1 ـ كان والي مصر من سنة155 فأقام الى سنة 161 قاله السيوطي (1) وقال ابن حجر : « ولي إمرة مصر سنة 60 » (2) وقال السمعاني « كان والياً على مصر » (3)
2 ـ قال ابن معين : لم يكن بالقوي ،
وقال ابن عبد البر : ما انفرد به فليس بالقوي » (4)
ترجمة علي بن رباح اللخمي :
و « علي بن رباح » ترجم له ابن حجربما هذا ملخصه :
1 ـ وفد على معاوية .
2 ـ قال : لا أجعل في حل من سماني « علي » فان اسمي « عليّ ».
3 ـ كان له من عبد العزيزمنزلة ، ثم عتب عليه عبد العزيز فاغزاه أفريقية ، فلم يزل بها إلى أن مات (5) .
ترجمة عقبة بن عامر الجهني :
و « عقبة بن عامر الجهني يكفي في قدحه » :
1 ـ كونه من ولاة معاوية بن أبي سفيان . . . قال السمعاني : « شهد فتح مصر واختط بها ، وولي الجند بمصر لمعاوية بن ابي سفيان بعد عتبة بن ابي سفيان سنة 44 ثم أغزاه معاوية البحر سنة 47 . . . » (1) وقال ابن حجر : « ولي إمرة مصر من قبل معاوية سنة 44 » (2) وكذا قال السيوطي (3) .
2 ـ كونه قاتل عمار بن ياسر أو من قتلته ، قال ابن سعد : « قتل عمار رحمه الله وهو ابن 91 سنة ، وكان أقدم في الميلاد من رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلّم ) وكان أقبل إليه ثلاثة نفر : عقبة بن عامر الجهني وعمر بن الحارث الخولاني وشريك بن سلمة المرادي ، فانتهوا إليه جميعا وهو يقول : والله لو ضربتمونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنا على حق وأنتم على باطل ، فحملوا عليه جميعا فقتلوه ، وزعم بعض الناس : أن عقبة بن عامر هو الذي قتل عمارا » .
3 ـ أنه الضارب عماراً بأمر عثمان ، قال ابن سعد بعد العبارة المتقدّمة : « وهو الذي كان ضربه حين أمره عثمان بن عفان » (4)
هذا ، بغض النظر عن الليث بن سعد وغيره من رجال السند عند الخطيب .
---------------------------
(1) الأنساب ـ الجهني .
(2) تهذيب التهذيب 7|216 .
(3) حسن المحاضرة 1|585 .
(4) الطبقات 3|259 .
الرسائل العشرة _ 344 _
ترجمة عطاء الخراساني :
و « عطاء الخراساني » :
أورده البخاري في الضعفاء(1) .
وابن حبّان في المجروحين (2) .
والعقيلي في الضعفاء الكبير(3) .
والذهبي في الميزان والمغني (4) .
وقال السمعاني : « رديء الحفظ ، كثير الوهم ، يخطئ ولا يعلم فحمل عنه ، فلما كثر ذلك في روايته بطل إلاحتجاج به » (5) .
هذا مضافا الى الانقطاع الموجود في خبره ، لأنه ولد سنة 50 وتوفي سنة 133 أو 150 فلا بدّ أن يكون قد روى الخبر بواسطة رجل وهو غير مذكور . . .
ترجمة محمد بن عمر الواقدي :
و« محمد بن عمرّ الواقدي » :
قال أحمد : « هو كذاب يقلّب الأحاديث » .
وقال البخاري وأبو حاتم : « متروك » .
وقال أبو حاتم أيضاً والنسائي : « يضع الحديث » .
---------------------------
(1) الضعفاء الصغير( انظر : المجموع في الضعفاء والمتروكين : 469).
(2) كتاب المجروحين 2|130 .
(3) الضعفاء الكبير ، ترجمة 1444 .
(4) ميزان الاعتدال 3|73 ، المغني في الضعفاء .
(5) الانساب ـ الخراساني ـ 2|337 .
الرسائل العشرة _ 345 _
وقال ابن راهويه : « هو عندي ممن يضع الحديث » .
وقال ابن معين : « ليس بثقة » .
وقال الدارقطني : « فيه ضعف » .
وقال ابن عدي : « أحاديثه غيرمحفوظة والبلاء منه » .
وقال السمعاني : « قد تكلموا فيه » .
وقال ابن خلكان : « ضعّفوه في الحديث وتكلموا فيه » .
وقال اليافعي : « أئمة لحديث ضغفوه » .
وقال الذهبي : « مجمع على تركه » (1) .
ترجمة عبد الرحمن بن زيد :
و « عبد الرحمن بن زيد » :
قال أبوطالب عن أحمد : « ضعيف » .
وقال عبدالله بن أحمد : « سمعت أبي يضعّف عبد الرحمن وقال : روى حديثاً منكراً » .
وقال الدوري عن ابن معين : ليس حديثه بشيء » .
وقال البخاري وأبو حاتم : « ضعفه عليّ بن المديني جداً » .
وقال أبو داود : « أولاد زيد بن أسلم كلّهم ضعيف » .
وقال النسائي : « ضعيف » .
---------------------------
(1) أنظر : ميزان الاعتدال 2|663 ، المغني في الضعفاء 2|619 ، الكاشف 3|82 ، مرآة الجنان ـ حوادث 207 ، الأنساب ـ الواقدي ، تقريب التهذيب 2|194 ، طبقات الحفاظ : 144 وغيرها.
الرسائل العشرة _ 346 _
وقال أبو زرعة : « ضعيف » .
وقال أبو حاتم : « ليس بقوي فى الحديث » .
وقال ابن حبان : « كان يقلّب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك » .
وقال ابن سعد : « كان كثير الحديث ضعيفاً جدّاً » .
وقال ابن خزيمة : « ليس هو مّمن يحتج أهل العلم بحديثه » .
