أقسام الإباء والامتناع :
  الإباء على نوعين :
  1 ـ إباء اشفاقي ، وهذا النوع من الإباء ليس مذموماً ، فالشخص العاجز عن تحمل تكليف يأبى ، ولكن إباءه ، هو إباء إشفاقي وليس له مذمة ، كما في قوله تعالى : ( إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين ان يحملنها وأشفقن منها ) .
  هنا ليس في الأمر ذم ، لأنهما لم تكونا قادرتين فأبين .
  2 ـ إباء استبكاري : يكون الإباء استكبارياً عندما توجد قدرة على الفعل ، ولكن في نفس الوقت يتمرد ، لذا تعبير القرآن عن إباء الشيطان ممزوج بالاستكبار ( أبى واستكبر وكان من الكافرين ) .
  من هنا يتضح أن محور نقد الشيطان ومحور سؤال الملائكة هو في رؤيتهم البدن ، وإلا لا الملائكة أدركت روح الإنسان ، ولا الشيطان كان عالماً بروحه ، الملائكة رأت الجنبة ، المادية والبدن ، لذا سألوا : ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ) .
  كما ان الشيطان رأى البدن وقال : ( خلقتني من نار وخلقته من طين ) .
  آدم ، معلم ، الاسماء :
  وقد رفع الله ، في مقام الجواب ، الحاجب ، بحيث أطلع الملائكة وعلمهم ، وعلم الشيطان أيضاً مع هذا الفرق وهو أن تعليم الشيطان رفقه

**************************************************************
(1) سورة الأحزاب ، الآية : 72 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 102 ـ

  طرد ، وتعليم الملائكة امتزج بالتقرب ، قال تعالى للملائكة : ( إني أعلم ما لا تعلموم ) (1) .
  ثم بين الأمر للملائكة هكذا وقال : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ ) (2) .
  قال للملائكة : إن خليفته ليس مصداق ( مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ) ، بل خلفيته العارف بحقائق العالم ومتعلم الاسماء ، والذي يسفك الدماء ، على أساس ( اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ ) (3) ، ويقبل بمسألة سفك دماء البدن أو يقبل بالفساد ، فالإنسان من ناحية ان لديه روحاً عالمة طبق ( وعلم آدم الاسماء ) هو خليفته ، حيث انه تعالى ذكر أن آدم ليس مسجوداً من ناحية أنه خلق من طين ، وخرج من تراب ، بل من ناحية أنه يمر من الأفلاك .

عدم شأنية الملائكة للتعلم
  عندما طرح الله مسألة تعليم الاسماء عرف الإنسان الكامل معلماً للملائكة ، وجعل الملائكة تلاميذ الإنسان ، وليس تلاميذ الله ، ولو كان للمائكة شأنية كسب العلم من الله بدون واسطة ، لم يكن عند الله تعالى إمساك وبخل عن قبولهم . فيتضح ان الملائكة ليس لهم شأن في أن يكونوا تلاميذ الله بلا واسطة بدليل انه : ( وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ) (4) .
  كما ليس لهم لياقة لأن يصبحوا عالمين وبحقائق جميع الاسماء ، بل هم

**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 30 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 31 .
(3) سورة التوبة ، الآية : 38 .
(4) سورة الصافات ، الآية : 164 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 103 ـ

  يعرفون فقط في حد الأنباء عن حقائقها ، ولو كان غير هذا لقال الله تعالى لآدم : يا آدم علمهم باسماء هؤلاء .
  ولأنه لم يقل لآدم : كن معلمهم ، بل قال : ( أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ ) (1) .
  أي أنبئهم بالاسماء ، لا تعليم الأسماء يتضح أولاً : ان الملائكة هم دون ان يجعلوا تلاميذ الله بلا واسطة ، وثانياً : هم دون ان يكونوا تلاميذ ومتعلمين لجميع الاسماء ، بل يجب ان يكونوا مستمعين صرفاً ويسمعون النبأ فقط ، وليس كل المسائل .
  عندما تكلم الله تعالى عن هذه الساحة أفهم الملائكة ان خليفته هو معلم ومنبيء وعالم الاسماء ، وقال للشيطان إن خليفته ، ليس الذي خرج من التراب ، بل الشخص الذي له إحاطة ، بالتراب أيضاً ، وذلك .
  أولاً : معنى الخلافة هو ان يكون شخص خليفة ( المستخلف عنه ) .
  ثانياً : في معنى الخلافة أخذت غيبة المستخلف عنه ، لأن المستخلف عنه إذا كان له حضور ، فلا محل للخلافة .
  ثالثاً : معنى الخلافة هو ان يأتي شخص الخليفة من خلف المستخلف ، لا من الأمام واليمين واليسار لذا يجب ان يكون للمستلف عنه خلف ، أي يكون محدوداً حتى يكون هناك محل للخليفة .
  رابعاً : ولأن الله تعالى هوالمحيط الكل ، وليس له خلف وغايبة حتى يملأ شخص ذلك الخلف والغيبة ، في النتيجة يجب أن يكون خليفة الله محيطاً أيضاً ، حتى يستطيع تحمل لياقة خلافة الله ، وهو لا يمكن ان يكون إلا

**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 33 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 104 ـ

  الإنسان الكامل ، لأنه مظهر تشبيه وتنزيه وجامع كل الاسماء الحسنى ، و ليس الملائكة الذين هم جامعون الاسماء التنزيهية فقط ، ولا الحيوانات وغير الحيوانات التي لديها الاسماء التشبيهية فقط ، فالإنسان هو الذي يتوفر فيه الجلال والجمال والتشبية والتنزيه والإنسان يستطيع ان يدل على المحيط ، لذا فهو خليفة محيط .
  يتضح من هذا البيان ان من هو خليفة الله له مقام أرفع من نشأة البدن ، وذلك المقام لائق للخلافة ، وما فوق نشأة البدن ، ليس محلاً للذكورة والأنوثة ، وعلى أساس هذا التحليل فان خليفة الله ليس امرأة ولا رجلاً ، بل هو إنسان ، مسجود الملائكة ليس أمرأة ولا رجلاً ، بل هي إنسانية الإنسان .

