الفهرس العام



  قبل ذلك بعشرين يوماً فكتمه ثمّ أخبر به النبي فقال : ما منعك أن تخبرني ؟ فقال : سبقني عبد اللّه بن زيد فاستحييت ، فقال رسول اللّه : يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد اللّه بن زيد فعلّمه ، فتعلّم بلال الاَذان وأذّن.
  هذا مجمل ما يرويه المحدثون حول تاريخ تشريع الاَذان ، فتجب علينا دراسة أسناده ومتونه ، وإليك البيان.
  روايات حول كيفية تشريع الاَذان :
  1 ـ روى أبو داود (202 ـ 275) قال : حدّثنا عباد بن موسى الختلي ، وزياد بن أيوب ، ـ وحديث عباد أتم ـ قالا : ثنا هشيم ، عن أبي بشر ، قال زياد : أخبرنا أبو بشر ، عن أبي عمير بن أنس ، عن عمومة له من الاَنصار ، قال : اهتمّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للصلاة كيف يجمع الناس لها ، فقيل له : انصب راية عند حضور الصلاة ، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً ، فلم يعجبه ذلك ، قال : فذكر له القُبْع ـ يعني الشبور ـ قال زياد : شبور اليهود ، فلم يُعجبه ذلك ، وقال : ( هو من أمر اليهود ) قال : فذكر له الناقوس فقال : ( هو من أمر النصارى ) .
  فانصرف عبد اللّه بن زيد (بن عبد ربّه) وهو مهتم لهمِّ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فأُري الاَذان في منامه ، قال : فغدا على رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخبره فقال (له) : يا رسول اللّه ، إنّي لبين نائم ويقظان ، إذ أتاني آت فأراني الاَذان ، قال : وكان عمر بن الخطاب ـ رضى اللّه عنه ـ قد رآه قبل ذلك

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 32 _

  فكتمه عشرين يوماً (1) قال : ثمّ أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له : ( ما منعك أن تخبرني ) ؟ فقال : سبقني عبد اللّه بن زيد فاستحييت ، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( يا بلال ، قم فانظر ما يأمرك به عبد اللّه بن زيد فافعله ) قال : فأذّن بلال ، قال أبو بشر : فأخبرني أبو عمير أنّ الاَنصار تزعم أنّ عبد اللّه بن زيد لولا أنّه كان يومئذ مريضاً ، لجعله رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) موَذناً.
  2 ـ حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، ثنا يعقوب ، ثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق ، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن محمد بن عبد اللّه بن زيد بن عبد ربّه ، قال : حدثني أبي : عبد اللّه بن زيد ، قال : لمّا أمر رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي ، وأنا نائم ، رجل يحمل ناقوساً في يده فقلت : يا عبد اللّه ، أتبيع الناقوس ؟ قال : وما تصنع به ؟ فقلت : ندعو به إلى الصلاة قال : أفلا أدلّك على ما هو خير من ذلك ؟ فقلت (له) : بلى ، قال : فقال تقول : اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أنّ محمداً رسول اللّه ، أشهد أنّ محمداً رسول اللّه ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، لا إله إلاّ اللّه.
  قال : ثمّ استأخر عني غير بعيد ثمّ قال : وتقول إذا أقمت الصلاة : اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أنّ محمداً رسول اللّه ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، لا إله إلاّ اللّه.
  فلمّـا أصبحت أتيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبرته بما

---------------------------
(1) أفيصح في منطق العقل أن يكتم الاِنسان تلك الروَيا التي فيها إراحة للنبيّ وأصحابه عشرين يوماً ، ثم يعلّل ذلك ـ بعد سماعها من ابنزيد ـ بأنّه استحيى ...

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 33 _

  رأيت فقال : ( إنّها لروَيا حق إن شاء اللّه ، فقم مع بلال فالق عليه ما رأيت فليوَذّن به ، فانّه أندى صوتاً منك ) ، فقمت مع بلال ، فجعلت أُلقيه عليه ويوَذِّن به ، قال : فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول : والذي بعثك بالحق يا رسول اللّه لقد رأيت مثل ما رأى ، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : فللّه الحمد ) (1)
  ورواه ابن ماجة (207 ـ 275) بالسندين التاليين :
  3 ـ حدثنا أبو عبيد : محمد بن ميمون المدني ، ثنا محمد بن سلمة الحرّاني ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا محمد بن إبراهيم التيمي ، عن محمد بن عبد اللّه بن زيد عن أبيه ، قال : كان رسول اللّه قد همَّ بالبوق ، وأمر بالناقوس فنُحِتَ ، فأُري عبد اللّه بن زيد في المنام ... إلخ.
  4 ـ حدثنا : محمد بن خالد بن عبد اللّه الواسطي : ثنا أبي ، عن عبد الرحمان بن إسحاق ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه : أنّ النبي استشار الناس لما يهمّهم إلى الصلاة فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود ، ثمّ ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى ، فأُري النداء تلك الليلة رجل من الاَنصار يقال عبد اللّه بن زيد وعمر بن الخطاب ... قال الزهري : وزاد بلال في نداء صلاة الغداة : الصلاة خير من النوم ، فأقرّها رسول اللّه ... (2)
  ورواه الترمذي بالسند التالي :
  5 ـ حدثنا سعد بن يحيى بن سعيد الاَموي ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن

---------------------------
(1) أبو داود : السنن : 1|134 ـ 135 برقم 498 ـ 499 تحقيق محمد محيي الدين.
(2) ابن ماجه : السنن : 1|232 ـ 233 باب بدء الاَذان ، برقم 706 ـ 707.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 34 _

  إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن محمد بن عبد اللّه بن زيد ، عن أبيه قال : لمّا أصبحنا أتينا رسول اللّه فأخبرته بالروَيا ... إلخ.
  6 ـ وقال الترمذي : وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق أتمَّ من هذا الحديث وأطول ، ثم أضاف الترمذي : وعبد اللّه بن زيد هو ابن عبد ربّه ، ولا نعرف له عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئاً يصحّ إلاّ هذا الحديث الواحد في الاَذان (1)
  هذا ما رواه أصحاب السنن المعدودة من الصحاح أو الكتب الستة ولها من الاَهمية ما ليس لغيرها كسنن الدارمي أو الدارقطني أو ما يرويه ابن سعد في طبقاته ، والبيهقي في سننه ، ولاَجل تلك المكانة الخاصّة فصلنا ما روي في السنن المعروفة ، عمّـا روي في غيرها.
  فلندرس هذه الروايات متناً وسنداً حتّى تتّضح الحقيقة ثمّ نذكر بقية النصوص الواردة في غيرها فنقول :
  هذه الروايات لا تصلح للاحتجاج :
  إنّ هذه الروايات غير صالحة للاحتجاج لجهات شتى :
  الا َُولى : لا تتفق مع مقام النبوّة :
  إنّه سبحانه بعث رسوله لاِقامة الصلاة مع الموَمنين في أوقات مختلفة.
  وطبع القضية يقتضي أن يعلّمه سبحانه كيفية تحقق هذه الا َُمنية ، فلا معنى لتحيّر

