الفهرس العام






   وأما الحديث المذكور عن عبد الله بن عمر فالظاهر كونه عن عائشة كذلك ، كما رواه مسلم ، عن عبدالرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن عائشة . . . لكن البخاري رواه بسنده عن الزهري ، عن حمزة ، عن أبيه ، قال : « لما اشتد برسول الله وجعه . . . » .
   وعلى كل حال فإن مدار الطريقين على :
   محمد بن شهاب الزهري وهو رجل مجروح عند يحيى بن معين (1) وعبدالحق الدهلوي ، وكان من أشهر المنحرفين عن أمير الؤمنين عليه السلام ، ومن الرواة عن عمر بن سعد اللعين :
   قال ابن أبي الحديد : « وكان الزهري من المنحرفين عنه ، وروى جرير بن عبد الحميد عن محمد بن شيبة قال : شهدت مسجد المدينة ، فإذا الزهري وعروة ابن الزبير جالسان يذكران علياً فنالا منه . فبلغ ذلك علي بن الحسين فجاء حتى وقف عليهما فقال : أما أنت يا عروة ، فإن أبي حاكم أباك إلى الله فحكم لأبي على أبيك ، وأما أنت يا زهري ، فلو كنت بمكة لأريتُك كير أبيك »(2) قال : « وروى عاصم بن أبي عامر البجلي ، عن يحيى بن عروة ، قال : كان أبي إذا ذكر علياً نال منه »(3) ويؤكد هذا سعيه وراء إنكار مناقب أمير المؤمنين عليه السلام ـ كمنقبة سبقه إلى الإسلام ـ

---------------------------
(1) هو من شيوخ البخاري ومسلم ، ومن أئمة الجرح والتعديل ، اتفقوا على أنه اعلم أئمة الحديث بصحيحه وسقيمه . توفي سنة 302 هـ . ترجم له في : تذكرة الحفاظ 2|429 وغيرها.
(2) شرح نهج البلاغة 6|102 .
(3) شرح نهج البلاغة 4|102 .

الرسائل العشرة _ 157 _

   قال ابن عبد البرّ : « وذكر معمر في معه عن الزهري قال : ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد بن حارثة. قال عبدالرزاق : وما أعلم أحدا ذكره غير الزهري » (1)    وقال الذهبي بترجمة عمر بن سعد : « وأرسل عنه الزهري وقتادة . قال ابن معين : كيف يكون من قتل الحسين ثقة ؟ ! » (2)    وقال العلامة الشيخ عبد الحق الدهلوي بترجمة الزهري من « رجال المشكاة » : « إنه قد ابتلي بصحبة الأمراء وبقلة الديانة ، وكان أقرانه من العلماء والزهاد ياخذون عليه وينكرون ذلك منه ، وكان يقول : أنا شريك في خيرهم دون شرهم ! فيقولون : ألا ترى ما هم فيه وتسكت ؟ ! » .
   وقال ابن حجر بترجمة الأعمش : « حكى الحاكم عن ابن معين أنه قال : أجود الأسانيد : الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله . فقال له إنسان : الأعمش مثل الزهري ؟ ! فقال : تريد من الأعمش أن يكون مثل الزهري ؟ ! الزهري يرى العرض والإجازة ويعمل لبني أمية ؟ والأعمش فقير ، صبور ، مجانب للسلطان ، ورع ، عالم بالقرآن ، (3)    ولأجل كونه من عمال بني أمية ومشيدي سلطانهم كتب إليه الإمام السجاد عليه السلام كتاباً يعظه فيه ، جاء فيه : « إن ما كتمت ، وأخف ما احتملت ، أن آنست وحشة الظالم ، وسهلت له الطريق الغيّ . . . جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم ، وسلماً إلى ضلالتهم ، داعيا إلى غيهم ، سالكاً سبيلهم ، احذر ، فقد نبئت ، وبادر فقد أجلت . . . » (4)
---------------------------
(1) الاستيعاب ، ترجمة زيد بن حارثة .
(2) الكاشف 2|311 .
(3) تهذيب التهذيب 4|195 .
(4) ذكر الكتاب في : تحف العقول عن آل الرسول : 198 ، للشيخ ابن شعبة الحرّاني ، من أعلام الإمامية في القرن الرابع ، وفي إحياء علوم الدين 2|143 بعنوان : ولمّا خاط الزهري السلطان كتب أخ له في الدين اليه »! ، وفي بعض المصادر نسبته إلى أبي خازم .

الرسائل العشرة _ 158 _

   ثم الكلام في عبد الله بن عمر نفسه :
   فإنه ممن امتنع عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بعد عثمان ، وقعد عن نصرته ، وترك الخروج معه في حروبه ، ولكنه لما ولي الحجّاج بن يوسف الحجازمن قبل عبد الملك جاءه ليلاً ليبايعه فقال له : ما أعجلك ؟ ! فقال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ! ! فقال له : إنّ يدي مشغولة عنك ـ وكان يكتب ـ فدونك رجلي ، فمسح على رجله وخرج ! !
حديث عبد الله بن زمعة :
   وأما حديث عبد الله بن زمعة . . . فقد رواه أبو داود عنه بطريقين ، والمدار في كليهما على « الزهري » وقد عرفته .
حديث عبد الله بن عباس :
   وأما حديث عبد الله بن عبّاس . . . الذي رواه ابن ماجة وأحمد ، الأول رواه عن : إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الأرقم بن شرحبيل ، عن ابن عبّاس ، والثاني رواه عن يحيى ابن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن الأرقم ، عنه . . . فمداره على : أبي إسحاق ، عن الأرقم وقد قال البخاري : « لا نذكر لأبي إسحاق سماعاً من الأرقم بن شرحبيل » (1) وأبو إسحاق السبيعي : « قال بعض أهل العلم : كان قد اختلط ، وإنما تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه » (2) وكان مدلساً » (3) وكان يروى عن عمر بن سعد قاتل الحسين عليه السلام (4) وكان يروي عن شمر بن ذي الجوشن الملعون (5)
---------------------------
(1) ذكره في الزوائد بهامش سنن ابن ماجة 1|391.
(2) ميزان الاعتدال 3 : 270 .
(3) تهذيب التهذيب 8 : 56.
(4) الكاشف ، ميزان الاعتدال ، تهذيب التهذيب 7|396 .
(5) ميزان الاعتدال 2 : 72 .