عدم اختصاص الخلافة بآدم
  الموضوع الآخر هو : أنه في مسألة الخلافة رغم ان الخطاب أحياناً لآدم وأحياناً الضمير بصورة مفرد أو مذكر وأمثال ذلك ، ولكن هذا ليس بمعنى ان الخلافة أو السجود لآدم وأمثال ذلك ، خاص بآدم عليه السلام أو مختص بالرجل ، والأدلة الدالة على هذا الموضوع عبارة عن :
  1 ـ محور تعليم القرآن الكريم هو التعليم ، والتعليم عام أيضاً .
  2 ـ في قضية آدم عليه السلام هذه يذكر مسألة عداوة الشيطان لآدم وحواء في إحدى السور بضمير مفرد وفي سورة أخرى بضمير تثنية ، ويتضح من هذا الأسلوب في البيان أن إتيان الضمير مفرداً في أحد المواضع ، هو لأجل الغشعار بأن الممثل هو شخص واحد ، لا من أجل أن العمل مع شخص واحد ، وحين يقول الله تعالى لآدم : إن الشيطان عدوّ له ، فذلك من أجل ان آدم يتكلم بصفة ممثل للناس ، وهم يتكلمون مع آدم بصفته ممثلاً ، لا بمعنى أن الشيطان بصفة ممثل للناس ، وهم يتكلمون مع آدم بصفته ممثلاً ، لا بمعنى أن الشيطان هو عدو لآدم فقط ، وليس له شغل مع حواء ، ولهذا يذكر عداوة

جمال المرأة وجلالها   ـ 105 ـ

  الشيطان في سورة أخرى بضمير تثنية ويقول : ( لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) (1) .
  هذا أولاً ، وثانياً ، عندما يكون الكلام عن الوسوسة وتأثر آدم ، يذكر تعالى هذا المعنى بضمير مفرد في محل من القرآن ، وبضمير تثنية في محل آخر فيقول : ( وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) (2) .
  يقول صدر المتألهين في تفسير هذه الآية : العدو ، أي الشيطان أقسم لآدم وحواء عليه السلام أنني اتصرف معكما بنصح ، ثم أغواهما ، والحال بالنسبة لنا أقسم ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين ) ماذا سيفعل ؟ الله أعلم ، الشيطان أقسم بشأن آدم وحواء انه سيتصرف معهما بطريق النصيحة ( وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) أما بشأن بني آدم فأقسم ( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) ، هناك قال تعالى : ( وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) ، ثم قال تعالى : ( فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ ) ، ثم ذكر هذه المسألة بضمير مفرد في آية وقال : ( يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى ) .
  وفي آية أخرى بين بضمير تثنية ، وقال : ( ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا ان تكونا ملكين أو تكونا من

**************************************************************
(1) سورة الأعراف ، الآية : 22 .
(2) سورة الأعراف ، الآية : 21 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 106 ـ

  الْخَالِدِينَ ) (1) ، هنا يفسر الشيطان كلام الله بالرأي ، فالذي يدّعي ( أنا خير منه ) إذا سمع كلام الله أيضاً يفسره بالرأي في ان الله نهاكما وقال : ( وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ) (2) .
  هو لأنه إذا اكلتما من هذه الشجرة تصبحان ملكين وتلدان إلى الأبد ، وأن الله نهاكما من أجل ان لا تكونا خالدين ، ( مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ) ، وهذا المعنى ذكر بضمير مفرد في محل آخر في القرآن بصفة خطاب لآدم ( يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى ) .

الدلالة ، التدلية
  ثم يقول تعالى في هذه المسألة : ( فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ ) (3) .
  التدلية ، أي التعليق ، هو إخلاء أسفل القدم بالشكل الذي يزل الإنسان .
  لذا عبر بـ ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ ) (4) ، والإنسان يزل عندما يكون قد تعرض للتدلية ، ذهب بحجة الدلالة وقام بالتدلية ، في جميع الحالات ذكر ضمير التثنية ، ولكن هنا ذكر ضمير المفرد وهذا يختم أيضاً ذلك الظن الباطل في أن يتخيل شخص ان الشيطان نفذ عن طريق المرأة ، بل خدعهما كليهما في آن واحد ، و إذا كان هناك محل لمثل هذا التوهم ، وكان هناك

**************************************************************
(1) سورة الأعراف ، الآية : 20 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 35 .
(3) سورة الأعراف ، الآية : 22 .
(4) سورة البقرة ، الآية : 36 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 107 ـ

  إمكان لقول الباطل يجب أن يقدم الإنسان هذا الباطل وهو أن الشيطان خدع المرأة عن طريق الرجل ، لا أنه خدع الرجل عن طريق المرأة ، رغم ان هذا هو أيضاً خيال باطل كما أن ذلك هو ظن باطل ، لأن الشيطان نفذ إليهما مباشرة ، ولم يخدع الرجل عن طريق المرأة ـ كما يعتقد البعض ولا خدع المرأة عن طريق الرجل ، قد يستفيد شخص ساذج التفكير مثل هذه الاستفادة من الآية ( هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ) .
  بناء على هذا ، فإن مجيء الضمير مفرداً هو بسبب ان آدم كان بصفة مخاطب أوّلي وبصفة ممثل ، بصفة انه مستمع وترجمان وناطق ، ولذا في كل هذه المسألة ليست هناك أية خصوصية لآدم .
  ثالثاً : مسألة ( إهبطا ) (1) لكليهما و ( اهبطوا ) (2) للجميع ، هذا الموضوع له اشعار بأن ما تعود إليه الخلافة هي الإنسانية وما هو موضع عداوة الشيطان هي إنسانية الإنسان أيضاً ، عندما يأخذ الشيطان إنسانية الإنسان منه ، ويجعله في زمرة أوليائه عند ذلك تتبدل العدواة إلى ولاية ، حيث ان هناك بعض الناس تحت ولاية الشيطان ، ويذكرهم القرآن بصفة ( أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ ) (3) .

