفاظه وطرقه ودلالاته في الاجزاء الثلاثة الاُولى من كتابنا الكبير « نفحات الازهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الائمة الاطهار » .
(4) تلخيص الشافي 3|38 .

الرسائل العشرة _ 81 _

   وعلى هذا فليس الحديث على إطلاقه ، بل كانت تحفّه قرائن تخصّه بمورده ، فأسقط الرّاوي القرائن عن عمدٍ أو سهو ، فبدأ بظاهره أمراً مطلقاً بالاقتداء بالرجلين . . . وكم لهذه القضية من نظير في الأخبار والأحاديث الفقهية والتفسيريّة والتاريخية . . . ومن ذلك . . . ما في ذيل « حديث الاقتداء » نفسه في بعض طرقه . . . وهذا ما نتكلم عليه بإيجاز . . . ليظهر لك أن هذا الحديث ـ لو كان صادراً ـ ليس حديثاً واحداً ، بل أحاديث متعددة صدر كل منها في مورد خاص لا علاقة له بغيره . . .
   لقد جاء في بعض طرق هذا الحديث :
   « اقتدوا باللذين . . . واهتدوا بهدي عمّار ، وتمسكوا بعهد ابن اُم عبد ، أو : إذا حدثكم ابن ام عبد فصدقوه أو : ما حدّثكم ابن مسعود فصدّقوه » .
   فالحديث مشتمل على ثلاث فقر ، الاولى تخص الشيخين ، والثانية عمار بن ياسر ، والثالثة عبد الله بن مسعود .
   أمّا الفقرة الاولى فكانت موضوع بحثناً ، فلذا أشبعنا فيها الكلام سنداً ودلالة . . . وظهر عدم جواز الاستدلال بها والأخذ بظاهر لفظها ، وأن من المحتمل قوّ ياً وقوع التحريف في لفظها أو لدى النقل لها بإسقاط القرائن الحافّة بها الموجب لخروج الكلام من التقييد إلى الإطلاق ، فإنه نوع من أنواع التحريف ، بل من أقبحها وأشنعها كما هو معلوم لدى أهل العلم .
    وأمّا الفقرتان الاخريان فلا نتعرّض لهما إلاّ من ناحية المدلول والمفاد لئلاّ يطول بنا المقام . . . وإن ذكراً في فضائل الرجلين ، وربّما استدلّ بهما بعضهم في مقابلة بعض فضائل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام . . . فنقول : قوله : « اهتدوا بهدي عمّار » معناه : « سيروا بسيرته واسترشدوا بإرشاده » .
   فكيف كانت سيرة عمار؟ وما كان إرشاده ؟
   وهل سار القوم بسيرته واسترشدوا بإرشاده ؟ !
     هذه كتب السير والتواريخ بين يديك ! ! وهذه نقاط من « سيرته » و « إرشاده » :
تخلف عن بيعة أبي بكر (1)وقال لعبد الرحمن بن عوف ـ حينما قال للناس في قصة الشورى : أشيروا علي ـ « إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع علياً » (2).

---------------------------
(1) المختصر في أخبار البشر 1|156 ، تتمّة المختصر 1|187 .
(2) تاريخ الطبري 3|297 ، الكامل 3|37 العقد الفريد 2|182 .

الرسائل العشرة _ 82 _

   وقال ـ بعد أن بويع عثمان ـ : « يا معشر قريش ، أمّا إذا صدفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبييكم هاهنا مرة هاهنا مرة ، فما أنا بآمن من أن ينزعه الله فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله » (1) وكان مع علي عليه السلام منذ اليوم الأول حتى استشهد معه بصفين وقد قال رسول ( الله صلّى الله عليه وآله ) : « عمّار تقتله الفئة الباغية » (2) و « من عادى عماراً عاداه الله »(3).
   ثم لماذا أمر النبّي ( صلّى الله عليه وآله ) بالاهتداء بهدي عمّار والسير على سيرته ؟ لأنه قال له من قبل : « ياعمّار ، إن رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس كلّهم وادياً غيره فاسلك مع علي ، فإنه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من هدى . . . يا عمار : إن طاعة علي من طاعتي ، وطاعتي من طاعة الله عزوجل (4).
وقوله : « وتمسكوا بعهد ابن اُم عبد » أو « إذا حدّثكم ابن ام عبد فصدّقوه » ما معناه؟ إن كان « الحديث » فهل يصدّق في كل ما حدّث ؟ هذا لا يقول به أحد . . . وقد وجدناهم على خلافه . . . فقد منعوه من الحديث ، بل كذّبوه ، بل ضربوه . . . فراجع ما رووه ونقلوه . . . (5).
وإن كان « العهد » فأي عهدٍ هذا؟

---------------------------
(1) مروج الذهب 2|342 .
(2) المسند 2|164 ، تاريخ الطبري 4|2 و 4|28 ، طبقات ابن سعد 3|253 ، الخصائص : 133 ، المستدرك 3|378 ، عمدة القاري 24|192 ، كنزالعمال 16|143 .
(3) الاستيعاب 3|1138 ، الإصابة 2|506 ، كنز العمال 13|298 ، إنسان العيون 2|265 .
(4) تاريخ بغداد 13|186 ، كنز العمال 12|212 ، فرائد السمطين 1|178 . المناقب ـ للخوارزمي ـ : 57 و 124 .
(5) مسند الدارمي 1|61 . طبقات ابن سعد 2|336 ، تذكرة الحفّاظ 1|5 ـ 8 ، المعارف : 194 ، الرياض النضرة 2|163 ، تاريخ الخلفاء 158 ، اُسد الغابة 3|259 .

