التي طبقها يتبين انه ليس هناك امتياز بين المرأة والرجل .
لذا إذا كان في نهج البلاغة ذلك الكلام فان فيه أيضاً أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لابنه : ( فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة )
(1) .
لا تسمح ليد أجنبي أن تصل إلى هذا الوردة وإلا سوف تذبل .
( فإنما امرأة أحدكم لعبة فمن اتخذها فلا يضيعها )
(2) .
لعبة أي ريحانة ، لا تضيع ماء الورد من هذه الوردة ، العطر من هذه الوردة ، فالحياة ليست كلها عطراً وليس كل الحياة حديداً الأعمال القوية لازمة وكذلك الأعمال الظريفة ، هل الورد أفضل أم الحديد ؟ الورد فيه فضائل ، والحديد فيه فضائل كثيرة أيضاً ، الحديد يتولى الأعمال القوية والورد يتولى الأمور الفنية الظريفة ، الرقيقة والعاطفية ، ومن المحال وجود الحديد بدون الورد ، وكذلك لا يمكن وجود الورد بدون الحديد .
إذا اتضحت القواعد القيمية في الإسلام ونظر القرآن الكريم وتعين محور البحث أيضاً ـ ان المراة مقصود منها مقابل الرجل أم المرأة مقابل الزوج ـ فقطعاً تنحذف كثير من الأسئلة والشبهات ، أي عند ذلك لا يسأل شخص انه لماذا تستطيع المرأة ان تصبح وزيرة ، لماذا لا تصبح قائدة و ... لأنه اتصح ان معيار الكمال هو شيء آخر .
والأمور التنفيذية هي وظيفة الإنسان ، ومن الممكن أن لا يكون لشخص منصب تنفيذي ويقوم بعمل تحقيقي آخر ، ولكنه يصبح من المقربين ، بحيث لا يصل ذوو المناصب التنفيذية المهمة إلى مقامه ، ولكن الذين يم يعرفوا قواعد الإسلام تبدو هذه
**************************************************************
(1) نهج البلاغة ، الرسالة 31 .
(2) بحار الأنوار ، ج 103 ، ص 224 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 354 ـ
المسائل التنفيذية لهم مهمة جداً ويطرحون من باب العقدة أو النقد العلمي أو الاعتراض والمعارضة أنه لماذا تستطيع المرأة ان تتقلد العمل التنفيذي الفلاني .
طريقان للحل :
بناء على هذا الدنيا طريقان ، أحدهما لنا والطريق الآخر بوصفه جواباً عن أسئلة الآخرين ، أي في المرحلة الأولى ، يجب أن يحل هذا الموضوع لنا ، حيث أن بعض الأسئلة مثل أنه لماذا لا يمكن ان تتصدى المرأة لكثير من الأمور التنفيذية ، ليست قابلة للطرح ـ توضيح هذا الموضوع يستلزم نكتتين :
أولاً : كثير من الأعمال التنفيذية جائزة للمرأة شرعاً ، من ذلك مرجعية المرأة للنساء وإمامة للنساء والتصدي للأعمال التنفيذية المتعلقة بالنساء ليس جائزاً فقط ، بل أولى والرجل غير مجاز بأن يشترك في بعض الأمور التنفيذية إلا أن تقتضي ضرورة .
ثانياً : إن الأمور التنفيذية ليس مقاماً ، لو كانت مقاماً وكان واجباً ان يتقبل الإنسان هذا العمل التنفيذي ـ بوصفه من الكمالات وليس لحفظ النظام ـ لم يكن علماؤنا الكبار يبتعدون عنه .
قيمة الفقاهة ومسؤولية المرجعية
إذا كان القارىء يعرف بسيرة علماء الدين فسوف يعرف أن كثيراً من كبار الفقهاء كانوا يقبلون المرجعية بمشقة ، وكانوا يبذلون جهوداً ليل نهار في الفقهاء كانوا يقبلون المرجعية بمشقة ، وكانوا يبذلون جهوداً ليل نهار في الفقاهة ، وكانوا جادين في مسير الاجتهاد ، فمن ناحية كانوا يجاهدون حتى يصبحوا مجتهدين ، ومن ناحية أخرى كانوا مجاهدين أن لا يصبحوا مراجع ، وهذا يدل على ان الفضيلة هي شيء آخر والمقامات التنفيذية هي
جمال المرأة وجلالها
ـ 355 ـ
مجرد وظيفة ، فإذا قام بها شخص يجب تأييده وإعانته والطلب من الله ان يؤيده في إنجاز هذا العمل التنفيذي ، وهذه المسؤولية الثقيلة في خدمة دين الله ، ولكن هذا المقام ليس معيار فضيلة حتى يسعى الناس الصالحون للحصول عليه ، لذا كان العلماء العارفين بأسس الفضائل القرآنية جهادين : جهاد الاجتهاد والفقاهة وجهاد آخر من المرجعية .
بناء على هذا ، لو كان تقبل المسؤوليات التنفيذية واجباً عبادياً أو حتى مستحباً تعبدياً ، وكان لازماً أن يسعى الإنسان للحصول عليه لكان العلماء الكبار مثل الشيخ الأنصاري قد سعوا للوصول إلى هذا المقام ، إن ما نراه من ان الفقيه إذا كان أزهد يسعى لأن لا يتقبل المرجعية ، أو أن الفقيه الأتقى يسعى لأن لا يتقبل المسائل المالية أو يتقبل قليلاً ، أو أن الأتقى قليلاً ما يذهب وراء هذه المسائل ـ إلا أن يصبح واجباً عينياً عليه ـ فان سر ذلك هو ان هذه الأمور هي وظيفة ، وليست مقاماً ، أما الاجتهاد والفقاهة ووراثة علوم الأنبياء وفهم الكتاب والسنة وأمثالها ، فهي مقام ، ان هذا الابتعاد والهرب من المال والتحرك باتجاه التفقه عملان وليس عملاً واحداً ، أحدهما تبري والآخر تولي ، بناء على هذا يتضح أنها مسائل هي وظيفة العلماء وبعض العلماء إنما تقبلوا المرجعية لحفظ هذا النظام والحوزة والله يؤيدهم ، ولكن ذلك ليس مقاماً فإذا أصبح شخص مرجعاً يكسب عشر درجات من الجنة مثلاً وإذا لم يصبح مرجعاً يحصل على ثمانية درجات .
