جميع المسائل ، أما الأخبار التي ينقلها المخبرون البشر ، فيرافقها الظن أحياناً لأنها تكون غالباً في حد الاستقراء ، وإذا حصلت أحياناً بصورة تجربة فهي قليلة جداً ، ولكن القصص القرآنية بالنظر لأن الله تعالى يعرض إلى جانبها قاعدة عامة ، فيتضح أنه حتى ولو كان هناك نموذج واحد فهو من تلك القاعدة العامة ، وليست القضية تصادفية ، بل هي مصداق لجامع حقيقي وفرد لذاتي وهذا هو الفرق بين قصة القرآن مع غير القرآن .
  ان القرآن الكريم يبين في القصص التي يذكرها أحوال الأنبياء وقضاياهم مع الطواغيت ، كثير من الأنبياء جاؤوا ووعدوا طواغيت عصورهم فلم يؤثر فيهم فهددوهم فلم يؤثر حتى : ( فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ) (1) .
  ولكن عندما أرسل إلى امرأة كتاب دعوة كانت تتضمن وعداً مع وعيد وتهديد مع بشرى ، نرى أنها تؤثر . فهل ان هذا هو بسبب أن هذه المرأة خافت أم أنها كانت أعقل من أولئك الرجال ، كل هذه البيانات الحضورية بينها موسى وهارون عليه السلام لرجال حكومة آل فرعون ولم تؤثر أي أثر ، كل تلك المعجزات الحسية الكثيرة بينوها لأولئك ، ولم تؤثر حتى أنهم قتلوا وأسروا كثيراً من قوم بني إسرائيل وكان فخرهم أنهم ذبحوا أبناء هؤلاء القوم واستحيوا نساءهم ، كي يعملن لهم كما أشير إلى هذه القضية في القرآن : ( يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ ) (2) .
  وقد تكررت هذه القضايا بصورة متنوعة في مسألة المسيح والخليل وكثير من الأنبياء بعد إبراهيم ( عليهم السلام ) .

**************************************************************
(1) سورة طه ، الآية : 78 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 49 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 277 ـ

قصة ملكة سبأ في القرآن
  أما حين يأتي دور ملكة سبأ ، فنرى أن سليمان عليه السلام أرسل إليها كتاباً فيه وعد ووعيد فتهيأت لقبول الحق ، بينما لم تكن قوة تلك المرأة أقل من السلاطين الآخرين ، لكنها كانت أعقل من سائر الرجال ـ في البحوث السابقة اتضح أنه إذا ثبت أن المرأة أضعف من الرجل في الفكر ، أي ان طريق الفكر والكلام وطريق البرهان وعقل النظر مفتوح أكثر للرجل فلم يثبت أن الرجل أقوى من المرأة في طريق القلب والعرفان والموعظة ، ظاهراً المرأة أقوى من الرجل في هذا الطريق والمناجاة والموعظة تؤثر في المرأة أكثر من الرجل ، وهذا هو طريق أكثر عمومية وعملية وتأثيراً واستعماله أوسع ، ففي الطريق الذي يصل الإنسان بسلوكه إلى المقصد بصورة أسرع وأفضل ، في ذلك الطريق نجد المرأة أما هي بالتأكيد أكثر نجاحاً من الرجل أو هي بمستواه .
  ووصل كتاب من سليمان ( عليه السلام ) إلى هذه المرأة ، كانت تحكم في اليمن ، حيث جاء في القرآن في شرح هذه القضية على لسان الهدهد يصوره سلطنة ملكة اليمن هكذا : ( إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ ) (1) بعد وصول خبر ملكة اليمن بواسطة الهدهد إلى سليمان عليه السلام كتب سليمان ( عليه السلام ) كتاباً مختصراً : ( إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ) (2) .

**************************************************************
(1) سورة النمل ، الآيتين : 23 ـ 24 .
(2) سورة النمل ، الآيتين : 30 ـ 31 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 278 ـ

  عندما وصل هذا الكتاب إلى بلاط تلك المرأة قالت : ( إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ) (1) .
  كرامة الكتاب لم تكن في ختمه فقط ، محتوى الكتاب هو سبب كرامة ذلك الكتاب . ورغم الأدب الصوري لمثل كتابة الرسائل تلك وإيصالها له دور أيضاً ، ولكن السهم المؤثر في كرامة الكتاب هو مضمون الكتاب ، قالت هذه المرأة ( إني ألقي إليّ كتاب كريم ) هذا الكتاب هو من قبل سليمان ومحتواه الدعوة إلى الإسلام ، لذا تشاورت مع أفراد بلاطها فقالوا : ( نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ ) (2) .
  نحن أقوياء من حيث المسائل السياسية والعسكرية وليس لدينا نقص ولكن : ( والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ) (3) .
  من الأن وما بعده يجب رؤية ما هو التهور وما هي الشجاعة ، ما هو الخوف وما هو الاحتياط ، ما هو الجهل ، وما هو العقل ؟ إن عدم التسليم أمام الحق هو تهور وليس شجاعة ، وإن عدم الخضوع في محضر الله هو توحش وليس هوة لذا قالت تلك المرأة أنا اختبره لأرى هل ان هدفه هو الحكومات الدنيوية أم أنه قطع طريق الأنبياء : اختبره أولاً بالمسائل المالية .
  ( وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) (4) .
  لما أرسلت الهدايا ورفض سليمان عليه السلام الهدايا وقال :

**************************************************************
(1) سورة النمل ، الآية : 29 .
(2) سورة النمل ، الآية : 33 .
(3) المصدر السابق .
(4) سورة النمل ، الآية : 35 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 279 ـ

  ( بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ) (1) ، أجاب جواباً فهمت تلك المرأة منه ان نظام سليمان ليس نظاماً مالياً حتى يكون تطميعه ممكناً ، ليس نظاماً يمكن إرضاؤه باعطاء السلطة والصلاحية ومصالح البلد إليه ، حتى يغض النظر عن الدعوة إلى الإسلام ، ثم قالت : ( إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ) (2) .
  هل ان آخر الآية هو كلام تلك المرأة أم توقيع إلهي ، هذه مسألة أخرى ـ وقبل ان تتشرف ملكة سبأ بزيارة سليمان عليه السلام جيء بعرشها باقتراح من سليمان ( عليه السلام ) : ( قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ) (3) .
  ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (4) .
  لما جاءت تلك المرأة أمر سليمان ان يغيروا عرش ملكة سبأ تغييراً قليلاً حتى يختبر ذكاءها وانتباهها فقالت : ( كَأَنَّهُ هُوَ ) (5) ولم تقل ( أنه هو ) ، وأخيراً بعد مجموعة مناظرات ومباحثات ومحاورات وأسئلة وأجوبة ، قالت :