الرسائل العشرة _ 83 _

   وإن كان « العهد » فأي عهدٍ هذا؟ لا بد أن يكون إشارة إلى أمر خاص . . . صدر في مورد خاصّ . . . لم تنقله الرواة . . . لقد رووا في حقّ ابن مسعود حديثاً آخر ـ جعلوه من فضائله ـ بلفظ : « رضيت لكم ما رضي به ابن اُم عبد » (1).
. . . ولكن ما هو؟ لا بد أن يكون صادراً في مورد خاص . . . بالنسبة إلى أمر خاصً . . . لم تنقله الرواة . . . إنه ـ فيما رواه الحاكم ـ كما يلي :
   « قال النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لعبد الله بن مسعود : إقرأ .
   قال : أقرأ وعليك انزل ؟ !
   قال : إني أحب أن أسمع من غيري .
   قال : فافتح سورة النساء حتى بلغ : ( فكيف إذا جئنا من كل اُمةٍ بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ) فاستعبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ، وكفّ عبد الله .
   فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) : تكلّم
.    فحمد الله في أول كلامه وأثنى على الله وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) وشهد شهادة الحق .
   وقال : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً ، ورضيت لكم ما رضي الله ورسوله .
   فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) : رضيت لكم ما رضي لكم ابن اُم عبد .
   هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه » (1).
   فانظر كيف تلاعبوا بأقوال النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتصرفوا في السنة الشريفة . . . فضلوا وأضلوا . . . ! ! ونعود فنقول : إن السنة الكريمة بحاجةٍ ماسّةٍ إلى تحقيق وتمحيص ، لا سيما في القضايا التي لها صلة وثيقة بأساس الدين الحنيف ، تبنى عليها أصول العقائد ، وتتفرع منها الأحكام الشرعية .
   والله نسأل أن يتغمد بواسع رحمته مشايخنا الأبرار ، الذين تعلّمنا في مدرستهم مناهج التحقيق ، وتدربنا على سبل البحث والاستدلال . . . لا سيما السيد صاحب « عبقات الأنوار » . . . وأن يوفقنا لتحقيق الحق وقبول ما هو به جدير ، إنه سميع مجيب وهو على كلّ شيء قدير .
علي الحسيني الميلاني

---------------------------
(1) المستدرك على الصحيحين 3|319 .

الرسائل العشرة _ 84 _

رسالةُ في حديث


تأليف
السيد علي الحسيني الميلاني

   الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين . . .
وبعد :
   فهذه رسالة أخرى كتبتها حول حديث آخر . . . أنه حديث في وجوب إطاعة الأمراء واتباع سنة الخلفاء الراشدين وإن كانت السنة والإمارة على خلاف الموازين . . . أخرجوه في غير واحدٍ من أهم أسفارهم ، وجعله غير واحد منهم من أصحّ أخبارهم . . . ثمّ اتخذوه مستنداً لتبرير أُمورٍ وأحكامٍ سابقة ، ومستمسكاً لأعمالٍ وقضايا لاحقة . . . لقد بحثت عن هذا الحديث بحثاً شاملاً ، وحققته تحقيقاً كاملاً ، فجاء ت رسالة نافعة للمحققين ، لا تخفى فوائدها على الباحثين . . . فإليهم أقدّم هذا الجهد ، والله من وراء القصد.

الرسائل العشرة _ 85 _



   أخرج الترمذي قائلاً :
1 ـ « حدّثنا علي بن حجر ، حدّثنا بقيّة بن الوليد ، عن بحير بن سعيد ، عن خالد بن معدان ، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي ، عن العرباض بن سارية ، قال :
   وعظنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ، ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب . فقال رجل : إن هذه موعظة مودّعٍ ، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله ؟ .
   قال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً ، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة ، فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديّين ، عضّوا عليها بالنواجذ .
   قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
   وقد روى ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي ، عن العرباض بن سارية ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) نحو هذا ، حدثنا بذلك :
2 ـ الحسن بن علي الخلاّل وغير واحد ، قالوا : حدثنا أبو عاصم ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي ، عن العرباض بن سارية ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ، نحوه ، والعرباض بن سارية يكنى : أبا نجيح .
3 ـ وقد روي هذا الحديث عن حجر بن حجر ، عن عرباض بن سارية ، عن إلنبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، نحوه » (1).

---------------------------
(1) صحيح الترمذي 5|44 ـ 45 باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع .

الرسائل العشرة _ 86 _


   وأخرج أبو داود قائلاً :
   « حدثنا أحمد بن حنبل ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا ثور بن يزيد ، قال : حدثني خالد بن معدان ، قال : حدثني عبدالرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر ، قالا : أتينا العرباض بن سارية ـ وهو ممن نزل فيه : ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه ) ـ فسلّمنا وقلنا : اتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين .
   فقال العرباض : صلى بنا رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) ذات يوم ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب .
   فقال قائل : يا رسول الله ، كأنّ هذا موعظة مودع ، فماذا تعهد إلينا ؟ فقال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان عبدّ حبشي ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين ، تمسّكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وايّاكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة » (1).

   وأخرج ابن ماجة قائلاً :
1 ـ حدثنا عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا عبد الله بن العلاء ـ يعني ابن زبر ـ ، حدثني يحيى بن أبي المطاع ، قال : سمعت العرباض بن سارية يقول : قام فينا رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلّم ) ذات يوم ، فوعظنا موعظة بليغة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون .
   فقيل : يا رسول الله ، وعظتنا موعظة مودّع فاعهد إلينا بعهد .

---------------------------
(1) سنن ابي داود 2|261 باب في لزوم السُنّة .

الرسائل العشرة _ 87 _

   فقال : عليكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وان عبداً حبشياً ، وسترون من بعدي اختلافاً شديداً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضّوا عليها بالنواجذ ، وايّاكم والأمور المحدثات ، فإن كل بدعة ضلالة .
2 ـ حدّثنا إسماعيل بن بشر بن منصور واسحاق بن إبراهيم السواق ، قالا : ثنا عبد الرحمن بن مهديّ ، عن معاوية بن صالح ، عن ضمرة بن حبيب ، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي ، انه سمع العرباض بن سارية يقول :
   وعظنا رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) موعظة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب .
   فقلنا : يا رسول الله ، إن هذه لموعظة مودع ، فماذا تعهد إلينا ؟
   قال : قد تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً ، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حينما قيد انقاد .
3 ـ حدثنا يحيى بن حكيم ، ثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي ، ثنا ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن عبد الرحمن بن عمرو ، عن العرباض بن سارية ، قال :
صلّى بنا رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) صلاة الصبح ، ثم أقبل علينا بوجهه ، فوعظنا موعظة بليغة . فذكر نحوه لا (1).

---------------------------
(1) سنن ابن ماجة 1|15 ـ 17 باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديّين .

الرسائل العشرة _ 88 _


   وجاء في مسند أحمد :
1 ـ « حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا معاوية ـ يعني ابن صالح ـ ، عن ضمرة بن حبيب ، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي ، أنه سمع العرباض بن سارية ، قال :
   وعظنا رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) موعظة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب . قلنا : يا رسول الله ، إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟.
   قال : قد تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً ، عضوا عليها بالنواجذ ، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما انقيد إنقاد »
2 ـ حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا الضحاك بن مخلد ، عن ثور ، عن خالد بن معدان ، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي ، عن عرباض بن سارية ، قال :
   صلّى لنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )الفجر ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها الأعين ، ووجلت منها القلوب قلنا ـ أو قالوا ـ : يا رسول الله ، كأنّ هذه موعظة مودع فأوصنا .
   قال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم يرى بعدي اختلافا كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وإن كل بدعة ضلالة .
3 ـ حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا ثور بن يزيد ، ثنا خالد ابن معدان ، قال : ثنا عبدالرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر ، قالا : أتينا العرباض بن سارية ـ وهو ممن نزل فيه : ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه) ـ فسلّمنا وقلنا : أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين .
   فقال عرباض : صلى بنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) الصبح ذات يومٍ ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب .
   فقال قائل : يا رسول الله ، كأن هذه موعظة مودّع ، فماذا تعهد إلينا ؟

الرسائل العشرة _ 89 _

   فقال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً ، فإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
4 ـ حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا حياة بن شريح ، ثنا بقية ، حدثني بحير بن سعيد ، عن خالد بن معدان ، عن ابن أبي بلال ، عن عرباض بن سارية ، أنه حدثهم أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) وعظهم يوماً بعد صلاة الغداة ، فذكره
5 ـ حدّثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا إسماعيل ، عن هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن خالد بن معدان ، عن ابن أبي بلال ، عن العرباض بن سارية ، أنه حدثهم أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعظهم يوماً بعد صلاة الغداة ، فذكره » (1).


وأخرج الحاكم قائلاً :
1 ـ « حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا أبو عاصم ، ثنا ثور بن يزيد ، ثنا خالد بن معدان ، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي ، عن العرباض بن سارية ، قال : صلى لنا رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلّم ) صلاة الصبح ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودّع فأوصنا .
   قال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن أُمّر عليكم عبد حبشي . فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة ، هذا حديث صحيح ليس له علّة .
   وقد احتجّ البخاري بعبد الرحمن بن عمرو وثور بن يزيد ، وروى هذا الحديث في أول كتاب الاعتصام بالسنة .
   والّذي عندي أنهما ـ رحمهما الله ـ توهّما أنه ليس له راوٍ عن خالد بن معدان غير ثور بن يزيد ، وقد رواه محمد بن إبراهيم بن الحارث المخرج حديثه في الصحيحين عن خالد بن معدان .