وقال الساجي : « هو منكر الحديث » .
وقال الطحاوي : « حديثه عند أهل العلم في الحديث في النهاية من الضعف ».
وقال الجوزجاني : « أولاد زيد ضعفاء » .
وقال الحكم وأبو نعيم : « روى عن أبيه أحاديث موضوعة » .
وقال ابن الجوزي : « أجمعوا على ضعفه » (1) .
ترجمة زيد بن أسلم :
و « زيد بن أسلم » فقد ذكروا بترجمته أنه كان يروي عن جابر بن عبد الله الأنصاري وأبي هريرة ، ثم نقلوا عن ابن معين قوله : « لم يسمع من جابر ولا من أبي هريرة » وكذا ذكروا بالنسبة إلى غيرهما من الصحابة ، وهذا معناه أنه يروي عنهم ما لم يسمعه منهم ، وبه صرّح ابن عبد البرّ ، ونقله عنه ابن حجر وارتضاه حيث قال : « وذكر ابن عبد البرّ في مقدّمة التمهيد ما يدل على أنه كان يدلّس » .
هذا ، وعن ابن عمر : « لا أعلم به بأساً إلا أنه كان يفسرّ برأيه القرآن ويكثر منه » (2) .
---------------------------
(1) تجد هذه الكلمات وغيرها في تهذيب التهذيب 6|161.
(2) تهذيب التهذيب 3|342 .
الرسائل العشرة _ 347 _
هذا كله ، بغض النظر عن السند بين « ابن عبد البرّ ، ابن حجر » و « ابن وهب » .
وروى ابن حجر في ( الإصابة ) عن « الزبير بن بكار » :
ترجمة الزبير بن بكار :
المتوفى سنة 256 هـ ، وهو كان قاضي مكة المكرمة ، وكان من المنحرفين عن أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام ، وهو مع ذلك مقدوح عند أهل السنة :
فعن ابن أبي حاتم : « رأيته ولم أكتب عنه » .
وعن أحمد بن عليّ السليماني أنه أورده فى كتابه في الضعفاء وقال : « كان منكر الحديث » (1) .
مضافا ، إلى إرسال الخبر، هذا كله فيما يتعلق بأصل الخبر ، وقد عرفت أن لا أصل له ، فلننظر في سند ما رووه مما يتعلق بزواجها بعد عمر ، ثم وفاتها عليها السلام :
فأما ما ذكروه بترجمتها من خبر تزويج الإمام علي عليه السلام أم كلثوم بعد عمر من عون بن جعفر . . . فعمدته ما في « الذرية الطاهرة » وعنه في « أُسد الغابة » و « الإصابة » و « ذخائرالعقبى » وغيرها . . . عن الحسن بن الحسن. . . فهو عن : أحمد بن عبد الجبّار عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن
الحسن بن الحسن . . .
وقد تكلمنا على هذا السند فيما تقدّم .
ورواه الدولابي بإسناده عن « ابن شهاب الزهري » وهو من مشاهير المنحرفين عن أهل البيت الطاهرين عليهم السلام (2) .
هذا بغض النظر عن غيره من رجال السند، ويذكر أن ابن منيع الراوي عن الزهري كان أخا امرأة هشام بن عبد الملك (3) .
---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 3|269 .
(2) لاحظ : رسالتنا في خبر خطبة علي ابنة أبي جهل .
(3) تهذبب التهذيب 7|13 .
وأما خبر وفاتها فالعمدة فيه هو ابن سعد في ( الطبقات ) ، ولا بد من النظر فيه سنداً هنا ودلالة فيما بعد ،
وإن عمدة أسانيد هذا الخبر تنتهي إلى « عامر الشعبي » :
ترجمة الشعبي :
و « عامر الشعبي » ولد لست سنين خلت من خلافة عمر ، ومات بعد المائة ، فالخبر مرسل ، وكان الشعبي من قضاة بني مروان ،
وكان من المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام ، حتى دخل على الحجاج ونال من أمير المؤمنين عليه السلام ، فغضب منه الحسن البصري وجعل يعظه (1) .
وقد حمله الحقد والغضب على أن يقول : إنه عليه السلام لم يقرأ القرآن ولم يحفظه ، فرد عليه ذلك (2) وعلى أن يضع : « صلى أبوبكر الصديق على فاطمة بنت رسول الله فكبر عليها أربعا » ! و « أن فاطمة لما ماتت دفنها عليّ ليلا وأخذ بضبعي أبي بكر فقدّمه في الصلاة عليها » حتى اضطر ابن حجر إلى أنه يقول : « فيه ضعف وانقطاع » (3) .
وعلى أن يكذب مثل الحارث الهمداني وما ذلك إلأ لتشيعه ، حتى اعرض عليه بعضهم ، قال ابن حجر : « قال ابن عبد البرّ في كتاب العلم له لما حكى عن إبراهيم أنه كذب الحارث : أظن الشعبي عوقب بقوله في الحارث كذاب ، ولم يبن من الحارث كذبه » (4) .
ومنها ما ينتهي إلى : « عمار بن أبي عمار » :
---------------------------
(1) إحياء العلوم 2|346 .
(2) طبقات القراء 1|546.
(3) الإصابة 4|379 .
(4) تهذيب التهذيب 2|127 .
الرسائل العشرة _ 349 _
ترجمة عمار بن أبي عمار :
وقد قدح فيه جماعة من أئمة القوم في الجرح والتعديل كشعبة بن الحجاج والبخاري وابن حبّان وابن حجر العسقلاني (1)
ومنها ما ينتهي إلى « نافع مولى ابن عمر » :
ترجمة نافع :
وقول ابن عمر له : « إتق الله يا نافع ولا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس » مشهور مذكور في ترجمة نافع وعكرمة ، هذا مضافا إلى قول أحمد : « نافع عن عمر منقطع » (2) ومنها ما ينتهي إلى « عبدالله البهي » :
ترجمة عبدالله البهي :
وهو : عبد الله بن يسار ، قال ابن حجر : مولى مصعب بن الزبير . . . فالخبر مرسل ، ولقد روى هذا الرجل عن عائشة قائلا « حدثتني » فكذبه القوم وقالوا : إنما يروي عن عروة ،
ثم إن ابن أبي حاتم ذكره في العلل ونقل عن أبيه أنه لا يحتج بالبهي وهو مضطرب الحديث (3) .
