يتسع لها المجال في هذه المقالة التي هي مقدمة لكتاب ، وهذه المسائل المذكورة يمكن استفادتها من الآية 189 من سورة الأعراف : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) ، ومن الآية 6 من سورة الزمر : ( خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) ، فمفاد الآيات التي تذكر أصل الخلق هو وحدة المبدأ القابلي لخلق جميع الرجال والنساء ، وكذلك أول رجل وأول امرأة اللذين ينتهي إليهما النسل الحاضر .
  وأما الأحاديث الواردة في المبدأ القابلي للخلق كالحديث الذي ذكره محمد بن بابوية القمي ( الصدوق ) بشكل مسند في علل الشرائع (1) وبشكل مرسل في من لا يحضره الفقيه : عن زرارة بن أعين أنه قال : سئل أبو عبدالله عليه السلام عن خلق حواء وقيل له : إن إناساً عندنا يقولون : إن الله عزوجل خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الاقصى فقال : سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيراً أيقول من يقول هذا إن الله تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجة من غير ضلعه ؟! ويجعل للمتكلم من أهل التشنيع سبيلاً إلى الكلام أن يقول أن آدم كان ينكح بعضه بعضاً إذا كانت من ضلعه ... ثم قال : ثم ابتدع له حواء ... فقال آدم عليه السلام عند ذلك : يا رب ما هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه والنظر إليه ؟ فقال الله تبارك وتعالى : يا آدم هذه أمتي حواء أفتحب ان تكون معك تؤنسك وتحدثك وتكون تبعاً لأمرك ؟ فقال : نعم يا رب ، ولك علي بذلك الحمد والشكر ما بقيت ، فقال الله عزوجل : فاخطبها إلي فانها أمتي وقد تصلح لك أيضاً زوجة للشهوة والقى عليه الشهوة ... قال : يا رب فاني أخطبها إليك فما رضاك لذلك ؟ فقال عزوجل : رضاي ان تعلمها معالم ديني ...
ان هذا الحديث رغم انه مفصل ولم تذكر منه بعض الفقرات ويتطلب

**************************************************************
(1) ج أول ، باب 17 ، ح 3 ص 379 كتاب النكاح .

جمال المرأة وجلالها   ـ 27 ـ

  تحقيقاً أكثر من حيث السند لأن بعض آحاد السلسلة مشترك وبعضها مجهول ، كما أن بعض مضامين ذلك تتطلب توضيحاً أكثر ولكن هناك مسائل مهمة ومفيدة تستفاد منه نشير إلى بعضها : أولاً : إن خلق حواء من الضلع الأيسر لآدم غير صحيح .
  ثانياً : ان خلق حواء هو كخلق آدم بديع ومستقل .
  ثالثاً : قرب ونظرة آدم إلى حواء كان عامل أنسه ، والله جعل هذا الأصل أساساً لإقامة ارتباطهما معاً ، وهذا الأنس الإنساني كان قبل ظهور غريزة الشهوة الجنسية ، لأن مسألة الغريزة كانت موضوعاً طرح في ما بعد .
  رابعاً : إن الله لقن آدم الميل الجنسي وشهوة الزواج وكان ذلك بعد مسألة الأنس والمحبة التي أقيمت قبل ذلك .
  خامساً :إن أفضل مهر وصداق هو تعليم العلوم الإلهية وتعلم معالم الدين حيث جعل الله ذلك مهر حواء على آدم .
  سادساً : بعد الزواج قال آدم لحواء ان تأتي إليه وتدير وجهها له ، فقالت له حواء ان يلتفت إليها فأمر الله آدم بالنهوض والذهاب إلى حواء وهذا هو سر خطبة الرجل للمرأة ، وإلا لكانت المرأة نهضت لخطبة الرجل ، طبعاً ليس المقصود من هذه الخطبة هي الخطبة قبل العقد التي وردت في هذا الحديث المفصل .
  اتضح حتى الآن ان خلق المرأة والرجل هو من جوهرة واحدة ، وجميع النساء والرجال لهم مبدأ قابلي واحد حيث ان المبدأ الفاعلي لهم جميعاً هو الله الواحد الأحد ، وليست هناك أية مزيّة للرجل على المرأة في أصل الخلق ، وإذا كانت هناك بعض الروايات تتعهد بإثبات هذه المزيّة فهي إما ضعيفة من حيث السند أو غير تامة من حيث الدلالة ، وإذا كانت فرضاً تامة من كلا الجهتين لا يمكن إثباتها بدليل ظني غير قطعي ، لأن المسألة محل البحث ليست أمراً تعبدياً محضاً مثل المسائل الفقهية الصرفة ، بل إن ما هو معرض بحث هنا هو إثبات النكتة السابقة ، وهي أن المرأة أساس في