ذكر شواهد قرآنية (3)
  تمهيد خلافة الإنسان :
  يرى القرآن الكريم ان الكمالات العليمة والعملية تشير إلى مقام الإنسانية ، وذلك المقام منزه عن الذكورة والأنوثة ، فكثير من الرجال قد يسقطون ويصبحون مصداق :

**************************************************************
(1) سورة طه ، الآية : 123 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 36 .
(3) سورة النساء ، الآية : 76 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 108 ـ

  ( أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ) (1) .
  وكثير من النساء قد يصبحن مشمولات لقوله تعالى : ( يا أيها النفس المطمئنة * أرجعي إلى ربّك راضية مرضية ) (2) .
  ما يطرح في هذا البحث هو تفصيل للبحث السابق ، وهو لماذا يصل الإنسان إلى هذا المقام الرفيع ؟
  في القرآن الكريم كثير من الفضائل العلمية مطروحة ، وهي باسم إنسانية الإنسان ، وبعض الفضائل لا يصل إليها الملائكة أيضاً ، فإذا ثبت هذان الموضوعان ، عند ذلك سيتضح سر سجود الملائكة لساحة إنسانية الإنسان .

المقامات العلمية للإنسان
  الموضوع الأول ، وهو أن المقامات العلمية تتعلق بإنسانية الإنسان ، ولا تختص بالمرأة أو الرجل ، بعض الآيات التي يستدل بها في هذا المجال هي آية سورة الأعراف التي تقول : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ) (3) .
  نشأة أخذ الميثاق وساحة أخذ الميثاق نزلت بصفة بني آدم ، ورغم أن الألفاظ التي استعملت في هذه الآية هي ألفاظ مذكر ، ولكن واضح ان عنوان الآية هو بنو آدم ، وكلمة بنين ليست في مقابل بنات بل هي عنوان أبناء آدم ،

**************************************************************
(1) سورة الأعراف ، الآية : 179 .
(2) سورة الفجر ، الآيتين : 27 ـ 28 .
(3) سورة الأعراف ، الآية : 172 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 109 ـ

  لا أولاد آدم ، الآية يقول : إن جميع الناس قالوا : ( بلى ) في أخذ الميثاق أي شاهدوا عبوديتهم ، وادركوا ربوبية الله سبحانه وتعالى بالعلم الشهودي ، لا إنهم فهموا بالعلم الحصولي ، هذا المقام الرفيع يتعلق بإنسانية الإنسان بدون تدخل المذكر والمؤنث ، هذا مثال .
  مثال آخر هو آية سورة الروم المعروفة بآية الفطرة : ( فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) (1) .
  في هذه الآية ذكر الناس ، لا المذكر والمؤنث ، إذ يقول تعالى : إن الناس خلقوا على الفطرة التوحيدية ، هذه القضية لا تختص بالماضي أو الحاضر ، بل المستقبل أيضاً محكوم بهذا الحكم ، لأنه قال ( لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) بعنوان ( لاء نفي الجنس ) .
  مثال ثالث هي آية سورة الشمس التي تقول : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) (2) .
  الإنسان ملهم بالفجور والتقوى ، وفي حين ولادته لا يعرف شيئاً عن العلوم والحصولية .
  ( وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا ) (3) ، عندما يأتي الإنسان إلى الدنيا ليس لديه سهم عن العلوم الخارجية ، فيتعلمها بالدرس والبحث ، ولكنه يعرف ويستفيد من العلم الداخلي ، العلوم المتعلقة بالتهذيب والتزكية ، وهي رأسمال أساسي ولا يوجد في آية مدرسة ،

**************************************************************
(1) سورة الروم ، الآية : 30 .
(2) سورة الشمس ، الآيتين : 7 ـ 8 .
(3) سورة النحل ، الآية : 78 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 110 ـ

  تلك العلوم خلقها الله مع الإنسان وأعطاها له بعنوان رأس مال أول ، وأما العلوم الحصولية فقد قال للإنسان أن يتعلمها عن طريق الكسب والعمل ، والسمع والبصر ، والفؤاد ، أما العلم الذي لا يوجد في مدرسة البشر فقد اعطاه للإنسان بعنوان رأسمال ، في هذه الآية لم يرد كلام عن المذكر والمؤنث أيضاً ، بل كلام عن ( ونفس وما سواها ) ، لأن كل روح تخلق على الفطرة التوحيدية ، وهي ملهمة بالفجور والتقوى ، وقد التزمت في ساحة أخذ الميثاق ، لذا في سورة الحشر ، كل روح مكلفة بالمراقبة والمحاسبة ، وليس هناك كلام عن المرأة والرجل .
  ( ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) (1) .
  في هذه الآية ليس الكلام في أن يكون الرجل مراقباً ، أو يكون أهل محاسبة ، بل كل نفس يجب ان تكون رقبية ، أو حسيبة لنفسها ، وطريق التهذيب ( وهو طريق المراقبة وطريق المحاسبة ) يتعلق بالنفس الإنسانية ، لا بالمذكر ولا بالمؤنث .

