نبحث عن الاختلاف في شيء آخر هذه القضية المنطقية نكررها أيضاً ، وهي ان ما هو معيار الكمال ليس فيه فرق بين المرأة والرجل ، وما هو فرق بين المرأة والرجل ، ليس معيار الكمال .

رعاية الله الخاصة للنساء
  النكتة التي يجب الالتفات إليها هي أن الدين يرى للمرأة حساباً خاصاً ، في كتاب من لا يحضره الفقيه للمرحوم ابن بابويه القمي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ والذي يعد من الكتب القيمة واحد الكتب الأربعة ، باب في أبواب الصلاة بعنوان ـ أدب المرأة في الصلاة ـ كيف تقف ، كيف تركع ، كيف تتشهد ، كيف تنهض بما يكون مناسباً لعفافها ـ في نهاية الباب يروي رواية عن الإمام السادس عليه السلام وهي أن المرأة إذا أرادت ان تسبح فلتسبح بأصابعها ( فإنهن مسؤولات ) (1) ، لعله ليس هناك أمر بشأن الرجل أن يسبح بأصبعه ولكن في هذه الرواية يؤمر بأن تسبح المرأة بأصبعها ـ طبعاً أفضل تسبيح ، وعد التسبيح سواء للمرأة أو للرجل هو التربة الحسينية .
  ولكن لا يعني ذلك أنه إذا سبح الرجل برأس إصبعه لا يكون مقبولاً ، ولكن لم يرد بذلك أمر ، أما بشأن المرأة ، فعدا ان التسبيح وعد التسبيح بالتربة الحسينية له فضيلة كثيرة ، فقد ورد أمر بأن يسبحن برؤوس أصابعهن ، لأن رؤوس الأصابع هذه سوف تكون مسؤولة في القيامة ، هذه رعاية من الله للمرأة في أن تحسب عدد التسبيح بإصبعها حتى يقوم أصبعها أيضاً بالعبادة ، لأن الله تعالى يحشر البدن في القيامة بجميع الخصائص : ( بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ ) (2) .

**************************************************************
(1) من لا يحضره الفقيه ، ج 1 ، ص 374 ، الرواية 1089 .
(2) سورة القيامة ، الآية : 4 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 227 ـ

  هذه رعاية للمرأة من قبل الله حتى تنتبه إلى أنها سبحت بهذه الأصابع ، عند ذلك لا ترتكب معصية بهذه اليد ، صحيح أنها إذا ذكرت الله بالمسبحة تحصل على ثواب ولكن ليس هناك دور لكل الأصابع ، وأما إذا استعملت رأس الاصبع في التسبيح فان هذه الإصبع ورأس الإصبع يقوم بالعبادة ، وإذا كان هذا الموضوع كمثال وتمثيل لا تخصيص وتعيين ـ لأن التعليل له عمومية ـ يمكن الإدعاء بأن الله تعالى كان تأكيده ( على أساس هذه الرواية ) على أن تكون المرأة بجميع أعضاء بدنها عبدة الله ، ولهذا السبب جعلها موضع رعايته 6 سنوات قبل الرجل .
  الله تعالى استقبل المرأة ست سنوات قبل الرجل ـ كما هو في الفقه ـ أوجب عليها الصلاة وأوجب عليها الصيام وأوجب عليها الحج ، الأحكام التي لم يطلبها من الرجل قبل البلوغ ويقول بأن هذا الإنسان منشغل باللعب الآن ، أوجبها على المرأة واستقبلها ، أليست هذه دلالة على فضيلة المرأة ؟ إذا لم نشعر ونستنبط من هذه الشواهد عظمة المرأة وأفضلية المرأة على الرجل فعلى الأقل يتضح ان للدين اهتماماً خاصاً بالمرأة ، طبعاً الأيام التي تحرم فيها المرأة من الصلاة إذا تداركتها بهذه السنوات الست فليس أمامها مشكلة ، ولكن يجب ان تدرك المرأة موقفها عند ذلك ولا تفكر بالزينة ، ولا تفكر بمسائل الثياب والطعام ، ولا تفكر ماذا لبس الآخرون وماذا لبست هي .
  هذه المسائل حقيرة بالنسبة للمرأة إذا تربت تربية دينية وفهمت أنها ان لم تكن أفضل من الرجل فهي ليست بأقل ، ترى جمالها في شيء آخر ، ترى عفتها في شيء آخر ، ترى ان الدين يقول بصراحة ، للرجل اذهب والعب ست سنوات ، ولكنه يستقبل المرأة ، كما يقال للأطفان في مجمع علمي اذهبوا والعبوا فهنا ليس مكانكم ، ولكن يسمح للكبار بالدخول ، إن هذا ليس من أجل أن المرأة ناقصة بل من أجل أن المرأة رقيقة ، والرقيق يجب الاعتناء به

جمال المرأة وجلالها   ـ 228 ـ

  في ضمن البحوث السابقة أشير إلى أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : إن المرأة ريحانة ، هذه الزهرة يجب عدم تركها ، هذه الزهرة يجب أن تكون بيد البستاني فقط ، وبستاني هذه الزهرة ، هو الله تعالى ، بستاني كل إنسان ، هو الله الذي يقول : ( وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ) (1) .
  وهو يعلم أية زهرة يحفظها أفضل من أخرى وقبل أخرى ، وأية زهرة يجب العناية بها أكثر .
  هذه الفسائل من الرجال والنساء خلقها الله ، وهو يعلم أن بعض الفسائل يجب رعايتها قبل فسائل أخرى ، وتلك الفسيلة التي يجب وضعها تحت رعاية الدين بسرعة هي المرأة لئلا تتلوث ، لا سمح الله ، هذا دليل على عظمتها ، فهي تعرف عظمتها عندما يقال لها : إن الله يقبلك قبل الرجل بست سنوات ، في الوقت الذي يلعب الرجل مثل الأطفان في ميدان اللعب ، فان الله قبلك وسمح لك .
  إن الرواية المروية عن الإمام الصادق عليه السلام في أن تسبح المرأة برأس أصبعها فـ ( إنهن مسؤولات ) تدل على أن جميع أعضاء وجوارح المرأة خاضعة لبرنامج الله تعالى .