طبعاً إذا أصبح شخص أعلم فدرجته أعلى ، الشخص الذي يصبح أقرب وأفقه وأتقى درجته أعلى .
درجات الجنة
درجات الجنة مزينة بالأضواء بعدد آيات القرآن ، أي لو أريد تجسيم الجنة من أقل درجاتها حتى أعلى درجاتها بصورة كتاب تصبح قرآناً ولو أريد
جمال المرأة وجلالها
ـ 356 ـ
تجسيم القرآن بصورة نظام عالمي يصبح جنة ، ودرجات الجنة النازلة هي التي يقول القرآن بشأنها : ( جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ )
(1) .
ودرجاتها الوسطى أشار إليها القرآن أيضاً بقوله : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ )
(2) .
وفي آية أخرى في جاء صدد تعريف درجات الجنة العالية : ( فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي )
(3) .
من أسفل الجنة وهي ( جنات تجري من تحتها الأنها ر) حتى صدر الجنة وهو ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) وحتى رأس وذروة الجنة وهو ( فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي ) ، هذا النظام الواسع لو أريد أن يجسم بصورة كتاب يصبح قرآناً ولو أريد أن يجسم القرآن يصبح ( جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) ، ويصبح ( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ) ويصبح ( فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) ، عند ذلك يقال لكل شخص أكثر فهماً للقرآن ، وأفضل إدراكاً للقرآن وعملاً بالقرآن بصورة أفضل : إن لك سهماً هنا بدرجة فهمك واعتقادك وإيمانك ، لذاوكما ذكر من أن درجات الجنة ، مقسمة من الظاهر والباطن بعدد آيات القرآن ، ولكن لم يلاحظ في أية مسألة أن درجات الجنة مقسمة على أساس معايير تنفيذية حتى يقال في النتيجة : إن سهم المرأة قليل : بل إن التقسيم على أساس المعنويات وقواعد القيم ، بمعنى أن من هو أعلم ، له المقام الفلاني ، ومن هو أفقه ، أو أتقى له مثل
**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 25 .
(2) سورة القمر ، الآيتين : 54 ـ 55 .
(3) سورة الفجر ، الآيتين : 29 ـ 30 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 357 ـ
هذا المقام أيضاً .
طريق إجابة الآخرين :
أما إذا أردنا أن نجيب الآخرين الذين لم يدخلوا في هذه المسائل العميقة فلا نستدل لهم بهذا الطريق المذكور ، لأنهم لم يعرفوا هذا المعيار ، بل يجب إجابتهم بالطريق العادي وهو :
أولاً إن كثيراً من الأعمال التنفيذية جائزة للمرأة ومسألة الولاية والحكومة هي شيء آخر : وإلا إذا كانت الإعمال التنفيذية الخاصة بالنساء بعهدة النساء فان هذا ليس فقط غير ممنوع بل هو أولى ، كما أن المرأة إذا وصلت إلى مقام الفقاهة ، فان الطريق مفتوح لها في المسائل الاستشارية سواء في مجلس صيانة الدستور أو في مجلس الشورى الإسلامي ، وإذا قيل أحياناً ستة أشخاص فقهاء من الرجال فهو لأنهم يستطيعون تحمل مصاعب العمل ، وإلا إذا لم يكن حضور النساء وحشرهن مع الرجال لازماً ، ويكون الرأي كافياً فقط ، فليس بعيداً أن تعطي نساء فقيهات رأياً وفتوى ويستشرن .
من الممكن ان تصل امرأة إلى مستوى المرحوم صاحب الجواهر والشيخ الأنصاري ، فلا تصبح مرجع تقليد ، ولكن تلاميذها يكونون مراجع تقليد ، فهذه ليس لديها أي نقص .
الفقاهة ملك والمرجعية أمانة
لإجابة المجموعة الثانية أيضاً ، يجب القول أيضاً للذين يعتقدون بكلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : إن الإمام علياً عليه السلام يعتبر الأعمال التنفيذية وظيفة ، ويذكر ان هذه هي أمانة بأيدكم ، والأمين ليس مالكاً أبداً ، الفرق بين المقام والمنصب هو أن المقامات المعنوية هي ملك الإنسان والمنصب هو أمانة ، والأمانة ليست عامل فخر بل الملك هو
جمال المرأة وجلالها
ـ 358 ـ
عامل الفخر ، وبيان هذه المسالة هو انه يقال أحياناً لشخص : إن هذا البساط هو أمانة عندك ، فهو موظف بأن يحافظ عليه وليس له حق الاستفادة منه ، وإذا كان لهذا البساط قيمة فهي لصاحب البساط وليست للأمين ، ولكن أحياناً يقال لشخص : أن هذا البساط لك ، في هذه الحالة يكون له حق الاستفادة .
هذا من المسائل الظاهرية ، أما المسائل المعنوية والعلوم والمعارف فهي تتعلق بالإنسان ، أي تعطي الإنسان زينة ، لكن المنصب هو وظيفة وأمانة وليس مقاماً . لذا كتب أمير المؤمنين عليه السلام كتابالص إلى أحد عماله بهذا المضمون وهو : إن منصبك هذا هو أمانة في يدك والأمانة لا تدعو إلى الفخر .
فاتضح بشكل كامل أن الأعمال التنفيذية هي بمثابة أمانة ، المرجعية هي أمانة ولكن الفقاهة ملك ، الوزارة هي أمانة ، أما التقوى فهي ملك ، والمرأة والرجل متساويان في ما يتعلق بالنفس وكمال الروح ، أما في حدود ما هي أمانة ووظيفة فالأعمال مقسمة .