الإنسان حامل الأمانة
  الأمثلة العلمية التي ذكرت تشير إلى أن الإنسان يستطيع ان يقوم بالعمل الذي تعجز عنه الجبال والأرض والسماوات ، والآية الأخيرة في سورة الأحزاب تفهم هذا المعنى .
  ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين ان يحملنها واشفقن منها ) (2) .
  وأما قوله : ( وحملها الإنسان ) الإنسان ، لا يختص بالمذكر

**************************************************************
(1) سورة الحشر ، الآية : 18 .
(2) سورة الاحزاب ، الآية : 72 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 111 ـ

  والمؤنث ، ولأن الإنسان الذي تشرحه المعارف العليمة في تلك ، الآيات ، دخل إلى هذا المقام المنيع ، لذا في نهاية سورة الأحزاب وصل إلى هذا المقام الرسمي ، واستطاع بتلك الرساميل وحمل ثقل القرآن والولاية ، والمعرفة والدين وأمثالها ، ولم يكن ليحمل هذه الأمانة الثقيلة ولا يحملها ويكون مصداق ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها ) (1) ، بل يحمل بإرادته ، لذا لم يقل حمّل عليها ، ولم يحمل ، بل قال : ( وحملها الإنسان ) .
  وعليه فان هذا الإنسان الحامل لثقل الأمانة هو أوزن وأثقل من كل كائن مادي ، وفي هذا القسم ليس هناك كلام عن المذكر والمؤنث أيضاً .
  ثم نصل إلى مرحلة أعلى من هذه ، وهي أن الإنسان إذ سار حاملاً رأسمال أخذ الميثاق حسب آية سورة الأعراف وحاملاً رأسمال الفطرة ، حسب آية سورة الروم ، ولديه رأسمال الإلهام حسب سورة والشمس ، وبإداء وظيفة المحاسبة والمراقبة الرسمية حسب سورة الحشر ، عند ذلك سوف يحصل على قدرة ترفع هذا الثقل ويعبر السماوات والأرض ، وإذا رفع هذا الإنسان الحمل الالهي عند ذلك لا يكون في الارض ، ولا في السماء ، وحين يخرج من حدود هذا النظام الدنيوي ، عند ذلك لا يكون الكلام على الرجل ولا المرأة ، الكلام فقط عن إنسانية الإنسان ، ويتضح من قوله : إن الجبال عاجزة عن حمل هذه الأمانة ، أو قوله إن السماوات عاجزة عن حملها ، وأن الإنسان هو الذي يحملها ، ان الإنسان يعبر هذا السقف المقرنس ، ويصل إلى درجة ليست في متناول السماء والأرض أيضاً .

تكلم الله مع الإنسان
  الآن يجب رؤية هل ان الإنسان يستطيع ان يصل إلى درجة ليست في

**************************************************************
(1) سورة الجمعة ، الآية : 5 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 112 ـ

  متناول الملائكة ؟ في الجواب يجب القول : إذا استعمل هذه الرساميل وأوصل هذا الحمل إلى المقصد بصورة صحيحة ، يصل إلى درجة ليست في متناول الملائكة أيضاً .
  أخيراً أحد الحواميم السبعة لهذه الآية الكريمة موجود وهو : ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً ومن وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء ) (1) ، أي أن الإنسان يستطيع بأحد هذه الطرق الثلاثة ان يكون مستمعاً لله ويدرك الكلام الإلهي ـ بصورة قضية منفصلة منعة الخلو ، وهي قابلة للجمع أيضاً .
  الأول : عن طريق الوحي بدون واسطة ، وفي ذلك المقام لا توجد فاصلة وواسطة بين الإنسان الكامل والله تعالى ، لا الفلك تفصل ولا الملك واسطة ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا ) .
  الثاني : ( أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ ) شبيه بما جاء في شأن موسى الكليم عليه السلام الذي سمع من وراء حجاب الشجر ( إِنِّي أَنَا اللَّهُ ) (2) .
  الثالث : ( أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء ) ، بناء على هذا ، فإن الإنسان يصل إلى درجة يتلقى فيها الوحي من الله بدون واسطة ، وفي ذلك القسم لا تصل الملائكة .
  جاء بشأن معراج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان بعض آيات القرآن الكريم تلقاها بصورة مشافهة ، وقيل : إن الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة هما من هذا القبيل ، أي آية ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ

**************************************************************
(1) سورة الشورى ، الآية : 51 .
(2) سورة القصص ، الآية : 30 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 113 ـ

  بِاللَّهِ )(1) وآية ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) (2) ، حيث تلقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم هاتين الآيتين من الله تعالى شفاهاً بلا واسطة ، وبعض غرر آيات القرآن الكريم هي من هذا القبيل ، لم يكن الملك دخيلاً في تلقيها ، إذ أن جبرائيل عليه السلام قال في مسألة المعراج طبق رواية ( لو دنوت أنملة لا حترقت ) (3) .
  بناء على هذا فإن الإنسان الكامل يدخل في مرحلة لا يستطيع الملك ان يحلق فيها .
  مثال آخر ورد في هذا الصدد جمل أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل حيث قال : بأن بعض اسرارنا الباطنية لا يفهمها الملائكة ، ورغم ان الله تعالى أمر الملائكة بتسجيل أعمالنا ، ولكن تلك الخاطرات الدقيقة ، رقيقة إلى درجة ان الملائكة لا يستطيعون خرق حجابها النوري وفهم ذلك السر المخفي ( والشاهد لما خفي عنهم وبرحمتك أخفيته وبفضلك سترته ) (4) .
  الله تعالى بتولى مباشرة بعض أعمالنا ، فهو يقول : ( وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ) (5) .
  ويقول تعالى : ( وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ) (6) .
  وذلك أحياناً من أجل أن لا يعطيه بيد الملائكة ، حتى يبقى سراً بين العبد والمولى ، ذلك الحاجب يكون قائماً لكي لا يراق ماء وجه العبد أمام

**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 285 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 286 .
(3) بحار الأنوار ، ج 18 ، ص 382 .
(4) دعاء كميل .
(5) سورة يس ، الآية : 12 .
(6) سورة النساء ، الآية : 81 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 114 ـ

