وقال ابن حجر : « ذكره ابن حبّان أيضاً في الضعفاء فقال : منكر الحديث جدّاً ، لا يحتجّ به ؛ وقال النسائي في الكنى ، متروك الحديث ؛ وقال ابن نمير : ليس ممّن يكتب حديثه ؛ وقال الدارقطني : متروك ، وقال مرة : ضعيف ؛ وقال العجلي : ضعيف . . . »(1).
3 ـ وفيه : « إسماعيل بن يحيى بن سلمة » وهو رجل ضعيف متروك :
قال الدارقطني والأزدي وغيرهما : « متروك »(2).
4 ـ وفيه : « إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى » وهو : ليّن ، متروك ، ضعيف ، مدلّس :
قال الذهبي : « ليّنه أبو زرعة ، وتركه أبو حاتم »(3).
وقال ابن حجر : « قال ابن أبي حاتم : كتب أبي حديثه ولم يأته ولم يذهب بي إليه ولم يسمع منه زهادةً فيه ، وسألت أبا زرعة عنه فقال : يذكر عنه أنه كان يحدّث لأحاديث عن أبيه ثم ترك أباه ، فجعلها عن عمه لأن عمه أجلى عند الناس .
وقال العقيلي : « عن مطيّن : كان ابن نمير لا يرضاه ويضعّفه وقال : روى أحاديث مناكير .
قال العقيلي : ولم يكن إبراهيم هذا بقيّم الحديث . . . »(4).
ولهذا ذكر الحافظ العقيلي « يحيى بن سلمة بن كهيل » في كتابه « الضعفاء الكبير » وأورد كلمات عدّة من الأعلام في قدحه كالبخاري ويحيى بن معين والنسائي ، ثم روى الحديث عنه بنفس السند الذي في « صحيح الترمذي » وهذا نصّ عبارته :
« ثنا علي بن أحمد بن بسطام ، ثنا سهل بن عثمان ، ثنا يحيى بن زكريا ، ثنا ابن أبي زائدة ، ثنا يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن أبي الزعراء ، عن عبدالله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم : اقتدوا . . . » (5).
وقال الحافظ الذهبي مشيراً إلى الحديث الذي حكم الحاكم بصحّته : « قلتُ : سنده واهٍ »(1).
وقال الحافظ السيوطي : « اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر ، وأهتدوا بهدي عمّار ، وتمسّكوا بعهد أبن مسعود ، ت غريب ضعيف . طب . ك وتعقّب . عن ابن مسعود »(2).
فالعجب من تصحيح الحاكم لهذا الحديث واستشهاده به ، وكذا المناوي (3).
وألأعجب قوله : « الترمذي ـ وحسّنه ـ عن ابن مسعود »(4).
ولقائل أن يقول : فما فائدة إخراج الترمذي أيّاه مع التّنصيص على ضعفه في كتابه الموصوف بالصحّة؟!
قلت : لعلّه إنما أخرجه ونصّ عليه بما ذكر لئلاّ يغتر به أحد ويتوهّم صحّته ... بالرّغم من اشتمال كتابه ـ لا سيما في باب المناقب ـ على موضوعات كما نص عليه الحافظ الذهبي بترجمته من « سير أعلام النبلاء ».
رواه ابن حجر المكيّ عن الطبراني حيث قال :
« الحديث الثاني والسّبعون : أخرج الطبراني عن أبي الدرداء : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، فإنهما حبل الله الممدود ، من تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها »(5).
نقد السند :
1 ـ لقد روى الحافظ الهيثمي هذا الحديث عن الطبراني وقال : « فيه من لم أعرفهم » وهذا نصّ كلامه :
« وعن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، فإنهما حبل الله الممدود ، ومن تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى التي لا أنفصام لها .
رواه الطبراني ، وفيه من لم أعرفهم »(1).
2 ـ إن معاجم الطبراني ليست من الكتب التي وُصفت بالصحّة ، ولا من الكتب التي التزم فيها بالصحّة ،
وعلى هذا . . . لا يجوز التمسك بالحديث بمجرد كونه في أحد المعاجم الثلاثة للطبراني .
3 ـ لقد جاء في الصحيح في مسند أبي الدرداء ما نصّه : « قالت اُمّ الدرداء : دخل عليّ أبو الدرداء وهو مغضب ، فقلت : ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمر محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) شيئاً إلأ انهم يصلّون جميعاً » ،
ولو كان أبو الدرداء قد سمع قوله صلّى الله عليه وآله وسلم : « اقتدوا . . . » لما قال هذا ألبتّة !!
قال جلال الدين السيوطي :
« اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمّار
وتمسكوا بعهد ابن مسعود .
الترمذي عن ابن مسعود ، الروياني عن حذيفة ، ابن عديّ في الكامل عن أنس »(2).
نقد السند :
فأما حديث ابن مسعود : فإن الترمذي ضعّفه بعد أن رواه كما تقدم .
وأما حديث حذيفة : فقد ثبت ضعف جميع طرقه . . . كما تقدّم أيضاً .
---------------------------
(1) مجمع الزوائد 9|53 .
(2) الجامع الصغير بشرح المناوي 1|56 .
الرسائل العشرة _ 55 _
وأما حديث أنس ، فقد جاء في « الكامل » لابن عديّ ما نصّه : « حمّاد بن دليل ، قاضي المدائن ، يكنى أبا زيد ، حدثنا علي بن الحسين بن سليمان ، ثنا أحمد بن محمد ابن المعلّى الآدمي ، ثنا مسلم بن صالح أبو رجاء ، ثنا حمّاد بن دليل ، عن عمر بن نافع ، عن عمرو بن هرم ، قال : دخلت انا وجابر بن زيد على أنس بن مالك فقال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلم ) : اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر (1) وعمر ، وتمسكوا بعهد ابن اُم عبد ، واهتدوا بهدي عمّار .
ثنا محمد بن عبدالحميد الفرغاني ، ثنا صالح بن حكيم البصري ، ثنا أبو رجاء مسلم بن صالح ، ثنا أبو زيد قاضي المدائن حمّاد بن دليل ، عن عمر بن نافع. فذكر بإسناده نحوه .
ثنا محمد بن سعيد الحراني ، ثنا جعفر بن محمد بن الصباح ، ثنا مسلم بن صالح البصري ، فذكر بإسناده نحوه .
ثنا علي بن الحسن بن سليمان ، ثنا أحمد بن محمد بن المعلى الادمي ، ثنا مسلم ابن صالح ، ثنا حمّاد بن دليل ، عن عمر بن نافع ، عن عمرو بن هرم ، عن ربعي ، عن حذيفة ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نحوه .
قال ابن عدي : وحمّاد بن دليل هذا قليل الرواية ، وهذا الحديث قد روى له حماد بن دليل إسنادين ، ولا يروي هذين الإسنادين غير حمّاد بن دليل » .
إنتهى بطوله (2).
نقد السند :
في جميع هذه الأسانيد : مسلم بن صالح ، عن حمّاد بن دليل ، عن عمر بن نافع ، عن عمرو بن هرم .
أما « عمرو بن هرم » فقد عرفت أنه مقدوح مطعون فيه .
وأما « عمر بن نافع » فعن يحيى بن معين : حديثه ليس بشيء (3). ، وعن ابن سعد : لا يحتجّ بحديثه (4).
وأما « حمّاد بن دليل » فقد أورده ابن عدي في « الكامل قي الضعفاء » والذهبي في « المغني في الضعفاء »(5).