**************************************************************
(1) سورة النمل ، الآية : 36 .
(2) سورة النمل ، الآية : 34 .
(3) سورة النمل ، الآية : 39 .
(4) سورة النمل ، الآية : 40 .
(5) سورة النمل ، الآية : 42 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 280 ـ

  ( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (1) ، قال تعالى : ( وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ) (2) .
  ( صدّ ) مع ( صاد ) أي ( صرف ) ، الإنسان الذي هو ( صارف ) ولا يسمح ان يذهب الاخرون إلى طريق الحق هو ( صاد عن سبيل الله ) ، الصادّ عن سبيل الله لديه صرف وانصراف ، الإنصراف مقدم على الصرف عن طريق الحق ، ويصرف سالكي طريق الحق أيضاً ، ليس ممكناً ان يكون شخص سائراً في طريق الحق ويصرف الآخرين السالكين عن طريق الحق .
  الإنسان التائه يقطع طريق السائرين ، قوله : ( ضلوا وأضلوا ) الإضلال مسبوق دائماً بالضلالة ، كما ان الهداية أيضاً مسبوقة بالاهتداء ، أي الإنسان المهتدي هو هادٍ للآخرين وفي جميع المسائل هكذا ، جاء في الآية الكريمة أيضاً : ( وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ) .
  أي أن طبيعة الوثنية والصنمية كانت صادة وصرفتها لأن الوثنية نفسها هي انصراف عن طريق الحق ، ولكن في نفس الوقت كان طريق الفطرة والفكر واتخاذ القرار مفتوحاً أمامها لذا بعد ان ذكر القرآن بان الوثنية صدتها عن الإيمان ، ذكر انها عندما تحدثت مع سليمان عن قرب قالت : ( ربّ أني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) ، لم تقل ( أسلمت لسليمان ) بل قالت ( أسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) لذا يذكر الله تعالى هذه القضية بوضفها موعظة وفيها عبرة .
  إذا أراد شخص أن يفهم هل أن آل فرعون أعقل أم هذه المرأة ،

**************************************************************
(1) سورة النمل ، الآية : 44 .
(2) سورة النمل ، الآية : 43 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 281 ـ

  آل نمرود أعقل أم هذه المرأة ، السلاطين الذين كان المسيح عليه السلام في مواجهة معهم أعقل أم هذه المرأة ؟ بعد ان تحدد معنى العقل في قاموس القرآن ، يتضح أن هذه المرأة التي كانت تحكم في اليمن ، كانت أعقل من كثير من الحكام الرجال ، كانت تعرف أن الشجاعة هي في التسليم للحق ، وميزت الشجاعة من التهور لم تقل إننا لسنا مستعدين للقبول بالأنبياء الغرباء ، لأن هذا الطبع والسيرة هو طبع وحشي ، فهي قبلت لأنه ليس هناك شيء غريب في الأمر ، فسليمان معروف ، بأنه نبي جاء برسالة محب وعرض كلام الحق ، بناء على هذا يطرح القرآن الكريم هذه بوصفها نموذجاً وإذا كان هناك رجال صالحون فهناك أيضاً رجال قاموا بفساد وإفساد وهلاك نسل الناس وحرثهم ، قتلوا كثيراً من الناس الأبرياء ، ولكن هذه المرأة حفظت كثيراً من الدماء ، لذا يذكرها القرآن بعظمة ، وعلى أساس هذه القضية قالت نساء كثيرات في صدر الإسلام : ( أسلمت مع رسول الله ، لله رب العالمين ) .

النبوغ الفكري والسياسي للمرأة
  من النماذج البارزة للنبوغ الفكري للمرأة ، هو تساويها مع الرجل في أهم الفضائل التي يذكرها الله للإنسان وفي هذا الصدد يمكن ذكر نموذجين :
  1 ـ النبوغ الفكري والثقافي .
  2 ـ النبوغ السياسي والتواجد في ساحة الساسية والمجتمع .
  إن النبوغ الفكري والثقافي ليس هو أن يطلع شخص على موضوع أسرع من الآخرين ، فمثلاً إذا طالع شخص كتاباً أسرع من الآخرين واطلع على مضمونه ، أو حضر في جلسة علمية قبل الآخرين واطلع على محتوى المحفل ، فإن هذا السبق الزماني ليس دليلاً على نبوغه الفكري ، لأنه يمكن لو أن هذا الشخص الثاني شارك في ذلك المحفل العلمي في اليوم الأول لكان فهمه أفضل منه ، بناء على هذا فإن هذا النوع من السبق والتقدم ليس

جمال المرأة وجلالها   ـ 282 ـ

  دليلاً على فضيلة ونبوغ ، ولكن إذا طرحت مسألة علمية عميقة وكانت هذه المسألة العلمية نظرية لبعض المستمعين ، وضرورية لبعض آخر يتبين أن الذين كانت المسائل العلمية واضحة وضرورية لهم يتمتعون بنبوغ خاص وهذه المجموعة تفهم أفضل من الآخرين ، هنا ليس مجرد السبق الزماني حتى لا يكون عامل فخر ، بل هو دليل على السبق الفكري والثقافي العلمي لأولئك الأفراد ، فالشخص الذي يفهم مسألة عميقة أسرع من آخر يتضح أنه إما يعرف المبادىء والاسس الاستدلالية لتلك المسألة أو أنه قطع قبل ذلك هذا الطريق أو أنه يقطع هذا الطريق بسرعة ، وعلى أي حال يفهم المسألة العلمية العميقة أسرع من الآخرين والسبق هنا دليل نبوغ ، كما انه لو قام شخصان بعمل خير مع فارق في الزمن ، فان مجرد هذا التقدم والتأخر الزمني ليس دليل فخر ، ولكن القيام بالعمل الذي يتطلب إيثاراً وتضحية ليس بمقدور كل شخص وإذا قام شخص من بين هذه المجموعة بذلك العمل بتضحية ونجح ، هنا ليس مجرد السبق الزمني ، بل انه يحكي عن نبوغ فكري واخلاص خاص ، وهذه هي قاعدة عامة سواء بشأن النظر والجزم ، أو بشأن العمل والعزم .