جمال المرأة وجلالها   ـ 28 ـ

  تأسيس الأسرة على أساس الرأفة والميل والجذب ، كما أن الرجل هو أساس في تشكيل الأسرة من حيث الإدارة وتأمين النفقة والالتزام بالأعمال التنفيذية والمسؤولية والدفاع عن دائرة تدبير الأسرة ، الموضوع الثاني لا يتطلب إثباتاً لأن الشواهد القرآنية مثل : الرجال قوامون على النساء ، وغيرها تشهد على هذا الأمر وتؤيده سيرة المسلمين أيضاً .
  المهم هو إثبات الموضوع الأول ، ولأن التحليل العميق لكل موضوع مرهون بتبيين مبادئه التصورية ، كما أنه مرهون بقبول مبادئه التصديقية ، ومن أهم المبادىء التصورية لهذه المسألة هو التمايز بين الرأفة العاطفية والأنس العقلي من جهة والميل الغريزي والشهوة الحيوانية من جهة أخرى لكي يؤمنّ أساس الأسرة على محور المحبة الإنسانية والعقلية وليس على محور الشهوة الجنسية ، ويتضح دور المرأة كمظهر للجمال الإلهي في شكل الإنسان وليس كعامل رفع للشهوة بشكل انثى .
  ويلزم ملاحظة أن الشوق والرغبة بين شيئين هو ارتباط وجودي خاص ، وحقيقة الوجود لها أيضاً مراتب تشكيكية ، من هذه الناحية يوجد شوق وجذب في جميع ذرات الكون ، ولكن في كل مرتبة يوجد حكم خاص بها يظهر أحياناً بصورة جذب ودفع في أساس جواهر المعدن ، وأحياناً يتجلى بصورة أخذ وعطاء ، وأمثال ذلك في النباتات الخضراء ، وأحياناً يظهر كشهوة وغضب في الحيوانات غير الأليفة ، ويظهر احياناً بصورة ميل ونفور في الحيوانات المدجنة وبعض الأشخاص غير المتربيّن .
  وعند ذلك يقطع مسافات طويلة حتى يصل بصورة تولي وتبري وحب في الله وبغض في الله و ... إن المهم في هذه المسألة هو الانتباه إلى هذه النكتة وهي هل أن سر خلق المرأة والرجل وسر ميلهما إلى بعضهما ودافع تأسيس الأسرة وتربية إنسان كامل هو الميل الجنسي الذي ليس فيه هدف غير إطفاء نائرة

جمال المرأة وجلالها   ـ 29 ـ

  الشهوة ، ويحصل في الحيوانات الوحشية أكثر من الإنسان ، والذي تتشبث به الجاهلية الجديدة مثل الجاهلية القديمة ؟ أم ان تعاطف المرأة والرجل وهدف تشكيل دائرة التراحم وتربية مظهر خليفة الله وجامع الجلال والجمال وكل اسماء الله هو الميل العقلي والرأفة القلبية والأنس الاسمائي حتى يستطيع تربية معلم الملائكة ويستخدم ملائكة كثيرين .
  ويحل سر كثير من أسرار الخلق و ... ؟ لأن الميل الجنسي موجود أيضاً في الحيوانات الذكور والإناث وليس مطروحاً مسألة الدافع الإلهي والعقلي في ما يتعلق بخلق الحيوان الانثى ، إلا السر العام للخلقة وكيفية خلق زوجين من كل جنس سواء من النبات والحيوان ، وتحليل ذلك خارج عن إطار البحث .
  بناء على هذا فان السر الأصيل لخلق المرأة هو شيء غير الميل الغريزي واطفاء ثائرة الشهوة أخبر به الله تعالى ، ففي القرآن الكريم في الآية 189من سورة الأعراف والآية 21 من سورة الروم ورد بيان سكون المرأة والرجل واعطيت الاصالة في ايجاد هذا السكن إلى المرأة واعتبرت أساساً في هذا الأمر النفسي ، ووصف الرجل بكونه منجذباً لرأفة المرأة ضمن اعتبار ان حقيقة كليهما جوهرة واحدة ، وليس هناك أي إمتياز بينهما من حيث المبدأ القابلي للخلق ، كما بيّن سابقاً في سورة الأعراف ، قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ) .
  المقصود من نفس واحدة هي حقيقة واحدة وجوهرة واحدة ، أي ان المبدأ القابلي لكم جميعاً أيها الناس هو حقيقة واحدة وفي هذا الأمر ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل كما انه ليس هناك أي امتياز بين الإنسان الأوّلي وغير الأوّلي ، وهذا النوع من التعابير هو كالتعبير ببني آدم الذي يشمل جميع الناس حتى آدم عليه السلام أيضاً مثل آية الذرية : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ

جمال المرأة وجلالها   ـ 30 ـ

  بلى ) (1) ، حيث أن أخذ الميثاق هذا لا يختص بأبناء آدم بل يشمل آدم عليه السلام أيضاً .
  ان كلمة نفس في الآية المذكورة لها تأنيث سماعي ومجازي وليس حقيقياً ، وتأنيث كلمة واحدة حاصل بهذا اللحاظ ومعنى نفس واحدة هي حقيقة واحدة وأصل فارد .
   المقصود من زوج في هذه الآية هي المرأة التي هي زوجة الرجل وأفضل تعبير للمرأة هي كلمة زوج وجمعها أزواج وليس زوجة التي جمعها زوجات ، والتعبير عن المرأة بكلمة زوجة ليس فصيحاً بل ان الراغب اعتبرها في المفردات لغة رديثة ، لذا لم تذكر المرأة في أي جزء من القرآن بعنوان زوجة ولم تذكر نساء الدنيا أو الآخرة بعنوان زوجات بل ذكرن فقط بعنوان زوج وأزواج ، ولأن عنوان امرأة طرح مع تعبير زوج ، يستفاد من الآية ان الرجل بعنوان زوج وضمير مذكر ليسكن يعود إلى الرجل أي أن الرجل بدون المراة ليس لديه سكينة وهو يحتاج إلى أنيس .
  وضمير إليها ـ المؤنث يعود إلى الزوج أي المرأة ، ويصبح مفاد ذلك هكذا أن الميل الأنسي هو الرجل إلى المرأة ولا يأنس بدونها ويأنس معها ويسكن وتتضمن آية سورة الأعراف مسائل أخرى خارج إطار هذا البحث .
  ومرجع ضمير ـ إليها ـ ليس هو نفس واحدة بل كما ذكر أن مرجع الضمير هو الزوج الذي استعمل بمعنى المرأة في سورة الروم قال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ، المسائل التي تستنبط من هذه الآية الكريمة غير التي تستظهر من آية سورة الأعراف هي عبارة عن :

**************************************************************
(1) سورة الأعراف ، الآية : 172 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 31 ـ