وفي « ميزان الاعتدال في نقد الرجال » وأضاف : « ضعّفه أبو الفتح الأزدي وغيره »(6).
وابن الجوزي في « الضعفاء »(7).
وأمّا « مسلم بن صالح » فلم أعرفه حتى الآن .
رواه الذهبي حيث قال : « أحمد بن صليح ، عن ذي النون المصري ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر بحديث اقتدوا باللذين من بعدي » ثم قال : « وهذا غلط من أحمد لا يعتمد عليه » (1).
ورواه مرة اخرى ، قال :« محمد بن عبد الله بن عمر بن القاسم بن عبد الله بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري ، ذكره العقيلي وقال : لا يصحّ حديثه ولا يعرف بنقل الحديث :
نبأه أحمد بن الخليل ، حدثنا إبراهيم بن محمد الحلبي ، حدّثني محمد بن عبدالله ابن عمر بن القاسم ، أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعاً : اقتدوا باللذين من بعدي ،
فهذا لا أصل له من رواية مالك . . .
وقال الدارقطني : العمري هذا يحدّث عن مالك بأباطيل ، وقال ابن مندة : له مناكير »(2).
ورواه ابن حجر وقال : « قال العقيلي بعد تخريجه : هذا حديث منكر لا أصل له ، وأخرجه الدارقطني من رواية أحمد بن الخليل البصري بسنده وساق نسبه كذلك ثم قال : لا يثبت ، والعمري هذا ضعيف . . . » (3).
كما أورد الذهبي وابن حجر هذا الحديث بترجمة « أحمد بن محمد بن غالب الباهلي » فبعد نقل كلماتهم في ذمه وجرحه ، قالا :
« ومن مصائبه : قال : حدثنا محمد بن عبد الله العمري ، ثنا مالك ، عن نافع ابن عمر ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ».
ثم قالا : « فهذا ملصق بمالك ، وقال أبو بكر النقاش : وهو واهٍ . . . » (1).
نقد السند :
لقد علم من كلمات الذهبي وابن حجر وغيرهما : أن حديث عبد الله بن عمر هذا باطل بجميع طرقه . . . وبذلك نكتفي عن إيراد نصوص كلمات سائر علماء الرجال في رجاله روماً للاختصار .
فالعجب من الحافظ ابن عساكر (2) و أمثاله الذين ملأوا كتبهم وسوّدوا صحائفهم بهذه المناكير وأشباهها !!
حديث جدة عبد الله بن أبي الهذيل
رواه ابن حزم حيث قال :
« . . . كما حدثنا أحمد عن محمد بن الجسور ثنا أحمد بن الفضل الدينوري ، ثنا محمد بن جرير ، ثنا عبدالرحمن بن الأسود الطفاوي ، ثنا محمد بن كثير الملاّئي ، ثنا المفضل الضبّي ، عن ضرار بن مرة ، عن عبدالله بن أبي الهذيل ، عن جدّته ، عن النبي ( صلى الله عليه واله وسلّم ) : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمّار ، وتمسكوا بعهد ابن اُم عبد » .
نقد السند :
ونقتصر ـ في الكلام على الحديث بهذا السند ـ على ما ذكره الحافظ ابن حزم نفسه قبل ذلك ، وهذا نصه :
« وأما الرواية : اقتدوا . . . فحديث لا يصح ، لأنه مروي عن مولى لربعي مجهول ، وعن المفضل الضبي وليس بحجّة ، كما حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور . . . » .
قد عرفت سقوط أسانيد هذا الحديث فيما عرف بالصحيح من الكتب فضلاً عن غيره . . . وفي هذا الفصل نذكر نصوص عبارات أئمتهم في الطّعن فيه إمّا على الإطلاق بكلمة : « موضوع » و « باطل » و « لم يصحّ » و « منكر » وإمّا على بعض الوجوه التي وقفنا على كلماتهم فيها . . . فنقول :
---------------------------
(1) ميزان الاعتدال 1|142 ، لسان الميزان 1|273
(2) تاريخ دمشق 9|645 .
الرسائل العشرة _ 58 _
أبو حاتم الرازي
لقد طعن الإمام أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي في هذا الحديث . . . فقد ذكر العلاّمة المناوي بشرحه : « . . . وأعلّه أبو حاتم ، وقال البزار كابن حزم : لا يصحّ ، لأن عبدالملك لم يسمعه من ربعي ، وربعي لم يسمعه من حذيفة ، لكن له شاهد . . . » (1).
ترجمته :
وأبو حاتم الرازي ، المتوفى سنة 277 هـ ، يعد من أكابر الأئمة الحفاظ المجمع على ثقتهم وجلالتهم ، بل جعلوه من أقران البخاري ومسلم . . .
قال السمعاني : « إمام عصره والمرجوع إليه في مشكلات الحديث . . . كان من مشاهير العلماء المذكورين الموصوفين بالفضل والحفظ والرحلة . . . وكان أول من كتب الحديث . . . »(2) .
وقال ابن الأثير : « هو من أقران البخاري ومسلم »(3) .
وقال الذهبي : « أبو حاتم الرازي الإمام الحافظ الكبير محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي ، أحد الأعلام ... »(4) .
وقال أيضاً : « الإمام الحافظ الناقد ، شيخ المحدثين ... وهو من نظراء البخاري ... »(5) .
وله ترجمة في :
تاريخ بغداد 2|73 ، تهذيب التهذيب 9|31 ، البداية والنهاية 11|59 ، الوافي بالوفيات 2|183 ، طبقات الحفّاظ : 255.
---------------------------
(1) فيض الغدير ـ شرح الجامع الصغير 2|56.
(2) الأنساب ـ الحنظلي .
(3) الكامل في التاريخ 6|67 .
(4) تذكرة الحفاظ 2|567.
(5) سير أعلام النبلاء 13|247.
الرسائل العشرة _ 59 _
أبو عيسى الترمذي
وكذا طعن فيه أبو عيسى الترمذي صاحب « الجامع الصحيح » فإنه قال ما نصّه : « حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل ، ثني أبي ، عن أبيه سلمة بن كهيل ، عن أبي الزعراء ، عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) : اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمّار وتمسكوا بعهد ابن مسعود .
هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود ، لا نعرفه إلآ من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل ، ويحيى بن سلمة يضعّف في الحديث ، وأبو الزعراء اسمه عبد الله بن هاني ، وأبو الزعراء الذي روى عنه شعبة والثوري و ابن عيينة اسمه عمرو بن عمرو ، وهو ابن أخي أبي الأحوص صاحب ابن مسعود »(1) .
ترجمته :
والترمذي ، أبو عيسى محمد بن عيسى ، المتوفى سنة 279 هـ ، صاحب أحد الصحاح الستة . . . غنّي عن الترجمة والتعريف ، إذ لا كلام بينهم في جلالته وعظمته واعتبار كتابه ، وهذه أسماء بعض مواضع ترجمته :
وفيات الأعيان 4|278 ، تذكرة الحفّاظ 2|623 ، سير أعلام النبلاء 13|270 ، تهذيب التهذيب 9|387 ، البداية والنهاية 11|66 ، الوافي بالوفيات 4|294 ، طبقات الحفّاظ : 278 .
أبو بكر البزار
وأبطله الحافظ الشهير أبو بكر أحمد بن عبد الخالق البزار صاحب « المسند » المتوفى سنة 292 هـ ، كما عرفت من كلام العلاّمة المناوي الآنف الذكر .