وهلم معي . . . بعد النظر في أسانيد أخبار القصّة . . . إلى النظر في ألفاظها ودلالاتها . . . لنرى التضارب في الدلالة والتلاعب في اللفظ . . . في جمع مراحل القصة . . .
1 ـ لقد جاء في الأخبار المذكورة أن الإمام عليه السلام اعتل بالصغر وبأنه حبسها على ابن أخيه جعفر بن أبي طالب ، ففي رواية لابن سعد : « فقال عليّ : إنما حبست بناتي على أولاد جعفر » وعند الحاكم : « إني لأرصدها لابن أخي » وفي أخرى لابن سعد : « إنها صبية » وكذا عند ابي عبد البرّ والأثير وغيرهما، وعند البيهقي : « إنها لتصغر عن ذلك » .
ثم إنه لم يذكر فيها إلآ أن عمر « عاوده » فقال : « أنكحنيها فوالله ما على ظهر الأرض . . . فما كان منه عليه السلام ـ بحسب هذه الأخبار ـ إلاّ أن أرسلها إليه « لينظر إليها » . . . ! وأضيف في بعضها بانه أمربها « فزينت » أو« فصنعت » فبعثت إليه . . . فإن أعجبته ورضي بها فهي زوجة له . . . ! أترى أن ينقلب موقف الإمام عليه السلام من الامتناع لكونها صغيرة ، ولكونه قد حبسها لابن أخيه ـ ولعله لأسباب أخرى ايضا . . . غير مذكورة في الأخبار ـ ينقلب من الامتناع إلى الانصياع ، بهذه البساطة ، والى هذا الحدّ ؟ ! إن هذا ـ لعمري ـ يستوجب الشك ويستوقف الفكر ! .
الرسائل العشرة _ 351 _
ولكن قد تلوح للناظر في الروايات . . . هنا وهناك . . . بعض الحقائق التي حاول التكتم عنها في ك تب القدماء أصحابها . . .
ففي رواية الفقيه ابن المغازلي الشافعي ـ المتوفى سنة 483 هـ ـ باسناده عن عبد الله بن عمر ، قال : « صعد عمر بن الخطاب المنبر فقال : أيها الناس إنه ـ والله ـ ما حملني على الإلحاح على علي بن أبي طالب في ابنته إلا أني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) يقول : كل سبب ونسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري ، فانهما ياتيان يوم القيامة يشفعان لصاحبها » (1) .
يفيد هذا الخبر أن القضية كانت مورد تعجب من الناس وتساؤل في المجتمع ، الأمرالذي اضطر عمر إلى أن يعلن عن قصده في خطبة أم كلثوم ، ويحلف بالله بانه ليس إلا ما سمعه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأنه كان منه « الإلحاح » في ذلك . . . لكن لم يزد هذا اللفظ على « الإلحاح » شيئا ! فلم يوضح كيفية الإلحاح ، ولا ما كان من الإمام عليه السلام . . .
وفي رواية الخطيب : « خطب عمر بن الخطاب الى عليّ بن أبي طالب ابنته من
فاطمة وأكثر تردده إليه ، فقال : يا ابا الحسن ما يحملني عل كثرة ترددي اليك إلاحديث سمعته من رسول الله . . . » ففيه : « أكثر تردده اليه » .
وفي بعض الروايات ما يستشم منه التهديد ، ففي رواية لابن سعد قال عمر في جواب
قول الإمام عليه السلام : « إنها صبية » قال : « إنك والله ما بك ذلك ، ولكن
قد علمنا ما بك » وفي رواية الدولابي والمحب الطبري عن ابن إسحاق : « فقال
عمر : لا والله ما ذلك بك ، ولكن أردت منعي » (2) .
ولما وقع الخلاف بين أهل البيت في تزويجه وسمع عمر بمخالفة عقيل قال : « ويح عقيل ، سفيه أحمق » (3) .
---------------------------
(1) مناقب امير المؤمنين لابن المغازلي : 110 .
(2) ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى : 168 .
(3) مجمع الزوائد 4|272 .
الرسائل العشرة _ 352 _
وفي بعضها التصريح بما يدل على أنه كان لـ « درّة عمر » دور في القضية ، وذلك فيما أخرجه الدولابي بسنده عن أسلم مولى عمر قال : « فاستشار عليّ العباس وعقيلاً والحسن ، فغضب عقيل ، وقال عقيل لعليّ : ما تزيدك الأيام والشهور إلا العمى في أمرك ، والله لئن فعلت ليكونن وليكونن . فقال عليّ للعباس : والله ما ذاك من نصيحة ، ولكن درّة عمر أحرجته إلى ما ترى » (1) .
لكن أبا نعيم الأصفهاني روى هذا الخبر عن زيد بن أسلم عن أبيه ، فحذف منه مخالفة عقيل و « درّة عمر » وهذا لفظه : « عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : دعا عمر بن الخطاب عليّ بن أبي طالب فساره ، ثم قام عليّ فجاء الصفة فوجد العباس وعقيلاً والحسين فشاورهم في تزوّج أمّ كلثوم عمر. ثم قال عليّ : أخبرني عمر أنه سمع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي » (2) .
