الكريمة : ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً )
(1) .
اندهش ، وقال : أنا أقول تعالي ولكن هذه النفس لا تأتي ، أنا أشكو من نفسي ، أي انني اشكو من جناح العمل والجذبة والسعي هذا ، أقول تعال ، لا يأتي وتعلق بالطبيعة ، ( اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ )
(2) ، ( أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ )
(3) ، يسمع هذا النداء أن يقال لكن العقل لا يذهب ، العقل يفهم ، ولكن الذي يجب ان يذهب هو القلب ، والقلب إذا ابتلي بالإخلاد إلى الأرض ، لا يسافر ، العقل يسمع أمر الرجوع إلى الرب ، ولكن القلب لا يرجع .
بناء على هذا فإن هذا الجدال موجود دائماً بين العقل والقلب ، بين الذكر والفكر ، بين التفكير والسعي ، إذا استطاع أشخاص الملائمة بينهما في جبهة الجهاد الأكبر فـ ( طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ )
(4) ، السالك الجامع هو من أهل الفكر ومن أهل الذكر أيضاً ، محقق ومتحقق ، عالم وعادل ، وإذا لم يستطع الجمع إما أن يسقط أو يقطع قسماً من الطريق فقط .
إن المرأة والرجل وان اختلفا من حيث المركب ـ وهو البدن ـ وان كانا مختلفين من حيث أجهزة المخ ، ومن حيث أجنحة الفكر ، ليسا متساويين من حيث أجنحة الجذب والميل والانجذاب والعاطفة ، ويمكن أن يفكر أوساط من الرجال أفضل من أوساط من النساء ، ولكن لا يمكن ان يستطيع شخص إثبات ان أوساطاً من الرجال يطرحون ويقطعون أكثر من أوساط من
**************************************************************
(1) سورة الفجر ، الآيتين : 27 ـ 28 .
(2) سورة التوبة ، الآية : 38 .
(3) سورة الأعراف ، الآية : 176 .
(4) سورة الرعد ، الآية : 29 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 187 ـ
النساء طريق القلب ، طريق العاطفة ، طريق الموعظة ، طريق النصيحة ، الجذب ، السعي والجذبة بصورة أفضل ولا يوجد أي طريق لإثبات هذا الموضوع .
أهمية طريق القلب في القرآن والروايات
نظرأً لأن القرآن ليس كتاب علم فقط ، بل كتاب نور
(1) وهداية
(2) ، لذا فانه لا يقتصر على توجيه الفكر بل يسعى بصورة مباشرة وغير مباشرة إلى مخاطبة القلب .
بيان المسألة هو أنه إذا أراد شخص تعليم مسألة لشخص ، فالمستمع في الحقيقة هو الجناح الفكري والعقل النظري لذلك الشخص ، والمدرس والمتكلم أو الكاتب له عمل مع الجهاز الفكري لقارىء أو السامع ، وبعد ذلك يتخذ قارىء أو سامع المسألة التي فهمها قراراً على أساس ذلك ، ويعمل بالشكل الذي يقبله ( أو الذي لا يقبله ) لذا قد يكتب الإنسان كتاباً فيه أثر علمي فقط أو يقول كلاماً فيه أثر فكري ، ولكن القرآن ليس كذلك ، فالقرآن في كثير من الآيات يتعامل مع القلب بمباشرة وفي بعضها يتكلم مع القلب بصورة غير مباشرة .
تلاحظون أن شخصاً إذا كتب موضوعاً جيداً بقلم جيد يتأثر القارىء بسرعة ، أو إذا قال أحد الصالحين والمتقين موعظة فإن أثرها يكون أعمق ، لأن هذا الأخير يتعامل بلغته مع فكر المستمع ، وكذلك مع ذكر وجهاز قبول المستمع ، إذا قرأ شخصاً شعراً جيداً يعرف مضمونه بدقة ويؤدية بلحن جيد فانه يؤثر ، سريعاً ، عندما يكون كل من المضمون والتلفظ واللافظ جيداً
**************************************************************
(1) ( فآموا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير ) سورة التغابن ، الآية : 8 .
(2) ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) سورة البقرة ، الآية : 2 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 188 ـ
وحسناً ، فن المستمع عند الاستلام يستلم بجهاز الفكر وبجهاز الذكر والموعظة والجذب أيضاً ، أو إذا كانت هناك مثلاً لوحة ملونة بلون جيد ، أو مكتوب عليها شعر أو مضمون نثري جيد فإن المشاهد يتأثر بسرعة ؛ لأن المضمون رفيع يقنع العقل والكيفية جميلة تعين جنبة العمل .