الرسائل العشرة _ 159 _

   وفي سند أحمد مضافاً إلى ذلك :
1 ـ سماع « زكريا » من « أبي إسحاق » بعد اختلاطه كما ستعرف .
2 ـ « زكريا بن أبي زائدة » قال أبو حاتم : « ليّن الحديث ، كان يدلّس » ورماه بالتدليس أيضاً أبو زرعة وأبوداود وابن حجر . . . وعن أحمد : « إذا اختلف زكريا وإسرائيل فان زكريا أحبّ إليّ في أبي إسحاق ، ثم قال : ما أقربهما ، وحديثهما عن أبي إسحاق ليّن سمعا منه بآخره » (1).
أقول : فالعجب من أحمد يقول هذا وهومع ذلك يروي الحديث عن زكريا عن أبي إسحاق في « المسند » كما عرفت وفي « الفضائل » (2) نعم ، رواه لا عن هذا الطريق لكنه عن ابن عباس عن العباس ، فقال مرة : « حدثنا يحيى بن آدم » وأخرى « حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم » عن قيس ابن الربيع ، عن عبد الله بن أبي السفر ، عن أرقم بن شرحبيل ، عن ابن عباس ، عن العباس بن عبدالمطلب : « إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال في مرضه : « مروا أبابكر يصلي بالناس ، فخرج أبوبكر فكبر ووجد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) راحته فخرج يهادي بين رجلين ، فلمّا رآه أبوبكر تاخر ، فاشار إليه النبي مكانك ، ثم جلس رسول الله إلى جنب أبي بكر فاقترأ من المكان الذي بلغ أبوبكرمن السورة » (3) .
   لكن مداره على « قيس بن الربيع ، الذي أورده البخاري فى الضعفاء (4) وكذا النسائي (5) وابن حبّان في المجروحين (6) وضعفه غير واحد ، بل عن أحمد أنه تركه الناس ، بل عن يحيى بن معين تكذيبه (7)

---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 3|285 ، الجرح والتعديل 1 : 2|593 .
(2) فضائل الصحابة 1|106 .
(3) فضائل الصحابة 1|108 ، 109 .
(4) الضعفاء ـ للبخاري ـ : 273 .
(5) الضعفاء ـ للنسائي : 401 .
(6) كتاب المجروحين 2|216 .
(7) تهذيب التهذيب 8|350 ، ميزان الاعتدال 3|393 ، لسان الميزان 4|477 .

الرسائل العشرة _ 160 _

حديث عبدالله بن مسعود :
   وأما الحديث المذكور عن ابن مسعود فاخرجه النسائي ، ورواه الهيثمي أيضاً وقال : « رواه أحمد وأبو يعلى » .
   وفي سنده عند الجميع « عاصم بن أبي النجود » قال الهيثمي : « وفيه ضعف » (1) قلت : وذكر الحافظ ابن حجر عن ابن سعد : « كان كثير الخطأ في حديثه » وعن يعقوب بن سفيان : « في حديثه اضطراب » وعن أبي حاتم : « ليس محله أن يقال هوثقة ولم يكن بالحافظ » وقد تكلّم فيه ابن علية فقال : « كل من اسمه عاصم سيئ الحفظ » وعن ابن خراش : « في حديثه نكرة » وعن العقيلي : « لم يكن فيه إلا سوء الحفظ » والدار قطني : « في حفظه شيء » والبزار : « لم يكن بالحافظ ، وحماد بن سلمة : « خلط في آخر عمره » وقال العجلي : « كان عثمانيا »(2) حديث بريدة الأسلمي :
   وأمّا حديث بريدة الأسلمي الذي رواه أحمد بسنده عن ابن بريدة عن أبيه ، فمع غضّ النظر عما قيل في رواية ابن بريدة ـ سواء كان « عبدالله » أو « سليمان » ـ عن أبيه (3) فيه : « عبدالملك بن عمير » وقد عرفته .
حديث سالم بن عبيد :
   سوأما حديث سالم بن عبيد الذي أخرجه ابن ماجة :
1 ـ فقد قال فيه ابن ماجة : « هذا حديث غريب » .
2 ـ وفي سنده نظر . . . فإن « نعيم بن أبي هند » تركه مالك ولم يسمع منه ؟ لأنه « كان يتناول علياً رضي الله عنه (4) و « سلمة بن نبيط » لم يرو عنه البخاري ومسلم ، قال البخاري : « اختلط بآخره »(5).
3 ـ ثمّ إن « سالم بن عبيد » لم يرو عنه في الصحاح ، وما روى له من أصحاب السنن غيرحديثين ، وفي إسناد حديثه اختلاف ! قال ابن حجر : « سالم بن عبيد الأشجعي ، من أهل الصفة ، ثم نزل الكوفة وروى له من أصحاب السنن حديثين بإسناده صحيح في العطاس ، وله رواية عن عمر فيما قاله وصنعه عند وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكلام أبي بكر في ذلك ، أخرجه يونس بن بكير في زياداته .

---------------------------
(1) مجمع الزوائد 5|183 .
(2) تهذيب التهذيب 5|35 .
(3) تهذيب التهذيب 5|138 .
(4) تهذيب التهذيب 10|418 .
(5) تهذيب التهذيب 4|140 .

الرسائل العشرة _ 161 _

    روى عنه هلال بن يساف ونبيط بن شريط وخالد بن عرفطة » (1).
   وقال أيضاً : « الأربعة ـ سالم بن عبيد الأشجعي له صحبة ، وكان من أهل الصُفّة ، يعد في الكوفيين ، روى عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) في تشميت العاطس ، وعن عمر بن الخطاب ، روى عنه ، خالد بن عرفجة ـ ويقال ابن عرفطة ـ وهلال بن يساف ونبيط بن شريط ، وفي إسناد حديثه اختلاف » (2).
أقول : يظهر من عبارة ابن حجر في كتابيه ، ومن مراجعة الرواية عند الهيثمي (3) أن حديث سالم بن عبيد حول صلاة أبي بكر هو الحديث الذي عن عمر « فيما قاله وصنعه عند وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . . . لكن ابن ماجة ذكر بعضه ـ كما نص عليه الهيثمي ـ ، وظاهر عبارة ابن حجر في « الإصابة » عدم صحة إسناده ، ولعله المقصود من قوله في « تهذيب التهذيب » : « وفي إسناد حديثه اختلاف » إذ القدر المتيقن منه ما يرويه نبيط بن شريط عنه ، وهذا الحديث من ذاك ! .
حديث أنس بن مالك :
   أما حديث أنس بن مالك ، فمنه ما عن الزهري عنه ، وقد أخرجه البخاري ومسلم وأحمد ، والزهري من قد عرفته .
   مضافاً إلى أن الراوي عنه عند البخاري هو شعيب ، وهو : شعيب بن حمزة ، وهو كاتب الزهري وراويته (4).
ويروي عن شعيب : أبو اليمان ، وهو : الحكم بن نافع .

---------------------------
(1) الإصابة 2 |5 .
(2) تهذيب التهذيب 3|381 .
(3) مجمع الزوائد 5|182 .
(4) تهذيب التهذيب 4|307.