  1 ـ ان جميع النساء هن مثل الرجال من حيث جوهرة الوجود وأصل المبدأ القابلي ، وخلق أية امرأة ليس منفصلاً عن خلق الرجل ، طبعاً مسألة الطينة لها حكم منفصل فطينة أولياء الله ممتازة عن غيرهم وهذا البحث لا يختص بالمرأة أو الرجل ، وليس هناك أي فرق في هذا التماثل بين أول إنسان والناس اللاحقين كما أنه ليس هناك أمتياز من هذه الناحية بين الأولياء والآخرين .
  2 ـ جميع النساء هن من سنخ جوهرة الرجل من حيث الحقيقة ، مثل التعبير الذي ذكر في شأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ ) (1) ـ ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ) (2) .
  طبعاً هناك فرق كثير بين الوجود النير للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والآخرين ، ولكن هذا لا يؤدي إلى أن يكون الوجود المبارك للرسول صلى الله عليه وآله وسلم نوعاً منفصلاً عن النوع المتعارف للإنسان ، كما أن الوجود النير لفاطمة الزهراء عليها السلام له ميزات كثيرة لا توجد في غير الأنبياء والأئمة عليهم السلام وهذه الميزات المعنوية لا تمنع الوحدة النوعية لفاطمة الزهراء عليها السلام مع النساء الأخر .
  3 ـ ان منشأ ميل الرجل إلى المرأة وسكن الرجل في ظل الأنس إلى المرأة هو المودة والرحمة التي جعلها الله بينهما ، وهذه المودة والرحمة الإلهية هي غير ميل غريزة الذكر والأنثى الموجودة في الحيوانات أيضاً ، وفي القرآن لم يذكر الميل الشهوي للحيوانات كآية إلهية ، ولا يلاحظ تأكيد على ذلك ، وما ورد في حديث زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام يؤيد أن الاصالة في ميل الرجل إلى المرأة هي المحبة الإلهية ، لأن مسألة الشهوة الجنسية

**************************************************************
(1) سورة آل عمران ، الآية : 164 .
(2) سورة التوبة ، الآية : 128 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 32 ـ

  أعطيت لآدم بعد الأنس الإنساني لآدم عليه السلام بحواء طبق الحديث السابق ، وفي المرتبة السابقة حيث كان الكلام عن الرأفة القلبية لم يطرح كلام عن الغريزة الشهوية أصلاً ، ومن هذه الناحية كانت المرأة محبوبة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال : حبب إليّ من دنياكم النساء والطيب وقرة عيني في الصلاة (1) ، وفي ضوء هذه الرؤية روى الإمام الباقر عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما بني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله تعالى من التزويج (2) .
  وروى الإمام الصادق عليه السلام عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من تزوج أحرز نصف دينه .... )(3) ، وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : أكثر الخير في النساء (4) .
  لو تشاهد مسألة انسجام المراة والرجل ببصيرة ملكوتية فان حكمها هو الذي ذكر ، وإذا نظر إليه بنظرة ملكية فان حكمها هو الذي قاله الإنسان الكامل علي بن أبي طالب : حياء يرتفع وعورات تجتمع ، أشبه شيء بالجنون الإصرار عليه هرم ، الافافة منه ندم ... (5) طبعاً إن النكاح هو سنة الأنبياء خاصة خاتمهم صلى الله عليه وآله وسلم والشيء الذي هو أشبه بالجنون ويؤدي الى ارتفاع الحياء وقاعدة للندم ليس سنة بل ان السكينة والمودة والرحمة التي هي جاذبية إلهية بين الرجل والمرأة وتكون أساس تشكيل دائرة الرحم وتأسيس الأرحام والمحارم وتأمين العلاقات العائلية الرؤوفة التي هي أرضية بناء نظام إنساني رفيع ، لهذا لم يعتبر بعض فقهاء الإسلام عقد النكاح عقداً معاوضياً بين شخصين هما المرأة والرجل ، بل يرونه معاهدة مشوبة بالعبادة ، لهذا لا يرون لزوم عقد النكاح الذي هو من العقود اللازمة مثل عقد

**************************************************************
(1) الخصال للصدوق . باب ثلاثة .
(2) من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 383 .
(3) المصدر السابق .
(4) المصدر نفسه ص 385 .
(5) الغرر والدرر ، ج 3 ص 417 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 33 ـ

  البيع والإجارة و ... ويعدون شرط الخيار في ذلك باطلاً .
  رغم اختلافهم في بطلان عقد النكاح بواسطة شرط الخيار ، وسر المسألة هو أن لزوم العقود اللازمة قسمين القسم الأول اللزوم الحقي والقسم الثاني اللزوم الحكمي ، القسم الأول فلأن اللزوم فيه هو حق طرفي المعاملة فهو قابل للفسخ بقيوده الخاصة ، مضافاً إلى تجويز هذا الخيار من قبل شرع الإسلام مثل خيار المجلس وخيار الحيوان ، مع الخيارات التنفيذية التي تكون سابقة لأصالتها بين العقلاء مثل خيار تعذر التسليم ، خيار تبعض الصفقة وغيرها ، فتعتبر قبالة للفسخ ، وكذلك لها صلاحية الفسخ بشرط الخيار بدون ظهور أحد الأسباب المذكورة ، وعدا كل هذه يمكن إقالة ذلك بتقابل الطرفين ، ولأنه حق الطرفين فله صلاحية الإنحلال بتراضيهما .
  وأما القسم الثاني فلأن اللزوم في ذلك ليس حق الطرفين بل هو حكم الله ، وليس حقاً صرفاً للمتعاملين ، لذا لا يمكن إقالته إلا في حالة إجازة الشرع مثل الطلاق أو ظهور عيب يسبب الفسخ ، الغرض ان رأي بعض الفقهاء حول بطلان شرط الخيار في عقد النكاح هو أنه توجد في ذلك شائبة عبادة ، وليس مجرد عقد معاوضي (1) ومضافاً إلى الاستدلال بالإجماع لأبطال شرط الخيار ، يتمسك أيضاً ببعض الوجوه الاعتبارية مثل ان شرط الخيار سبب انحطاط المرأة وهتك حيثيتها .
  أن رؤية الإسلام للمرأة وتنظيم حقوقها ، وان حيثيتها لها جنبة حق الله وليس حق الناس ، ولا يجوز هتك حرمتها لأحد ، والجميع مكلفون بالحفاظ على مقام المراة مشهودة في خلال الأحكام الدينية ، فمثلاً إذا تجاوز أحد على حيثيتها وهتك ناموسها يجب أن يحد ولا يسقط حد الزاني لأي سبب ، لا رضى الزوج ولا رضى المرأة نفسها ، لأن ناموسها له جنبة حق