تتمة البحث
  أساس العرفان وهو الشهود للواقع وكشف الحقيقة ينشأ من السير والسلوك في درجات الوجود ومراقبة سالكي طريق الوصال ومشاهدة مسير الأسفار المتنوعة ، كثير من منجزات العرفان يؤيدها البرهان ، كما ان خلاصتهما يراها القرآن جائزة ولائقة وذلك بانسجام مع البرهان المتين

**************************************************************
(1) سورة نوح ، الآية : 17 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 229 ـ

  والعرفان الصادق ، ما يراه العارف هو أن جميع الأشياء تتجدد كل لحظة ، وفي هذا التجدد ليس هناك امتياز بين الثابت والسيال ، المجرد والمادي ، وهدف جميع السالكين هو لقاء الله ، كما أن سير جميع المسافرين هو تجليات الله المتنوعة ، اختلاف السائرين في اختيار تجلي خاص ونيل اسم خاص الذي يجعل كلاً منهم مظهره الخاص ، مجموعة لها انس باسماء الجمال واللطف والعاطفة ، وبعض تطبع باسماء الجلال والقوة ، لذا حشر الجماليين في الجنة وحشر الجلاليين في جهنم ، وفي النتيجة كل منهم يلقى اسماً خاصاً من الأسماء الإلهية ويسكنون تحت ولاية ذلك الاسم .
  الآية الكريمة ( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ) (1) ، هي بمثابة رأس فصل في بحث كتاب سفر سالكي طريق الله ، حيث يبين في آخر ذلك التقرير عمل السعداء بصورة استلام كتاب الأعمال باليد اليمنى ، والالتحاق بنظائرهم وأهلهم ، ويبين تقرير عمل الفاسقين بصورة استلام كتاب الأعمال من خلف الرأس ، وصياح طلب الموت مع الاحتراق .
  ليس هناك أي امتياز بين الموحد والملحد في أصل الكدح والسير والتولد ، لكن الملحد يسير دائماً في كثرة ، ويسعى من الخلق إلى الخلق ومع الخلق وفي الخلق ولأجل الخلق ( أي المادة ) ، ولا ينظر في كل مرحلة من مراحل سفره إلى هدفه الأصيل ومرافقة الصادق وهو الحق ، ولا يطلع أبداً على الوحدة ، ولا يخرج الرأس من الكثرة ، بل يدور حول نفسه مثل دودة القز ولا يرى خالقه ، والنتيجة يصبح مظهر إضلال ويدخل الرأس في جهنم مثل الشيطان المضل ، وهو باطن كل كثرة خبيثة ، وكل مادة بلا روح ، وفي هذا السير السقوطي ليس هناك فرق بين المرأة والرجل ، لأن التوحيد

**************************************************************
(1) سورة الانشقاق ، الآية : 6 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 230 ـ

  والالحاد للروح ، والروح ليست من صنف الذكور ولا من صنف الإناث ، الموحد الصادق بواصل سيرة مع الحق ويعبر جميع مراحل سلوكه في صاحبة الحق ولا ينظر أبداً إلى الكثرة بدون شهود الوحدة ، ولا تصبح رؤية الخلق حجاب شهود الخالق أبداً ، بل يعتبر الخلق آية للحق دائماً ويستفيد استفادة صحيحة من هذه المرآة وينظر جمال الخالق في أنحاء مرايا السماء والأرض ، وبالنتيجة يصبح مظهر هداية ، ويستقر في الجنة مثل ملك هادٍ ، فباطن كل وحدة منزه وداخل كل صورة مع الروح وحيّ ، وفي هذا الحركة ليس هناك أي امتياز بين المرأة والرجل ، لأن السفر الحقيقي في مراحل التوحيد يكون بعهدة الإنسانية المبرأة من الذكورة والأنوثة .
  وقد قسم سالكوا الطريق ، والسالكون الشاهدون للغيب والشهود ، مراحل السفر إلى أربعة أقسام ، حيث للحق حضور في جميع تلك المراحل .
  الأول : السفر من الخلق إلى الحق ومن الكثرة إلى الوحدة ، الثاني : السير من الحق إلى الحق والسفر في بحر الوحدة وشهود أسماء وأوصاف الواحد الأحد ، الثالث : السفر من الحق إلى الخلق بصحبة الحق والسفر من الكثير إلى الكثير في صحبة الواحد الأحد .
  وقد ورد شرح هذه الأسفار الأربعة وحصيلة كل مرحلة والنتيجة النهائية للمراحل الأربع في موطنها المناسب ، إن ما هو لازم الذكر هنا : أن المراحل المذكورة تتولى رسم الخطوط العامة للولاية وآثارها الولائية ، والمسافرون في هذا السير هم من الرجال والنساء ، في هذا الوفد نحو الحق ، ليس هناك أي فرق بين المذكر والمؤنث ، وما هو مطروح في السفر الثالث والرابع هو الدرجات المتنوعة للولاية والتي ليس فيها أي فرق أبداً بين المرأة والرجل ولا ترتبط بمسألة النبوة والرسالة ، أي أن السفر الثالث والرابع يؤمن أيضاً بدون النبوة