الرسائل العشرة _ 162 _

    وقد تكلم العلماء في رواية أبي اليمان عن شعيب ، حتى قيل : لم يسمع منه ولاكلمة (1).
   والراوي عن « الزهري » عند أحمد : سفيان بن حسين ، وقد اتفقوا على عدم الاعتماد على رواياته عن الزهري ، فقد ذكر ذلك ابن حجر عن : ابن معين وأحمد والنسائي وابن عدي وابن حبّان . . .
   وعن يعقوب بن شيبة : « في حديثه ضعف » وعن عثمان بن أبي شيبة : « كان مضطرباً في الحديث قليلاً » وعن ابن خراش : « كان لين الحديث » وعن أبي حاتم : « لايحتج به » وعن ابن سعد : « يخطئ في حديثه كثيراً »(2).
   هذا ، وقد روى الهيثمي هذا الحديث فقال : « رواه أحمد وفيه : سفيان بن حسين وهو ضعيف في الزهري ، وهذا من حديثه عنه » (3).
   ومنه ما عن حميد عن أنس ، وقد أخرجه النسائي وأحمد ، وحميد هو : حميد ابن أبي حميد الطويل ، وقد نصوا على أنه كان « مدلساً » وعلى « أن أحاديثه عن أنس مدلسة » (4) وهذا الحديث من تلك الأحاديث .
   مضافاً إلى أن الراوي عنه ـ عند أحمد ـ هو سفيان بن حسين ، وقد عرفته ، هذا ، وسواء صحت الطرق عن أنس أو لم تصح فالكلام في أنس نفسه : فاول ما فيه كذبه ، وذلك في قضية حديث الطائر المشوي ، حيث كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد دعا الله سبحانه أن ياتي بعلي عليه السلام ، وكان يترقب حضوره ، فكان كلما يجيء علي عليه السلام ليدخل على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) قال أنس : « إن رسول الله على حاجة » حتى غضب رسول الله وقال له : « يا أنس ، ما حملك على رده ؟ ! » (5).

---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 2|380 .
(2) تهذيب التهذيب 4|96 .
(3) مجمع الزوائد 5|181 .
(4) تهذيب التهذيب 3|34.
(5) أخرجه غير واحد من الأئمة في كتبهم ، راجع منها المستدرك 3|130 .

الرسائل العشرة _ 163 _

   ثم كتمه الشهادة بالحق ، وذلك في قضية مناشدة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الناس عن حديث الغدير وطلبه الشهادة منهم به ، فشهد قوم وأبى آخرون ـ ومنهم أنس ـ فدعى عليهم فأصابتهم دعوته . . . (1).
   ومن المعلوم أن الكاذب لا يقبل خبره ، وكتم الشهادة إثم كبير قادح في العدالة كذلك .

   وأما حديث عائشة . . . فقد ذكرنا أنه هو العمدة في هذه المسألة : لكونها صاحبة القصة ، ولإن حديث غيرها إما ينتهي إليها ، وأما هو حكاية عما قالته وفعلته .
   ولأن روايتها أكثر طرقاً من رواية غيرها ، وأصح إسناداً من سائر الأسانيد ، وأتم لفظاً وتفضلاً للقصة . . . وقد أوردنا الأهم من تلك الطرق ن والأتم من تلك الألفاظ . . . فأما البحث حول ألفاظ ومتون الحديث ـ عنها ـ فسيأتي في الفصل اللاحق مع النظر في ألفاظ حديث غيرها .
   واما البحث حول سند حديثها ، فيكون تارة بالكلام على رجال الأسانيد ، وأخرى بالكلام على عائشة نفسها .
   أما رجال الأسانيد . . . فإن طرق الأحاديث المذكورة عنها تنتهي إلى :
1 ـ الأسود بن يزيد النعيم .
2 ـ عروة بن الزبيربن العوام .
3 ـ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.
4 ـ مسروق بن الأجدع .

---------------------------
(1) لاحظ : الغدير 1|192 .

الرسائل العشرة _ 164 _

   ولا شيء من هذه الطرق بخال عن الطعن والقدح المسقط عن الاعتبار والاحتجاج :
أما الحديث عن الأسود عن عائشة :
   فان « الأسود » من المنحرفين عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام (1).
   والراوي عنه في جميع الأسانيد المذكورة هوإبراهيم بن يزيد النخعي ، وهو من أعلام المدلّسين . . . قال أبو عبد الله الحاكم ـ في الجنس الرابع من المدلسين : قوم دلسوا أحاديث رووها عن المجروحين فغيروا أساميهم وكناهم كي لا يعرفوا ـ قال : « أخبرني عبد الله بن محمد بن حمويه الدقيقي ، قال : حدثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي ، قال : حدثني خلف بن سالم ، قال : سمعت عدة من مشايخ أصحابنا تذاكروا كثرة التدليس والمدلسين ، فاخذنا في تمييز أخبارهم ، فاشتبه علينا تدليس الحسن بن أبي الحسن ، أبراهيم بن يزيد النخعي ، لأن الحسن كثيراً ما يدخل بينه وبين الصحابة أقواما مجهولين ، وربما دلس عن مثل عتي بن ضمرة وحنيف بن المنتجب ودغفل بن حنظلة وأمثالهم ؛ وأبراهيم أيضاً يدخل بينه وبين أصحاب عبد الله مثل هني بن نويرة وسهم بن منجاب وخزامة الطائي وربّما دلس عنهم » (2).
   والراوي عن إبراهيم هو : « سليمان بن مهران الأعمش » ، و « الأعمش » معروف بالتدليس (3) ، ذلك التدليس القبيح القادح في العدالة ، قال السيوطي ـ في بيان تدليس التسوية : « قال الخطيب : وكان الأعمش وسفيان الثوري يفعلون مثل هذا ، قال العلائي : فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقاً وشرها ، قال العراقي : وهوقادح فيمن تعقد فعله ، وقال شيخ الإسلام : لا شك أنّه جرح .

---------------------------
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 4|97 .
(2) معرفة علوم الحديث : 108 .
(3) تقريب التهذيب 1 : 231.