لو كانت هناك جامعات خاصة بالمرأة ، فالأفضل ان تتولى المسؤولية التنفيذية في تلك الجامعات ، إلا أن لا يكون لدى المرأة صلاحية ، وهذه الشروط هي مشروط تحصيلية وليست حصولية ، أي يجب ان تكون هناك نساء يقمن بإدارة الأمور المتعلقة بالنساء والبنات حتى لا يكون لازماً ان يتصدى غير محرم لإدارة تلك الامور ، واضح ان هذا الشكل من التدخل في الامور التنفيذية لا يتعلق بمسألة الولاية ، ولي أمر المسلمين يجب أن يكون رجلا طبعاً ، لان الولاية هي تتمة الأمامة ، ولأن الولي يأمر بالحرب والصلح ، ويلتقي مع الناس كثيراً ، ولديه عمل بدني صعب ، ويتطلب جهداً
جمال المرأة وجلالها
ـ 359 ـ
اكثر ... ومن لوازم هذه الأمور الذكورة ، بناء على هذا فإن كثيراً من المسائل في الاعمال التفيذية خاصة بالمرأة والرجل لا يحق له أن يتدخل ، ولكن الرجل يشترك لأن الضرورة تقتضي .
لعل شخصاً يقول : إذا كان القائد رجلاً يجب أن تكون المرأة بالنتيجة ، في تماس معه وهذه مشكلة من طرفين .
وجواب هذه المسألة واضح ، فعندما يكون الرجل قائداً له ارتباط بكل المجتمع ، والمرأة قد يكون لها ارتباط بالقائد أوالقاضي أو القائد العسكري ، وهم رجال ، وهذا الارتباط ليس عملها اليومي ، ولكن المراة إذا تولت إحدى المسؤوليات المهمة فإن عملها اليومي هو التعامل مع مئات الرجال ، في حالات شكوى ولقاء وأمثال ذلك وهناك هوة كبيرة بين هذين الموضعين ، ولهذا قسمت الأعمال النتفيذية .
الفرق بين المرأة والرجل في المسائل التنفيذية
من الممكن ان يتوهم شخص ، انه إذا يكن هناك فرق بين المرأة والرجل في الكمالات المعنوية ، فلماذا نرى في قسم مهم من المسائل الفقهية أنه يذكر : ( يشترط في أمور ) ثم تذكر من ضمن المسائل مسألة الذكورة ؟ أو يقال : إن الوالي أو مرجع التقليد يجب أن يكون رجلاً ولماذا لا تستطيع المرأة ان تتصدى للمسؤوليات المهمة ؟
جواب الشبهة هو ان الإنسان لديه حساب مع نفسه ، يعود إلى الكمالات النفسية ، ولديه علاقة مع الله ، تعود إلى الكمالات العبودية ، ولديه ارتباط مع عالم الطبيعة بل من مطلق الكون ، بعد إلى الربط العلمي ، ولديه ارتباط بالمجتمع يعود إلى الكمالات الاجتماعية ، في هذه الكمالات ليس هناك أي تمايز بين هذين الصنفين وكل شخص موظف لأن يكرم نفسه
جمال المرأة وجلالها
ـ 360 ـ
ويكون مهذباً ومتواضعاً ويقوم بتزكية النفس ويتخلص من الكبر والحسد ويكون منيع الطبع وقانعاً و ...
في هذه الأقسام ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل ، كل الناس مكلفون بان يقووا علاقتهم العبادية مع الله ، رغم ان العبادة : ( الصلاة قربان كل تقي ) وردت بشان الصلاة خاصة ـ من حيث ان الصلاة عمود الدين ـ ولكن جميع الأعمال العبادية والقريبة هي قربان ( الصوم قربان كل تقي ـ الجهاد قربان كل تقي ـ الزكاة قربان كل تقي ) في هذه الناحية العبادية ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل ، وفي هذا التعزيز للارتباط بين العبد والخالق ، ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل ، ولكن الرجل له ارتباط بالرجل والمرأة لها ارتباط بالنساء ، كذلك في ( تعزيز الارتباط الاجتماعي ) بين الفرد والمجتمع ليس هناك فرق بين المرأة والرجل ، ولكن الرجل له ارتباط بالرجال والمرأة لها ارتباط بالنساء كما قرر العلماء ، لأن ان يكون للرجال ارتباط بالمرأة لها والمرأة ارتباط بالرجل ، الأعمال المشتركة والاجتماعية لها حساب ، والأعمال الخاصة لها حساب آخر .
المرجعية منصب تنفيذي ، ولكن سند المرجعية ، جذر وقيمة المرجعية ، هي بالفقاهة والاجتهاد ، في الفقاهة والاجتهاد ، الذكورة والأنوثة ليست شرطاً ، سند المرجعية في الأساس هي الفقاهة والعدالة ، وهي تحسب من الكمالات وكمال الفقاهة لا هو مشروط بالذكورة ولا ممنوع عن الأنوثة ، والعدالة هي أيضاً كذلك ، من الممكن ان تستطيع المرأة في ظل الفقاهة والعدالة ان تخرج تلاميذاً يصبحون مراجع تقليد ، ولكنها لا تتقبل عملاً تنفيذياً ، وليس معلوماً أن المرأة لا تستطيع ان تصبح مرجع تقليد للنساء ، كما أن المرأة تستطيع ان تكون إمام جماعة النساء ، فقط قيل : ان لا تتصدى للأعمال التنفيذية الموجودة بحضور غير المحرم ، وإلا تستطيع ان تكتب
جمال المرأة وجلالها
ـ 361 ـ
بمستوى صاحب الجواهر رضوان الله عليه .
المرأة ومسألة القضاء :
مسألة القضاء مثل مسألة الاجتهاد ، وبما أن القضاء يرافقه تنفيذ الحدود ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا )
(1) .
أو يأمر بشأن الفاسقين الآخرين : ( فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ )
(2) .
لذا قيل إن النساء يستطعن ان يقمن بالفقاهة ويخرجن قضاة ، ولكن لا يتولين القضاء فهو منصب تنفيذي ، المرأة تستطيع استنباط جميع المسائل الحقوقية في الإسلام وتخرج طلبة يجلسون في منصب القضاء ، المرأة تستطيع ان تصبح مثل صاحب الجواهر في مقام الاجتهاد وتخرج مرجع تقليد وقاضياً ، تدرس في جمع طلبة جامعيين في كلية الحقوق لكنها لا تصبح مرجع تقليد وقاضياً .
