قوله تعالى
( مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ ) من شرطية ، وجوابها محذوف تقديره فليمت غيظا أو نحوه (فإنه نزله) ونظيره في المعنى
( مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ ) ثم قال ( فليمدد ) (بإذن الله) في موضع الحال من ضمير الفاعل في نزل ، وهو ضمير جبريل ، وهو العائد على إسم إن ، والتقدير نزوله ومعه الاذن ، أو مأذونا به (مصدقا) حال من الهاء في نزله (و) كذلك (هدى وبشرى) أى هاديا ومبشرا.
قوله تعالى
( عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ) وضع الظاهر موضع المضمر ، لان الاصل : من كان عدوا لله وملائكته فإن الله عدو له أو لهم ، وله في القرآن نظائر كثيرة ستمر بك إن شاء الله.
قوله تعالى (أو كلما) الواو للعطف ، والهمزة قبلها للاستفهام على معنى الانكار ، والعطف هنا على معنى الكلام المتقدم في قوله
( أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ ) وما بعده ، وقيل الواو زائدة ، وقيل هى أو التى لاحد الشيئين حركت بالفتح ، وقد قرئ شاذا بسكونها (عهدا) مصدر من غير لفظ الفعل المذكور ، ويجوز أن يكون مفعولا به : أى أعطوا عهدا ، وهنا مفعول آخر محذوف تقديره : عاهدوا الله أو عاهدوكم.
قوله تعالى
( رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ ) هو مثل قوله
( كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ ) وقد ذكر (الكتاب) مفعول أوتوا ، و (كتاب الله) مفعول نبذ (كأنهم) هى وما عملت فيه في موضع الحال ، والعامل نبذ ، وصاحب الحال فريق تقديره شبهين للجهال.
قوله تعالى (واتبعوا) هو معطوف على وأشربوا أو على نبذة فريق (تتلو) بمعنى تلت (على ملك) أى على زمن ملك ، فحذف المضاف ، والمعنى في زمن و (سليمان) لا ينصرف ، وفيه ثلاثة أسباب : العجمة ، والتعريف ، والالف والنون ، وأعاد ذكره ظاهرا تفخيما ، وكذلك تفعل في الاعلام والاجناس أيضا كقول الشاعر :
لاأرى الموت يسبق الموت شئ يـغص الـموت ذا الـغنى والـفقيرا |
(ولكن الشياطين) يقرأ بتشديد النون ونصب الاسم ، ويقرأ بتخفيفها ورفع
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 55 _
الاسم بالابتداء ، لانها صارت من حروف الابتداء ، وقرأ الحسن ( الشياطون ) وهو كالغلط شبه فيه الياء قبل النون بياء جمع التصحيح (يعلمون الناس) في موضع نصب على الحال من الضمير في كفروا ، وأجاز قوم أن يكون حالا من الشياطين ، وليس بشئ لان لكن لايعمل في الحال (وما أنزل) ( ما ) بمعنى الذى ، وهو في موضع نصب عطفا على السحر : أى ويعلمون الذى أنزل ، وقيل هو معطوف على ما تتلو ، وقيل ( ما ) في موضع جر عطفا على ملك سليمان : أى وعلى عهد الذى أنزل على الملكين ، وقيل ( ما ) نافية : أى وما أنزل السحر على الملكين ، أو وماأنزل إباحة السحر ، والجمهور على فتح اللام من (
الملكين) وقرئ بكسرها و (هاروت وماروت) بدلان من الملكين ، وقيل هما قبيلتان من الشياطين ، فعلى هذا لا يكونان بدلين من الملكين ، وإنما يجئ هذا على قراءة