**************************************************************
(1) مسالك الأفهام ، للشهيد الثاني .

جمال المرأة وجلالها   ـ 34 ـ

  لله ، وليس هو كالمال إذا سرق ورضي المسروق منه يسقط الحد ، ولكن مدنية الغرب أو الشرق المادي تعتبر ناموس المرأة كالبضاعة لذا يبرأ المتهم اذا رضيت المرأة أو رضي الزوج ويغلق الملف ، كما كان رائجاً في الجاهلية القديمة . ولكن بمجيء الإسلام لا مجال للجاهلية الجديدة ولا للجاهلية القديمة ( قل جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد ) (1) .
  في الختام نذكر كلام إنسان كامل هو الإمام أمير المؤمنين عليه السلام رواه من إنسان كامل آخر هي فاطمة الزهراء عليها السلام ، ففي حديث ذكر فيه مسألة الكلام الجيد في مراسم تجهيز الأموات ثم قال : فان فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم لما قبض أبوها ساعدتها جميع بنات بني هاشم فقالت : دعوا تعداد وعليكم بالدعاء (2) ، أي أن الزهراء عليها السلام قالت لبنات بني هاشم اللواتي كن يساعدنها في المأتم بعد رحلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث تركن الزينة وارتدين لباس الحزن ، بأن يتركن هذه الحالة وينصرفن للدعاء .
  الهدف من هذا الحديث هو أن الإمام علي عليه السلام معصوم وجميع أقواله هي حجة ، لكنه تمسك بكلام معصوم آخر لتثبيت مسألة ، والإنسان المعصوم جميع لوكه وكلامه وكتابته وقيامه حجة الله . وليس هناك فرق بين المرأة والرجل في هذه الناحية.
  وكما ان سنة الأئمة المعصومين عليهم السلام هي حجة كذلك سنة الزهراء عليها السلام هي حجة شرعية وسند فقهي ، وإذا سلكت المرأة طريق تعلم العلوم والمعارف وتركت زينة الدنيا فهي كالرجل وإذا ترك الرجل طريق العلوم الإلهية وانشغل بزينة الدنيا فهو كالمرأة ، وسر هذا التقسيم هو الغلبة الخارجية التي انتقلت إلى الأجيال الآخرى من أثر نقص التعليم والتربية في الانظمة غير الإسلامية . من هنا يتضح أن الوصف الذاتي الذي لا يتغير

**************************************************************
(1) سورة سبأ ، الآية : 49 .
(2) الخصال ، للصدوق ص 618 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 35 ـ

  للمرأة ليس هو الإنشغال بالحلية والزينة لتكون غائبة ومحرومة في الاحتجاجات العقلية والمناظرات العلمية ، والمخاصمات الدفاعية ، فالآية المباركة : ( أو من ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) (1) ، ليست في صدد تبيين الحقيقة النوعية للمرأة وبيان فصلها المقوم الذي لا يتغير بتغيير النظام التربوي .
  والآن حيث اتضحت جلالة المرأة وعظمة خلقها ، وظهر جمالها العاطفي في ظل جلال حصافتها ، تتضح رسالتها وهي إظهار الجلال الإلهي في كسوة جمال الرأفة والعاطفة .
  كما ان رسالة الرجل هي إظهار الجمال المحبوب في ظل جلال العقلانية ، ومن هذه الناحية سمي هذا الكتاب بالمرأة في مرآة الجلال والجمال ، رغم أن الجلال والجمال هما من سنخ المفهوم وليس الماهية ولا يسهل تحديدهما الماهوي ، ولكن كما ان الجمال الظاهر يدرك بالحواس الظاهرة كذلك الجمال الباطن يدرك بالحواس الباطنة ، والحمد لله رب العالمين .
  قم ـ شهر اسفند 1369
  الجوادي الآملي

**************************************************************
(1) سورة الزخرف ، الآية : 18 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 36 ـ

المرأة في القرآن
  نبدأ ببحث جديد بفضل الله ، هو موضوع المرأة في القرآن الكريم .
  ان التفسير الموضوعي يتولى بحث مواضيع خاصة حللها القرآن ، ان الموضوع الذي يطرح من وجهة نظر القرآن ، يطرح أيضاً من وجهة نظر العترة ، لأن القرآن لا يفترق عن العترة ، ولا تنفك العترة أيضاً عن القرآن ، ونظراً لأن الإسلام يظهر بصورة قرآن وعترة ، لذا فالبحث الذي يقدمه القرآن والعترة يقدمه الإسلام في الحقيقة ، بناء على هذا يمكن القول : إن المرأة في الإسلام بذلك المعنى الذي بينه القرآن والعترة .