جمال المرأة وجلالها   ـ 231 ـ

  والرسالة ، لأن الرجوع من الحق إلى الخلق والرجوع من الوحدة إلى الكثرة رغم انه لا يرافقه نبوة انبائية وتعريفية ولكن لا يستلزم أيضاً النبوة والرسالة التشريعية ، بناء على هذا فإن ما حرمت منه المرأة ، أي النبوة والرسالة التشريعية ليست لازمة للعودة من الحق إلى الخلق ، وما هي لازمة لهذه العودة ( أي النبوة الانبائية والتعريفية ) ليس فيها فرق بين المرأة والرجل ، وعدم التمييز بين هاتين المسألتين العميقتين صار عاملاً للحكم بحرمان المرأة من السفر الثالث والرابع .
  الغرض ان ظهير النبوة والرسالة هي الولاية ، وفي الولاية ليس هناك أي امتياز بين المرأة والرجل رغم ان هناك فرقاً بين هذين الصنفين في بعض أثارها التنفيذية وهي النبوة والرسالة التشريعية ، المسألة الأخرى التي ضمن التكرار يمكن انهاء كل نزاع فيها هي انه رغم ان هناك فرقاً بين الرجل والمرأة في النبوة والرسالة التشريعية ، أي أن المرأة لا يمكنها ان تصبح نبياً وصاحب شريعة ، وهو عمل تنفيذي ، والرجل يستطيع ذلك ، ولكن بعد ختم النبوة التشريعية فقد أنسد هذا الطريق على الجميع سواء الرجال أو النساء لذا قال أمير المؤمنين عليه السلام بعد رحلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ) (1) .
  من هنا لا تترتب على ذلك الفرق أية ثمرة ، الذين يعتزمون إخراج النساء من الساحة السياسية : الاجتماعية ، الثقافية والاقتصادية ليس لديهم أية حجة ، لأنه إذا كان الحرمان من الرسالة التشريعية نقص فالرجل هو كالمرأة أيضاً محروم بعد ختم النبوة ، وإذا كان التمتع بالظهير الأصيل للنبوة ، أي الولاية هو مسألة ذات قيمة ، وهي حصيلة السير نحو الله ، فان

**************************************************************
(1) نهج البلاغة .

جمال المرأة وجلالها   ـ 232 ـ

  المرأة هي كالرجل تتمتع بهذه الكرامة ، وإذا كان المطروح هو توزيع المعلم وتقسيم ، المناصب التنفيذية بدون اختلاط المرأة والرجل ، فالمرأة كالرجل أيضاً صاحبة حق ، وإذا كان الكلام عن الاختلاط غير الصائب والتعامل غير المشروع ، فالرجل هو كالمرأة ممنوع أيضاً ، وإذا كان التقسيم العادل للمناصب التنفيذية ، مع الأخذ بنظر الاعتبار قابليات وتقييم خاصية كل صنف من هذين الصنفين هو المقصود ، فان كلاً منهما لديه استطاعة تحمل مسؤوليات مناسبة ، طبعاً في الأعمال التنفيذية للرجل وظائف أكثر .
  يقول القيصري في شرح الفصّ المحمدي من فصوص محيي الدين : ( إعلم ان المرأة باعتبار الحقيقة عين الرجل وباعتبار التعين يتميز كل منهما عن الآخر ... ) (1) .
  ولأن أصلهما واحد وليس هناك تمايز بينهما من حيث الحقيقة فجميع المقامات المتصورة للرجل تستطيع المرأة نيلها أيضاً ، كما قال الشيخ الأكبر .
  ( ان هذه المقامات ليست مخصوصة بالرجال فقد تكون للنساء أيضاً ، لكن لما كانت الغلبة للرجال تذكر باسم الرجال ) (2) .
  ولكن هل أن هذه الغلبة تتعلق بالقابلية للرجل وعدم قابلية المرأة ؟ أم هي من أثر تربية البيئة والأسرة والعادات و ... التي تتطلب بحثاً منفصلاً ؟ ان بعض الرجال ليسوا فقط أقل قابلية من الرجال الآخرين ، بل أنهم سوف يكونون أكثر نزولاً من بعض النساء أيضاً .
  يرى محيي الدين أن سر محبوبية المرأة هو ان الله تعالى منزه عن أن

**************************************************************
(1) شرح القيصري ، ص 473 ـ 478 .
(2) الفصّ الموسوي ، ص 452 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 233 ـ

  يشاهد بدون تجلي ومظهر وكل مظهر يكون جامعاً أكثر للأسماء والأوصاف الإلهية يدل على الله بصورة أفضل ، والمرأة هي أكمل من الرجل في مظهرية الله ، لأن الرجل هو مظهر القبول والانفعال فقط ، والمرأة عدا أنها مظهر القبول والانفعال الإلهي ، فهي مظهر الفعل والتأثير الإلهي أيضاً ، لأنها تتصرف في الرجل وتجذبه ويحبها ، وهذا التصرف والتأثير هو نموذج من فاعلية الله .
  من هذه الناحية المرأة أكمل من الرجل ، إذا أراد الرجل مشاهدة الله في مظهريته ، فشهوده ليس تاماً ، ولكن إذا أراد أن يشاهد الله في مظهرية المرأة ، يصل شهوده إلى الكمال والتمام ، لذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحب المرأة وقد قال في الحديث المعروف بأنه حبب إليه من دنيانا المرأة والعطر وقرة عينه في الصلاة (1) .
  النكات اللازمة التبيين كلام محيي الدين هي عبارة عن :
  1 ـ المقصود من المحبة في هذا البحث هو الحب الإلهي وليس الشهوة الحيوانية ، حيث قال ابن عربي نفسه : ( ومن أحبهن على جهة الشهوة الطبيعية خاصة نقصه علم هذه الشهوة فكان صورة بلا روح ... ) (2) .
  2 ـ المقصود من فاعلية ومنفعلية المرأة يختص بالرجل ، أي ان المرأة منفعلة بالرجل وفاعلة فيه ، لا أن تكون منفعلة منه وفاعلة في الجنين ـ لأنه تصبح هناك مظهر خالقية الله لها دور في تنظيم الجنين في الرحم ـ لأن هذه المسألة رغم ان لها اهمية إلا أنها خارج محور البحث الحالي ، لأن البحث هو في شرح محبوبية المرأة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلام ابن عربي في بداية الفص

**************************************************************
(1) الفصّ المحمدي ، ص 477 ـ 478 شرح القيصري .
(2) الفصّ المحمدي ص 480 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 234 ـ