الرسائل العشرة _ 165 _

    وإن وصف به الثوري والأعمش فلا اعتذار . . . (1) .
   قال الخطيب : « التدليس للحديث مكروه عند أهل العلم ، وقد عظّم بعضهم الشان في ذمه ، وتبجّج بعضهم بالبراءة منه » (2) .
    ثم روى عن شعبة بن الحجاج قوله : « التدليس أخو الكذب » .
   وعنه : « التدليس في الحديث أشد من الزنا » .
    وعنه : « لإن أسقط من السماء أحب إلي من أن أدلس » .
   وعن أبي أسامة : « خرّب الله بيوت المدلسين ، ما هم عندي إلا كذابون » .
   وعن ابن المبارك : « لأن نخرّ من السماء أحب إلي من أن ندلس حديثا ! » .
   وعن وكيع : « نحن لا نستحل التدليس في الثياب فكيف في الحديث ! ».
   فإذن : يسقط هذا الحديث ، بهذا السند ، الذي اتفقوا في الرواية به ، فلا حاجة إلى النظر في حال من قبل الأعمش من الرواة .
   لكن مع ذلك نلاحظ أن الراوي عن الأعمش عند البخاري وأحمد ـ في إحدى طرقهما ـ وعند مسلم والنسائي هو « أبو معاوية ، وهذا الرجل أيضاً من المدلسين :
   قال السيوطي : « فائدة : أردت أن أسرد أسماء من رمي ببدعةٍ ممّن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما : وهم : إبراهيم بن طهمان ، أيوب بن عائذ الطائي ، ذرّ بن عبد الله المرهبي ، شبابة بن سوار ، عبد الحميد بن عبد الرحمن . . . محمد بن حازم أبومعاوية الضرير ورقاء بن عمر اليشكري . . . هؤلاء رموا بالأرجاء ، وهوتاخيرالقول في الحكم على مرتكب الكبائر بالنار . . . » (3) .

---------------------------
(1) تدريب الراوي 1 : 226 .
(2) الكفاية في علم الرواية 1|188 .
(3) تدريب الراوي 1|278 ، وفي طبعة 1|328.

الرسائل العشرة _ 166 _

   وذكر ابن حجر عن غير واحد أنه كان مرجئاً خبيثاً ، وأنه كان يدعو إليه (1) .
    والراوي عن « الأعمش » عند ابن ماجة وأحمد في طريقه الأخرى هو : وكيع ابن الجراح ، وفيه : أنه كان يشرب المسكروكان ملازماً له (2) .
    ثم إن الراوي عن أبي معاوية في إحدى طرق البخاري هو : حفص بن غياث ، وهو أيضاً من المدلسين (3) .
    مضافاً إلى أنه كان قاضي الكوفة من قبل هارون ، وقد ذكروا عن أحمد أنه : « كان وكيع صديقاً لحفص بن غياث فلما ولّي القضاء هجره » (4) .
وأما الحديث عن عروة بن الزبير :
   فإن عروة بن الزبير ولد في خلافة عمر ، فالحديث مرسل ، ولابدّ أنه يرويه عن عائشة ، وكان عروة من المشهورين بالبغض والعداء لأميرالمؤمنين عليه السلام ـ كما عرفت من خبره مع الزهري ، والخبرعن ابنه ـ وحتى حضر يوم الجمل على صغر سنه (5) ، وقد كان هو والزهري يضعان الحديث في تنقيص الإمام والزهراء الطاهرة عليهما السلام ، فقد روى الهيثمي عنه حديثا ـ وصححه ـ في فضل زينب بنت رسول الله جاء فيه أنه كان يقول : « هي خيربناتي » قال : « فبلغ ذلك علي بن حسين ، فانطلق إليه فقال : ما حديث بلغني عنك أنك تحدثه تنقص حق فاطمة ؟ ! فقال : لا أحدث به أبداً » (6) .

---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 9|121 .
(2) تذكرة الحفاظ 1 : 308 ، ميزان الاعتدال 11 : 336 .
(3) تهذيب التهذيب 2|358 .
(4) تهذيب التهذيب 11|111 .
(5) تهذيب التهذيب 7|166 .
(6) مجمع الزوائد 9|213 .

الرسائل العشرة _ 167 _

   والراوي عنه ولده « هشام » في رواية البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة . . . وهوأيضاً من المدلسين ، فقد قالوا : « كان ينسب إلى أبيه ما كان يسمعه من غيره ، وقد ذكروا أن مالكاً كان لا يرضاه ، قال ابن خراش : بلغني أن مالكاً نقم عليه حديثه لأهل العراق ، قدم الكوفة ثلاث مرات ، قدمة كان يقول : حدّثني أبي ، قال : سمعت عائشة .
   وقدم الثانية فكان يقول : أخبرني أبي ، عن عائشة ، وقدم الثالثة فكان يقول : أبي ، عن عائشة » (1) .
وهذا الحديث من تلك الأحاديث .
   وأما الحديث عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة :
    فإن الراوي عن « عبيد الله » عند البخاري ومسلم والنسائي هو « موسى بن أبي عائشة « وقد قال ابن أبي حاتم سمعت أبي (2) يقول : « تريبني رواية موسى بن أبي عائشة حديث عبيد الله بن عبد الله في مرض النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) »(3) .
    وعند أبي داود وأحمد هو : الزهري ـ لكن عند الأول يرويه عن عبيد الله ، عن عبد الله بن زمعة ـ والزهري من قد عرفته سابقاً .
    هذا مضافاً إلى ما في عبيد الله بن عبد الله نفسه . . . فقد روى ابن سعد ، عن مالك بن أنس ، قال : « جاء علي بن حسين بن علي بن أبي طالب إلى عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود يسأله عن بعض الشيء ! وأصحابه عنده وهو يصلي ، فجلس حتى فرغ من صلاته ثم أقبل عليه عبيد الله .
   فقال أصحابه : أمتع الله بك ، جاءك هذا الرجل وهو ابن ابنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفي موضعه ، ايسالك عن بعض الشيء ! ! فلوأقبلت عليه فقضيت حاجته ثم أقبلت على ما أنت فيه !.

---------------------------
(1) تهذبب التهذيب 11|44 .
(2) هو : محمد بن إدريس الرازي ، أحد كبار الأئمة الحفاظ المعتمدين في الجرح والتعديل . توفي سنة 207 هـ تقريباً. توجد ترجمته في : تذكرة الحفاظ 2|567 ، تاريخ بغداد 3|73 وغيرهما من المصادر الرجالية.
(3) تهذيب التهذيب 10|314.

الرسائل العشرة _ 168 _

   فقال عبيد الله لهم : أيهات ! لابد لمن طلب هذا الشان من أن يتعنى ! ! » (1) وأما الحديث عن مسروق بن الأجدع عن عائشة :
ففيه :
1 ـ « أبو وائل » وهو « شقيق بن سلمة » يرويه عن « مسروق » وقد قال عاصم ابن بهدلة : « قيل لأبي وائل : أيهما أحبّ اليك : علي أو عثمان ؟ قال : كان عليّ أحب إلي ثم صار عثمان ! ! (2) .
2 ـ « نعيم بن أبي هند ، يرويه عن« أبي وائل » عند النسائي وأحمد بن حنبل ، و « نعيم » قد عرفته سابقاً .
   ثم إن في إحدى طريقي أحمد عن « نعيم » المذكور : « شبابة بن سوار » وقد ذكروا بترجمته أنه كان يرى الإرجاء ويدعو إليه ، فتركه أحمد وكان يحمل عليه ، وقال : أبو حاتم : لا يحتج بحديثه (3) وقد أورده السيوطي في الفائدة المذكورة ، وحكى ابن حجر في ترجمته ما يدلّ على بغضه لأهل بيت النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) (4) هذا ، ويبقى الكلام في عائشة نفسها . . . فقد وجدناها تريد كل شأن وفضيلة لنفسها وأبيها ومن تحب من قرابتها وذويها . . . فكانت إذا رأت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يلاقي المحبة من إحدى زوجاته ويمكث عندها تارث عليها . . . كما فعلت مع زينب بنت جحش .