جمال المرأة وجلالها   ـ 37 ـ

مقدمة (1)
  الفرق بين التفسير الموضوعي والتفسير الترتيبي :
  قبل الدخول في البحث الأساسي يلزم توضيح مسألة ، وهي الفرق بين التفسير الموضوعي والتفسير الترتيبي ، في السير التعليمي يقع التفسير الموضوعي بعد التفسير الترتيبي ، يجب ان يكون الإنسان أولاً في خدمة القرآن الكريم بنحو الترتيب ، أي يدرس القرآن من أوله إلى آخره ويكون

جمال المرأة وجلالها   ـ 38 ـ

  لديه حضور ذهني وعلمي ، بحيث لو طرحت آية من القرآن لا يكون بعيد الذهن عنها ، وبعد التعرف على مضمون الآيات يأتي إلى التفسير الموضوعي برأسمال التفسير الترتيبي ، فيختار موضوعاً من المواضيع ويبحث حوله ، أي يقوم بجمع آيات من القرآن تحوي هذا الموضوع ويرتبها ، ثم يقوم بجمع وترتيب الروايات الواردة في ذلك المجال ، وفي المرحلة النهائية يقوم بترتيب ثالث لما تحصّل لديه من الآيات والروايات ، حتى يستطيع تقديم ذلك بوصفه راي الإسلام والقرآن والعترة .
  ان وزان التفسير الموضوعي والتفسير الترتيبي هو وزان شرح الحديث مع الفقه ، فعندما يجمع بعض العلماء روايات في الجوامع الأولية والمجامع اللاحقة ، يبحث بعض آخر هذه الروايات بطرح شرح الحديث ودراسة سنده وتحليل متن الحديث كعلم حديث ترتيبي ، . ثم يختار الفقيه موضوعاً من المواضيع ـ عادة الفقه هو مواضيع مختارة ـ ويستفيد من هذه الأحاديث لتبيين وتعليم هذا الموضوع الفقهي ، طبعاً قد تكون بعض هذه الأحاديث في باب ، وبعضها في باب آخر ، والشخص الذي يتولى الشرح الترتيبي للأحاديث ، يبين الباب من أوله إلى آخره ، لكنه لا يستطيع الافتاء اعتماداً على باب واحد بل يجمع الفقيه الروايات المتعلقة بذلك الموضوع من أبواب متنوعة ، وكثيراً ما يدرس عدة أبواب حتى يستطيع ان يكون لديه ترتيب عام للروايات .
  وبعد هذه المرحلة يزن النتيجة بالقرآن والعقل والاجماع ، ويبيّن فتواه في ما يتعلق بذلك الموضوع الفقهي بناءّ على هذا فهناك تفسير موضوعي وتفسير ترتيبي كما أنّ هناك شرح الحديث والفقه ، فالفقه بمثابة التفسير الموضوعي للأحاديث والروايات ، وشرح الحديث هو بمثابة التفسير الترتيبي .

جمال المرأة وجلالها   ـ 39 ـ

تقدم التفسير الترتيبي على التفسير الموضوعي
  ان القول بان التفسير الترتيبي مقدم على التفسير الموضوعي ، يعني أن من يريد بحث موضوع من وجهة نظر القرآن الكريم ، لا يستطيع أبداً استنباط موضوعه من القرآن اعتماداً على ( المعجم ) أو ( كشف المطالب ) ، ثم يسند ذلك إلى القرآن : لأن هناك كثيراً من المسائل المتعلقة بذلك الموضوع لم تبيّن بتلك اللغة ، حتى يتمكن المعجم من تقديمها ، علاوة على ذلك ، لو أراد شخص ان يكتب تفسيراً موضوعياً .
  ودخلت آية في محل البحث ، فعليه أن لا ينظر لهذه الآية بمعزل عن السياق السابق واللاحق ، بل يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار السياق والخصائص الموضوعية للآية حتى يقول : إن هذه الآية تبين الموضوع الفلاني إلى هذا الحد .
  بناء على هذا يتضح أن التفسير الموضوعي لا يمكن بدون التفسير الترتيبي ، ويمكن ذلك إذا كان الإنسان عارفاً بالموضوع ويستنبط من القرآن الكريم الموضوع بعد أن ينهي أولاً التفسير الترتيبي ويأخذ بنظر الاعتبار كل آية مع ملاحظة صدر وذيل تلك الآية ، وكذلك تلاحظ جمع الآيات التي لها بنحو من الانحاء علاقة مع الموضوع محل البحث سواء بشكل إثبات وتأييد أو بشكل سلب وتكذيب .

مراحل التفسير الموضوعي
  لو أراد شخص بحث موضوع من وجهة نظر القرآن والعترة يجب على الأقل قطع ستة مراحل تحقيقية حتى يشخص رأي الإسلام حول ذلك الموضوع .
  المرحلة الأولى : بجمع الآيات الواردة في ذلك المجال ، في هذه المرحلة يجب ان يكون لديه من الخبرة والاطلاع على القرآن الكريم ما

جمال المرأة وجلالها   ـ 40 ـ

  يمكنه من استخراج جميع الآيات التي لها دخل في الموضوع ـ نفياً وإثباتاً ـ ولا يكتفي في هذا الصدد بخصوص الآيات التي تتضمن ذلك الموضوع لفظاً ، بل يجعل المحور في جمع الآيات هو المحتوى وليس اللفظ .
  المرحلة الثانية : ينسّق الآيات التي جمعت ، أي يقوم بترتيب المطلقة مع المقيدة ، والعامة مع الخاصة ، والمجملة مع ( المبينة ) ، والمتشابهة مع المحكمة ، والأجزاء المناسبة إلى جانب بعضها البعض ، كي يحصل النتائج الصحيحة من دراسة الآيات .
  المرحلة الثالثة : يصل الدور إلى سيرة العترة الطاهرة ، فيجمع الروايات الواردة في هذا المجال ـ نفياً وإثباتاً ـ سواء كانت الروايات أقوالاً للمعصومين عليهم السلام أو أفعالاً صادرة منهم .
  المرحلة الرابعة : يرتب بين هذه الروايات المجموعة أي يقرن المطلقة بالمقيدة ، والعامة مع الخاصة والمحكمات الروائية مع المتشابهات ، والناسخة مع المنسوخة والمجملة مع المبينة ويجب أن يقوم في كل موضوع بنفس العمل الذي يعمل في الاستنباط الفقهي ، لكي يستطيع تحصيل النتائج الصحيحة من بحث الروايات .
  المرحلة الخامسة : يستخرج النتائج المتعددة التي حصلت من الآيات بصورة قاعدة مهمة ، ويقدم كذلك الثمرات المتنوعة الحاصلة من الروايات بصورة قاعدة جامعة .
  المرحلة السادسة : يقوم في هذه المرحلة بترتيب نهائي بين النتائج الحاصلة من القرآن والثمرات المستنبطة من الروايات لكي يستنبط موضوعاً منسجماً مع القرآن والعترة .
  إذا قطع هذه المراحل التحقيقية وأراد أن يتكلم حول الموضوع ، فإن

