والثالث أن يكون عند الله هو الخبر ، وخالصة حال ، والعامل فيها إما عند أو ما يتعلق به ، أو كان أولكم ، وسوغ أن يكون عند خبر كان لكم إذ كان فيه تخصيص وتبيين ، ونظيره قوله ( ولم يكن له كفوا أحد ) لولا له لم يصح أن يكون كفوا خبرا (من دون) في موضع نصب بخالصة لانك تقول خلص كذا من كذا.
  قوله تعالى (أبدا) ظرف (بما قدمت) أى بسبب ما قدمت فهو مفعول به ، ويقرب معناه من معنى المفعول له ، و ( ما ) بمعنى الذى ، أو نكرة موصوفة ، أو مصدرية ، فيكون مفعول قدمت محذوفا : أى بتقديم أيديهم الشر.
  قوله تعالى (ولتجدنهم) هى المتعدية إلى مفعولين ، والثانى (أحرص) و (على) متعلقة بأحرص (ومن الذين أشركوا) فيه وجهان : أحدهما هى معطوفة على الناس في المعنى ، والتقدير : أحرص من الناس : أى الذين في زمانهم ، وأحرص من الذين أشركوا ، يعنى به المجوس ، لانهم كانوا إذا دعوا بطول العمر قالوا : عشت ألف نيروز.
  فعلى هذا في (يود) وجهان :
  أحدهما هو حال من الذين أشركوا ، تقديره : ود أحدهم ، ويدلك على ذلك أنك لو قلت : ومن الذين أشركوا الذين يود أحدهم صح أن يكون وصفا ، ومن هنا قال الكوفيون : هذا يكون على حذف الموصول وإبقاء الصلة.
  والوجه الثانى أن تجعل يود أحدهم حالا من الهاء والميم في ولتجدنهم ، أى لتجدنهم أحرص الناس وادا أحدهم.
  والوجه الثانى من وجهى ( من الذين ) أن يكون مستأنفا ، والتقدير : ومن الذين أشركوا قوم يود أحدهم ، أو من يود أحدهم وماضى يود وددت بكسر العين ، فلذلك صحت الواو لانها لم يكسر مابعدها في المستقبل (لو يعمر) لو هنا بمعنى أن الناصبة للفعل ، ولكن لا تنصب ، وليست التى يمتنع بها الشئ لامتناع غيره ، ويدلك على ذلك شيئان : أحدهما أن هذه يلزمها المستقبل ، والاخرى معناها في الماضى ، والثانى أن يود يتعدى إلى مفعول واحد ، وليس مما يعلق عن العمل ، فمن هنا لزم أن يكون لو بمعنى أن ، وقد جاء‌ت بعد يود في قوله تعالى ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ ) وهو كثير في القرآن والشعر ، و ( يعمر ) يتعدى إلى مفعول واحد ، وقد أقيم مقام الفاعل ، و (ألف سنة) ظرف (وماهو بمزحزحه).
  في هو وجهان : أحدهما هو ضمير أحد : أى وما ذلك التمنى بمزحزحه خبر ما ، و (من العذاب) متعلق بمزحزحه و (أن يعمر) في موضع رفع بمزحزحه : أى وما الرجل بمزحزحه تعميره ، والوجه الآخر أن يكون هو ضمير التعمير ، وقد دل عليه قوله ( لو يعمر ) وقوله ( أن يعمر ) بدل من هو ، ولايجوز أن يكون هو ضمير الشأن ، لان المفسر لضمير الشأن مبتدأ وخبر ، ودخول الباء في بمزحزحه يمنع من ذلك.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 54 _

  قوله تعالى ( مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ ) من شرطية ، وجوابها محذوف تقديره فليمت غيظا أو نحوه (فإنه نزله) ونظيره في المعنى ( مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ ) ثم قال ( فليمدد ) (بإذن الله) في موضع الحال من ضمير الفاعل في نزل ، وهو ضمير جبريل ، وهو العائد على إسم إن ، والتقدير نزوله ومعه الاذن ، أو مأذونا به (مصدقا) حال من الهاء في نزله (و) كذلك (هدى وبشرى) أى هاديا ومبشرا.
  قوله تعالى ( عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ) وضع الظاهر موضع المضمر ، لان الاصل : من كان عدوا لله وملائكته فإن الله عدو له أو لهم ، وله في القرآن نظائر كثيرة ستمر بك إن شاء الله.
  قوله تعالى (أو كلما) الواو للعطف ، والهمزة قبلها للاستفهام على معنى الانكار ، والعطف هنا على معنى الكلام المتقدم في قوله ( أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ ) وما بعده ، وقيل الواو زائدة ، وقيل هى أو التى لاحد الشيئين حركت بالفتح ، وقد قرئ شاذا بسكونها (عهدا) مصدر من غير لفظ الفعل المذكور ، ويجوز أن يكون مفعولا به : أى أعطوا عهدا ، وهنا مفعول آخر محذوف تقديره : عاهدوا الله أو عاهدوكم.
  قوله تعالى ( رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ ) هو مثل قوله ( كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ ) وقد ذكر (الكتاب) مفعول أوتوا ، و (كتاب الله) مفعول نبذ (كأنهم) هى وما عملت فيه في موضع الحال ، والعامل نبذ ، وصاحب الحال فريق تقديره شبهين للجهال.
  قوله تعالى (واتبعوا) هو معطوف على وأشربوا أو على نبذة فريق (تتلو) بمعنى تلت (على ملك) أى على زمن ملك ، فحذف المضاف ، والمعنى في زمن و (سليمان) لا ينصرف ، وفيه ثلاثة أسباب : العجمة ، والتعريف ، والالف والنون ، وأعاد ذكره ظاهرا تفخيما ، وكذلك تفعل في الاعلام والاجناس أيضا كقول الشاعر :

لاأرى الموت يسبق الموت شئ      يـغص الـموت ذا الـغنى والـفقيرا
  (ولكن الشياطين) يقرأ بتشديد النون ونصب الاسم ، ويقرأ بتخفيفها ورفع

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 55 _
  الاسم بالابتداء ، لانها صارت من حروف الابتداء ، وقرأ الحسن ( الشياطون ) وهو كالغلط شبه فيه الياء قبل النون بياء جمع التصحيح (يعلمون الناس) في موضع نصب على الحال من الضمير في كفروا ، وأجاز قوم أن يكون حالا من الشياطين ، وليس بشئ لان لكن لايعمل في الحال (وما أنزل) ( ما ) بمعنى الذى ، وهو في موضع نصب عطفا على السحر : أى ويعلمون الذى أنزل ، وقيل هو معطوف على ما تتلو ، وقيل ( ما ) في موضع جر عطفا على ملك سليمان : أى وعلى عهد الذى أنزل على الملكين ، وقيل ( ما ) نافية : أى وما أنزل السحر على الملكين ، أو وماأنزل إباحة السحر ، والجمهور على فتح اللام من ( الملكين) وقرئ بكسرها و (هاروت وماروت) بدلان من الملكين ، وقيل هما قبيلتان من الشياطين ، فعلى هذا لا يكونان بدلين من الملكين ، وإنما يجئ هذا على قراء‌ة من كسر اللام في أحد الوجهين ( ببابل ) يجور أن يكون ظرفا لانزل ، ويجوز أن يكون حالا من الملكين أو من الضمير في أنزل (حتى يقولا) أى إلى أن يقولا ، والمعنى أنهما كانا يتركان تعليم السحر إلى أن يقولا ( إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ ) ، وقيل حتى بمعنى إلا : أى وما يعلمان من أحد إلا أن يقولا ، وأحد هاهنا يجوز أن تكون المستعملة في العموم كقولك : ما بالدار من أحد ، ويجوز أن تكون ها هنا بمعنى واحد أو إنسان ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا ) هو معطوف على يعلمان ، وليس بداخل في النفى ، لان النفى هناك راجع إلى الاثبات ، لان المعنى يعلمان الناس السحر بعد قولهما ( نحن فتنة فيتعلمون ) وقيل : التقدير : فيأتون فيتعلمون ، ومنهما ضمير الملكين ، ويجوز أن يكون ضمير السحر والمنزل على الملكين ، وقيل هو معطوف على يعلمون الناس السحر ، فيكون منهما على هذا السحر ، والمنزل على الملكين ، أو يكون ضمير قبيلتين من الشياطين ، وقيل هو مستأنف ، ولم يجز أن ينصب على جواب النهى : لانه ليس المعنى إن تكفر يتعلموا (مايفرقون) يجوز أن تكون ( ما ) بمعنى الذى ، وأن تكون نكرة موصوفة ، ولا يجوز أن تكون مصدرية لعود الضمير من (به) إلى ( ما ) المصدرية لايعود عليها ضمير (بين المرء) الجمهور على إثبات الهمزة بعد الراء ، وقرئ بتشديد الراء من غير همز ، ووجهه أن يكون ألقى حركة الهمزة على الراء ، ثم نوى الوقف عليه مشددا كما قالوا : هذا خالد ، ثم أجروا الوصل مجرى الوقف.
  قوله تعالى ( إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ) الجار والمجرور في موضع نصب على الحال إن شئت من الفاعل وإن شئت من المفعول ، والتقدير : ومايضرون أحدا بالسحر إلا والله

