مقتل الحسين بن عليّ ( صلوات الله عليهما وسلامه )
  ( 47 / ب ) قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدّثنا ابن أبي ذئب ، قال : حدثني عبد الله بن عمير مولى اُم الفضل .
  قال : وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ، عن أبيه .
  قال : وأخبرنا يحيى بن سعيد بن دينار السعدي ، عن أبيه .
  قال : وحدّثني عبد الرحمان بن أبي الزناد ، عن أبي وجرة السعدي ، عن علي ابن حسين .
  قال : وغير هؤلاء قد حدّثني .
  قال محمد بن سعد : وأخبرنا علي بن محمد ، عن يحيى بن اسماعيل بن أبي المهاجر ، عن أبيه .
  وعن لوط بن يحيى الغامدي ، عن محمد بن بشير الهمداني ، وغيره .
  وعن محمد بن الحجاج ، عن عبدالملك بن عمير .
  وعن هارون بن عيسى ، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه .
  وعن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن مجالد ، عن الشعبي .
  قال ابن سعد : وغير هؤلاء أيضاً قد حدّثني في هذا الحديث بطائفة ، فكتبت جوامع حديثهم في مقتل الحسين رحمة الله عليه ورضوانه وصلواته وبركاته .
  قالوا : لمّا بايع معاوية بن أبي سفيان ليزيد بن معاوية كان حسين بن علي بن أبي طالب ممن لم يبايع له .
  وكان أهل الكوفة يكتبون إلى حسين يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية كل ذلك يأبى. فقدم منهم قوم إلى محمد بن الحنفية فطلبوا إليه أن يخرج معهم فأبى ، وجاء إلى الحسين فاخبره بما عرضوا عليه ، وقال : انّ القوم إنّما يريدون أن يأكلوا بنا ، ويشيطوا دماءنا .
  فأقام حسين ( 48 / أ ) على ما هو عليه من الهموم ، مرة يريد أن يسير إليهم ومرة يجمع الإقامة .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 38 _

  فجاءه أبوسعيد الخدري ، فقال : يا أبا عبد الله إنّي لكم ناصح ، وإنّي عليكم مشفق ، وقد بلغني أنّه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم ، فلا تخرج ، فإنّي سمعت أباك رحمه الله يقول بالكوفة : والله لقد مللتهم وابغضتهم ، وملّوني وابغضوني ، وما بلوت منهم وفاء ، ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب ، والله ما لهم(1) ثبات ، ولاعزم أمر ، ولا صبر على السيف .
  ;قال : وقدم المسيّب بن نجبة الفزاري وعدّة معه إلى الحسين بعد وفاة الحسن فدعوه إلى خلع معاوية ، وقالوا : قد علمنا رأيك ورأي أخيك .
  فقال : إنّي أرجو أن يعطي الله أخي على نيّته في حبه الكف ، وان يعطيني على نيّتي في حبي جهاد الظالمين .
  وكتب مروان بن الحكم إلى معاوية : إنّي لست آمن أن يكون حسين مرصداً للفتنة ، واظنّ يومكم من حسين طويلاً .
  فكتب معاوية إلى الحسين : إنّ من أعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء ، وقد اُنبئت أنّ قوماً من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق ، وأهل العراق من قد جرّبت ، قد أفسدوا على أبيك وأخيك ، فاتّق الله! واذكر الميثاق ، فإنّك متى تكدني أكدك .
  فكتب إليه الحسين : أتاني كتابك وأنا بغير الذي بلغك عنّي جدير ، والحسنات لا يهدي لها إلاّ الله ، وما ( 48 / ب ) أردت لك محاربة ولا عليك خلافاً ، وما أظنّ لي عند الله عذراً في ترك جهادك ، وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر الاُمّة .
  فقال معاوية : ان أثرنا بأبي عبد الله إلاّ أسداً .
  وكتب إليه معاوية أيضاً في بعض ما بلغه عنه : انّي لأظنّ انّ في رأسك نزوة ! فوددت انّي أدركتها فأغفرها لك .
---------------------------
(1) في الأصل يقرأ : نيات .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 39 _

  قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن جويرية بن أسماء ، عن مسافع بن شيبة ، قال : لقي الحسين معاوية بمكة عند الردم فأخذ بخطام راحلته فأناخ به ، ثم سارّه حسين طويلاً ، وانصرف .
فزجر معاوية راحلته ، فقال له يزيد : لا يزال رجل قد عرض لك فأناخ بك ، قال : دعه فلعلّه يطلبها من غيري فلا يسوّغه فيقتله .
  رجع الحديث إلى الأول :
  قال : ولما حضر معاوية دعا يزيد بن معاوية فأوصاه بما أوصاه به ، وقال : اُنظر حسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم) ، فانّه أحبّ الناس إلى الناس ، فصل رحمه وارفق به ، يصلح لك أمره ، فان يك منه شيء فاني أرجوا أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه .
  وتوفّي معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستين وبايع الناس ليزيد .
  فكتب يزيد مع عبدالله بن عمرو بن اويس العامري ( 49 / أ ) ـ عامر ابن لؤي ـ إلى الوليد بن عقبة بن أبي سفيان وهو على المدينة : أن ادع الناس فبايعهم ، وابدأ بوجوه قريش وليكن أول من تبدأ به الحسين بن علي ، فإنّ أمير المؤمنين عهد إليّ في أمره الرفق به واستصلاحه .
  فبعث الوليد بن عقبة من ساعته ـ نصف الليل ـ إلى الحسين بن علي وعنده عبد الله بن الزبير فاخبرهما بوفاة معاوية ودعاهما إلى البيعة ليزيد! فقالا : نصبح وننظرما يصنع ( الناس ) .
  ووثب الحسين فخرج وَخرج معه ابن الزبير ، وهو يقول: هو يزيد الذي تعرف ، والله ما حدث له حزم ولا مروءة .
  وقد كان الوليد أغلظ للحسين فشتمه الحسين واخذ بعمامته فنزعها من رأسه ، فقال الوليد : ان هجنا بأبي عبد الله إلاّ أسدا .
  فقال له مروان ـ أو بعض جلسائه ـ : اقتله ! قال : انّ ذاك لدم مظنون في بني عبد مناف .
  فلمّا صار الوليد إلى منزله قالت له امراته أسماء بنت عبد الرحمان بن الحارث بن هشام : أسببت حسينا ؟ ! قال : هو بدأ فسبّني ! قالـت : وان سبّك تسبّه ؟ ! وان سبّ أباك تسبّ أباه ؟ ! وخرج الحسين وعبد الله بن الزبير من ليلتهما إلى مكة ، فاصبح الناس فغدوا على البيعة ليزيد ! وطُلب الحسين وابن الزبير فلم يُوجدا ، فقال المسوّر بن مخرمة : عجّل أبو عبد الله ، وابن الزبير الآن يلفته ويزجيه إلى العراق ليخلو ( 49 / ب ) بمكة .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 40 _