جمال المرأة وجلالها   ـ 41 ـ

  الأدب الديني والاحتياط العلمي يقتضيان أن يقول : إن مقتضى هذه الآية هو هذا ، أو ان مقتضى هذه الرواية هو هكذا ، لا أن يقول : الإسلام يقول هكذا ، وإذا أراد نقل رأي الإسلام لا يسنده إلى نفسه ، وينقل حصيلة تحقيق المحققين الذين قطعوا هذه المراحل الاستنباطية الست ، ويقول ان محققينا كان هذا رأيهم ، وان : نظر الإسلام في هذا المجال هو هذا .

دور العقل والاجماع في تبيين المعارف الإسلامية
  طبعاً ان المحقق لا يغفل عن ( العقل ) و ( الاجماع ) في جميع المراحل المذكورة ، رغم ان هاتين المسألتين تعودان إلى مقام الإثبات ، لأن حجية الاجماع تعود إلى حجية السنة والعترة ، لأنه يلزم في الاجماع حيثيتان :
  1 ـ ان يكون كاشفاً عن رأي المعصوم عليه السلام أو يكون المعصوم نفسه ـ سلام الله عليه ـ داخلاً بين المجمعين .
  2 ـ بعد أن يكشف الاجماع عن رأي المعصوم ، فان العقل يحكم بأن الكاشف عن رأي المعصوم هو حجة ، أو إذا كان داخلاً في المجمعين فان العقل يقول : إن رأي المعصوم يعطي قيمة لأراء الآخرين ويجعلها حجة .
  فنتيجة الاجماع تعود إلى السنة من ناحية ـ بلحاظ المكشوف ـ وتعود إلى العقل من ناحية أخرى .
  وأما ( العقل ) فرغم أنه قوة قوية في مقام الاستدلال ، ولكن إذا تولى العقل مسألة أو قضية ، وكانت تلك المسألة واردة في بيان القرآن والعترة أما بصراحة ، أو بنحو الالتزام ، أو بنحو الملازمة لهذا فرغم أن مصادر الاستدلال هي الكتاب والسنة والاجماع والعقل ، ولكن حجية العقل والاجماع تعودان إلى حجية الكتاب والسنة ، لأن العقل معتبر في مقام الإثبات وليس لديه رأي يخصه ، وإذا قدم رأياً من عنده في بعض الحالات

جمال المرأة وجلالها   ـ 42 ـ

  مثل ( المستقلات العقلية ) ، فان ذلك يمكن العثور عليه أيضاً أما في متن الشرع ، أو أن الشرع أمضاها ، فإذا لم ترد عين القضية في متن الشرع فانه أمضاها على أساس الملازمة ، بناء على هذا يمكن إسناد موضوع إلى القرآن الكريم عندما تكون قد لوحظت جميع هذه المصادر القوية والفنية .

مقدمة (2)
  تعليم المواضيع عن طريق القرآن :
  بالنظر لأن موضوع الكلام هو ( المرأة في القرآن ) ، أي المرأة في نظر القرآن والعترة وبعبارة أخرى : ( المرأة في الإسلام ) ، لذا فالقرآن الكريم يعلم هذا الموضوع أيضاً للناس مثل سائر المواضيع استناداً لقوله تعالى : ( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) (1) .
  وقد تكلم أشخاص كثيرون حول معرفة هذا النوع من الإنسان وكتبوا مؤلفات ، ولكن هل ان القرآن الكريم يتكلم في هذا الموضوع كالآخرين أيضاً ، أم ان كلام القرآن نوع آخر ؟
  القرآن يقول : إن النبي ـ عليه آلاف التحية والثناء ـ هو معلم الناس ، يعلم الناس الحكمة ويعلمهم الكتاب الإلهي ويزكي نفوسهم و ... وأساساً إن كل معلم يسير في طريق يدل الآخرين أيضاً لكي يتعرفوا على الطريق ويسلكوه أيضاً .
  ولكن الطريق الذي سار فيه الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والانبياء المرسلون ( عليهم السلام ) ليس طريقاً يتمكن الآخرون من معرفته والذهاب فيه ، بل يدلون الآخرين على ذلك المقدار الذي يستطيعونه ، حتى يتعرفوا عليه ويقطعوه ، لذا فتعليم الأنبياء غير تعليم الآخرين .