ثم إن في عدّة من الأخبار أن الإمام عليه السلام تعلل ـ بالإضافة إلى الصغر والحبس لابن أخيه ـ بأن قال : « إن لها أميرين معي » (3) يعني : الحسن والحسين ، وأنه عليه السلام استشارهما وعقيلا والعبّاس . . . فكان الخبر المذكور عن أسلم ظاهرا في سكوت الحسن عليه السلام الظاهر في الرضاء ، بل في آخر : « فسكت الحسين وتكتم الحسن ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أبتاه من بعد عمر؟ صحب رسول الله ، وتوفي وهو عنه راض ، ثم ولي الخلافة فعدل ؟ قال : صدقت يا بني ، ولكن كرهت أن أقطع أمرا دونكما » (4) . لكن ينافيه ما أخرجه البيهقي عن ابن ابي مليكة عن الحسن بن الحسن : « فقال عليّ رضي الله عنه لحسن وحسين : زوجا عمّكما ، فقالا : هي امرأة من النساء تختار لنفسها ، فقام عليّ رضي الله عنه مغضباً ، فامسك الحسن رضي الله عنه .
بثوبه وقال : لا صبر على هجرانك يا أبتاه ، قال : فزوجاه » (1) . فعمد بعضهم إلى تحريف القصة المكذوبة هذه فروى عن الحسن بن الحسن نفسه وقوع ذلك الخلاف حول تزويجها من عون فقال : « لما تايمت أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب من عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ دخل عليها الحسن والحسين أخواها فقالا لها . . . » (2) . وهو خبر طويل يشتمل على أكاذيب مخجلة وأباطيل مضحكة .
2 ـ قد عرفت اعتلال الإمام عليه السلام بالصغر في كثيرمن الأخبار . . . والذي يظهر منها أن عمر ما كان يصدقه عليه السلام في ذلك ، ولذا كان يعاوده ويكثر التردد إليه ويلح عليه . . . حتى وصل الأمر إلى التهديد ، بل في بعض الأخبار تصريح بذلك ، ففي رواية الدولابي والمحب الطبري : « قال : هي صغيرة ، فقال عمر : لا والله ما ذلك بك ، ولكن أردت منعي ، فإن كانت كما تقول فابعثها الي . . . » (3) .
ولما كان ذلك كلّه من عمر من القبح بمكان . . . أعرض بعضهم عن نقل الاعتلال
والإصرار والتهديد والتكذيب . . . كما لا يخفى على من راجع لفظ رواية الخطيب .
3 ـ قال ابن سعد عن الواقدي وغيره : « ثم أمر ببردٍ فطواه وقال : انطلقي بهذا . . . » .
وفي لفظ المحب الطبري عن ابن إسحاق : « فدعاها فاعطاها حلّة وقال : انطلقي بهذه . . . » وذلك « لينظر إليها » ، ولذا قالت لما رجعت إلى أبيها : « ما نشر البرد ولا نظر إلا إلي » ،
وهذا ما استقبحه بعضهم كسبط ابن الجوزي كما سيأتي . . .
ولم يتعرض له آخر في روايته . . . روى أبو بشر الدولابي : « فدعا أمّ كلثوم
وهي يومئذٍ صبيّة فقال : انطلقي إلى أميرالمؤمنين فقولي له : إن ابي يقرؤك السلام ويقول لك : إنا قد قضينا حاجتك التي طلبت . . . » .
وروى الخطيب : « خطب إلى عليّ أم كلثوم فقال : أنكحنيها ، فقال علي :
إني لأرصدها لابن أخي عبد الله بن جعفر ، فقال عمر : انكحنيها ، فو الله ما من
الناس أحد يرصد من أمرها ما أرصده ، فانكحه عليّ ، فاتى عمر المهاجرين . . . » .
4 ـ قضية أن علياً عليه السلام امر بأم كلثوم « فصنعت » كما في رواية ابن سعد عن
الواقدي ، و« فزيّنت » في رواية الخطيب عن عقبه بن عامر ، وانه « كشف عن
ساقها » في رواية ابن عبد البرّ وغيره عن الإمام الباقر ! ! فظيعة بالغة في الفظاعة إلى أبعد الحدود ! !
ألا يستحي هؤلاء الوضّاعون من نسبة هذه الصنيعة الشنيعة ـ التي لو
سمعها واحدّ من عوام الناس لنفر منها وآستنكرها ـ إلى إمام الأئمة؟ ! .
الرسائل العشرة _ 355 _
ألا يستحون من وضعها على لسان الإمام الباقر عليه إلسلام ؟ !
من هنا ترى بعضهم يحرّفون الكلمة كابن الأثير حيث ذكر : « ووضع يده عليها »
وكالدولابي والمحب الطبري حيث ذكرا في لفظ : « فأخذ عمر بذراعها » وفي
آخر : « فأخذها عمر فضمّها إليه » .
وبعضهم ـ كالحاكم والبيهقي ـ لم يذكروا شيئاً من ذلك . . . قال المحبّ الطبري بعد
حديث من ذاك القبيل : « وخرج ابن سمان معناه ولفظه مختصرا . . . » فكان
ما خرجه خلواً من ذلك (1) .
وبعضهم يكذب ذلك كلّه بصراحة كسبط ابن الجوزي ـ المتوفى سنة 654 هجرية ـ حيث يقول :
« وذكر جدّي في كتاب المنتظم : أن علياً بعثها إلى عمر لينظرها ، وأن عمر
كشف ساقها ولمسها بيده ،
قلت : وهذا قبيح والله ، لو كانت أمة لما فعل بها هذا ،
ثم بإجماع المسلمين لا يجوز لمس الأجنبية ، فكيف ينسب عمر إلى هذا ؟ ! » (2) .
قلت :
وليس اللمس فقط! ففي رواية الخطيب التقبيل والأخذ بالساق ! !
---------------------------
(1) انظر : ذخائر العقبى : 169 .
(2) تذكرة خواص الأمّة : 321 .
الرسائل العشرة _ 356 _
5 ـ قد اشتمل لفظ الخبر عند ابن اسعد وغيره على قول عمر للمهاجرين : « رفئوني
فرفّئوه »(1) ومعنى ذلك : « قولوا لي : بالرفاء والبنين » (2) .
