الفهرس العام






   الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والأخرين .
وبعد
   فقد كثر البحث والسؤال والجواب عن خبر تزويج أمير المؤمنين عليّ ابنته من مر بن الخطاب . . . منذ القرون الأولى . . . وكتب حولها رسائل شتى . . . منها ما كتبه الشيخ المفيد ـ رضوان الله تعالى عليه ـ جواباً عن المسألة العاشرة من المسائل التي أودعها في كتابه « أجوبة المسائل السروية » وكذا جواباً عن المسألة الخامسة عشرة من كتابه « أجوبة المسائل الحاجبية » ، وهذه رسالة وضعتها على نسق أخواتها ، حيث أوردت نصوص الخبر عن أشهر كتب أهل السنة ونظرت في أسانيدها ودلالاتها ، فجاءت حاوية من القضية لبابها ، كاشفة عنها نقابها ، شارحة لواقع الحال ، قاطعة للقيل والقال ، والله الموفّق وهو المستعان .

الرسائل العشرة _ 317 _


   إن خبر تزويج أمير المؤمنين عليه السلام أبنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب مشهور بين أهل السنة ، مذكور في كتبهم . . .
1 ـ ابن سعد في الطبقات : فأقدم رواة هذا الخبر ومخرجيه ـ فيما نعلم ـ هو : محمد بن سعد بن منيع الزهري ـ المتوفى سنة 230 هـ ـ صاحب كتاب « الطبقات الكبرى » .
   فقد جاء في كتاب الطبقات : « أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي ، وأمها فاطمة بنت رسول الله ، وأمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي .
   تزوجها عمر بن الخطاب ، وهي جارية لم تبلغ ، فلم تزل عنده إلى أن قتل .
    وولدت له : زيد بن عمر ، ورقيّة بنت عمر ، ثم خلف على أم كلثوم ـ بعد عمر ـ عون بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب ، فتوفي عنها ، ثم خلف عليها أخوه محمد بن جعفر بن أبي طالب فتوفي عنها .
   فخلف عليها أخوه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بعد أختها زينب بنت علي بن أبي طالب ، فقالت أم كلثوم : إني لأستحيي من أسماء بنت عميس ، إن ابنيها ماتا عندي ، وإني لأتخوف على هذا الثالث ، فهلكت عنده .

الرسائل العشرة _ 318 _

   ولم تلد لأحد منهم شيئا ، أخبرنا أنس بن عياض الليثي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : أن عمر ابن الخطاب خطب إلى علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم ، فقال عليّ : إنما حبست بناتي على أولاد جعفر ، فقال عمر : أنكحنيها يا عليّ ، فو الله ما على ظهر الأرض رجل يرصد من حسن صحبتها ما أرصد ، فقال عليّ : قد فعلت ، فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين بين القبر والمنبر ـ وكانوا يجلسون ثم عليّ وعثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف ، فإذا كان الشيء يأتي من الآفاق جاءهم فاخبرهم ذلك واستشارهم فيه ـ فجاء عمر فقال : رفئوني ، فرفؤوه وقالوا : بمن يا أمير المؤمنين ؟ قال : بابنة علي بن أبي طالب ، ثم أنشأ يخبرهم فقال : إن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلآ نسبي وسببي ، وكنت قد صحبته فاحببت أن يكون هذا أيضا .
    أخبرنا وكيع بن الجراح ، عن هشام بن سعد ، عن عطاء الخراساني : أن عمر أمهر أم كلثوم بنت عليّ أربعين الفا .
   قال محمد بن عمر (1) وغيره : لما خطب عمر بن الخطاب إلى علي ابنته ام كلثوم قال : يا أمير المؤمنين : إنها صبية ، فقال : إنك والله ما بك ذلك ، ولكن قد علمنا ما بك .

---------------------------
(1) هو الواقدي .

الرسائل العشرة _ 319 _

   فأمرعلي بها فصنعت ، ثم أمر ببرد فطواه وقال : إنطلقي بهذا إلى أمير المؤمنين فقولي : أرسلني أبي يقرؤك السلام ويقول : إن رضيت البرد فامسكه وإن سخطته فردّه ، فلما أتت عمر قال : بارك الله فيك وفي أبيك ، وقد رضينا ، قال : فرجعت إلى أبيها فقالت : ما نشر البرد ولا نظرألآ إليّ ، فزوّجها إيّاه ، فولدت له غلاما يقال له زيد .
   أخبرنا وكيع بن الجراح ، عن أسماعيل بن أبي خالد ، عن عامر(1) قال : مات زيد بن عمر وأم كلثوم بنت علي ، فصل عليهما ابن عمر ، فجعل زيداً مما يليه وأم كلثوم مما يلي القبلة ، وكبرعليهما أربعاً ، أخبرنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا اسرائيل ، عن أبي حصين ، عن عامر ، عن ابن عمر ، أنه صلى على أم كلثوم بنت عليّ وابنها زيد وجعله مما يليه وكبر عليهما أربعاً .
   أخبرنا وكيع بن الجراح ، عن زيد بن حبيب ، عن الشعبي بمثله وزاد فيه : وخلفه الحسن والحسين ابنا عليّ ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر .
   أخبرنا عبيد الله بن موسى ، أخبرنا إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، عن عبد الله بن عمر : أنّه كبر على زيد بن عمر بن الخطاب أربعاً وخلفه الحسن والحسين ، ولو علم أنه خير أن يزيده زاده .
   أخبرنا عبيد الله بن موسى ، اخبرنا إسرائيل ، عن السدي ، عن عبد الله البهيّ .

---------------------------
(1) هو الشعبي .