  المحمدي هو تفسير للحديث المذكور الذي جعلت فيه المرأة والعطر محبوبين عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  3 ـ ما ورد في شرح القيصري لهذا الموضوع أوضح جداً من المسائل التي وردت في سائر الشروح مثل مؤيد الدين الجندي وفلاّ عبد الرزاق الكاشاني و ...
  وبعض آخر من كلام محيي الدين في كتاب الفتوحات هو عبارة عن :
  1 ـ ظهور المرأة يعتبر من الرجل ، لذا لا تصل المرأة إلى درجة الرجل أبداً والآية : ( وللرجال عليهن درجة ) يعتبر تأييداً لهذه المسألة (1) ، طبعاً في ظهور المرأة من الرجل مسألة تستحق تحقيقاً وتجديد نظر .
  2 ـ الواصلون نحو الله هم من الرجال والنساء ولا يختص الوصول إلى الله بالرجال (2) .
  3 ـ الحيض الشيطاني الخبيث يجب الاغتسال منه ، وجميع أهل الطريقة والرياضة متفقون على ان الكذب هو حيض النفوس ( أي الإنسان الكاذب هو حائض ) ، بناء على هذا ( الصدق ) هو غسل من حيض ( الكذب ) (3) .
  4 ـ في حالة أن يكون جثماني المرأة والرجل قد تهيئا للصلاة والدفن في القبر وأراد الإمام الصلاة عليهما صلاة واحدة فهل يجعل جثمان المرأة قريب من القبلة ومقدماً ويجعل جثمان الرجل إلى جهته ؟ أم بالعكس يجعل جثمان الرجل قريباً من القبلة ويضع جثمان المرأة قريباً منه ؟ هنا رأي ابن

**************************************************************
(1) الفتوحات ، الباب السابع ، ص 287 و 248 ج 2 ، تحقيق عثمان يحيى .
(2) الفتوحات ، الباب الرابع والاربعون ج 4 ص 106 ، تحقيق عثمان يحيى .
(3) الفتوحات ، الباب السادس والستون ج 5 ص 391 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 235 ـ

  عربي هو أنه بالنظر لأن المرأة هي محل تكوين الطفل وهي أقرب من الرجل إلى المكوّن الحقيقي أي الله تعالى ، لذا الأجدر هو أن تقدم المرأة على الرجل وتكون أقرب إلى القبلة حتى يولد طفلها بالفطرة التوحيدية (1) .
  5 ـ في تفسير ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ... ) صرح بأن درجة الكمال ليست محجورة بالنسبة إلى النساء والمرأة مشمولة ، بشكل من الأشكال بالآية الكريمة ، وإن لم يأتِ اسمها صريحاً (2) .
  6 ـ وردت هذه المسألة ( أي عدم محجورية المرأة عن الكمال مع ملاحظة تقدم الرجل ) في الباب الثاني والسبعين ، ج 10 ص 348 تحقيق عثمان يحيى .
  7 ـ في الباب الثامن والسبعين يقول : تختلف المرأة عن الرجل في كثير من أحكام الحج ، لأنه وان اجتمعا في الإنسانية لكنهما امتازا عن بعضهما البعض من أثر عروض الذكورية والأنوثية ، ( أي ان الإنسانية تشكل جوهرتهما والذكورة والأنوثة عارضية ) .
  8 ـ في الباب المذكور يقول : أحياناً تصل المرأة في الكمال إلى درجة الرجال وأحياناً ينحدر الرجل إلى درجة بحيث يصبح (3) أسفل من المرأة (4) .
  9 ـ يطرح في الباب الثالث والسبعين رجالاً ونساء معروفين وصلوا إلى مقامات منيعة وفي بحث الحافظون والحافظات للحدود الإلهية ، وفي بحث الحلم يقول :

**************************************************************
(1) الفتوحات ، الباب التاسع والستون ج 8 ، ص 89 .
(2) الفتوحات ، ج 8 ص 151 .
(3) الفتوحات ، ج 1 ص 142 .
(4) الفتوحات ، ج 1 ص 143 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 236 ـ

  ( ما من صفة للرجال إلا وللنساء فيها مشرب تولاهم الله بالحلم ... ) .
  ثم يطرح بتكريم اسم شمس المسنّة في صف الأواهين ، وهناك مسائل كثيرة أخرى يمكن الحصول عليها في كتابات هذا العارف من حيث تقديم خطوط عامة للبحث ، ومن ناحية الإشارة إلى المصاديق البارزة لذلك من نساء معروفات التقين بابن عربي أو ذهب هو للقائهن .

جمال المرأة وجلالها   ـ 237 ـ

نماذج من المقامات العرفانية للمرأة
  النساء اللواتي كان لهن ذوق عرفاني ازدهر في الإسلام ، واللواتي قلن جملاً وكلمات عرفانية رفيعة ، أو نظمن شعراً ، كن كثيرات في التاريخ ونشير إلى عدة حالات كنماذج .

رابعة الشامية (1) :
مخاطبة ملك الغيب :
  رابعة الشامية هي زوجة أحمد بن أبي الحواري ، وفضيلة وكرامة هذه المرأة لم تكن قابلة للإنكار ، كان زوجها يقول : عندما نفرش مائدة الطعام ، كان رابعة تقول لي : كل ( فإنها ما نضجت إلا بالتسبيح ) ، ما المقصود من هذه الجملة ؟ هل المقصود أنها كانت تسبح أثناء الطبخ ـ مثل الكلام الذي ورد بشأن بعض مراجع التقليد ، بأن أمه كانت تقول : لم أرضعه الحليب إلا باسم الله ـ أي أنني كنت أقول سبحان الله أثناء طبخ الطعام ؟ أم أن المقصود هو ان هذا الطعام طبخ بالتسبيح ؟ وأساساً هل يمكن طبخ الطعام بالتسبيح ؟

**************************************************************
(1) الدر المنثور ، ص 201 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 238 ـ