حل شبهة :
السؤال المطروح هو أن تدريس الرجال هو عمل تنفيذي أم لا ؟ وإذا لم تستطع املأة ان تتصل بالرجال ، فكيف تستطيع ان تخرج قاضياً ، مجتهداً ومرجع تلقليد ؟
وثانياً : إن التعليم من المرأة ، هو إما واجب ، حيث إن إثبات وجوب تدريس الفقه والقضاء على المرأة ليس أمراً سهلاً ، أو هو ليس واجباً ، ومع ملاحظة أن سماع صوت المرأة مكروه للرجل ، لذا فان هذه المرأة لا تصل إلى الكمالات بالتدريس ، بل تبتلي بمنقصة وحزازة .
**************************************************************
(1) سورة المائدة ، الآية : 38 .
(2) سورة النور ، الآية : 2 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 362 ـ
جواب هذه الشبهة هو ، أولاً : إن العمل التعلمي هو غير العمل التنفيذي اليومي ، لأن التدريس في جمع المحققين يختلف عن الاعمال التنفيذية اليومية التي يرافقها اعتراضات ومواجهات وشكاوى من مئات الأشخاص فهذه الأعمال العلمية العميقة لا تؤدي إلى محذور ، فالطالب عارف الوظيفة والاستاذ عارف بالوظيفة أيضاً ، وثانياً : إذا استطاعت نساء ان يصلن إلى مقام الفقاهة الشمخ ، يصبح التعليم والتدريس واجباً عينياً ، في حالة أن المرأة تعلم مسألة من المسائل الإسلامية والرجل لا يعلم ، وإذا كانت هناك علوم يعرفها الرجل والمرأة أيضاً فالتعليم والتدريس هو واجب كافئي فإثبات وجوب تعليم الجاهلين ـ على المرأة ـ ليس أمرأً صعباً ، ولكن للتعليم أشكال ، فأحياناً بالكتابة ، وأحياناً يحصل بالشريط ، وأحياناً بالترديس الحضوري من وراء حجاب ، وأحياناً من دون حجاب .
إذا وصل شخص إلى المقام العلمي بحيث يستطيع التدريس في مستوى عال في الحوزات العلمية والمراكز العلمية والجامعات ، وإذا كانت المرأة من ( والقواعد من النساء ) فسن الشيخوخة يقتضي أن تتمتع بتخفيف في مسألة الحجاب ، في حالة ان لا تكون ( مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ )
(1) ، فكيف بالصوت ، فصوت المرأة ليس عورة من ناحية إذا أرادت ان تتكلم و لا يعتبر مثل الوجه ، رغم ان رعاية الحجاب ( خير لهن ) ، وحكم المسألة واضح .
وإن لم تصل إلى حد ( والقواعد من النساء ) ، فإن التعليم إما واجب عيني أو كفائي ، وسماع صوت المرأة إذا كان مكروهاً للرجل ، ولكن كراهية سماع الصوت للمرأة بعيد ـ إلا بدليل خاص ـ لأن مثل هذه الأحكام ليست ملازمة لبعضها البعض ـ مثل أن يقال : إن ستر مقدار من الوجه واليد ليس
**************************************************************
(1) سورة النور ، الآية : 60 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 363 ـ
واجباً على المرأة ، ولكن هل يستطيع الرجل النظر أم لا ؟ فلهذا حكم منفصل ، وفي حالة أن يثبت أن الإسماغع مكروه ، فهذه الكراهة هي مثل الكراهة في العبادات بمعنى ( أقل ثواباً ) ، لا أن تكون من نوع الكراهات الحزازتية الابتدائية ، بل هنا أهم ومهم وفي حالة التزاحم تعود كراهتها إلى ( اقل ثواباً ) .
بناء على هذا ، فالشخص الذي يتحمل هذه الكراهة ويدرس من أجل رضى الله ، سواء بصورة كتاب ، أو بصورة شريط ، وإذا لم يمكن ، فمن وراء حجاب ، أو بصورة حضورية . فهذا ليس فيه كراهة ، وإذا كان فيه كراهة فهي مثل الكراهة في باب العبادات .
وكمثال الخطبة المروية عن فاطمة الزهراء ( عليهم السلام ) في باب احتجاجات المعصومين عليهم السلام ، تتعلق بمسألة التعليم ، لم يكن واجباً ان تطرح الزهراء ( عليها السلام ) تلك الخطبة التوحيدية المفصلة من أجل استرداد فدك أو استحقاق خلافة زوجها ، هذه الخطبة كانت تعادل جزء من القرآن الكريم تقريباً .
كان الذين حفظا ونقولا تلك الخطبة قليلين ، من الحافظين والرواة لتلك الخطبة النورانية زينب ( عليها السلام ) ، فقد قهمت تلك المراة الصغيرة السن في ذلك الوقت الخطبة وروتها ، ما هي الضرورة في قراءة الزهراء عليهم السلام لهذه الخطبة التوحيدية الرفيعة في ذلك الجمع ، كان للتعليم والتدريس وللمناظرة السياسية والمشاركة والحضور في الساحة لاسترداد الخلافة وفدك .
مقارنة خطبة الزهراء مع بعض خطب نهج البلاغة (1) :
ورد حديث معروف في عظمة الزهراء ( عليهم السلام ) وأنه لو لم يكن علي ابن
**************************************************************
(1) الإشارة لخطبة الزهراء عليهم السلام وتفصيل الكلام كان بمناسبة اقتران الدرس بذكرى شهادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ( عليهم السلام ) .