الرسائل العشرة _ 320 _

   قال : شهدت ابن عمر صلّى على أمّ كلثوم وزيد بن عمر بن الخطّاب ، فجعل زيدا فيما يلي الإمام ، وشهد ذلك حسن وحسين .
   أخبرنا وكيع بن الجراح ، عن حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ـ مولى بني هاشم ـ قال : شهدتهم يومئذ وصلى عليهما سعيد بن العاص ، وكان أمير الناس يومئذ ، وخلفه ثمانون من أصحاب محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) .
   أخبرنا جعفر بن عون ، عن ابن جريج ، عن نافع ، قال : وضعت جنازة أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب ـ أمرأة عمر بن الخطاب ـ وابن لها يقال له زيد ، والإمام يومئذ سعيد بن العاص .
   أخبرنا عبد الله بن نمير ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن عامر ، قال : صلى ابن عمر على أخيه زيد وأم كلثوم بنت عليّ ، وكان سريرهما سواء ، وكان الرجل مّما يلي الإمام »(1) .
2 ـ الدولابي في الذرّيّة الطاهرة : وروى أبو بشر الدولابي ـ المتوفى سنة 310 هـ ـ قال : « سمعت احمد بن عبد الجبّار ، قال : سمعت يونس بن بكير ، قال : سمعت ابن إسحاق يقول : ولدت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعليّ ابن أبي طالب : حسنا وحسينا ومحسنا ، فذهب محسن صغيراً؛ وولدت له أم كلثوم وزينب ، قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتاده ، قال : خطب عمر بن الخطاب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته أم كلثوم ، فأقبل عليّ عليه وقال : هي صغيرة .

---------------------------
(1) الطبقات الكبرى 8|462 ـ 465 .

الرسائل العشرة _ 321 _

فقال عمر : لا والله ما ذلك . . . (1) ولكن أردت منعي ، فإن كانت كما تقول فابعثها إليّ ، فرجع عليّ فدعاها فأعطاها حلة وقال : انطلقي بهذه إلى أمير المؤمنين فقولي : يقول لك أبي كيف ترى هذه الحلّة ؟ فأتته بها فقالت له ذلك . فأخذ عمر بذراعها ، فاجتذبتها منه فقالت : أرسل . فأرسلها وقال : حصان كريم . انطلقي فقولي له : ما أحسنها . . . (2) وأجملها . وليست ـ والله ـ كما قلت ، فزوّجها إيّاه .
   حدثنا أحمد بن عبد الجبّار ، نا يونس بن بكير ، عن خالد بن صالح ، عن واقد بن محمد بن عبد الله بن عمر ، عن بعض أهله ، قال : خطب عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم ـ وأمها : فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ـ فقال له علي : إن عليّ فيها أمراء حتى أستاذنهم ، فاتى ولد فاطمة فذكر ذلك لهم فقالوا : زوجه ، فدعا أم كلثوم وهي يومئذ صبيّة فقال : إنطلقي إلى أمير المؤمنين فقولي له : إن أبي يقرؤك السلام ويقول لك : إنا قد قضينا حاجتك التي طلبت .
   فأخذها عمر فضمها إليه وقال : إني خطبتها من أبيها فزوجنيها ، فقيل : يا أمير المؤمنين ما كنت تريد ، إنها صبية صغيرة ؟ ! فقال : إني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : كل سبب منقطع يوم القيامة إلأ سببي ، فاردت أن يكون بيني وبين رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) سبب وصهر .
   وذكر عبد الرحمن بن خالد بن نجيح ، نا حبيب ـ كاتب مالك بن أنس ـ ، نا عبد العزيز الدراوردي ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ـ مولى عمر بن الخطاب ـ قال : خطب عمر إلى علي بن أبي طالب أمّ كلثوم ، فاستشار عليّ العبّاس وعقيلا والحسن ، فغضب عقيل وقال لعلي : ما تزيد الأيام والشهور إلآ العمى في أمرك ، والله لئن فعلت ليكونن وليكونن .

---------------------------
(1) في المطبوعة هنا : كلمة لا تقرأ. قلت : الجملة هي : لا والله ما ذلك بك .
(2) في المطبوعة : كلمة لا تقرأ. قلت : لا توجد كلمة في نقل المحب الطبري .

الرسائل العشرة _ 322 _

   فقال عليّ للعباس : والله ما ذاك منه نصيحة ، ولكن درّة عمر أحوجته إلى ما ترى ، أما والله ما ذاك لرغبة فيك يا عقيل ، ولكن أخبرني عمر بن الخطّاب أنّه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي .
   حدثني عبد العزيز بن منيب أبو الدرداء المروزي ، نا خالد بن خداس .
   وحدثني إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء الأنصاري ، أبو يعقوب ، ثنا أبو الجماهيرمحمد بن عثمان ، قالا : نا عبد الله ابن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن جدّه : أن عمر بن الخطاب تزوج أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب على أربعين ألف درهم .
    حدثنا عبد الله بن محمد أبو أسامة ، نا حجّاج بن أبي منيع ، نا جدّي ، عن الزهري ، قال : أم كلثوم بنت عليّ من فاطمة ، تزوجها عمر بن الخطاب ، فولدت له زيد بن عمر بن الخطاب .
    حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، نا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، قال : وتزوج أم كلثوم بنت عليّ عمر بن الخطاب ، فولدت له زيد ين عمر وامرأة معه ، فمات عمر عنها .
    حدثنا عبد الله بن محمد أبو أسامة الحلبي ، نا حجّاج بن أبي منيع ، نا جدي ، عن الزهري ، قال : ثم خلف على أم كلثوم بعد عمر بن الخطاب عون ابن جعفر بن أبي طالب ، فلم تلد له شيئا حتى مات .
    حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، نا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، قال : فلما مات عمر عن أم كلثوم بنت عمر تزوجت عون بن جعفر. فهلك عنها ، قال ابن إسحاق : فحدثني والدي إسحاق بن يسار ، عن حسن بن حسن ابن عليّ بن أبي طالب ، قال : لما أيّمت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من عمر .