من كسر اللام في أحد الوجهين ( ببابل ) يجور أن يكون ظرفا لانزل ، ويجوز أن يكون حالا من الملكين أو من الضمير في أنزل (حتى يقولا) أى إلى أن يقولا ، والمعنى أنهما كانا يتركان تعليم السحر إلى أن يقولا ( إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ ) ، وقيل حتى بمعنى إلا : أى وما يعلمان من أحد إلا أن يقولا ، وأحد هاهنا يجوز أن تكون المستعملة في العموم كقولك : ما بالدار من أحد ، ويجوز أن تكون ها هنا بمعنى واحد أو إنسان ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا ) هو معطوف على يعلمان ، وليس بداخل في النفى ، لان النفى هناك راجع إلى الاثبات ، لان المعنى يعلمان الناس السحر بعد قولهما ( نحن فتنة فيتعلمون ) وقيل : التقدير : فيأتون فيتعلمون ، ومنهما ضمير الملكين ، ويجوز أن يكون ضمير السحر والمنزل على الملكين ، وقيل هو معطوف على يعلمون الناس السحر ، فيكون منهما على هذا السحر ، والمنزل على الملكين ، أو يكون ضمير قبيلتين من الشياطين ، وقيل هو مستأنف ، ولم يجز أن ينصب على جواب النهى : لانه ليس المعنى إن تكفر يتعلموا (مايفرقون) يجوز أن تكون ( ما ) بمعنى الذى ، وأن تكون نكرة موصوفة ، ولا يجوز أن تكون مصدرية لعود الضمير من (به) إلى ( ما ) المصدرية لايعود عليها ضمير (بين المرء) الجمهور على إثبات الهمزة بعد الراء ، وقرئ بتشديد الراء من غير همز ، ووجهه أن يكون ألقى حركة الهمزة على الراء ، ثم نوى الوقف عليه مشددا كما قالوا : هذا خالد ، ثم أجروا الوصل مجرى الوقف.
قوله تعالى ( إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ) الجار والمجرور في موضع نصب على الحال إن شئت من الفاعل وإن شئت من المفعول ، والتقدير : ومايضرون أحدا بالسحر إلا والله
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 56 _
عالم به ، أو يكون التقدير : إلا مقرونا بإذن الله ( وَلا يَنفَعُهُمْ ) هو معطوف على الفعل قبله ، ودخلت لا للنفى ، ويجوز أن يكون مستأنفا أى وهو لا ينفعهم فيكون حالا ولايصح عطفه على ما ، لان الفعل لا يعطف على الاسم (لمن اشتراه) اللام هنا هى التى يوطأ بها للقسم مثل التى في قوله ، ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ ) و ( من ) في موضع رفع بالابتداء ، وهى شرط ، وجواب القسم ( مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) وقيل ( من ) بمعنى الذى ، وعلى كلا الوجهين موضع الجملة نصب بعلموا ، ولا يعمل علموا في لفظ من لان الشرط ولام الابتداء لهما صدر الكلام (ولبئس ما) جواب قسم محذوف (ولو كانوا) جواب لو محذوف تقديره لو كانوا ينتفعون بعلمهم لا متنعوا من شراء السحر.
قوله تعالى ( وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا ) أن وما عملت فيه مصدر في موضع رفع بفعل محذوف ، لان لو تقتضى الفعل وتقديره : لو وقع منهم أنهم آمنوا : أى إيمانهم ، ولم يجزم بلو لانها تعلق الفعل الماضى بالفعل الماضى ، والشرط خلاف ذلك (لمثوبة) جواب لو ، ومثوبة مبتدأ و ( مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) صفته و (خير) خبره ، وقرئ مثوبة بسكون الثاء وفتح الواو قاسوه على الصحيح من نظائره نحو مقتلة.
قوله تعالى (راعنا) فعل أمر ، وموضع الجملة نصب بتقولوا قرئ شاذا ( راعنا ) بالتنوين : أى لا تقولوا قولا راعنا.
قوله تعالى ( وَلا الْمُشْرِكِينَ ) في موضع جر عطفا على أهل ، وإن كان قد قرى ( وَلا الْمُشْرِكِينَ ) بالرفع فهو معطوف على الفاعل (أن ينزل) في موضع نصب بيود (من خير) من زائدة ، و (من ربكم) لابتداء غاية الانزال ، ويجوز أن يكون صفة لخبر ، إما جرا على لفظ خير ، أو رفعا على موضع ( من خير ) ( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ) أى من يشاء اختصاصه ، فحذف المضاف فبقى من يشاؤه ، ثم حذف الضمير ، ويجوز أن يكون يشاؤه يختاره فلا يكون فيه حذف مضاف.