---------------------------
(1) طبقات ابن سعد 5|215 .
(2) تهذيب التهذيب 4|317 .
(3) تهذبب التهذيب 4|264 ، تاريخ بغداد 9|295 .
(4) تهذيب التهذيب 4|265 .

الرسائل العشرة _ 169 _

   إذ تواطأت مع حفصة أن أيّتهما دخل عليها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) فلتقل : « إني لأجد منك ريح مغافيرحتى يمتنع عن أن يمكث عند زينب ويشرب عندها عسلاً » (1) واذا رأته يذكر خديجة عليها السلام بخير ويثني عليها قالت : « ما أكثر ما تذكرحمراء الشدق ؟! قد أبدلك الله عزوجل بها خيراً منها » (2) .
   واذا رأته مقدماً على الزواج من امرأة حالت دون ذلك بالكذب والخيانة ، فقد حدّثت أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أرسلها لتطلّع على امرأة من كلب قد خطبها فقال لعائشة : « كيف رأيت ؟ قالت : ما رأيت طائلا ! فقال : لقد رأيت خالاً بخدّها اقشعركل شعر منك على حدة فقالت : ما دونك من سر » (3) ولقد ارتكبت ذلك حتى بتوهّم زواجه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . . . فقد ذكرت : أن عثمان جاء النبي في نحر الظهيرة ، قالت : « فظننت أنه جاءه في أمر النساء ، فحملتني الغيرة على أن أصغيت إليه » (4) .
   أما بالنسبة إلى من تكرهه . . . فكانت حرباً شعواء . . . من ذلك مواقفها من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام . . . فقد « جاء رجل فوقع في علي وفي عمار رضي الله تعالى عنهما عند عائشة ، فقالت : أما علي فلست قائلة لك فيه شيئا .
   وأمّا عمار فإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : لا يخيربين أمرين إلآ اختار أرشدهما » (5) بل كانت تضع الحديث تاييداً ودعماً لجانب المناوئين له عليه السلام . . . فقد قال النعمان بن بشير : « كتب معي معاوية إلى عائشة قال : فقدمت على عائشة فدفعت إليها كتاب معاوية ، فقالت : يا بني ألا أحدّثك بشيء سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ قلت : بلى .

---------------------------
(1) هذه من القضايا المشهور فراجع كتب الحديث والتفسير بتفسير سورة التحريم .
(2) مسند أحمد 6|117 .
(3) طبقات ابن سعد 8|115 ، كنز العمال 6|264 .
(4) مسند أحمد 6|114 .
(5) مسند أحمد 6|113 .

الرسائل العشرة _ 170 _

    قالت : فإني كنت وحفصة يوما من ذاك عند رسول الله .
   فقال : لوكان عندنا رجل يحدثنا .
   فقلت : يا رسول الله ، ألا أبعث لك إلى أبي بكر ؟ فسكت .
   ثم قال : لوكان عندنا رجل يحدّث .
   فقالت حفصة : ألا أرسل لك إلى عمر ؟ فسكت .
   ثم قال : لا ، ثم دعا رجلاً فساره بشيء ، فما كان إلا أقبل عثمان ، فاقبل بوجهه وحديثه فسمعته يقول له : يا عثمان ، إن الله عز وجل لعله أن يقمصك قميصاً ، فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه ، ثلاث مرار .
   فقلت : يا أم المؤمنين ، فاين كنت عن هذا الحديث ؟ ! .
   فقالت : يا بني ، والله لقد أنسيته حتى ما ظننت أني سمعته » (1) .
   قال النعمان بن بشير : « فاخبرته معاوية بن أبي سفيان . فلم يرض بالذي أخرته ، حتى كتب إلى أم المؤمنين أن اكتبي إلي به . فكتبت إليه به كتاباً » (2) فانظر كيف أيدت « في تلك الأيام ـ معاوية على مطالبته الكاذبة بدم عثمان ! وكيف اعتذرت عن تحريضها الناس على قتل عثمان ! ولا تغفل عن كتمها اسم الرجل الذي دعاه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ بعد أن أبى عن الإرسال خلف أبي بكر وعمرـ وهو ليس إلا أميرالمؤمنين عليه السلام . . . ولكنها لا تطيب نفساً بعلي كما قال ابن عباس ، وسياتي .
   فاذا كان هذا حالها وحال رواياتها في الأيام العادية . . . فإن من الطبيعي أن تصل هذه الحالة فيها إلى أعلى درجاتها في الأيام والساعات الأخيرة من حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأن تكون أخبارها عن أحواله في تلك الظروف أكثر حساسية . . .

---------------------------
(1) مسند أحمد 6|149 .
(2) مسند أحمد 6|87 .

الرسائل العشرة _ 171 _

    فتراها تقول :
    « لما ثقل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال رسول الله لعبد الرحمن ابن أبي بكر : إيتني بكتف ولوح حتى أكتب لأبي بكركتاباً لا يختلف عليه ، فلمّا ذهب عبد الرحمن ليقوم قال : أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبابكر » (1).
وتقول : « لما ثقل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جاء بلال يؤذنه بالصلاة. فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس » .
وتقول :
« قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ورأسه بين سحري ونحري » (2) تقول هذا وأمثاله . . . لكن عندما يامر ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بان يدعى له علي لا يمتثل أمره ، بل يقترح عليه أن يدعى أبوبكر وعمر! يقول ابن عباس : « لما مرض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة ، فقال : ادعوالي علياً ، قالت عائشة : ندعو لك أبابكر؟ قال : ادعوه قالت حفصة : يا رسول الله ، ندعو لك عمر؟ قال ادعوه ، قالت أم الفضل : يا رسول الله ، ندعو لك العباس ؟ قال : ادعوه ، فلما اجتمعوا رفع رأسه فلم يرعليا فسكت . فقال عمر : قوموا عن رسول الله . . . » (3) وعندما يخرج إلى الصلاة ـ وهو يتهادى بين رجلين ـ تقول عائشة : « خرج يتهادى بين رجلين أحدهما العبّاس » فلا تذكر الآخر .

---------------------------
(1) مسند أحمد 6|47 .
(2) مسند أحمد 6|121 .
(3) مسند أحمد 1|356 .