الرسائل العشرة _ 323 _

   ابن الخطاب دخل عليها حسن وحسين أخواها فقالا لها : إنك من عرفت سيدّة نساء المسلمين وبنت سيدتهن ، وإنك والله لئن أمكنت علياً من رمّتك لينكحنّك بعض أيتامه ، ولئن أردت أن تصيبنّ بنفسك مالاً عظيماً لتصيبنّه ! فو الله ما قاما حتى طلع عليّ يتكئ على عصاه فجلس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر منزلتهم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقال : قد عرفتم منزلتكم يا بني فاطمة وأثرتكم عندي على سائر ولدي لمكانكم من رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وقرابتكم منه .
   فقالوا : صدّقت رحمك الله ، فجزاك الله عنا خيرا ، فقال : أي بنية ، إن الله قد جعل أمرك بيدك ، فأنا أحبّ أن تجعليه بيدي ، فقالت : أي أبة ، والله إني لامرأة أرغب فيما يرغب فيه النساء ، فأنا أحبّ أن أصيب ما يصيب النساء من الدنيا ، وأنا أريد أن أنظر في أمر نفسي ! فقال : والله يا بنية ، ما هذا من رأيك ، ما هو إلا رأي هذين ، ثم قام فقال : والله لا أكلم رجلا منهما أو تفعلين .
   فاخذا بثيابه فقالا : اجلس يا أبة ، فو الله ما على هجرانك من صبر ، اجعلي امرك بيده .
   فقالت : قد فعلت ، قال : فإني قدّ زوجتك من عون بن جعفر وإنه لغلام ، ثم رجع إليها فبعث إليها باربعة ألاف درهم ، وبعث إلى ابن أخيه فأدخلها عليه ، قال حسن : فوالله ما سمعت بمثل عشق منها له منذ خلقك الله ! .
   حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني ، نا يزيد بن هارون ، أنا حّماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، أن أم كلثوم بنت عليّ وزيد ابن عمر ماتا فكفّنا وصلى عليهما سعيد بن العاص ، وخلفه الحسن والحسين وأبو هريرة .

الرسائل العشرة _ 324 _

   حدثنا إبراهيم بن يعقوب ، نا يزيد بن هارون ، أنا إسماعيل بن أبي خالد ، قال : تذاكرنا عند عامر جنائز الرجال والنساء فقال عامر : جئت وقد صلى عبدالله ابن عمر على أخيه زيد بن عمر وأمّه أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه » (1) .
3 ـ الحاكم في المستدرك : وأخرجه الحاكم أبو عبدالله النيسابوري ـ المتوفّى سنة 405 هـ ـ قائلاً : « حدثنا الحسن بن يعقوب وإبراهيم بن عصمة العدلان ، قالا : ثنا السرّي ابن خزيمة ، ثنا معلّى بن اسد (2)، ثنا وهيب بن خالد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن عليّ بن الحسين : أن عمر بن الخّطاب خطب إلى علي رضي الله عنه أم كلثوم فقال : أنكحنيها ، فقال عليّ : إني لأرصدها لابن أخي عبد الله بن جعفر ، فقال عمر : أنكحنيها ، فو الله ما من الناس أحد يرصد من أمرها ما أرصده ، فأنكحه عليّ ، فاتى عمر المهاجرين فقال : ألا تهنّوني ؟ ! فقالوا : بمن يا أمير المؤمنين ؟ فقال : بأم كلثوم بنت عليّ وابنة فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ، إني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) يقول : كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا ما كان من سببي ونسبي ، فاحببت أن يكون بيني وبين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نسب وسبب ، هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه (3) .

---------------------------
(1) الذرية الطاهرة : 157 ـ 165 .
(2) فيه : راشد وهو غلط .
(3) المستدرك 3|142 .

الرسائل العشرة _ 325 _

4 ـ البيهقي في السنن : وأخرج أبو بكر البيهقي ـ المتوفى سنة 458 هـ ـ قال : « أخبرنا أبو عبدالله الحافظ (1) ، ثنا الحسن بن يعقوب وإبراهيم بن عصمة ، قالا : ثنا السرّي بن خزيمة ، ثنا معلى بن أسد ، ثنا وهيب بن خالد ، عن جعفر ابن محمد ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين .
   وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا أحمد ابن عبد الجبّار ، ثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدثني أبو جعفر ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، قال : لما تزوّج عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أم كلثوم بنت عليّ رضي الله عنهم أتى مجلسا في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) بين القبر والمنبر للمهاجرين ، لم يكن يجلس فيه غيرهم ، فدعوا له بالبركة ، فقال : أما والله ما دعاني إلى تزويجها إلاّ أني سمعت رسول الله ( صلى اله عليه وآله وسلم ) يقول : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا ما كان سببي ونسبي ، لفظ حديث ابن اسحاق ، وهو مرسل حسن .
   وأخبرنا أبو الحسين ابن بشران ، أنبا دعلج بن أحمد ، ثنا موسى بن هارون ، ثنا سفيان ، عن وكيع بن الجراح ، أنبأ روح بن عبادة ، ثنا ابن جريج ، أخبرني ابن أبي مليكة ، أخبرني حسن بن حسن ، عن أبيه : أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ خطب إلى عليّ رضي الله عنه أم كلثوم فقال له عليّ رضي الله عنه إنها تصغر عن ذلك ، فقال عمر : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) يقول : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ، فاحببت أن يكون لي من رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلّم ) سبب ونسب .

---------------------------
(1) هو الحاكم صاحب المستدرك .