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 56 _
  عالم به ، أو يكون التقدير : إلا مقرونا بإذن الله ( وَلا يَنفَعُهُمْ ) هو معطوف على الفعل قبله ، ودخلت لا للنفى ، ويجوز أن يكون مستأنفا أى وهو لا ينفعهم فيكون حالا ولايصح عطفه على ما ، لان الفعل لا يعطف على الاسم (لمن اشتراه) اللام هنا هى التى يوطأ بها للقسم مثل التى في قوله ، ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ ) و ( من ) في موضع رفع بالابتداء ، وهى شرط ، وجواب القسم ( مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) وقيل ( من ) بمعنى الذى ، وعلى كلا الوجهين موضع الجملة نصب بعلموا ، ولا يعمل علموا في لفظ من لان الشرط ولام الابتداء لهما صدر الكلام (ولبئس ما) جواب قسم محذوف (ولو كانوا) جواب لو محذوف تقديره لو كانوا ينتفعون بعلمهم لا متنعوا من شراء السحر.
  قوله تعالى ( وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا ) أن وما عملت فيه مصدر في موضع رفع بفعل محذوف ، لان لو تقتضى الفعل وتقديره : لو وقع منهم أنهم آمنوا : أى إيمانهم ، ولم يجزم بلو لانها تعلق الفعل الماضى بالفعل الماضى ، والشرط خلاف ذلك (لمثوبة) جواب لو ، ومثوبة مبتدأ و ( مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) صفته و (خير) خبره ، وقرئ مثوبة بسكون الثاء وفتح الواو قاسوه على الصحيح من نظائره نحو مقتلة.
  قوله تعالى (راعنا) فعل أمر ، وموضع الجملة نصب بتقولوا قرئ شاذا ( راعنا ) بالتنوين : أى لا تقولوا قولا راعنا.
  قوله تعالى ( وَلا الْمُشْرِكِينَ ) في موضع جر عطفا على أهل ، وإن كان قد قرى ( وَلا الْمُشْرِكِينَ ) بالرفع فهو معطوف على الفاعل (أن ينزل) في موضع نصب بيود (من خير) من زائدة ، و (من ربكم) لابتداء غاية الانزال ، ويجوز أن يكون صفة لخبر ، إما جرا على لفظ خير ، أو رفعا على موضع ( من خير ) ( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ) أى من يشاء اختصاصه ، فحذف المضاف فبقى من يشاؤه ، ثم حذف الضمير ، ويجوز أن يكون يشاؤه يختاره فلا يكون فيه حذف مضاف.
  قوله (ما ننسخ) ما شرطية جازمة لننسخ منصوبة الموضع بننسخ مثل قوله ( أَيّاً مَا تَدْعُوا ) وجواب الشرط ( نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا ) و (من آية) في موضع نصب على التمييز ، والمميز ( ما ) والتقدير : أى شئ ننسخ من آية ، ولا يحسن أن يقدر : أى آية ننسخ لانك لا تجمع بين هذا وبين التمييز بآية ، ويجوز أن تكون زائدة وآية حالا ، والمعنى : أى شئ ننسخ قليلا أو كثيرا ، وقد جاء‌ت الآية حالا في قوله تعالى ( هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً ) وقيل ( ما ) هنا مصدرية ، وآية مفعول به ، والتقدير : أى نسخ

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 57 _
  ننسخ آية ، ويقرأ ( ننسخ ) بفتح النون وماضيه نسخ ، ويقرأ بضم النون وكسر السين ماضيه أنسخت ، يقال : أنسخت الكتاب : أى عرضته للنسخ (أو ننسأها) معطوف على ننسخ ، ويقرأ بغير همز على إبدال الهمزة ألفا ، ويقرأ ننسها بغير ألف ولا همز ، وننسها بضم النون وكسر السين ، وكلاهما من نسى إذا ترك ، ويجوز أن يكون من نسأ إذا أخر إلا أنه أبدل الهمزة ألفا ، ومن قرأ بضم النون حمله على معنى نأمرك بتركها أو بتأخيرها ، وفيه مفعول محذوف ، والتقدير ننسكها.
  قوله تعالى ( لَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ ) مبتدأ وخبر في موضع خبر أن ، ويجوز أن يرتفع ملك بالظرف عند الاخفش ، والملك بمعنى الشئ المملوك ، يقال لفلان ملك عظيم : أى مملوكه كثير ، والملك أيضا بالكسر : المملوك ، إلا أنه لا يستعمل بضم الميم في كل موضع ، بل في مواضع الكثرة وسعة السلطان (من ولى) من زائدة وولى في موضع رفع مبتدأ ، ولكم خبره ، و (نصير) معطوف على لفظ ولى ، ويجوز في الكلام رفعه على موضع ولى، ومن دون في موضع نصب على الحال من ولى ، أو من نصير ، والتقدير : من ولى دون الله ، فلما تقدم وصف النكرة عليها انتصب على الحال.
  قوله تعالى (أم تريدون) أم هنا منقطعة إذ ليس في الكلام همزة تقع موقعها ، وموقع أم أيهما ، والهمزة في قوله ( ألم تعلم ) ليست من أم في شئ ، والتقدير : بل أتريدون (أن تسألوا) فخرج بأم من كلام إلى كلام آخر ، والاصل في تريدون ترودون ، لانه من راد يرود (كما) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف أى سؤالا كما ، وما مصدرية.
  والجمهور على همز (سئل) وقد قرئ سيل بالياء ، وهو على لغة من قال : أسلت تسال بغير همزة ، مثل خفت تخاف ، والياء منقلبة عن واو لقولهم سوال وساولته ، ويقرأ سيل بجعل الهمزة بين بين أى بين الهمزة وبين الياء ، لان منها حركتها (بالايمان) الباء في موضع نصب على الحال من الكفر تقديره : مقابلا بالايمان ، ويجوز أن يكون مفعولا بيتبدل وتكون الياء للسبب كقولك : اشتريت الثوب بدرهم ( سَوَاءَ السَّبِيلِ ) سواء ظرف بمعنى وسط السبيل وأعدله ، والسبيل يذكر ويؤنث.
  قوله تعالى ( لَوْ يَرُدُّونَكُمْ ) لو بمعنى أن المصدرية وقد تقدم ذكرها ، و (كفارا) حال من الكاف والميم ، ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا لان يرد بمعنى يصير (حسدا) مصدر وهو مفعول له ، والعامل فيه ود أو يردونكم (من عند

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 58 _
  أنفسهم) من متعلقة بحسدا. أى ابتداء الحسد من عندهم ، ويجوز أن يتعلق بود أو بيردونكم ( حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ) أى اعفوا إلى هذه الغاية.
  قوله تعالى ( وَمَا تُقَدِّمُوا ) ما شرطية في موضع نصب بتقدموا و (من خير) مثل قوله ( من آية ) في ( ما ننسخ ) (تجدوه) أى تجدوا ثوابه فحذف المضاف و (عند الله) ظرف لتجدوا أو حال من المفعول به.
  قوله تعالى ( إِلاَّ مَنْ كَانَ ) في موضع رفع بيدخل ، لان الفعل مفرغ لما بعد إلا وكان محمولا على لفظ من في الافراد ، و (هودا) جمع هايد مثل عايذ وعوذ ، وهو من هاد يهود إذا تاب ، ومنه قوله تعالى ( إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ) وقال الفراء. أصله يهود ، فحذفت الياء وهو بعيد جدا ، وجمع على معنى من ، و (أو) هنا لتفصيل ماأجمل ، وذلك أن اليهود قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا ، ولم يقل كل فريق منهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ، فلما لم يفصل في قوله وقالوا جاء بأو للتفصيل إذ كانت موضوعة لاحد الشيئين ، و (نصارى) جمع نصران مثل سكران وسكارى (هاتوا) فعل معتل اللام تقول في الماضى هاتى يهاتى مهاتاة ، مثل رامى يرامى مراماة ، وهاتوا مثل راموا وأصله : هاتيوا ثم سكنت الياء وحذفت لما ذكرنا في قوله اشتروا ونظائره ، وتقول للرجل في الامر. هات مثل رام ، وللمرأة هاتى مثل رامى ، وعليه فقس بقية تصاريف هذه الكلمة ، وهاتوا فعل متعد إلى مفعول واحد تقديره أحضروا (برهانكم) والنون في برهان أصل عند قوم لقولهم برهنت ، فثبتت النون في الفعل ، وزائدة عند آخرين لانه من البره ، وهو القطع ، والبرهان الدليل القاطع.
  قوله تعالى (بلى) جواب النفى على ماذكرنا في قوله ( بَلَى مَنْ كَسَبَ ) ، و (أسلم) و (وجهه ، وهو) كله محمول على لفظ من وكذلك ( فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) وقوله ( وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) محمول على معناها.
  قوله تعالى ( وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ) في موضع نصب على الحال ، والعامل فيها قالت ، وأصل يتلون يتلوون ، فسكنت الواو ثم حذفت لالتقاء الساكنين (كذلك قال) الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف منصوب ، بقال وهو مصدر مقدم على الفعل ، التقدير : قولا مثل قول اليهود والنصارى قال الذين لا يعلمون ، فعلى هذا الوجه يكون (مثل قولهم) منصوبا بيعلمون ، أو بقال