علة امتياز السابقين
  بناء على هذه القاعدة العامة فان هناك حرمة خاصة في القرآن الكريم للذي اسلموا أسرع من الآخرين وصدقوا رسالة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، من أجل هذا السبق في اعتناق الإسلام وكذلك الذين نصروا الدين بالارواح والأموال قبل الآخرين وتواجدوا في ميدان الحرب والدفاع عن الحق قبل الآخرين لهم احترام خاص ودرجة خاصة ، في هذا النوع من الحالات ، ليس سبب الفضيلة هو مجرد السبق الزمني ، بل هو النبوغ الثقافي والفكري في قسم النظر ، والنبوغ العملي في مرحلة العمل ، وبتوضيح هذه المقدمة يتضح

جمال المرأة وجلالها   ـ 283 ـ

  لماذا يذكر القرآن الكريم المهاجرين والأنصار السابقين بتعظيم ويقول : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ ) (1) .
  الذين عرفوا الذين قبل الآخرين ونصروه ، والذين هاجروا قبل الآخرين وجاؤوا من مكة إلى المدينة أو نصروا المهاجرين قبل الآخرين ، مثل هؤلاء الأشخاص سبقوا بتضحيتهم وإيثارهم ، ولكن أولئك ليسوا أفضل من ناحية أن لهم سبقاً زمانياً فقط بل إن لهم حرمة خاصة من حيث أنهم أدركوا الإسلام أفضل من الآخرين .
  في ذلك اليوم احيث كان الفكر السائد هو تفكير الجاهلية وعبادة الأصنام وحب المال ، إذا استطاع شخص التحرر من تلك الرواسب الجاهلية وعرف الإسلام الخالص وصدق يحقانيته وداس على جميع العادات الجاهلية وأسلم بشهامة كاملة ودافع عن الإسلام العزيز فكراً وعملاً ، فهو يتمتع بنبوغ خاص ، لذا ذكر الله تعالى هذه الجماعة بتكريم خاص وقال : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ) .
  وكذلك ذكر تعالى هؤلاء بحرمة خاصة في سورة الحديد وقال : ( بْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى )(2).
  أي أن الجميع مأجورون ولكن أجر أولئك الدين نصروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زمن ضعف الإسلام وأعانوه بالمال والأنفس ، وهؤلاء يتمتعون بحرمة خاصة والذين آمنوا ونصروا الدين بعد انتشار القرآن والإسلام ليس لهم سهم من تلك الحرمة الخاصة ، كما جرى في الثورة الإسلامية في إيران ، فالذين

**************************************************************
(1) سورة التوبة ، الآية : 100 .
(2) سورة الحديد ، الآية : 10 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 284 ـ

  التحقوا بالثورة قبل الانتصار لا يستوون مع الذين أصبحوا ثوريين بعد الانصار ، إن تحديد حقانية الإسلام يتطلب نبوغاً فكرياً وثقافياً ، والخدمة بإيثار قبل الثورة حتى مرحلة انتصارها يتطلب شجاعة خاصة ، لذا لا تتساوى إعانه الثورة قبل النصر مع إعانتها بعد النصر ، كما أن ما جرى قبل القبول بالقرار 598 لمجلس الأمن وبعد قبول القرار ليسا متساويين ، الإيثار والتضحية في زمن الحرب لا يستوي مع الايثار والتضحية في زمن السلم ، فان تلك تكشف عن شهود ثقافي وشهامة وعزم عملي .
  إن الشواهد القرآنية التي تذكر السابقين بعظمة وتذكر طلائع الثورة بتكريم أدت لإدراك المحققين في الروايات التي وردت في مدح علي بن أبي طالب عليه السلام يحلل جيداً إن إحدى الفضائل البارزة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي احتج بها الإمام نفسه وكذلك استدل سائر أهل البيت بهذه الفضيلة واستند عليها المحققون والعلماء الشيعة هي ان ( أمير المؤمنين أول القوم إسلاماً ) (1) ، ان قوله : ( يا علي ، أنت أول المؤمنين إيماناً وأول المسلمين إسلاماً ) (2) .
  إن هذا ليس من أجل ان تقدم أمير المؤمنين على الآخرين كان مجرد تقدم زماني ، أي انه اسلم قبل ان يسلم الآخرون ، لأن مجرد السبق الزماني ليس دليل فخر ، ولا حداً وسطاً لبرهان مستدل ، لا يمكن ان يستدل للخلافة أو الإمامة أو الولاية أو إثبات مقامات أفضل بمجرد السبق الزمني ، ويقال : بالنظر لأن علي بن أبي طالب عليه السلام آمن قبل الآخرين فهو يتمتع بحرمة خاصة ، لأن مجرد السبق الزمني ليس علامة كمال بل المقصود هو السبق الرتبي ، أن أنه في اليوم الذي عرض عليكم القرآن والإسلام ورسالة رسول

**************************************************************
(1) أصول الكافي ، ج 1 ، ص 454 .
(2) الغدير ، ج 3 ، ص 228 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 285 ـ

  الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنتم لم تستطيعوا تحديد الحقانية أساساً أو كان تحديدكم ضعيفاً ، أو إذا كنتم حددتم لم تستطيعوا الدفاع ولم تكن فيكم شهامة الايثار والتضحية ، ولم يكن لديكم ذلك الصبر في تحمل المشقة ، فهم علي عليه السلام حقانية ذلك بسرعة وآمن به ودافع عنه ، هذا النوع من المعرفة والصبر هو علامة نبوغ فكري في قسم النظر ، وعلامة شهامة في قسم العمل .
  يتضح من هذه المقدمة القصيرة لماذا يتمتع السابقون في الإسلام بحرمة خاصة .

النساء السابقات في الدين
  عندما نراجع إحصاء وأرقام السابقين في الدين نرى أنه كما أنه هناك اشخاصاً في الصف المتقدم مثل أمير المؤمنين عليه السلام فان هناك أشخاص آخرين مثل خديجة عليهم السلام وسمية آل ياسر ، عليها رحمة الله ، ان تقدم خديجة في الإسلام هو بسبب سبقها الرتبي ، لأن كثيراً من الرجال كانوا يترددون في تشخيص حقانية الإسلام .
  ولكن خديجة عليهم السلام شخصت الحق ، قد يكون هناك كثير من الناس شخصوا أن الحق هو مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولكن لم تكن لديهم تلك الشهامة ، ولكن خديجة كانت لديها تلك الشهامة ، إذا أراد شخص ان يدوس على عادة باطلة ، وان يقبل بالدين الحق فذلك يتطلب نبوغاً فكرياً وكدلك شهامة كبيرة ، في الظروف التي كان كثير من الرجال يفتقدون كلا أو إحدى هاتين القاعدتين ، كانت خديجة عليهم السلام تحمل كلتا القاعدتين ، لذا ضحت بالمال .
  ومن النساء الأخريات السابقات سمية التي شخصت حقانية الدين من أثر البلوغ الفكري والثقافي واسلمت وتحملت تعذيباً قاسياً بصبر قل نظيره ، وعندما مرّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على آل عمار ورآهم في ذلك التعذيب قال :