---------------------------
(1) الترمذي : السنن : 1| 358 ، باب ما جاء في بدء الاَذان برقم 189.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 35 _

  النبيّ أياماً طويلة أو عشرين يوماً على ما في الرواية الا َُولى التي رواها أبو داود وهو لا يدري كيف يحقّق المسوَولية الملقاة على عاتقه ، فتارة يتوسّل بهذا ، وأُخرى بذاك حتى يرشد إلى الاَسباب والوسائل التي توَمِّن مقصوده ، مع أنّه سبحانه يقول في حقّه : ( وكانَ فضل اللّهِ عليكَ عَظيماً ) (النساء | 113) والمقصود من الفضل هو العلم بقرينة ما قبله : ( وعلَّمكَ ما لَـمْ تَكُنْ تَعلَم ) .
  إنّ الصلاة والصيام من الا َُمور العبادية وليسا كالحرب والقتال الذي ربّما كان النبي يتشاور فيه مع أصحابه ولم يكن تشاوره في كيفية القتال عن جهله بالاَصلح ، وإنّما كان لاَجل جلب قلوبهم كما يقول سبحانه : ( ولو كُنتَ فَظّاً غَليظَ القَلبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَولكَ فَاعفُ عَنهُمْ وشاوِرْهُمْ في الاَمرِ فإذا عَزمتَ فتوكَّلْ عَلَـى اللّهِ ) (آل عمران | 159).
  أليس من الوهن في أمر الدين أن تكون الروَيا والاَحلام والمنامات من أفراد عاديين ، مصدراً لاَمر عبادي في غاية الاَهمية كالاَذان والاِقامة ؟ ... إنّ هذا يدفعنا إلى القول بأنّ كون الروَيا مصدراً للاَذان أمر مكذوب على الشريعة.
  ومن القريب جداً أنّ عمومة عبد اللّه بن زيد هم الذين أشاعوا تلك الروَيا وروّجوها ، لتكون فضيلة لبيوتاتهم وقبائلهم ، ولذلك نرى في بعض المسانيد أنّ بني عمومته هم رواة هذا الحديث ، وأنّ من اعتمد عليهم انّما كان لحسن ظنّه بهم.
  الثانية : انّها متعارضة جوهراً : إنّ الروايات الواردة حول بدء الاَذان وتشريعه متعارضة جوهراً من جهات :

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 36 _

  1 ـ إنّ مقتضى الرواية الا َُولى (رواية أبي دواد) أنّ عمر بن الخطاب رأى الاَذان قبل عبد اللّه بن زيد بعشرين يوماً ، ولكن مقتضى الرواية الرابعة (رواية ابن ماجة) أنّه رأى في نفس الليلة التي رأى فيها عبد اللّه بن زيد.
  2 ـ إنّ روَيا عبد اللّه بن زيد هو المبدأ للتشريع ، وأنّ عمر بن الخطاب لمّا سمع الاَذان جاء إلى رسول اللّه وقال : إنّه أيضاً رأى نفس تلك الروَيا ولم ينقلها إليه استحياءً.
  3 ـ إنّ المبدأ به ، هو نفس عمر بن الخطاب ، لا روَياه لاَنّه هو الذي اقترح النداء بالصلاة الذي هو عبارة أُخرى عن الاَذان ، روى الترمذي في سننه وقال : كان المسلمون حين قدموا المدينة ... ـ إلى أن قال : ـ وقال بعضهم : اتّخذوا قرناً مثل قرن اليهود ، قال : فقال عمر بن الخطاب : أوَلا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة ؟ قال : فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا بلال قم فناد بالصلاة ، أي الاَذان.
  نعم فسّـر ابن حجر النداء بالصلاة بـ (الصلاة جامعة) (1) ولا دليل على هذا التفسير.
  ورواه النسائي والبيهقي في سننهما (2)
  4 ـ إنّ مبدأ التشريع هو نفس النبي الاَكرم.
  روى البيهقي : ... فذكروا أن يضربوا ناقوساً أو ينوّروا ناراً فأُمر بلال أن يشفع الاَذان ويوتر الاِقامة ، قال : ورواه البخاري عن محمد بن عبد الوهاب ورواه مسلم

---------------------------
(1) الحلبي : السيرة النبوية : 2| 297.
(2) الترمذي : السنن : 1|362 رقم 190 ، النسائي : السنن : 2|3 ، البيهقي : السنن : 1|389 في باب بدء الاَذان الحديث الاَوّل.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 37 _

  عن إسحاق بن عمار (1)
  فمع هذا الاختلاف في النقل كيف يمكن الاعتماد على هذه النقول.
  الثالثة : انّ الرائي كان أربعة عشر شخصاً لا واحداً : يظهر ممّا رواه الحلبي أنّ الرائي للاَذان لم يكن منحصراً بابني زيد والخطاب ، بل ادّعى أبو بكر أنّه أيضاً رأى نفس ما رأياه وقيل : انّه ادّعى سبعة من الاَنصار ، وقيل : أربعة عشر (2) كلّهم ادّعوا أنّهم رأوا في الروَيا الاَذان ، وليست الشريعة ورداً لكل وارد ، فاذا كانت الشريعة والاَحكام خاضعة للروَيا والاَحلام فعلى الاِسلام السلام. فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يستسقي تشريعاته من الوحي لا من أحلامهم.
  الرابعة : التعارض بين نقلي البخاري وغيره : إنّ صريح صحيح البخاري أنّ النبي أمر بلالاً في مجلس التشاور بالنداء للصلاة وعمر حاضر حين صدور الاَمر ، فقد روى عن ابن عمر : كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحيّنون الصلاة ، ليس ينادى لها فتكلّموا يوماً في ذلك فقال بعضهم : اتّخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى ، وقال بعضهم : بل قرناً مثل قرن اليهود ، فقال عمر : أوَ لا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة ؟ فقال رسول اللّه : يا بلال قم فناد بالصلاة (3)
  وصريح أحاديث الروَيا : أنّ النبي إنّما أمر بلالاً بالنداء عند الفجر إذ قصّ

---------------------------
(1) البيهقي : السنن : 1|390 ، الحديث 1 و 2.
(2) الحلبي : السيرة الحلبية : 2|300.
(3) البخاري : الصحيح : 1|120 باب بدء الاَذان.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 38 _