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 59 _
  على أنه مفعول به ، ويجوز أن يكون الكاف في موضع رفع بالابتداء ، والجملة بعده خبر عنه والعائد على المبتدإ محذوف تقديره قاله فعلى هذا يكون قوله مثل قولهم صفة لمصدر محذوف ، أو مفعولا ليعلمون ، والمعنى : مثل قول اليهود والنصارى قال الذين لايعلمون اعتقاد اليهود والنصارى ، ولا يجوز أن يكون مثل قولهم مفعول قال ، لانه قد استوفى مفعوله وهو الضمير المحذوف ، و (فيه) متعلق ب‍ (يختلفون).
  قوله تعالى ( وَمَنْ أَظْلَمُ ) من استفهام في معنى النفى ، وهو رفع بالابتداء ، وأظلم خبره ، والمعنى : لاأحد أظلم (ممن منع) من نكرة موصوفة أو بمعنى الذى (أن يذكر) فيه ثلاثة أوجه : أحدها هو في موضع نصب على البدل من مساجد بدل الاشتمال تقديره : ذكر اسمه فيها ، والثانى أن يكون في موضع نصب على المفعول له تقديره : كراهية أن يذكر ، والثالث أن يكون في موضع جر تقديره : من أن يذكر ، وتتعلق من إذا ظهرت بمنع كقولك ، منعته من كذا ، وإذا حذف حرف الجر مع أن بقى الجر ، وقيل يصير في موضع نصب ، وقد ذكرنا ذلك في قوله ( لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ ) ( وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ) خراب اسم للتخريب ، مثل السلام اسم للتسليم ، وليسم باسم للجثة ، وقد أضيف اسم المصدر إلى المفعول لانه يعمل عمل المصدر ( إِلاَّ خَائِفِينَ ) حال من الضمير في يدخلوها ( لُهُمْ فِي الدُّنْيَا ) جملة مستأنفة وليست حالا مثل خائفين ، لان استحقاقهم الخزى ثابت في كل حال ، لا في حال دخولهم المساجد خاصة.
  قوله تعالى ، ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) هما موضع الشروق والغروب (فأينما) شرطية ، و (تولوا) مجزوم به ، وهو الناصب لاين ، والجواب (فثم) وقرئ في الشاذ ( تولوا ) بفتح التاء ، وفيه وجهان : أحدهما هو مستقبل أيضا ، وتقديره : تتولوا ، فحذف التاء الثانية ، والثانى أنه ماض والضمير للغائبين ، والتقدير : أينما يتولون ، وقيل يجوز أن يكون ماضيا قد وقع ، ولايكون أين شرطا في اللفظ بل في المعنى ، كما تقول : ماصنعت صنعت ، إذا أردت الماضى ، وهذا ضعيف لان ( أين ) إما استفهام وإما شرط ، وليس لها معنى ثالث ، وثم اسم للمكان البعيد عنك ، وبنى لتضمنه معنى حرف الاشارة ، وقيل بنى لتضمنه معنى حرف الخطاب ، لانك تقول في الحاضر هنا وفى الغائب هناك ، وثم ناب عن هناك.
  قوله تعالى ( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ) يقرأ بالواو عطفا على قوله ( وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ) ويقرأ بغير واو على الاستئناف (كل له) تقديره : كل أحد منهم

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 60 _
  أو كلهم ، لان الاصل في كل أن تستعمل مضافة ، ومن هنا ذهب جمهور النحويين إلى منع دخول الالف واللام على كل ، لان تخصيصها بالمضاف إليه ، فإذا لم يكن ملفوظا به كان في حكم الملفوظ به ، وحمل الخبر على معنى كل ، فجمعه في قوله (قانتون) ولو قال قانت جاز على لفظ كل.
  قوله تعالى ( بَدِيعُ السَّمَوَاتِ ) أى مبدعها ، كقولهم سميع بمعنى مسمع ، والاضافة هنا محضة لان الابداع لهما ماض (وإذا قضى) إذا ظرف ، والعامل فيها ما دل عليه الجواب تقديره : وإذا قضى أمرا يكون.
  قوله تعالى (فيكون) الجمهور على الرفع عطفا على يقول ، أو على الاستئناف أى فهو يكون ، وقرئ بالنصب على جواب لفظ الامر ، وهو ضعيف لوجهين :
  أحدهما أن كن ليس بأمر على الحقيقة ، إذ ليس هناك مخاطب به ، وإنما المعنى على سرعة التكون ، يدل على ذلك أن الخطاب بالتكون لا يرد على الموجود ، لان الموجود متكون ، ولايرد على المعدوم لانه ليس بشئ ، لا يبقى إلا لفظ الامر ، ولفظ الامر يرد ولا يراد به حقيقة الامر كقوله ( أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ) وكقوله ( فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ ).
  والوجه الثانى أن جواب الامر لابد أن يخالف الامر إما في الفعل أو في الفاعل أو فيهما ، فمثال ذلك قولك : اذهب ينفعك زيد ، فالفعل والفاعل في الجواب غيرهما في الامر ، وتقول : اذهب يذهب زيد ، فالفعلان متفقان والفاعلان مختلفان وتقول ، اذهب تنتفع ، فالفاعلان متفقان والفعلان مختلفان ، فأما أن يتفق الفعلان والفاعلان فغير جائز كقولك : اذهب تذهب ، والعلة فيه أن الشئ لا يكون شرطا لنفسه.
  قوله تعالى ( لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ ) لولا هذه إذا وقع بعدها المستقبل كانت تحضيضا وإن وقع بعدها الماضى كانت توبيخا ، وعلى كلا قسميها هى مختصة بالفعل ، لان التحضيض والتوبيخ لا يردان إلا على الفعل ( كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) ينقل من إعراب الموضع الاول إلى هنا ما يحتمله هذا الموضع.
  قوله تعالى ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ ) الجار والمجرور في موضع نصب على الحال من المفعول تقديره : أرسلناك ، ومعك الحق ، ويجوز أن يكون حالا من الفاعل ، أى ومعنا الحق ، ويجوز أن يكون مفعولا به أى بسبب إقامة الحق ( بَشِيراً وَنَذِيراً ) حالان (ولا تسئل) من قرأ بالرفع وضم التاء فموضعه حال أيضا : أى وغير مسئول ويجوز أن يكون مستأنفا ، ويقرأ بفتح التاء وضم اللام وحكمها حكم القراء‌ة التى قبلها ويقرأ بفتح التاء والجزم على النهى.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 61 _
  قوله تعالى (هو الهدى) هو يجوز أن يكون توكيدا لاسم إن وفصلا ومبتدأ ، وقد سبق نظيره (من العلم) في موضع نصب على الحال من ضمير الفاعل في جاء‌ك.
  قوله تعالى ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ ) الذين مبتدأ ، وآتيناهم صلته ، و (يتلونه) حال مقدرة من هم أو من الكتاب ، لانهم لم يكونوا وقت إتيانه تالين له ، و (حق) منصوب على المصدر ، لانها صفة للتلاوة في الاصل ، لان التقدير ، تلاوة حقا ، وإذا قدم وصف المصدر وأضيف إليه انتصب نصب المصدر ، ويجوز أن يكون وصفا لمصدر محذوف ، و (أولئك) مبتدأ ، و (يؤمنون به) خبره ، والجملة خبر الذين ، ولا يجوز أن يكون يتلونه خبر الذين ، لانه ليس كل من أوتى الكتاب تلاه حق تلاوته ، لان معنى حق تلاوته العمل به ، وقيل يتلونه الخبر ، والذين آتيناهم لفظه عام ، والمراد به الخصوص ، وهو كل من آمن بالنبى صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب ، أو يراد بالكتاب القرآن.
  قوله تعالى ( وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ ) إذ في موضع نصب على المفعول به : أى اذكر ، والالف في ابتلى منقلبة عن واو ، وأصله من بلى يبلو إذا اختبر.
  وفى إبراهيم لغات : إحداها إبراهيم بالالف والياء ، وهو المشهور ، وإبراهم كذلك ، إلا أنه تحذف الياء ، وإبراهام ، بألفين ، وإبراهم بألف واحدة وضم الهاء ، وبكل قرئ ، وهو اسم أعجمى معرفة ، وجمعه أباره عند قوم ، وعند آخرين براهم ، وقيل فيه أبارهة وبراهمة.
  قوله تعالى (جاعلك) يتعدى إلى مفعولين ، لانه من جعل التى بمعنى صير ، و (للناس) يجوز أن يتعلق بجاعل : أى لاجل الناس ، ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال ، والتقدير : إماما للناس ، فلما قدمه نصبه على ماذكرنا ( قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) المفعولان محذوفان ، والتقدير : اجعل فريقا من ذريتى إماما ( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) هذا هو المشهور على جعل العهد هو الفاعل ، ويقرأ الظالمون على العكس ، والمعنيان متقاربان ، لان كل مانلته فقد نالك.
  قوله تعالى (وإذ جعلنا) مثل وإذ ابتلى ، وجعل هاهنا يجوز أن يكون بمعنى صير ، ويجوز أن يكون بمعنى خلق أو وضع ، فيكون (مثابة) حالا ، وأصل مثابة

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 62 _
  مثوبة ، لانه من ثاب يثوب إذا رجع ، و (للناس) صفة لمثابة ، ويجوز أن يتعلق بجعلنا ويكون التقدير : لاجل نفع الناس (واتخذوا) يقرأ على لفظ الخبر ، والمعطوف عليه محذوف تقديره : فثابوا واتخذوا ، ويقرأ على لفظ الامر فيكون على هذا مستأنفا ، و (من مقام) يجوز أن يكون من للتبعيض : أى بعض مقام إبراهيم مصلى ، ويجوز أن تكون من بمعنى في ، ويجوز أن تكون زائدة على قول الاخفش ، و (مصلى) مفعول اتخذوا ، وألفه منقلبة عن واو ، ووزنه مفعل وهو مكان لا مصدر ، ويجوز أن يكون مصدرا وفيه حذف مضاف تقديره : مكان مصلى ، أى مكان صلاة ، والمقام موضع القيام ، وليس بمصدر هنا لان قيام إبراهيم لا يتخذ مصلى (أن طهرا) يجوز أن تكون أن هنا بمعنى أى المفسرة ، لان ( عهدنا ) بمعنى قلنا والمفسرة : ترد بعد القول ، وما كان في معناه فلا موضع لها على هذا ، ويجوز أن تكون مصدرية ، وصلتها الامر ، وهذا مما يجوز أن يكون صلة في أن دون غيرها ، فعلى هذا يكون التقدير بأن طهرا فيكون موضعها جرا أو نصبا على الاختلاف بين الخليل وسيبويه ، و (السجود) جمع ساجد ، وقيل هو مصدر ، وفيه حذف مضاف : أى الركع ذوى السجود.
  قوله تعالى ( اجْعَلْ هَذَا بَلَداً ) اجعل بمعنى صير ، وهذا المفعول الاول ، وبلدا المفعول الثانى ، و (آمنا) صفة المفعول الثانى ، وأما التى في إبراهيم فتذكر هناك (من آمن) ( من ) بدل من أهله ، وهو بدل بعض من كل (ومن كفر) في من وجهان : أحدهما هى بمعنى الذى ، أو نكرة موصوفة وموضعها نصب ، والتقدير قال وأرزق من كفر ، وحذف الفعل لدلالة الكلام عليه (فأمتعه) عطف على الفعل المحذوف ، ولا يجوز أن يكون من على هذا مبتدأ وفأمتعه خبره ، لان الذى لا تدخل الفاء في خبرها إلا إذا كان الخبر مستحقا بصلتها ، كقولك : الذى يأتينى فله درهم ، والكفر لا يستحق به التمتيع ، فإن جعلت الفاء زائدة على قول الاخفش جاز ، وإن جعلت الخبر محذوفا وفأمتعه دليلا عليه جاز تقديره : ومن كفر أرزقه فأمتعه.
  والوجه الثانى أن تكون من شرطية والفاء جوابها ، وقيل الجواب محذوف تقديره : ومن كفر أرزقه ومن على هذا رفع بالابتداء ، ولايجوز أن تكون منصوبة لان أداة الشرط لايعمل فيها جوابها بل الشرط ، وكفر على الوجهين بمعنى يكفر ، والمشهور فأمتعه بالتشديد وضم العين لما ذكرناه من أنه معطوف أو خبر ، وقرئ شاذا بكسر العين ، وفيه وجهان : أحدهما أنه حذف الحركة تخفيفا لتوالى الحركات ، والثانى أنه تكون الفاء زائدة وأمتعه جواب الشرط : ويقرأ بتخفيف التاء وضم العين وإسكانها على ما ذكرناه ، ويقرأ