  أي أنه إذا قال شخص ( سبحان الله ) يكون الطعام جاهزاً .
  في سورة يونس المباركة ، جاءت كيفية تناول أهل الجنة للطعام هكذا : ( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (1) .
  إن قوله : إن دعوى أهل الجنة هو التسبيح ماذ يعني ؟ هذه الكلمة تبين مسألتين ، الأولى : ان هؤلاء مدعون ويطلبون أمراً ، والثانية : أنهم يسبحون ( دعواهم فيها سبحانك اللهم ) . معنى الجملة الوسط واضح إلى حد ما ولكن ما هي الجملة الأولى والجملة الأخيرة ؟ وما هو التناسب الموجود بين الإدعاء والتسبيح والتحميد ؟
  ما هو مسلم أن هؤلاء كائنات ممكنة ومحتاجة ، لذا يريدون غذاءً ، ولكن عندما يريد أهل الجنة طعاماً وفاكهة لا يقولون لشخص : هيىء لنا فاكهة ، أو يدخلون إلى البستان ويقطفون فاكهة ، بل إن ( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ) كل ما يريده هؤلاء يهيأ بالتسبيح ، إذا أرادوا ماء كوثر ، يقولون : ( سبحانك اللهم ) ، وإذا أرادوا فاكهة يقولون : ( سبحانك اللهم ) فيثبتون الدعوى بالتسبيح .
  التناسب بين إثبات تلك الدعوى والتسبيح هو أنهم عندما يرون أنفسهم محتاجين إلى نعمة من النعم في الجنة ، يجدون ان الله تعالى منزه عن هذه الحاجة ، فلا يقولون : أعطنا فاكهة أو ماء ، بل يقولون : بأن الله منزه عن حاجة ، أي أنهم محتاجون ، والله مبرأ من الحاجة إلى الفواكه والكوثر ، والأدب يقتضي ان يكون للإنسان هذا النوع من السلوك مع الكرماء ، فكيف

**************************************************************
(1) سورة يونس ، الآية : 10 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 239 ـ

  بالسلوك مع الله الذي هو خالق الكرماء ، لا يقول : أنا محتاج ، أعطني بل أنت لا تريد ، أنت لست محتاجاً وهكذا يتكلم أهل الجنة أيضاً ( سبحانك اللهم ) أنت منزه عن أن تكون محتاجاً آنا ، أي اعطنا ، هذا بيان العلاقة بين الأدعاء والتسبيح .
  أما الجملة الثالثة ـ العلاقة بين الادعاء والحمد ـ ( وآخر دعواهم أن الحمد لله ) أي بعد ذلك التسبيح ، عندما تلقوا أنعاماً من الله ، يبرزون في مقام الشكر ويقولون : ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ، الحمد بعد التسبيح ، التسبيح هو بمعنى الطلب تلويحاً وعندما استجيب للطلب وحصل هذا المحتاج على ما يحتاجه ، يأتي دور الشكر والحمد ، لذا يقولون : ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .
  وتقول رابعة الشامية لزوجها : كل هذه المائدة ( فإنها ما نضجت إلا بالتسبيح ) ، قد لا يكون مقصودها أنها عندما كانت تذهب إلى المطبخ تسبح في لسانها وتقول في حال طبخ الغذاء ( سبحان الله ) ، بل قد يكون مقصودها إن هذا الطعام طبخ بالتسبيح ، فالمرأة يمكن أن تحصل على مثل هذا المقام.
  وهذه المرأة لها شعر تربوي أيضاً ، يقول زوجها : إن لها حالات متنوعة ، كما أن أصحاب الرأي لهم أفكار متنوعة ، بسبب أن مقدمات متنوعة تظهر في أذهانهم ـ أصحاب القلوب أيضاً لهم انجازات متنوعة ، لأن واردات متنوعة تظهر في قلوبهم ، أحياناً واردة الحب ، وأحياناً واردة الخوف ، وأحياناً واردة الأمل ، ويقولون كلاماً مناسباً لكل واردة كان حب الله يرد عليها وتقول :

جمال المرأة وجلالها   ـ 240 ـ

حـبيب  لـيس يـعد لـه iiحبيب      ومـا لـسواه فـي قـلبي نصيب
حبيب غاب عن بصري وشخصي      ولـكن عـن فـؤادي مـا iiيغيب

  حبيبي هو الذي ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ) (1) أما ( وقلبي بحبك متيماً )(2) فهو مستور عن العين لأنه منزه عن أن تراه العين ، ولكن له محل في القلب .
  كانت أحياناُ تعيش حالة أنس بالله ، وتنظم فيه شعراً وتقول :
ولـقد جعلتك في الفؤاد iiمحدثي      وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فـالجسم  مني للجليس iiمؤانس      وحـبيب قلبي في الفؤاد iiأنيسي

  وأحياناً تتغلب عليها حالة الخوف وتقول :
وزادي قـليل مـا أراه iiمبلغي      ألـلزاد أبكي أم لطول iiمسافتي
أتـحرقني بالنار يا غاية المنى      فأين رجائي فيك ؟ أين مخافتي

  وهناك كلام لأمير المؤمنين عليه السلام في الأدعية حيث يقول : ( آه من قلة الزاد وطول الطريق وبعد السفر وعظيم المورد ) (3) .

**************************************************************
(1) سورة الأنعام ، الآية : 103 .
(2) دعاء كميل .
(3) نهج البلاغة ، الفيض ، الحكمة 74 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 241 ـ