---------------------------
(1) صحيح الترمذي 5|672.
الرسائل العشرة _ 60 _
ترجمته :
قال الذهبي : « الحافظ العلامة أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري ، صاحب المسند الكبير والمعلّل . . . » (1) .
ووصفه الذهبي أيضاً بـ « الشيخ الإمام الحافظ الكبير . . . » (2) .
وهكذا وصف واُثني عليه في المصادر التاريخية والرجالية . . . فراجع : تاريخ بغداد 4|334 ، النجوم الزاهرة 3|157 ، المنتظم 6|50 ، تذكرة الحفاظ 2|653 الوافي بالوفيات 7|268 ، طبقات الحفاظ : 285 ، تاريخ أصفهان 1|104 ، شذرات الذهب 2 | 209 .
أبو جعفر العقيلي
وقال الحافظ الكبير أبو جعفر العقيلي ، المتوفى سنة 322 هـ ، في كتابه في الضعفاء : « محمد بن عبدالله بن عمر بن القاسم العمري عن مالك ، ولا يصحّ حديثه ولا يعرف بنقل الحديث حدثناه أحمد بن الخليل الخريبي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحلبي ، حدثني محمد بن عبد الله بن عمر بن القاسم بن عبد الله بن عبيد الله بن إبراهيم بن عمر بن الخطاب ، قال : أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال :
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) : اقتدوا بالأميرين من بعدي أبي بكر وعمر .
حديث منكر لا أصل له من حديث مالك » (3) .
وقد أورد الحافظان الذهبي وابن حجر طعن العقيلي هذا واعتمدا عليه كما ستعرف .
وأيضاً : ترجم العقيلي « يحيى بن سلمة بن كهيل » في « الضعفاء » وأورد الحديث عنه عن ابن مسعود بنفس السند الذي في « صحيح الترمذي » وقد تقدّم نصّ عبارته في الفصل الأول .
---------------------------
(1) تذكرة الحفاظ 2|228 .
(2) سير أعلام النبلاء 13|554.
(3) الضعفاء الكبير 4|95 .
الرسائل العشرة _ 61 _
ترجمته :
وقد أثنى على العقيلي كل من ترجم له . . . قال الذهبي : « الحافظ الإمام أبو جعفر . . . قال مسلمة بن القاسم : كان العقيلي جليل القدر ، عظيم الخطر ، ما رأيت مثله . . . وقال الحافظ أبو الحسن ابن سهل القطّان : أبو جعفر ثقة جليل القدر ، عالم بالحديث ، مقدّم في الحفظ ، توفى سنة 322 » (1) .
وانظر : سير أعلام النبلاء 1|236 ، الوافي بالوفيات 4|291 ، طبقات الحفّاظ : 346 ، وغيرها .
أبو بكر النقّاش
وطعن فيه الحافظ الكبير أبو بكر النقّاش ـ المتوفى سنة 354 هـ ـ فقد قال الحافظ الذهبي بعد أن رواه بترجمة أحمد بن محمد بن غالب الباهلي : « وقال أبو بكر النقاش : وهو واهٍ » (2) .
ترجمته :
ترجم له الحافظ الذهبي في « سير أعلام النبلاء » ووصف بـ « العلامة المفسّر شيخ القرّاء » (3) . وهكذا ترجم له ووصفه بجلائل الأوصاف غيره من الأعلام . . . فراجع :
تذكرة الحفاظ 3|908 ، تاريخ بغداد 2|201 ، المنتظم 7|14 ، وفيات الأعيان 4|298 ، الوافي بالوفيات 2|345 ، مرآة الجنان 2|247 ، طبقات الحفاظ : 371.
ابن عديّ
وأورد الحافظ أبو أحمد ابن عدي ، المتوفى سنة 365 هـ ، عن أنس بن مالك بترجمة حماد بن دليل في « الضعفاء » وعنه السيوطي في الجامع الصغير ، ونصّ هناك على أن « هذا الحديث قد روى له حمّاد بن دليل إسنادين ، ولا يروي هذين الإسنادين غير حمّاد بن دليل ».
وقد تقدّم ذكر عبارته كاملة ، حيث عرفت ما في الإسنادين المذكورين عند ابن عديّ وغيره من الأئمة في الفصل الأول .
ترجمه :
والحافظ ابن عديّ من أعاظم أئمّة الجرح والتعديل لدى القوم . . .
قال السمعاني بترجمته : « كان حافظ عصره ، رحل إلى الاسكندرية وسمرقند ، ودخل البلاد وأدرك الشيوخ . كان حافظاً متقناً لم يكن في زمانه مثله .
قال حمزة بن يوسف السهمي : سألت الدارقطني أن يصنّف كتاباً في ضعفاء المحدّثين ، قال : أليس عندك كتاب ابن عديّ ؟ فقلت : نعم ، فقال : فيه كفاية لا يزاد عليه » (1) .
وانظر : تذكرة الحفاظ 3|161 ، شذرات الذهب 3|51 ، مرآة الجنات 2|381 ، وغيرها .
أبو الحسن الدارقطنى
وقال الحافظ الشهير أبو الحسن الدار قطني ـ المتوفى سنة 385 هـ ـ بعد أن أخرج الحديث بسنده عن العمري : « لا يثبت ، والعمري هذا ضعيف »(2) .
ترجمته :
وكتب الرجال والتاريخ مشحونة بالثناء على الدارقطني . . .
قال الذهبي : « الدارقطني ـ أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي الحافظ المشهور ، صاحب التصانيف . . . ذكره الحاكم فقال : صار أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع ، وإماماً في القرّاء والنحاة ، صادفته فوق ما وصف لي ، وله مصنفات يطول ذكرها. وقال الخطيب : كان فريد عصره ، و فزيع دهره ، ونسيج وحده ، وإمام وقته . . . وقال القاضي أبو الطيب الطبري : الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث ! ! » (3) .
وقال ابن كثير : « . . . الحافظ الكبير ، اُستاذ هذه الصناعة وقبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا . . . كان فريد عصره ونسيج وحده وإمام دهره . . . وله كتابه المشهور . . . وقال ابن الجوزي : قد اجتمع له معرفة الحديث والعلم بالقراءات والنحو والفقه والشعر ، مع الإمامة والعدالة وصحّة العقيدة » (1) .
وراجع : وفيات الأعيان 2|459 ، تاريخ بغداد 12|34 ، النجوم الزاهرة 4|172 ، طبقات الشافعية 3|462 ، طبقات القراء 1|558 ، وغيرها .
ابن حزم الأندلسي
وقد نصّ الحافظ ابن حزم الأندلسي ، المتوفى سنة 475 هـ ، على بطلان هذا الحديث وعدم جواز الاحتجاج به . . . فإنه قال في رأي الشيخين ما نصّه : « أمّا الرواية : اقتدوا باللذين من بعدي ، فحديث لا يصح ، لأنّه مروي عن مولى لربعيّ مجهول ، وعن المفضّل الضبّي وليس بحجّة .
كما حدّثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، نا محمد بن كثير الملاّئي ، نا المفضل الضبّي ، عن ضرار بن مرة ، عن عبد الله بن أبي الهذيل العنزي ، عن جدته ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ، قال : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمّار ، وتمسكوا بعهد ابن اُم عبد .