سوكان هذا من رسوم الجاهلية التي نهى عنها رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلّم ) باتفاق
المسلمين : أخرج أحمد بإسناده قال : « تزوج عقيل بن أبي طالب ، فخرج علينا
فقلنا : بالرفاء والبنين فقال : مه ، لا تقولوا ذلك ، فإن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) قد نهانا عن ذلك وقال : قولوا بارك الله لك ، وبارك عليك ، وبارك لك فيها » (3)
ولأجل دلالة قول عمر هذا على جهله ! أو أنه كان يريد إحياء سنن الجاهلية ! !
اضطر القوم إلى تحريف الكلمة والتصرّف فيها ، ففي المستدرك :
« فاتى عمر المهاجرين فقال : ألا تهنوني » .
وفي سنن البيهقي :
« أتى . . . فدعوا له بالبركة » .
وفي تاريخ الخطيب لم ينقله أصلا . . . في رواية غير واحدٍ منهم أنها ولدت له « زيداً » .
---------------------------
(1) طبقات ابن سعد 8|463 ، كنز العمال 13|624 ، الاستيعاب وأُسد الغابة
والاصابة.
(2) ذخائر العقبى : 169 ، ولاحظ « رفأ » في لسان العرب وغيره .
(3) مسند احمد بن حنبل 3|451 ، وأنظر : وسائل الشيعة 14|183 .
الرسائل العشرة _ 357 _
6 ـ وفي رواية سعد وجماعة : « ولدت له زيد بن عمر ورقية بنت عمر » .
وفي رواية النووي في ولد عمر : « وفاطمة وزيد ، امّهما أم كلثوم . . . » (1)
وفي رواية ابن قتيبة في بنات عليّ : « ولدت له ولدا قد ذكرناهم » ((2)
7 ـ أكثر الأخبار على أن ام كلثوم تزوج بها بعد عمر : « عون » و « محمد » ابنا
جعفر بن أبي طالب . . .
ولكن القائلين بتزوجهما بها بعده يقولون بأن الرجلين قُتلا في حرب تستر ، وهذه الحرب كانت في عهد عمر !
قال ابن عبد البرّ : « عون بن جعفر بن أبي طالب ، ولد على عهد رسول الله
( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، أمه وأمّ أخويه عبدالله ومحمد بني جعفر بن أبي طالب
: أسماء بنت عميس الخثعمية،
واستشهد عون بن جعفر وأخوه محمد بن جعفر بتستر. ولا عقب له » (3)
وقال : « محمد بن جعفر بن أبي طالب ، ولد على عهد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم . . . هو الذي تزوّج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بعد موت عمر ابن الخطاب . . .
واستشهد محمد بن جعفر بتستر » (1) .
وقال ابن حجر : « استشهد عون بن جعفر في تستر ، وذلك في خلافة عمر ، وما له
عقب » (2)
وكذا قال ابن الأثير (3)
وأما أن تلك الحرب كانت في عهد عمر فذاك ما نص عليه المؤرخون (4) وصرح به
ابن حجر في عبارته السالفة ،
فانظر إلى تناقضات القوم وتعجب ! !
8 ـ واختلفت رواياتهم . . . فابن سعد والدارقطني ـ كما في الإصابة ـ يذكران أن عوناً
مات عنها ، فتزوجها أخوه محمد ، ثم مات عنها محمد فتزوجها عبد الله ، فروى ابن سعد أنها قالت : إني لأستحي من أسماء بنت عميس ، إن ابنيها ماتا عندي ، وإني لأتخوف
على هذا الثالث . فهلكت عنده » (5).
---------------------------
(1) الاستيعاب : 3|1367 .
(2) الأصابة 3|44 .
(3) أُسد الغابة 4|157 .
(4) تاريخ الطبري 4|213 ، الكامل في التاريخ 2|546 وغيرهما .
(5) الطبقات الكبرى 8|462 .
الرسائل العشرة _ 359 _
لكن ابن قتيبة يذكر : أنه لما قتل عمر تزوجها محمد بن جعفر فمات عنها ، ثم تزوجها
عون بن جعفر ، فماتت عنده » (1)
فتراه يذكر تزوج محمد بن جعفر بها قبل عون ، وموتها عند عون ، ولا يذكر عبدالله
. . .
وابن عبد البرّ ـ وإن لم يتعرض بترجمتها لزواجها بعد عمر أصلاً ، ولا لتزوّج عون بها بترجمته ـ يذكر بترجمة محمد بن جعفر : او محمد بن جعفر بن أبي طالب هذا هو الذي تزوج أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب بعد موت عمر بن الخطاب (2)
9 ـ وعبدالله بن جعفر . . . كان زوج العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام ،
وكانت تحته حتى وفاتها بعد واقعة الطف :
قال ابن سعد : « زينب بنت عليّ بن أبي طالب . . . تزوجها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب ، فولدت له علياً وعونا الأكبر وعبّاساً ومحمداً وأم كلثوم ،
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، قال : حدّثني عبد الرحمن
بن مهران : أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب تزوج زينب بنت عليّ ، وتزوج معها
امرأة عليّ ليلى بنت مسعود ، فكانتا تحته جميعاً » (3)
وقال النووي بترجمة عبد الله بعد ذكر أسماء أولاده : « أمهم زينب بنت عليّ ابن
أبي طالب من فاطمة بنت رسول الله » (1)
وقال ابن حجر : « زينب بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمية ، سبطة
رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أمها فاطمة .