جمال المرأة وجلالها   ـ 286 ـ

  ( صبراً يا آل ياسر ان موعدكم الجنة ) .
  آمن هؤلاء بالغيب حتى الشهادة ، و اصبحت هذه المرأة في صف أول شهيد في الإسلام ، وواضح ان المسألة ليست سبقاً زمنياً فقط بل هي سبق رتبي يتطلب نوعاً من النبوغ الثقافي وشهامة عقل عملي ، هذه هي نماذج تتعلق بتواجد المرأة في قسم النبوغ الثقافي وإيثار وتضحية عقل العمل .
  وأما المقام الثاني للكلام ، الذي هو تواجد المراة في ساحة السياسة والمجتمع فمن اللازم ذكر مقدمة قصيرة في هذا المجال لتوضيح البحث .

ضرورة تواجد المرأة في ساحة المجتمع
  يطرح الدين من خلال نظرته إلى البشر برؤية جماعية ، وإن للإنسان هوية جماعية ـ سواء كان للمجتمع وجود حقيقي أم لم يكن ـ مجموعة وظائف بوصفها وسائل اجتماعية ، الذين لا يتمتعون بنبوغ ، ويفكرون بانفسهم فقط لا يدركون الخطوط العامة الاجتماعية ، أو أنهم إذا أدركوا الخطوط العامة للمجتمع ليس لديهم قابلية التضحية والإيثار ، لذا لا يدخلون في ساحة المجتمع ، إذا كانت هناك شخص من أهل القيام والمبادرة يتضح أنه أدرك مسألة الهوية الاجتماعية للبشر جيداً ، وكذلك درس جيداً لزوم التضحية لتكريم الهوية الجماعية ، في القرآن الكريم جاء تعريف المؤمنين الصادقين هكذا : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ) (1) .
  أي ان المؤمنين الصادقين هم المعتقدون بالله ورسوله ويعرفون المجتمع جيداً من حيث إدراك المسائل الاجتماعية والذكاء الجمعي ، ويتواجدون دائماً في المسائل الجماعية وليسوا منعزلين

**************************************************************
(1) سورة النور ، الآية : 62 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 287 ـ

  ( وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ) ، الأمر الجامع ، هي المسائل الجماعية للنظام مثلاً مسأله صلاة الجمعة أمر جامع ، المظاهرات ضد الطغيان والاستكبار ، والمشاركة في الانتخابات ، تأييداً لقيادة المسؤولين الإسلاميين ، وتأييد العاملين الصادقين ، والأمر بالمعروف العام والنهي عن المنكر الجماعي ، ومئات الأمثلة من هذا القبيل كلها أمور جامعة ، لذا يقول الله تعالى في هذا الجزء من القرآن إن المؤمنين الصادقين هم الذين لا يتركون قائدهم وحده في أي أمر جامع ولا يتركون الساحة بدون كسب إذن من القائد حيث أن قضية حنظلة غسيل الملائكة هي في آخر هذا القسم من الآيات حيث ترك ساحة الحرب مؤقتاً بإذن من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  إن امتلاك الذكاء الاجتماعي ومراعاة الحيثية الجماعية محترم إلى درجة أن القرآن اعتبرها من خصائص المؤمنين ، وقال : إن المؤمنين الصادقين هم الذين يتواجدون في المسائل الجماعية للمجتمع ولايتركون فائدهم لوحده ولا يتركون الساحة بدون عذر مقبول ، وإذا كانوا معذورين أيضاً لا يذهبون بدون اطلاع ، فلا يقول : ما دمت مريضاً فلن أذهب بل يعلن إنني لا يذهبون بدون اطلاع ، فلا يقول : ما دمت مريضاً فلن أذهب بل يعلن إنني لا أجيء لأنني مريض ، حتى لا يفتح طريق الاعتذار للآخرين ( فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) إذا كان الشخص معذوراً وترك الساحة بإذن القائد يفقد فضيلة ، لذا يأمر الله تعالى رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بان يستغفر للذين يتركون الساحة بعذر ولا يأتون إلى الساحة لأخذ إذن وإعلان عذر ، ويصدر أمر الاستغفار في آخر هذه الآية : بناء على هذا يتبين ان الشخص الذي لم ينجح في التواجد في مسألة

جمال المرأة وجلالها   ـ 288 ـ

  اجتماعية لم يستفد من فيض حيث يجب ان يرحم باستغفار رسول الله( صل الله عليه وآله وسلم ) ، كما ان المرأة محرومة في بعض أيام الشهر من توفيق الصلاة وقيل انه إذا توضأت وجلست في مصلاها نحو القبلة وذكرت بمقدار وقت الصلاة فهناك أمل بتعويض ذلك الثواب ، أو المسافر المحروم من الصلاة الرباعية إذا قرأ التسبيحات الأربع ثلاثين أو أربعين مرة بعد إتمام الركعتين فسوف يؤدي إلى تدارك ذلك الثواب ، كذلك هنا إذا كان شخص معذوراً ولم يستطع التواجد في الساحة وذهب بإذن ، فان القادة الإلهيين مأمورون بأن يطلبوا المغفرة لهؤلاء ، لأن طلب المغفرة هذا يكون عامل سكينة ، وهدوء وطمانينة قلوب أولئك ، لأن استغفارهم مؤثر ودعاءهم مهدىء ، هذه هي صورة من الوظيفة الجماعية لأفراد المجتمع يرسمها القرآن ، وفي هذا القسم ليس هناك فرق بين المرأة والرجل .