الرسائل العشرة _ 325 _

   فقال علي رضي الله عنه لحسن وحسين : زوّجا عمكما ، فقالا : هي امرأة من النساء تختار لنفسها ، فقام عليّ رضي الله عنه مغضبا : فأمسك الحسن رضي الله عنه بثوبه وقال : لا صبرعلى هجرانك يا أبتاه ، قال : فزوّجاه » (1) .
   وروى هذا الخبر الثاني مرة أخرى في باب ( ما جاء في إنكاح الآباء الأبكار ) (2) قال التركماني صاحب « الجوهر النقي » « ذكر فيه تزوجه عليه السلام عائشة وهي بنت ست ، وتزوج عمر ابنة عليّ صغيرة ، وتزويج غير واحد من الصحابة ابنته صغيرة . . . قلت : قد كانت عائشة وابنة عليّ صغيرتين . . . » .
5 ـ الخطيب فى تاريغ بغداد : وروى الخطيب البغدادي ـ المتوفى سنة 463 هـ ـ بترجمة ابراهيم بن مهران المروزي باسناده عنه قال : « حدّثنا الليث بن سعد القيسي ـ مولى بنى رفاعة ، في سنة 171 بمصر ، عن موسى بن عليّ بن رباح اللخمي ، عن أبيه ، عن عقبة بن عامر الجهني ، قال : خطب عمر بن الخطاب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته من فاطمة ، وأكثر تردّده إليه فقال : يا أبا الحسن ، ما يحملني على كثرة تردّدي إليك إلاّ حديث سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) يقول : كل سبب وصهر منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي ، فاحببت أنه يكون لي منكم أهل البيت سبب وصهر .
    فقام عليّ فامر بابنته من فاطمة فزيّنت ثم بعث بها إلى أمير المؤمنين عمر ، فلما رآها قام إليها فاخذ بساقها وقال : قولي لأبيك قد رضيت قد رضيت قد رضيت ، فلما جاءت الجارية إلى أبيها قال لها : ما قال لك امير المؤمنين ؟ قالت : دعاني وقبّلني ، فلما قمت أخذ بساقي وقال قولي لأبيك : قد رضيت ، فأنكحها إياه ، فولدت له زيد بن عمر بن الخطاب ، فعاش حتى كان رجلاً ثم مات . . . » (3) .

---------------------------
(1) السنن الكبرى 7|63 ـ 64 .
(2) السنن الكبرى 7|114 .
(3) تاريخ بغداد 6|182 .

الرسائل العشرة _ 326 _

6 ـ ابن عبد البرّ في الاستيعاب : وقال ابن عبد البرّ القرطبي ـ المتوفى سنة 463 هـ ـ ما هذا لفظه : « أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، ولدت قبل وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ، أمّها فاطمة الزهراء بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) .
   خطبها عمر بن الخطاب إلى عليّ بن أبي طالب فقال : إنها صغيرة ، فقال له عمر : زوجنيها يا أبا الحسن ، فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد ، فقال له علي رضي الله عنه : أنا أبعثها إليك فإن رضيتها فقد زوجتكها ، فبعثها إليه ببرد وقال لها : قولي له : هذا البرد الذي قلت لك ، فقالت ذلك لعمر ، فقال : قولي له : قد رضيت رضي الله عنك ، ووضع يده على ساقها فكشفها ، فقالت : أتفعل هذا ؟ ! لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، ثم خرجت حتى جاءت أباها فاخبرته الخبر وقالت : بعثتني إلى شيخ سوء ! فقال : يا بنية إنه زوجك ، فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين في الروضة ـ وكان يجلس فيها المهاجرون الأولون ـ فجلس إليهم فقال لهم : رفئوني ، فقالوا : بماذا يا أمير المؤمنين ؟ قال : تزوجت أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب ، سمعت رسول الله ( صل الله عليه وآله وسلّم ) يقول : كل نسب وسبب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي وصهري ، فكان لي به عليه السلام النسب والسبب ، فاردت ان أجمع إليه الصهر ، فرفّئوه .

الرسائل العشرة _ 327 _

   حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا الخشني ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن عليّ : إن عمر بن الخطاب خطب إلى عليّ ابنته أم كلثوم فذكر له صغرها ، فقيل له : إنه ردّك ! فعاوده ، فقال له عليّ : أبعث بها إليك ، فان رضيت فهي امرأتك ، فارسل بها إليه ، فكشف عن ساقها ، فقالت : مه والله لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك .
   وذكر ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن جده : أن عمر بن الخطاب تزوج ام كلثوم بنت علي بن أبي طالب على مهر أربعين الفاً .
    قال أبو عمر : ولدت أم كلثوم بنت عليّ لعمر بن الخطاب : زيد بن عمر الأكبر ورقيّة بنت عمر ، وتوفيت أم كلثوم وابنها زيد في وقتٍ واحد ، وقد كان زيد أصيب في حرب كانت بين بني عديّ ليلاً ، كان قد خرج ليصلح بينهم ، فضربه رجل منهم في الظلمة فشرجه وصرعه ، فعاش أيّاماً ثم مات هو وأمه في وقتٍ واحد ، وصلى عليهما ابن عمر ، قدّمه حسن بن عليّ .
   وكانت فيهما سُنتان ـ فيما ذكروا ـ : لم يورث واحد منهما من صاحبه ، لأنه لم يعرف أولهما موتاً . وقدّم زيد قبل أُمه بما يلي الإمام » (1) .
7 ـ ابن الأثير في أُسد الغابة : وقال ابن الأثير الجزري ـ المتوفى سنة 630 هـ ـ : « أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ، أمها فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولدت قبل وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، خطبها عمر بن الخطاب إلى أبيها علي بن أبي طالب فقال : إنها صغيرة ، فقال عمر : زوجنيها يا أبا الحسن ، فاني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد ، فقال علي : أنا أبعثها إليك ، فان رضيتها فقد زوجتكها ، فبعثها إليه ببرد فقال لها : قولي له : هذا البرد الذي قلت لك ، فقالت ذلك لعمر ، فقال : قولي له : قد رضيت ، رضي الله عنك ، ووضع يده عليها ، فقالت : أتفعل هذا ؟ ! لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، ثم جاءت أباها فاخبرته الخبر وقالت له : بعثتني الى شيخ سوء ! قال : يا بنية إنه زوجك .
   فجاء عمر إلى المهاجرين في الروضة ـ وكان يجلس فيها المهاجرون الأولون ـ فقال : رفئوني ، فقالوا : بماذا يا أميرالمؤمنين ؟ قال : تزوجت أم كلثوم بنت عليّ ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) يقول : كل سبب ونسب وصهر ينقطع يوم القيامة الأ سببي ونسبي وصهري ، وكان لي به عليه الصلاة النسب والسبب ، فاردت أن أجمع إليه الصهر ، فرفئوه ، فتزوجها على مهر أربعين ألفاً ، فولدت له زيد بن عمر الأكبر ورقية .