  فقدما مكة ، فنزل الحسين دار العباس بن عبدالمطلب ، ولزم ابن الزبير الحجر ولبس المعافري وجعل يحرّض الناس على بني اُميّة .
  وكان يغدو ويروح إلى الحسين ويشير عليه أن يقدم العراق ! ويقول : هم شيعتك وشيعتك أبيك .
  وكان عبد الله بن عباس ينهاه عن ذلك ، ويقول : لا تفعل .
   وقال له عبد الله بن مطيع(1): أي فداك أبي واُمّي متّعنا بنفسك ، ولا تسر إلى العراق ، فوالله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذنّا خولاً وعبيداً .
---------------------------
(1) ترجم ابن سعد في الطبقات 5 : 144 لعبد الله بن مطيع هذا ، وقال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدّثني عبد الله بن جعفر بن أبي عون ، قال : لما خرج حسين بن علي من المدينة يريد مكة مرّبابن مطيع وهو يحفر بئره ، فقال له : أين فداك أبي واُمّي ؟ قال : أردت مكة . . . وذكر له انّه كتب إليه شيعته بها ، فقال له ابن مطيع : انى فداك أبي واُمي ، متعنا بنفسك ولا تسر إليهم ، فأبي حسين ، فقال له ابن مطيع : إنّ بئَري هذه قد رشحتها وهذا اليوم أوان ما خرج إلينا في الدلو شيء من ماء ، فلو دعوت الله لنا فيها بالبركة ، قال : هات من مائها ، فاتي من مائها في الدلو فشرب منه ثمّ مضمض ثمّ ردّه في البئر فأعذب وأمهي .
حدّثنا محمد بن سعد ، قال : أخبرنا محمد بن عمر ، عن عبد الله ، عن أبيه ، قال : مرّ حسين بن علي على ابن مطيع وهو ببئره قد انبطها ، فنزل حسين عن راحلته فاحتمله ابن مطيع احتمالاً حتى وضعه على سريره ، ثمّ قال : بأبي واُمّي أمسك علينا نفسك ، فوالله لئن قتلوك ليتّخذنّا هؤلاء القوم عبيداً.
ورواه ابن العديم في ترجمة الحسين ( عليه السلام ) من كتابه بغية الطلب في تاريخ حلب ، المجلد : 7 الورقة 51 / أ بإسناده عن ابن سعد .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 41_

  ولقيهما عبد الله بن عمرو عبد الله بن عيّاش(1)بن أبي ربيعة بالأبواء منصرفين من العمرة ، فقال لهما ابن عمر : اُذكّركما الله إلاّ رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس ! .
  وتنظروا ، فإن اجتمع الناس عليه لم تشذّا ، وإن افترق عليه كان الذي تريدان ! وقال ابن عمر للحسين : لا تخرج ، فانّ رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) خيّره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ، وانت بضعة منه ولا تنالها ـ يعني الدنيا ـ ، فاعتنقه وبكى وودّعه .
  فكان ابن عمر يقول : غلبنا حسين بن علي بالخروج ، ولعمري لقد رأي في أبيه وأخيه عبرة ، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرّك ما عاش ، وان يدخل في صالح ما دخل فيه الناس فانّ الجماعة خير ! ! وقال له ابن عياش : أين تريد يابن فاطمة ؟ قال : العراق وشيعتي ، ( 50 / أ ) فقال : انّي لكاره لوجهك هذا ، تخرج إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك حتى تركهم سخطة وملّة لهم ، اُذكّرك الله أن تغرّر بنفسك .
  وقال أبو سعيد الخدري : غلبني الحسين على الخروج ، وقد قلت له : اتق الله في نفسك ! والزم بيتك ، فلا تخرج على إمامك ! !(2) .
  وقال أبو واقد الليثي : بلغني خروج حسين فادركته بملل ، فناشدته الله ان لا يخرج ، فانّه يخرج في غير وجه خروج ، انّما يقتل نفسه ، فقال : لا أرجع .
---------------------------
(1) هو عبد الله بن عيّاش بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي الزرقيّ ـ بضمّ الزاي وفتح الراء ، نسبة إلى بني زريق ، مصغّراً ـ : ترجم له في اُسد الغابة 3 / 240 وقال : وُلد بأرض الحبشة ، وروى عن النبي .
قال ابن حجر في الإصابة 2 / 349 : ذكره الباوردي في الصحابة وأورد من طريقه خبراً في صفة علي موقوفاً .
وبنو عمّه هم : خالد بن الوليد وابنه عبد الرحمان وأضرابهم من المنافقين من مبغضي علي ( عليه السلام ).
(2) لقد جوزي أبوسعيد الخدري عن إمامه يزيد ! خيراً يوم الحرّة حيث صرعه جيشه على الأرض ونتفوا لحيته شعرةً شعرة .
ولا بدّ أن يكون في الأبكار المفتضّات يوم أباح إمامه المدينة لجيشه ثلاثه أيام غير واحدة من قرائب أبي سعيد وأرحامه .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 42 _

  وقال جابر بن عبد الله : كلّمت حسيناً ، فقلت : اتق الله ! ولا تضرب الناس بعضهم ببعض ! ! فوالله ما حمدتم ما صنعتم ؟ ! فعصاني(1).
  وقال سعيد بن المسيب : لو ان حسيناً لم يخرج لكان خيراً له ! وقال أبو سلمة بن عبد الرحمان : قد كان ينبغي لحسين أن يعرف أهل العراق ولا يخرج اليهم ، ولكنّ شجّعه على ذلك ابن الزبير .
  وكتب إليه المسوّر بن مخرمة : اياك ان تغّتر بكتب أهل العراق ، ويقول لك ابن الزبير : إلحق بهم فانّهم ناصروك ، اياك أن تبرح الحرم ، فانّهم ان كانت لهم بك حاجة فسيضربون إليك اباط الإبل حتى يوافوك فتخرج في قوة وعدة ، فجزّاه خيراً وقال : أستخيرالله في ذلك .
  وكتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظّم عليه ما يريد أن يصنع ، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة ! وتخبره انّه انّما يساق إلى مصرعه ، وتقول : اشهد لحدّثتني ( 50 / ب ) عائشة انّها سمعت رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : يقتل حسين بأرض بابل ، فلمّا قرأ كتابها قال : فلا بدّ لي إذاً من مصرعي ، ومضى .
  وأتاه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فقال : يابن عم ان الرحم تضارّني عليك ، وما أدري كيف أنا عندك في النصيحة لك ، قال : يا أبا بكر ما أنت ممّن يستغشّ ولا يتهم ، فقل .
  فقال : قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك وأنت تريد أن تسير إلهيم وهم عبيد الدنيا ، فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك ، ويخذلك من أنت أحبّ إليه ممّن ينصره ، فاذكّرك الله في نفسك .
  فقال : جزاك الله يابن عم خيراً ، فلقد اجتهدت رأيك ، ومهما يقضي الله من أمر يكن .
  فقال أبو بكر : إنّا لله ، عند الله نحتسب أبا عبد الله .
---------------------------
(1) هذا تقوّل على جابر وافتراء ، فإنّ جابراً يجلّ عن مثل هذا الكلام وقد ورد في رواياتنا في مدحه عن الصادق ( عليه السلام ) : كان رجلاً منقطعاً إلينا أهل البيت .
وقد شهد هو صفّين مع أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) فكيف ينسب إليه هذا الهذيان ؟ ! ثمّ كان جابر ـ رحمه الله ـ أول من زار قبر الحسين ( عليه السلام ) قصده من المدينة إلى كربلاء ووافاه يوم الأربعين من مصرعه ( عليه السلام ) .
ولعلّه صدر عن بعض الأمويين أو الخوارج أو بعض المنافقين فنسبه الراوي خطأ إلى جابر
.