لذا قال تعالى لموسى وهارون ( عليهما السلام ) : ( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا )
(1) .
أي تكلموا جيداً وتكلموا كلاماً جيداً أيضاً ، القول اللين لا يعني الضعيف ، لا يعني الموهون أو الموهوم ، بل يعني المحكم والظريف ، لذا أقام موسى الكليم برهاناً قطعياً ، وتكلم أيضاً ببيان مليح ، وبين كذلك مسألة ( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى )
(2) ، التي تتضمن ثلاثة أنظمة من النظام الداخلي ، الفاعلي والغائي في جملة قصيرة . هي قول محكم ، وتكلم مع فرعون بصورة موعظة وسألة موعظه وسأله إن كان راغباً في أن يقول كلاماً ينفعه ؟ هذا هو القول اللين .
على هذا الأساس قيل لنا أن لا ننظر في المسائل الفكرية إلى القائل ،( أنظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال )
(3) .
أما في مسائل القلب والمسائل التربوية فقد أوصينا أن نرى من القائل ، ولا نسمع أي كلام من أي شخص ، قال تعالى : ( فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ )
(4) .
**************************************************************
(1) سورة طه ، الآية : 44 .
(2) سورة طه ، الآية : 50 .
(3) كنز العمال ، ح 42218 وميزان الحكمة ، ج 6 ص 485 .
(4) سورة عبس ، الآية : 24 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 189 ـ
في سورة عبس آخر هذه الآية ورد أن الإمام السادس قال : ( علمه الذي يأخذ عمن يأخذه )
(1) .
وكذلك طبقاً لما ذكره المرحوم الكليني عندما سألوا المعصوم عليه السلام مع من نجلس ؟ من أي عالم نستفيد ؟ لم يقل ( انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال ) ، بل قال : اجلسوا إلى الشخص الذي : ( يذكركم الله رؤيته ويزيد في علمكم منطقه ويرغبكم في الآخرة عمله )
(2) .
ظرافة الميل القلبي في المرأة
القرآن الكريم سعى لأن يتكلم مع الإنسان عن طريق الموعظة التي لها ارتباط مباشر بالقلب ، وكذلك عن طريق الحكمة التي لها ارتباط غير مباشر بالقلب وإذا لم تصل قناة العقل والفكر إلى دهليز الدخول إلى القلب والذكر فلا فائدة لها ، والنساء أكثر نجاحاً من الرجال في قسم القلب والميل والجذبة ، لذا تؤثر المناجاة في النساء أكثر من الرجال ، أو على الأقل مثل الرجال ، وتؤثر الموعظة في المرأة أكثر من الرجال أو بمساواة الرجال .
ليس الكلام فقط عن حجم مخ الرجل ، بل الكلام أيضاً عن ظرافة قلب المرأة ، ان المرأة تبكي أسرع بسبب أن جهاز قبولها أكثر عاطفية ، وأهم طريق ، هو طريق الذكر الذي مقدمته المرونة .
في القرآن الكريم عدة طوائف من الآيات بهذا الشأن ، بعض الآيات تتعلق بالعقل والتفكر التي يرافقها ( أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )
(3) أو ( أفلا
**************************************************************
(1) أصول الكافي ، ج 1 ، ص 50 .
(2) أصول الكافي ، ج 1 ، ص 39 .
(3) سورة آل عمران ، الآية : 65 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 190 ـ
تَتَفَكَّرُونَ )
(1) ، وبعضها يتعلق بطريق العمل ، حيث قال : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )
(2) .
هذا هو العقل العملي ، أحياناً يجمع هذين الاثنين معاً ، كما أنه يجمع التفكر والتعقل إلى جانب بعضهما ولكن ليس لدينا في القرآن سورة يكرر فيها الفكر .
ولكن بعض سور القرآن يكرر فيها الذكر ، في سورة القمر كرر تعالى القول : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ )
(3) .
هذا المذكر يطلب متذكراً ، القرآن كتاب تفكر وفكر وفيه آيات كثيرة تدعونا إلى التفكر والفكر ، ولكن لا يقول : هل هناك شخص ليصبح عالماً ؟ بل يقول هل يوجد أهل ذكر ؟ لم يقل هل يوجد أهل فكر ، لأن الفكر هو مقدمة للذكر .