جمال المرأة وجلالها
ـ 364 ـ
أبي طالب ، لم يكن للزهراء كفؤ وزوج ( آدم ومن دونه ) لتوضيح هذا الحديث ، من الجيد ملاحظة كلام الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في نهج البلاغة وكلام فاطمة الزهراء عليهم السلام حتى يشاهد التساوي بينهما ، بيان هذه المسألة هو
(1) :
ان العترة الطاهرة ليسوا منفصلين عن القرآن في أية مرحلة من المراحل العلمية لأنهم القرآن الناطق ، أي ليست هناك في القرآن مسألة لا يعرفها هؤلاء ، كما انه كل كمال لديهم ، موجود في القرآن ، وإلا يأتي محذور انفكاك القرآن عن العترة أو انفكاك العترة عن القرآن ، لذا كل وصف في القرآن الكريم موجود في العترة الطاهرة أيضاً ، آيات القرآن الكريم ليست كلها بمستوى واحد ، رغم ان جميع السور معجزة ولكن الإعجاز له مراحل أيضاً ، فمثلاً ان الى معراج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو معجزة ولكن العروج له درجات ، في بعض الدرجات كانت الملائكة عموماً وجبرائيل ( عليه السلام ) خصوصاً يرافقون النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وفي بعض آخر حين يصل إلى بحر النور ، هناك يظل الملائكة عند الساحل ويعبر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بحر النور ، أو هناك حيث الكلام في :
( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى )
(2) ...
هناك الكلام ليس في الفلك والملك . مع أن السير والعروج كله معجزة .
القرآن الكريم كله معجزة مثل معراج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن ( تبت
**************************************************************
(1) المصدر السابق .
(2) سورة النجم ، الآيتين : 8 ـ 9 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 365 ـ
يدا أبي لهب ) ليست مثل ( قل هو الله أحد ) والآيات الأخرى في القرآن ليست بدرجة ( شهد الله ) .
لذا أكد الحديث والسنة على أن نقرأ في الصلاة ( قل هو الله أحد ) ونقرأ ( شهد الله ) في التعقيبات ولم يذكر مثل ذكك الثواب لـ ( تبت يدا ) هذا من حيث المحتوى .
من الناحية الأدبية أيضاً ، ليست ( تبت يدا ) مثل :
( يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ )
(1) .
إن ( تبت يدا ) ليست بمستوى ( يَا أَرْضُ ابْلَعِي ) من ناحية الاعجاز الأدبي والفصاحة والبلاغة ، ولا هي بمستوى ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) من حيث المحتوى ، والحال ان جميع الآيات هي اعجاز إلهي ، لذا روي عن الإمام السجاد ( عليه السلام ) في حديث معروف رواه الكليني في الكافي والمرحوم الصدوق ـ في كتاب التوحيد ـ أن الله أنزل سورة ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وأوائل سورة الحديد حتى ( وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) لأنه كان يعلم ان أقواماً متعمقين يأتاون في آخر الزمان ، وقال ( فمن رام وراء ذلك فقد هلك )
(2) .
هذا هو الارشاد بنفي الموضوع ، أي لا تذهبوا من بعد ذلك ، ليس هناك طريق ، فتهلكون ، وليس ان هناك طريقاً وعليكم ان لا تتعمقوا ـ كما تصور البعض ـ فأيات القرآن مع أنها معجزة ، لكنها ليست بمستوى واحد ، كذلك نهج البلاغة ، قيل إن كلام الإمام إمام الكلام ، وكلام الإمام ملك الكلام
**************************************************************
(1) سورة هود ، الآية : 44 .
(2) أصول الكافي ، ج 1 ، 91 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 366 ـ
وفوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق ، ولكن الخطب والكلمات القصار والرسائل في نهج البلاغة لس بمستوى واحد ، رغم انها أفضل من مستوى الفصاحة المتعارفة ، في ذروة كلام الإمام ( عليه السلام ) في الخطبة التي تعتبر رغة الخطب بين سائر خطجب الإمام ، حيث يجب أن يقرأ الإنسان نهج البلاغة عدة مرات حتى يفهم هل ان هناك خطبة لهذه الخطبة أم لا ؟ هناك نرى أن الزهراء خطبت قبل ان يخطب علي مثل هذه الخطبة .
ان خطب أمير المؤمنين عليه السلام هي فوق الحد المتعارف ولكن لا يعني ذل كانه ليس بأتطاعة شخص ان يتكلم مثله .
عندما كان أمير المؤمنين عليه السلام يجهز جيشه للهجوم مرة ثانية على أهل صفين ، خطب خطبة رواها المرحوم الكليني قبل الرضي رحمة الله ـ لأن كثيراً مما ورد في نهج البلاغة رواه علماؤنا في جوامعهم الروائية في كتب كتبوها قبل نهج البلاغة بسنين وقبل ولادة المرحوم الرضي رحمه الله .
زمع أن المرحوم الكليني ألف كتابه بعنوا جامع الحديث ، لكن في بعض الأحيان كلاماً مثل ما قاله في آخر روايات صفات الذات وصفات الفعل ، لأن المرحوم الكليني لم يكن محدثاً فقط ، بل كان حكيماً متكلماً ، أصولياً أيضاً وكان له في المعارف حكم قوي ـ في آخر هذه الخطبة وضمن الإشارة إلى هذه الجملة الرفيعة : ( لا من شيء كان ولا من شيء خلق ما كان )
(1) .
قال : لو جمع الأنس والجن ، ولم يكن بينهم نبي ووصي وولي ، لا يستطيعون أبداً إيراد خطبة كخطبة علي ( عليه السلام ) ، وهذا يشبه تحدي سورة الإسراء حيث قال الله بشأن القرآن :
**************************************************************
(1) أصول الكافي ، ج 1 ، ص 136 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 367 ـ
( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً )
(1) ، وفي شرح ذلك القسم من أصول الكافي قال المرحوم صدر المتألهين : إن كلام الكليني هذا ليس مقبولاً باطلاق كان يجب أن يقول : لو جمع كل العماء فوق الأرض ولم يكن بينهم نبي من الأنبياء أولي العزم لا يستطيعون ان يتكلموا مثل علي .