  أي ملك ، والله تعالى هو حسيب ذلك القسم من السيئات .
  بناء على هذا فلكل واحد من الملائكة حدّ معين : ( وما منّا إلا ما مقام معلوم ) (1) ، وان ما يذكر في بعض الأسئلة انه إذا كانت الملائكة مأمورة بتسجيل عقائدنا ونياتنا وخطراتنا ، وأقوالنا وأعمالنا ، فهم إذن يتمتعون بنشأة علمية واسعة وعميقة .
  هذه المسألة صحيحة ، ولكن في بحوث الرؤية الكوية يجب عدم جعل الأفراد العالين معياراً ، الكلام ليس في الاشخاص الكلام في مقام الإنسانية ، فعندما يدور الأمر بين مقام الإنسانية ومقام الملائكة عند ذلك يتضح أن مقام الإنسانية يمكن ان يرقى إلى درجة بحيث تكون الملائكة غير مطلعة على بعض زوايا عمله ، لذا يمدح الله تعالى الملائكة بكثير من الأوصاف ويقول : إنهم رقباء ، عتيدون ، معيدون ، كرماء ، حفيظون ، لا يفوتهم شيء ، لا يضيفون شيئاً ولا يضيعون شيئاَ ، منزهون عن الإفراط ، وبمرؤون من التفريط ، ولكن في نفس الوقت لا يسمح بأن تفهم الملائكة بعض الأشياء أيضاً .

ملائكة الله وتعليم الاسماء
  بناء على هذا يتضح من هذه البحوث إشكال الأمر في مقام تعليم الاسماء ، إشكال الأمر ليس في أن الملائكة ليسوا عالمين ، متعلمين ومعلمين ، لأن جميع هذه عندهم ، بل إشكال الأمر هو ان بعض الحقائق رفيعة إلى درجة ان الملائكة لا يستطيون تعلمها أولاً ويجب ان يسمعوا خبرها فقط ويفهموها بشكل خبري وثانياً : لا يستطيعون تلقي هذا الخبر من الله بدون واسطة ، بل يجب أن يتلقون بواسطة ، لذا في مسالة خلافة آدم عليه السلام طرح الكلام على علم الملائكة وتعلمهم وتعليم الله لهم ، ولذا

**************************************************************
(1) سورة الصافات ، الآية : 164 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 115 ـ

  قالوا : ( لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ) (1) ، فعلم الملائكة وتعلم الملائكة والتعليم الإلهي ثابت ، وهذا طبعاً ليس بمعنى أن تكون هذه ( قضية موجبة حقيقية كلية ) ، أي ان تفهم الملائكة جميع العلوم ، بل الملائكة قالوا : (سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ) ، لذا لم يقل الله تعالى إنه سيعلمهم كل ما علمّه لآدم ، وهذا طبعاً ليس بمعنى نقص وبخل في المبدأ الفاعلي ( معاذ الله ) بل ان الملائكة لم يكن لديهم قابلية القبول ، ولو كان الملائكة أهلاً للوصول إلى حقائق الاسماء ، كما وصل آدم لكان الله تعالى علّمهم أيضاً ، ولو كان الملائكة يستطيعون تلقي خبر حقائق الاسماء هذا من الله سبحانه بلا واسطة ، لقال الله تعالى : ( يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ ) ، ولم يقل لآدم عليه السلام ( يَا آدَمُ أَنبِئْهُم باسمائهم ) (2) .
  بناء على هذا يتضح من ان الكلام بشان آدم عن التعليم ، حيث قال : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ) (3) وبشأن الملائكة ليس الكلام عن التعليم ، بل عن الأنباء أن الإنسان الكامل يصبح عالماً بتلك الحقائق الرفيعة ، أولاً ، وثانياً ، يتلقى من الله تعالى بدون واسطة ، ولكن الملائكة يتلقون تلك الحقائق بشكل خبر وذلك أيضاً بواسطة .
  بناء على هذا ، يتضح لماذا تكون الملائكة خاضعة وساجدة في ساحة الإنسان الكامل لانها وهي ( مدبرات العالم ) بإذن الله تتواضع في ساحة معلمها الحقيقي ، الإنسان ووسوسة الشيطان : السؤال الآخر الذي يطرح هو ان الإنسان الكامل إذا كان قد تعلم جميع الاسماء ، فلماذا لم يكن في أمان من الخدعة والوسوسة ، ولماذا لم يتعلم

**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 32 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 33 .
(3) سورة البقرة ، الآية : 31 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 116 ـ

  هذه المسألة ، وظل لا يعرف شيطنة الشيطان ؟ جواب هذا السؤال هو : أن هذا لازم أعم ، أي أن الشخص إذا لم يكن في أمان من وسوسة وأثرت فيه الخدعة ، فهذا الأمر هو أحياناً من أثر الجهل بالمسألة ، وأحياناً من أثر نسيان المسألة ، وما يبين في قضية آدم عليه السلام هو بعنوان ( فنسي عهده ) .
  ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) (1) .
  هو نسيان ذلك العهد ، وإلا فان الله تعالى قال بصراحة : ( فقلنا يا آدم إنّ هذا عدّو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) (2) .
  وسوسة الشيطان هي جزء المرحلة النازلة لتلك الاسماء ويجب عدم البحث عن انه هل هذا داخل بألف ولام في الجمع المحلّى أم لا ؟ لأنه نزلت في هذا المجال أخرى منفصلة إذا قال تعالى : ( يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ) .
  ولكن يأتي كلام عن النسيان ، غاية الأمر ان البحث بشأن هل أن النشأة هي نشأة تكليف أم لا ؟ وهل الأمر والنهي الواقع في الآية المذكورة مولوي أم لا ؟ وإذا كان مولوياً ، هل هو تحريمي ، أم تنزيهي ؟ وإذا كان مولوياً ، فهل هو وجوب ، أم استحباب ؟ وإذا لم يكن مولوياً فان كونه ارشادياً له حكم رأساً كما انه إذا كان تمثيلاً ، حكمه أنه منفصل راساً ، فهو بحث مستقل ، لكن هذا المعنى وهو ان آدم عليه السلام ابتلي بالوسوسة ، لا من أجل أنه ك ان لا يعرف بخرط الوسوسة ، أو لم يكن لديه علم بشيطنة الشيطان ، أو كان جاهلاً بعداوة الشيطان ، بل الكلام هو عن النسيان .