وكما حّدثناه أحمد بن قاسم ، قال : نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم بن أصبغ ، قال : حدّثني قاسم بن أصبغ ، نا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، نا محمد بن
كثير ، أنا سفيان الثوري ، عن عبد الملك بن عمير ، عن مولى لربعي ، عن ربعي ، عن حذيفة . . .
وأخذناه أيضاً عن بعض أصحابنا ، عن القاضي أبي الوليد ابن الفرضي ، عن ابن الدخيل ، عن العقيلي ، نا محمد بن إسماعيل ، نا محمد بن فضيل ، نا وكيع ، نا سالم المرادي ، عن عمرو بن هرم ، عن ربعي بن حراش وأبي عبد الله ـ رجل من أصحاب حذيفة ـ عن حذيفة .
قال أبو محمد : سالم ضعيف. وقد سمى بعضهم المولى فقال : هلال مولى ربعيّ ، وهو مجهول لا يعرف من هو أصلاً ، ولو صحّ لكان عليهم لا لهم ، لأنهم ـ نعني أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي ـ أترك الناس لأبي بكر وعمر ، وقد بيّنا أن أصحاب مالك خالفوا أبا بكر مّما رووا في الموطّأ خاصة في خمسة مواضع ، وخالفوا عمر في نحو ثلاثين قضية مّما رووا في الموطّأ خاصة ، وقد ذكرنا أيضاً أن عمر وأبا بكر اختلفا ، وأن اتّباعهم فيما اختلفا فيه متعذّر ممتنع لا يعذر عليه أحد » .
وقال في الفصل : « قال أبو محمد : ولو أننا نستجيز التدليس والأمر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحاً أو أبلسوا أسفاً ـ لاحتججنا بما روي : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر .
قال أبو محمد : ولكنه لم يصحّ ، ويعيدنا الله من الاحتجاج بما لا يصحّ ) (2) .
---------------------------
(1) البداية والنهاية 11|317.
(2) الإحكام في أصول الأحكام : المجلّد 2 الجزء 6 ص 242 ـ 243 0 الفصل 4|88
الرسائل العشرة _ 64 _
ترجمته :
وأبو محمد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي ، حافظ ، فقيه ، ثقة ، له تراجم حسنة في كتبهم ، وإن كانوا ينتقدون عليه صراحته وشدته في عباراته . . .
قال الحافظ ابن حجر : « الفقيه الحافظ الظاهري ، صاحب التصانيف ، كان واسع الحفظ جداً ، إلاّ أنه لثقة حافظته كان يهجم ، كالقول في التعديل والتجريح وتبيين أسماء الرواة ، فيقع له من ذلك أوهام شنيعة .
قال صاعد بن أحمد الربعي : كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس كلهم لعلوم الإسلام وأشبعهم معرفة ، وله مع ذلك توسّع في علم البيان ، وحظ من البلاغة ، ومعرفة بالسير والأنساب .
قال الحميدي : كان حافظاً للحديث ، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة ، متفننا في علوم جمة ، عاملاً بعلمه ، ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ والتدّين وكرم النفس ، وكان له في الأثر باع واسع .
قال مؤرخ الأندلس أبو مروان ابن حبّان : كان ابن حزم حامل فنون من حديث وفقه ونسب وأدب ، مع المشاركة في أنواع التعاليم القديمة ، وكان لا يخلو في فنونه من غلط ، لجرأته في السؤال على كل فن » (1) .
وراجع : وفيات الأعيان 3|13 ، نفح الطيب 1|364 ، العبر في خبر من غبر 3|239 .
برهان الدين العبري الفرغاني
وقد نصّ العلاّمة عبيد الله بن محمد العبري الفرغاني الحنفي ـ المتوفى سنة 743 هـ ـ على أنه حديث موضوع لا يجوز الاستدلال به والاستناد إليه ، وهذا نص كلامه : « وقيل : إجماع الشيخين حجّة لقوله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر .
فالرسول أمرنا بالاقتداء بهما ، والأمر للوجوب وحينئذ يكون مخالفتهما حراماً ، ولا نعني بحجّيّة إجماعهما سوى ذلك .
الجواب : إن الحديث موضوع لما بينا في شرح الطوالع » (2) .
---------------------------
(1) لسان الميزان 4|198.
(2) شرح المنهاج ـ مخطوط .
الرسائل العشرة _ 65 _
ترجمته :
والعبري من كبار أئمة القوم في علم الكلام والمعقول ، وشرحه على « المنهاج » وعلى « الطوالع » للقاضي البيضاوي من أشهر كتبهم في الكلام والاصول . . . وقد ترجموا له وأثنوا عليه واعترفوا بفضله .
قال الحافظ ابن حجر : « كان عارفاً بالأصلين ، وشرح مصنفات ناصر الدين البيضاوي . . . ذكره الذهبي في المشتبه ـ في العبري ـ فقال : عالم كبير في وقتنا وتصانيفه سائرة ، ومات في شهر رجب سنة 743 .
قلت : رأيت بخطّ بعض فضلاء العجم أنه مات في غرّة ذي الحجة منها وهو أثبت ، ووصفه فقال : هو الشريف المرتضى قاضي القضاة ، كان مطاعاً عند السلاطين ، مشهوراً في الآفاق ، مشاراً إليه في جميع الفنون ، ملاذ الضعفاء ، كثير التواضع والإنصاف »(1) .
وقال الأسنوي : « كان أحد الأعلام في علم الكلام والمعقولات ، ذا حظّ وافر من باقي العلوم ، وله التصانيف المشهورة »(2) .
وقال اليافعي : « الإمام العلاّمة ، قاضي القضاة ، عبيد الله بن محمد العبري الفرغاني الحنفي ، البارع العلاّمة المناظر ، يضرب بذكائه ومناظرته المثل ، كان إماماً بارعاً ، متفنناً ، تخرج به الاصحاب ، يعرف المذهبين الحنفي والشافعي . وأقرأهما وصنف فيهما .
وأمّا الاصول والمعقول فتفرّد فيها بالإمامة ، وله تصانيف . . . وكان استاذ الاستاذين في وقته »(3) .
شمس الدين الذهبي
وأبطل الحافظ الكبير الذهبي ـ المتوفى سنة 748 هـ ـ هذا الحديث مرّة بعد اُخرى ، واستشهد بكلمات جهابذة فنّ الحديث والرجال . . . وإليك ذلك :
قال : « أحمد بن صليح ، عن ذي النون المصري ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر بحديث : اقتدوا باللذين من بعدي ،
وهذا غلط ، وأحمد لا يعتمد عليه »(4) .
---------------------------
(1) الدرر الكامنه في أعيان الثامنة 2|433.
(2) طبقات الشافعية 2|236 .
(3) مرآة الجنان 4|306.
(4) ميزان الاعتدال فى نقد الرجال 1|105 .
الرسائل العشرة _ 66 _
وقال : « أحمد بن محمد بن غالب الباهلي غلام خليل ، عن إسماعيل بن أبي اُويس وشيبان وقرّة بن حبيب ، وعنه : ابن كامل وابن السماك وطائفة .
وكان من كبار الزهاد ببغداد. قال ابن عديّ : سمعت أبا عبدالله النهاوندي يقول : قلت لغلام خليل : ما هذه الرقائق التي تحدّث بها ؟ قال : وضعناها لنرفّق بها قلوب العامة .
وقال أبو داود : أخشى أن يكون دجّال بغداد .
وقال الدارقطني : متروك
ومن مصائبه : قال : حدّثنا محمد بن عبد الله العمري ، حدثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر .
فهذا ملصق بمالك ، وقال أبو بكر النقاش « وهو واهٍ . . . » (1) .
وقال : « محمد بن عبد الله بن عمر بن القاسم بن عبد الله بن عبيدالله بن عاصم ابن عمر بن الخطاب العدوي ، العمري ،
ذكره العقيلي وقال : لأ يصح حديثه ، ولا يعرف بنقل الحديث ، حدّثنا أحمد بن الخليل ، حدّثنا إبراهيم بن محمد الحلبي ، حدّتني محمد بن عبدالله بن عمر بن القاسم ، أنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعاً : اقتدوا باللذين من بعدي ، فهذا لا أصل له من حديث مالك ، بل هو معروف من حديث حذيفة بن اليمان .
وقال الدارقطني : العمري هذا يحدّت عن مالك بأباطيل .
وقال ابن منده : له مناكير »(2) .
وقال : « عن يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن أبي الزعراء ، عن ابن مسعود مرفوعاً : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمّار ، وتمسّكوا بعهد ابن مسعود ، قلت : سنده واهٍ جداً » (3) .
ترجمته :
والذهبي أعرف من أن يعرف ، فهو إمام المتأخرين في التواريخ والسير ، والحجّة عندهم في الجرح والتعديل . . . وإليك بعض مصادر ترجمته : الدرر الكامنة 3|336 ، الوافي بالوفيات 2|163 ، طبقات الشافعية 5|216 ، فوات الوفيات 2|370 ، البدر الطالع 2|110 ، شذرات الذهب 6|153 ، النجوم الزاهرة 10|183 ، طبقات القرّاء 2|71.
---------------------------
(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 1|141 .
(2) ميزان الاعتدال 3|610 .
(3) تلخيص المستدرك 3|75.
الرسائل العشرة _ 67 _
نور الدّين الهيثمي
ونص الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ـ المتوفى سنة 807 هـ ـ على سقوط الحديث عن أبي الدرداء حيث قال : « وعن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلّم ) : إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. فإنهما حبل الله الممدود ، ومن تمسّك بهما ففد تمسّك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ، رواه الطبراني ، وفيه « من لم أعرفهم » (1) .
وكذا عن ابن مسعود. وقد تقدّمت عبارته .
ترجمته :
والحافظ الهيثمي من أكابر حفاظ القوم وأئمتهم .
قال الحافظ السخاوي بعد وصفه بالحفظ : « وكان عجباً في الدين والتقوى والزهد والإقبال على العلم والعبادة والأورادوخدمة الشيخ . . .
قال شيخنا في معجمه : كان خيراً ساكناً ليّنا سليم الفطرة ، شديد ألإنكار للمنكر ، كثير الاحتمال لشيخنا ولأولاده ، محباً في
الحديث وأهله . . .
وقال البرهان الحلبي : إنه كان من محاسن القاهرة .
وقال التقي الفاسي : كان كثير الحفظ للمتون والآثار ، صالحاً خيراً .
وقال الأفقهسي : كان إماماً عالماً حافظاً زاهداً . . . والثناء على دينه وزهده وورعه ونحو ذلك كثير جداً » (2) .
وراجع أيضاً : حسن المحاضرة 1|362 ، طبقات الحفّاظ : 541 ، البدر الطالع 1|44 .
---------------------------
(1) مجمع الزوائد 9|53.
(2) الضوء اللامع 5|200.
الرسائل العشرة _ 68 _
ابن حجر العسقلاني
واقتفى الحافظ ابن حجر العسقلاني ـ المتوفى سنة 852 هـ ـ أثر الحافظ الذهبي ، فأبطل الحديث في غير موضع .
فقال بترجمة أحمد بن صليح : « أحمد بن صليح ، عن ذي النون المصري ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما بحديث : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، وهذا غلط ، وأحمد لا يعتمدعليه » (1) .
وقال بترجمة غلام خليل بعد كلام الذهبي : « وقال الحاكم : سمعت الشيخ أبا بكر ابن إسحاق يقول : أحمد بن محمد
بن غالب مّمن لا أشك في كذبه .
وقال أبو أحمد الحاكم : أحاديثه كثيرة لا تحصى كثرة ، وهو بين الأمر في الضعف .
وقال ابو داود : قد عرض عليّ من حديثه فنظرت في أربعمائة حديث أسانيدها ومتونها كذب كلّها .
وروى عن جماعة من الثقات أحاديث موضوعة على ما ذكره لنا القاضي أحمد بن كامل ، مع زهده وورعه . ونعوذ بالله من ورع يقيم صاحبه ذلك
المقام »(2) .
وأضاف إلى كلام الذهبي بترجمة محمد العمري : « وقال العقيلي بعد تخريجه : هذا حديث منكر لا أصل له وأخرجه الدارقطني من رواية أحمد الخليلي البصري بسنده وساق بسند كذلك ثم قال : لا يثبت ، والعمري هذا ضعيف » (3) .
ترجمته :
وابن حجر العسقلاني حافظهم على الإطلاق ، وشيخ الإسلام عندهم في جميع الآفاق ، إليه المرجع في التاريخ والحديث والرجال ، وعلى كتبه المعوّل في جميع العلوم . . . قال الحافظ السيوطي : « الإمام الحافظ في زمانه ، قاضي القضاة ، انتهت إليه الرحلة والرياسة في الحديث في الدنيا بأسرها ، لم يكن في عصره حافظ سواه . وألف كتباً كثيرة كشرح البخاري ، وتغليق التعليق ، وتهذيب التهذيب
، وتقريب التهذيب ، ولسان الميزان ، والإصابة في الصحابة ، ونكت ابن الصلاح ، ورجال الأربعة وشرحها ، والألقاب
. . . »(4) .
وهكذا وُصف في كل كتاب توجد فيه ترجمة له . . . فراجع : البدر الطالع 1|87 ، الضوء اللامع 2|36 ، شذرات
الذهب 8|270 ، ذيل رفع الإصر : 89 ، ذيل تذكرة الحفّاظ : 380 .
شيخ الإسلام الهروي
وقال الشيخ أحمد بن يحيى الهروي الشافعي ـ المتوفى سنة 916 هـ ـ ما نصّه :
« من موضوعات أحمد الجرجاني : من قال القرآن مخلوق فهو كافر ، الإيمان يزيد وينقص ، ليس الخبر كالمعاينة ، الباذنجان شفاء من كل داء ، دانق من حرام أفضل عند الله من سبعين حجة مبرورة ، موضوع ، اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، باطل ، إن الله يتجلّى للخلائق يوم القيامة ويتجلى لأبي بكر خاصّة ، باطل »(1) .
ترجمته :
وهذا الشيخ من فقهاء الشافعية ، وكان شيخ الإسلام بمدينة هراة ، وهو حفيد السعد التفتازاني .
قال الزركلي : « أحمد بن يحيى بن محمد بن سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني الهروي ، شيخ الإسلام ، من فقهاء الشافعية ، يكنى سيف الدين ويعرف بـ « حفيد السعد » التفتازاني .
كان قاضي هراة مدة ثلاثين عاماً ، ولمّا دخل الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي كان الحفيد مّمن جلسوا لاستقباله في دار الإمارة ،
ولكن الوشاة اتهموه عند الشاه بالتعصّب ، فامر بقتله مع جماعة من علماء هراة ، ولم يعرف له ذنب ، ونعت بالشهيد ، له كتب
منها : مجموعة سمّيت : الدّر النضيد من مجموعة الحفيد ط ، في العلوم الشرعية والعربيّة . . . »(2) .