---------------------------
(1) الاستيعاب 4|1954 .

الرسائل العشرة _ 328 _

   وتوفيت أم كلثوم وابنها زيد في وقت واحد ، وكان زيد قد أصيب في حرب كانت بين بني عدي ، خرج ليصلح بينهم ، فضربه رجل منهم في الظلمة فشجّه وصرعه ، فعاش أياماً ثم مات هو وأمّه ، وصلى عليهما عبد الله بن عمر قدّمه حسن بن عليّ لما قتل عنها عمر تزوجها عون بن جعفر .
   أخبرنا عبد الوهاب بن عليّ بن عليّ الأمين ، أخبرنا أبو الفضل محمد بن ناصر ، أخبرنا الخطيب أبو طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصقر ، أخبركم أبو البركات احمد بن عبد الواحد بن الفضل بن نظيف بن عبد الله الفراء ، قلت له : أخبركم أبو محمد الحسن بن رشيق ؟ فقال : نعم ، أخبرنا أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي .
   اخبرنا أحمد بن عبد الجبار ، أخبرنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، عن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ، قال : لما تأيّمت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ دخل عليها الحسن والحسين أخواها فقالا لها : إنك ممن قد عرفت سيدة نساء المسلمين وبنت سيدتهن ، وإنك والله إن أمكنت علياً من رمّتك لينكحنك بعض أيتامه ، ولئن أردت أن تصيبي بنفسك مالاً عظيما لتصيبنه .
   فو إلله ما قاما حتى طلع عليّ يتكئ على عصاءه فجلس ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكرمنزلتهم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) وقال : قد عرفتم منزلتكم عندي يا بني فاطمة ، وآثرتكم على سائر ولدي لمكانكم من رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلّم ) وقرابتكم منه ، فقالوا : صدقت رحمك الله ، فجزاك الله عنا خيرا .
   فقال : أي بنيّة ، إن الله عز وجل قد جعل أمرك بيدك ، فانا أحب ان تجعليه بيدي .
    فقالت : أي أبة ، إني امرأة أرغب فيما يرغب فيه النساء ، وأحب أن أصيب ممّا تصيب النساء من الدنيا ، وأنا أريد أن أنظر في أمر نفسي .

الرسائل العشرة _ 329 _

   فقال : لا والله يا بنيّة ما هذا من رأيك ، ما هو إلا رأي هذين ، ثم قام فقال : والله لا أكلم رجلا منهما أو تفعلين ، فاخذا بثيابه فقالا : إجلس يا أبة ، فو الله ما على هجرتك من صبر ، إجعلي أمرك بيده ، فقالت : قد فعلت .
   قال : فاني قد زوجتك من عون بن جعفر ، وإنه لغلام وبعث لها باربعة ألف درهم ، وأدخلها عليه ، أخرجها أبو عمر » (1) .
8 ـ ابن حجر في الإصابة : وقال ابن حجر العسقلاني ـ المتوفى سنة 852 هـ ـ : « أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب الهاشمية ، أمّها فاطمة بنت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولدت في عهد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) .
   قال أبو عمر : ولدت قبل وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم )
   وقال ابن أبي عمر المقدسي : حدثني سفيان عن عمرو عن محمد بن عليّ : أن عمر خطب إلى عليّ ابنته أم كلثوم ، فذكر له صغرها ، فقيل له : إنه ردّك ، فعاوده فقال له عليّ : أبعث بها إليك ، فإن رضيت فهي امرأتك ، فارسل بها إليه فكشف عن ساقها ، فقالت : مه ، لولا انك أمير المؤمنين لطمت عينيك .
   وقال ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن جدّه : تزوّج عمر أُم كلثوم على مهر أربعين ألفاً .

---------------------------
(1) أُسد الغابة 5|614 .

الرسائل العشرة _ 330 _

   وقال الزبير : ولدت لعمر ابنه زيداً ورقيّة ، وماتت أٌم كلثوم وولدها في يوم واحد ، أصيب زيد في حرب كانت بين بني عدي ، فخرج ليصلح بينهم ، فشجّه رجل وهولا يعرفه في الظلمة ، فعاش أيّاماً وكانت أمّه مريضةَ فماتا في يوم واحد .
    وذكر أبو بشر الدولابي في الذّريّة الطاهرة من طريق ابن إسحاق ، عن الحسن بن الحسن بن عليّ ، قال : لمّا تأيّمت أٌمّ كلثوم بنت عليّ عن عمر ، فدخل عليها أخواها الحسن والحسين فقالا لها : إن أردت أن تصيبي بنفسك مالأ عظيماً لتصيبين ، فدخل عليّ فحمد الله وأثنى عليه وقال : أي بنيّة ، إنّ الله قد جعل أمرك بيدك ، فإن أحببت أن تجعليه بيدي .
   فقالت : يا أبت إنّي امرأة أرغب فيما ترغب فيه النساء ، وأحب أن أصيب من الدنيا ، فقال : هذا من عمل هذين ، ثم قال يقول : والله لا أكلّم واحداً منهما أو تفعلين ، فأخذا شأنها وسألاها ففعلت ، فتزوّجها عون بن جعفر بن أبي طالب .
   وذكر الدار قطني في كتاب الإخوة : إنّ عوناً مات عنها فتزوّجها أخوه محمد ، ثم مات عنها فتزوجها أخوه عبد الله بن جعفر فماتت عنده .
   وذكر ابن سعد نحوه وقال في آخره : فكانت تقول : إنّي لأستحيي من أسماء بنت عميس ، مات ولداها عندي فأتخوّف على الثالث. قال : فهلكت عنده ، ولم تلد لأحدِ منهم .
    وذكر ابن سعد ، عن أنس بن عياض ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : أنّ عمر خطب أمّ كلثوم إلى عليّ فقال : إنّما حبست بناتي على بني جعفر ، فقال : زوّجنيها ، فو الله ما على ظهر الأرض رجل يرصد من كرامتها ما أرصد ، ـ قال : قد فعلت ، فجاء عمر إلى المهاجرين فقال : رفّؤوني فرفّئوه ، فقالوا : بمن تزّوجت ؟ قال : بنت عليّ ، إنّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال : كلّ نسب وسبب سيقطع يوم القيامة إلاّ نسبي وسببي ، وكنت صاهرت فأحببت هذا أيضاً .