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 43 _

  وكتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إليه كتاباً يحذّره أهل الكوفة ويناشده الله أن يشخص إليهم .
  فكتب إليه الحسين : انّي رأيت رؤيا ، ورأيت فيها رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) وأمرني بأمر أنا ماض له ، ولست بمخبر بها أحداً حتى اُلاقي عملي(1).
  وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص : انّي أسأل الله أن يلهمك رشدك ، وان يصرفك عمّا يرديك ، بلغني انّك قد اعتزمت على الشخوص إلى العراق ، فاني اعيذك بالله من الشقاق ، فان كنت خائفاً فاقبل إليّ ، فلك عندي الأمان والبرّ والصلة .
  فكتب إليه الحسين : إن كنت أردت بكتابك إليّ برّي وصلتي فجزيت خيرا ( 51 / أ ) في الدنيا والآخرة ، وانّه لم يشاقق من دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال انني من المسلمين ، وخير الأمان أمان الله ، ولم يؤمن بالله من لم يخفه في الدنيا ، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمان الآْخرة عنده .
  وكتب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عباس يخبره بخروج الحسين إلى مكة ونحسبه جاءه رجال من أهل هذا المشرق فمنّوه الخلافة وعندك علم منهم خبرة وتجربة فان كان فعل فقد قطع واشج القرابة وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه فاكففه عن السعي في الفرقة ! ! وكتب بهذه الأبيات إليه ، والى من بمكة والمدينة من قريش :
يـا  أيّها الراكب الغادي ii(مطيته)
عـلى عـذافِرِةٍ فـي سيرها iiقحم
أبـلغ قـريشاً على نأي المزاربها
بـيني  وبـين حسين الله iiوالرحمُ
ومـوقف بـفناء الـبيت iiانـشده
عـهد الالـه ومـا توفى به iiالذمم
عـنـيتم  قـومـكم iiفـخرابامكم
ام  لـعمري حـصان (عفة) iiكرم
هـي  الـتي لا يداني فضلها iiاحد
بنت الرسول وخير الناس قدعلموا
وفـضلها  لـكم فـضل iiوغيركم
---------------------------
(1) قال ابن الأثير في اُسد الغابة 1 / 21 : فنهاه جماعة ، منهم : أخوه محمد بن الحنفية وابن عمر وابن عباس ، وغيرهم ، فقال : رأيت رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) في المنام وأمرني بأمر فأنا فاعل ما أمر .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 44 _

يـا  أيّها الراكب الغادي ii(مطيته)
عـلى عـذافِرِةٍ فـي سيرها iiقحم
أبـلغ قـريشاً على نأي المزاربها
بـيني  وبـين حسين الله iiوالرحمُ
ومـوقف بـفناء الـبيت iiانـشده
عـهد الالـه ومـا توفى به iiالذمم
عـنـيتم  قـومـكم iiفـخرابامكم
ام  لـعمري حـصان (عفة) iiكرم
هـي  الـتي لا يداني فضلها iiاحد
بنت الرسول وخير الناس قدعلموا
وفـضلها  لـكم فـضل iiوغيركم
  قال : فكتب إليه عبد الله بن عباس : انّي أرجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه ، ولست أدع النصيحة له فيما يجمع الله به الاُلفة وتطفأ به النائرة .
  ودخل عبد الله بن عباس على الحسين فكلّمه طويلاً ، وقال : أنشدك الله أن تهلك غداً بحال مضيعة ، لا تأتي العراق ، وان كنت لا بدّ فاعلاً فأقم حتى ينقضي الموسم ، وتلقى الناس وتعلم على ما يصدرون ، ثم ترى رأيك ، وذلك في عشر ذي الحجة سنة ستين .
  فأبى الحسين إلاّ أن يمضي إلى العراق ، فقال له ابن عباس : والله إنّي لأظنّك ستقتل غداً بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان بين نسائه وبناته ، والله انّي لأخاف أن تكون الذي يقاد به عثمان ، فإنّا لله وانّا إليه راجعون .
  فقال الحسين : أبا العباس إنّك شيخ قد كبرت ، فقال ابن عباس(1):
---------------------------
(1) أخرج الحافظ يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ 1 : 541 قال : حدّثنا أبو بكر ، قال : حدّثنا سفيان ، قال : حدّثنا ابراهيم بن ميسرة ، قال : سمعت طاووساً يقول : سمعت ابن عباس يقول : إستشارني الحسين بن علي في الخروج فقلت : لولا أن يزري ذلك بي أو بك لنشبت يدي في رأسك ، فكان الذي ردّ عليّ ان قال : لئن اُقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إلىّ من أن تنجدني ـ يعني مكة ـ ، قال ابن عباس : فذلك الذي سلا بنفسي عنه .
واخرجه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير 3 : 128 في ترجمة الحسين ( عليه السلام ) برقم 2859 ، قال : حدّثنا علي بن عبد العزيز ، حدّثنا اسحاق حدثنا سفيان . . .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 45 _

  لولا أن يزري ذلك بي أو بك لنشبت يدي في رأسك ، ولو أعلم انّا إذا تناصينا أقمت لفعلت ، ولكنّ لا أخال ذلك نافعي .
  فقال له الحسين : لئن اُقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ أن تستحلّ بي ـ يعني مكة ـ ، قال : فبكى ابن عباس ، وقال : أقررت عين ابن الزبير فذلك الذي سلا بنفسي عنه .
  ثم خرج عبد الله بن عباس من عنده وهو مغضب ( 52 / أ ) وابن الزبير على الباب ، فلما رآه قال : يابن الزبير قد أتى ما أحببت ، قرّت عينك ، هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك والحجاز .
يـالـك مـن قـبرة iiبـمعمر      خلا لك الجوّ فبيضي واصفري
  ونقري ما شئت ان تنقري (1)وبعث حسين إلى المدينة فقدم عليه من خفّ معه من بني عبد المطلب وهم تسعة عشر رجلاً ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم .
---------------------------
(1) البيت لطرفة بن العبد ، وراجع قصّته في مجمع الأمثال 1 / 239 وحياة الحيوان ( القبرة ) ، وربّما نٌسب إلى كليب بن ربيعة ، راجع لسان العرب 20 / 385 .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 46 _