الرسائل العشرة _ 172 _

   فيقول ابن عباس :
« هو عليّ ولكن عائشة لا تقدر على أن تذكره بخير » (1) فإذا عرفناها تبغض علياً إلى حد لا تقدر أن تذكره بخير ، ولا تطيب نفسها به . . . وتحاول إبعاده عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . . . وتدعي لأبيها ولنفسها ما لا أصل له . . . بل لقد حدثت أمّ سلمة بالأمر الواقع فقالت :
   « والذي أحلف به ، إن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قالت : عدنا رسول الله غداة بعد غداة فكان يقول : جاء عليّ ؟ ! ! ـ مراراً ـ قالت : أظنه كان بعثه في حاجة قالت : فجاء بعد ، فظننت أن له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت ، فقعدنا عند الباب ، فكنت أدناهم إلى الباب ، فأكبّ عليه علي فجعل يساره ويناجيه ، ثم قبض رسول الله . . . (2) إذا عرفنا هذا كله ـ وهو قليل من كثير ـ استيقنّا أن خبرها في أن صلاة أبيها كان بامرمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خرج فصلى خلفه ـ كما في بعض الأخبار عنها ـ . . . من هذا القبيل . . . ومما يؤكد ذلك اختلاف النقل عنها في القضية وهي واحدة . . . كما سنرى عن قريب . . .

---------------------------
(1) عمدة القاري 5|191 .
(2) مسند أحمد 6|300 ، المستدرك على الصحيحين 3|138 ، ابن عساكر 6|13 ، الخصائص : 130 وغيرها.

الرسائل العشرة _ 173 _


   قد عرفت أن الحديث بجميع طرقه وأسانيده المذكورة ساقط عن الإعتبار . . . فإن قلت : إنه مما اتفق عليه أرباب الصحاح والمسانيد والمعاجم وغيرهم ، ورووه عن جمع من الصحابة ، فكيف تقول بسقوطه بجميع طرقه ؟ قلت :
    أولاً : لقد رأيت في « النظر في الأسانيد والطرق » أن رجال أسانيده مجروحون بأنواع الجرح ولم نكن نعتمد في « النظر » إلا على أشهر كتب القوم في الجرح والتعديل ، وعلى كلمات أكابر علمائهم في هذا الباب .
   وثانياً : إن الذي عليه المحققون من علماء الحديث والرجال والكلام أن الكتب الستة فيها الصحيح والضعيف والموضوع ، وإن الصحابة فيهم العدل والمنافق والفاسق . . . وهذا ما حققناه في بعض بحوثنا (1)    نعم ، المشهور عندهم القول باصالة العدالة في الصحابة ، والقول بصحة ما أخرج في كتابي البخاري ومسلم . . .
   أما بالنسبة إلى حديث « صلاة أبي بكر » فلم أجد أحدا يطعن فيه ، لكن لا لكونه في الصحاح ، بل الأصل في قبوله وتصحيحه كونه من أدلة خلافة أبي بكر عندهم ، ولذا تراهم يستدلون به في الكتب الكلامية وغيرها :
  من كلمات المستدلين بالحديث على الإمامة :
قال القاضي عضد الدين الايجي ـ في الأدلة الدالّة على إمامة أبي بكر :
---------------------------
(1) راجع الفصل الأخير من كتابنا « التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف »

الرسائل العشرة _ 174 _

   « الثامن : إنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) استخلف أبابكر في الصلاة وما عزله فيبقى إماماً فيها ، فكذا في غيرها ، إذ لا قائل بالفصل ، ولذلك قال علي رضي الله عنه : قدّمك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أمر ديننا ، أفلا نقدمك في أمر دنيانا ؟ ! (1) .
   وقال الفخر الرازي ـ في حجج خلافة أبي بكر : « الحجة التاسعة : إنه عليه السلام استخلفه على الصلاة أيام مرض موته وما عزله عن ذلك ، فوجب أن يبقى بعد موته خليفة له في الصلاة ، وإذا ثبت خلافته في الصلاة ثبت خلافته في سائر الأمور ، ضرورة أنه لا قائل بالفرق » (2) .
   وقال الأصفهاني : « الثالث : النبي استخلف أبابكر في الصلاة أيام مرضه ، فثبت استخلافه في الصلاة بالنقل الصحيح ، وما عزل النبي أبابكر عن خلافته في الصلاة ، فبقي كون أبي بكر خليفة في الصلاة بعد وفاته ، وإذا ثبت خلافة أبي بكر بعد وفاته في الصلاة ثبت خلافة أبي بكر بعد وفاته في غير الصلاة لعدم القائل بالفصل » (3) .
   وقال النيسابوري صاحب التفسير ، بتفسيرآية الغار : « استدل أهل السنة بالاية على أفضلية أبي بكر وغاية اتحاده ونهاية صحبته وموافقة باطنة وظاهره ، وإلا لم يعتمد عليه الرسول في مثل تلك الحاجة ، وإنه كان ثاني رسول الله في الغار ، وفي العلم لقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما صبّ في صدري شيء إلا وصببته في صدر أبي بكر (4) وفي الدعوة إلى الله ، إنه عرض الإيمان أولاً على أبي بكر فامن ، ثم عرض أبوبكر الإيمان على طلحة والزبير وعثمان ابن عفان وجماعة أخرى من أجلة الصحابة .

---------------------------
(1) هذا كلام موضوع على أمير المؤمنين عليه السلام قطعاً ، والذي جاء به ... مرسلاً كما في الاستيعاب 3|971 هو الحسن البصري المعروف بالإرسال والتدليس والانحراف عن أمير المؤمنين عليه السلام !!
(2) الأربعين : 284 .
(3) شرح طوالع الأنوار ، في علم الكلام : مخطوط .
(4) انظر : الرسالة السابعة ، الصفحة 69 .

الرسائل العشرة _ 175 _

   وكان لا يفارق رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الغزوات وفي أداء الجماعات وفي المجالس والمحافل .
   وقد أقامه في مرضه مقامه في الإمامة . . . » (1) وقال الكرماني بشرح الحديث : « فيه فضيلة لأبي بكر ، وترجيحه على جميع الصحابة ، وتنبيه على أنه أحقّ بخلافة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من غيره » (2)
   وقال العيني :
   « ذكر ما يستفاد منه ، وهوعلى وجوه : الأول : فيه دلالة على فضل أبي بكر ، الثاني : فيه أن أبابكر صلى بالناس في حياة النبي ، وكانت في هذه الإمامة التي هي الصغرى دلالة على الإمامة الكبرى ، الثالث : فيه أن الأحق بالإمامة هو الأعلم » (3)
   وقال النووي :
   « فيه فوائد : منها : فضيلة أبي بكر وترجيحه على جميع الصحابة وتفضيله وتنبيه على أنه أحق بخلافة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من غيره ، وأن الإمام إذا عرض له عذر عن حضور الجماعة استخلف من يصلّي بهم ، وإنّه لا يستخلف إلا أفضلهم ، ومنها : فضيلة (4) عمر بعد أبي بكرلأن أبابكرلم يعدل إلى غيره » (5)
---------------------------
(1) تفسير النيسابوري ، سورة التوبة.
(2) الكواكب الدراري ـ شرح البخاري 5|52 .
(3) عمدة القاري ـ شرح البخاري 5|187 ـ 188.
(4) وذلك لأن أبابكر قال لعمر : صلّ للناس ... وكان أقوال أبي بكر وأفعاله حجّة ؟! على أنهم وقعوا في إشكال في هذه الناحية ، كما ستعرف !
(5) المنهاج ، لشرح صحيح مسلم ، هامش إرشاد الساري 3|56 .