عبد الرؤوف المناوي
وطعن العلاّمة عبد الرؤوف بن تاج العارفين المناوي المصري ـ المتوفى سنة 1029 هـ ـ في سند الحديث عن حذيفة ، وتعقبه .
عن ابن مسعود بكلمة الذهبي ، وهذا نصّ عبارته :
« ( اقتدوا باللذين ) بفتح الذال ، أي الخليفتين اللذين يقومان ( من بعدي : أبو بكر وعمر ) أمره بمطاوعتهما
يتضمن الثناء عليهما ، ليكونا أهلاً لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه ، المؤذن بحسن سيرتهما وصدق سريرتهما ، وإيماء
لكونهما الخليفتين بعده. وسبب الحث على الاقتداء بالسابقين الأولين ما فطروا عليه من الأخلاق المرضية والطبيعة القابلة
للخيور السنية ، فكأنهم كانوا قبل الإسلام كأرض طيّبة في نفسها ، لكنها معطّلة عن الحرث بنحو عوسج وشجر عضاة، فلما
اُزيل ذلك منها بظهور دولة الهدى أنبتت نباتاً حسناً ، فلذلك كانوا افضل الناس بعد الأنبياء ، وصار أفضل الخلق بعدهم من اتبعهم
بإحسان إلى يوم الصراط والميزان ، فإن قلت : حيث أمر باتباعهما فكيف تخلف علي رضي الله عنه عن البيعة؟
قلت : كان لعذر ثم بايع .
وقد ثبت عنه الانقياد لأوامرهما ونواهيهما وإقامة الجمع والأعياد معهما والثناء عليهما حيّين وميّتين ،
فإن قلت : هذا الحديث يعارض ما عليه أهل الاصول من أنه لم ينصّ على خلافة أحد .
قلت : مرادهم لم ينصّ نصاً صريحاً. وهذا كما يحتمل الخلافة يحتمل الاقتداء بهم في الرأي والمشورة والصلاة وغير ذلك
.
( حم ت ) في المناقب وحسنه ( 5 ) من حديث عبدالملك بن عمير عن ربعي ( عن حذيفة ) بن اليمان .
قال ابن حجر : اختلف فيه على عبد الملك ، وأعلّه أبو حاتم ، وقال البزار كابن حزم : لا يصح . لأن عبدالملك لم
يسمعه من ربعي ، وربعي لم يسمعه من حذيفة. لكن له شاهد ، وقد أحسن المصنف حيث عقبه بذكر شاهده فقال :
( اقتدوا باللذين ) بفتح الذال ( من بعدي من أصحاب أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمّار ) بن ياسر ، أي سيروا بسيرته
واسترشدوا بإرشاده فإنه ما عرض عليه أمران إلأ اختار أرشدهما ، كما يأتي في حديث ( وتمسكوا بعهد ابن مسعود ) عبد الله ، أي ما يوصيكم به .
الرسائل العشرة _ 71 _
قال التوربشتي : أشبه الأشياء بما يراد من عهده أمر الخلافة ، فإنه أول من شهد بصحتها وأشارإلى استقامتها قائلاً : ألا
نرضى لدنيانا من رضيه لديننا بيننا ، كما يومىء إليه المناسبة بين مطلع الخبر وتمامه ،
( ت ) وحسنه ( عن ابن مسعود الروياني عن حذيفة ) قال : بينا نحن عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) إذ قال : لا أدري ما قدر بقائي فيكم ، ثم ذكره ( عد عن أنس ) .
ورواه الحاكم عن ابن مسعود باللفظ المذكور قال الذهبي : وسنده واهٍ »(1) .
ترجمته :
والمناويّ علاّمة محقق كبير ، وكتابه « فيض القدير » من الكتب المفيدة وقد ترجم له وأثنى عليه العلاّمة المحبّي ووصفه بـ « الإمام الكبير الحجّة » وهذه عبارته :
« عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين ، الملقب بزين الدين ، الحدادي ثم المناوي ، القاهري ، الشافعي ،
الإمام الكبير الحجّة ، الثبت القدوة ، صاحب التصانيف السائرة ، وأجل أهل عصره من غير ارتياب .
وكان إماماً فاضلاً ، زاهداً ، عابداً ، قانتاً لله خاشعاً له ، كثير النفع ، وكان متقرّباً بحسن العمل ، مثابراً على التسبيح والأذكار صابراً صادقاً ، وكان يقتصر يومه وليلته على أكلة واحدة من الطعام .
وقد جمع من العلوم والمعارف ـ على اختلاف أنواعها وتباين أقسامها ـ ما لم يجتمع في أحد مّمن عاصره . . . »(2) .
ابن درويش الحوت
وقال العلاّمة ابن درويش الحوت ـ المتوفى سنة 1097 هـ ـ :« خبر ( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ) .
رواه أحمد والترمذي وحسنه . وأعلّه أبو حاتم ، وقال البزار كابن حزم : لا يصحّ . وفي رواية للترمذي وحسنّها : واهتدوا بهدي عمّار ، وتمسكوا بعهد ابن مسعود. وقال الهيثمي : سندها واهٍ »(3) .
---------------------------
(1) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير 2|56.
(2) خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر 2|412 ـ 416 .
(3) أسنى المطالب : 48 .
قد أشرنا في المقدّمة إلى استدلال القوم بحديث الاقتداء في باب الخلافة والإمامة وفي الفقه والاصول في مسائل مهمّة . . .
فقد استدلّ به القاضي البيضاوي في كتابه الشهير « طوالع الأنوار في علم الكلام » وابن حجر المكي في « الصواعق المحرقة » وابن تيميّة في « منهاج السنة » وولي الله الدهلوي ـ صاحب : حجّة الله البالغة ـ في كتابه « قرة العينين في تفضيل الشيخين » . . . ومن الطّريف جداً أن هذا الأخير ينسب رواية الحديث إلى البخاري ومسلم . . . وهذه عبارته :
« قوله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر .
فعن حذيفة : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر متّفق عليه .
وعن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اقتدوا باللذين من بعدي من أأحابي أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمّار وتمسكوا بعهد ابن مسعود. أخرجه الترمذي » (1) .
إذ لا يخفى أن النسبة كاذبة . . . إلآ أن يكون « متفق عليه » اصطلاحاً خاصاً بالدهلوي ، يعني به اتفاقهما على عدم الإخراج ! !
واستدل به الشيخ علي القاري . . . ووقع فيما وقع فيه الدهلوي . . . فقد جاء في « شرح الفقه الأكبر » : « مذهب عثمان وعبدالرحمن بن عوف : أن المجتهد يجوز له أن يقلّد غيره إذا كان أعلم منه بطريق الدين ، وأن يترك اجتهاد نفسه ويتبع اجتهاد غيره ، وهو المروي عن أبي حذيفة ، لاسيما وقد ورد في الصحيحين : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. فأخذ عثمان وعبدالرحمن بعموم هذا الحديث وظاهره » .
ولعلّه يريد غير صحيحي البخاري ، ومسلم ! ! وإلاّ فقد نصّ الحاكم ـ كما عرفت ـ على أنّها لم يخرجاه ! !
وهلكذا فإنك تجد حديث الاقتداء . . . يذكر أو يستدلّ به في كتب الأصول المعتمدة . . . فقد جاء في المختصر .