تواجد المرأة في ميدان السياسة
  سودة بنت عمار بن الأسك الهمداني قصتها من القصص المعروفة والخاصة في التاريخ ، كانت تتمتع بذكاء اجتماعي ، وكذلك كانت تعتبر المشاركة في ميدان السياسة وظيفتها ، لم تكن تفكر في إخراج بساطها من الماء ، لم تكن تفكر في الخوف من حكومة الأمويين ، أو تكتفي بحل مشكلتها خاصة وتقول : ما دمت وصلت المقصد فما شأني بالآخرين الذين ضلوا في الطريق ، أساس هذه القصة ذكر بشكل مفصل في كتب التاريخ ، ونبينها هنا بصورة إجمالية حتى يتبين ان التفكير السياسي هذا والتواجد في المسائل الجماعية تنتفع به النساء أيضاً كما ينتفع به الرجال .
  إن الاعلام بشأن الأشخاص مؤثر جداً ، وسر ان أبا ذر ـ رضوان الله عليه ـ اشتهر من حيث الكفاح هو لأن كفاحه القولي والعملي مدون في الكتب ويطرح في المحاضرات ، وعرض عدة مرات بشكل افلام وغيرها ،

جمال المرأة وجلالها   ـ 289 ـ

  كان هناك نساء كأبي ذر ، كان لهن تواجد في ساحة الحرب ويستعملن آيات من القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتشجيع القوات المقاتلة ، كان لديهن اطلاع جيد في آيات القرآن ويتلون الآيات في محلها ، ويستفدن منها كدليل وكن يتمتعن بحضور ذهني في القرآن بحيث كن يستفدن من الآيات ليس في زمن القوة فقط بل في زمن الضعف آيضاً ويعترضن مثل أبي ذر ، كما كن يدافعن عند الشجاعة مثل مالك الأشتر .
  لو أن الأعمال التي قامت بها النساء على نمط أبي ذر في الحروب والميادين السياسية في لاإسلام ، قيلت عشرات المرات ، وتحولت في شكل فيلم اعلامي وكتبت عشرات الكتب في ذلك المجال ، لكان قد تحدد عند ذلك ان النساء كانت مثل أبي ذر ومالك الأشتر في تقدم المسائل العسكرية في صدر الإسلام .
  إن مثل هذه النشاطات للنساء في صدر الإسلام كثيرة في حالات السراء والضراء ، حيث نشير في هذا القسم إلى بعض الأمثلة حتى يتبين النبوغ الفكري للنساء وتواجدهن في الميادين السياسية والدفاع .
  ذكر في التاريخ ان مرأة دخلت على رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعرضت كلامها وأخذت نتيجة ، وان امرأة دخلت على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأخذت نتيجة .

قضية حضورة سودة في بلاط معاوية
  استأذنت على معاوية بن أبي سفيان فاذن لها ، دخلت عليه قال : هيه يا بنت الأسك ألست القائلة يوم صفين :
شعر كفعل أبيك يا ابن iiعمارة      يـوم  الطعان وملتقى iiالأقران
وانصر علياً والحسين ورهطه      واقـصد  لـهند وابنها iiبهوان
إن الإمـام أخـو النبي iiمحمد      عـلم الـهدى ومنارة iiالايمان

**************************************************************
(1) نهج الفصاحة ، الحديث 359 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 290 ـ

فقد الجيوش وسر أمام لوائه      قدماً  بأبيض صارم iiوسنان

  قالت : أي والله ما مثلي من رغب عن الحق واعتذر بالكذب ، قال لها : فما حملك على ذلك ؟ قالت : حب علي عليه السلام واتباع الحق ، قال فوالله لا أرى عليك من أثر علي ( عليه السلام ) ، قالت أنشد الله يا أمير المؤمنين واعادة ما مضى وتذكر ما قد نسي : قال هيهات ما مثل مقام أخيك ينسى وما لقيت من أحد ما لقيت من قومك وأخيك قالت : صدق فوك لم يكن أخي ذميم المقام ولا خفي المكان كان والله كقول الخنساء :
وان صخرا لتأتم الهداة به      كـأنه  علم في رأسه iiنار

  قال : صدقت لقد كان كذلك ، قالت مات الرأس وبتر الذنب وبالله أسال أمير المؤمنين إعفائي مما استعفيت منه ، قال قد فعلت فما جاجتك ؟ قالت : إنك أصبحت للنسا سيداً ولأمرهم متقلداً والله سائلك من أمرنا ما افترض عليك من حقنا ولا يزال يقدم علينا من بنوء بعزك ويبطش بسلطانك فيحصدنا حصد السنبل ويدوسنا دوس البقر ويسومنا الخسيسة ويسلبنا الجليلة ، هذا بسر بن أرطأة قدم علينا من قبلك فقتل رجالي وأخذ مالي ، يقول لي : فوهي بما استعصهم الله منه والجأ إليه فيه ( لعل المراد سب علي عليه السلام ) ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة فإما عزلته عنا فشكرناك ، وإما لا فعر فناك ، فقال معاوية : اتهدديني بقومك لقد هممت ان أحملك على قتب أشرس فاردك إليه ينفذ فيك حكمه ، فأطرقت تبكي ثم أنشأت تقول :
صـلّى الإله على جسم iiتضمه      قـبر  فأصبح فه العدل iiمدفوناً
قد حالف الحق لا يبغي به بدلاً      فصار  بالحق والايمان iiمقرونا

  قال لها ومن ذاك : قالت : علي بن أبي طالب ، قال : وما صنع بك

جمال المرأة وجلالها   ـ 291 ـ

  حتى صار عندك كذلك ؟ قالت : قدمت عليه في رجل ولاء صدقتنا مكان بيني وبينه ما بين الغث والسمين ، فأتيت علياً لاشكو إليه ما صنع بنا فوجدته قائماً يصلي فلما نظر إلى انفتل من صلاته ثم قال لي برأفة وتعطف : الك حاجة ؟ فأخبرته الخبر فبكى ثم قال : اللهم إنك أنت الشاهد عليّ وعليهم إني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك ، ثم أخرج من جيبه قطعة جلد وكتب فيها بسم الله الرحمن الرحيم قد جاءتكم بيّنة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الل خير لكم إن كنتم مؤمنين ، وما أنا عليكم بحفيظ ، إذا قرآت كتابي فاحتفظ بما في يديك من علمنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام ، فأخذته منه ، فوالله ما حتمه بطين ولا خزمه بخزام ، فقرأته ، فقال لها : لقد لمظلكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان فبطيئاً ما تفطمون ، اكتبوا لها برد مالها والعدل عليها قالت إلي خاصة أم لقومي عامة ؟ قال : ما أنت وقومك ؟ قالت : هي والله إذن الفحشاء ان كان عدلاً شاملاً وإلا فأنا كسائر قومي ، قال : اكتبوا لها ولقومها .