الرسائل العشرة _ 176 _

   وقال المناوي بشرحه : « تنبيه : قال أصحابنا في الأصول : يجوز أن يجمع عن قياس ، كإمامة أبي بكر هنا ، فان الصحب أجمعوا على خلافته ـ وهي الإمامة العظمى ـ ومستندهم القياس على الإمامة الصغرى ، وهي الصلاة بالناس بتعيين المصطفى » (1) وفي « فواتح الرحموت ـ شرح مسلم الثبوت » في مبحث الإجماع : « مسألة : جاز كون المستند قياساً ، خلافاً للظاهرية وابن جرير الطبري ، فبعضهم منع الجواز عقلاً ، وبعضهم منع الوقوع وإن جاز عقلاً ، والآحاد أي أخبار الآحاد قيل كالقياس اختلافاً ، لنا : لا مانع . . . وقد وقع قياس الإمامة الكبرى وهي الخلافة العامة على إمامة الصلاة . . . والحق أن أمره إياه بإمامة الصلاة كان إشارة إلى تقدّمه في الإمامة الكبرى على مايقتضيه ما في صحيح مسلم . . . » (2) لكنك قد عرفت أن الحديث ليس له سند معتبرفي الصحاح فضلاً عن غيرها ، ومجرد كونه فيها ـ وحتى في كتابي البخاري ومسلم ـ لا يغني عن النظر في سنده . . . وعلى هذا فلا أصل لجميع ما ذكروا ، ولا أساس لجميع ما بنوا . . . في العقائد وفي الفقه وفي علم الأصول . . .

   وعلى فرض صحّة حديث أمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) أبابكر بالصلاة في مقامه . . . فانه لا دلالة لذلك على الإمامة الكبرى والخلافة العظمى ، . . . لأن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان إذا خرج عن المدينة ترك فيها من يصلى بالناس . . . بل إنه استخلف ـ فيما يروون ـ ابن أمّ مكتوم للإمامة وهو أعمى ، وقد عقد أبو داود في ( سننه ) باباً بهذا العنوان فروى فيه هذا الخبر . . .

---------------------------
(1) فيض القديرـ شرح الجامع الصغير5|521 .
(2) فواتح الرّحموت ـ شرح مسلم الثبوت ، في علم الأصول 2|239 هامش المستصفى للغزالي .

الرسائل العشرة _ 177 _

   وهذه عبارته : « باب إمامة الأعمى حدثناً محمد بن عبدالرحمن العنبري أبو عبد الله ، ثنا ابن مهدي ، ثنا عمران القطّان ، عن قتادة ، عن أنس : أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) استخلف ابن أم مكتوم يؤمّ الناس وهو أعمى (1) . . . فهل يقول أحد بإمامة . . . ابن أم مكتوم لأنه استخلفه في الصلاة ؟ ! .
   ولقد اعترف بما ذكرنا ابن تيمية ـ الملقب بـ « شيخ الإسلام » ـ حيث قال : « الاستخلاف في الحياة نوع نيابة لابد لكل ولي أمر ، وليس كل من يصلح للاستخلاف في الحياة على بعض الأمة يصلح أن يستخلف بعد الموت ، فإن النبي استخلف غير واحد ، ومنهم من لا يصلح للخلافة بعد موته ، كما استعمل ابن أم مكتوم الأعمى في حياته وهو لا يصلح للخلافة بعد موته ، وكذلك بشيربن عبدالمنذر وغيره » (2) .
   بل لقد رووا أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صلى خلف عبد الرحمن بن عوف وهو ـ لو صح ـ لم يدل على استحقاقه الخلافة من بعده ، ولذا لم يدعها أحد له . . . لكنه حديث باطل لمخالفته للضرورة القاضية بان النبي لا يصلي خلف أحد من أمته . . . فلا حاجة إلى النظرفي سنده .
   وعلى الجملة ، فإنه لا دلالة لحديث أمر أبي بكر بالصلاة ، ولا لحديث صلاته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خلفه حتى لوتم الحديثان سنداً . . .
    وأما سائر الدلالات الاعتقادية والفقهية والأصولية . . . التي يذكرونها مستفيدين إياها من حديث الأمر بالصلاة في الشروح والتعاليق . . . فكلها متوقفة على ثبوت أصل القضية وتمامية الأسانيد الحاكية لها . . . وقد عرفت أن لا شيء من تلك الأسانيد بصحيح ، فأمره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مرضه أبابكر بالصلاة في موضعه غير ثابت . . .

---------------------------
(1) سنن أبي داود 1|98 .
(2) منهاج السنة 4|91 .

الرسائل العشرة _ 178 _


   بل الثابت عدمه . . . وذلك لوجوه عديدة يستخرجها الناظر المحقق في القضية وملابساتها من خلال كتب الحديث والتاريخ والسيرة . . . وهي وجوه قوية معتمدة ، تفيد ـ بمجموعها ـ أن القضية مختلفة من أصلها ، وأن الذي أمر أبابكر بالصلاة في مقام النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أيام مرضه ليس النبي بل غيره . . . فلنذكر تلك الوجوه باختصار :
1 ـ كون أبي بكر في جيش أسامة : لقد أجمعت المصادر على قضية سرية أسامة بن زيد ، وأجمعت على أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) أمرمشايخ القوم : أبابكر وعمرو . . . بالخروج معه . . . وهذا أمرثابت محقق . . . وبه اعترف ابن حجر العسقلاني في ( شرح البخاري ) وأكده بشرح « باب بعث النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أسامة بن زيد رضي الله عنهما في مرضه الذي توفي فيه « فقال : « كان تجهيز أسامة يوم السبت قبل موت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) بيومين . . . فبدأ برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وجعه في اليوم الثالث ، فعقد لأسامة لواء بيده ، فأخذه أسامة فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرب ، وكان ممن انتدب مع أسامة كبار المهاجرين والأنصار منهم أبوبكر وعمر وأبو عبيدة وسعد وسعيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم ، فتكلم في ذلك قوم . . . ثم اشتد برسول الله وجعه فقال : أنفذوا بعث أسامة .
   وقد روي ذلك عن الواقدي وابن سعد وابن إسحاق وابن الجوزي وابن عساكر . . . » (1) .