  وتبعهم محمد بن الحنفية فأدرك حسيناً بمكة واعلمه انّ الخروج ليس له برأي يومه هذا ، فأبى الحسين أن يقبل .
  فحبس محمد بن علي ولده فلم يبعث معه أحداً منهم ! حتى وجد الحسين في نفسه على محمد ، قال : ترغب بولدك عن موضع اُصاب فيه ؟ ! فقال محمد : وما حاجتي أن تُصاب ويصابون معك ، وان كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم .
  وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم ، فخرج متوجهاً إلى العراق في أهل بيته وستين شيخاً من أهل الكوفة ، وذلك يوم الإثنين في عشر ذي الحجة سنة ستين .
  فكتب مروان إلى عبيد الله بن زياد : أمّا بعد ، فانّ الحسين بن علي قد توجّه إليك وهو الحسين بن فاطمة ، وفاطمة بنت رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وبالله ما أحد يسلّمه الله أحبّ إلينا من الحسين ! فاياك أن تهيج على نفسك مالا يسدّه شيء ، ولا تنساه العامة ولا تدع ذكره ، والسلام وكتب ( 52 / ب ) إليه عمرو بن سعيد بن العاص : أمّا بعد ، فقد توجّه إليك الحسين ، وفي مثلها تعتق ، أو تسترقّ كما تسترقّ العبيد (1).
  قال (2): أخبرنا عبد الله بن الزبير الحميدي ، قال : حدّثنا سفيان بن عيينة ، قال : حدّثني لبطة بن الفرزدق ـ وهو في الطواف وهو مع ابن شبرمة ـ ، قال: أخبرني أبي ، قال : خرجنا حجّاجاً فلما كنا بالصفاح إذا نحن بركب عليهم اليلامق ومعهم الدرق ، فلما دنوت منهم إذا أنا بحسين بن علي ، فقلت : أي أبو عبد الله ؟ قال : يا فرزدق ما وراءك ؟ قال : أنت أحبّ الناس إلى الناس ، والقضاء في السماء ، والسيوف مع بني اُمية .
  قال : ثم دخلنا مكة ، فلمّا كنّا بمنى قلت له : لو أتينا عبد الله بن عمرو فسألناه عن حسين وعن مخرجه ، فأتينا منزله بمنى فاذا نحن بصبية له سود مولدين يلعبون ، قلنا : أين أبوكم ؟ قالوا : في الفسطاط يتوضأ ، فلم يلبث أن خرج علينا من فسطاطه ، فسألناه عن حسين ؟ فقال : أما إنّه لا يحيك فيه السلاح ! قال : فقلت له : تقول هذا فيه وأنت الذي قاتلته وأباه ؟ ! فسبّني وسببته ! ثم خرجنا حتى أتينا ماء لنا يقال له : تعشار ، فجعل لا يمرّ بنا أحد إلاّ سألناه عن حسين ، حتى مرّ بنا ركب فناديناهم ما فعل حسين بن علي قالوا : قُتلْ ! فقلت : فعل الله بعبد الله بن عمرو ، وفعل .
---------------------------
(1) من أول المقتل إلى هنا ، أورده المزي في تهذيب الكمال 6 / 412 ـ 422 عن ابن سعد .
ومن أوله إلى هنا أيضاً رواه الحافظ كمال الدين ابن العديم في كتابه بغية الطلب في ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ج 7 الورقة 58 ب إلى 64 / أ يطابق ج 6 ص 2605 ـ 2612 من مطبوعه ، بإسناده عن أبن سعد إسناداً ومتناً .
(2) ورواه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ 2 : 673 عن الحميدي وذكره بكنيته أبي بكر. ورواه الذهبي في تذكرة الحفاظ 372 في ترجمة أبي عبيدة عنه عن لبطة بأوجز مما هنا ورواه الطبري 5 / 386 .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 47 _

  قال سفيان : ذهب الفرزدق إلى غير المعنى ـ أو قال : الوجه ـ انّما قال : لا يحيك فيه السلاح ولا يضرّه ( 53 / أ ) القتل ، مع ما قد سبق له .
  قال (1): أخبرنا عبد الله بن الزبير الحميدي ، قال : حدّثنا سفيان ، قال : حدّثنا شيعي لنا يقال له : العلاء بن أبي العباس ، عن أبي جعفر ، عن عبد الله ابن عمرو ، أنّه قال في حسين : خرج ، أما إنّه لا يحيك فيه السلاح .
  قال : أخبرنا موسى بن اسماعيل ، قال : حدثنا معاوية بن عبد الكريم ، عن مروان الأصغر ، قال : حدّثني الفرزدق بن غالب قال : لما خرج الحسين بن علي رحمه الله لقيت عبد الله بن عمرو ، فقلت له : انّ هذا الرجل قد خرج ، فما ترى ؟ قال : أرى أن تخرج معه ، فانّك أن أردت دنيا أصبتها ، وان أردت آخرة أصبتها .
  قال : فرحلت نحوه ، فلمّا كنت في بعض الطريق بلغني قتله ، فرجعت إلى عبد الله بن عمرو ، فقلت : أين ما قلت لي ؟ ! قال : كان رأياً رأيته ! .
  قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن الهذلي ، انّ الفرزدق قال : لقيت حسيناً ، فقلت : بأبي أنت لو أقمت حتى يصدر الناس ، لرجوت أن يتقصّف أهل الموسم معك ، فقال : لم آمنهم يا أبا فراس .
  قال : فدخلت مكة فاذا فسطاط وهيئة ، فقلت : لمن هذا ، قالوا : لعبد الله ابن عمرو بن العاص ، فأتيته فاذا شيخ أحمر فسلّمت ، فقال : من ؟ قلت : الفرزدق ، أترى أن أنصر حسينا ً؟ قال : إذا تصيب أجراً وذخراً ، قلت بلا دنيا ، فاطرق ، ثم قال : يا بن غالب لتتمّن خلافة يزيد ، فانظرن ، فكرهت ماقال .
  قال : فسببت يزيد ومعاوية ، قال : مه ! ( 53 / ب ) قبّحك الله ! ! فغضبت ، فشتمته وقمت ، ولو حضر حشمه لأوجعوني .
  فلمّا قضيت الحج رجعت ، فاذا عير فصرخت : ألا ما فعل الحسين ؟ فردّوا علي ّ: ألا قُتل .
  قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن جويرية بن أسماء وعلي بن مدرك ، عن اسماعيل بن يسار ، قال : لقي الفرزدق حسيناً بالصفاح فسلّم عليه ، فوصله بأربعمائة دينار ، فقالوا : يا أبا عبد الله تعطي شاعراً مبتهرا ً؟ ! قال : انّ خير ما أمضيت ما وقيت به عرضك ، والفرزدق شاعر لا يؤمن .
---------------------------
(1) من أول المقتل إلى هنا رواه ابن عساكر بإسناده عن ابن سعد في ترجمة الحسين ( عليه السلام ) من ص 196 ـ 206 .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 48 _