  عليه ابن زيد روَياه ذلك بعد الشورى بليلة ـ في أقل ما يتصوّر ـ ولم يكن عمر حاضراً وإنّما سمع الاَذان وهو في بيته ، خرج وهو يجر ثوبه ويقول : والذي بعثك بالحق يا رسول اللّه لقد رأيت مثل ما رأى.
  وليس لنا حمل ما رواه البخاري على النداء بـ ( الصلاة جامعة ) وحمل أحاديث الروَيا على التأذين بالاَذان ، فانّه جمع بلا شاهد أوّلاً ، ولو أمر النبي بلالاً برفع صوته بـ ( الصلاة جامعة ) لحلّت العقدة ثانياً ، ورفعت الحيرة خصوصاً إذا كررت الجملة (الصلاة جامعة) ولم يبق موضوع للحيرة وهذا دليل على أنّ أمره بالنداء ، كان بالتأذين بالاَذان المشروع (1)
  هذه الوجوه الاَربعة ترجع إلى دراسة مضمون الاَحاديث وهي بوحدتها كافية في سلب الركون عليها ، وإليك دراسة أسنادها واحداً بعد الآخر ، وهي بين موقوف لا يتّصل سندها بالنبي الاَكرم ، ومسند مشتمل على مجهول أو مجروح أو ضعيف متروك ، وإليك البيان حسب الترتيب السابق.
  أمّا الرواية الا َُولى التي رواها أبو داود فهي ضعيفة :
  1 ـ تنتهي الرواية إلى مجهول أو مجاهيل ، لقوله : عن عمومة له من الاَنصار.
  2 ـ يروي عن العمومة ، أبو عمير بن أنس ، فيذكره ابن حجر ويقول فيه : روى عن عمومة له من الاَنصار من أصحاب النبي في روَية الهلال وفي الاَذان.
  وقال ابن سعد : كان ثقة قليل الحديث.
  وقال ابن عبد البر : مجهول لا يحتج به (2)

---------------------------
(1) شرف الدين : النص والاجتهاد : 137.
(2) ابن حجر : تهذيب التهذيب : 12|188 برقم 767.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 39 _

  وقال جمال الدين : هذا ما حدث به في الموضوعين : روَية الهلال والاَذان جميع ما له عندهم (1)
  أمّا الرواية الثانية : فقد جاء في سندها من لا يصح الاحتجاج به نظراء :
  1 ـ محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي : أبو عبد اللّه المتوفّـى حدود عام 120.
  قال أبو جعفر العقيلي عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي وذكر محمد بن إبراهيم التيمي المدني فقال : في حديثه شيء ، يروي أحاديث مناكير ، أو منكرة (2).
  2 ـ محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار ، فانّ أهل السنّة لا يحتجون برواياته ، وإن كان هو الاَساس لـ (سيرة ابن هشام ـ المطبوعة ـ ).
  قال أحمد بن أبي خيثمة: سئل يحيى بن معين عنه فقال : ... ضعيف عندي سقيم ليس بالقوي.
  وقال أبو الحسن الميموني : سمعت يحيى بن معين يقول : محمد بن إسحاق ضعيف ، وقال النسائي : ليس بالقوي (3)
  3 ـ عبد اللّه بن زيد ، راوية الحديث و كفى في حقّه أنّه قليل الحديث ، قال الترمذي : لا نعرف له شيئاً يصح عن النبي إلاّ حديث الاَذان ، قال الحاكم : الصحيح : أنّه قُتل بأُحد ، والروايات عنه كلّها منقطعة ، قال ابن عدي : لا نعرف له شيئاً يصح

---------------------------
(1) جمال الدين المزّي : تهذيب الكمال : 34|142 برقم 7545.
(2) المصدر نفسه : 24| 304.
(3) المصدر نفسه : 24| 423 ـ 424 ، ولاحظ تاريخ بغداد : 1|221 ـ 224.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 40 _

  عن النبيّ إلاّ حديث الاَذان (1)
  وروى الترمذي عن البخاري : لا نعرف له إلاّ حديث الاَذان (2)
  وقال الحاكم : عبد اللّه بن زيد هو الذي أُرِيَ الاَذان ، الذي تداوله فقهاء الاِسلام بالقبول ولم يخرج في الصحيحين لاختلاف الناقلين في أسانيده (3)
  وأمّا الرواية الثالثة : فقد اشتمل السند على محمد بن إسحاق بن يسار ، ومحمد بن إبراهيم التيمي ، وقد تعرّفت على حالهما كما تعرفت على أنّ عبد اللّه بن زيد كان قليل الرواية ، والروايات كلّها عنه منقطعة.
  وأمّا الرواية الرابعة : فقد جاء في سنده :
  1 ـ عبد الرحمان بن إسحاق بن عبد اللّه المدني.
  قال يحيى بن سعيد القطان : سألت عنه بالمدينة ، فلم أرهم يحمدونه وكذلك قال علي بن المديني.
  وقال علي أيضاً : سمعت سفيان وسئل عن عبد الرحمان بن إسحاق ، قال : كان قدرياً فنفاه أهل المدينة فجاءنا هاهنا مقتل الوليد فلم نجالسه.
  وقال أبو طالب : سألت أحمد بن حنبل عنه فقال : روى عن أبي الزناد أحاديث منكرة.
  وقال أحمد بن عبد اللّه العجلي : يكتب حديثه وليس بالقوي.

---------------------------
(1) السنن : الترمذي : 1|361 ، ابن حجر : تهذيب التهذيب : 5|224.
(2) جمال الدين المزّي : تهذيب الكمال : 14|541.
(3) الحاكم : المستدرك : 3|336.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 41 _

  وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به.
  وقال البخاري : ليس ممّن يعتمد على حفظه ... ولا يعرف له بالمدينة تلميذ إلاّ موسى الزمعي ، روى عنه أشياء في عدّة منها اضطراب.
  وقال الدارقطني : ضعيف يرمى بالقدر ، وقال أحمد بن عدي : في حديثه بعض ما ينكر ولا يتابع (1)
  2 ـ محمد بن عبد اللّه الواسطي (150 ـ 240) فيعرّفه جمال الدين المزّي بقوله : قال ابن معين : لا شيء ، وأنكر روايته عن أبيه ، وقال أبو حاتم : سألت يحيى بن معين فقال : رجل سوء كذاب ، وأخرج أشياء منكرة ، وقال أبو عثمان سعيد بن عمر البردعي : وسألته ـ أبا زرعة ـ عن محمد بن خالد ، فقال : رجل سوء ، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات وقال : يخطىَ ويخالف (2)
  وقال الشوكاني بعد نقل الرواية : وفي اسناده ضعف جدّاً (3)
  وأمّا الرواية الخامسة : فقد جاء في سندها :
  1 ـ محمد بن إسحاق بن يسار.
  2 ـ محمد بن الحارث التيمي.
  3 ـ عبد اللّه بن زيد.
  وقد تعرّفت على جرح الاَوّلين ، وانقطاع السند في كل ما يرويان عن الثالث