رابعة البصرية العدوية (1)
  هناك كلمات تربوية عن رابعة العدوية في هذا المجال ، فقال ذكر أنها كانت تبكي كثيراً ، وكانت تندهش عندما يرد كلام عن النار وكانت تقول : ( استغفارنا يحتاج إلى استغفار ) ، هذه هي المعرفة الرفيعة التي يقولها سيد الشهداء عليه السلام في دعاء عرفة : ( إلهي من كانت محاسنه مساوىء فكيف لا تكون مساوئه مساوىء ) (2) .
  الشخص الذي يعرف محاسنه جيداً ، يتضح ـ بخياله ـ انه وصل إلى درجات رفيعة ، الشخص الذي يصلي ويتصور أنه عمل عملاً ، ولا يعلم أن كل هذا التوفيق هو ببركة اللطف الإلهي ، الشخص الذي يبكي ويستغفر ويتصور أنه عمل عملاً مهماً ، هذه هي ( محاسنه المساوىء ) ، حسنته سيئة ، فكيف بسيئته ؟ هذه المرأة تقول إن استغفارنا يحتاج إلى استغفار ، لأن هذا الاستغفار غير خالص أيضاً ، لم تكن تقبل من الناس شيئاً وكانت تقول ( مالي حاجة بالدنيا ) ، عندما سمعت أن سفيان الثوري يقول : ( واحزناه ) إلى متى يجب أن نكون حزينين ؟ قالت ( واقلة حزناه ) ، أنا أتألم لماذا ألمي قليل ، أنت تقول لماذا أصل الحزن ؟ أما أنا أقول لماذا قلة الحزن ؟ نقل عن هذه المرأة كلام تربوي آخر ، إذ قالت : ( اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم ) .
  لأن إظهار الحسنة نقص عند الإنسان ، لأنها تظاهر .

**************************************************************
(1) الدر المنثور ، ص 202 ـ 203 .
(2) دعاء عرفة ، القسم الأخير .

جمال المرأة وجلالها   ـ 242 ـ

  قول أهل المعرفة : إن ظهور أولياء الله في العبودية أولى لهم من الظهور في الربوبية ، إذا لم تقتض الضرورة فان أي ولي من أولياء الله لا يبين معجزة ، لأن الاعجاز هو ظهور الربوبية ، لذا يقول الذين وصلوا إلى المقصد : إن ظهور أولياء الله في العبودية ألذّ من ظهورهم في الربوبية ، ولو لم تقتض الضرورة لا يظهرون في الربوبية ، أي لا يأتون بمعجزة أبداً ، لأن المعجزة هي مظهر الربوبية .
  ( وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ) (1) .
  لو لم يك إذن الله لم يستطع أي رسول الاتيان بمعجزة وآية ، والمقصود من الاذن هنا هو الإذن التكويني أيضاً ، ويشرع بـ ( كن فيكون ) التي يقولها الله ، وإلا فأي كائن سواء كان ملكاً أو إنساناً لا يستطيع أي عمل بالاستقلال ، كل العالم يدار بأمر الله ، وعندما يظهر اعجاز فهذه ربوبية الله تظهر في كسوة الإنسان الكامل ، وطبعاً انفضال الظاهر ، عن المظهر ، محفوظ ، ثم إن هذا هو مقام فعل لا مقام الذات ، الفرض ان سيرة السالكين الواصلين هي ظهورهم في العبودية لا في الربوبية .
  وأسند الشيخ شهاب الدين السهروردي في كتاب عوارف المعارف بيتين منسوبين إلى رابعة الشامية ، إلى رابعة العدوية وهذان البيتان عبارة عن :
إنـي  جعلتك في الفؤاد iiمحدثي      وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فـالجسم  مني للجليس iiمؤانس      وحـبيب قلبي في الفؤاد iiأنيسي

**************************************************************
(1) سورة الرعد ، الآية : 38 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 243 ـ

  كثير من أولئك النساء كنّ يستيقظن طوال الليل ، بعضهن كانت تقول : رأيت في عالم الرؤيا آثار خيرها تصلني في أطباق نور ، كانت أحياناً تخاطب نفسها وتقول : ( يا نفسي كم تنامين وإلى كم تنامين يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور ) كما كانت تقول : ( إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك بل حباً لك وقصداً للقاء وجهك ) .
  هذا الكلام المنسوب إلى الأولياء يتأسى بهم تلاميذهم ، كما نظمت الأبيات التالية :
أحـبك حـبين حـب الهوى      وحـبا  لأنـك أهـل لـذاك
فـأما الـذي هو حب iiالهوى      فـشغلي  بذكرك عمّن iiسواك
وأمـا  الـذي أنـت أهل iiله      فكشفك لي الحجب حتى أراك
فلا  الحمد في ذا ولا ذاك iiلي      ولـكن لك الحمد في ذا iiوذاك

رابعة بنت إسماعيل
  في شرح حياة هذه المرأة (1) ورد أنها كانت تقول : ( رأيت أهل الجنة يذهبون ويجيئون وربما رأيت الحور العين يستترن مني بأكمامهن ) ، وكما أن

**************************************************************
(1) الدر المنثور ، ص 203 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 244 ـ

  الرجال يصلون أحياناً إلى محل يسترون أنفسهم عن الأئمة عليهم السلام كذلك بعض الملائكة يصلون أحياناً إلى محل يسترون أنفسهم عن أولياء الله من الرجال ، كما أن النساء يصلن أحياناً إلى محل تستتر الحور العين عنهن ، ولكن هل يختفين أم يصبحن تحت شعاع نورهن ؟ إن ما ورد في الرواية من أن الشخص الذي يتوضأ يخلق ملك بماء وضوئه ، أي يصبح بعملهم الصالح ( كن فيكون ) وإلا فالملائكة لا هي من النار ولا من الطين ، يخلقون بالصلاة ، مثل نهر عسل الجنة الذي يخلق بالعمل الصالح .
  ( وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ) (1) .
  عسل الجنة ليس من النحل ، بل يخلق بالصوم والصلاة ، كما أن حور الجنة ليست مثل الإنسان حتى تكون ( خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ ) (2) ، وليست مثل الجن ، حتى تكون ( وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ ) (3) ، بل هي تخلق بالصلاة ، بالعبادة والإطاعة .
  بناء على هذا إذا كان الملك كائن يخلق بالصلاة ، والمصلي أعلى من الصلاة لأن : ( فاعل الخير خير منه ) (4) .
  فالنساء من أهل الجنة أعلى من الحور ، وهذا هو الموقع الواقعي للمرأة ، وإذا توهم شخص أن بعض القيود التنفيذية لا تسمح بأن تصل المرأة إلى هذه المواقع العميقة ، فهذا توهم باطل .