بناء على هذا لا يمكن ان يقول شخص إن طريق القبول في المرأة اقل من الرجل ، إذا كنا علماء ونتصور أن سعينا إلى حوزة والجامعة كافٍ ونقول : نحن وطريق المدرسة ، نحن وطريق الكتاب ، نحن وطريق الدرس والبحث والفهم ، من الممكن أن يأتي هذا السؤال إلى ذهن شخص ، ويقول يجب أن نفكر أعلى من هذا ولنعلم أن الحوزة والجامعة كلتاهما وسيلة حتى يصل الإنسان من التفكر إلى التذكر ، عندما يقول الله تعالى إن كتابه هو كتاب ذكر وانه انزله للتذكر والتذكرة وهل من شخص يتذكر ، فهذا بمثابة هل من ناصر لله ، يطلب الله تعالى في هذه التعابير هل من متذكر ، هل من شخص يكون ذاكراً له ؟ عند ذلك نفهم ان المرأة هنا إن لم تقل لبيك قبل الرجل فعلى
**************************************************************
(1) سورة الأنعام ، الآية : 50 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 44 .
(3) سورة القمر ، الآية : 17 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 191 ـ
الأقل يجيبان في وقت واحد ، نرى آل عمران ولدوا من امرأتين ، في حال محراب ، الله تعالى لم يعط المسيح لمريم في الحوزة أو الجامعة ، أعطاها في المحراب ، الملائكة لم يتكلموا مع مريم في الجامعة والحوزة ، بل تكلموا معها في المحراب .
الملائكة لم يتكلموا مع زكريا في المراكز العلمية ، تكلموا معه في المحراب ، حيث قال : ( فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ )
(1) .
هذا المحراب هو حالة حرب ، الصلاة هي محل حرب بين العقل والجهل ، أحياناً يريد الإنسان النجاة من شر العلم ، هذه الحرب تظهر في الصلاة ، وفي الصلاة ينجح الإنسان في التخلص من العلم ، يتخلص من شر الفهم ، هذا الفهم يكون أحياناً علة للشر الذي يقول : ( أنا أعلم منه ) ، أما حين يتخلص الإنسان من شر الفهم ، فانه يجعل هذا الفهم مقدمة ويقول هكذا : إلهي فهمت أنك خلقتني من تراب حتى تجعلني متواضعاً لا أن تصب التراب على رأسي ، الفهم أساساً هو من أجل أن يمشي الإنسان ، لا من أجل أن يوجد داعية في الإنسان ، إذ أخذ الذكر بزمام الفكر ، فهذا العلم هو : ( نور يقدمه الله في قلب من يشاء )
(2) .
إذا لم يستطع الذكر أن يأخذ زمام الفكر ـ معاذ الله ـ فهذا هو التفاخر في العلم والتكاثر في المعلومات الذي يؤدي لأن يقول شخص إنني أفهم أفضل منه ، تأليفي أفضل ، تلاميذي أكثر ، درسي له راغبون أكثر ، أشرطة كاسيتي تؤخذ أكثر ، وهذه في الحقيقة أفاعٍ وعقارب تنفذ إلى النفس .
**************************************************************
(1) سورة آله عمران ، الآية : 39 .
(2) حديث نبويّ .
جمال المرأة وجلالها
ـ 192 ـ
بناء على هذا لا يمكن القول أبداً : لأن حجم مخ المرأة أقل مثلاً : فانهن يختلفن عن الرجال في الرقي والحصول على السعادة ، ليس هكذا ، بل الذي يتألم أكثر ، يصل إلى المقصد اسرع ولا يمكن القول أبداً : إن انين الرجل أكثر من المرأة ، ولا يمكن القول أبداً إن ذكر وتذكر وتذكرة هذه المجموعة أكثر من تلك المجموعة ، فالنتيجة انه عدا الناس الذين ذكرهم وفكرهم واحد ، سواء الزهراء أو علي عليهم السلام فان الأوساط من الناس قسمان ، بعضهم طريق نظرهم أقوى ، وبعضهم طريق علمهم أقوى .
تناسب الطريق مع سالكه
بالنظر لأن طريق الوصول إلى المعارف الإلهية متعددة ، فمن الممكن أن يصل سالكوا هذا الطريق كل واحد من طرق خاصة إلى المقصد ( كلّ ميسر لما خلق له )
(1) ، إن الله تعالى سهل قطع الطريق لكل سالك .