---------------------------
(1) جمال الدين المزّي : تهذيب الكمال : 16|519 برقم 3755.
(2) المصدر نفسه : 25|139 برقم 5178.
(3) الشوكاني : نيل الاَوطار : 2|42.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 42 _

  وبذلك يتضح حال السند السادس فلاحظ.
  هذا ما ورد في الصحاح ، أمّا ما ورد في غيرها فنذكر منه ما رواه الاِمام أحمد ، والدارمي ، والدارقطني في مسانيدهم ، والاِمام مالك في موطئه ، وابن سعد في طبقاته والبيهقي في سننه وإليك البيان :
  ألف ـ ما رواه الاِمام أحمد في مسنده :
  روى الاِمام أحمد روَيا الاَذان في مسنده عن عبد اللّه بن زيد بأسانيد ثلاثـة (1) :
  1 ـ قد ورد في السند الاَول زيد بن الحباب بن الريان التميمي (المتوفّـى 203 هـ).
  وقد وصفوه بكثرة الخطأ وله أحاديث تستغرب عن سفيان الثوري من جهة اسنادها ، وقال ابن معين : أحاديثه عن الثوري مقلوبة (2)
  كما اشتمل على عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه بن زيد بن عبد ربّه ، وليس له في الصحاح والمسانيد إلاّ رواية واحدة وهي هذه ، وفيها فضيلة لعائلته ، ولاَجل ذلك يقل الاعتماد عليها.
  كما اشتمل الثاني على محمد بن اسحاق بن يسار الذي تعرَّفت عليه.
  واشتمل الثالث على محمد بن إبراهيم الحارث التيمي ، مضافاً إلى محمد بن إسحاق ، وينتهي إلى عبد اللّه بن زيد وهو قليل الحديث جداً.

---------------------------
(1) الاِمام أحمد : المسند : 4|42 ـ 43.
(2) الذهبي : ميزان الاعتدال : 2|100 برقم 2997.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 43 _

  وقد جاء في الرواية الثانية بعد ذكر الروَيا وتعليم الاَذان لبلال : إنّ بلالاً أتى رسول اللّه فوجده نائماً فصرخ بأعلى صوته : الصلاة خير من النوم ، فأُدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر.
  ب ـ ما رواه الدارمي في مسنده :
  روى روَيا الاَذان الدارمي في مسنده بأسانيد ، وكلها ضعاف وإليك الاَسانيد وحدها :
  1 ـ أخبرنا محمد بن حميد ، ثنا سلمة ، حدثني محمد بن إسحاق وقد كان رسول اللّه حين قدمها ... الخ.
  2 ـ نفس هذا السند وجاء بعد محمد بن إسحاق : حدّثني هذا الحديث ، محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن محمد بن عبد اللّه بن زيد بن عبد ربّه عن أبيه بهذا الحديث.
  3 ـ أخبرنا محمد بن يحيى ، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، عن ابن إسحاق ... والباقي نفس ما جاء في السند الثاني (1)
  والاَول منقطع ، والثاني والثالث مشتملان على محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي وقد عرفت حاله ، كما تعرفت على حال ابن إسحاق.
  ج ـ ما رواه الاِمام مالك في الموطأ :
  روى الاِمام مالك روَيا الاَذان في موطئه : عن يحيى ، عن مالك ، عن يحيى

---------------------------
(1) الدارمي : السنن : 1|267 ـ 269 باب بدء الاَذان.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 44 _

  ابن سعيد أنّه قال : كان رسول اللّه قد أراد أن يتّخذ خشبتين يضرب بهما ... (1)
  والسند منقطع ، والمراد يحيى بن سعيد بن قيس المولود عام 70 وتوفي بالهاشمية سنة 143 (2)
  د ـ ما رواه ابن سعد في طبقاته :
  رواه محمد بن سعد في طبقاته بأسانيد (3)موقوفه لا يحتج بها :
  الاَوّل : ينتهي إلى نافع بن جبير الذي توفّي في عشر التسعين وقيل سنة 99.
  والثاني : ينتهي إلى عروة بن الزبير الذي تولّد عام 29 وتوفّـي عام 93.
  والثالث : ينتهي إلى زيد بن أسلم الذي توفّـي عام 136.
  والرابع : ينتهي إلى سعيد بن المسيب الذي توفّـي عام 94 وإلى عبد الرحمان ابن أبي ليلى الذي توفي عام 82 ، أو 83.
  وقال الذهبي في ترجمة عبد اللّه بن زيد : حدّث عنه سعيد بن المسيب وعبد الرحمان بن أبي ليلى ـ ولم يلقه ـ (4)
  وروى أيضاً بالسند التالي :
  أخبرنا أحمد بن محمد بن الوليد الاَزرقي ، أخبرنا مسلم بن خالد ، حدثني

---------------------------
(1) مالك : الموطأ : 75 باب ما جاء في النداء للصلاة برقم 1.
(2) الذهبي : سير أعلام النبلاء : 5|468 برقم 213.
(3) ابن سعد : الطبقات الكبرى : 1|246 ـ 247.
(4) الذهبي : سير أعلام النبلاء : 2|376 برقم 79 ، وسيوافيك تفصيله في المقام الثاني. والضمير يرجع إلى عبد الرحمن ، وسيوافيك أنّه منالبعيد أن يروي سعيد بن المسيب عن عبد اللّه بن زيد.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 45 _

  عبد الرحيم بن عمر ، عن ابن شهاب عن سالم بن عبد اللّه بن عمر ، عن عبد اللّه بن عمر : أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد أن يجعل شيئاً يجمع به الناس ... حتى أُريَ رجل من الاَنصار يقال له عبد اللّه بن زيد ، وأُريه عمر بن الخطاب تلك الليلة ... ـ إلى أن قال : ـ فزاد بلال في الصبح (الصلاة خير من النوم) فأقرّها رسول اللّه.
  فقد اشتمل السند على :
  1 ـ مسلم بن خالد بن قرقرة : ويقال : ابن جرحة.
  ضعّفه يحيى بن معين ، وقال علي بن المديني : ليس بشيء ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال أبو حاتم : ليس بذاك القوي ، منكر الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به ، تعرف وتنكر (1)
  2 ـ محمد بن مسلم بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن شهاب الزهري المدني (51 ـ 123).
  قال أنس بن عياض ، عن عبيد اللّه بن عمر : كنت أرى الزهري يعطى الكتاب فلا يقرأه ولا قرىَ عليه فيقال له : نروي هذا عنك فيقول : نعم.
  وقال إبراهيم بن أبي سفيان القيسراني عن الفريابي : سمعت سفيان الثوري : أتيت الزهري فتثاقل عليّ فقلت له : لو أنّك أتيت أشياخنا ، فصنعوا بك مثل هذا ، فقال : كما أنت ، ودخل فأخرج إليَّ كتاباً فقال : خذ هذا فاروه عنّي فما رويت عنه حرفا (2).