---------------------------
(1) مسند أحمد بن حنبل 4|126.

الرسائل العشرة _ 90 _

   2 ـ حدثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب ، ثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي ، ثنا عبد الله بن يوسف التنيسي ، ثنا الليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم . عن خالد بن معدان ، عن عبد الرحمن بن عمرو ، عن العرباض بن سارية ـ من بني سليم ، من أهل الصفة ـ قال : خرج علينا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يوماً فقام فوعظ الناس ورغبهم وحذرهم وقال ما شاء الله أن يقول .
   ثم قال : اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، وأطيعوا من ولاه الله أمركم ، ولا تنازعوا الأمر أهله ولو كان عبداً أسود ، وعليكم بما تعرفون من سنة نبيكم والخلفاء الراشدين المهديين ، وعضوا على نواجذكم بالحقّ .
   هذا إسناد صحيح على شرطهما جميعاً ، ولا أعرف له علّةً .
    وقد تابع ضمرة بن حبيب خالد بن معدان على رواية هذا الحديث عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي .
3 ـ حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد العنبري ، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي وأخبرنا أبو بكر محمد بن المؤمل ، ثنا الفضل بن محمد ، قالا : ثنا أبو صالح ، عن معاوية بن صالح .
   وأخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي ، ثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل ، حدّثني أبي ، ثنا عبدالرحمن ـ يعني ابن مهدي ـ ، عن معاوية بن صالح .
   عن ضمرة بن حبيب ، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي ، أنه سمع العرباض ابن سارية قال :
   وعظنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) موعظة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقلنا يا رسول الله ، إن هذا لموعظة مودّعٍ فماذا تعهد إلينا ؟
   قال : قد تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء المهديّين الراشدين من بعدي ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً ، عضوا عليها بالنواجذ .
   فكان أسد بن وداعة يزيد في هذا الحديث : فإن المؤمن كالجمل الأنف حيث ما قيد انقاد ، وقد تابع عبد الرحمن بن عمرو على روايته عن العرباض بن سارية ثلاثة من الثقات الأثبات من أئمة أهل الشام : منهم : حجر بن حجر الكلاعي :

الرسائل العشرة _ 91 _

4 ـ حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ، ثنا أبو عبد الله محمد بن إبرإهيم العبدي ، ثنا موسى بن أيوب النصيبي وصفوان بن صالح الدمشقي ، قالا :
   ثنا الوليد ابن مسلم الدمشقي ، ثنا ثور بن يزيد ، حدثني خالد بن معدان ، حدّثني عبدالرحمن بن عمرو السلمي ، وحجر بن حجر الكلاعي ، قالا :
   أتينا العرباض بن سارية ـ وهو ممن نزل فيه : ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألاّ يجدوا ما يننقون ) ـ فسلّمنا وقلنا : أتيناك زائرين ومقتبسين .
   فقال العرباض : صلى بنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الصبح ذات يوم ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقال قائل : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودعٍ فما تعهد إلينا ؟ .
   فقال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
ومنهم : يحيى بن أبي المطاع القرشي :
5 ـ حدثنا أبوالعباس محمد بن يعقوب ، ثنا أحمد بن عيسى بن زيد التنيسي ، ثنا عمرو بن أبي سلمة التنيسي ، أنبأ عبد الله بن العلاء بن زيد (1).

---------------------------
(1) كذا والصحيح : زبر .

الرسائل العشرة _ 92 _

   عن يحيى بن أبي المطاع ، قال : سمعت العرباض بن سارية السلمي يقول : قام فينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذات غداة فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها الأعين . قال : فقلنا : يا رسول الله ، قد وعظتنا موعظة مودع فاعهد إلينا .
   قال : عليكم بتقوى الله ـ أظنه قال : والسمع والطاعة ـ ، وسترى من بعدي اختلافاً شديداً ـ أو : كثيراً ـ ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين ، عضّوا عليها بالنواجذ ، وإيّاكم والمحدثات ، فإن كل بدعة ضلالة .
   ومنهم : معبد بن عبد الله بن هشام القرشي : وليس الطريق إليه من شرط هذا الكتاب ، فتركته وقد استقصيت في تصحيح هذا الحديث بعض الاستقصاء على ما أدّى إليه اجتهادي ، وكنت فيه كما قال إمام أئمة الحديث شعبة ـ في حديث عبد الله بن عطاء ، عن عقبة بن عامر ، لمّا طلبه بالبصرة والكوفة والمدينة ومكّة ، ثمّ عاد الحديث إلى شهر ابن حوشب فتركه ، ثم قال شعبة ـ : لئن يصحّ لي مثل هذا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) كان أحب إلي من والديّ وولدي والناس أجمعين . وقد صح هذا الحديث ، والحمد لله ، وصلى الله على محمد وآله أجمعين » (1).