**************************************************************
(1) سورة آل عمران ، الآية : 164 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 43 ـ

أنواع التعاليم القرآنية
  ان تقسيم التعليم يكون بلحاظ تقسيم العلم ، ولأن العلم على ثلاثة أقسام ، فالتعليم كذلك .
  وجميع هذه الأنواع الثلاثة موجودة في القرآن ولكن مع تفاوت في جميع هذه الأنواع الثلاثة .
  القسم الأول : هو العلم الحسي ، الذي يذكر بصفة العلوم التجريبية ، وتسمى الشعب المتنوعة للعلوم التجريبية بالعلم الحسي ، سواء ما يدرك بالحس المسلح ، أو بالحس غير المسلح مثل الطبيعيات والطب .
  القسم الثاني : هو العلم العقلي ، وهي مجموعة المعارف التي لا تدرك بالحس ـ لا الحس المسلح ولا غير المسلح ـ ولكن سندها هو الحس ، لذا يأتي دور العلم العقلي بعد العلم الحسي .
  القسم الثالث : هو العلم القلبي والشهودي ، وهو أعلى من العلم الحسي والعلم العقلي .
  أسلوب تعليم معلمي العلوم الثلاثة :
  لكل علم من هذه الأنواع الثلاثة سالكون : وعلماء متخصصون ، وكل مجموعة في أي فرع تعمل ، تشرح مسيرها للآخرين ، وتبيّن الطريق الذي انتهجته للأجيال اللاحقة ، بل ان سند المعلمين أساساً هو سوابقهم الدراسية .
  ان الشخص الذي يتولى تبيين العلم الحسي والتجريبي يتكلم استناداً على تجاربه الماضية ، وإرشاداته تقوم أيضاً على أساس الطريق التي سلكها ، والشخص الذي يتولى تبيين الحكمة والفلسفة يقدم الطرق العقلية التي قطعها للسائرين في هذا الطريق ، وسند كلامه هي البراهين العقلية التي

جمال المرأة وجلالها   ـ 44 ـ

  تعلمها ، وإذا أصبح شخص صاحب بصر في العلم الشهودي والحضوري فانه يعمل نفس العمل الذي يعمله صاحب النظر ، أصحاب النظر يرتبون أنظارهم وأنظار الآخرين ويصبحون أصحاب رأي ، ويستفيدون من أنظارهم وأنظار الآخرين في مقام التعليم ، والعرفاء الشاهدون أصحاب البصر يستفيدون من بصيراتهم وبصيرات الآخرين في مقام التعليم ويقدمون ذلك الطريق إلى السائرين في طريق الشهود والحضور ، غاية ما في الأمر ان الشاهد العارفي إذا جلس على كرسي التدريس ، يستفيد غالباً من طريق ( النظر ) أي يجعل المسائل البرهانية أرضية بصفتها ( عرفان نظري ) ، حتى يصل بعض الناس من ( النظر ) إلى ( البصر ) ، لأن ما هو قابل للنقل والانتقال هي ( المعاني والمفاهيم ) ، وليس الشهودات العينية حيث ان التحقق الخارجي هو عين ذاتها .
  أحياناً قد يستطيع أولياء الله إيصال فيض للآخرين ، لكن ذلك قليل جداً ، إن الحكمة والفلسفة تمثل بالنسبة للعرفان نفس دور المنطق للفلسفة ، أي أن المعيار هو العمل ، هذه هي علوم بشرية ويقوم معلموا البشر في هذه الكراسي الثلاثة بتدريسها ، ورأسمال تدريس وتعليم هذه العلوم الثلاثة هو الذي تقدم بيانه .

كيفية تعليم الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
  ذكر الله تعالى ، رسوله الأكرم ـ عليه آلاف التحية والثناء ـ بوصفه معلماً ، قال سبحانه : ( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) .
  هل مقصود الآية هذا المعنى وهو ان رسول الله ، يعلم الآخرين المعارف القرآنية بمستوى طبيب ، حيث يستفيد من رأسماله التجريبي ، أم بمعنى يعلم الآخرين المعارف القرآنية كحكيم ، يستخدم رأسماله الفكري

جمال المرأة وجلالها   ـ 45 ـ

  والبرهاني ؟ أم أنه يعلم الآخرين المعارف الإلهية كعارف شاهد ينقل للآخرين نتائج مشهوداته ؟ .
  قال الله تعالى وهو أول معلم ومعلم بالذات ، في شأن كيفية التعليم :
( عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) (1).
  ان هذا التعليم ، ليس من سنخ العلوم الثالثة حيث يتعلم شيء بالحس أو العقل أو القلب ثم بعد ذلك يعلم للآخرين ، بل هو علم محض ، وتعليمه ينشأ من العلم الربوبي المحض ، وهذا فوق بحثنا ، أما الوجود المبارك لذلك النبي الذي لم يذهب إلى مدرسة ، فهو أيضاً لم يستعن بطريق العلم الحسي أو العقلي بالتأكيد ، أي أنه لم يصبح عالماً بالتجربة ، ولم يستعن بالبراهين من المدرسة .
  أما عن العلم والتعليم الثالث ، فان كل سيرة وسنة وسريرة الوجود المبارك للنبي الأكرم ـ عليه آلاف التحية والثناء ـ هو حضور وشهود ، كان متعلماً لم يذهب إلاّ لمدرسة ( الله ) ، ومدرسة الله تبدأ من القلب وليس من الحس ، ليس العلم الذي يقال فيه :
  ( من فقد حسّاً فقد فقد علماً ) .
  بل العلم الذي يقول : أغلق الحواس ، حتى تفهم ، على عكس علوم المدرسة التي تقول استعمل الحواس حتى تفهم ، لذا فان قسماً مهماً من نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدأ من الرؤيا في أول الأمر ، أي أن بداية النبوة كانت في تلك الحال التي اغلقت فيها العين والأذن وسائر مجاري الإدراك الحسي ، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرى في المنام رؤى جيدة وكل رؤيا كان يراها رسول الله ـ عليه آلاف التحية والثناء ـ كانت تتضح مثل بياض الصبح ، هذا العلم ،

**************************************************************
(1) سورة العلق ، الآية : 5 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 46 ـ