الرسائل العشرة _ 331 _

   وقال ابن حجر : « قال الدوري عن ابن معين : ضعيف » .
   وقال أبو حاتم : « يكتب حديثه ولا يحتج به » .
   قال : « ذكره ابن عبد البرّ في باب من نسب إلى الضعف مّمن يكتب حديثه » ، « ذكره يعقوب بن سفيان في الضعفاء » .
   وقال ابن سعد : « كان كثير الحديث ، يستضعف ، وكان متشيعا » (1) .
* وفي خبر رواه ابنا عبد البرّ وحجر بإسنادهما عن « أسلم مولى عمر بن الخطاب » :
    « ابن وهب » وهو عبد الله بن وهب القرشي مولاهم المصري : ذكره ابن عديّ في الكامل (2) .
   والذهبي في الميزان (3) .
   وتكلّم فيه ابن معين (4) .
   وقال ابن سعد : « كان يدلّس »(5) .
   وقال أحمد : « في حديث ابن وهب عن ابن جريج شيء .
   قال أبو عوانة : صدق لأنه يأتي عنه بأشياء لا يأتي بها غيره » (6) .

---------------------------
(1) ميزان الاعتدال 4|298 ، تهذيب التهذيب 11|37.
(2) الكامل في الضعفاء 4|124 .
(3) ميزان الأعتدال 2|521.
(4) الكامل 4|124 ، ميزان الاعتدال 2|252 .
(5) تهذيب التهذيب 6|67 .
(6) تهذيب التهذيب 6|66.

الرسائل العشرة _ 332 _


   قد ذكرنا أهم أسانيد الخبر عن أشهر كتب القوم . . . والأخبار المذكورة بعضها يتعلق باصل الخبر ، خبر تزويج الإمام عليه السلام ابنته من عمر ، وبعضها يتعلق بزواجها بعد عمر ، وبعضها يتعلّق بموتها وأبنها من عمر . . . وانه ليتبين للناظر في تلك الأسانيد أن لا أصل لأصل الخبر فضلا عن جزئياته ومتعلقاته . . . بالنظر إلى أصول أهل السنة وقواعدهم في علم الحديث ، واستنادا إلى كلمات علمائهم في علم الرجال :
1 ـ انه حديث أعرض عنه البخاري ومسلم فلم يخرجاه في كتابيهما المعروفين بالصحيحين ، وكم من حديث صحيح سندا لم ياخذوا به في بحوثهم المختلفة معتذرين بعدم إخراجهما إيّاه ! .
2 ـ إنه حديث غير مخرج في شيء من سائر الكتب المعروفة عندهم بالصحاح ، فهو حديث متفق على تركه بين أرباب الصحاح الستة .
3 ـ إنه حديث غير مخرج في المسانيد المعتبرة ، كمسند أحمد بن حنبل الذي قال أحمد وجماعة تبعا له بان ما ليس فيه فليس بصحيح . . .
عمدة ما في الباب :
   ثم إن عمدة ما في الباب ما رووه عن أئمة العترة النبوية ورجالها ، وذلك في ( الطبقات ) و ( المستدرك ) و ( سنن البيهقي ) و ( الذرّيّة الطاهرة ) ، وهنا مطلبان :
أحدهما : لقد تتبّعنا الأحاديث والأخبار ، فوجدنا القوم متى أرادوا أن ينسبوا إلى أهل البيت عليهم السلام شيئاً لا يرتضونه ولا يلتصق بهم وضعوه على لسان بعض رجال هذا البيت الطاهر . . .

الرسائل العشرة _ 333 _

   فإذا أرادوا الطعن في النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبضعته ووصيّه أمير المؤمنين عليه السلام . . . وضعوا قصّة خطبة عليّ ابنة أبي جهل ، وعلى لسان أهل البيت (1) وإذا أرادوا ترويج القول بحرمة متعة النساء ، والطعن في ابن عباس القائل بحلّيتها حتى آخر لحظة من حياته . . . نسبوا القول بالحرمة والطعن في ابن عباس إلى عليّ عليه السلام ، ووضعوا الخبر على لسان أحفاده (2) .
وإذا أرادوا وضع حديث في فضل الصحابة ، وضعوا حديث « أصحابي كالنجوم فبايهم اقتديتم اهتديتم » على لسان الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام (3) .
   ولا شك أن هذا الحديث من تلك الأحاديث ! .
والثاني : إنهم قد رووا هذا الحديث عن جعفر بن محمد عن أبيه ( كما في الطبقات ) أو عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين ( كما في المستدرك ) أو عن الحسن بن الحسن ( كما في الذرية الطاهرة ) أو عن الحسن بن الحسن عن أبيه ( كما في سنن البيهقي ) ، فان أريد الاستدلال به . . . فهذا موقوف على تمامية السند عندهم . . . على إصولهم . . . لكن ابن سعد ـ صاحب « الطبقات » ـ يتجاسر على الإمام الصادق عليه السلام فيقول : « كان كثير الحديث ولا يحتج به ويستضعف . سئل مرّةً : سمعت هذه الأحاديث من أبيك ؟

---------------------------
(1) لاحظ رسالتنا في هذا الموضوع .
(2) لاحظ رسالتنا في هذا الموضوع .
(3) لاحظ رسالتنا في هذا الموضوع .