---------------------------
(1) المستدرك على الصحيحين 1|96 .

الرسائل العشرة _ 93 _


   نقاط حول السند والدلالة :
   كانت تلك أسانيد هذا الحديث وطرقه في أهم كتب الحديث وجوامعه ، ولا بدّ قبل الورود في النظر في أحوال رجال الأسانيد والرواة أن نشير بإيجاز إلى نكاتٍ جديرة بالانتباه إليها . . .
1 ـ إن هذا الحديث يكذبه واقع الحال بين الصحابة أنفسهم ، فلقد وجدناهم كثيراً مّا يخالفون سنة أبي بكر وعمر ، والمفروض أنهما من الخلفاء الراشدين ، بل لقد خالف الثاني منهما الاول في أكثر من مورد ! ! فلو كان هذا الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) حقاً لما وقعت تلك الخلافات والمخالفات . . . هذا ما ذكره جماعة . . . وعل أساسه أوّلوا الحديث ، وقد نص بعضهم كشارح مسلم الثبوت (1) على ضرورة تأويله . . . قلت : لكن هذا إنما يضطر إليه فيما لو كان الأصحاب ملتزمين بإطاعة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومنقادين لأوامره ونواهيه . . . ولكن . . .
2 ـ إن هذا الحديث بجميع طرقه وأسانيده ينتهي إلى « العرباض بن سارية السلمي » فهو الراوي الوحيد له . . . وهذا مّما يورث الشك في صدوره . . . لأن الحديث كان في المسجد . . . وكان بعد الصلاة . . . وكان موعظة بليغة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . . . ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب . . . ثم طلب منه أن يعهد إلى الأمة . . . فقال . . . فكيف لم يروه إلآ العرباض ؟ ! ولم لم يرووه إلا عن العرباض ؟ ! .

---------------------------
(1) فواتح الرحموت في شرح مسلّم الثبوت 2|231 .

الرسائل العشرة _ 94 _

3 ـ إن هذا الحديث إنما حدّث به في الشام ، وإنما تناقله وروجه أهل الشام ! وأكثر رواته من أهل حمص بالخصوص ، وهم من أنصار معاوية وأشد أعداء علي أمير المؤمنين عليه السلام (1).
   فبالنظر إلى هذه الناحية ، لا سيما مع ضمّ النظر في متن الحديث إليه ، لا يبقى وثوق بصدور هذا الحديث عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، إذ كيف يوثق بحديث يرويه حمصي عن حمصي عن حمصي ! ! . . ولا يوجد عند غيرهم من حملة الحديث والاثر علم به ؟ ! وأهل الشام قاطبة غير متحرجين من الافتعال لما ينتهي إلى تشييد سلطان معاوية أو الحطّ مّمن خالفه ! .
4 ـ إن هذا الحديث مما أعرض عنه البخاري ومسلم ، وكذا النسائي من أصحاب السنن . . . وقد بنى غير واحد من العلماء الكبار من أهل السنة على عدم الاعتناء بحديث اتفق الشيخان على الإعراض عنه ، وإن اتفق أرباب السنن على إخراجه والعناية به . . . قال ابن تيمية بجواب حديث افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة :
« هذا الحديث ليس في الصحيحين ، بل قد طعن فيه بعض أهل الحديث كابن حزم وغيره ، ولكن قد أورده أهل السنن كأبي داود والترمذي وابن ماجة ، ورواه أهل المسانيد كالإمام أحمد »(2).
   قلت : ومن عجيب الاتفاق أن حديث « عليكم بسنتي . . . » كذلك تماماً ، فإنه « ليس في الصحيحين ، بل قدطعن فيه بعض أهل الحديث ـ كأبن القطّان ـ ولكن قد أورده أهل السنن كأبي داود والترمذي وابن ماجة ، ورواه أهل المسانيد كالإمام أحمد » بل إنهم بنوا على طرح الخبر إن أعرض عنه البخاري وإن أخرجه مسلم . . . وهذا ما نصّ عليه ابن القيّم وسننقل عبارته . . . في الفصل اللاحق وقد جاء في آخرها : « ولو صحّ عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به » .

---------------------------
(1) أنظر كلمة ياقوت عن أهل حمص في معجم البلدان 2|304.
(2) منهاج السنة 2|102 .

الرسائل العشرة _ 95 _

   قلت : فكذا حديثنا فلو مح عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به . . . كيف وقد تبعه مسلم وهو بمرأى ومشهد منهما ؟ ! ثم جاء الحاكم النيسابوري . . . فأراد توجيه إعراضهما عنه بأنهما « توهّما . . . » ، أي : إن إعراضهما موهن ، ولكنهما توهما . . . ولولا ذلك لأخرجاه . . . وسنرى أن الحاكم هو المتوهم . . .
5 ـ « س ثم إن المخرجين له . . . منهم من صححه كالترمذي والحاكم ، ومنهم من سكت عنه كأبي داود ، ومنهم من عده في الحسان كالبغوي (1) ومنهم من حكم عليه بالبطلان كابن القطّان . . . ترجمة العرباض بن سارية الحمصي (2).
   وبعد ، فلننظر في ترجمة الراوي الوحيد لهذا الحديث ، وهو الصحابي « العرباض ابن سارية » : كان من أهل الصفة ، سكن الشام (3) ، ونزل حمص (4).
   لم يرو عنه الشيخان ، وإنما ورد حديثه في السنن الأربعة (5) ، مات سنة75 (6).
   كان يدعى أنه ربع الإسلام ، وهو كذب بلا ريب .. وكان عمرو بن عتبة أيضاً يدعي ذلك ، قال محمد بن عوف : « كل واحد من العرباض بن سارية وعمرو بن عتبة