  فقال قوم لاسماعيل : وما عسى أن يقول في الحسين ومكانه مكانه ، وأبوه واُمّه من قد علمت ؟ قال : اُسكتوا ، فانّ الشاعر ملعون ، ان لم يقل في أبيه واُمّه قال في نفسه .
  قال (1): أخبرنا علي بن محمد ، عن حباب بن موسى ، عن الكلبي عن بحير بن شداد الأسدي ، قال : مرّ بنا الحسين بالثعلبية ، فخرجت إليه مع أخي ، فاذا عليه جبّة صفراء لها جيب في صدرها ، فقال له أخي : انّي أخاف عليك ، فضرب بالسوط على عيبة قد حقبها خلفه ، وقال : هذه كتب وجوه أهل المصر .
  قال : أخبرنا موسى بن اسماعيل ، قال : حدّثنا جعفر بن سليمان ، عن يزيد الرشك ، قال : حدّثني من شافه الحسين ، قال : رأيت أبنية مضروبة بفلاة من الأرض ، فقلت : لمن هذه ؟ قالوا : هذه لحسين ، قال : فأتيته فاذا شيخ يقرأ القران ( 54 / أ ) قال : والدموع تسيل على خديه ولحيته ، قال : قلت : بأبي واُمي يا بن رسول الله ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي ليس بها أحد ؟ فقال : هذه كتب أهل الكوفة إليّ ولا أراهم إلاّ قاتليّ ، فاذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلاّ انتهكوها ، فيسلّط الله عليهم من يذلّهم حتى يكونوا أذلّ من فَرمَ الأمة ـ يعني مقنعتها ـ ! .
  ثم رجع الحديث إلى الأول :
  قالوا : وقد كان الحسين قدّم مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة ، وأمره أن ينزل على هانىء بن عروة المرادي وينظر إلى اجتماع الناس عليه ، ويكتب إليه بخبرهم .
---------------------------
(1) رواه ابن عساكر برقم 266 عن عمر ابن سعد .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 49 _

  قدم مسلم بن عقيل الكوفة مستخفياً وأتته الشيعة فأخذ بيعتهم ، وكتب إلى الحسين بن علي : انّي قدمت الكوفة فبايعني منهم إلى أن كتبت إليك ثمانية عشر ألفاً ، فعجّل القدوم فانّه ليس دونها مانع ! .
  فلمّا أتاه كتاب مسلم أغذ السير حتى انتهى إلى زبالة ، فجاءت رسل أهل الكوفة إليه بديوان فيه أسماء مائة ألف .
  وكان النعمان بن بشير الأنصاري على الكوفة في آخر خلافة معاوية فهلك وهو عليها ، فخاف يزيد أن لا يقدم النعمان على الحسين ، فكتب إلى عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان! ( 54 / ب ) وهو على البصرة فضم إليه الكوفة ، وكتب إليه بإقبال الحسين إليها ، فإن كان لك جناحان فطرْ حتى تسبق إليها .
  فاقبل عبيد الله بن زياد على الظهر سريعاً حتى قدم الكوفة فاقبل متعمماً متنكّراً حتى دخل السوق ، فلما رأته السفلة واهل السوق خرجوا يشتدّون بين يديه وهم يظنون انه حسين ! وذاك انّهم كانوا يتوقعونه ، فجعلوا يقولون لعبيد الله : يا بن رسول الله الحمد لله الذي أراناك وجعلوا يقبلون يده ورجله ، فقال عبيد الله لشدّ ما فسد هؤلاء ! ثم مضى حتى دخل المسجد فصلّى ركعتين ثم صعد المنبر وكشف عن وجهه ، فلمّا رأه الناس مال بعضهم على بعض واقشعوا عنه .
  وبنى عبيد الله بن زياد تلك الليلة بأهله اُم نافع بنت عمارة بن عقبة بن أبي معيط .
  واتي تلك الليلة برسول الحسين بن علي قد كان أرسله إلى مسلم بن عقيل يقال له : عبد الله بن يقطر فقتله .
  وكان قدم مع عبيد الله بن البصرة شريك بن الأعور الحارثي وكان شيعة لعلي فنزل أيضاً على هانىء بن عروة ، فاشتكا شريك ، فكان عبيد الله يعوده في منزل هانىء ومسلم بن عقيل هناك لا يعلم به .
  فهيؤوا لعبيد الله ثلاثين رجلاً يقتلونه إذا دخل عليهم واقبل عبيد الله ما تنظرون بسلمى أن تحيّوها .
  ( 55 / أ ) اسقوني ولو كانت فيها نفسي ، فقال عبيد الله : ما يقول ؟ قالوا : يهجر ، وتحشحش القوم في البيت ، فأنكر عبيد الله ما رأى منهم فوثب فخرج ، ودعا مولى لهانىء بن عروة كان في الشرطة فسأله فأخبره الخبر فقال : أولا .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 50 _

  ثم مضى حتى دخل القصر وارسل إلى هانىء بن عروة وهو يومئذ ابن بضع وتسعين سنة ، فقال : ما حملك على أن تجير عدوي وتنطوي عليه ؟ فقال : يا بن أخي انّه جاء حقّ هو أحقّ من حقّك وحقّ أهل بيتك ، فوثب عبيد الله وفي يده عنزة فضرب بها رأس هانىء حتى خرج الزج واغترز في الحائط ونثر دماغ الشيخ فقتله مكانه .
  وبلغ الخبر مسلم بن عقيل فخرج في نحو من أربعمائة من الشيعة فما بلغ القصر إلاّ وهو في نحو من ستين رجلاً ، فغربت الشمس واقتتلوا قريباً من الرحبة ثم دخلوا المسجد وكثرهم أصحاب عبيد الله بن زياد ، وجاء الليل فهرب مسلم حتى دخل على امرأة من كندة يقال لها : طوعة فاستجار بها ، وعلم بذلك محمد بن الأشعث بن قيس فاخبر به عبيد الله بن زياد فبعث إلى مسلم فجيء به فأنّبه وبكّته وأمر بقتله .
  فقال : دعني اوصي ، قال : نعم ، فنظر إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فقال : انّ لي إليك حاجة وبيني وبينك رحم .
  فقال عبيد الله : اُنظر في حاجة ابن ( 55 / ب ) عمك ، فقام إ ليه فقال : يا هذا انّه ليس هاهنا رجل من قريش غيرك ، وهذا الحسين بن علي قد اظلك فارسل إليه رسولاً فلينصرف فانّ القوم قد غرّوه وخدعوه وكذّبوه ، وانّه إن قتل لم يكن لبني هاشم بعده نظام ، وعلي دين أخذته منذ قدمت الكوفة فاقضه عني ، واطلب جثتي من ابن زياد فوارها .
  فقال له ابن زياد : ما قال لك ؟ فاخبره بما قال ، فقال : قل له : امّا مالك فهو لك لا نمنعك منه ، واما حسين فان تركنا لم نرده ، واما جثته فاذا قتلناه لم نبال ما صنع به ، ثم اُمر به فقتل ، فقال عبد الله بن الزبير الأسدي(1)في ذلك :
---------------------------
(1) هو عبد الله بن الزبير ـ بفتح الزاي ـ الاسدي ، اسد خزيمة ، كوفي ، شاعر مشهور في أيام بني اُميّة ، قيل : مات في زمن الحجّاج ، جمع شعره يحيى الجبوري بالعراق وحقّقه ، له ترجمة مطوّلة في الأغاني وهو الذي قال لابن الزبير : لعن الله ناقة حملتني إليك ، فقال : ان وراكبها ، وراجع قصّته في تاريخ ابن عساكر ( عبد الله بن جابر ـ عبد الله بن زيد ) ص 506 وله ترجمة في تلخيص المتشابه في الرسم 10 / 23 وفي سير أعلام النبلاء 3 / 383 وراجع المصادر المذكورة في تعاليقها .
والشعر عند الطبري 5 / 379 ثمانية أبيات وفيه : ويقال : قاله الفرزدق .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _51 _