( مسألة : الإجماع لا ينعقد بأهل البيت وحدهم خلافاً للشيعة . ولا بالأئمة الأربعة عند الأكثرين خلافاً لأحمد . ولا بأبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ عند الأكثرين ، قالوا : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي . اقتدوا باللذين من بعدي ، قلنا : يدلّ على أهلية اتباع المقلد ، ومعارض بمثل : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ، وخذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء » .
قال شارحه العضد : « أقول : لا ينعقد الإجماع بأهل البيت وحدهم ، مع مخالفة غيرهم لهم ، أو عدم الموافقة والمخالفة ، خلافاً للشيعة ، ولا بالأئمة الأربعة عند الأكثرين خلافاً لأحمد ولا بأبي بكر وعمر عند الأكثرين خلافاً لبعضهم ،
لنا : أن الأدلة لا تتناولهم ، وقد تكرر فلم يكرر .
أما الشيعة فبنوا على أصلهم في العصمة ، وقد قرر في الكلام فلم يتعرض له .
وأما الآخرون فقالوا : قال عليه الصلاة والسلام : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي . وقال : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر .
الجواب : أنهما إنما يدلان على أهلية الأربعة أو الاثنين لتقليد المقلّد لهم ، لا على حجية قولهم على المجتهد ، ثم إنه معارض بقوله : أصحاب كالنجوم . . . » (1) .
وفي المنهاج وشرحه : « وذهب بعضهم إلى أن إجماع الشيخين وحدهما حجّة لقوله عليه السلام : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . رواه أحمد بن حنبل وابن ماجة والترمذي وقال : حسن ، وذكره ابن حبان في صحيحه .
وأجاب الإمام وغيره عن الخبرين بالمعارضة بقوله : أصحابي كالنجوم بايّهم اقتديتم اهتديتم ، وهو حديث ضعيف ، وأجاب الشيخ أبو إسحاق في ( شرح اللمع ) بأن ابن عباس خالف جميع الصحابة في خمس مسائل انفرد بها ، وابن مسعود انفرد بأربع مسائل ، ولم يحتجّ عليهما أحد بإجماع . . . »(2) .
---------------------------
(1) شرح المختصر في الاُصول 2|36 .
(2) الإبهاج في شرح المنهاج 2|367.
الرسائل العشرة _ 74 _
وفي مسلّم الثبوت وشرحه : « ولا ينعقد الإجماع بالشيخين أميري المؤمنين أبي بكر وعمر عند الاكثر ، خلافاً للبعض ، ولا ينعقد بالخلفاء الأربعة خلافاً لأحمد الإمام ولبعض الحنفية . . . قالوا : كون اتفاق الشيخين إجماعاً ، قالوا : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر .
رواه أحمد ، فمخالفتهما حرام . . . قلنا : هذا خطاب للمقلّدين ، فلا يكون حجة على المجتهدين ، وبيان لأهلية الاتباع ، لا حصر الاتباع فيهم ، وعلى هذا فالأمر للإباحة أو للندب ، وأحد هذين التأويلين ضروري ، لأنّ المجتهدين كانوا يخالفونهم ، والمقلّدون كانوا قد يقلدون غيرهم ولم ينكر عليهم أحد ، لا الخلفاء أنفسهم ولا غيرهم ، فعدم حجية قولهم كان معتقدهم ، وبهذا اندفع ما قيل إن الإيجاب ينافي هذا التأويل . . . » (1) .
فهذه نماذج من استدلال القوم بحديث الاقتداء بالشيخين . . . في مسائل الفقه والاصولين . . .
لكن الذي يظهر من مجموع هذه الكلمات أن الأكثر على عدم حجية إجماعهما . . .
وإذا ضممنا إلى ذلك أنّ الأكثر ـ أيضاً ـ على أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) لم ينصّ على خلافة أحد من بعده . . . كما جاء في المواقف و شرحها « والإمام الحقّ بعد النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : أبو بكر ثبتت إمامته بالإجماع وإن توقّف فيه بعضهم . . . ولم ينصّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على أحد خلافاً للبكرية ، فإنهم زعموا النصّ على أبي بكر ، وللشيعة فإنهم يزعمون النصّ على علي كرّم الله وجهه ، إما نصّاً جلياً وإما نصّاً خفياً . والحق عند الجمهور نفيهما » (2) .
وقال المناوي بشرحه : « فإن قلت : هذا الحديث يعارض ما عليه أهل الأصول من أنّه لم ينصّ على خلافة أحد .
قلت : مرادهم : لم ينصّ نصّاً صريحاً ، وهذا كما يحتمل الخلافة يحتمل الاقتداء بهم في الرأي والمشورة والصلاة ونحو ذلك (3) .
---------------------------
(1) فواتح الرحموت في مسلّم الثبوت 2|231.
(2) الشيخ محمد عبده بين الفلاسفة والمتكلّمين 2|643 ـ 644 .
(3) فيض القدير 2|56 .
الرسائل العشرة _ 75 _
علمنا أن المستدلّين بهذا الحديث في جميع المجالات ـ ابتداءً بباب الإمامة والخلافة ، وانتهاء بباب الاجتهاد والإجماع ـ هم « البكرية » وأتباعهم . . .
إذن . . . فالأكثر يعرضون عن مدلول هذا الحديث ومفاده ... وإن المستدلّين به قوم متعصبون لأبي بكر وإمامته ... وهذا وجه آخر من وجوه وضعه واختلافه . . .
قال الحافظ ابن الجوزي : « قد تعصب قوم لاخلاق لهم يدّعون التمسك بالسُنّة فوضعوا لأبي بكر فضائل ... »(1) .
لكن من هم ؟
هم « البكرية » أنفسهم ! !
قال العلاّمة المعتزلي : « فلمّا رأت البكرية ما صنعت الشيعة (2) وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث ، نحو : ( لو كنت متّخذاً خليلاً ) فإنهم وضعوه في مقابلة ( حديث الإخاء ) ، ونحو : ( سد الأبواب ) فإنه كان لعلي عليه السلام ، فقلبته البكرية إلى أبي بكر. ونحو : ( إيتوني بدواة وبياض أكتب فيه لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه إثنان ) ثم قال : ( يأبى الله والمسلمون إلاّ أبا بكر ) فإنّهم وضعوه في مقابلة الحديث المروي عنه في مرضه : ( إيتوني بدواة وبياض أكتب لكم ما لا تضلّون بعده ابداً .
فاختلفوا عنده وقال قوم منهم : لقد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله ) ونحو حديث : ( أنا راض عنك ، فهل أنت عنّي راض ؟ ) ونحو ذلك » (3) .
وبعد ، فما مدلول هذا الحديث ونحن نتكلّم هنا عن هذه الجهة وبغضّ النظر عن السند ؟
يقول المناوي : « أمره بمطاوعتهما يتضمّن الثناء عليهما ، ليكونا أهلاً لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه . . . » .
لكن أوّل شيء يعترض عليه به تخلف أمير المؤمنين عليه السلام ومن تبعه عن البيعة مع أمرهما به ، ولذا قال :
« فإن قلت : حيث أمر باتباعهما فكيف تخلّف علي رضي الله عنه عن البيعة ؟
قلت : كان لعذر ثم بايع ، وقد ثبت عنه الانقياد لأوامرهما و نواهيهما . . . »(4) .
---------------------------
(1) الموضوعات 1|303 .
(2) الذي صنعته الشيعة أنها استدلّت بالأحاديث التي رواها أهل السُنّه في فضل أمير المؤمنين عليه السلام
(3) شرح نهج البلاغة 11|49 .