---------------------------
(1) جمال الدين المزّي : تهذيب الكمال : 27|508 برقم 5925.
(2) المصدر نفسه : 26|439 ـ 440.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 46 _

  هـ : ما رواه البيهقي في سننه :
  روى البيهقي روَيا الاَذان بأسانيد لا يخلو الكل عن علّة أو علاّت وإليك الاشارة إلى الضعاف الواردين في أسانيدها :
  الاَوّل : يشتمل على أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الاَنصار ، وقد تعرفت على أبي عمير بن أنس ، أنّه قال فيه ابن عبد البر : وإنّه مجهول لا يحتجّ به يروي عن مجاهيل (1) باسم العمومة ، ولا دليل على كون هوَلاء من الصحابة ، وإن افترضنا عدالة كل صحابي ، وعلى فرض التسليم أنّ العمومة كانوا منهم لكن موقوفات الصحابي ليست بحجّة إذ لا علم بأنّه روى عن الصحابي.
  الثاني : يشتمل على أُناس لا يحتج بهم :
  1 ـ محمد بن إسحاق بن يسار.
  2 ـ محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي.
  3 ـ عبد اللّه بن زيد.
  وقد تعرّفت على الجميع.
  الثالث : مشتمل على ابن شهاب الزهري ، يروي عن سعيد بن المسيب المتوفّـى عام 94 عن عبد اللّه بن زيد وقد عرفت أنّه لم يدركا عبد الله بن زيد (2)

---------------------------
(1) ابن حجر : تهذيب التهذيب : 12|188 برقم 768.
(2) البيهقي : السنن : 1|390.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 47 _

  وقد توفي عبد اللّه بن زيد سنة 32هـ وقد تولّد سعيد بن المسيب ـ حسب ما ينقله الذهبي ـ لسنتين مضتا من خلافة عمر ، وعلى ذلك فقد تولّد عام 15 هـ فيكون عمره عند وفات زيد قريباً من 17 سنة.
  و ـ ما رواه الدارقطني :
  روى الدارقطني روَيا الاَذان بأسانيد ، إليك بيانها :
  1 ـ حدثنا محمد بن يحيى بن مرداس ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا حماد بن خالد ، ثنا محمد بن عمرو ، عن محمد بن عبد اللّه ، عن عمِّه عبد اللّه بن زيد.
  2 ـ حدثنا محمد بن يحيى : ثنا أبو داود ، ثنا عبيد اللّه بن عمر ، ثنا عبد الرحمان ابن مهدي ، ثنا محمد بن عمرو ، قال : سمعت عبد اللّه بن محمد ، قال : كان جدي عبد اللّه بن زيد بهذا الخبر (1)
  وقد اشتمل السندان على محمد بن عمرو ، و هو مردّد بين الاَنصاري ، الذي ليس له في الصحاح والمسانيد إلاّ هذه الرواية ، قال الذهبي : لا يكاد يعرف ، وبين محمد بن عمرو أبو سهل الاَنصاري الذي ضعّفه يحيى القطان ، وابن معين وابن عدي (2).
  3 ـ حدثنا أبو محمد بن ساعد ، ثنا الحسن بن يونس ، ثنا الاَسود بن عامر ، ثنا أبو بكر بن عياش ، عن الاَعمش عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، قال : قام رجل من الاَنصار ، يعني عبد اللّه بن زيد ، إلى النبي فقال : إنّي رأيت في النوم ... (3)

---------------------------
(1) الدارقطني : السنن : 1|245 برقم 56 و 57.
(2) الذهبي : ميزان الاعتدال : 3|674 برقم 8017 و 8018 ، جمال الدين المزّي : تهذيب الكمال : 26|220 برقم 5516 ، ابن حجر : تهذيبالتهذيب : 9|378 برقم 620.
(3) الدارقطني : السنن : 1|242 برقم 31.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 48 _

  وهذا السند منقطع لاَنّ معاذ بن جبل توفي عام 20 أو 18 وتولّد عبد الرحمان بن أبي ليلى ، سنة 17 ، مضافاً إلى أنّ الدارقطني ضعّف عبد الرحمان وقال : ضعيف الحديث سيّىَ الحفظ وابن أبي ليلى لا يثبت سماعه من عبد اللّه بن زيد (1).
  إلى هنا تم الكلام في المقام الاَوّل واتّضح أنّ الاَذان انّما شرع بوحي إلهي لا بروَيا عبد اللّه بن زيد ولا بروَيا عمر بن الخطاب ولا غيرهما كائناً من كان ، وانّ هذه الاَحاديث ، متعارضة جوهراً ، غير تامّة سنداً ، لا يثبت بها شيء ، مضافاً إلى ما ذكرنا في صدر البحث من الاستنكار العقلي فلاحظ.
  وحان البحث عن كيفية دخول التثويب في أذان الفجر ، وهذا هو المقام الثاني الذي نتلوه عليك فنقول :
  المقام الثاني : ما هو السبب لدخول التثويب في أذان صلاة الفجر التثويب من ثاب يثوب : إذا رجع فهو بمعنى الرجوع إلى الاَمر بالمبادرة إلى الصلاة ، فانّ الموَذّن إذا قال : (حيّ على الصلاة) فقد دعاهم إليها ، فإذا قال : (الصلاة خير من النوم) فقد رجع إلى كلام معناه : المبادرة إليها.
  وفسّـره صاحب القاموس : بمعان منها : الدعاء إلى الصلاة ، وتثنية الدعاء ، وأن يقول في أذان الفجر (الصلاة خير من النوم ـ مرتين ـ).
  وقال في المغرب : التثويب : القديم ، هو قول الموَذن في أذان الصبـح :

---------------------------
(1) الدار قطني : السنن : 1|242 برقم 31.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 49 _

  (الصـلاة خـير من النوم ـ مرتين ـ ) والمحـدَث (الصـلاة الصـلاة) أو (قامت قامت) (1).
  والظاهر أنّه غلب استعماله بين أئمّة الحديث في القول المذكور أثناء الاَذان ، ربّما يطلق على مطلق الدعوة بعد الدعوة ، فيعم ما إذا نادى الموَذن بعد تمام الاَذان بالقول المذكور أيضاً أو بغيره ممّـا يفيد الدعوة إليها بأيّ لفظ شاء.
  قال السندي في حاشيته على سنن النسائي : التثويب هو العود إلى الاعلام بعد الاعلام ، وقول الموَذن (الصلاة خير من النوم) لا يخلو عن ذلك ، فسمي تثويباً (2).
  فالمقصود في المقام تبيين حكم قول الموَذن أثناء الاَذان لصلاة الفجر : الصلاة خير من النوم ، فهل هو مشروع أو بدعة حدثت بعد النبي لما استحسنه بعض الناس من اقراره في الاَذان ، سواء كان هو التثويب فقط أو عمَّ مطلق الدعوة إلى الصلاة ولو بعد تمام الاَذان ، بهذا اللفظ أو بغيره.
  فنقول : التثويب بهذا المعنى ورد تارة في خلال أحاديث روَية الاَذان ، وأُخرى في غيرها ، أمّا الاَوّل فقد ورد في ما يلي :
  1 ـ ما رواه ابن ماجة (الرواية الرابعة) وقد عرفت نصَّ الشوكاني على ضعفها (3) .
  2 ـ ما رواه الاِمام أحمد : وقد عرفت ما في سنده من الضعف حيث جاء فيه :