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 63 _
  فأمتعه على لفظ الامر ، وعلى هذا يكون من تمام الحكاية عن إبراهيم (قليلا) نعت لمصدر محذوف أو لظرف محذوف ( ثُمَّ أَضْطَرُّهُ ) الجمهور على رفع الراء ، وقرئ بفتحها ، ووصل الهمزة على الامر كما تقدم ( وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) المصير فاعل بئس والمخصوص بالذم محذوف تقديره وبئس المصير النار.
  قوله تعالى (من البيت) في موضع نصب على الحال من القواعد : أى كائنة من البيت ، ويجوز أن يكون في موضع نصب مفعولا به بمعنى رفعها عن أرض البيت والقواعد جمع قاعدة ، وواحد قواعد النساء قاعد (وإسماعيل) معطوف على إبراهيم والتقدير يقولان (ربنا) ويقولان هذه في موضع الحال ، وقيل إسماعيل مبتدأ والخبر محذوف تقديره : يقول ربنا ، لان البانى كان إبراهيم والداعى كان إسماعيل.
  قوله تعالى ( مُسْلِمَيْنِ لَكَ ) مفعول ثان ، ولك متعلق بمسلمين ، لانه بمعنى نسلم لك : أى نخلص ، ويجوز أن يكون نعتا : أى مسلمين عاملين لك ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا ) يجوز أن تكون ( من ) لابتداء غاية الجعل ، فيكون مفعولا ثانيا ، و (أمة) مفعول أول ، و (مسلمة) نعت لامة ، و (لك) على ما تقدم في مسلمين ، ويجوز أن تكون أمة مفعولا أول ، ومن ذريتنا نعتا لامة تقدم عليها فانتصب على الحال ، ومسلمة مفعولا ثانيا ، والواو داخلة في الاصل على أمة ، وقد فصل بينهما بقوله ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا ) وهو جائز لانه من جملة الكلام المعطوف (وأرنا) الاصل أرئنا ، فحذفت الهمزة التى هى عين الكلمة في جميع تصاريف الفعل المستقبل تخفيفا ، وصارت الراء متحركة بحركة الهمزة ، والجمهور على كسر الراء ، وقرئ بإسكانها وهو ضعيف ، لان الكسرة هنا تدل على الياء المحذوفة ، ووجه الاسكان أن يكون شبه المنفصل بالمتصل ، فسكن كما سكن فخذ وكتف ، وقيل لم يضبط الراوى عن القارئ لان القارئ اختلس فظن أنه سكن ، وواحد المناسك منسك ومنسك ، بفتح السين وكسرها.
  قوله تعالى ( وَابْعَثْ فِيهِمْ ) ذكر على معنى الامة ، ولو قال فيها لرجع إلى لفظ الامة ( يَتْلُو عَلَيْهِمْ ) في موضع نصب صفة لرسول ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في منهم والعامل في الاستقرار.
  قوله تعالى ( وَمَنْ يَرْغَبُ ) من استفهام بمعنى الانكار ، ولذلك جاء‌ت إلا بعدها لان المنكر منفى ، وهى في موضع رفع بالابتداء ، ويرغب الخبر ، وفيه ضمير يعود على من (إلا من) ( من ) في موضع نصب على الاستثناء ، ويجوز أن يكون رفعا بدلا من الضمير في يرغب ، ومن نكرة موصوفة أو بمعنى الذى ، و (نفسه) مفعول سفه ، لان معناه جهل ، تقديره : إلا من جهل خلق نفسه أو مصيرها ، وقيل التقدير : سفه بالتشديد ، وقيل التقدير في نفسه.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 64 _
  وقال الفراء : هو تمييز ، وهو ضعيف لكونه معرفة (في الآخرة) متعلق بالصالحين : أى وإنه من الصالحين في الآخرة ، والالف واللام على هذا للتعريف لا بمعنى الذى ، لانك لو جعلتها بمعنى الذى لقدمت الصلة على الموصول ، وقيل هى بمعنى الذى ، وفى متعلق بفعل محذوف يبينه الصالحين ، تقديره : إنه لصالح في الآخرة ، وهذا يسمى التبيين ، ونظيره :
ربـيـتـه حــتـى إذا iiتـمـعددا      كان جزائى بالعصا أن أجلدا
  تقديره : كان جزائى الجلد بالعصا ، وهذا كثير في القرآن والشعر.
  قوله تعالى ( إِذْ قَالَ لَهُ ) إذ ظرف لاصطفيناه ، ويجوز أن يكون بدلا من قوله في الدنيا ، ويجوز أن يكون التقدير : اذكر إذ قال ( لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) مقتضى هذا اللفظ أن يقول : أسلمت لك ، لتقدم ذكر الرب ، إلا أنه أوقع المظهر موقع المضمر تعظيما ، لان فيه ماليس في اللفظ الاول ، لان اللفظ الاول يتضمن أنه ربه ، وفى اللفظ الثانى اعترافه بأنه رب الجميع.
  قوله تعالى ( وَوَصَّى بِهَا ) يقرأ بالتشديد من غير ألف ، وأوصى بالالف وهما بمعنى واحد ، والضمير في بها يعود إلى الملة (ويعقوب) معطوف على إبراهيم ، ومفعوله محذوف تقديره : وأوصى يعقوب بنيه ، لان يعقوب أوصى بنيه أيضا ، كما أوصى إبراهيم بنيه ، ودليل ذلك قوله ( إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ) والتقدير : قال يابنى ، فيجوز أن يكون إبراهيم قال يابنى ، ويجوز أن يكون يعقوب ، والالف في (اصطفى) بدل من ياء بدل من واو ، وأصله من الصفوة ، والواو إذا وقعت رابعا فصاعدا قلبت ياء ، ولهذا تمال الالف في مثل ذلك ( فَلا تَمُوتُنَّ ) النهى في اللفظ عن الموت ، وهو في المعنى على غير ذلك : والتقدير : لا تفارقوا الاسلام حتى تموتوا ( وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) في موضع الحال ، والعامل الفعل قبل إلا.
  قوله تعالى ( أَمْ كُنتُمْ ) هى المنقطعة : أى بل أكنتم (شهداء) على جهة التوبيخ (إذ حضر) يقرأ بتحقيق الهمزتين على الاصل وتليين الثانية وجعلها بين بين ، ومنهم من يخلصها ياء لانكسارها والجمهور على نصب (يعقوب) ورفع (الموت) وقرئ بالعكس والمعنيان متقاربان ، وإذ الثانية بدل من الاولى ، والعامل في الاولى

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 65 _
  شهداء فيكون عاملا في الثانية ، ويجوز أن تكون الثانية ظرفا لحضر فلا يكون على هذا بدلا ، و (ما) استفهام في موضع نصب ب‍ (تعبدون) و ( ما ) هنا بمعنى من ولهذا جاء في الجواب إلهك ، ويجوز أن تكون ( ما ) على بابها ، ويكون ذلك امتحانا لهم من يعقوب ، و ( مِنْ بَعْدِي ) أى من بعد موتى فحذف المضاف ( وَإِلَهَ آبَائِكَ ) أعاد ذكر الاله لئلا يعطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار ، والجمهور على آبائك على جمع التكسير ، و ( إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ ) بدل منهم ، ويقرأ ( وَإِلَهَ آبَائِكَ ) وفيه وجهان : أحدهما هو جمع تصحيح حذفت منه النون للاضافة ، وقد قالوا : أب وأبون وأبين ، فعلى هذه القراء‌ة تكون الاسماء بعدها بدلا أيضا.
  والوجه الثانى أن يكون منفردا ، وفيه على هذا وجهان : أحدهما أن يكون مفردا في اللفظ مرادا به الجمع.
  والثانى أن يكون مفردا في اللفظ والمعنى ، فعلى هذا يكون إبراهيم بدلا منه ، وإسماعيل وإسحاق عطفا على أبيك ، تقديره : وإله إسماعيل وإسحاق ( إِلَهاً وَاحِداً ) بدل من إله الاول ، ويجوز أن يكون حالا موطئة كقولك : رأيت زيدا رجلا صالحا ، وإسماعيل يجمع على سماعلة وسماعيل وأساميع.
  قوله تعالى ( تِلْكَ أُمَّةٌ ) الاسم منها ( تى ) وهى من أسماء الاشارة للمؤنث ، والياء من جملة الاسم ، وقال الكوفيون : التاء وحدها الاسم ، والياء زائدة ، وحذفت الياء مع اللام لسكونها وسكون اللام بعدها.
  فإن قيل : لم لم تكسر اللام وتقرأ الياء كما فعل في ذلك ؟ قيل ذلك يؤدى إلى الثقل لوقوع الياء بين كسرتين ، وموضعها رفع بالابتداء ، وأمة خبرها ، و (قد خلت) صفة لامة ، و ( لَهَا مَا كَسَبَتْ ) في موضع الصفة أيضا ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في خلت ، ويجوز أن يكون مستأنفا ( وَلا تُسْأَلُونَ ) مستأنف لاغير ، وفى الكلام حذف تقديره : ولايسئلون عما كنتم تعملون ، ودل على المحذوف قوله ( لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ).
  قوله تعالى ( أَوْ نَصَارَى ) الكلام في ( أو ) هاهنا كالكلام فيها في قوله ( وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ) لان التقدير : قالت اليهود كونوا هودا ، وقالت النصارى كونوا نصارى ( مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ) تقديره : بل نتبع ملة إبراهيم ، أو قل اتبعوا ملة ، و (حنيفا) حال من إبراهيم ، والحال من المضاف إليه ضعيف في القياس قليل في الاستعمال ، وسبب ذلك أن الحال لابد لها من عامل فيها ، والعامل فيهاهو العامل في صاحبها ، ولايصح أن يعمل المضاف في مثل هذا في الحال ، ووجه قول من