إن كنت لا تدرين ما الموت فانظري      إلـى هانىء في السوق وابن iiعقيل
تـرى جـسداً قد غيّر الموت iiلونه      ونـضح  دم قـد سـال كل iiمسيل
أصـابهما أمـر الإمـام iiفـأصبحا      أحـاديث  مـن يـهوى بكلّ iiسبيل
تـرى بـطلاً قد هشّم السيف رأسه      وآخـر يـهوى مـن طـمار iiقتيل
أيـركب  أسـماء الـهماليج iiآمـناً      وقــد  طـلـبته مـذحج iiبـقتيل
فـإن  أنـتم لـم تـثأروا بـأخيكم      فـكونوا  بـغايا اُرضـيت بـقليل
  يعني بأسماء ابن خارجة الفزاري ، كان عبيد الله بن زياد بعثه ـ وعمرو بن الحجاج الزبيدي ـ إلى هانىء بن عروة فأعطياه العهود والمواثيق فاقبل معهما ( 56 / أ ) حتى دخل على عبيد الله بن زياد فقتله .
  قال : وقضى عمر بن سعد دين مسلم بن عقيل وأخذ جثته فكفّنه ودفنه ، وأرسل رجلاً إلى الحسين فحمله على ناقة واعطاه نفقة ، وامره أن يبلّغه ما قال مسلم بن عقيل فلقيه على أربع مراحل فاخبره .
  وبعث عبيد الله برأس مسلم بن عقيل وهانىء بن عروة إلى يزيد بن معاوية .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _52 _

  وبلغ الحسين قتل مسلم وهانىء ، فقال له ابنه علي الأكبر : يا أبه إرجع فانّهم أهل (كدر ) وغدر وقلة وفائهم ، ولا يفون لك بشيء ، فقالت بنو عقيل لحسين : ليس هذا بحين رجوع ، وحرّضوه على المضي .
  فقال حسين لإصحابه : قد ترون ما يأتينا ، وما أرى القوم إلاّ سيخذلوننا فمن أحبّ أن يرجع فليرجع .
  فانصرف عنه ( الذين ) صاروا إليه في طريقه ، وبقي في أصحابه الذين خرجوا معه من مكة ونفير قليل ( من ) من صحبه في الطريق .
  فكانت خيلهم اثنين وثلاثين فرساً .
  قال : وجمع عبيد الله المقاتلة وأمر لهم بالعطاء واعطى الشّرط ، ووجّه حصين بن تميم الطهوي إلى القادسية ، وقال له : أقم بها فمن أنكرته فخذه .
  وكان حسين قد وجّه قيس بن مسهر الأسدي إلى مسلم بن عقيل قبل أن يبلغه قتله ، فأخذه حصين فوجّه به إلى عبيد الله ، فقال له عبيد الله : قد قتل الله مسلما ! فقم في الناس فاشتم ( 56 / ب ) الكذّاب ابن الكذّاب فصعد قيس المنبر فقال : ايّها الناس انّي تركت الحسين بن علي بالحاجر ، وأنا رسوله إليكم وهو يستنصركم .
  فأمر به عبيد الله فطرح من فوق القصر فمات .
  ووجّه الحصين بن تميم الحر بن يزيد اليربوعي من بني رياح في ألف إلى الحسين ، وقال : سايره ولا تدعه يرجع حتى يدخل الكوفة ، وجعجع به ، ففعل ذلك الحر بن يزيد .
  فاخذ الحسين طريق العذيب حتى نزل الجوف مسقط النجف مما يلي المائتين ، فنزل قصر أبي مقاتل ، فخفق خفقة ثم انتبه يسترجع وقال : انّي رأيت في المنام آنفاً فارساً يسايرنا ويقول : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت انّه نعى إلينا أنفسنا .
  ثم سار حتى نزل بكربلاء ، فاضطرب فيه ، ثم قال : أيّ منزل نحن به ؟ قالوا : بكربلاء ، فقال : يوم كرب وبلاء .
  فوجّه إليه عبيد الله بن زياد عمر بن سعد بن أبي وقاص في أربعة الآف ، وقد كان استعمله قبل ذلك على الري وهمذان ، وقطع ذلك البعث معه ، فلمّا أمره بالمسير إلى حسين تأبّى ذلك وكرهه واستعفى منه ، فقال له ابن زياد : اُعطي الله عهداً لئن لم تسر إليه وتقدم عليه لأعزلنّك عن عملك واهدم دارك واضرب عنقك ! قال : إذاً أفعل .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 53 _

  فجاءته بنو زهرة قالوا : ننشدك الله أن تكون أنت الذي ( 57 / أ ) تلي هذا من حسين فتبقى عداوة بيننا وبني هاشم ، فرجع إلى عبيد الله فاستعفاه فأبى ان يعفيه ، فصمّم وسار إليه .
  ومع حسين يومئذ خمسون رجلاً ، واتاهم من الجيش عشرون رجلاً ، وكان معه من أهل بيته تسعة عشر رجلاً .
  فلمّا رأى الحسين عمر بن سعد قد قصد له فيمن معه قال : يا هؤلاء اسمعوا يرحمكم الله ، ما لنا ولكم ! ما هذا بكم يا أهل الكوفة ؟ ! قالوا : خفنا طرح العطاء ، قال : ما عند الله من العطاء خير لكم ، يا هؤلاء دعونا فلنرجع من حيث جئنا ، قالوا : لا سبيل إلى ذلك ، قال فدعوني أمضي إلى الريّ فاجاهد الديلم ، قالوا : لا سبيل إلى ذلك ، قال : فدعوني أذهب إلى يزيد بن معاوية فأضع يدي في يده ، قالوا : لا ، ولكن ضع يدك في يد عبيد الله بن زياد ! قال : امّا هذه فلا ، قالوا : ليس لك غيرها .
  وبلغ ذلك عبيد الله ، فهمّ أن يخلّي عنه ، وقال : والله ما عرض لشيء من عملي ، وما أراني إلاّ مخل سبيله يذهب حيث شاء .
  قال شمر بن ذي الجوشن الضبابي : انّك والله ان فعلت وفاتك الرجل لا تستقيلها أبداً ، وانّما كان همّة عبيد الله أن يثبت على العراق ، فكتب إلى عمر ابن سعد :
  الآن حين تعلّقته حبالنا يرجو النجاة ولات حين مناص فناهضه ، وقال لشمر بن ذي الجوشن : سرأنت إلى عمر بن سعد ( 57 / ب ) فان مضى لما أمرته وقاتل حسيناً والاّ فاضرب عنقه ، وأنت على الناس .
  قال: وجعل الرجل والرجلان والثلاثة يتسلّلون إلى حسين من الكوفة ، فبلغ ذلك عبيد الله فخرج فعسكر بالنخيلة ، واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث ، واخذ الناس بالخروج إلى النخيلة ، وضبط الجسر فلم يترك أحداً يجوزه (1) .
  وعقد عبيد الله لحصين بن تميم الطهوي على ألفين ووجّهه إلى عمر بن سعد مدداً له .
---------------------------
(1) قال البلاذري في ( أنساب الأشراف ) صفحة 166 : قالوا : ولمّا بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الحسين إلى الكوفة بعث الحصين بن اُسامة التميمي ـ ثمّ أحد بني جشيش بن مالك بن حنظلة ـ صاحب شرطه حتى نزل القادسية ، ونظّم الخيل بينها وبين خفان ، وبينها وبين القطقطانة إلى لعلع .
وقال في صفحة 173 : أمر ابن زياد فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة فلا يترك أحمد يلج ولا يخرج !.
وفي صفحة 178 : امر الناس فعسكروا بالنخيلة وأمر أن لا يتخلّف أحد منهم . . . فلا يبقيّن رجل من العرفاء والمناكب والتجّار والسكّان إلاّ خرج فعسكر معي فأيّما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلّفاً عن العسكر برئت منه الذمّة .
وفي صفحة 179 : ثمّ إنّ ابن زياد استخلف على الكوفة عمرو بن حريث وأمر القعقاع بن سويد ابن عبد الرحمان بن بجير المنقري بالتطواف بالكوفة في خيل فوجد رجلاً من همدان قد قدم يطلب ميراثاً له بالكوفة ، فأتى به ابن زياد فقتله ! فلم يبق بالكوفة محتلم إلاّ خرج إلى العسكر بالنخيلة ! . . . ووضع ابن زياد المناظر على الكوفة لئلاّ يجوز أحد من العسكر مخافة لأن يلحق بالحسين .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 54 _