---------------------------
(1) ابن الاثير : النهاية في غريب الحديث : 1|226 وابن منظور : لسان العرب مادة (ثوب) ، والفيروز آبادي : القاموس ، مادة (ثوب) ، والبحراني : الحدائق : 7|419.
(2) السنن : 2|14 قسم التعليقة.
(3) لاحظ ص 41 من هذا الكتاب.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 50 _

  محمد بن إسحاق ، وابن شهاب الزهري وعبد اللّه بن زيد بن عبد ربّه (1)
  3 ـ ما رواه ابن سعد في طبقاته : وفي سنده : مسلم بن خالد بن قرقرة وقد عرفت ضعفه (2)
  وأمّا الثاني فقد نقله أصحاب السنن وإليك النصوص :
  4 ـ ما رواه ابن ماجة : بالسند التالي : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا محمد بن عبد اللّه الاَسدي ، عن أبي إسرائيل ، عن الحكم ، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن بلال ، قال : أمرني رسول اللّه أن أثوب في الفجر ونهاني أن أثوب في العشاء (3) وفي هذه الرواية دلالة على أنّ التثويب يستعمل في مطلق الدعوة إلى الصلاة ، وإن لم يكن بلفظ ( الصلاة خير من النوم ) بشهادة النهي عن التثويب في العشاء ، لاَنّ الاَنسب للتثويب في صلاة العشاء هو ( الصلاة جامعة ) ، أو ( قد قامت الصلاة ) وغيرهما.
  5 ـ حدثنا عمرو بن رافع ، ثنا عبد اللّه بن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن بلال : أنّه أتى النبيّ يوَذِّنه بصلاة الفجر فقيل : هو نائم ، فقال : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم ، فأُقرت في تأذين الفجر فثبت الاَمر على ذلك (4)
  والسندان منقطعان أمّا الاَوّل : فابن أبي ليلى ولد عام 17 ومات بلال عام 20 أو 21 بالشام وكان مرابطاً بها قبل ذلك من أوائل فتوحها ، فكيف يسمع منه مع

---------------------------
(1) لاحظ ما نقلناه عن الاِمام أحمد ، بعد أحاديث السنن ص 42.
(2) لاحظ ص 44 من هذا الكتاب.
(3) ابن ماجة : السنن : 1|237 برقم 715 ـ 716.
(4) ابن ماجة : السنن : 1|237 برقم 715 ـ 716.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 51 _

  حداثة السن وتباعد الديار (1)
  ورواه الترمذي مع اختلاف في أوّل السند وقال : حديث بلال لا نعرفه إلاّ من حديث أبي إسرائيل الملاّئي ، وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم (ابن عيينة) قال : إنّما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم.
  وأبو إسرائيل اسمه : إسماعيل بن أبي إسحاق وليس هو بذاك القوي عند أهل الحديث (2).
  أمّا الثاني فقد قال فيه ابن ماجة نقلاً عن الزوائد : اسناده ثقات إلاّ أنّ فيه انقطاعاً (لاَنّ) سعيد بن المسيب لم يسمع من بلال (3)
  6 ـ ما رواه النسائي : أخبرنا سويد بن نصر قال : أنبأنا عبد اللّه ، عن سفيان ، عن أبي جعفر ، عن أبي سلمان ، عن أبي محذورة ، قال : كنت أُوَذن لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وكنت أقول في أذان الفجر : حيّ على الفلاح ، الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ، اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، لا إله إلاّ اللّه (4)
  وفي سنن البيهقي (5) وسبل السلام (6) مكان ( أبي سلمان ) : ( أبي سليمان ) .
  قال البيهقي : وأبو سليمان اسمه ( همام الموَذن ) ولم نجد ترجمة لهمام الموَذّن فيما بأيدينا من كتب الرجال فلم يذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء ، ولا المزّي في تهذيب الكمال ، والرجل غير معروف.

---------------------------
(1) الشوكاني : نيل الاَوطار : 2|42.
(2) الترمذي : السنن : 1|378 ، برقم 198.
(3) ابن ماجة : السنن : 1|237 ، برقم 716 ، وولد سعيد بن المسيب عام 13 وتوفي عام 94.
(4) النسائي : السنن : 2| 13 باب التثويب في الاَذان .
(5) البيهقي : السنن : 1|422 ، الصنعاني : سبل السلام : 1|221.
(6) البيهقي : السنن : 1|422 ، الصنعاني : سبل السلام : 1|221.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 52 _

  وأمّا أبو محذورة فهو من الصحابة لكنّه قليل الرواية ، لا يتجاوز ما رواه عن عشر روايات وقد أذّن لرسول اللّه في العام الثامن ، في غزوة حنين (1)
  7 ـ ما رواه البيهقي في سننه بسند ينتهي إلى أبي قدامة عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه ، عن جده قال : يا رسول اللّه علّمني سنّة الاَذان ، وذكر الحديث وقال فيه : حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، فإن كان صلاة الصبح قل : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم...
  8 ـ ما رواه أيضاً بسند ينتهي إلى عثمان بن السائب : أخبرني أبي ، وأُم عبد الملك بن أبي محذورة عن أبي محذورة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نحوه (2).
  ومحمد بن عبد الملك قد تعرّفت على حاله ، وعثمان بن السائب ولداً ووالداً ، غير معروفين ليس لهما إلاّ رواية واحدة (3)
  9 ـ ما رواه أبو داود بسند ينتهي إلى الحرث بن عبيد ، عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قلت : يا رسول اللّه علّمني سنّة الاَذان ـ إلى أن قال : ـ فإن كان صلاة الصبح قلت : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ... (4)
  والسند مشتمل على محمد بن عبد الملك ، قال ابن حجر : قال عبد الحق : لا يحتج بهذا الاسناد ، وقال ابن القطان : مجهول الحال ، لا نعلم روى عنه إلاّ