( ثم السبيل يسره )
(2) .
إي أن الله يسر قطع الطريق ، ولكن لا أن يكون قطع جميع الطرق سهلاً لجميع السالكين ، بل ان قطع كل طريق يكون سهلاً لسالك ذلك الطريق ، ( كل ميسر لما خلق له ) ، وكما أن في صنف الرجال ، يختار كل شخص طريقاً خاصاً ، كذلك صنف المراة أيضاً ، كل مرأة تختار طريقها الخاص ، ومن الممكن أن يكون الطريق الذي تختاره امرأة صعباً على امرأة أخرى ، وكذلك من الممكن أن يكون قطع طريق النساء صعباً على الرجال ، وقطع طريق الرجال غير سهل على النساء أيضاً .
إذا كان جهاز وحجم مخ الرجل أكثر من جهاز وحجم مخ المرأة ،
**************************************************************
(1) سفينة البحار ، مادة يس ص 732 .
(2) سورة عبس ، الآية : 20 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 193 ـ
وافترضنا ان الرجل أقوى من المرأة في مسائل التفكير والفكر ، فلا يكون الرجل أيضاً أقوى في مسائل أخرى ، لأن طريق الفكر ليس هو كل الطرق فطريق الذكر ، والمحبة والموعظة ، ان لم يكن أقوى من طريق الفكر والتفكر ، فهو ليس أضعف منه .
هذان الطريقان لاءم بينهما القرآن ، ولو أراد شخص أن يصبح قوياً في طريق الجزم والنظر ، يجب أن يصل إلى العزم والتصميم أيضاً ، حتى يصبح حياً ، كما ان الشخص إذا كان قوياً في طريق العزم والتصميم ، يجب ان يصل إلى الجزم والفكر أيضاً ، حتى يصل إلى حياة أفضل ، القرآن يلائم دائماً بين جزم النظر وعزم العمل ، إذ من مجموع العلم والعمل ، والعمل والقوة تنشأ الحياة ، فالشخص الذي يعلم فقط لا يعتبره القرآن حياً ، والشخص الذي يعمل فقط ولكن ليس على أساس الفكر ، لا يعتبره القرآن متمتعاً بحياة طيبة ، حياة طوبى هي في ظل العلم الصادق والعلم الصحيح ، وللتلاؤم بين هذين الجناحين يطرح القرآن طريق العمل عندما يعرض المسائل العلمية ، وعندما ينصب طرق الذكر والموعظة للسالك ، يقدم له أيضاً طريق التفكر والفكر ، وإذا كان سالكوا هذا الطريق بعضهم أقوى في النظر ، وبعضهم في العمل فالنتيجة أن من الممكن أن يصلا إلى مقصد واحد ، وطريق القلب وهو طريق الموعظة والذكر والنصيحة ، إذا لم يكن النساء أقوى فيه من الرجال فلسن أضعف ، إذن لا يمكن القول إن المرأة في المعارف أقل من الرجل ، لأن المعارف ليست محدودة وخاصة بالفكر .
ارتباط القلب والعقل في منظار القرآن
من أجل ان يربط القرآن الكريم طريق القلب وطريق العقل معاً ، ويعتبر العلم معبراً للعمل ، يطرح السيرة العلمية للأنبياء ، وكذلك سيرة الحكماء الصالحين بهذا الشكل ، وهي أنهم يتعلمون ويعلمون العلم مقروناً
جمال المرأة وجلالها
ـ 194 ـ
بالعمل ، فمثلاً إبراهيم الخليل عليه السلام حين يعتزم طرح المسائل التوحيدية يقول : ( لا أحب الآفلين )
(1) .
إن ملة إبراهيم الخليل حصلت على رسمية بحيث أن القرآن دعانا إلى تعلم ملته ، فقال : ( ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل )
(2) .
قال إبراهيم عليه السلام بعرض طريق البصر وطريق القلب بدلاً من استدلال النظر وذلك في مقام طرح التوحيد وطرد الشرك فهو لا يدخل عن طريق البرهان ولا يقول : انه نظراً لأن الكوكب يتحرك والمتحرك يريد محركاً ، وإذن لا يمكن أن يكون المتحرك رباً ، بناء على هذا فمحركه هو الرب ، لأن برهان الحركة أو برهان الحدوث او برهان الإمكان وأمثال ذلك هي مجموعة أفكار نظرية .