قال ابن الأثير : إنها ولدت في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) وكانت عاقلة لبنت
خولة ، زوجها أبوها ابن أخيه عبد الله بن جعفر ، فولدت له أولاداً ، وكانت مع أخيها لما قتل ، فحملت إلى دمشق ، وحضرت عند يزيد بن معاوية ، وكلامها ليزيد بن معاوية حين
طلب الشامي أختها فاطمة مشهور ، يدل على عقل وقوة جنان » (2)
وعلى هذا . . . فلو كانت ام كلثوم المتوفاة على عهد معاوية هي أم كلثوم بنت أمير
المؤمنين عليه السلام ، وأنها كانت زوجة عبدالله بعد أخويه . . . كما تقول تلك
الأخبار . . . كان معنى ذلك جمع عبد الله بن جعفر بين الأختين . . . وهذا مّما لا
يجوز وقوعه ، ولا يجوز التفوّه به . . . ولذا قال ابن سعد : « فخلف عليها أخوه
عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بعد أختها زينب بنت علي بن أبي طالب » .
10 ـ واختلفت أخبارهم في موتها والصلاة عليها . . . حتى الواحد منهم اختلفت أخباره !
فابن سعد يروي عن الشعبي وعبدالله البهيّ الصلاة عليها وعلى ولدها زيد
« صلى عليهما ابن عمر » ويروي عن عمار بن أبي عمار ونافع : « صلى عليهما سعيد بن العاص » وفى رواية بعض المؤرخين عن عمار المذكور : « سعد بن أبي وقاص » (1)
ثم أيّاً من كان المصلّي . . . فالأخبار دالة على وفاتها في عهد معاوية ، للتصريح فيها بصلاة الحسن الحسين خلف الإمام . . . لكن الثابت في التاريخ أن أم كلثوم بنت أمير المؤمنين شهدت واقعة الطف ـ مع أختها زينب ـ وخطبت الخطبة المعروفة في الكوفة المذكورة في الكتب ، ذكرها ابن طيفور ـ المتوفى سنة 280 هجرية ـ في كتابه « بلاغات النساء » وأشار إليها ابن الأثير وغيره من كبار العلماء والمحدّثين في لفظه « فرث » من كتبهم كالنهاية ولسان العرب وتاج العروس . . .
ولعلّه لذا جاء في رواية أبي داود عن عمار : « أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها ، فجعل الغلام مما يلي الإمام ، فأنكرت ذلك ، وفي القوم ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو قتادة وأبو هريرة ، قالوا : هذه السنة » (2)
فروى الخبر بلا ذكرٍ للإمام ، ولا أن أم كلثوم هذه من هي ؟ وابنها من هو ؟
وفي رواية النسائي عن عمار : « حضرت جنازة صبي وامرأة ، فقدّم الصبي مما يلي الإمام ، ووضعت المرأة وراءه ، وصليّ عليهما وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة ـ رضي الله عنهم ـ فسألتهم عن ذلك ، فقالوا : السنة » (3)
فروى نفس الخبر . . . بلا ذكر للإمام ، ولا اسم الميتين ، وهل كان بين المرأة والصبي نسبة أو لا ؟
---------------------------
(1) تاريخ الخميس 2|249 .
(2) سنن أبي داود 2|66 .
(3) سنن النسائي 4|71 .
لقد استعرضنا أسانيد خبرتزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنته من عمر ابن الخطاب . . . والأخبار الأخرى المتعلقة بكريمة أهل البيت الأطهار الأطياب . . . فلم نجد فيها سندا يجوز الاحتجاج به والركون إليه .
ثم حققنا نصوص الأخبار ومتونها ، ودققنا النظر في كلمات القوم وأقوالهم . . .
فوجدناها متضاربة متكاذبة . . . فكانت ناحية الدلالة دليلاً آخر على أن لا أصل للقضية ،
وأغلب الظن . . . أن القوم لما رأوا أن عمر بن الخطاب من رواة حديث : « كل
سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي » الدال على فضيلة ومنقبة لأهل البيت
وعليّ عليه السلام خاصة ، حتى أن الحاكم أورده في فضائل عليّ كما قال المنّاوي
(1)
عمدوا إلى وضع قصة خطبة عمر ابنة عليّ وربطوا الحديث المذكور بها
. . . ومما يشهد بما ذكرنا أن غير واحد من كبار محدّثي القوم يروون عنه الحديث مجردّا عن
تلك القصة ، كما يروونه عن غيره :
قال المتقي : « كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ، طب ك هق
عن عمر ، طب عن ابن عبّاس وعن المسور ،
كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامه إلا نسبي وصهري ، ابن عساكر عن ابن عمر » (2)
وقال إبن المغازلي : « قوله عليه السلام : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة الحديث » ثم رواه بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر ، وبإسناده عن
عمرو بن دينار عن سالم عن ابن عمر ، وبإسناده عن الثوري عن الإمام جعفر بن
محمد . . . » (1)
ونظير هذا حديث : « فاطمة بضعة مني . . . » الوارد عن غير واحد من
الصحابة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في أكثرمن موضع ، فان بعضهم لما
رأى ما في هذا الحدّيث الثابت المخرج في الصحاح من دلالات في أبعاد مختلفة . . .
عمد إلى وضع قصّة خطبة عليّ ابنة أبي جهل وربط الحديث بها . . . (2)
ثم إن هذه خطبة . . . وتلك خطبة . . .
لكن خطبة عمر كانت لابنة عليّ عليه السلام . . . وخطبة عليّ كانت لابنة أبي جهل ! ! .
وخطبة عمر كانت مصاهرة لفاطمة الزهراء . . . وخطبة علي كانت إيذاء لفاطمة الزهراء ! ! .
وخطبة عمر كانت لما سمعه من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من قوله : كل سبب
ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي . . . وخطبة عليّ كانت مخالفة للنبي
ومقاطعة له . . . حتى طالبه بطلاق ابنته ! ! ،
وعلى الجملة . . . فقد عرفت حال أخبار القصة سندا . . . فرواتها بين « مولى
عمر » و « قاضي الزبير » و « قاتل عمار » و « علماء الدولة الأموية »
ورجال أسانيدها بين « كذّاب » و « وضاع » و « ضعيف » و « مدلّس » . . .