  وقدم شمر بن ذي الجوشن الضبابي على عمر بن سعد بما أمره به عبيد الله عشية الخميس لتسع خلون من المحرم سنة إحدى وستين بعد العصر ، فنودي في العسكر فركبوا ، وحسين جالس أمام بيته محتبيا ، فنظر إليهم قد اقبلوا فقال للعباس ابن علي بن أبي طالب : إلقهم فسلهم ما بدا لهم ؟ فسألهم فقالوا : أتانا كتاب الأمير يأمرنا أن نعرض عليك أن تنزل على حكمه أو نناجزك ، فقال : إنصرفوا عنا العشيّة حتى ننظر ليلتنا هذه فيما عرضتم ، فانصرف عمر .
  وجمع حسين أصحابه في ليلة عاشوراء ليلة الجمعة فحمد الله واثنى عليه وذكر النبيّ ( صلّى الله عليه وسلّم ) وما اكرمه الله به من النبوة وما انعم به على اُمته ، وقال :
  إنّي لا أحسب القوم إلاّ مقاتلوكم غداّ وقد أذنت لكم جميعاّ فانتم في حلّ مني ، وهذا الليل قد غشيكم ، فمن كانت له منكم قوة فليضم ( 58 / أ ) رجلاً من أهل بيتي إليه وتفرّقوا في سوادكم ، حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين ، فانّ القوم انّما يطلبونني ، فاذا رأوني لهوا عن طلبكم .
  فقال أهل بيته : لا أبقانا الله بعدك ، لا والله لا نفارقك حتى يصيبنا ما اصابك ، وقال ذلك أصحابه جميعا ، فقال : أثابكم الله على ما تنوون الجنة .
  قال (1): أخبرنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم الشيباني ، عن سفيان ، عن أبي الجحاف ، عن أبيه :
  انّ رجلاً من الأنصار أتى الحسين ، فقال : انّ عليّ ديناً ، فقال : لا يقاتل معي من عليه دين .
  قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن أبي الأسود العبدي ، عن الأسود بن فيس العبدي ، قال : قيل لمحمد بن بشير الحضرمي : قد اُسر ابنك بثغر الري ، قال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحبّ أن يؤسر ولا أن أبقى بعده .
  فسمع قوله الحسين ، فقال له : رحمك الله أنت في حلّ من بيعتي ، فاعمل في فكاك ابنك ، قال : أكلتني السباع حياً ان فارقتك ، قال : فاعط ابنك هذه الأثواب يستعين بها في فكاك أخيه ، فاعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار .
  رجع الحديث إلى الأول :
  فلمّا أصبح يومه الذي قتل فيه ( رحمة الله عليه ) قال : اللّهم أنت ثقتي في كل ( 58 / ب ) كرب ، ورجائي في كل شدّة ، وانت لي في كل أمر نزل بي ثقة ، وانت وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة .
---------------------------
(1) رواه ابن عساكر برقم 200 باسناده عن ابن سعد ، وفيه أيضاً : محمد بن بشير كما هو كذلك في أصلنا من الطبقات ، لكن الظاهر انّ كلمة ( محمد بن ) زائدة ، وانما قاله الحسين ( عليه السلام )لبشير بن عمرو الحضرمي الكندي : انّ ابنك عمر اُسر بثغر الري . . . وكذا ورد هذا الأسم ( بشير بن عمرو ) في أنساب الأشراف ص 196 وفي تاريخ الطبري 5 : 444 ورد اسمه مشكولاً بالضم والفتح مصغّراً .
ورواه ابن العديم في ترجمة الحسين ( عليه السلام ) من كتابه بغية الطلب في تاريخ حلب المجلد 7 الورقة 51 / أ عن أبي نصر بن الشيرازي عن ابن عساكر باسناده عن ابن سعد وفيه أيضاً محمد بن بشير .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 55 _

  ثم قال حسين لعمر واصحابه : لا تعجلوا حتى أخبركم خبري ، والله ما أتيتكم حتى أتتني كتب أماثلكم بانّ السنّةّ قد اُميتت ، والنفاق قد نجم ، والحدود قد عطّلت ، فاقدم لعلّ الله تبارك وتعالى يصلح بك اُمة محمد ( صلّى الله عليه وسلّم ) ، فأتيتكم فاذ كرهتم فانا راجع عنكم ، وارجعوا إلى أنفسكم فانظروا هل يصلح لكم قتلي أو يحلّ لكم دمي ؟ ! ألست ابن بنت نبيّكم وابن ابن عمه وابن أول المؤمنين إيماناً ، أوليس حمزة والعباس وجعفر عمومتي ، أو لم يبلغكم قول رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) فيّ وفي أخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة .
  فان صدقتموني والاّ فاسألوا جابر بن عبد الله وأبا سعيد الخدري وأنس بن مالك وزيد بن أرقم .
  فقال شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول ! فأقبل الحرّ بن يزيد ـ أحد بني رياح بن يربوع ـ على عمر بن سعد فقال : أمقاتل أنت هذا الرجل ؟ قال : نعم ! قال : أما لكم في واحدة من هذه الخصال التي عرض رضى ؟ قال : لو كان الأمر اليّ فعلت ، فقال : سبحان الله ما اعظم هذا ! أن يعرض ابن بنت رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) عليكم ما يعرض فتأبونه ! ثم مال ( 59 / أ ) إلى الحسين فقاتل معه حتى قتل ، ففي ذلك يقول الشاعر المتوكل الليثي :
لنعم الحرّ حر بني iiرياح      وحر عند مشتبك الرماح
ونـعم الحرّ ناداه iiحسينٌ      فجاد بنفسه عند iiالصباح
  وقال الحسين : أما والله ياعمر ليكوننّ لما ترى يوما يسوؤك ، ثم رفع حسين يده مدّاً إلى السماء فقال : اللّهم انّ أهل العراق غرّوني وخدعوني وصنعوا بحسن بن علي ما صنعوا ، اللّهم شتّت عليهم أمرهم واحصهم عدداً .
  وناوش عمر بن سعد حسيناً ، فكان أول من قاتل مولى لعبيد الله بن زياد يقال له سالم ، نصل من الصف فخرج إليه عبد الله بن تميم بن . . . فقتله ، والحسين جالس عليه جبة خز دكناء وقد وقعت النبال عن يمينه وعن شماله ، وابن له ـ ابن ثلاث سنين ـ بين يديه فرماه عقبة بن بشر الأسدي فقتله .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 56 _