**************************************************************
(1) سورة طه ، الآية : 115 .
(2) سورة طه ، الآية : 117 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 117 ـ

الفيض الإلهي والمراتب الإنسانية
  السؤال الآخر هو هل ان تعليم الاسماء خاص بالناس الأسوة والنموذجيين ، أم يتعلق بأي إنسان ؟ ولأن ( أسماء ) جمع محلى بألف ولام يتضمن جميع الحقائق والمعارف ، إذا استطاع شخص الوقوف صحيحاً على الميثاق الذي عقده ، ويكون ملتزماً على أساس الإلهام الذي تلقاه ، ويكون ثابتاً على اساس الفطرة التي فطر عليها ، و يكون معصوماً تماماً على أثر المارقبة والمحاسبة ، مثل هذا الشخص يصل إلى جميع الاسماء ، وإذا لم يحصل على أي من الأمور المذكورة في أية مرحلة يكون مصداق الآية الكريمة التي تقول : ( فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) (1) .
  مثل هذا الشخص لا يحقق أية استفادة ، وإذا كان في حد حياة حيوانية ، يحصل على فائدة حيوانية ، عند ذلك يكون بين هؤلاء الذين يحملون فائدة حيوانية وبين أولئك الذين هم في أوج الإنسانية مراتب وكل منهم يتعلم بدوره إسماً من الأسماء الحسنى ، حتى تصل إلى العترة الطاهرة عليهم السلام الذين يعلمون الاسماء ، وهم مظهر تام للأسماء الحسنى من باب ( إتحاد العالم والمعلوم ) ، لذا روي عن الإمام الصادق عليه السلام في ذيل الآية الكريمة : ( ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها ) (2) .
  قوله :

**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 74 .
(2) سورة الأعراف ، الآية : 180 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 118 ـ
  ( نحن والله الاسماء الحسنى ) (1) .

اتحاد العاقل والمعقول أو العالم والعلم
  ورد في الكتب الفلسفية ان العالم والمعلوم أو العاقل والمعقول متحدان ، ومحور الوحدة أو الاتحاد ليس خارج حدود الروح ، بيان مسألة هو ان هناك ستة أمور مطروحة في مسألة ( إتحاد العاقل والمعقول ) ، أربعة منها خارج محور البحث ، وأمران فقط يقعان في محوره فمثلاً إذا أدرك شخص حيقة شيء خارج ، يسمى الشجر ، وكان متخصصاً بالاشجار ، وعرف كيف تنمو الشجرة ، وأين تزرع ، وما هي آفتها ، وكيف تعالج ، وكيف تثمر ، ولماذا لا تثمر ، مثل هذا الشخص يصبح مهندساً زراعياً .
  ان الشجرة التي في الخارج لها ماهية باسم ( الجنس النامي ) ولها وجود غرست بذلك الوجود في بستان وأصبحت ( الشجرة موجودة ) ، الماهية الخارجية ، والوجود الخارجي للشجر ليس داخلاً رأساً في مسألة اتحاد العاقل والمعقول ، من ناحية أخرى ، الإنسان المدرك والعالم بهذه الشجرة الخارجية ، له ماهية باسم حيوان ناطق ، وله وجود وهو وجود إنساني ، هنا أيضاً ماهية الإنسان غير داخلة في مسألة اتحاد العاقل والمعقول ، لكن وجوده داخل في البحث ، من ناحية أخرى والآخر وجود تلك الماهية لدى العالم ، هذا الوجود ، هو العلم الذي يعتبر المهندس بواسطته عالماً بماهية الشجرة ، هنا أيضاً تلك الماهية أو المفهوم الذي في الذهن هو خارج رأساً من محل البحث ، فبين هذه الأمور الستة ( وجود الإنسان وماهية ، وجود الخارجي وماهيتها ، وجود الشجرة الذهني

**************************************************************
(1) أصول الكافي ، ج 1 ص 144 ، الباب 23 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 119 ـ

  وماهية الموجود في الذهن ) تخرج ماهية الشجرة والوجود الخارجي للشجرة من البحث رأساً ، وماهية الإنسان لم تكن داخلة في البحث أيضاً ، وماهية أو مفهوم الشجرة الذهني أيضاً خارج من البحث ، بناء على ذلك يظل من تلك الأمور الستة وجود الإنسان مع العلم وهذا العلم هو غير الوجود الذهني لذا فالبحث هو عن اتحاد العالم لا اتحاد العالم مع الوجود الذهني .
  الفرق بين الوجود الذهني والعلم هو بعهدة الحكمة المتعالية ، لذا يطرح بحث الوجود الذهني منفصلاً عن بحث العلم في الكتب الفلسفية ، إذا نضج الإنسان يرتبط مع العلم لامع المعلوم ، وهذا العلم علم بذاته ، معلوم بذاته ، عالم بذاته ، وعندما ترتبط النفس بالعلم تصبح عالمة ، وهذا الارتباط في أوائل الأمر هو بنحو الحال ، وبعد ان يصبح ملكة ويصبح هذا الشخص صاحب رأي ومجتهداً يصبح العالم عين العلم والعلم عين العالم .