---------------------------
(1) فتح الباري 8|124 .

الرسائل العشرة _ 179 _

   فالنبي ( صلى الله عليه واله وسلم )أمر بخروج أبي بكر مع أسامة ، وقال في آخر لحظة من حياته : « أنفذوا بعث أسامة » بل في بعض المصادر « لعن الله من تخلّف عن بعث أسامة » (1) .
   هذا أولاً :
   وثانياً : لقد جاء في صريح بعض الروايات كون أبي بكر غائباً عن المدينة ، ففي ( سنن أبي داود ) عن ابن زمعة : « وكان أبو بكر غائباً ، فقلت : يا عمر ، قم فصل بالناس » .
   وثالثاً : في كثير من ألفاظ الحديث « فارسلنا إلى أبي بكر » ونحو ذلك ، مما هو ظاهر في كونه غائباً .
   وعلى كل حال فالنبي الذي بعث أسامة ، وأكد على بعثه ، بل لعن من تخلّف عنه . . . لا يعود فيامر بعض من معه بالصلاة بالناس ، وقد عرفت أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان إذا غاب أو لم يمكنه الحضور للصلاة استخلف واحداً من المسلمين وإن كان ابن أم مكتوم الأعمى .
2 ـ التزامه بالحضور للصلاة بنفسه ما أمكنه : وكما ذكرنا فالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما كان يستخلف للصلاة الآ في حال خروجه عن المدينة ، أو في حال لم يمكنه الخروج معها إلى الصلاة . . . وإلا فقد كان ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ملتزماً بالحضور بنفسه . . . ويدل عليه ما جاء في بعض الأحاديث أنه لمّا ثقل قال : « أصلّى الناس ؟ قلنا : لا ، هم ينتظرونك .
   قال : ضعوا لي ماء . . . « فوضعوا له ماء فاغتسل ، فذهب لينوء فأغمي عليه (2) .
   وهكذا إلى ثلاث مرات . . . وفي هذه الحالة صلى أبوبكربالناس ، فهل كانت بامر منه ؟ ! بل في بعض الأحاديث أنه كان إذا لم يخرج لعارض حضره المسلمون إلى البيت فصلوا خلفه :

---------------------------
(1) شرح المواقف 8|376 الملل والنحل 1|29 لأبي الفتح الشهرستاني ، المتوفى سنة 458 هـ « توجد ترجمته والثناء عليه في : وفيات الأعيان 1|610 ، تذكرة الحفاظ 4|104 طبقات الشافعية للسبكي 4|87 ، شذرات الذهب 4|149 ، مرآة الجنان 3|289 وغيرها .
(2) في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يغمى عليه ـ بما للكلمة من المعنى الحقيقي ـ أو لا ، كلاماً بين العلماء لانتعرض له لكونه بحثاً عقائدياً ليس هذا محلّه .

الرسائل العشرة _ 180 _

   فقد أخرج مسلم عن عائشة ، قالت : « اشتكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه ، فصلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جالساً فصلوا بصلاته قياماً » (1) .
   وعن جابر : « اشتكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فصلّينا وراءه وهوقاعد وأبوبكر يسمع الناس تكبيره » (2) .
   وأخرج أحمد عن عائشة : « أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) صلى في مرضه وهوجالس وخلفه قوم . . . » (3) .
   ويشهد لما ذكرنا ـ من ملازمته للحضور إلى المسجد والصلاة بالمسلمين بنفسه ـ ما جاء في كثير من أحاديث القصّة من أن بلالاً دعاه إلى الصلاة ، أو آذنه بالصلاة ، فهو كان يجيء متى حان وقت الصلاة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ويعلمه بالصلاة ، فكان يخرج بابي هو وأمي بنفسه ـ وفي أي حال من الأحوال كان ـ الى الصلاة ويصلي بالناس .
3 ـ استدعاؤه علياً عليه السلام : فابو بكر وغيره كانوا بالجرف . . . الموضع الذي عسكر فيه أسامة خارج المدينة . . . وهو ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يصلي بالمسلمين . . . وعلي عنده . . . إذ لم يذكرأحد أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمره بالخروج مع أسامة . . .

---------------------------
(1) صحيح مسلم بشرح النووى ، هامش إرشاد الساري 3|51 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي ، هامش إرشاد الساري 3|51 .
(3) مسند أحمد 6|57 .

الرسائل العشرة _ 181 _

   حتى اشتد به الوجع . . . ولم يمكنه الخروج . . . فقال بلال : « يارسول الله ، بابي وأمي من يصلي بالناس ؟ » (1) هنالك دعا علياً عليه السلام . . . قائلاً : « أدعو لي علياً » قالت عائشة : « ندعو لك أبابكر؟ » وقالت حفصة : « ندعوا لك عمر؟ » . . . فما دعي علي ولكن القوم حضروا أو أحضروا ! ! « فاجتمعوا عنده جميعاً ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : انصرفوا ، فان تك لي حاجة أبعث إليكم ، فانصرفوا » (2) إنه كان يريد علياً عليه السلام ولا يريد أحداً من القوم ، وكيف يريدهم وقد أمرهم بالخروج مع أسامة ، ولم يعدل عن أمره ؟ ! .
4 ـ أمره بان يصلي بالمسلمين أحدهم : فإذ لم يحضر عليّ ، ولم يتمكن من الحضور للصلاة بنفسه ، والمفروض خروج المشايخ وغيرهم إلى جيش أسامة ، أمر بان يصلي بالناس أحدهم . . . وذاك ما أخرجه أبو داود عن ابن زمعة فقال :
   « لما استعزّ برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) وأنا عنده في نفرمن المسلمين دعاه بلال إلى الصلاة ، فقال : مروا من يصلي بالناس » .
   وفي حديث أخرجه ابن سعد عنه قال : « عدت رسول الله في مرضه الذي توفي فيه ، فجاءه بلال يؤذنه بالصلاة فقال لي رسول الله : مر الناس فليصلوا .
قال عبد الله : فخرجت فلقيت ناساً لا أكلمهم ، فلما لقيت عمر بن الخطّاب لم أبغ من وراءه ، وكان أبوبكر غائباً ، فقلت له : صل بالناس يا عمر .
   فقام عمر في المقام . . . فقال عمر : ما كنت أظن حين أمرتني إلآ أن رسول الله أمرك بذلك ، ولو لا ذلك ما صلّيت بالناس .

---------------------------
(1) مسند أحمد 3|202 .
(2) تاريخ الطبري 2|439.