---------------------------
(1) مصابيح السنة 1|159 .
(2) تاريخ دمشق 11| 531.
(3) الاستيعا ب 3|1238 .
(4) الإصابة 2|447 ، تحفة الاحوذي 7|438 .
(5) الإصابة 2|4474 ، تهذيب التهذيب 7|157.
(6) الإصابة 2|447 ، تهذيب التهذيب 7|158 .

الرسائل العشرة _ 96 _

   يقول : أنا ربع الإسلام ، لا ندري إيهما اسلم قبل صاحبه ؟ ! » (1) .
   وكان يقول : « عتبة خير مني سبقني إلى النبي بسنة ».
   وهذا كذب كذلك ، وقد رواه أبناء عساكر والأثير وحجر . . . بالإسناد عن عبدالله بن أحمد ، عن أبيه ، بسنده عن شريح بن عبد ، قال : « كان عتبة يقول : عرباض خير مني وعرباض يقول : عتبة خير مني سبقني إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) بسنة » (2) والذي يبين كذبه بوضوح ما رواه ابن الاثير بترجمة عتبة بسنده إلى شريح ، قال : « قال عتبة بن عبد السلمي : كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا أتاه رجل وله الأسم لا يحبه حوّله ولقد أتيناه وإنا لسبعة من بني سليم أكبرنا العرباض بن سارية ، فبايعناه جميعا » (3) ومن جملة أكاذيبه ما أخرجه أحمد ، قال : « ثنا عبدالرحمن بن مهدي ، عن معاوية ـ يعني ابن صالح ـ ، عن يونس بن سيف ، عن الحارث بن زياد ، عن أبي رهم ، عن العرباض بن سارية السلمي ، قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يدعونا إلى السحور في شهر رمضان : هلمّوا إلى الغذاء المبارك . ثم سمعته يقول : اللهم علّم معاوية الكتاب والحساب وته العذاب » (4) فإنه ـ وإن اكتفى ابن القطّان بتضعيفه (5) ـ كذب بلا ارتياب . . . وإلأ لأخرج في الصحاح وغيرها وعقد به لمناقب معاوية باب . . . إنه حديث تكذبه الوقائع والحقائق ، والبراهين والوثائق . . .

---------------------------
(1) تاريخ دمشق 11|532 ، تهذيب التهذيب 7|174 .
(2) تاريخ دمشق 11|534 ، أسد الغابة 3|362 ، الإصابة 2|447 .
(3) اُسد الغابة 3|362 .
(4) مسند أحمد 4|127.
(5) المغنى عن حمل الأسفارـ هامش إحياء العلوم ـ 1|37 .

الرسائل العشرة _ 97 _

   إنه حديث تكذبه الأدلة المحكمة من الكتاب والسنة المتقنة ، القائمة بتحريم ما استباحه معاوية من قتل للنفوس ، وتبديل للأحكام ، وارتكاب للمحرمات القطعية كبيع الخمر والأصنام ، وشرب للخمر وأكل للربا . . . وغير ذلك مما لايحصى . . . لكن الرجل سكن بلاد الشام ، ونزل حمص بلد النواصب اللئام . . . وفي ظروف راجت فيها الأكاذيب والافتراءات . . . فجعل يتقوّل على الله والرسول التقولات ، تزلّفاً إلى الحكام ، وطمعاً في الحطام .
ثم إن رواة هذا الحديث عن « العرباض بن سارية » هم :
1 ـ عبدالرحمن بن عمرو السلمي .
2 ـ حجر بن حجر.
3 ـ يحيى بن أبي المطاع .
4 ـ معبد بن عبدالله بن هشام .
   أمّا الرابع فلم أجده إلآ عند الحاكم حيث قال : « ومنهم : معبد بن عبدالله بن هشام القرشي » ثّم قال : « وليس الطريق إليه من شرط هذا الكتاب فتركته ».

   وأمّا الثالث : « يحيى بن أبي المطاع » : فأولاً : لم يرو عنه إلا ابن ماجة (1) .
   وثانياً : قال ابن القطّان : « لا أعرف حاله » (2).
   وثالثاً : إنه كان يروي عن العرباض ولم يلقه وهذه الرواية من ذلك . . .
   قال الذهبي : « قد استبعد دحيم لقيه العرباض ، فلعله أرسل عنه ، فهذا في الشاميّين كثير الوقوع ، يروون عمّن لم يلقوهم »(3) .