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 66 _
  نصبه على الحال أنه قدر العامل معنى اللام أو معنى الاضافة وهو المصاحبة والملاصقة ، وقيل حسن جعل حنيفا حالا ، لان المعنى نتبع إبراهيم حنيفا ، وهذا جيد لان الملة هى الدين والمتبع إبراهيم ، وقيل هو منصوب بإضمار أعنى.
  قوله تعالى ( مِنْ رَبِّهِمْ ) الهاء والميم تعود على النبيين خاصة ، فعلى هذا يتعلق من بأوتى الثانية ، وقيل تعود إلى موسى وعيسى أيضا ، ويكون ( وَمَا أُوتِيَ ) الثانية تكريرا ، وهو في المعنى مثل التى في آل عمران.
  فعلى هذا يتعلق من بأوتى الاولى وموضع من نصب على أنها لابتداء غاية الايتاء ، ويجوز أن يكون موضعها حالا من العائد المحذوف تقديره : وماأوتيه النبيون كائنا من ربهم ، ويجوز أن يكون ماأوتى الثانية في موضع رفع بالابتداء ، ومن ربهم خبره (بين أحد) أحد هنا هو المستعمل في النفى ، لان بين لاتضاف إلا إلى جمع أو إلى واحد معطوف عليه ، وقيل أحد هاهنا بمعنى فريق.
  قوله تعالى ( بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ ) الباء زائدة ، ومثل صفة لمصدر محذوف تقديره : إيمانا مثل إيمانكم ، والهاء ترجع إلى الله أو القرآن أو محمد ، وما مصدرية ونظير زيادة الباء هنا زيادتها في قوله ( جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ) وقيل مثل هنا زائدة ، وما بمعنى الذى ، وقرأ ابن عباس ( بما آمنتم به ) بإسقاط مثل.
  قوله تعالى ( صِبْغَةَ اللَّهِ ) الصبغة هنا الدين ، وانتصابه بفعل محذوف : أى اتبعوا دين الله ، وقيل هو إغراء ، أى عليكم دين الله ، وقيل هو بدل من ملة إبراهيم ( وَمَنْ أَحْسَنُ ) مبتدأ وخبر ، و ( مِنْ اللَّهِ ) في موضع نصب ، و (صبغة) تمييز.
  قوله تعالى ( أَمْ يَقُولُونَ ) يقرأ بالياء ردا على قوله ( فسيكفيكهم الله ) وبالتاء ردا على قوله ( أَتُحَاجُّونَنَا ) ( هُوداً أَوْ نَصَارَى ) أو هاهنا مثلها في قوله ( وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى ) أى قالت اليهود كان هؤلاء الانبياء هودا ، وقالت النصارى كانوا نصارى ( أَمْ اللَّهُ ) مبتدأ والخبر محذوف : أى أم الله أعلم ، وأم هاهنا المتصلة ، أى أيكم أعلم ، وهو استفهام بمعنى الانكار ( كَتَمَ شَهَادَةً ) كتم يتعدى إلى مفعولين وقد حذف الاول منهما هنا تقديره : كتم الناس الشهادة ، فعلى هذا يكون (عنده) صفة لشهادة ، وكذلك ( مِنْ اللَّهِ ) ولايجوز أن تعلق من بشهادة لئلا يفصل بين الصلة والموصول بالصفة ، ويجوز أن يجعل عنده (1) ومن الله صفتين لشهادة ، ويجوز أن تجعل من ظرفا للعامل في الظرف الاول ، وأن تجعلها حالا من الضمير في عنده ،

--------------------
(1) قوله (ويجوز أن يجمع عنده الخ) لايخفى أن هذا الوجه هو ماصدر به في قوله : فعلى هذا يكون عنده الخ ، فلعل المناسب حذفه وتأمل. (=)

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 67 _
  قوله تعالى ( السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ ) من الناس في موضع نصب على الحال ، والعامل فيه يقول ( ما ولاهم ) ابتداء وخبر في موضع نصب بالقول ( كَانُوا عَلَيْهَا ) فيه حذف مضاف تقديره : على توجهها أو على اعتقادها.
  قوله تعالى (وكذلك) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف تقديره : ومثل هدايتنا من نشاء ( جعلناكم ) وجعلنا بمنزلة صيرنا ، و ( عَلَى النَّاسِ ) يتعلق بشهداء (القبلة) هى المفعول الاول والمفعول الثانى محذوف ، و (التى) صفة ذلك المحذوف ، والتقدير : وماجعلنا القبلة القبلة التى ، وقيل التى صفة للقبلة المذكورة ، والمفعول الثانى محذوف تقديره : وماجعلنا القبلة التى كنت عليها قبلة ( مَنْ يَتَّبِعْ ) من بمعنى الذى في موضع نصب بنعلم ، و ( مِمَّنْ يَنقَلِبُ ) متعلق بنعلم ، والمعنى ليفصل المتبع من المنقلب ، ولايجوز أن يكون من استفهاما ، لان ذلك يوجب أن تعلق نعلم عن العمل ، وإذا علقت عنه لم يبق لمن مايتعلق به ، لان ما بعد الاستفهام لا يتعلق بما قبله ، ولا يصح تعلقها بيتبع لانها في المعنى متعلقة بنعلم ، وليس المعنى : أى فريق يتبع ممن ينقلب ( عَلَى عَقِبَيْهِ ) في موضع نصب على الحال : أى راجعا ( وَإِنْ كَانَتْ ) إن المخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف ، واللام في قوله (لكبيرة) عوض من المحذوف ، وقيل فصل باللام بين إن المخففة من الثقيلة وبين غيرها من أقسام إن.
  وقال الكوفيون : إن بمعنى ما ، واللام بمعنى إلا ، وهو ضعيف جدا من جهة أن وقوع اللام بمعنى إلا لايشهد له سماع ولا قياس ، واسم كان مضمر دل عليه الكلام تقديره : وإن كانت التولية أو الصلاة أو القبلة ( إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ ) على متعلقة بكبيرة ، ودخلت إلا للمعنى ، ولم يغير الاعراب ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ ) خبر كان محذوف ، واللام متعلقة بذلك المحذوف تقديره : وماكان الله مريدا لان يضيع إيمانكم ، وهذا متكرر في القرآن ، ومثله ( لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ) وقال الكوفيون : ليضيع هوالخبر.
  واللام داخلة للتوكيد ، وهو بعيد ، لان اللام لام الجر ، وأن بعدها مرادة فيصير التقدير على قولهم : ماكان لله إضاعة إيمانكم (رء‌وف) يقرأ بواو بعد الهمزة مثل شكور ، ويقرأ بغير واو مثل يقظ وفطن ، وقد جاء في الشعر : ( بالرؤف الرحيم ) قوله تعالى (قد نرى) لفظه مستقبل ، والمراد به المضى ، و (في السماء) متعلق بالمصدر ، ولو جعل حالا من الوجه لجاز (فول) يتعدى إلى مفعولين ، فالاول (وجهك) والثانى ( شَطْرَ الْمَسْجِدِ ) وقد يتعدى إلى الثانى بإلى كقولك : ولى

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 68 _
  وجهه إلى القبلة ، وقال النحاس : شطر هنا ظرف لانه بمعنى الناحية (وحيث) ظرف لولوا ، وإن جعلتها شرطا انتصب ب‍ (كنتم) لانه مجزوم بها وهى منصوبة به ( أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) في موضع الحال ، وفى أول السورة مثله.
  قوله تعالى ( وَلَئِنْ أَتَيْتَ ) اللام موطئة للقسم : وليست لازمة بدليل قوله ( وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ ) ( مَا تَبِعُوا ) أى لايتبعوا ، فهو ماض في معنى المستقبل ودخلت ( ما ) حملا على لفظ الماضى ، وحذفت الفاء في الجواب لان فعل الشرط ماض ، وقال الفراء : إن هنا بمعنى لو ، فلذلك كانت ( ما ) في الجواب وهو بعيد ، لان إن للمستقبل ولو للماضى (إذن) حرف ، والنون فيه أصل ، ولاتستعمل إلا في الجواب ، ولاتعمل هنا شيئا لان عملها في الفعل ولافعل.
  قوله تعالى ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ ) مبتدأ ، و (يعرفونه) الخبر ، ويجوز أن يكون الذين بدلا من الذين أوتوا الكتاب في الآية قبلها ، ويجوز أن يكون بدلا من الظالمين ، فيكون يعرفونه حالا من الكتاب أو من الذين ، لان فيه ضميرين راجعين عليهما ، ويجوز أن يكون نصبا على تقدير أعنى ورفعا على تقديرهم (كما) صفة لمصدر محذوف ، وما مصدرية.
  قوله تعالى ( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ) ابتداء وخبر ، وقيل الحق خبر مبتدأ محذوف تقديره : ماكتموه الحق أو ماعرفوه ، وقيل هو مبتدأ والخبر محذوف تقديره : يعرفونه أن يتلونه ، ومن ربك على الوجهين حال ، وقرأ على عليه السلام ( الحق ) بالنصب بيعلمون.
  قوله تعالى ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ ) وجهة مبتدأ ولكل خبره ، والتقدير : لكل فريق وجهة ، جاء على الاصل ، والقياس جهة مثل عدة وزنة ، والوجهة مصدر في معنى المتوجه إليه ، كالخلق بمعنى المخلوق ، وهى مصدر محذوف الزوائد ، لان الفعل توجه أو اتجه ، والمصدر التوجه أو الاتجاه ، ولم يستعمل منه وجه كوعد ( هُوَ مُوَلِّيهَا ) يقرأ بكسر اللام ، وفى هو وجهان : أحدهما هو ضمير اسم الله ، والمفعول الثانى محذوف : أى الله مولى تلك الجهة ذات الفريق أى يأمره بها.
  والثانى هو ضمير كل : أى ذلك الفريق مولى الوجهة نفسه ، ويقرأ مولاها بفتح اللام ، وهو على هذا هو ضمير الفريق ، ومولى لما لم يسم فاعله ، والمفعول الاول هو الضمير المرفوع فيه ، وها ضمير المفعول الثانى ، وهو ضمير الوجهة ، وقيل للتولية ، ولايجوز أن