هذه الخطبة هي التي قال عنها المرحوم المحقق الداماد في تعليقه على شرح أصول الكافي ، إن رفعة هذه الخطبة في انها أجابت على كثير من الشبهات ، لأن المفكر المادي الملحد يقول : إن الله تعالى ، إما خلق العالم الشبهات ، لأن المفكر المادي الملحد يقول : إن الله تعالى ، إما خلق العالم ( من شيء ) أو ( من لا شيء ) ـ لأن الشيء واللاشيء نقيضان وكما ان جمع النقيضين محال فرفع النقيضين مستحيل أيضاً ـ وبناء على هذا غذا قلنا : إنه خلق العالم من شيء فذلك الشيء هو مادة وأزلي وليس مخلوقاً لله ، وإذا خلق من لا شيء فاللاشيء هو عدم والعدم لا يمكن ان يكون مبدأ ومادة شيء .
قال المرحوم المحقق الداماد رحمه الله في تعليقه : إن هذا الخطبة العلوية أجابت على هذا التوهم وقال : أن نقيض ( من شيء ) ليس هو ، ( من لا شيء ) ، بل ان نقيض ( من شيء ) هو ( لا من شيء ) ، إذا خلق الله سبحانه العالم ( من شيء ) فالمحذور هو نفسه ، أما ( من لا شيء ) فهو ليس نقيض ( من شيء ) لأن نقيض كل شيء هو رفعه ، ان نقيض ( من شيء ) هو ( من لا شيء ) وليس ( من لا شيء ) ، لأن ( من لا شيء ) هو عدم وملكة والعدم والملكة ليست سلباً وإيجاباً أبداً ، وورد في الخطبة النورانية العلوية :الحمد لله الواحد الأحد الصمد المتفرد الذي لا من شيء كان ولا من
**************************************************************
(1) سورة الإسراء ، الآية : 88 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 368 ـ
شيء خلق ما كان )
(1) ، عندما يمدح الميرداماد رحمه الله هذه الخطبة ، والكليني يتكلم ذلك الكلام ، وصدر المتألهين يعبر ذلك التعبير ، فهذا دليل على أن هذه الخطبة تعتبر من غرر خطب أمير المؤمنين عليه السلام ولكن حتى في هذه الخطبة ليست الكلمات والجمل بمستوى واحد ، كما ان آيات سورة الحديد المباركة ليست في مستوى واحد ، أي أن هناك فرقاً كثيراً بين الآيات الست الأولى وبين الآيات الأخرى ، ولهذا السبب ورد في الرواية التي وراها المرحوم الكليني والمرحوم الصدوق عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ان سورة ( قال هو الله أحد ) والآيات الست الأولى من سورة الحديد للمتعمقين .
في الخطب كلمات ليست في مستوى واحد لكن هذه الخطبة من غرر الخطب وهذه الجمل في هذه الخطبة تعد من غرر جمل الخطبة .
بعد توضيح هذ المسألة ، لو راجعنا خطبة الزهراء عليها السلام نرى ان هذا التعبير الرفيع موجود في تلك الخطبة ، قالت الزهراء عليها السلام هذه الخطبة قبل علي ( عليه السلام ) بسنوات ، خطبة أمير المؤمنين كانت بعد حرب صفين والنهروان ، وفي أواخر فترة حكومته ، وبعد خمس وعشرين سنة من الجلوس في الدار ، ولكن فاطمة خطبت تلك الخطبة قبل حوالي ثلاثين سنة من هذه الخطبة وبينت تلك الجمل .
والآن وبعد هذا التفصيل يتضح لماذا لو لم يكن علي ، لما كان للزهراء زوج وكفؤ
(2) .
**************************************************************
(1) أصول الكافي ، ج 1 ، ص 138 .
(2) أصول الكافي ، ج 1 ، ص 461 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 369 ـ
نتيجة البحث :
بناء على هذا ، بالنظر لأن فاطمة الزهراء عليها السلام هي معصومة أولاً ، وثانياً : ان المعصوم مطلق ـ سواء نبي أو غير نبي ، فعله وقوله وتقريره ـ كلامه وسكوته وسلوكة وتعاملة ـ يعد سنة إسلامية ، ثالثاً : السنة هي حجة ، لذا فقول الزهراء وفعلها وتعاملها حجة ، وليس هناك فرق في حجية السنة بين الزهراء وعلي والحسن والحسين وسائر الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) ، إذا كان كلام علي بن أبي طالب وأبنائه الأحد عشر حجة ، بسبب عصمتهم ، فهذه الحجية والعصمة هي للزهراء ( عليها السلام ) أيضاً ، والسنة بهذا المعنى الواسع هي مصدر الفقه الإسلامي ، والفقه الإسلامي يتلقى أسسه من هذه المصادر ، ومعيار المصدرية هي العصمة أيضاً وفي النتيجة ان الزهراء ( عليها السلام ) هي إحدى مصادر الفقه الإسلامي .
بناء على هذا إذا كان الكلام في الكراهة فان تلك الكراهة تعود إلى ( أقل ثواباً ) ، علاوة على أنه عندما يصبح محور البحث ، هو العلوم الإسلامية ، فان المشاركين يأتون بحضور واخلاص ، وكذلك المدرسين بعفاف واخلاص ، وقطعاً يكون الجو ، جو عصمة وطهارة وإذا كانت هناك كراهة ، تضع حكمها تحت تصرف حكم الأهم ، حين التزاحم .
المرأة ومسألة الجهاد
ان المرأة تستطيع ان تتولى قسماً مهماً من مسألة الجهاد ، لأن الجهاد ليس كله تواجداً في الخندق واطلاق رصاص ، فرسم الخريطة وطرق المواصلات تعد من الاقسام المهمة للجهاد ، بالإضافة إلى المساعدات التموينية خلف الجبهة وفي الجبهة وهل ان المتواجدين في الجبهة يعملون كلهم عملاً عسكرياً ؟ ان قسماً منهم يتولى الأمور المتعلقة برسم الخرائط ، والمعلومات الحربية وغيرها ، الأمور العسكرية الشاقة والصعبة قالوا بأن لا
جمال المرأة وجلالها
ـ 370 ـ
تتصدى لها المرأة ، لا ان تكون محرومة من فيض الجهاد ، أو أن لا تدافع إذا كان البلد في حالة دفاع وحرب ومهدداً من قبل الأجانب ، ومن لوازم الدفاع التدريب العسكري ، طبعاً يجب أن يكون التدريب العسكري للنساء مفصولاً عن الرجال ، كما هو التدريب في سائر الفنون ـ ولكن تحت قيادة واحدة ، تقوم بالجهاد في الجبهة وخلف الجبهة ، إذن لم تحرم المرأة من أي من هذه الميادين ، بل إن المرأة بمستوى الرجل في أكثر المصاعب والامانات وفي كثير من المصائب والمشاكل .