نتيجة البحث
  يستفاد من هذا النموذج : أنه كما أنه حضور المرأة في محضر رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) أثمر ثماراً كثيرة فان حضور المرأة في محضر أمير المؤمنين عليه السلام تضمن هذه الثمار أيضاً ، وثانياً : أن تواجد المرأة في المسائل الاجتماعية والسياسية هو مثل الرجل ، وثالثاً : ان المرأة تستطيع مراجعة محاكم حكام الجور من أجل استحقاق الحق الضائع وتستطيع ان تكون حامي حقوق الآخرين ، بل هي موظفة أن تعتبر الدفاع عن حقوق الآخرين معروفاً والدفاع عن حقوق الأشخاص بمعزل عن حقوق المجتمع بمثابة منكر . إذا اعتبر تواجد جميع الرجال المؤمنين في الساحة لازماً في الآية :

جمال المرأة وجلالها   ـ 292 ـ

  ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ) (1) .
  فإن إطلاق وسياق هذه الآية وتنقيح مناطها ، يدين المرأة والرجل معاً ويعتبر هذا الحكم قابلاً للتنفيذ لكليهما .
  بناء على هذا ، كان النموذج الأول ، تواجد المرأة في ميدان الشهادة ، والنموذج الثاني تواجد المرأة في ميدان السياسة والتضحية ، الكلام الذي يقوله القادة الإلهيون لم يصدر للرجال فقط ولا أن قبوله خاص بالرجال ، وفي صدر الإسلام لم يكن الرجال سابقين في هذا النوع من المسائل .
  وفي ما يتعلق بالحوادث التي وقعت للثورة الإسلامية ، نتذكر هذا الموضع من كلام الإمام ( رضوان الله عليه ) .
  ومن كلام سائر المسؤولين لأن رسالة الدين هي ان التواجد في الساحة السياسية ، الاجتماعية يكون وظيفة مشتركة للمرأة والرجل ، ومع هذه الرؤية والتفكير ، لا يقول شخص : يجب أن لا تراجع المرأة جهاز المسؤولين وتسترد حقوق المجتمع لأن إيمانها قليل ، أو عقلها ناقص .
عمة رسول الله والتواجد في الساحة :   كانت عمة رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) بنت عبد المطلب بن هاشم تشجع اينها في نصرة دين الله ، علاوة على أنها آمنت كما آمن أخوها حمزة ، وكانت تتمتع بأدبيات رفيعة حيث نظمت شعراً وقطعة أدبية جيدة في رثاء أبيها وعاشت عمرها بكرامة ، حتى توفيت في عهد عمر (2) .
  إن خلاصة حياة هذه المرأة تدل على انها كانت ترى نفسها مسؤولة

**************************************************************
(1) سورة النور ، الآية : 62 .
(2) الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ، ص 25 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 293 ـ

  مثل حمزة سيد الشهداء ولم تكتف بإسلامها فقط ، فإذا كان حمزة سيد الشهداء استشهد فان هذه المرأة كانت تشجع ابنها على التواجد في جبهات نصرة الدين ، يمكن أن تقول الأم لولدها أن لا يذهب إلى الجبهة بسبب العاطفة أو لا تشترك في الجبهة ولكن الأم الملتزمة المؤمنة تشجع ابنها على الذهاب إلى الجبهة وتواجد هذه المرأة في ميدان السياسة يظهر عندما تشجع ابنها لينصر دين النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  وأشير في البحوث السابقة إلى أن نصرة الدين في صدر الإسلام لم تكن عملاً سهلاً ، ففي بعض الحالات كانت تعتبر النصرة باللسان بمثابة نصرة حربية ، في ذلك الوقت عندما كان الأعداء كثيرين والأصدقاء قليلين وبتعبير القرآن الكريم : ( تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ ) (1) ...
  إذا كان الشخص ينصر الدين باللسان فكأنه يريد نصرة الدين مسلحاً ، كانت النصرة باللسان خطراً ، وكانت هذه المرأة تشجع ابنها على أن يدافع عن دين النبي كما كانت تتمتع بأدب جيد حيث أمرها عبد المطلب وسائر إخواتها بأن ينظمن شعراً في رثاثة قبل وفاته حتى يختبر ذوقهن الأدبي ، وقد سعت هذه النساء إلى تربية ابنائهن بهذا الذوق الأدبي ، وقد انشدت هذه المرأة قطعة أدبية قي رثاء أبيها عبد المطلب في حياته .

بنت الحرث بن عبد المطلب أما الحكومة الأموية (2)
  نموذج آخر هي بنت الحرث بن عبد المطلب بن هاشم التي كانت معاصرة لمعاوية ، وكانت تدافع عن المدرسة العلوية مثل سائر أصحاب

**************************************************************
(1) سورة الأنفال ، الآية : 26 .
(2) الدر المنثور في طبقات ربّات الخدور ، ص 25 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 294 ـ

  علي ( عليه السلام ) ، ذات يوم كان معاوية جالساً مع عمرو بن العاص ومروان فدخلت هذه المرأة وكانت كبيرة العمر فسألها معاوية كيف حالكم ؟ قالت نحن نعيش في مراحل نواجه فيها حكومة كفرت بالنعمة وأساءت إلينا ولكن : ( كلمتنا هي العليا ، ونبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو المنصور ، فوليتم علينا من بعده وتحتجون بقرابتكم من رسول الله ونحن أقرب إليه منكم ، وكنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون وعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) كان من نبينا بمنزلة هارون من موسى وغايتنا الجنة وغايتكم النار ) .
  قالت هذا الكلام في بلاط معاوية بفصاحة بلاغة ، وقد قيل بشأن هذه المراة انها : ( إذا خطبت أعجزت وإذا تكلمت أوجزت ) (1) ، في بداية الخطبة قالت : كلمتنا هي العليا ، لأن : ( وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) (2) .
  أي أن منطقنا هو منطلق الله وهو عالٍ دائماً ومنتصر ومظفر ( ونبينا هو المنصور ) ، لأن الله تعالى تكلم عن اعتلاء كلمته في القرآن وتكلم أيضاً عن غلبة رسول الله : ( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) (3) .
  ثم قالت : ( فوليتم علينا بغير حق ) ، وقد عبأت هذه المرأة الخطيبة في هذه الخطبة عدة جمل قرآنية وأحاديث ( كلمتنا هي العليا ) مقتبسة من

**************************************************************
(1) الدر المنثور في طبقات ريات الخدور ، ص 25 .
(2) سورة التوبة ، الآية : 40 .
(3) سورة المجادلة ، الآية : 21 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 295 ـ