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 69 _
  يكون هو على هذه القراء‌ة ضمير اسم الله لاستحالة ذلك في المعنى ، والجملة صفة لوجهة ، وقرئ في الشاذ ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ ) بإضافة كل لوجهة ، فعلى هذا تكون اللام زائدة ، والتقدير : كل وجهة الله موليها أهلها ، وحسن زيادة اللام تقدم المفعول وكون العامل اسم فاعل ( أينما ) ظرف ل‍ ( تكونوا ).
  قوله تعالى ( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ) حيث هنا لا تكون شرطا لانه ليس معها ما ، وإنما يشترط بها مع ما ، فعلى هذايتعلق من بقوله (فول) ، و ( إِنَّهُ لَلْحَقُّ ) الهاء ضمير التولى.
  قوله تعالى ( وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ ) يجوز أن يكون شرطا وغير شرط كما ذكرنا في الموضع الاول (لئلا) اللام متعلقة بمحذوف تقديره : فعلنا ذلك لئلا ، و (حجة) اسم كان ، والخبر للناس ، وعليكم صفة الحجة في الاصل قدمت فانتصبت على الحال ولايجوز أن يتعلق بالحجة لئلا تتقدم صلة المصدر عليه ( إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) استثناء من غير الاول ، لانه لم يكن لاحد ماعليهم حجة (ولاتم) هذه اللام معطوفة على اللام الاولى (عليكم) متعلق بأتم ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أن يكون حالا من نعمتى.
  قوله تعالى (كما) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف تقديره : تهتدون هداية كإرسالنا أو إتماما كإرسالنا أو نعمة كإرسالنا ، وقال جماعة من المحققين التقدير فاذكرونى كما أرسلنا ، فعلى هذا يكون منصوبا صفة للذكر : أى ذكرا مثل إرسالى ولم تمنع الفاء من ذلك كما لم تمنع في باب الشرط ، ومامصدرية.
  قوله تعالى (أموات) جمع على معنى من ، وأفرد يقتل على لفظ من ولو جاء ميت كان فصيحا ، وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف : أى هم أموات ( بَلْ أَحْيَاءٌ ) أى بل قولوا هم أحياء ، ولن يقتل في سبيل الله أموات في موضع نصب بقوله : ولاتقولوا لانه محكى ، وبل لاتدخل في الحكاية هنا ( وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ ) المفعول هنا محذوف تقديره ، لاتشعرون بحياتها.
  قوله تعالى ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ) جواب قسم محذوف ، والفعل المضارع يبنى مع نونى التوكيد ، وحركت الواو بالفتحة لخفتها ( مِنْ الْخَوْفِ ) في موضع جر صفة لشئ ( مِنْ الأَمْوَالِ ) في موضع نصب صفة لمحذوف تقديره : ونقص شيئا من الاموال ، لان النقص مصدر نقصت ، وهو متعد إلى مفعول ، وقد حذف المفعول ، ويجوز عند الاخفش أن تكون من زائدة ، ويجوز أن تكون من صفة لنقص ، وتكون لابتداء الغاية : أى نقص ناشئ من الاموال.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 70 _
  قوله تعالى ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ ) في موضع نصب صفة للصابرين ، أو بإضمار أعنى ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، و ( أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ ) خبره ، وإذا وجوابها صلة الذين (إنا لله) الجمهور على تفخيم الالف في إنا ، وقد أمالها بعضهم لكثرة ماينطق بهذا الكلام ، وليس بقياس لان الالف من الضمير الذى هو ( نا ) وليست منقلبة ولافى حكم المنقلبة.
  قوله تعالى (أولئك) مبتدأ ، و (صلوات) مبتدأ ثان ، و (عليهم) خبر المبتدأ الثانى ، والجملة خبر أولئك ، ويجوز أن ترفع صلوات بالجار لانه قد قوى بوقوعه خبرا ، ومثله ( أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ ) ( وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ) هم مبتدأ أو توكيد أو فصل.
  قوله تعالى ( إِنَّ الصَّفَا ) ألف الصفا مبدلة من واو لقولهم في تثنيته صفوان ، و ( مِنْ شَعَائِرِ ) خبر إن ، وفى الكلام حذف مضاف تقديره : إن طواف الصفا أو سعى الصفا ، والشعائر جمع شعيرة مثل صحيفة وصحائف ، والجيد همزها لان الياء زائدة (فمن) في موضع رفع بالابتداء ، وهى شرطية والجواب (فلا جناح) واختلفوا في تمام الكلام هنا فقيل : تمام الكلام فلا جناح ، ثم يبتدئ فيقول ( عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ ) لان الطواف واجب ، وعلى هذا خبر لامحذوف : أى لاجناح في الحج ، والجيد أن يكون عليه في هذا الوجه خبرا ، وأن يطوف مبتدأ ، ويضعف أن يجعل إغراء لان الاغراء إنما جاء مع الخطاب ، وحكى سيبويه عن بعضهم ( عليه رجلا ليسنى ) قال : وهو شاذ لا يقاس عليه والاصل أن يتطوف فأبدلت التاء طاء ، وقرأ ابن عباس أن يطاف ، والاصل أن يتطاف ، وهو يفتعل من الطواف.
  وقال آخرون : الوقف على (بهما) وعليه خبر لا ، والتقدير : على هذا فلاجناح عليه في أن يطوف فلما حذف في جعلت إن في موضع نصب ، وعند الخليل في موضع جر ، وقبل التقدير : فلا جناح عليه أن لايطوف بهما ، لان الصحابة كانوا يمتنعون من الطواف بهما لما كان عليهما من الاصنام ، فمن قال هذا لم يحتج إلى تقدير لا (ومن تطوع) يقرأ على لفظ الماضى ، فمن على هذا يجوز أن تكون بمعنى الذى والخبر ( فَإِنَّ اللَّهَ ) والعائد محذوف تقديره له : ويجوز أن يكون من شرطا ، والماضى بمعنى المستقبل ، وقرئ يطوع على لفظ المستقبل ، فمن على هذا شرط لاغير ،

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 71 _
  لانه جزم بها وأدغم التاء في الطاء ، وخيرا منصوب بأنه مفعول به ، والتقدير : بخير ، فلما حذف الحرف وصل الفعل ، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف : أى تطوعا خيرا ، وإذا جعلت من شرطا لم يكن في الكلام حذف (1) ضمير ، لان ضمير من في يطوع.
  قوله تعالى ( مِنْ الْبَيِّنَاتِ ) من يتعلق بمحذوف لانها حال من ما ، أو من العائد المحذوف ، إذ الاصل ماأنزلناه ، ويجوز أن يتعلق بأنزلنا على أن يكون مفعولا به (من بعد) من يتعلق بيكتمون) ولايتعلق بأنزلنا لفساد المعنى ، لان الانزال لم يكن بعد التبيين إنما الكتمان بعد التبيين (في الكتاب) في متعلقة ببينا ، وكذلك اللام ولم يمتنع تعلق الجارين به لاختلاف معناهما ، ويجوز أن يكون ( في ) حالا أى كائنا في الكتاب ( أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ ) مبتدأ وخبر في موضع خبر إن (ويلعنهم) يجوز أن يكون معطوفا على يلعنهم الاولى ، وأن يكون مستأنفا.
  قوله تعالى ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا ) استثناء متصل في موضع نصب ، والمستثنى منه الضمير في يلعنهم ، وقيل هو منقطع لان الذين كتموا لعنوا قبل أن يتوبوا ، وإنما جاء الاستثناء لبيان قبول التوبة ، لا لان قوما من الكاتمين لم يلعنوا.
  قوله تعالى ( أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ ) قد ذكرناه في قوله ( أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ ) وقرأ الحسن ( والملائكة والناس أجمعون ) بالرفع وهو معطوف على موضع اسم الله ، لانه في موضع رفع ، لان التقدير : أولئك عليهم أن يعلنهم الله ، لانه مصدر أضيف إلى الفاعل.
  قوله تعالى ( خَالِدِينَ فِيهَا ) هو حال من الهاء والميم في عليهم ( لا يخفف ) حال من الضمير في خالدين ، وليست حالا ثانية من الهاء ، والميم لما ذكرنا في غير موضع ، لان الاسم الواحد لا ينتصب عنه حالان ، ويجوز أن يكون مستأنفا لا موضع له.
  قوله تعالى ( إِلَهٌ وَاحِدٌ ) إله خبر المبتدأ ، وواحد صفة له ، والغرض هنا هو الصفة ، إذ لو قال وإلهكم واحد لكان هو المقصود ، إلا أن في ذكره زيادة توكيد ، وهذا يشبه الحال الموطئة كقولك : مررت بزيد رجلا صالحا ، وكقولك في الخبر زيد شخص صالح (إلا هو) المستثنى في موضع رفع بدلا من موضع لا إله ، لان