أسلوب إبراهيم ( عليه السلام )
فسر الحكماء أصحاب الرأي والمتكلمون والمحققون وأهل التفسير كل منهم أسلوب خليل الرحمن هذا بنوع من التفسير ، بعضهم قال : إن مقصود إبراهيم الخليل عليه السلام هو إقامة برهان الإمكان ، أي بالنظر لأن الكواكب ( القمر والشمس ) هي ممكنة والممكن محتاج إلى الواجب فهي إذن ليست واجبة ، بعض آخر قالوا : إن مراد إبراهيم ( عليه السلام ) ، هو برهان الحدوث ولأن هذه الكواكب حادثة لذا تتطلب محدثاً ، وبعض آخر قالوا :
**************************************************************
(1) ( فلمّا جنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلمّا اَفَلَ قال لا أحب الآفلين ) ، سورة الأنعام ، الآية : 76 .
(2) سورة الحج ، الآية : 78 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 195 ـ
الاستدلال عن طريق برهان الحركة ، أي لأنها متحركة ، تتطلب محركاً ، وبعض طبقوا ذلك على برهان النظم ، أي أن السير المنتظم للشمس والقمر والكواكب وأمثالها هو دليل على وجود الناظم .
هذه البراهين كل منها بمقدارها مقبولة وتحظى بالاهتمام في محلها ، ولكن ظاهر الآية لا ينسجم مع أي منها ، ليس مراد الآية أن إبراهيم عليه السلام عرف الله بالطرق المذكورة ، بل إبراهيم الخليل يقول ( إني لا أحب الآفلين ) أي أن الله هو الذي يكون محبوباً ، والشيء الآفل ليس محبوباً ، فالشيء المحكوم بالأفول ليس رباً ، ان الشمس والقمر ليسا رباً لأنهما ليسا محبوبين ، وليس من ناحية أنهما ممكنا الوجود .
هنا جعل المحبة الحد الوسط للبرهان ، والمحبة ليست عمل العقل ، بل هي عمل القلب ، وإبراهيم ( عليه السلام ) أصبح خليل الرحمن من ناحية انه عرف الله عن طريق المحبة ، وليس عن طريق الفكرة ، فهو عرف الله بالذكر والرغبة وليس بالفكر .
في الكتب العقلية لا يطرح مثل هذا الكلام أبداً بأن يقول إنسان : إني لا أحب الآفل ، ويقول آخر إني أحبه ، القرآن الذي هو كتاب نور ربط طريق القلب مع طريق العقل وعمل على انسجامهما ، لذا نرى انه في معرفة الله التي هي أبرز معرفة دينية ، مزج وعلم طريق القلب وطريق الفكر معاً .
سيرة لقمان الحكيم في التعليم والتربية
قال تعالى بشأن لقمان : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ )
(1) .
وقال تعالى :
**************************************************************
(1) سورة لقمان ، الآية : 12 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 196 ـ
( يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا )
(1) .
ومن جمع هاتين الآيتين يستنبط ان لقمان الحكيم كان يتمتع بخير كثير ، والله تعالى يعدّ كل الدنيا متاعاً قليلاً ويقول : ( قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ )
(2) .
ولكنه يعدّ الحكمة خيراً كثيراً وليس متاعاً كثيراً ، وعندما يتكلم عن كلمات لقمان الحكيمة ، فإن أول كلام ينقله عن لقمان هو : ( يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )
(3) .
ويقيم تعالى ، البرهان أحياناً لنفي الشرك ، ويقول : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا )
(4) .
هذا هو طريق الفكر والنظر لإقامة التوحيد ، وأحياناً نقرأ ( لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) وهذا طريق الذكر وطريق العمل ، طريق العقل العملي والحكمة العملية ، يقول : إن الشرك سيّىء لأنه ظلم وعلى خلاف العقل العملي والقلب ، وليس مذموماً لأنه على خلاف العقل النظري فقط ، ورغم ان القرآن الكريم يذكر الشرك بوصفه مسألة بدون البرهان ، أي أن الشرك لا يقبل الإثبات أبداً ، والذي يدعيه لا يستطيع أبداً الاستدلال على ذلك .
( ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند
**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 269 .
(2) سورة النساء ، الآية : 77 .
(3) سورة لقمان ، الآية : 13 .