---------------------------
(1) مناقب أمير المؤمنين : 110 .
(2) لاحظ رسالتنا في هذا الموضوع .
الرسائل العشرة _ 364 _
فهذا حال رواتها وأسانيدها . . . وأغلب الظن كون السبب في وضعها وحكايتها ما ذكرناه . . . لا سيّما . . . وبعض الرواة مشترك في القصّتين . . .
فإن قيل :
وهل بعد ذلك كلّه من وجه احتمال توجّه به أخبار القصّة على فرض صحتها سنداً ، لا
سيما والقصة مشهورة بين العامة ، وبها روايات عن طريق الخاصة وإن كانت شاذة ؟
قلت :
قد اشتملت الأخبار المذكورة على ما لا يجوز تصديقه بحال من الأحوال :
كالذي رووه من إرسال الإمام عليه السلام إياها ببرد « لينظر إليها » وأنه أمر بها
« فزينت » أو « فصنعت » ونحو ذلك ، والدليل على ذلك واضح .
ومن وفاتها على عهد معاوية . . . بدليل ثبوت وجودها في واقعة الطف ومواقفها
المشهودة فيها ،
وعليه ، فالتي ماتت وولدها زيد معاً في يوم واحد . . . وصلى عليهما فلان أو
فلان . . . هي زوجة أخرى من زوجات عمر ، سواء كان اسمها أم كلثوم ـ فقد كان
غير واحدة من زوجاته اسمها أو كنيتها أم كلثوم ـ أو لم يكن .
ويؤكد هذا الاحتمال ـ على فرض صحّة الأسانيد ـ روايات أبي داود والنسائي وغيرهما
. . .
وعلى هذا فلا مستند لما قالوا من أن أمّ كلثوم بنت الإمام عليه السلام ولدت لعمر « زيدا » . . . إذ ليس إلا الأخبار المذكورة ، وقد عرفت حالها . . .
كما أنه لا مستند لما ذكروا من أنها ولدت له بنتا . . . مع اختلافهم فيها وفي اسمها . . .
ويؤكد ذلك ما ذكره غير واحد من علماء الإسلام من أنّ عمر مات عنها صغيرة !
منهم الشيخ أبو محمد النوبختي من قدماء العلماء الإمامية حيث قال في كتاب الإمامة له
: « إن أم كلثوم كانت صغيرة ، ومات عمر قبل أن يدخل بها » (1)
ومنهم : الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي الزرقاني المالكي ـ المتوفى سنة
1122 هـ ـ (2) . . . فإنه قال في معنى قرابة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) :
« والمراد بالقرابة من ينتسب إلى جده الأقرب وهو عبد المطلب لقوله : من صنع
إلى أحد من ولد عبد المطلب يداً فلم يكافئه بها في الدنيا فعليّ مكافاته غداً إذا لقيني .
رواه الطبراني في الأوسط عن عثمان ـ رضي الله عنه ـ .
---------------------------
(1) بحار الأنوار 42|91 .
(2) توجد ترجمته في سلك الدرر في اعلام القرن الثاني عشر 4|32 .
الرسائل العشرة _ 365 _
فخرج بذلك من انتسب إلى من فوق عبد المطلب ، كأولاد عبد مناف ، أو من يساوية
كأولاد هاشم إخوة عبد المطلب ، أو انتسب له ولا صحبة له ولا رؤية ، ولعله ليس
بمراد ممن صحب النبي منهم أو رآه من ذكر وأنثى ، وهو عليّ وأولاد الحسن
والحسين ومحسن ـ بميم مضمومة فحاء مفتوحة فسين مكسورة مشددة مهملتين ـ وأم
كلثوم زوجة عمر بن الخطاب ، ومات عنها قبل بلوغها ، فتزوجها عون بن جعفر فمات
عنها ، فتزوج بأخيه محمد ثم مات ، فتزوجها أخوهما عبد الله ثم ماتت عنده ، ولم تلد
لواحد من الثلاثة سوى لمحمد ابنة ماتت صغيرةً ، فلا عقب لأمّ كلثوم ، كما قدم
المصّنف في المقصد الثاني » (1)
وقد يشهد به على فرض ثبوت أصل التزويج اصرار عمر على أن ألغرض من خطبة أن يكون صهراً للنبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) . . . وقوله في بعض الألفاظ : « أحب أن يكون عندي عضو من أعضاء رسول الله » وتأكيده في بعض آخر
: « اني لم أرد الباه » . . .
الخبر في روايات الإماميّة (2)
لقد أشرنا ـ في السؤال ـ إلى شهرة خبر تزويج اُمّ كلثوم من عمر بن الخطاب ، والى وجود رواياتٍ به في كتب أصحابنا ، ولكن ـ
وبالرّغم من الشهرة والروايات ـ نجد جمعاً من أكابرنا ينكرون الخبر من أصله ، كما لا يخفى على من راجع رسائل الشيخ المفيد
والسيد المرتضى والسيد ناصر حسين نجل صاحب عبقات الأنوار وغيرهم ، في هذا الموضوع .
إلا أنا نؤكد على أن ما ورد بسند معتبر من طرقنا لا يدلّ إلا على ما ذكرناه في جواب السؤال ، ونقلنا فيه كلام النوبختي من
أصحابنا ، والزرقاني من أهل السنة . . . فلنذكر تلك الأخبار :
1 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام : « في تزويج ام كلثوم ، فقال : إن ذلك فرج غصبناه » .
2 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « لما خطب إليه قال له أمير المؤمنين : إنها صبية ، قال : فلقي العباس فقال
له : ما لي ؟ أبي بأس ؟ قال : وما ذاك ؟ قال : خطبت إلى ابن أخيك فردني ، أما والله لأعودن زمزم ، ولا أدع لكم
مكرمة إلا هدمتها ، ولأقيمن عليه شاهدين بانه سرق ، ولأقطعن يمينه ، فأتاه العباس
---------------------------
(1) شرح المواهب اللدنية ـ مبحث قرابة النبي 7|9 .