**************************************************************
(1) سورة محمد ، الآية : 15 .
(2) سورة ص ، الآية : 71 .
(3) سورة الحجر ، الآية : 27 .
(4) نهج البلاغة ، الفيض . الحكمة 31 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 245 ـ

  الخلاصة هي أن الطريق مفتوح للرجل والمرأة بالتساوي وليس هناك أي فرق بينهما في مجال سير الكمالات .
  من هم الأبدال والأوتاد ؟ لذا عندما سئل عارف : كم عدد ( الأبدال ) ؟ قال : ( أربعون نفساً ) ، وسئل لماذا لم تقل ( أربعون رجلاً ) ، وقلت : أربعون نفساً ؟ أجاب : ليس جميع هؤلاء رجال ، بل توحيد بينهم نساء ، هذا أولاً ، وثانياً : إن الشخص الذي ينال مقال الأبدال هو إنسان والإنسانية لا تختص بالمرأة أو الرجل (1) .
  الأبدال ، في الاصطلاح ، هم سالكون ليسوا تحت تدبير شخص معين ، ويذكرون بوصفهم ( مفِرد ) أو ( مفرَد ) ، حيث انهم يقطعون الطريق لوحدهم ، وان هو صعب ولكنه قابل للمسير فيه ، ورغم أن سير الإنسان تحت نظر مدير ومدبر يكون أكثر ، ولكن يمكنه قطع هذا الطريق وحيداً .
  هناك مجاميع كثيرة لكل منها اسم خاص ، ولكن هذا السؤال والجواب طرح بشأن ( الابدال ) خاصة ، ولذا قال ذلك العارف في الجواب ( أربعون نفساً ) ولو طرح سؤال كم عدد الاقطاب والأوتاد ؟ يمكن أن يقال في الجواب ( أربعون نفساً ) ، أي أن الذي يصل إلى هذه المقامات ليس ( رجلاً ) ، بل هو ( إنسان ) والإنسانية ليست امرأة ولا رجلاً .
  وعلى أساس هذه النكتة قيل :
( ولو كان الرجال كمن iiذكرنا      لـفضلت النساء على iiالرجال
فلا التأنيت لاسم الشمس عيب      ولا التذكير فخر للهلال ) (2)ii

**************************************************************
(1) تفسير روح البيان ذيل الآية : 42 من سورة آل عمران ج 2 ، ص 34 .
(2) تفسير روح البيان ذيل الآية : 42 من سورة آل عمران ج 2 ، ص 34 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 246 ـ

  على أية حال هناك نماذج كثيرة إذا ذكرت سوف يتضح ويتبين كم كان ميزان دور المراة في صدر الإسلام بالمقارنة مع الرجل ، وفي البحوث القادمة سنذكر إن شاء الله تعالى أنه كانت هناك في طول التاريخ نساء بمستوى أويس القرني ولكن بسبب أنهن لم يطرحن بقين مجهولات .
  قضية الفضيل بن عياض الذي اشتهر في التاريخ وتذكره العارفون ، وتطرح قصته في ذيل الآية الشريفة : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) .
  هي من الحوادث العرفانية الرفيعة ، وقد وقعت حادثة تشبهها لامرأة عارفة كانت لها سابقة فنية ، حيث قيل : إن مولاها أرسلها إلى المستشفى بسبب شدة الحيرة و ... لأنه رأى انها كانت تقول : شعراً رفيعاً بشأن المحبوب يحير العقلاء ، احتار الجميع في من هو ذلك المحبوب ؟ ولم يفهم مولاها من أثر سوء ظن من هو محبوب هذه المرأة الذي تقول من أجله هذا الشعر وتبكي وتضج ، وعندما ذهب بعض العارفين في ذلك العصر للالتقاء بها فهموا أن هذه المرأة وصلت إلى مقام بحيث لا ترى إلا الله ، وتنظم هذا الشعر الأدبي الرفيع في فراقه ، وفي النتيجة أخرجوها من المستشفى وفهموا أن طريق القلب ، لا يختص بالعارفين الرجال ، فالنساء إذ لم يكن كالرجال في هذا الطريق فإنهن في نفس اتجاههم وكفؤهم .

جمال المرأة وجلالها   ـ 247 ـ

المرأة في البرهان
  أشير في بداية البحث إلى ان تنظيم البحوث يقع في ثلاثة فصول ، الفصل الاول : بنظر القرآن ، الفصل الثاني : بنظر العرفان ، الفصل الثالث : بنظر البرهان ، ورغم أن البرهان والعرفان مدينان للقرآن ويستعينان به ، ولكن طريقة تنظيم البحث بالاستفادة من المصطلحات أدت إلى طرح البحوث في ثلاثة فصول .
  عدم الفرق بين المرأة والرجل بنظر البرهان (1) :
  من حيث المسائل العقلية ليس هناك فرق بين المرأة والرجل في أصل الكمال ، طبعاً يمكن ان لا تنال المرأة القمة التي وصلها رجل مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن هناك رجال كثيرون حتى أنبياء ومرسلون وأولياء وأوصياء كثيرون لم يصلوا ذلك المقام أيضاً ، هذا ليس لأن المرأة لكونها امرأة لا تصل إلى ذلك المقام ، بل من أجل أن ذلك المقام يكون من نصيب قليل من الناس الكاملين ، لذا لم يصل كثير من الرجال إلى تلك الدرجة ، بناء على

**************************************************************
(1) إلهيات الشّفاء ، المقالة الخامسة ، الفصل الرابع ، وان بعض المطالب الواردة في المقالة العاشرة ، الفصل الرابع ، قابلة للتوجيه .