قوله (ما ننسخ) ما شرطية جازمة لننسخ منصوبة الموضع بننسخ مثل قوله ( أَيّاً مَا تَدْعُوا ) وجواب الشرط ( نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا ) و (من آية) في موضع نصب على التمييز ، والمميز ( ما ) والتقدير : أى شئ ننسخ من آية ، ولا يحسن أن يقدر : أى آية ننسخ لانك لا تجمع بين هذا وبين التمييز بآية ، ويجوز أن تكون زائدة وآية حالا ، والمعنى : أى شئ ننسخ قليلا أو كثيرا ، وقد جاءت الآية حالا في قوله تعالى ( هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً ) وقيل ( ما ) هنا مصدرية ، وآية مفعول به ، والتقدير : أى نسخ
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 57 _
ننسخ آية ، ويقرأ ( ننسخ ) بفتح النون وماضيه نسخ ، ويقرأ بضم النون وكسر السين ماضيه أنسخت ، يقال : أنسخت الكتاب : أى عرضته للنسخ (أو ننسأها) معطوف على ننسخ ، ويقرأ بغير همز على إبدال الهمزة ألفا ، ويقرأ ننسها بغير ألف ولا همز ، وننسها بضم النون وكسر السين ، وكلاهما من نسى إذا ترك ، ويجوز أن يكون من نسأ إذا أخر إلا أنه أبدل الهمزة ألفا ، ومن قرأ بضم النون حمله على معنى نأمرك بتركها أو بتأخيرها ، وفيه مفعول محذوف ، والتقدير ننسكها.
قوله تعالى ( لَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ ) مبتدأ وخبر في موضع خبر أن ، ويجوز أن يرتفع ملك بالظرف عند الاخفش ، والملك بمعنى الشئ المملوك ، يقال لفلان ملك عظيم : أى مملوكه كثير ، والملك أيضا بالكسر : المملوك ، إلا أنه لا يستعمل بضم الميم في كل موضع ، بل في مواضع الكثرة وسعة السلطان (من ولى) من زائدة وولى في موضع رفع مبتدأ ، ولكم خبره ، و (نصير) معطوف على لفظ ولى ، ويجوز في الكلام رفعه على موضع ولى، ومن دون في موضع نصب على الحال من ولى ، أو من نصير ، والتقدير : من ولى دون الله ، فلما تقدم وصف النكرة عليها انتصب على الحال.
قوله تعالى (أم تريدون) أم هنا منقطعة إذ ليس في الكلام همزة تقع موقعها ، وموقع أم أيهما ، والهمزة في قوله ( ألم تعلم ) ليست من أم في شئ ، والتقدير : بل
أتريدون (أن تسألوا) فخرج بأم من كلام إلى كلام آخر ، والاصل في تريدون ترودون ، لانه من راد يرود (كما) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف أى سؤالا كما ، وما مصدرية.
والجمهور على همز (سئل) وقد قرئ سيل بالياء ، وهو على لغة من قال : أسلت تسال بغير همزة ، مثل خفت تخاف ، والياء منقلبة عن واو لقولهم سوال وساولته ، ويقرأ سيل بجعل الهمزة بين بين أى بين الهمزة وبين الياء ، لان منها حركتها (بالايمان) الباء في موضع نصب على الحال من الكفر تقديره : مقابلا بالايمان ، ويجوز أن يكون مفعولا بيتبدل وتكون الياء للسبب كقولك : اشتريت الثوب بدرهم ( سَوَاءَ السَّبِيلِ ) سواء ظرف بمعنى وسط السبيل وأعدله ، والسبيل يذكر ويؤنث.
قوله تعالى ( لَوْ يَرُدُّونَكُمْ ) لو بمعنى أن المصدرية وقد تقدم ذكرها ، و (كفارا) حال من الكاف والميم ، ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا لان يرد بمعنى يصير (حسدا) مصدر وهو مفعول له ، والعامل فيه ود أو يردونكم (من عند
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 58 _