  هو علم شهودي ، بناء على هذا فان علم النبي هو علم شهودي وقلبي . في مجال التعليم أيضاً يعلم الآخرين ذلك بثلاثة طرق : عن طريق ( التجربة ) بصفة ( الجدال الأحسن ) وليس بصفة ( سند التعليم ) بالشكل الذي كأنه تعلمه عن طريق التجربة الحسية ، وكذلك علم الحكماء بصفة ( برهان ) ليس بالشكل الذي كأنه تعلمه من المدرسة ، وعلم التلاميذ الشاهدين والعارفين كذلك بصفة ( إظهار ) .
  وأما الطريق الخاص بالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فهو ليس بالطريق الذي يصله الإنسان بتهذيب النفس والتزكية فضلاً عن البراهين العقلية والعلوم الحسية .
  ( اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) (1) .
  إنها هبة خاصة لا تتوفر بالكسب والتهذيب والتزكية وأمثالها ، إنها ربط خاص بين إنسان كامل والله ، حيث ان ( اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) ، وذلك أيضاً فوق بحثنا ، أي أن الإنسان المتعارف ليس داخلاً في هذا المجال .
  فحين يتكلم القرآن الكريم معنا ، يتكلم بثلاثة طرق ، لأنه يتكلم معنا بلساننا ، حيث قال :
  ( مَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ) (2) .
  وثبت ان الوجود المبارك للنبي الأكرم رسالته شاملة للعالم ، فجميع المجتمعات البشرية هم قومه ، انه يتكلم بلسان الجميع يتكلم بلسان أصحاب العلوم الحسية ويتكلم عن التجارب يتكلم بلسان أصحاب العلوم

**************************************************************
(1) سورة الأنعام ، الآية : 124 .
(2) سورة إبراهيم ، الآية : 4 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 47 ـ

  العقلية الصرفة ، ويتحدث عن البرهان ، ويتكلم بلسان الشاهدين العارفين أيضاً ، ويتكلم عن الوجدان .
  هذه هي كيفية تعليم الوجود المبارك للنبي الأكرم ـ عليه آلاف التحية والثناء ـ وعندما يطرح القرآن موضوع المرأة يدخل أيضاً في هذه الطرق الثلاثة ، أي يتكلم باستعمال الطريق التجريبي ، والطريق العقلي وطريق العرفان والشهود ، ويعلمنا عظمة المرأة بكل هذه الطرق المختلفة .

جمال المرأة وجلالها   ـ 49 ـ

تبيين الموضوع
المقدمة (3) :
  يجب تبيين موضوع البحث ومحور المسائل جيداً قبل أي نوع من إقامة البرهان ، لأن محور البحث يجب أن يشخص بنحو السلب أو الإيجاب قبل الاستدلال على ذلك ، ما هو المقصود من تعيين حقوق المرأة في القرآن ؟ يجب أولاً أن يشخص ما المقصود بـ ( المرأة ) التي هي محل بحث ؟ ثم تشخص مصادر البحث أيضاً ، وكذلك تعين المسائل والمحاور التي يبحث عما يتعلق بها .
  ان المقصود من المرأة هي الصنف الذي يقابله الرجل ، وليس المرأة في مقابل الزوج ، العناوين الآخرى التي يرافق كل منها حقوق خاصة ، لها بحث منفصل لا تدخل في المحور الأساسي لهذا البحث ، فمثلاً للمرأة عدة عناوين فقهية وحقوقية ، حيث أن كلاً من تلك العناوين موضوع لمجموعة من المسائل الفقهية والحقوقية ، لأن المرأة قد تكون أختاً أو بنتاً أو زوجة ، وأحياناً أمّاً أو جدة أو عمة أو خالة وأحياناً بنت عم وبنت عمة ، وبنت خال

جمال المرأة وجلالها   ـ 50 ـ

  وبنت خالة ، وكل منها لها مسائل فقهية وحقوقية في باب الإرث وأمثاله ، وليس لأي من العناوين المذكورة دخل في هذا البحث ، إذ ان المقصود من الرجل هذا الصنف المقابل للمرأة ، وليس المقصود من الرجل هو الزوج ، لأن الرجل بصفة مذكر له عناوين كثيرة ، وكل من تلك العناوين تتبعها أرضية مسائل فقهية وحقوقية كثيرة ، إذ أنّ الرجل يكون أحياناً ابناً أو أخا أو أباً وأحياناً جداً ، أو عماً أو خالاً وأحياناً ابن عم أو ابن عمة أو ابن خال أو ابن خالة ، وكل من هذه العناوين ليس دخيلاً في هذا البحث المحوري ، وتلك لها دور في المسائل الحقوقية والإرث وأمثال ذلك .
  في تقييم تساوي حقوق المرأة والرجل من حيث المسائل القيمية يجب عدم إدخال أي من هذه العناوين لا بعنوان تأييد ولا بعنوان نقض ، يجب عدم القول : إن المرأة تختلف عن الرجل لأن سهم الأخت أقل من سهم الأخ من حيث المسائل الإرثية ، في ذلك الموضوع المحوري ليس الآن دور هذه العناوين الفرعية ، بعد تحليل الموضوع المحوري يأتي عند ذلك دور هذه العناوين الفرعية حيث تطرح مسائل فقهية وحقوقية في كل عنوان من تلك العناوين الفرعية .

الفرق بين الأسس والمصادر
  إن مصادر البحث غير أسس البحث ، فالأسس عبارة عن تلك القواعد والأصول التي يتشكل منها البرهان ، ويطلق على هذه المقدمات والأسس عنوان أسس البحث ، أما من أين يجب استنباط هذه المقدمات والمبادىء فهذا ما يسمى بمصادر البحث .
  مصادر هذا البحث ، هي القرآن والعترة وكذلك العرفان والبرهان ، أي ان الإنسان يستند أحياناً إلى آية من الآيات أو رواية من الروايات ، والمصدر