--------------------
(1) (قوله لم يكن في الكلام حذف إلخ) فيه نظر ظاهر ، لان ضمير ( يطوع ) موجود على كلا التقديرين ، والرابط في قوله ( فإن الله ) محذوف على كل حال كما في السفاقسى فلا بد من تقديره ، وتأمل اه‍. (*)

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 72 _
  موضع لا وما عملت فيه رفع بالابتداء ، ولو كان موضع المستثنى نصبا لكان إلا إياه و (الرحمن) بدل من هو ، أو خبر مبتدأ ، ولا يجوز أن يكون صفة لهو ، لان الضمير لا يوصف ، ولا يكون خبر لهو لان المستثنى هنا ليس بجملة.
  قوله تعالى ( وَالْفُلْكِ ) يكون واحدا وجمعا بلفظ واحد ، فمن الجمع هذا الموضع ، وقوله ( حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ ) ومن المفرد الفلك المشحون ومذهب المحققين أن ضمة الفاء فيه إذا كان جمعا غير الضمة التى في الواحد ، ودليل ذلك أن ضمة الجمع تكون فيما واحده غير مضموم نحو : أسد وكتب ، والواحد أسد وكتاب ، ونظير ذلك الضمة في صاد منصور إذا رخمته على لغة من قال يا حار ، فإنها ضمة حادثة ، وعلى من قال يا حار تكون الضمة في يا منص هى الضمة في منصور ( مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ ) من الاولى لابتداء الغاية ، والثانية لبيان الجنس ، إذ كان ينزل من السماء ماء وغيره ( وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ) مفعول بث محذوف تقديره : وبث فيها دواب ، من كل دابة ، ويجوز على مذهب الاخفش أن تكون من زائدة لانه يجيزه في الواجب ( وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ) هو مصدر مضاف إلى المفعول ، ويجوز أن يكون أضيف إلى الفاعل ، ويكون المفعول محذوفا ، والتقدير : وتصريف الرياح السحاب ، لان الرياح تسوق السحاب وتصرفه ، ويقرأ الرياح بالجمع لاختلاف أنواع الريح ، وبالافراد على الجنس أو على إقامة المفرد مقام الجمع ، وياء الريح مبدلة من واو ، لانه من راح يروح وروحته والجمع أرواح ، وأما الرياح فالياء فيه مبدلة من واو ، لانه جمع أوله مكسور ، وبعد حرف العلة فيه ألف زائدة ، والواحد عينه ساكنة ، فهو مثل سوط وسياط ، إلا أن واو الريح قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها (بين السماء) يجوز أن يكون ظرفا للمسخر ، وأن يكون حالا من الضمير في المسخر ، وليس في هذه الآية وقف تام لان اسم إن التى في أولها خاتمتها.
  قوله تعالى ( مَنْ يَتَّخِذُ ) من نكرة موصوفة ، ويجوز أن تكون بمعنى الذى (يحبونهم) في موضع نصب صفة للانداد ، ويجوز أن يكون في موضع رفع صفة لمن إذا جعلتها نكرة ، وجاز الوجهان : لان في الجملة ضميرين أحدهما لمن والآخر للانداد ، وكنى عن الانداد بهم كما يكنى بها عمن يعقل ، لانهم نزلوها منزلة من يعقل ، والكاف في موضع نصب صفة للمصدر المحذوف : أى حبا كحب الله ، والمصدر مضاف إلى المفعول تقديره كحبهم الله أو كحب المؤمنين الله ( وَالَّذِينَ

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 73 _
  آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ) مايتعلق به أشد محذوف تقديره : أشد حبا لله من حب هؤلاء للانداد ( وَلَوْ يَرَى ) جواب لو محذوف ، وهو أبلغ في الوعد والوعيد ، لان الموعود والمتوعد إذا عرف قدر النعمة والعقوبة وقف ذهنه مع ذلك المعين ، وإذا لم يعرف ذهب وهمه إلى ما هو الاعلى من ذلك ، وتقدير الجواب ، لعلموا أن القوة ، أو لعلموا أن الانداد لا تضر ولا تنفع ، والجمهور على يرى بالياء ، ويرى هنا من رؤية القلب فيفتقر إلى مفعولين ، و ( أَنَّ الْقُوَّةَ ) ساد مسدهما ، وقيل المفعولان محذوفان ، وأن القوة معمول جواب لو : أى لو علم الكفار أندادهم لا تنفع لعلموا أن القوة لله في النفع والضر ، ويجوز أن يكون يرى بمعنى علم المتعدية إلى مفعول واحد ، فيكون التقدير : لو عرف الذين ظلموا بطلان عبادتم الاصنام ، أو لو عرفوا مقدار العذاب لعلموا أن القوة أو لو عرفوا أن القوة لله لما عبدوا الاصنام ، وقيل يرى هنا من رؤية البصر : أى لو شاهدوا آثار قوة الله ، فتكون أن وما عملت فيه مفعول يرى ، ويجوز أن يكون مفعول يرى محذوفا تقديره : لو شاهدوا العذاب لعلموا أن القوة ، ودل على هذا المحذوف قوله تعالى ( إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ) ويرون العذاب من رؤية البصر ، لان التى بمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين ، وإذا ذكر أحدهما لزم ذكر الآخر ، ويجوز أن يكون بمعنى العرفان : أى إذ يعرفون شدة العذاب ، وقد حصل مما ذكرنا أن جواب لو يجوز أن يقدر قبل : إن القوة لله جميعا ، وأن يقدر بعده ولو يليها الماضى ، ولكن وضع لفظ المستقبل موضعه إما على حكاية الحال ، وإما لان خبر الله تعالى صدق ، فما لم يقع بخبره في حكم ما وقع ، وأما إذ فظرف ، وقد وقعت هنا بمعنى المستقبل ، ووضعها أن تدل على الماضى إلا أنه جاز ذلك لما ذكرنا أن خبر الله عن المستقبل كالماضى ، أو على حكاية الحال بإذ ، كما يحكى بالفعل وقيل إنه وضع إذ موضع إذا كما يوضع الفعل الماضى موضع المستقبل لقرب ما بينهما وقيل إن زمن الآخرة موصول بزمن الدنيا ، فجعل المستقبل منه كالماضى ، إذ كان المجاور للشئ يقوم مقامه ، وهذا يتكرر في القرآن كثيرا كقوله ( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ ـ ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ـ و ـ إِذْ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ ) ( وإذ يرون ) ظرف ليرى الاولى ، وقرئ ولو ترى الذين ظلموا بالتاء ، وهى من رؤية العين : أى لو رأيتهم وقت تعذيبهم ، ويقرأ يرون بفتح الياء وضمها وهو ظاهر الاعراب والمعنى ، والجمهور على فتح الهمزة من أن القوة ، وأن الله شديد العذاب ، ويقرأ بكسرها فيهما على الاستئناف أو على تقدير لقالوا : إن القوة لله ، و (جميعا) حال من الضمير في الجار ، والعامل معنى الاستقرار.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 74 _
  قوله تعالى ( إِذْ تَبَرَّأَ ) إذ هذه بدل من إذ الاولى ، أو ظرف لقوله شديد العذاب ، أو مفعول اذكر ، وتبرأ بمعنى يتبرأ ( وَرَأَوْا الْعَذَابَ ) معطوف على تبرأ ، ويجوز أن يكون حالا ، وقد معه مرادة ، والعامل تبرأ ، أى تبرء‌وا وقد رأوا العذاب ( وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ ) الباء هنا للسببية : والتقدير : وتقطعت بسبب كفرهم (الاسباب) التى كانوا يرجون بها النجاة ، ويجوزأن تكون الباء للحال : أى تقطعت موصولة بهم الاسباب كقولك : خرج زيد بثيابه ، وقيل بهم بمعنى عنهم ، وقيل الباء للتعدية ، والتقدير : قطعتهم الاسباب ، كما تقول تفرقت بهم الطرق : أى فرقتهم ، ومنه قوله تعالى ( فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) (كرة) مصدر كر يكر إذا رجع (فنتبرأ) منصوب بإضمار أن تقديره : لو أن لنا أن نرجع ، فأن نتبرأ ، وجواب لو على هذا محذوف تقديره : لتبرأنا أو نحو ذلك ، وقيل لو هنا تمن فنتبرأ منصوب على جواب التمنى.
  والمعنى : ليت لنا كرة فنتبرأ (كذلك) الكاف في موضع رفع : أى الامر كذلك ويجوز أن يكون نصبا صفة لمصدر محذوف ، أي يريهم روية كذلك ، أويحشرهم كذلك أو يجزيهم ونحو ذلك ، و (يريهم) من رؤية العين فهو متعد إلى مفعولين هنا بهمزة النقل ، و (حسرات) على هذا حال ، وقيل يريهم : أى يعلمهم ، فيكون حسرات مفعولا ثالثا ، و (عليهم) صفة لحسرات : أى كائنة عليهم ، ويجوز أن يتعلق بنفس حسرات على أن يكون في الكلام حذف مضاف تقديره على تفريطهم ، كما تقول : تحسر على تفريطهم.
  قوله تعالى ( كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ ) الاصل في كل أأكل ، فالهمزة الاولى همزة وصل ، والثانية فاء الكلمة إلا أنهم حذفوا الفاء فاستغنوا عن همزة الوصل لتحرك مابعدها ، والحذف هنا ليس بقياس ، ولم يأت إلا في كل وخذ ومر (حلالا) مفعول كلوا فتكون من متعلقة بكلوا ، وهى لابتداء الغاية ، ويجوز أن تكون من متعلقة بمحذوف ، ويكون حالا من حلالا ، والتقدير كلوا حلالا مما في الارض ، فلما قدمت الصفة صارت حالا ، فأما (طيبا) فهى صفة لحلال على الوجه الاول ، وأما على الوجه الثانى فيكون صفة لحلال ، ولكن موضعها بعد الجار والمجرور لئلا يفصل بالصفة بين الحال وذى الحال ، ويجوز أن يكون مما حالا موضعها بعد طيب لانها في الاصل صفات ، وأنها قدمت على النكرة ، ويجوز أن يكون طيبا على هذا