---------------------------
(1) ابن حزم الاَندلسي : أسماء الصحابة الرواة : برقم 188.
(2) البيهقي : السنن : 1|421 ـ 422 باب التثويب في أذان الصبح.
(3) الذهبي : ميزان الاعتدال : 2|114 ، برقم 3075 (السائب) ، وابن حجر : تهذيب التهذيب : 7|117 برقم 252 (عثمان بن السائب).
(4) أبو داود : السنن : 1|136 ، برقم 500.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 53 _

  الحارث (1).
  وقال الشوكاني في حقّ محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة : غير معروف الحال ، والحرث بن عبيد وفيه مقال (2)
  10 ـ روى أيضاً بسند ينتهي إلى عثمان بن سائب : أخبرني أبي ، وأُم عبد المالك بن أبي محذورة عن أبي محذورة عن النبي ، نحو هذا الخبر (3)
  وقد عرفت ضعف السند.
  11 ـ روى أيضاً بسند ينتهي إلى إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة قال : سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة يذكر أنّه سمع أبا محذورة يقول : ألقى عليّ رسول اللّه الاَذان حرفاً حرفاً ـ إلى أن قال ـ : وكان يقول في الفجر : الصلاة خير من النوم ... (4)
  وإبراهيم بن إسماعيل له رواية واحدة ، وهو بعد لم يوثق (5)مضافاً إلى احتمال الانقطاع في السند.
  وما رواه الدارقطني فعلى أقسام :
  12 ـ ما يدل على أنّه سنّة في الاَذان ، رواه عن أنس من دون أن ينسبه (أنس) إلى النبي وفيه أحاديث ثلاثة (6)

---------------------------
(1) ابن حجر : تهذيب التهذيب : 9|317.
(2) الشوكاني : نيل الاَوطار : 2|43.
(3) أبو داود : السنن : 1|136 ـ 137 ، باب كيفية الاَذان برقم 501 ـ 504.
(4) أبو داود : السنن : 1|136 ـ 137 ، باب كيفية الاَذان برقم 501 ـ 504.
(5) جمال الدين المزّي : تهذيب الكمال : 2|44 برقم 147.
(6) الدارقطني : السنن : 1|243 برقم 38 ـ 39 ـ 40.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 54 _

  13 ـ ما يدل على أنّ النبي أمر بلالاً بذلك لكن السند منقطع ، رواه عبد الرحمان بن أبي ليلى عن بلال (1) مع ضعف في سنده لمكان عبد الرحمان بن الحسن فيه المكنّى بـ ( أبي مسعود الزجاج ) وقد عرّفه أبو حاتم : بأنّه لا يحتج به وإن ليّنه الآخرون (2)
  14 ـ ما يدل على جواز الاعلام بعد الاَذان، بأي شكل اتّفق وهو خارج عن المقصود وقد ضعف بعض من جاء في سنده (3)
  ما رواه الدارمي :
  15 ـ روى الدارمي بسند ينتهي إلى الزهري عن حفص بن عمر بن سعد الموَذن ... قال حفص : حدثني أهلي ، أنّ بلالاً أتى رسول اللّه يوَذِّنه لصلاة الفجر فقالوا : إنّه نائم ، فنادى بلال بأعلى صوته : الصلاة خير من النوم ، فأُقرّت في أذان صلاة الفجر (4).
  والرواية لا يحتج بها لمكان الزهري أوّلاً، وحفص بن عمر الذي ليس له إلاّ رواية واحدة وهي هذه (5) مضافاً إلى كون الاَصل الناقل مجهولاً.
  16 ـ ما رواه الاِمام مالك : إنّ الموَذّن جاء إلى عمر بن الخطاب يوَذنه لصلاة

---------------------------
(1) الدارقطني : السنن : 1|243 برقم 41.
(2) الذهبي : ميزان الاعتدال : 2|556 برقم 4851.
(3) الدارقطني : السنن : 1| 244 ـ 245 برقم 48 ، 51 ، 52 ، 53.
(4) أبو داود : السنن : 1|136 ـ 137 ، باب كيفية الاَذان برقم 501ـ 504.
(6) جمال الدين المزّي : تهذيب الكمال : 7|30 برقم 1399 ، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال : 1|560 برقم 2129 : تفرّد عن حفص ، الزهري.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 55 _

  الصبح فوجده نائماً فقال : الصلاة خير من النوم ، فأمر عمر أن يجعلها في نداء الصبح (1).
  حصيلة الروايات :
  إنّ روايات التثويب متعارضة جداً لا يمكن ارجاعها إلى معنى واحد ، وإليك أقسامها :
  1 ـ ما يدل على أنّ عبد اللّه بن زيد رآه في روَياه وأنّه كان جزءاً من الاَذان من أوّل الاَمر.
  20 ـ ما يدل على أنّ بلالاً زاده فيه وقرّره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن يجعله بلال جزءاً من الاَذان كما في رواية الدارمي.
  3 ـ ما يدل على أنّ عمر بن الخطاب أمر الموَذّن أن يجعلها في نداء الصبح كما رواه الاِمام مالك.
  4 ـ ما يدل على أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) علّمها أبا محذورة ، كما رواه البيهقي في سننه.
  5 ـ ما يظهر أنّ بلالاً ينادي بالصبح فيقول : ( حيَّ على خير العمل ) فأمره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجعل مكانها : ( الصلاة خير من النوم ) وترك ( حيّ على خير العمل ) كما رواه المتقي الهندي في كنزه (8|345 برقم 23188).
  ومع هذا التعارض الواضح ، لا يمكن الركون إليها وبما أنّ أمرها دائر بين

---------------------------
(1) الاِمام مالك : الموطأ : 78 برقم 8.

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 56 _

  السنّة والبدعة ، فتركها متعيّن لعدم العقاب على تركها ، بخلاف ما لو كانت بدعة.
  تصريح أعلام الاَُمّة على كونها بدعة :
  وهناك من يراها بدعة وأنّه لم يأمر بها النبي الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنّما حدثت بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) وإليك نصوصهم :
  1 ـ قال ابن جريج : أخبرني عمرو بن حفص أنّ سعداً (الموَذّن) أوّل من قال : الصلاة خير من النوم ، في خلافة عمر فقال عمر : بدعة ، ثمّ تركه وانّ بلالاً لم يوَذّن لعمر.
  2 ـ وعنه أيضاً : أخبرني حسن بن مسلم أنّ رجلاً سأل طاووساً : متى قيل الصلاة خير من النوم ؟ فقال : أما أنّها لم تقل على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن بلالاً ، سمعها في زمان أبي بكر بعد وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يقولها رجل غير موَذن ، فأخذها منه ، فأذّن بها فلم يمكث أبو بكر إلاّ قليلاً حتى إذا كان عمر قال : لو نهينا بلالاً عن هذا الذي أحدث وكأنّه نسيه وأذّن بها الناس حتى اليوم (1)
  3 ـ روى عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ليث عن مجاهد قال : كنت مع ابن عمر فسمع رجلاً يثوب في المسجد فقال : اخرج بنا من (عند) هذا المبتدع (2)

---------------------------
(1) المتقي الهندي : كنز العمال : 8|357 برقم 23252 و 23251 ، ورواه عبد الرزاق في المصنف : 1|474 برقم 1827 و 1828 و 1829.
(2)عبد الرزاق الصنعاني : المصنف : 1|475 برقم 1832 ، ورواه أيضاً المتقي الهندي : 8|357 برقم 23250 .