مظاهر الاسماء الحسنى
  عند ذلك تبين المسالة التي ذكرها الإمام السادس ( نحن والله الاسماء الحسنى ) هكذا : انهم علم وقدرة وحكمة ومظاهر عينية للاسماء الحسنى . لأن العلم هو وجود خارجي والوجود الخارجي غير الوجود الذهني ، لذا كل شخص يسير في هذا الطريق يحمل سهماً من الاسماء الإلهية بمقدارة .
  والملائكة لهم أيضاً دردات متنوعة ، والملائكة الأرضيين هم غير الملائكة السماويين ، والملائكة السماويين أيضاً ليس لهم مراتب متساوية ، ويمكن ان يصل الإنسان إلى محل يكون الملائكة في خدمته. إن الملائكة تستقبل الإنسان عند الموت وتستقبله عند الدخول إلى الجنة البرزخية أو الجنة الكبرى ويقولون :

جمال المرأة وجلالها   ـ 120 ـ

  ( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) (1) .
  هو من هذا القبيل ، الملائكة ليسوا كلهم في مستوى ( حملة العرش ) ، بل بعض الملائكة هم خدّام الإنسان ويكون الإنسان سبباً في ظهور ذلك النوع من الملائكة ، وان هذا يتعلق قطعاً بكيفية حمل الأمانة بواسطة الإنسان وإلى أية درجة يستطيع معرفة هذا الحمل وإيصاله إلى الهدف .

درجات الإنسان من لغة القرآن
  من هذا الإنسان ؟ نقرأ في القرآن أن الإنسان أرقى من مجموعة النظام الدنيوي ويستطيع ان يعمل ما لا تستطيعه السماوات والأرض والجبال ، أحياناً نقرأ في القرآن ان الجبل أفضل وأرقى من الإنسان ، والسماء والأرض أفضل منه ، إذ فهم الإنسان ثقل الأمانة وحملها ، يعبر هذا النظام الدنيوي وإذا ظل بمستوى الظلوم الجهول يصبح مصداق : ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ) (2) .
  الله تعالى يقول للإنسان الذي يفكر في حدود البدن فقط : ( لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ) (3) .
  وفي آية أخرى يقول : ( إنك لم تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً ) (4) .
  القرآن يقول : إن الإنسان عبر ويعبر السماوات ، فإذا لم يستطع ان يوصل هذا الحمل إلى المقصد ، يقول له القرآن : ( لخلق السموات والأرض

جمال المرأة وجلالها   ـ 121 ـ

  أكبر من خلق الناس ) ويقول : ( رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا *أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا* رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ) (1) الإنسان يقع بين هذا النفي والإثبات ، أما يصبح أحقر من الحجر أو يذهب أبعد من جميع السماوات .

آلية البدن في جميع النشآت
  يلزم خلال هذا البحث الانتباه إلى أنه رغم ان روح الإنسان تشكل حقيقته ، ولكن الإنسان يرافق البدن في كل نشأة ، ففي الدنيا له بدن ، وفي البرزخ ايضاً ، وفي القيامة أيضاً ، الكلام ليس في ان الإنسان يكون بلا بدن في نشأة من النشآت ، المقصود هو أن البدن ليس هو حقيقة الإنسان ولا هو جزء من حقيقته ، بل هو أداة صرفة ، الآن حيث لدينا في الدنيا جسم وروح ، تقوم الروح بجميع الأعمال ، وتتحمل الروح جميع الآلام والمتاعب أو اللذة والنشاط ، عندما تتعرض اليد إلى ضربة فإن القوة اللامسة هي التي تشعر لا جرم اليد ، كما ان قوة اللمس هذه وهي جزء من شؤون الورح إذا خدّرت وقطعت اليد قطعة قطعة لا تشعر بالألم ، الروح هي التي تشعر ، عندما نأكل ، رغم ان الفك يتحرك والأسنان تلوك ولكن الذائقة تلتذ والذائقة هي من شؤون الروح ، عندما نشرب ماء رغم ان التجرع هو عمل فضاء الفم ولكن الارتواء والشعور برفع العطش يتعلق بالروح ، في الألم هكذا وفي النشاط كذلك ، فالآن حيث لدينا ابدان ، فان جميع الأعمال تتولاها الأرواح والأبدان أدوات ليست أكثر ، تنقلها الأرواح من مكان إلى مكان (2) .
  في جهنم المسألة على هذا المنوال أيضاً ، الله تعالى يقول :

**************************************************************
(1) سورة النازعات ، الآيات : 27 ـ 29 .
(2) ديوان حكيم الأسرار ، الحاج ملا هادي السبزواري .

جمال المرأة وجلالها   ـ 122 ـ

  ( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ ) (1) .
  لأن قوة اللمس عموماً منتشرة في جميع جرم البدن خاصة في الجلد ، وقوة اللمس هذه هي بعهدة هذا الجلد ، لذا تتبدل جلودهم لكي يشعروا بالألم أكثر ، لا أن الجلد يتألم ، بل هم يتألمون بجلد جديد ( لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ ) بناء على هذا فانه كما أن للإنسان بدناص في الدنيا كذلك له بدن في النشأة الأخرى ولكن كما أن البدن هو فرع في الدينا ، ففي النشأة الأخرى أيضاً يكون البدن فرعاً .
  النساء الأسوة في القرآن .

اهتمام القرآن بشخصية المرأة
  القسم الآخر للبحث هو ان نوع الكمالات التي يذكرها القرآن الكريم للمرأة هي من أجل انه كلما شعر القرآن بخطر يؤكد ذلك أكثر فأكثر ، فمثلاً حين ظهور القرآن حيث كان التوحيد في خطر وكان الشرك منتشراً ، نزلت آيات كثيرة من أجل تثبيت التوحيد والقضاء على الشرك ، ولهذا لما كانت حرمة المرأة غير محفوظة أيام نزول القرآن ، لذا أكد على مسألة حرمة المرأة أكثر من حد التوقع ، وذكر لها سهماً في جميع الشؤون وصرح بالتساوي وأمثال ذلك .
  وقد ذكر القرآن قصصاً ، وبعد ان يشخص معيار القيمة في الشؤون المتنوعة ، يلاحظ نوع تلك المسائل القيمية ويذكرها ضمن قصص المرأة وضمن قصص الرجل أيضاً .