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 75 _
  القول صفة لمصدر محذوف تقديره : كلوا الحلال مما في الارض أكلا طيبا ، ويجوز أن ينتصت حلالا على الحال من ما ، وهى بمعنى الذى ، وطيبا صفة الحال ، ويجوز أن يكون حلالا صفة لمصدر محذوف : أى أكلا حلالا فعلى هذا مفعول كلوا محذوف أى كلوا شيئا أو رزقا ، ويكون ( من ) صفة للمحذوف ، ويجوز على مذهب الاخفش أن تكون من زائدة (خطوات) يقرأ بضم الطاء على إتباع الضم الضم ، وبإسكانها للتخفيف ، ويجوز في غير القرآن فتحها ، وقرئ في الشاذ بهمز الواو لمجاورتها الضمة ، وهو ضعيف ، ويقرأ شاذا بفتح الخاء والطاء على أن يكون الواحد خطوة ، والخطوة بالفتح مصدر خطوت ، وبالضم مابين القدمين ، وقيل هما لغتان بمعنى واحد (إنه لكم) إنما كسر الهمزة لانه أراد الاعلام بحاله ، وهو أبلغ من الفتح ، لانه إذا فتح الهمزة صار التقدير : لاتتبعوه لانه لكم واتباعه ممنوع ، وإن لم يكن عدوا لنا ، ومثله : لبيك إن الحمد لك ، كسر الهمزة أجود لدلالة الكسر على استحقاقه الحمد في كل حال ، وكذلك التلبية ، والشيطان هنا جنس ، وليس المراد به واحدا.
  قوله تعالى ( وَأَنْ تَقُولُوا ) في موضع جر عطفا على بالسوء : أى وبأن تقولوا.
  قوله تعالى ( بَلْ نَتَّبِعُ ) بل هاهنا للاضراب عن الاول : أى لانتبع ماأنزل الله ، وليس بخروج من قصة إلى قصة ، و (ألفينا) وجدنا المتعدية إلى مفعول واحد ، وقد تكون متعدية إلى مفعولين مثل وجدت ، وهى هاهنا تحتمل الامرين والمفعول الاول (آباء‌نا) وعليه إما حال أو مفعول ثان ، ولام ألفينا واو ، لان الاصل فيما لو جهل من اللامات أن يكون واوا (أولو) الواو للعطف ، والهمزة للاستفهام بمعنى التوبيخ ، وجواب لو محذوف تقديره أفكانوا يتبعونهم.
  قوله تعالى ( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) مثل مبتدأ ، و ( كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ ) خبره ، وفى الكلام حذف مضاف تقديره : داعى الذين كفروا : أى مثل داعيهم إلى الهدى كمثلى الناعق بالغنم ، وإنما قدر ذلك ليصح التشبيه ، فداعى الذين كفروا كالناعق بالغنم ، ومثل الذين كفروا بالغنم المنعوق بها ، وقال سيبويه لما أراد تشبيه الكفار وداعيهم بالغنم وداعيها ، قابل أحد الشيئين بالآخر من غير تفصيل اعتمادا على فهم المعنى ، وقيل التقدير : مثل الذين كفروا في دعائك إياهم ، وقيل التقدير : مثل الكافرين في دعائهم الاصنام كمثل الناعق بالغنم ( إِلاَّ دُعَاءً ) منصوب بيسمع

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 76 _
  وإلا قد فرغ قبلها العامل من المفعول ، وقيل إلا زائدة لان المعنى لايسمع دعاء وهو ضعيف ، والمعنى بما لايسمع إلا صوتا (صم) أى هم صم.
  قوله تعالى ( كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ ) المفعول محذوف : أى كلوا رزقكم ، وعند الاخفش من زائدة.
  قوله تعالى ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ ) تقرأ الميتة بالنصب ، فتكون ما هاهنا كافة ، والفاعل هو الله ، ويقرأ بالرفع على أن تكون مابمعنى الذى ، والميتة خبر إن والعائد محذوف تقديره : حرمه الله ، ويقرأ حرم على مالم يسم فاعله ، فعلى هذا يجوز أن تكون ( ما ) بمعنى الذى ، والميتة خبر إن ، ويجوز أن تكون كافة ، والميتة المفعول القائم مقام الفاعل ، والاصل الميتة بالتشديد لان بناء‌ه فيعلة ، والاصل ميوتة فلما اجتمعت الياء والواو وسبقت الاولى بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت ، فمن قرأ بالتشديد أخرجه على الاصل ، ومن خفف حذف الواو التى هى عين ، ومثله سيد وهين في سيد وهين ، ولام الدم ياء محذوفة حذفت لغير علة.
  والنون في خنزير أصل ، وهو على مثال غربيب ، وقيل هى زائدة ، وهو مأخوذ من الخزر ( فَمَنْ اضْطُرَّ ) من في موضع رفع ، وهى شرط ، واضطر في موضع جزم بها ، والجواب ( فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) ويجوز أن تكون من بمعنى الذى ، ويقرأ بكسر النون على أصل التقاء الساكنين ، وبضمها إتباعا لضمة الطاء ، والحاجز غير حصين لسكونه ، وضمت الطاء على الاصل لان الاصل اضطرر ، ويقرأ بكسر الطاء ، ووجهها أنه نقل كسرة الراء الاولى إليها (غير باغ) نصب على الحال (ولاعاد) معطوف على باغ ، ولوجاء في غير القرآن منصوبا عطفا على موضع غير جاز.
  قوله تعالى ( مِنْ الْكِتَابِ ) في موضع نصب على الحال من العائد المحذوف : أى ماأنزله الله كائنا من الكتاب ، و ( إِلاَّ النَّارَ ) مفعول ( يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ) في موضع نصب على الحال من النار تقديره مايأكلون إلا النار ثابتة أو كائنة في بطونهم ، والاولى أن تكون الحال مقدرة لانها وقت الاكل ليست في بطونهم ، وإنما يؤول إلى ذلك ، والجيد أن تكون ظرفا ليأكلون ، وفيه تقدير حذف مضاف : أى في طريق بطونهم ، والقول الاول يلزم منه تقديم الحال على حرف الاسثناء ، وهو ضعيف ، إلا أن يجعل المفعول محذوفا ، وفى بطونهم حالا منه أو صفة له : أى في بطونهم شيئا ، وهذا الكلام في المعنى على المجاز ، وللاعراب حكم اللفظ.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 77 _
  قوله تعالى ( فَمَا أَصْبَرَهُمْ ) ( ما ) في موضع رفع ، والكلام تعجب عجب الله به المؤمنين ، وأصبر فعل فيه ضمير الفاعل ، وهو العائد على ما ، ويجوز أن تكون ما استفهاما هنا وحكمها في الاعراب كحكمها إذا كانت تعجبا ، وهى نكرة غير موصوفة تامة بنفسها ، وقيل هى نفى : أى فما أصبرهم الله على النار.
  قوله تعالى (ذلك) مبتدأ و ( بِأَنَّ اللَّهَ ) الخبر ، والتقدير : ذلك العذاب مستحق بما نزل الله في القرآن من استحقاق عقوبة الكافر ، فالباء متعلقة بمحذوف.
  قوله تعالى ( لَيْسَ الْبِرَّ ) يقرأ برفع الراء فيكون (أن تولوا) خبر ليس ، وقوى ذلك لان الاصل تقديم الفاعل على المفعول ، ويقرأ بالنصب على أنه خبر ليس ، وأن تولوا اسمها ، وقوى ذلك عند من قرأ به لان أن تولوا أعرف من البر ، إذ كان كالمضمر في أنه لايوصف ، والبر يوصف ، ومن هنا قويت القراء‌ة بالنصب في قوله ( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ) (قبل المشرق) ظرف (ولكن البر) يقرأ بتشديد النون ونصب البر وبتخفيف النون ، ورفع البر على الابتداء ، وفى التقدير ثلاثة أوجه : أحدها أن البر هنا اسم فاعل من بر يبر ، وأصله برر مثل فطن ، فنقلت كسرة الراء إلى الباء ، ويجوز أن يكون مصدرا وصف به مثل عدل فصار كالجثة ، والوجه الثانى أن يكون التقدير : ولكن ذا البر من آمن ، والوجه الثالث أن يكون التقدير : ولكن البر بر من آمن ، فحذف المضاف على التقديرين ، وإنما احتيج إلى ذلك لان البر مصدر ، ومن آمن جثة ، فالخبر غير المبتدإ في المعنى ، فيقدر مايصير به الثانى هو الاول (والكتاب) هنا مفرد اللفظ ، فيجوز أن يكون جنسا ، ويقوى ذلك أنه في الاصل مصدر ، ويجوز أن يكون اكتفى الواحد عن الجمع وهو يريده ، ويجوز أن يراد به القرآن ، لان من آمن به فقد آمن بكل الكتب ، لانه شاهد لها بالصدق (على حبه) في موضع نصب على الحال : أى آتى المال محبا والحب مصدر حببت ، وهى لغة في أحببت ، ويجوز أن يكون مصدر أحببت على حذف الزيادة ، ويجوز أن يكون اسما للمصدر الذى هو الاحباب ، والهاء ضمير المال ، أو ضمير اسم الله ، أو ضمير الايتاء ، فعلى هذه الاوجه الثلاثة يكون المصدر مضافا إلى المفعول و ( ذَوِي الْقُرْبَى ) منصوب بآتى لابالمصدر ، لان المصدر يتعدى إلى مفعول واحد وقد استوفاه ، ويجوز أن تكون الهاء ضمير من فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل ، فعلى هذا يجوز أن يكون ذوى القربى مفعول المصدر ، ويجوز أن يكون مفعول آتى ، ويكون مفعول المصدر محذوفا تقديره : وآتى المال على حبه إياه ذوى القربى ( وَابْنَ السَّبِيلِ ) مفرد في اللفظ ، وهو جنس أو واحد في اللفظ موضع الجمع