(4) سورة الأنبياء ، الآية : 22 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 197 ـ
رَّبِّهِ )
(1) ، أي أن الشرك هو أمر باطل وغير مبرهن ، أما لقمان الحكيم فيثبت في تعليمه وتربيته مسألة نفي الشرك عن طريق عقل العمل وحكمة العمل ، أن قبح الظلم وحسن العدل لا يرتبط بعقل النظر والفكر بل يرتبط بطريق الذكر ، لأن مسألة الميل إلى العدل والنفور من الظلم ليس لها ارتباط بطريق الفكر ، من الممكن أن يدرك الفكر قبح الظلم أو حسن العدالة ، أما تلك الجنبة من النفس التي لها ميل إلى العدل ونفور من الظلم فهي جنبة العمل والقلب وليس جنبة العقل والفكر .
فاتضح ان القرآن الكريم يربط هذه الطرق معاً حتى يستطيع الشخص جبران ضعف طريق العقل بقوة طريق القلب ، وإذا أصبح شخص أقوى في طريق العقل والفكر يستطيع ترميم ضعف طريق القلب في ظل قوة العقل ، لأن كل شخص مناسب للطريق الذي اختاره ، من هنا لا يمكن القول : إن صنفاً من الناس مقدم على صنف آخر ، أو أن ما يتمتعون به أكثر .
خلاصة البحث
الشيء المهم الذي شغل الأذهان هو أن المرأة ضعيفة في مسائل التفكير ، حيث ان هذا الأمر قد بين بالتفضيل ، وهو أنه إذا سلم أن الرجل يفهم أفضل من المرأة ، فانه لم يثبت ان المرأة تقبل الموعظة أقل من الرجل ، وللوصول إلى المعارف الالهية ، هناك طريقان ، أحدهما طريق الفكر والآخر طريق الذكر ، أحدهما طريق العقل والآخر طريق القلب ، وإذا لم يكن ميل واتعاظ المرأة أكثر من الرجل ، فهي ليست أقل من الرجل ، أحياناً يكون لدى الإنسان فكر قوي حتى يتحرك القلب في ظل الفكر ، وأحياناً يتحرك
**************************************************************
(1) سورة المؤمنون ، الآية : 117 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 198 ـ
القلب ، وفي ظل حركة القلب يحصل الفكر ، والقرآن الكريم نصب كلا الطريقين أمامنا ، غاية الأمر ان القرآن لأنه كتاب جاء شاملاً للعالم ولكل الناس وكل الرجال والنساء ولكل جيل في كل عصر ومصر وفي كل الظروف ، لذا يعطي قيمة لطريق القلب وطريق الفطرة أكثر من طريق الفكر .
هناك كثير من الأشخاص لم يدخلوا المدرسة والحوزة والجامعة ، ولكن طريق القلب مفتوح لهم ، طريق الموعظة والعمل مفتوح لهم ، قد تقتضي قراءة كتاب والمشاركة في الدرس والبحث سناً خاصاً ، والإنسان عندما يصل إلى سن أكثر ، لا يكون لديه سعة صدر للتدريس والدراسة ، وقد ينسى مع كبر السن أبسط المسائل ، فلا يكون في مقدوره قراءة صفحة من العبارات بالقوانين الأدبية والقواعد العربية ، مع أنه درس سنوات هذا الفرع أو قام بتأليف وتصنيف ، فطريق المدرسة طريق يبدأ في أواسط العمر أو أوائل العمر وفي أواخر العمر ينغلق ، أما طريق القلب فهو مع الإنسان ، أي ان طريق القلب من المهد إلى اللحد ، أن حديث ( اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد ) قسمه المهم هو طريق القلب وليس طريق الفكر ، إن ما قيل من أن الطفل عندما يولد يقرأ الآذان في أذنه اليمنى ،والإقامة في أذنه اليسرى ، فهذا هو طريق القلب ، وليس طريق الفكر وان ما ورد من توصية لنا بأن نتلفظ بالذكر مرتباً ، فهذا أيضاً يمثل طريق القلب .