ان القول بأن الحرب والجهاد ليست وظيفة المرأة بتعلق بالجهاد الابتدائي حيث قالوا انه يتعلق بالإمام المعصوم ( عليه السلام ) ، وبعض فقهائنا رضوان الله عليهم قالوا : إنه لا يختص بالإمام المعصوم ، أما إذا أصبحت المرأة قائدة فرقة في الحروب الدفاعية ورد كيد الأجانب فان ذلك ليس جائزاً فقط بل أحياناً يكون واجباً ، لأن الدفاع لا يختص بالمرأة والرجل ، أينما كان دفاع فالمرأة مثل الرجل وتتواجد في جميع الميادين الحربية وغير الحربية ، لذا يجب أن تتعلم الفنون العسكرية حتى تكون مدافعة حين الدفاع او الشعور بالخطر تكون فائدة فرقة نساء ، وتدفع خطر العدو إلى جانب الرجال ، وهم منفصلون عن بعضهم على أساس تقسيم العمل .
المرأة والهجرة
الهجرة التي هي حمل ثقيل في الكفاح ، واجبة على المرأة والرجل أيضاً ، والهجرة تذكر تذكر دائماً مع الجهاد إلى جانب بعضهما ، وكان في صدر الإسلام مهاجرون ومهاجرات ، والآن الهجرة ليست خاصة بالرجل بل هي واجبة على الفئتين .
في الهجرة إلى الحبشة كانت المرأة مع الرجل في السفر ، وفي الهجرة
جمال المرأة وجلالها
ـ 371 ـ
إلى المدينة كانت المرأة مثل الرجل ، وبعد ان قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ )
(1) .
هذه الهجرة للجميع ، وفي النتيجة ليس ان كل عمل سهل يكون للمرأة وكل الأعمال الصعبة تكون متعلقة بالرجل ، بل ان المرأة والرجل متساويان في بعض الأعمال الشاقة مثل الهجرة والدفاع ، لأن الحمل الأساس تحمله إنسانية الإنسان ، وفي الإنسانية ليس هناك فرق بين المرأة والرجل .
التعيين في الأعمال التنفيذية والعبادات :
هناك شبهة في بعض الأذهان وهي ان تقسيم الأعمال التنفيذية يمنع حصول النساء على الفضائل ، هذه الشبهة هي من أثر عدم الالتفات إلى نظام الفضيلة في الإسلام ، ان نظام الفضيلة في الإسلام يغاير معايير المدارس الأخرى ، فنحن لدينا تعبد ، وهذا التعبد هو عامل تقربنا ، يجب أن نعبد الله وكل من كان أكثر تعبداً فهو أقرب ، ولكن عبادة الله في أي شيء ؟ هل العبادة في ان نعمل وفق آرائنا واقتراحاتنا أو نسلك طبقاً لأمر الله ؟
إذا كان شخص يطمح في التكامل والفضيلة ، فان معيار التكامل والفضيلة يجب ان يضمنه الوحي الإلهي ، والوحي الإلهي قسم ووزع البرامج ، ان المرأة لا تستطيع ان تقول أبداً : نظراً لأنني محرومة من بعض وظائف الرجل ، فانني محرومة من فضائل تلك الوظائف ، لأن هناك ثواباً لكل عمل تنفيذي ويعطي كل شخص ثواباً بمقدار الاخلاص ، إذا كانت الأعمال التنفيذية مشخصة للرجل والثواب معيناً فكذلك الأعمال التنفيذية
**************************************************************
(1) سورة الممتحنة ، الآية : 10 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 372 ـ
والثواب مشخصة للمرأة ، فمع أنها حرمت من الصلاة على أساس ( دع الصلاة أيام أقرائك ) ، لكنها تستطيع ان تحصل على ثواب الصلاة بأن تتوضاً وتجلس في مصلاها باتجاه القبلة وتذكر بمقدار الصلاة ، ولا يمكن القول : ثواب هذا العمل أقل ، أو أن القيام به صعب ، الطريق مفتوح وإذا لم يرد الشخص ان يجاهد فهذا على عاتقه ، ولو كان في هذا المقدار حرج لما أمر به الدين
. بعض الأوامر يقوم الدين بتبديلها إلى أمر آخر بشكل مؤقت للسهولة ، مثلاً يقول للمسافر أن يصلي بدل أربعة ركعات ركعتين ، ولكن لتعويض ثواب تينك الركعتين الناقصتين يقول له ان يأتي بالتسبيحات الأربع ثلاثين أو أربعين مرة بعد الصلاة ، هذه طريقة ترميم ، وفي مجال المراة هكذا أيضاً ولا يمكن القول إن هذا حرج ، وإذا كان الوضوء حرجاً لها أو صعباً يتبدل الوضوء ليس إلى تيمم كما في الحال العادي ، هنا يتبدل الوضوء إلى تيمم ، والوضوء ليس رافع حدث في المسألة ، بل هو من أجل أن يكون للإنسان هذا التأدب ، ويستطيع ان يستفيد بصورة أصح من ذلك الذكر ، بناء على هذا فان القرآن ما لم يفتح طريقاً ، لا يسد طريقاً .
سؤال ممثلة النساء للنبي :
هذه الشبهة طرحت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأجاب عليها بجملة قصيرة ، وهذا السؤال والجواب ذكره الأستاذ العلامة الطاطبائي ـ رضوان الله عليه ـ في تفسير الميزان نقلاً عن كتاب ( الدر المنثور في التفسير بالمأثور ) خلال ( البحث الروائي ) لبعض آيات سورة النساء
(1) .