---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 11|245 .
(2) تهذيب التهذيب 11|245 .
(3) ميزان الاعتدال 4|410 .

الرسائل العشرة _ 98 _

   وقال ابن حجر : « أشار دحيم إلى أن روايته عن عرباض بن سارية مرسلة »(1).
   وقال ابن عساكر والذهبي : « قال أبو زرعة لدحيم تعجباً من حديث الوليد بن سليمان ، قال : صحبت يحيى بن أبي المطاع ، كيف يحدّث عبد الله بن العلاء بن زبر عنه أنه سمع العرباض مع قرب عهد يحيى ؟ ! قال : أنا من أنكر الناس لهذا ، والعرباض قديم الموت » (2).

   وأما الثاني : « حجر بن حجر » :    فأوّلاً : هو من أهل حمص .
  وثانياً : لم يرو عنه إلأ أبو داود .
   قال ابن حجر : « روى عن العرباض بن سارية ، وعنه خالد بن معدان ، روى له أبو داود حديثاً واحداً في طاعة الأمير ، قلت : أخرج الحاكم حديثه » (3).
   قلت : وهو هذا الحديث الذي نحن بصدد تكذيبه ، وإليه أشار الذهبي بقوله : « ما حدّث عنه سوى خالد بن معدان بحديث العرباض مقروناً بآخر »(4) يعني بالآخر : عبدالرحمن بن عمرو السلمي حيث جاء فيه عنهما قالا : « أتينا العرباض . . . » .
   وثالثاً : قال ابن القطان : « لا يعرف » (5).

---------------------------
(1) تقريب التهذيب 2|463 .
(2) تاريخ دمشق 18|186، ميزان الاعتدال 4|410 ، تهذيب التهذيب 11|245 .
(3) تهذيب التهذيب 2|188 .
(4) ميزان الاعتدال 1|466.
(5) تهذيب التهذيب 2|188 .

الرسائل العشرة _ 99 _


   وأمّا الاول : « عبد الرحمن بن عمرو » : فهو المعروف في رواية هذا الحديث عن « العرباض بن سارية » ، وإليه تنتهي أكثر طرقه في السنن وغيرها . . . وليس له فيها إلآ هذا الحديث ، قال ابن حجر : « له في الكتب حديث واحد في الموعظة ، صحّحه الترمذي ، قلت : وابن حبّان والحاكم في المستدرك ، وزعم القطّان الفاسي أنّه لا يصحّ لجهالة حاله » (1) فهذا حال رواة هذا الحديث عن « العرباض » .
ثم ان رواته عن هؤلاء هم :
1 ـ خالد بن معدان .
2 ـ ضمرة بن حبيب .
3 ـ عبدالله بن العلاء بن زبر .

   امّا « عبد الله بن العلاء بن زبر » : فاولاً : كان من أهل الشام ، بل وصفه الذهبي بـ « رئيس دمشق »(2) .
وثانياً : أورده الذهبي في (ميزانه) وقال : « قال ابن حزم : ضعفه يحيى وغيره » (3).

---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 6|215 .
(2) سيرأعلام النبلاء 7|350.
(3) ميزان الاعتدال 2|463.

الرسائل العشرة _ 100 _

ترجمة ضمرة بن حبيب الحمصي :
   وأمّا « ضمرة بن حبيب » :
  فأولاً : كان من أهل حمص (1).
   وثانياً : كان مؤذن المسجد الجامع (2).

   وأما « خالد بن معدان » العمدة في رواية هذا الحديث ، لكونه الراوي له عن « عبدالرحمن بن عمرو » و« حجر بن حجر » وجميع الأسانيد تنتهي إليه فهو : أولا : من أهل حمص (3).
وثانياً : شيخ أهل الشام (4).
   وثالثاً : كان صاحب شرطة يزيد بن معاوية : روى الطبري في ( ذيل تاريخه ) قائلاً : « حدّثني الحارث ، عن الحجّاج ، قال : حدّثني أبو جعفر الهمداني ، عن محمد بن داود ، قال : سمعت عيسى بن يونس يقول : كان خالد بن معدان صاحب شرطة يزيد ابن معاوية » .
   وعنونه ابن عساكر في ( تاريخه ) بقوله : « كان يتولى شرطة يزيد بن معاوية » ثم روى الخبر المذكرر بسنده عن عيسى بن يونس كذلك (5).
   ثم إن رواة هذا الحديث عن هؤلاء هم :
1 ـ محمد بن إبراهيم بن الحارث .
2 ـ معاوية بن صالح .
3 ـ الم الشام »

---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 4|402 ، تقريب التهذيب 4|459 .
(2) تقريب التهذيب 2|459 .
(3) تاريخ دمشق 5|516 ، تهذيب التهذيب 3|102 ، سير إعلام النبلاء 4|536 .
(4) سير أعلام النبلاء 4|536 .
(5) تاريخ دمشق 5|519 .