(4) فيض القدير 2|56.
الرسائل العشرة _ 76 _
أقول : لقد وقع القوم ـ بعد إنكار النصّ وحصر دليل الخلافة في الإجماع ـ في مأزق كبير وإشكال شديد ، وذلك لأنهم قرروا في علم الاصول أنه إذا خالف واحد من الاُمّة أو اثنان لم ينعقد الإجماع .
قال الغزالي : « إذا خالف واحد من الامة أو اثنان لم ينعقد الإجماع دونه ، فلو مات لم تصر المسألة إجماعاً ، خلافاً لبعضهم .
ودليلنا : أن المحرم مخالفة الاُمّة كافة . . . » (1) .
وفي مسلم الثبوت وشرحه : « قيل : إجماع الأكثر مع ندرة المخالف بأن يكون واحداً أو اثنين إجماع . . . والمختار أنه ليس بإجماع لانتفاء الكل الذي هو مناط العصمة . ثم اختلفوا فقيل : ليس بحجة أصلاً كما أنه ليس بإجماع ، وقيل : بل حجّة ظنّية غير الإجماع ، لأن الظاهر إصابة السواد الأعظم . . . قيل : ربما كان الحق مع الأقل وليس فيه بعد . . . » .
فقال المكتفون بإجماع الأكثر : « صح خلافة أبي بكر مع خلاف علي وسعد بن عبادة وسلمان » .
فأجيب : « ويدفع بأن الإجماع بعد رجوعهم إلى بيعته ، هذا وأضح في أمير المؤمنين علي »،
فلو سلّمنا ما ذكروه من بيعة أمير المؤمنين عليه السلام ، فما الجواب عن تخلّف سعد بن عبادة » ؟ !
أما المناوي فلم يتعرض لهذه المشكلة . . . وتعرض لها شارح مسلم الثبوت فقال بعد ما تقدّم : « لكن رجوع سعد بن عبادة فيه خفاء ، فإنه تخلّف ولم يبايع وخرج عن المدينة ، ولم ينصرف إلى أن مات بحوران من أرض الشام لسنتين ونصف مضتا من خلافة أمير المؤمنين عمر ، وقيل : مات سنة إحدى عشرة في خلافة أمير المؤمنين الصديق الأ كبر. كذا في الاستيعاب وغيره .
فالجواب الصحيح عن تخلّفه : أن تخلّفه لم يكن عن اجتهاد ، فإن أكثر الخزرج قالوا : منا أمير ومنكم أمير ، لئلاّ تفوت رئاستهم . . . ولم يبايع سعد لما كان له حبّ السيادة ، وإذا لم تكن مخالفته عن الاجتهاد فلا يضّر الإجماع . . .
فإن قلت : فحينئدٍ قد مات هو رضي الله عنه شاق عصا المسلمين مفارق الجماعة وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلّم ) : لم يفارق الجماعة أحد ومات إلأ مات ميتة الجاهلية ، رواه البخاري .
والصحابة لاسيّما مثل سعد برآء عن موت الجاهلية ،
قلت : هب أن مخالفة الإجماع كذلك ، إلا أن سعداً شهد بدراً على ما في صحيح مسلم ، والبدريّون غير مؤاخذين بذنب ، مثلهم كمثل التائب وإن عظمت المصيبة ، لما أعطاهم الله تعالى من المنزلة الرفيعة برحمته الخاصة بهم ، وأيضاً : هو عقبي ممّن بايع في العقبة ، وقد وعدهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلّم الجنة والمغفرة ) فإيّاك وسوء الظن بهذا الصنيع فاحفظ الأدب . . . » (1) .
ولو تنزّلنا عن قضية سعد بن عبادة ، فما الجواب عن تخلف الصديقة الزهراء عليها السلام ؟ ! وهي من الصحابة ، بل بضعة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) .
فإذا كان الصحابة ـ لاسيّما مثل سعد ـ برآء عن موت الجاهلية ، فما ظنّك بالزهراء التي قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) : « فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني » (2) .
وقال : « فاطمة بضعة مني ، يقضبني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها » (3) .
وقال : « فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلاّ مريم بنت عمران » (4) .
هذه الأحاديث التي استدلّ بها الحافظ السهيلي وغيره من الحفاظ على أنّها أفضل من الشيخين فضلاً عن غيرهما (5) .
فإن من ضروريات التاريخ أن الزهراء عليها السلام فارقت الدنيا ولم تبايع أبا بكر . . . وأن أمير المؤمنين عليه السلام لم يأمرها بالمبادرة إلى البيعة ، وهو يعلم أنه « لم يفارق الجماعة أحد ومات إلأ مات ميتة الجاهلية » ! ! .
---------------------------
(1) فواتح الرحموت ـ شرح مسلّم الثبوت 2|223 ـ 224 .
(2) فيض القدير 4|421 عن البخاري في المناقب .
(3) فيض القدير 4|421 .
(4) فيض القدير 4|421 .
(5) فيض القدير4|421 .
الرسائل العشرة _ 78 _
أقول :
إذن . . . لا يدلّ هذا الحديث على شيء ممّا زعموه أو أرادوا له الاستدلال به فما هو واقع الحال ؟
سنذكر له وجهاً على سبيل الاحتمال في نهاية المقال . . .
ثم إن مّما يبطل هذا الحديث من حيث الدلالة والمعنى وجوهاً اُخر .
1 ـ
إن أبا بكر وعمر اختلفا في كثير من الأحكام ، والأفعال ، واتّباع المختلفين متعذر غير ممكن . . . فمثلاً : أقر أبو بكر جواز المتعة ومنعها عمر، وأنّ عمر منع أن يورّث أحداً من الأعاجم إلا واحداً ولد في العرب . . . فبمن يكون الاقتداء ؟ ! .
ثم جاء عثمان فخالف الشيخين في كثير من أقواله وأفعاله وأحكامه . . . وهو عندهم ثالث الخلفاء الراشدين . . .
وكان في الصحابة من خالف الشيخين أو الثلاثة كلّهم في الأحكام الشرعية والآداب الدينية . . . وكلّ ذلك مذكور في مظانّه من الفقه والاصول . . . ولو كان واقع هذا الحديث كما يقتضيه لفظه لوجب الحكم بضلالة كل هؤلاء ! ! .
2 ـ
إن المعروف من الشيخين الجهل بكثير من المسائل الإسلامية ممّا يتعلّق بالاُصول والفروع ، وحتى في معاني بعض الألفاظ العربية في القرآن الكريم . . . فهل يأمر النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بالاقتداء المطلق لمن هذه حاله ويأمر بالرجوع إليه والانقياد له في أوامره ونواهيه كلّها ؟ !.
3 ـ
إن في هذا الحديث بهذا اللفظ يقتضي عصمة أبي بكر وعمر والمنع من جواز الخطأ عليهما ، وليس هذا بقول أحد من المسلمين فيهما ، لأن إيجاب الاقتداء بمن ليس بمعصوم إيجاب لما لا يؤمن من كونه قبيحاً . . .
4 ـ
ولو كان هذا الحديث عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لاحتجّ به أبو بكر نفسه يوم السقيفة . . . ولكن لم نجد في واحد من كتب الحديث والتاريخ أنه احتجّ به على القوم . . . فلو كان لنقل واشتهر ، كما نقل خبر السقيفة وما وقع فيها من النزاع والمغالبة . . . بل لم نجد احتجاًجاً له به في وقت من الأوقات .