الرسائل العشرة _ 334 _

   فقال : نعم . وسئل مرة فقال : إنما وجدتها في كتبه » (1) ، وحديث الحاكم في « المستدرك » الذي صححه قال الذهبي متعقبا إياه : « منقطع » (2) ، وقال البيهقي : « مرسل »(3) ، وكذلك الحديث عن الحسن بن الحسن الذي في « الذرية الطاهرة » مع الضعف في رجاله كما ستعرف .
   أما الذي في ( سنن البيهقي ) عنه عن أبيه فلا انقطاع فيه ، لكن السند ساقط من وجوه ، لا سيما وأن راويه عن الحسن هو « ابن أبي مليكة » وسيأتيك البيان .
   وإن اريد إلزام الغير به ، لكونه عن أئمة البيت الطاهر ورجال العترة الكريمة ، فهذا موقوف على وثوق الغير برجال الأسانيد دونهم ، وهذا أول الكلام ، فظهر سقوط أصحّ ما في الباب وعمدته ، فغيره ساقط بالأولوية القطعية ، ومع ذلك فإنا نفصّل الكلام أولا على سند الحديث في ( السنن ) عن أبي جعفر عن أبيه علي بن الحسين ، وفي ( الاستيعاب ) عن : محمد بن علي . وفي ( السنن )أيضا عن : الحسن بن الحسن . . . ثم ننظر في الأسانيد الأخرى . . . إتماما للمرام وقطعا للخصام . . . فنقول : لقد أخرجه البيهقي في ( سننه ) عن طريق الحاكم أبي عبد الله « عن أبي جعفر عن أبيه علي بن الحسين « وفي السند » أحمد بن عبد الجبّار » :
---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 2|89.
(2) تلخيص المستدرك 3|142 .
(3) سنن البيهقي 7|64 .

الرسائل العشرة _ 335 _


    وهذه جملة من الكلمات فيه : « قال ابن أبي حاتم : كتبت عنه وأمسكت عن الرواية عنه لكثرة كلام الناس فيه » .
   وقال مطين : « كان يكذب » .
   وقال أبو أحمد الحاكم : « ليس بالقوي عندهم » « تركه ابن عقدة » .
   وقال ابن عديّ : « رأيت أهل العراق مجمعين على ضعفه . . . » (1)

   وفيه : « يونس بن بكير » : وقد قال الآجري عن أبي داود : « ليس هو عندي بحجة ، كان يأخذ ابن إسحاق فيوصله بالأحاديث .
   وقال النسائي : ليس بالقوي .
  وقال مرة : ضعيف .
   وقال الجوزجاني : ينبغي أن يتثبت في أمره .
   وقال الساجي : كان ابن المديني لا يحدث عنه .
  وقال أحمد بن حنبل : ما كان أزهد الناس وأنفرهم عنه .

---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 1|44 .

الرسائل العشرة _ 336 _

وعن ابن أبي شيبة : كان فيه لين .
   وعن الساجي : كان يتبع السلطان وكان مرجئاً » (1) هذا ، بغض النظر عن الكلام في « محمد بن إسحاق » . ورواه ابن عبد البرّ وابن حجر بالإسناد عن الإمام محمد بن عليّ الباقر عليه السلام ، وفي السند « عمرو بن دينار » : ترجمة عمرو بن دينار : واليك بعض الكلمات فى قدحه (2) :    قال الميموني عن أحمد : « ضعيف منكر الحديث » .
nbsp;  وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين : « لا شيء » .
   وقال يعقوب بن شيبة عن ابن معين : « ذاهب الحديث » .
   وقال عمرو بن عليّ : « ضعيف الحديث روى عن سالم عن ابن عمر عن النبي أحاديث منكرة » .
   وقال أبو حاتم مثله وزاد : « وعامة حديثه منكر » .
   وقال أبو زرعة : « واهي الحديث » .
   وقال البخاري : « فيه نظر » ، أبو داود في حديثه : « ليس بشيء » .
   وقال الترمذي : « ليس بالقويّ » .

---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 11|382 .
(2) تهذيب التهذيب 8|27 .

الرسائل العشرة _ 337 _

   وقال النسائي : « ليس بثقة ، روى عن سالم أحاديث منكرة » .
   وقال مرّة : « ضعيف » . وكذا قال الجوزجاني والدارقطني .
   وقال ابن حبّان : « لا يحلّ كتب حديثه إلآ على جهة التعجب ، كان يتفرد بالموضوعات عن الأثبات » .
   وقال البخاري في الأوسط : « لا يتابع على حديثه » .
   وقال ابن عمار الموصلي : « ضعيف » .
   وقال الساجي : « ضعيف ، يحدّث عن سالم المناكير » ، هذا ، بغض النظر عن الكلام في « سفيان بن عيينة » ، ورواه البيهقي بسند له عن الحسن بن الحسن عن أبيه عليه السلام ، وفيه : « سفيان بن عيينة » .

   وقد تكلم فيه بعض الأعلام الأثبات . . . قال ابن حجر : « قال ابن عمار : سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول : اشهدوا أن سفيان ابن عيينة اختلط سنة 197 فمن سمع منه في هذه السنة وبعدها فسماعه لا شيء ، قلت : قرأت بخط الذهبي : أنا أستبعد هذا القول وأجده غلطاً من ابن عمار ، فان القطان مات أول سنة 98 عند رجوع الحجاج وتحدّثهم باخبار الحجاز ، فمتى يمكن من سماع هذا حتى يتهيّأ له أن يشهد به ، ثم قال : فلعلّه بلغه ذلك في وسط السنة، وهذا الذي لا يتجه غيره ، لأن ابن عمار من الأثبات المتقنين ، وما المانع أن يكون يحيى بن سعيد سمعه من جماعة ممن حجّ فى تلك السنة واعتمد قولهم وكانوا كثيراً ، فشهد على استفاضتهم .