  ورمى عبد الله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بن علي فقتله فقال سليمان بن قتّة :
وعند غني قطرة من دمائنا      وفي أسد اُخرى تعدّ iiوتذكر
  قال : ولبس حسين لامته ، وأطاف به أصحابه يقاتلون دونه حتى قتلوا جميعاً ، وحسين عليه عمامة سوداء وهو مختضب بسواد يقاتل قتال الفارس الشجاع .
  قال : ودعا رجل من أهل الشام علي بن حسين الأكبر ـ واُمه آمنة بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود ( 59 / ب ) الثقفي ، واُمّها بنت أبي سفيان بن حرب ـ فقال : إنّ لك بأميرالمؤمنين قرابة ورحما ، فان شئت آمنّاك وامض حيث ما احببت ، فقال : أما والله لقرابة رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) كان أولى أن تُرعى من قرابة أبي سفيان ، ثم كرّ عليه وهو يقول :
أنا علي بن حسين بن iiعلي      نحن وبيت الله أولى iiبالنبي
من شمرو عمرو ابن الدّعي

  قال : وأقبل عليه رجل من عبد القيس يقال له : مرّة بن منقذ بن النعمان فطعنه ، فحمل فوضع قريباً من أبيه ، فقال له : قتلوك يا بٌنيّ ؟ على الدنيا بعدك العفاء ، وضمّه أبوه إليه حتى مات ، فجعل الحسين يقول :
  اللّهم دعونا لينصرونا فخذلونا وقتلونا ، اللّهم فاحبس عنهم قطر السماء وامنعهم بركات الأرض ، فان متعتّهم إلى حين ففرّقهم شيعاً واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترضي الولاة عنهم أبداً .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 57 _

  وجاء صبي من صبيان الحسين يشتدّ حتى جلس في حجر الحسين فرماه رجل بسهم فأصاب ثغره نحره فقتله ، فقال الحسين :
  اللّهم إن كنت حبست عنّا النصر فاجعل ذلك لما هو خير في العاقبة ، وانتقم لنا من القوم الظالمين .
  قال : وخرج القاسم بن حسن بن علي وهو غلام عليه قميص ونعلان فانقطع شسع نعله اليسرى فحمل عليه ( 60 / أ ) عمرو بن سعيد الأزدي فضربه فسقط ونادى : يا عمّاه ، فحمل عليه الحسين فضربه فاتّقاها بيده فقطعها من المرفق فسقط .
  وجاءت خيل الكوفيين ليحملوه ، وحمل عليهم الحسين فجالوا ووطؤوه حتى مات ، ووقف الحسين على القاسم فقال : عزّ على عمّك أن تدعوه فلا يجبيك ، أو يجبيبك فلا ينفعك ، يوم كثر واتره وقلّ ناصره ، وبعداً لقوم قتلوك .
  ثم أمر به فحُمل ورجلاه تخطان الأرض حتى وضع مع علي بن حسين .
  وعطش الحسين فاستسقى ـ وليس معهم ماء ـ فجاءه رجل بماء فتناوله ليشرب فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فيه فجعل يتلقّى الدم بيده ويحمد الله .
  وتوجّه نحو المسنّاة يريد الفرات ، فقال رجل من بني ابان بن دارم : حولوا بينه وبينه الماء ، فعرضوا فحالوا بينه وبين الماء وهوأمامهم ، فقال حسين : اللّهم اظمه .
  ورماه الأباني بسهم فاثبته في حنكه ، فانتزع السهم وتلقّى الدم فملأ كفّه ، وقال : اللّهم انّي أشكو إليك ما فعل هؤلاء .
  فما لبث الأباني إلاّ قليلاً حتى رئي وانّه ليؤتى بالقلة أو العسّ ان كان ليروى عدّة فيشربه فإذا نزعه عن فيه قال : اسقوني فقد قتلني العطش ! فما زال بذلك حتى مات .
  وجاء شمر بن ذي الجوشن فحال بين الحسين وبين قتله فقال الحسين :
  رحلي لكم عن ساعة مباح فامنعوه من . . . لكم وطغامكم ( 60 / ب ) وكونوا في دنياكم أحرارا إذا لم يكن لكم دين .
  فقال شمر : ذلك لك يابن فاطمة .
  قال : فلمّا قتل أصحابه وأهل بيته بقي الحسين عامة النهار لا يقدم عليه أحد إلاّ انصرف حتى أحاطت به الرجّالة ، فما رأينا مكثوراً قطّ أربط جأشاً منه ، إن كان ليقاتلهم قتال الفارس الشجاع ، وان كان ليشدّ عليهم فينكشفون عنه انكشاف المعزى شدّ فيها الأسد .

ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومقتله _ 58 _

  فمكث مليّاً من النهار والناس يتدافعونه ويكرهون الإقدام عليه ، فصاح بهم شمر بن ذي الجوشن : ثكلتكم اُمهاتكم ! ماذا تنتظرون به ، أقدموا عليه .
  فكان أول من انتهى إليه زرعة بن شريك التميمي فضرب كتفه اليسرى وضربه حسين على عاتقه فصرعه .
  وبرز له سنان بن أنس النخعي فطعنه في ترقوته ، ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره ، فخرّ الحسين صريعاً ثم نزل إليه ليحتزّ رأسه ونزل معه خولى بن يزيد الأصبحي فاحتزّ رأسه ثم أتى به عبيد الله بن زياد ، فقال :
أوقر ركابي فضة iiوذهبا      انـا قتلت الملك المحجّبا
قتلت خير الناس اُمّاً وأبا      وخيرهم إذ يُنسبون iiنسبا
  قال : فلم يعطه عبيد الله شيئا (1).
  قال : ووجدوا بالحسين ثلاثاً وثلاثين جراحة ، ووجدوا في ثوبه مائة وبضعة عشر خرقاً من ( 61 / أ ) السهام وأثر الضرب .
  وقتل يوم الجمعة يوم عاشوراء في المحرم سنة إحدى وستين ، وله يومئذ ست وخمسون سنة وخمسة أشهر .
  وكان جعفر بن محمد يقول : قتل الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، وقتل مع الحسين اثنان وسبعون رجلاً ، وقتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلاً .
  وقتل مع الحسين بن علي بن أبي طالب ( رضي الله عنهما ) :
---------------------------
(1) حكاء سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة ص 256 عن الطبقات .