**************************************************************
(1) سورة النساء ، الآية : 56 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 123 ـ

القوى الثلاث للنفس
  في الإنسان تكمن ثلاث قوى ، قوة جاذبة ، وقوة دافعة ، وقوة تفكر ، والقرآن الكريم يصور في ثلاثة أقسام جنود العقل والجهل الذين يعودون كلهم إلى الروح وعددهم مائة وخمسون عدداً ( ذكر العدد بعنوان مثال وتمثيل لا تعيين ) خمسة وسبعون عدداً جنود العقل وخمسة وسبعون عدداً جنود الجهل . بعضهم يتعلق بالعلم والفكر وبعض آخر يتعلق بالجاذبة التي يعبر عنها بالشهوة وبعض آخر يتعلق بالدافعة باسم الغضب .
  ان ما نراه في انفسنا ونتذكره عن الآخرين هو ان جميع أعمال الإنسان تتلخص في هذه الاقسام الثلاثة وإذا كانت الكتب الأخلاقية تؤكد على هذه المعايير الثلاثة فهو من أجل أن الأخلاق هي لتربية النفس وقوى النفس وان ما كشف حتى الآن هي هذه القوى الثلاث وكل عمل يتعلق بقوته الخاصة .
  الإنسان له فكر وقوة تفكر ، له جاذبة وقوة تجذب ، له دافعة وقوة تدفع ، كل أعمال الإنسان تعود إلى هذه الشؤون الثلاثة و ( العدالة الكبرى ) هي تعديل هذه القوى الثلاثة .
  بعد أن يذكر القرآن الكريم كل هذه الفضائل يأتي لكل واحدة منها بمثال ، سواء في قسم العلم ، أو في قسم الشهوة أو في قسم الغضب .

الأسوات العلمية :
  أما في الأقسام العلمية : فإذا كان الكلام عن تعليم الاسماء فانه يحول ذلك إلى الإنسانية ، حين يطرح قضية آدم عليه السلام ويقول : ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ ) (1) .
  ورد في تبيين وتفسير ( كلمات ) أن المقصود هي أنوار العترة

**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 37 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 124 ـ

  الطاهرة ، وهي مقامات علمية تلقاها آدم عليه السلام ، وحصل سبب نجاته ، وكما ان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يضيء هناك ، كذلك فاطمة الزهراء عليها السلام تضيء هناك ، وأن فاطمة الزهراء عليهم السلام أصبحت معروفة ومشهورة لا من أجل ان المرأة تلخصت في فاطمة الزهراء فقط ، بل بسبب أنها أرقى من الأخريات ، كما أن المعصومين الآخرين ليسوا معروفين مثل أمير المؤمنين وفي العرف حين يريدون ذكر مثل يضربون مثلاً بالإمام علي ، فكما ان أمير المؤمنين عليه السلام أصبح معروفاً وقدوة بين المعصومين ، كذلك اشتهرت فاطمة الزهراء عليها السلام بين النساء ، وإلا فهناك نساء كثيرات كن يتمتعن بالعصمة وبالكمال المتعارف وفوق المتعارف ، ولكن علة ان فاطمة الزهراء عرفت بين النساء هي نفس العلة التي أدت إلى معروفية الإمام علي بين الأئمة عليهم السلام خلاصة الكلام ، ان المراد من لفظ كلمات في الآية الشريفة ( فتلقى آدم من ربّه كلمات ) هي الاسماء الإلهية ، وأبرز مصداق الاسماء الإلهية هم العترة الطاهرة حيث تسطع من بينهم فاطمة الزهراء عليها السلام .
  وفي مقام بيان قوة الجذب وتعريف ملكة العفاف يأتي بتمثيل عن الرجل وعن المرأة أيضاً ، والآن يجب ان نرى هل أن الرجل قال في هذه الساحة كلاماً أكثر عفة ، أم أن المرأة ذكرت بياناً أكثر عفة في هذا المقام ؟

يوسف ومريم مظهران للعفة
  قال تعالى في شأن مريم عليهم السلام : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ) (1) .
  كل منهما كان له مزايا كثيرة من القيم ، ذكرت في القرآن ، ولكن ما هو موضع اهتمام هذا البحث هي ملكة عفتهما ، فيوسف أبتلي ونجا بفضل

**************************************************************
(1) سورة آل عمران ، الآية : 42 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 125 ـ

  العفاف ، ومريم امتحنت ونجت في ظل العفاف ، والمهم هو ماذا كان طريق نجاة هذين المعصومين ؟ وماذا كان رد كل منهما حين الخطر وماذا قالا ؟
  عندما كان يوسف عليه السلام يمتحن كان تعبير القرآن : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ) (1) .
  أي ان الكلام ليس في مقام الفعل ، وليس في مرحلة المقدمات أيضاً بل في نشأة الاهتمام وهذه هي المرحلة الثالثة ، المراد من مرحلة الاهتمام هنا هو ذلك الذي همت به تلك المرأة المصرية ووصلت همتها إلى حد ملاحقة يوسف عليه السلام إلى الفعلية ، ولكن يوسف الصديق عليه السلام ليس فقط لم يكن في العمل ولا في مقدمات العمل ، بل لم يكن هناك قصد وهمة وخيال أيضاً ، بدليل ان الآية الشريفة علقت همة وقصد يوسف بشيء لم يحصل وقالت : ( وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ) ، لم يقصد لأنه رآى برهان الرب .
  وهناك شواهد كثيرة أخرى يذكر الله تعالى يوسف كعبد طاهر ومعصوم ، كما في قوله تعالى : ( انه من عبادنا المخلصين ) هذه هي صغرى القياس ، وكبرى القياس هي ما قاله الشيطان من أنه ليس له طريق نفوذ إلى عباد الله المخلصين .
  ( إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (2) ، بناء على هذا ، فباعتراف الشيطان فان يوسف الصديق كان منزهاً عن هذه الآفة ، حيث اعترفت المرأة المفترية أخيراً وقالت :

**************************************************************
(1) سورة يوسف ، الآية : 24 .
(2) سورة الحجر ، الآية : 40 .