إن عدم سعة صدر الإنسان للدراسة والبحث في سن الشيخوخة ، وقبوله جيداً للصلاة والدعاء والمناجاة ، فهذا هو طريق القلب ، وإلا فطريق الحوزة ليس من المهد إلى اللحد ، وطريق الجامعة ليس من المهد إلى اللحد ، الطريق الذي يستمر من المهد إلى اللحد هو طريق الموعظة والذكر والمناجاة والعمل الصالح ، الإنسان يفهم كثيراً من الأشياء بالعمل ، وفي هذا الطريق إذا لم تكن النساء أنجح من الرجال ، فهن لسن أقل من الرجال نجاحاً ، وأنتم ترون في مسألة
جمال المرأة وجلالها
ـ 199 ـ
الأذان أنه ليس هناك طريق بين صنف البنت والولد ، في مسألة المناجاة والموعظة أيضاً ، والصيام ثلاثة أيام كل شهر لم يذكر فيه أن الرجل يصوم والمرأة لا تصوم ، فأهم طريق وهو طريق العمل والعبادة مشترك بينهما وكما طرح في البحوث السابقة فان الإنسان يدرس لا من أجل أن يصبح عالماً ، بل يدرس من أجل ان يصبح عاملاً ، ولهذا العمل طريقان ، أحدهما عن طريق الدرس الذي يشجع الإنسان على العمل ، والآخر يشجع على العمل عن طريق العاطفة والموعظة ، ان قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )
(1) .
يدل على أن هذا أساس ، وهذه العبادة مهيئة دائماً ، لكل الإنسان ، في كل سن وفي كل ظرف وفي كل صنف بدون فرق بين المرأة والرجل .
السلامة أم الصلابة
الشبهة الأخرى الموجودة في هذا الصدد هي انه إذا كان بدن المرأة والرجل غير متساويين من حيث القوة والضعف ، والبدن مركب والروح راكب ، فالمركب إذا كان أقوى فالراكب يقطع الطريق أسرع وأفضل .
لحل هذه الشبهة يجب ألالتفات إلى أن المقصود من القوة ليس المعنى الذي يتصوره البعض ، لأنه يشاهد أن كثيراً من الأشخاص هم أقوياء من الناحية البدنية ولكن الأعمال الصعبة في المجتمع ليست بعهدتهم ، لأنهم ضعفاء من حيث الإدراك ، لهذا ليس كل من له بدن وساعد أقوى يفكر أفضل ، الكلام هو عن السلامة وليس الصلابة ، أي إذا كان بدن المرأة والرجل سالماً فانهما يستطيعان إدراك المسائل جيداً ، اما الصلابة فهي شيء آخر ، أن المعيار في الوصول إلى الكمالات هو سلامة البدن وليس صلابة
**************************************************************
(1) سورة الذاريات ، الآية : 56 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 200 ـ
البدن ، والأعمال الشاقة تسلم إلى الأشخاص الذين يتمتعون بهم أكبر من صلابة البدن ، أما الأعمال في المجتمع فتسلم إلى الأشخاص الذين لديهم حصة أفضل من ظرافة البدن .
أنجح طريق لرقي الإنسان
اتضح في البحوث السابقة ان الإنسان يستطيع الرقي من عدة طرق ، أحدها طريق الفكر والآخر طريق الذكر ، والنساء إذا لم تكن انجح من الرجال في طريق الذكر والمناجاة وهو طريق القلب والعاطفة والرغبة والمحبة ، فبالتأكيد هن بمستوى الرجال ، وذلك الطريق هو طريق أساسي ، أما طريق الفكر فهو طريق فرعي ، لأنه ثبت حتى الآن أن طريق الفكر ليس طريقاً واسعاً كثير من أفراد المجتمع وان كانوا من سكان المدن ولكنهم لم يوفقوا للتعلم والدرس والبحث ، أما طريق الموعظة وطريق القلب والمناجاة فهو مفتوح للجميع ، طريق المدرسة ليس مفتوحاً للجميع ، ( علم الدراسة ) ليس ممكناً للجميع ، ولكن ( علم الوراثة ) ممكن للجميع ( وعلم الفراسة ) ممكن للجميع .
علم الدارسة هو ان يشترك الإنسان في المجامع العلمية ، يدرس ويصبح فاضلاً وعالماً ، يتعلم اصطلاحات وبعد مدة يدخل في مرحلة الشيخوخة وينسى بالتدريج كل ما قرأه في المدرسة ، في مرحلة الفتوة يتعلم شيئاً فشيئاً ، وفي مرحلة الشباب يحفظ هذه المعلومات في عدة أيام وبعد أن يدخل مرحلة الشيخوخة ينسى بالتدريج ، هذه المراحل الثلاث هي المقاطع الثلاثة التي نظمت للجميع في القرآن الكريم ، قال تعالى : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً )
(1) .
**************************************************************
(1) سورة الروم ، الآية : 54 .