  القرآن ، ( نبينا هو المنصور ) مأخوذة أيضاً من القرآن ، وكذلك ( كنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل ... ) مقتبسة من القرآن ، وبيان منزلة علي بن أبي طالب عليه السلام مأخوذ من حديث المنزلة .
  ( أفلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي ) (1) ... ، إن الحضور الذهني لهذه المرأة بالنسبة لآيات القرآن والاستفادة منها خلال الخطبة والتسلط على الأحاديث واستعمال جمل من الأحاديث خلال الكلام ، دليل على البلوغ الأدبي لهذه المرأة ، ثم قالت في آخر الخطبة (2) : ( وغايتنا الجنة وغايتكم النار ) .
  فقام عمرو بن العاص الذي كان جالساً في المجلس باهانتها فأجابت هذه المرأة جواباً شبيهاً بجواب الإمام الثاني الذي ذكره المرحوم الطبرسي في الاحتجاج (3) حيث قالت : ( وأنت يا بن الباغبة تتكلم وأمك كانت أشهر امرأة بغي بمكة وآخذهن للأجرة ادعاك خمسة نفر من قريش ... ) فاعترض مروان فأجابته جواباً مراً ثم التفتت إلى معاوية وقالت : ( والله ما جرأ علي هؤلاء غيرك ) .
  فقال معاوية : ( ألك حاجة ؟ هات حاجتك ) قالت : ( مالي إليك حاجة ) وخرجت ، فالتفت معاوية لمن حوله بعد ذهاب هذه المرأة وقال : ( لإن كلمها كلّ من في مجلسي لأجابت كل واحد منهم بجواب خلاف الآخر

**************************************************************
(1) سورة القصص ، الآية : 3 .
(2) سيرة ابن هشام ، ج 2 ، ص 520 .
(3) الاحتجاج ، ج 1 ، ص 411 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 296 ـ

  بلا توقف ) ، حيث أن ( نساء بني هاشم أصعب من رجال غيرهم في الكلام ) ، إن امرأة كبيرة في السن تدخل بلاط الأمويين وتدين كل أولئك وتتكلم بجزم ، هذا الأمر يبين التواجد السياسي لامرأة عجوز ، إن نظم الشعر والتكلم ليس دليل تواجد سياسي حتى يتضح المحتوى ، فإذا كان المحتوى رقة ورثاء ، فهذا ليس دليلاً على الحضور السياسي في الساحة ، ولكن إذا كان المحتوى هو استفادة من الآيات السياسية في القرآن والأحاديث السياسية لأهل البيت ، وطريقة التعامل هي إدانه حكام الظلم . فهذا دليل حضور سياسي .
  مسألة مهمة أخرى من اللازم لفت النظر إليها هي أن أبا ذر ( رضوان الله عليه ) قام بمثل هذا العمل أيضاً ، ولكن في قضية أبي ذر كتبت رسالات وكتب وعشرات المقالات في مجال الكلام السياسي لأبي ذر ( رضوان الله عليه ) ، ولو أن هذه الرسائل الكثيرة والأقوال والمقالات كتبت بشأن التواجد السياسي للمرأة ، عند ذلك لا يقول شخص انه ليس للمرأة حق في المشاركة في المسائل السياسية أو انه لم يكن لها سابقة في التواجد السياسي ، أو ان المرأة إذا كبرت في السن تفقد نضوجها السياسي وغير ذلك ، ان سبب شهرة أبي ذر كان كلامه السياسي وتعامله الحاد وقد قامت هذه المرأة بمثل ذلك العمل أيضاً .
  ان تواجد المرأة في ميدان السياسة يستفاد جيداً من قضية بنات عبد المطلب والحراث بن عبد المطلب ، وفي هذه الناحية ليس هناك فرق بينهن وبين أبي ذر ، ولكن قضية أبي ذر ذكرت مرات وقام عدد من الرجال ، بممارسة أسلوبه في التواجد السياسي ، ولو أن قضية هاتين الإمرأتين قد ذكرت أيضاً ، لتواجدت كثيرات مثلهن في الساحة ، صحيح في الفقه الأصغر ، أو إذا قام بذنب آخر فهو ليس صائماً ، لأنه لم يسر في مستوى الملائكة ، إذا اغتاب فهو ليس صائماً ، ان القول بأن لا نأكل حتى نصبح ملائكة ، أي ان نترك مطلق التصرفات النباتية والحيوانية ، حتى نكون كالملائكة كما ان ورقة التوت إذا وقعت في معمل حرير تصبح حريراً ،

جمال المرأة وجلالها   ـ 297 ـ

أم حكيم والانتقام من بسر من أرطأة (1) :
  نموذج آخر ، هو أنه بعد مسألة التحكيم ، أرسل معاوية ، الضحاك بن قيس وبسر بن أرطأة إلى اليمن وامرهما بارتكاب مجزرة عامة ضد رجال الشيعة واتباع أهل البيت هناك ، فهجموا على بيت أحد الشيعة ، وعندما لم يجدوه في البيت ذبحوا ولديه الصغيرين أمام أمهما ، ونجد أن أولئك النساء لم يستسلمن حين كن يشاهدن قتل أولادهن ، ولم يقلن لا تقتلوا أولادنا ونحن نضحي للأمويين بثروة أدبية ، أو يقلن لا تذبجوا أولادنا ونحن نتخلى عن الولاء لأهل البيت ، إن تحمل المرأة لتلك المصائب المؤلمة دليل على ان المرأة تستطيع مثل الرجال التواجد في مراسيم الشهادة أيضاً ، وليس هناك فرق بين المرأة والرجل في هذه الناحية .
  ان تحمل هذا المشهد المؤلم كان صعباً على الأم ، وبعد فترة أصيبت هذه المرأة بمشاكل نفسية وأنشدت رثاء رفيعاً في استشهاد ولديها ، وكانت تقرأه على كل امرأة ، وقد كان الشعر الأدبي لهذه الأم مؤثراً إلى درجة أن أحد الرجال من اليمن قرر أن يأخذ فدية هذين الولدين والانتقام لهما من بسر بن أرطأة ، فتقرب إلى بسر بن أرطأة بالنفوذ في جهاز إدارته وأصبح موضع ثقته ، حتى حمل معه ولديّ بسر بعد كسب الثقة وذبحهما ، وقال إن هذا هو جزاء ذلك القتل الذي قام به بسر تجاه ولدي تلك المرأة .