جمال المرأة وجلالها   ـ 248 ـ

  هذا فانه باستنثاء مقام الإنسان الكامل الذي هو أمر منفصل ، ليس هناك فرق بين المرأة والرجل في الكمالات المترقبة (1) .
الذكورة والأنوثة ليست فصلاً مقوّما
  دليل هذه المسألة حسب ما ورد في الكتب العقلية ، وكما ذكره ابن سينا في الشفاء وذكره تلميذه بهنميار في التحصيل ، هو أنهم يعتبرون الناطق فصلاً في الكتب العقلية من حيث كشف الحد ومعرفة الرسم ومعرفة الذاتي والعرضي ، طبعاً ليس فصلاً منطقياً بل من لوازم الفصل ، كما أن المقصود من الناطق ليس النطق الظاهري ولا النطق الباطني ، بل المقصود هي النفس الناطقة ، وهذا النطق يشتق من النفس الناطقة ، يعتبرون الناطق فصلاً مقوماً الإنسان ، أما الأنوثة والذكورة فيعتبرونهما مصنفاً ، وليس مقوماً ، ولذا حين يقسمون الفصول إلى فصل قريب واقرب ، بعيد وأبعد ليس هناك كلام عن الذكورة والأنوثة ، الكلام هو عن الناطق والصاهل والخائر و ... الذي يتوع الحيوانات ، على هذا ، عندما تكمل الذات ، أي إنسانية الإنسان ويصل إلى نصابه عند ذلك تطرح مسألة الذكورة والأنوثة ، وتشخيص الذاتي والعرضي وعلاماتهما يحصل عن هذا الطريق . هذا قسم من البحث تتولاه الكتب العقلية .

عدم تأثير الذكورة والأنوثة في فعلية الإنسان
  وقسم آخر من البحث ذكر في الفرق بين الجنس والمادة ، قيل : إن الذكورة والأنوثة تعودان إلى المادة لا إلى الصورة ، ولأن صورة كل شيء تشكل شيئيته فالذكورة والأنوثة للأشياء ليست دخيلة في فعلية وشيئية الأشياء وتوضيح المسألة هو أنه إذا أردنا معرفة كائن بفعليته ، فان صورته

**************************************************************
(1) التحصيل ، المقالة الرابعة ، الفصل الرابع .

جمال المرأة وجلالها   ـ 249 ـ

  تبين فعليته وتبين لنا حقيقته ، ولكن لأن مادته مشتركة ويمكن ان تظهر بصورة أخرى أيضاً . فهي ليست علامة حقيقته ، التراب هو مادة لصور متنوعة ، يمكن ان يظهر بصورة شجرة أو بصورة معدن أو فواكه متنوعة أو حبوب وأحجار مختلفة أو بصورة إنسان أو حيوانات ، وما لم تظهر في صورة من الصور لا تحصل على فعلية خاصة ، وليس المقصود من الصورة هو الهيكل لأن ذلك عرضي بل المقصود هي الفعلية الجوهرية التي تؤمن حقيقة الشيء وتعود إلى كيفية وجوده من ناحية .
  يقول أهل الحكمة : ان الذكورة والأنوثة هي من شؤون مادة الشيء وليس من شؤون صورته ، أي ليس لها دور في قسم الصورة والفعلية ، ولها دور في قسم المادة فقط ، عندما يذكرون الفرق بين الجنس والمادة . يقولون : إن المادة لها أصناف ، بعض تلك الأصناف مذكر وبعضها مؤنث ، وعلامة الذكورة والأنوثة تعود إلى المادة وليس الصورة ، لهذا لا يختص هذان الصنفان بالإنسان ، بل يوجدان في الحيوان أيضاً وكذلك في النباتات ، والشيء الذي تتمتع به الكائنات التي هي أقل من الإنسان واضح انه لا يعود إلى صورة إنسانية ، لأنه لو كان يعود إلى صورة الإنسان لما كان يتمتع به الكائن الذي هو أقل من الإنسان .
  قبل مرتبة الإنسانية هناك مرتبة الحيوانية التي لها ذكورة وأنوثة أيضاً وقبل الحيوانية هناك مرتبة النباتية التي تطرح فيها مرتبة الذكورة والأنوثة أيضاً ، لو كانت الذكورة والأنوثة تدخل في قسم الصورة وجزء من فعلية الإنسان لما كانت توجد في كائنات أقل من مستوى الإنسان ، ولانها توجد في مستوى أقل من الإنسان ، يتضح أنها مرتبطة بمادته وليس بصورته ـ .
  كما ان الحيوانات إذا أرادت ان يكون لها كمالات فان كمال الحيوانات ليس في ذكورتها وأنوثتها ، كل حيوان له نفس وكمالاته متعلقة

جمال المرأة وجلالها   ـ 250 ـ

  بها إن ذكورة أو أنوثة الحيوان يمكن أن يكون لها تأثير في قواه البدنية ، ولكن هذه القوى البدنية ليست كمالات حيوانية ، الكمالات الحيوانية هي في الأوصاف والخلقيات الخاصة بنفس الحيوان ، والأنوثة والذكورة موجودة في كائنات أقل من الحيوان ، لأنها تعود إلى المادة ، أي أنها موجودة في درجة النباتات أيضاً ، جاء في القرآن : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) (1) .
  كان هذان نموذجين من المسائل العقلية ، ولكن لأن القرآن الكريم هو جذر هذه المعارف يجب أن يؤيدها ، حين يمدح القرآن الكريم الروح ويعرفها ، يقول بانها من أمر الله ويسندها إلى الله ، والشيء الذي له إضافة تشريعية إلى الله وهو من عالم الحق ، ومفصول عن عالم الخلق ، وهو نشأة أخرى ، يكون منزهاً عن الذكورة والأنوثة .

خلق الأرواح قبل الأجساد
  في بداية الفصل كان البحث في ان الذكورة والأنوثة تعود إلى المادة لا إلى الصورة وهي جزء من المصنفات وليس المقومات ، الآن سيثبت بالشواهد القرآنية ان الروح لا هي مذكر ولا هي مؤنث كما مر بالتفصيل في البحوث القرآنية .
  الآيات القرآنية التي تتكلم عن روح الإنسان عدة طوائف ، بعض الآيات تبين ان الروح كانت موجودة ثم تعلقت بالبدن ، مثل الآيات التي وردت في خلق آدم أبي البشر ( عليه السلام ) ، قال تعالى : ( إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ

**************************************************************
(1) سورة الذّاريات ، الآية : 49 .