الرسائل العشرة _ 101 _

4 ـ بحير بن سعيد .
5 ـ ثور بن يزيد .
6 ـ عمرو بن أبي سلمة التنيسي .
   ترجمة محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي الدمشقي (1)
: أما « محمد بن إبراهيم » الراوي له عن « خالد » عند أحمد والحاكم ، فقد ذكر العقيلي عن عبدالله بن أحمد عن أبيه : « في حديثه شيء ، يروي أحاديث مناكير أو منكرة » (2).
ترجمة بحير بن سعيد الحمصي : وأما « بحير بن سعيد » الراوي عن « خالد » عند الترمذي وأبي داود وابن ماجة فهو من أهل حمص . قال ابن حجر : « بحير بن سعيد السحولي أبو خالد الحمصي روى عن خالد ابن معدان ومكحول ، وعنه إسماعيل بن عياش ، وبقية بن الوليد ، وثور بن يزيد ـ وهو من أقرانه ـ ومعاوية بن صالح ، وغيرهم » (3).
ترجمة الوليد بن مسلم الدمشقي : وأما « الوليد بن مسلم » مولى بني أُمية (4) « الدمشقي » (5) « عالم الشام » (6).

---------------------------
(1) تاريخ دمشق 14|752 .
(2) تهذيب التهذيب 9|6.
(3) تهذيب التهذيب 1|368.
(4) تاريخ دمشق 17|897 .
(5) تاريخ دمشق 17|900 .
(6) تهذيب التهذيب 11|133 .

الرسائل العشرة _ 102 _

   الراوي له عن « عبد الله بن العلاء » عند ابن ماجة ، فقد ذكروا بترجمته :
   « مدلّس ، وربّما دلّس عن الكذّابين » .
   « روى عن مالك عشرة أحاديث ليس لها أصل ».
   « كان يأخذ من ابن السفر حديث الأوزاعي ، وكان ابن السفر كذاباً وهو يقول فيها : قال الأوزاعي ».
   « وكانت له منكرات ».
   « وكان رفاعاً ».
   « يرسل ، يروي عن الأوزاعي أحاديث عند الأوزاعي عن شيوخٍ ضعفاء ، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي ، فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي ، عن نافع ، وعن عطاء » (1).
ترجمة معاوية بن صالح الحمصي :
وأما « معاوية بن صالح » الراوي له عن « ضمرة بن حبيب » عند أحمد وابن ماجة فهو :
أولاً : من أهل حمص(2).
وثانياً : كان قاضي الأندلس في الدولة الأموية (3).
وثالثاً : كان يلعب بالملاهي ، ولأجل ذلك ترك بعض المحدّثين الكتابة عنه (4).
ورابعاً : قال ابن أبي حاتم : « لا يحتج به » و « لم يخرج له البخاري » و « لينه ابن معين » .

---------------------------
(1) الضعفاء والمتروكين للدارقطني (أنظر : المجموع في الضعفاء والمتروكين : 398) تاريخ دمشق 17|906 ، ميزان الاعتدال 4|347 ، تهذيب التهذيب 11|133.
(2) تاريخ دمشق 16|666 ، الكامل لابن عديّ 6|2400 .
(3) تاريخ دمشق 16|666 ، الكامل 6|2400 .
(4) الضعفاء الكبير للعقيلي 4|287 .

الرسائل العشرة _ 103 _

   و « وقال يحيى بن معين : كان ابن مهدي إذا حدث بحديث معاوية بن صالح زجره يحيى بن سعيد ، وكان ابن مهدي لا يبالي »(1).
   و « عن أبي إسحاق الفزاري : ما كان بأهل أن يروى عنه ».
   و « قال ابن عمار : زعموا أنه لم يكن يدري أيّ شيء في الحديث ».
   و « منهم من يضعفه » ، بل أورده كل من العقيلي وابن عدي والذهبي في « الضعفاء ».
ترجمة ثور بن يزيد الحمصي :
   واما « ثور بن يزيد » العمدة في رواية هذا الحديث عن خالد ، حتى قال الحاكم في توجيه إعراض البخاري ومسلم عنه : « والذي عندي أنهما توهّما أنه ليس له راوٍ عن خالد بن معدان غير ثور بن يزيد ».
فهو :
أولاً : من أهل حمص ، بل وصفه الذهبي بـ « عالم حمص »(2).
وثانياً : كان لا يحب علياً عليه السلام : « وكان جده قتل يوم صفين مع معاوية ، فكان ثور إذا ذكر علياً قال : لا اُحبّ رجلاً قتل جدّي »(3).
وثالثاً : كان يجالس السابين علياً عليه السلام ، فقد ذكروا أن « أزهر الحرازي وأسد بن وداعة وجماعة كانوا يجلسون ويسبون عليّ بن أبي طالب ، وكان ثورلا يسبه ، فإذا لم يسبّ جروا برجليه » (4).
ورابعاً : كان مبدعاً .

---------------------------
(1) وهذا الحديث أيضاً مّما رواه ابن مهدي عنه !
(2) ميزان ألاعتدال 1|374 ، سير أعلام النبلاء 6|344.
(3) تهذيب الكمال 4|421 . تاريخ دمشق 3|604.
(4) تهذيب الكمال 4|421 . تهذيب التهذيب 2|30.