(1) أضفنا هذا الفصل بطلب من بعض أهل الفضل ، تتميماً للبحث ـ حيث كان على ضوء روايات أهل السنة فقط ـ وشرحاً لما
أوجزناه في الجواب عن « فإن قيل » .
الرسائل العشرة _ 366 _
فأخبره ، وسأله أن يجعل الأمر إليه ، فجعله إليه » (1) .
3 ـ عن سليمان بن خالد وغيره ـ واللّفظ له ـ « سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأةٍ توفي زوجها ، أين تعتد ؟ في بيت
زوجها تعتد أو حيث شاءت ؟ قال : بلى ، حيث شاءت ، ثم قال : إن عليا عليه السلام لما مات عمر أتى أم كلثوم ، فأخذ بيدها
، فانطلق بها إلى بيته » (2) .
فنقول ـ بناء على قبول هذه الروايات ـ : إنه ليس للخصم إلزامنا بها ، لأن غاية ما أفادته وقوع العقد بعد التهديد والتوعيد ، ثم
انتقال البنت إلى دار عمر ، ثم موته عنها ومجىء الإمام عليه السلام إلى داره وأخذه بيدها وانطلاقه بها إلى بيته ، ولعل في جملة
« فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته » شهادة بما صرّح به غير واحد من علماء الإسلام من انه مات عنها قبل بلوغها ،
فأي فضيلة لعمر في هذا ؟ وأي غضاضة على أمير المؤمنين وأهل البيت ؟ وهل يدل وقوع هكذا تزويج على المصافاة والمحاباة ؟
واذا كان عمر قد هدّد أمير المؤمنين بما في الخبر ، لأجل هذا « الغصب » ، فما كان تهديده لأجل غصب « الخلافة »
فاضطر أمير المؤمنين وأتباعه إلى السكوت وإلى البيعة عن إكراه ؟
بل لقد كان هذا « الغصب » لإزالة اثار ذاك « الغصب » ! !
ومن « عمر » تعلّم « الحجاج » ! !
إقرأ الرواية التالية :
« قال محمد بن إدريس الشافعي : لما تزوج الحجاج بن يوسف إبنة عبد الله ابن جعفر ، قال خالد بن يزيد بن معاوية لعبد
الملك بن مروان :
أتركت الحجاج يتزوج إبنة عبد الله بن جعفر ؟
قال : نعم ، ما بأس بذلك .
قال : أشد البأس والله .
قال : وكيف ؟
قال : والله ـ يا أمير المؤمنين ـ لقد ذهب ما في صدري على الزبير منذ تزوّجت رملة بنت الزبير .
قال : فكأنه كان نائما فأيقظه .
قال : فكتب إليه يعزم عليه في طلاقها. فطلّقها » (3) .
---------------------------
(1) الكافي ، كتاب النكاح 5|346 .
(2) الكافي ، كتاب الطلاق 6|115 ، وقد وردّت هذه الرواية في الكتب الفقهية لاشتمالها على الحكم المذكور فيها .
(3) مختصر تاريخ دمشق 6|205 .
قد عرفت أن أمير المؤمنين عليه السلام كان قد حبس بناته لأبناء أخيه جعفر ، بل إن ذلك كان بأمر من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) فقد « نظر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى أولاد عليّ وجعفر عليهما السلام فقال : بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا »
(1) .
وفي خصوص أم كلثوم جاء في حديث : « خطب عمر إلى علي ابنته امّ كلثوم فأعتل عليّ بصغرها وقال : أعددتها لابن
اخي ، يعني جعفراً » (2) .
فلم يعين الابن . . . لكن الأمر يدور بين « عون » و « محمد » لأن « عبد الله » كان أكبرهم سناً وقد زوّجة ابنته « زينب » كما تقدم ،
فأما « عون » فلم أجد خلافاً بين علماء أهل السنة ـ والكلام كله يدور على أخبارهم وأقوالهم ـ في أنه قتل يوم تسترعلى عهد عمر ، والمفروض ـ بحسب تلك الأخبارعلى فرض صحتهاـ كونها في عقد عمر .
أما « محمد » فقال ابن الحجر : « ذكر أبو عمر عن الواقدي أنه يكنى أبا القاسم ، وأنه تزوج أم كلثوم بنت عليّ بعد عمر ، قال : واستشهد بتستر ،
وقيل : إنه عاش إلى أن شهد صفين مع عليّ ، قال الدارقطني في كتاب الإخوة : يقال : إنه قتل بصفين ، اعترك هو وعبيد الله بن عمر بن الخطاب فقتل كل منهما الآخر .
وذكر المرزباني في معجم الشعراء : أنه كان مع أخيه محمد بن أبي بكر بمصر ، فلمّا قتل اختفى محمد بن جعفر ، فدل عليه رجل من عك ثم من غافق ، فهرب إلى فلسطين ، وجاء إلى رجل من أخواله من خثعم ، فمنعه من معاوية ، فقال في ذلك شعراّ ،
وهذا محقق يرد قول الواقدي أنه استشهد بتستر » (3) .
وعلى هذا يكون هو الذي تزوج أم كلثوم بعد موت عمر ـ على الفرض المذكور ـ وعليه نص ابن عبد البرّ كما تقدّم .
اما « عبدالله » فمن الممكن أن يكون قد تزوج بها بعد زوجها وبعد موت « زينب » زوجته ، لأنه بقي حياً إلى سنة ثمانين وهو ابن تسعين سنة كما اختاره ابن عبد البرّ (4) .
---------------------------
(1) من لا يحضره الفقيه 3|393 باب الأكفاء .
(2) ذخائر العقبى : 169 ، كنز العمّال 13|624.
(3) الإصابة 3 |372 .
(4) الاستيعاب 3|881 .