الرسائل العشرة _ 338 _

    وقد وجدت عن يحيى بن سعيد شيئا يصلح أن يكون سببا لما نقله عنه ابن عمار في حق ابن عيينة ، وذلك ما أورده أبو سعد ابن السمعاني في ترجمة إسماعيل ابن أبي صالح المؤذن من ذيل تاريخ بغداد بسند له قويّ إلى عبد الرحمن بن بشر ابن الحكم قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : قلت لابن عيينة : كنت تكتب. الحديث وتحدّث اليوم وتزيد في إسناده أو تنقص منه! فقال : عليك بالسماع الأول فانّي قد سمنت .
   وقد ذكر ابو معين الرازي في زيادة كتاب الإيمان لأحمد : أن هارون بن معروف قال له : إن ابن عيينة تغيّر أمره بآخره ، وإن سليمان بن حرب قال له : إن ابن عيينة أخطا في عامّة حديثه عن أيوب ، وكذا ذكر . . . » (1)

    وفيه « وكيع بن الجرّاح » أورده الذهبي في ( ميزانه ) فذكر عن أحمد بن حنبل القدح فيه بأمور هي : سبّ السلف ، وشرب المسكر ، والفتوى بالباطل (2)
   وذكر الخطيب باسناده عن نعيم بن حمّاد ، قال : « تعشّينا عند وكيع ـأو قال : تغدّينا ـ فقال : أي شيء أجيئكم به؟ نبيذ الشيوخ أو نبيذ الفتيان؟ قال : قلت : تتكلم بهذا؟! قال : هو عندي أحلّ من ماء الفرات » (3)
   وذكر ابن حجر عن أحمد : « أخطا وكيع في خمسمائة حديث »(4)
(1) تهذيب التهذيب 4|106 .
(2) ميزان الاعتدال 4|336 .
(3) تاريخ بغداد 13|472 .
(4) تهذيب التهذيب 11|110 » .

الرسائل العشرة _ 339 _

وعن محمد بن نصر المروزي : « كان يحدّث بآخره من حفظه فيغيّر ألفاظ الحديث . . . » (1)

  وفيه : « ابن جريج » وقد ذكر ابن حجر بترجمته (2)
  عن مالك : « كان ابن جريج حاطب ليل » .
وعن ابن معين : « ليس بشيء في الزهري ».
وعن أحمد : « إذا قال ابن جريج : قال فلان وقال فلان وأخبرتُ ، جاء بمناكير ». وعن يحيى بن سعيد : « إذا قال : قال ؛ فهو شبه الريح » . وعن ابن المديني : « سألت يحيى بن سعيد عن حديث ابن جريج عن عطاء الخراساني. فقال : ضعيف. فقلت ليحيى : إنه يقول : أخبرني . قال : لا شيء ، كلّه ضعيف ، إنمّا هو في كتاب دفعه إليه » . وعن ابن حبّان : « كان يدلّس » . وعن الدارقطني : « تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس » . وأورده الذهبي في ميزانه وقال : « يدلس »(3)
وقال ابن حجر : « كان يدلّس ويرسل »(4)
بل عن أحمد : « بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة ، كان ابن جريج لا يبالي من اين يأخذها »(5)

---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 11|110 .
(2) تهذيب التهذيب 6|359 .
(3) ميزان الاعتدال 2|656 .
(4) تقريب التهذيب 1|520 .
(5) ميزان الأعتدال 2|656 .

الرسائل العشرة _ 340 _


   وهو عبدالله بن عبيدالله ، ويكفي في سقوطه : « إنه كان قاضيا لابن الزبير ومؤذنا له » (1)
رجال الأسانيد الأخرى : ونعود فننظر في رجال الأسانيد الأخرى بقدر الضرورة . . . ففي أخبار ابن سعد وعنه ابن حجر في الإصابة يوجد : « وكيع بن الجرّاح » وقد عرفته .

و « هشام بن سعد » . وقد أورده الذهبي في ( ميزانه ) وقال : « قال أحمد : لم يكن بالحافظ ، وكان يحيى القطّان لا يحدث عنه » .
   قال : « وقال أحمد أيضا : لم يكن يحكم الحديث » .
   وقال ابن معين : « ليس بذاك القويّ » .
   وقال النسائي : « ضعيف » .
   وقال ابن عديّ : « مع ضعفه يكتب حديثه » .

---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 5|268 .

الرسائل العشرة _ 341 _

    وقال ابن حجر : « قال الدوري عن ابن معين : ضعيف » .
   وقال أبو حاتم : « يكتب حديثه ولا يحتجّ به » .
   وقال : « ذكره ابن عبد البرّ في باب من نسب إلى الضعف مّمن يكتب حديثه » . « وذكره يعقوب بن سفيان في الضعفاء » .
    وقال ابن سعد : « كان كثير الحديث ، يستضعف ، وكان متشيعاً »(1)
وفي خبر رواه ابنا عبد البرّ وحجر بإسنادهما عن « أسلم مولى عمر بن الخطاب » :
ترجمة ابن وهب . « إبن وهب » وهو عبدالله بن وهب القرشي مولاهم المصري : ذكره ابن عديّ في الكامل (2)
والذهبي في الميزان (3) وتكلم فيه ابن معين (4)
   وقال ابن سعد : « كان يدلّس » (5)
   وقال أحمد : « في حديث ابن وهب عن ابن جريج شيء .     قال أبو عوانة : صدق لأنه يأتي عنه بأشياء لا يأتي بها غيره ، (6)

---------------------------
(1) ميزان الاعتدال 4|298 ، تهذيب التهذيب 11|37 .
(2) الكامل في الضعفاء 4|124 .
(3) ميزان الأعتدال 2|521 .
(4) الكامل 4|124 ميزان الاعتدال 2|252 .
(5) تهذيب التهذيب 6|67 .
(6) تهذيب التهذيب 6|66 .