أم الخير ، خطيبة صفين (2) :
  نموذج آخر هي بنت حريش بن سراقة الملقبة بـ ( أم الخير ) وهي من النساء المعروفات في صدر الإسلام وكانت تتمتع بقوة تعبير عالية وتعتبر

**************************************************************
(1) الدر المنثور ، ص 56 .
(2) الدرر المنثور ، ص 57 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 298 ـ

  خطيبة بليغة ، لم تكن هذه المرأة من سكان المدينة بل كانت تسكن في الكوفة .
  كتب معاوية إلى واليه بالكوفة أن أوفد عليّ أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقية برحلة محمودة الصحبة غير مذمومة العاقبة واعلم أني مجازيك بقولها فيك بالخير خيراً وبالشر شراً ، فلما ورد عليه الكتاب ركب إليها فأقراها إياه فقالت : أما أنا فغير زائغة عن طاعة ولا معتلة بكذب ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور تختلج في صدري تجري مجرى النفس يغلي بها غلي المرجل بحب البلس يوقد بجزل السمر ، فلما شيعها وأراد مفارقتها قال لها يا أم الخير إن معاوية قد ضمن لي عليه أن يقبل قولك فيّ بالخير خيراً وبالشر شراً فانظري كيف تكونين .
  قالت : يا هذا لا يطمعك والله برك بي في تزويقي الباطل ولا تؤيسنك معرفتك أياي أن أقول فيك غير الحق ، فسارت خير مسير فلما قدمت على معاوية أنزلها مع الحرم ثلاثاً ثم اذن لها في اليوم الرابع وجمع لها الناس ، فدخلت عليه فقالت : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، فقال : وعليك السلام ، وبالرغم والله منك دعوتني بهذا الاسم .
  فقالت : مه يا هذا فان بديهة السلطان مدحضة لما يجب علمه ، قال صدقت يا خالة ، وكيف رأيت مسيرك ؟ قالت : لم أزل في عافية وسلامة حتى أوفدت إلى ملك جزل وعطاء بذل فانا في عيش أنيق عند ملك رفيق ، فقال معاوية : بحسن نيتي ظفرت بكم واعنت عليكم ، قالت : مه يا هذا لك والله من دحض المقال ما تردي عاقبته ، قال ليس لهذا اردناك ،قالت : إنما أجري في ميدانك إذا أجريت شيئاً أجريته فاسأل عما بدا لك .
  قال : كيف كان كلامك يوم قتل عمار بن ياسر ؟ قالت : لم أكن و الله رويته قبل ولا زورته بعد وإنما كانت كلمات نفثها لساني حين الصدمة ، فان شئت أن أحدث لك مقالاً غير ذلك فعلت ، قال لا أشأ ذلك ثم التفت إلى

جمال المرأة وجلالها   ـ 299 ـ

  أصحابه فقال : ( أيكم يحفظ كلام أم الخير ؟ قال رجل من القوم أنا أحفظه يا أمير المؤمنين كحفظي سورة الحمد ، قال : هاته ، قال نعم كأني بها يا أمير المؤمنين وعليها برد زبيدي كثيف الحاشية وهي على جمل أرمك وقد احيط حولها حواء وبيدها سوط منتشر الظفرة وهي كالفحل يهدر في شقشقة تقول : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) (1) ان الله قد أوضح لكم الحق وأبان الدليل ونور السبيل ورفع العلم فلم يدعكم في عمياء مبهمة ولا سوداء مدلهمة ، فإلى أين تريدون رحمكم الله أفراراً عن أمير المؤمنين أم فراراً من الزحف أم رغبة عن الإسلام أم ارتداداً عن الحق ، أما سمعتم لله عز وجل يقول : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) (2) ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول : اللهم قد عيل الصبر وضعف اليقين وانتشر الرعب وبيدك يا رب أزمة القلوب ، فاجمع اللهم الكلمة على التقوى وألفّ القلوب على الهدى واردد الحق إلى أهله .
  هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل والوحي الو في والصديق الأكبر ، أنها أحن بدرية وأحقاد جاهلية وضغائن أحدية وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك بها ثارات بني عبد شمس ثم قالت : ( فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) صبراً معشر الأنصار والمهاجرين قاتلوا على بصيرة من ربكم وثبات من دينكم وكأني بكم غداً وقد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة فرت من قسورة لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض باعوا الآخرة بالدنيا واشتروا الضلالة بالهدى وباعوا البصيرة بالعمى وعما قليل ليصبحن نادمين حتى تحل بهم الندامة فيطلبون الإقالة ولات حين مناص ، انه والله من ضل عن الحق وقع في الباطل ، ومن لم يسكن الجنة نزل

**************************************************************
(1) سورة الحج ، الآية : 1 .
(2) سورة محمد ، الآية : 31 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 300 ـ

  النار أيها الناس ان الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها واستبطأوا مدة الآخرة فسعوا لها ، والله أيها الناس لولا ان تبطل الحقوق وتعطل الحدود ويظهر الظالمون وتقوى كلمة الشيطان لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه ، فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) وزوج ابنته وإبي بنيه خلق من طينته وتفرع من نبعته وخصّه بسره وجعله باب مدينته وعلم المسلمين وأبان ببغضه المنافقين فلم يزل كذلك يؤيده الله عز وجل بمعونته ويمضي على سنن استقامته لا يعرج لراحة الدأب وها هوذا مفلق الهام ومكسر الأصنام ، صلى والناس مشركون واطاع والناس مرتابون فلم يزل كذلك حتى قتل مبارزي بدر وأفنى أهل أحد وهزم الأحزاب وقتل الله به أهل خيبر وفوق جمع هوازن فيا لها من وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقاً وردة وشقاقاً وزادت المؤمنين إيماناً قد اجتهدت في القول وبالغت في النصيحة وبالله التوفيق وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فقال معاوية : والله يا أم الخير ما أردت بهذا الكلام إلا قتلي والله ، لو قتلتك ما حرجت في ذلك ، فقالت : والله ما يسؤني يا ابن هند ان يجري الله ذلك على يدي من يسعدني الله بشقائه ، قال : هيهات يا كثيرة الفضول ما تقولين في عثمان بن عفان ؟ ثم طرح معاوية قضية الزبير ، فقالت : وأنا أسألك بحق الله يا معاوية فان قريشاً تحدثت أنك أحلمها ، ان تعفيني من هذه المسائل وامض لما شئت من غيرها .
  أن المقصود من ذكر هذا التفصيل هو أولاً : ان هذه المرأة كان لديها عمل عسكري ، وعمل إعلامي أيضاً .
  ثانياً ان كلامها كان مقتبساً من القرآن وسنة المعصومين والعترة الطاهرين ( عليهم السلام ) .
  ثالثاً : كانت مستعدة حتى الشهادة من أجل القيادة وإمامها .
  رابعاً : ان شعارها كان في حد العقل والوحي وليس في حد العاطفة والشعور ، خامساً : ان كلامها هذا كان