يتبين أن هذا النوع من الأسئلة والاشكالات كان مطروحاً في زمن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
**************************************************************
(1) تفسير الميزان ، ج 4 ، ص 37 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 373 ـ
روي عن البيهقي في الدر المنثور ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان ذات يوم جالساً بين أصحابه فجاءت اسماء بنت يزيد الانصارية وقالت : بأبي أنت وأمي اني وافدة النساء إليك واعلم نفسي لك الفداء انه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأي ، أن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء .
فآمنا بك وبالهك الذي ارسلك ، وانا معشر النساء محصورات مقسورات ، قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم ، وحاملات أولادكم ، وانكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات ، وعيادة المرضى ، وشهود الجنائز ، والحج بعد الحج ، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله ، وان الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم ، وغزلنا لكم أثوابكم ، وربينا لكم أموالكم ، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله ؟ فالتفت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى أصحابه بوجهه كله ، ثم قال : هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه ؟ فقالوا : يا رسول الله ، ما ظننا ان امرأة تهتدي إلى مثل هذا فالتفت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم قال لها : انصرفي أيتها المرأة واعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها .
وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ، فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشاراً .
رؤيا آمنة ( عليها الرحمة ) أم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
روي ان هذه المرأة نظرت إلى طفلها محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أيام مرضها وقالت : إن تلك الرؤيا التي رأيتها في عالم النوم إذا هي حق فأنت تبعث إلى الأنام .
فـأنت مـبعوث إلى iiالأنام تبعت في الحل وفي الحرام |
جمال المرأة وجلالها
ـ 374 ـ
تـبعث بالتوحيد iiوالإسلام دين أبيك البر إبراهام (1) |
نظمت شعراً في حالة المرض وقرأته على طفلها الصغير ، ورحلت .
وآمنة هذه استطاعت ان تربي هذا النبي ، لأنه رغم ان آمنة كانت تعيش في جو الجاهلية ولكن كان لديها نهج إبراهيمي ، مثل هذه المرأة تربي مرجعاً ، مفسراً ، حكيماً ، عرافاً ، فقيهاً ، أديباً هذه المرأة تستطيع ان تربي مجاهداً وأخيراً هذه المرأة تستطيع ان تربي ولي المسلمين وقائد المسلمين .
ان ما قاله إمام الأمة ـ رضوان الله تعالى عليه : ( من حضن المرأة ، يذهب الرجل إلى معراج )
(2) هي حقيقة أخذت من الروايات ، يجب ان لا يتخيل شخص ان المرأة محرومة من فضيلة لأنها لا تذهب إلى الجبهة ، تستطيع المرأة بحسن التعامل ، بالإدارة الصحيحة لشؤون المنزل ، بالقناعة ، بالتربية الرقيقة للأبناء ، بالسلوك المؤدب ، وحفظ العفاف واللباس أمام الأولاد ، وتربية أولاد نجباء ومئات الوظائف المطروحة في إدارة المنزل ، ان تجبر نقص تلك الفضائل ، حيث ان هذه تعادل جميع الفضائل التي وردت للرجال .
من الشبهات الأخرى التي تطرح بسبب عدم ملاحظة معايير القيم في القرآن الكريم ، ويؤكد عليها بسبب رسوخ الثقافة الجاهلية والغريبة في الأذهان ، مسألة ديه الوارث بين المرأة والرجل .
معيار قيمة الإنسان ومسألة الدية
إن ما يطرح كمعيار تقييم هو هل ان المرأة تستطيع ان تتكلم مع الملائكة وتسمع دعوة الله ، أم لا ؟ أما في ما يتعلق بمسألة الدية ، وهو لماذا
**************************************************************
(1) الدر المنثور ، ص 1 ـ 17 .
(2) صحيفة النور ، ج ، ص 194 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 375 ـ
كانت دية المرآة أقل من دية الرجل ؟ يجب القول في الجواب : هل ان قيمة الإنسان هي بقيمة بدنه حتى نقيم الامتياز في الديات ؟
هل يجب الذهاب وراء الدية لتقييم الإنسان في الإسلام ، حتى نبحث عن الفارق بين المرأة والرجل في الدية ؟ أم أنه يجب معرفة القيمة الحقيقة للإنسان هناك حيث الكلام في الارتباط مع الملك والوحي وأمثال ذلك ؟ حتى يرى في النهاية هل ان المرأة لها سهم هناك أم لا ؟
إن مسألة الدية هي أمر اقتصادي صرف ، وليست هي معيار تقييم الإنسان ، فكما ان في الشريعة تعينت للكلب دية ـ إذا لم يكن من الكلاب العقورة ، كذلك جعل لجسم الإنسان دية أيضاً ، الدية هي حساب فقهي وليس لها ارتباط جعل لجسم الإنسان دية أيضاً ، الدية هي حساب فقهي وليس لها ارتباط بقواعد الدين ، فأهم الشخصيات الإسلامية يتساوى مع أبسط الأشخاص من حيث الدية ، دية مرجع تقليد ، دية إنسان متخصص ، دية إنسان مبتكر ، مع دية عامل بسيط هي واحدة في الإسلام ، بسبب ان الدية ليست عاملاً في تعيين القيمة وهي أداة فقط ، إن معيار القيمة هو الذي جاء في القرآن ( ان أكرمكم عند الله أتقاكم )
(1) .
خلاصة الكلام : أولاً : ان البدن ليس أكثر من أداة ، ولهذا البدن ديته مشتركة سواء كان هيكل مرجع تقليد ، أو فقيه ، أو طبيب أو مهندس ، أو مبتكر أو هيكل عامل بسيط .
ثانياً : ان التقييم يتعلق بروح الإنسان ، وروح الإنسان لا تتلاشى ولا تصبح مقتولاً حقيقياً حتى يدفع عنها دية ، بل ان الذي يتضرر هو البدن ، والبدن يقيم باداة مادية كما تبين ، بناء على هذا فالمرأة والرجل بنفس المستوى من حيث الوحي ، ورغم ان الوحي التشريعي ينزل على الرجال لأنه
**************************************************************
(1) سورة الحجرات ، الآية : 13 .