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 57 _

  نعم يظهر ممّا رواه أبو داود في سننه أنّ الرجل ثوب في الظهر والعصر لا في صلاة الفجر (1)
  4 ـ ما روي عن أبي حنيفة كما في جامع المسانيد عنه عن حماد عن إبراهيم قال : سألته عن التثويب ؟ فقال : هو ممّا أحدثه الناس وهو حسن ، ممّا أحدثوه ، وذكر أنّ تثويبهم كان حين يفرغ الموَذّن من أذانه : إنَّ الصلاة خير من النوم ـ مرتين ـ قال : أخرجه الاِمام محمد بن الحسن (الشيباني) في الآثار فرواه عن أبي حنيفة ثمّ قال محمد : وهو قول أبي حنيفة ـ رضي اللّه عنه ـ وبه نأخذ (2)
  وهذه الرواية تدلّ على أنّ التثويب في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو في عصر الخلفاء كان بعد الفراغ عن الاَذان ولم يكن جزءاً منه وانّما كان يذكره الموَذّن من عند نفسه ايقاظاً للناس من النوم ، ثمّ إنّه أُدرج في نفس الاَذان.
  5 ـ قال الشوكاني نقلاً عن البحر الزخار : أحدثه عمر فقال ابنه : هذه بدعة.
  وعن علي (عليه السلام) حين سمعه : لا تزيدوا في الاَذان ما ليس منه ، ثم قال بعد أن ذكر حديث أبي محذورة وبلال : قلنا لو كان لما أنكره علي وابن عمر وطاووس سلمنا فأُمرنا به اشعاراً في حال ، لا شرعاً جمعاً بين الآثار (3)
  6 ـ وقال الاَمير اليمني الصنعاني المتوفى عام 182 : قلت : وعلى هذا ليس (الصلاة خير من النوم) من ألفاظ الاَذان المشروع للدعاء إلى الصلاة والاخبار بدخول وقتها ، بل هو من الاَلفاظ التي استعملت لايقاظ النائم فهو كألفاظ التسبيح

---------------------------
(1) أبو داود : السنن : 1|148 برقم 538.
(2) الخوارزمي : جامع المسانيد : 1|296.
(3) الشوكاني : نيل الاَوطار : 2|43 ولعلّ الصحيح ( شعاراً ) لا ( اشعاراً ).

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 58 _

  الاَخير الذي اعتاده الناس في هذه الاَعصار المتأخرة عو ضاً عن الاَذان الاَوّل ، ثم قال : وإذا عرفت هذا ، هان عليك ما اعتاده الفقهاء من الجدال في التثويب هل هو من ألفاظ الاَذان أو لا ، وهل هو بدعة أو لا ؟ (1)
  7ـ نقل ابن قدامة عن إسحاق أنّه بعد ما نقل رواية أبي محذورة قال : هذا شيء أحدثه الناس ، وقال أبو عيسى : هذا التثويب الذي كرهه أهل العلم وهو الذي خرج منه ابن عمر من المسجد لما سمعه (2)
  8 ـ ما استفاض من أئمّة أهل البيت من كونها بدعة : روى الشيخ الطوسي بسند صحيح عن معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبد اللّه عن التثويب الذي يكون بين الاَذان والاِقامة ؟ قال : لا نعرفه (3)
  والذي أحتمله جداً من خلال دراسة ما ورد حول الاَذان : أنّ عائلتين استغلّتا ما روي عن جدّهم عبد اللّه بن زيد وأبي محذورة فعمدتا إلى نشر ما نُسِبَ إلى جدهما لما فيه من فضيلة للعائلة ، ولولا ذلك لم يكن لهذين الاَمرين (تشريع الاَذان بالروَيا والتثويب في أذان صلاة الفجر) انتشار بهذا النحو الواسع ، ولاَجل ذلك ربّما يرتاب الانسان فيما نقل عن جدهما ، وقد عرفت وجود رواتٍ في أسانيد الروايات يُنسَبون إلى هاتين العائلتين.

---------------------------
(1) الصنعاني : سبل السلام في شرح بلوغ المرام : 1|222.
(2) ابن قدامة : المغني : 1|419 ـ 420.
(3) الوسائل : 4| الباب 92 من أبواب الاَذان والاِقامة ، الحديث 1 ، ولاحظ أحاديث الباب .

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 59 _

  قد تقدم منّا أنّ التصرّف في الاَذان بادخال التثويب ليس فريداً في بابه ، بل له نظير آخر ، وهو : حذف ( حيّ على خير العمل ) من فصول الاَذان والاِقامة ، وذلك لغاية أن لا يكون الاعلان به في الاَذان سبباً في تثبيط العامة عن الجهاد ، لاَنّ الناس إذا عرفوا أنّ الصلاة خير العمل ، لاقتصروا عليها وأعرضوا عن الجهاد.
  وهذا بعين اللّه اطاحة بالتشريع وتصرّفٌ فيه ، بتفلسفٍ تافه ، فانّ المشرّع كان واقفاً على هذا المحذور ، ومع ذلك أدخله في الاَذان.
  قال القوشجي ـ وهو من متكلّمي الاَشاعرة ـ ناقلاً عن الخليفة الثاني أنّه قال على المنبر :
  ثلاث كنّ على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أنهى عنهنّ وأُحرّمهنّ وأُعاقب عليهنّ : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وحيّ على خير العمل (1) وقد أطبقت الشيعة على كونه جزءاً من الاَذان ، وعلى ذلك جروا ، من العهد النبوي إلى يومنا هذا ، وصار ذلك شعاراً لهم ، وإنّ كثيراً من الموَرّخين يكنّون عن الشيعة بمن يحيعلون أي الذين يقولون : ( حيّ على خير العمل ).
  قال أبو الفرج في ( مقاتل الطالبيين ) في مقتل الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن أمير الموَمنين (عليه السلام) : أنّه استولى على المدينة ، وصعد عبد

---------------------------
(1) علاء الدين القوشجي (المتوفى عام 879 هـ بالقسطنطينية) : شرح التجريد : اقرأ ترجمته في كتابنا ( بحوث في الملل والنحل ) ج 2 ـ ط ، بيروت .

الاعتصام بالكتاب والسنة _ 60 _

  اللّه بن الحسن الاَفطس المنارة التي عند رأس النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عند موضع الجنائز ، فقال للموَذّن : أذّن بـ ( حي على خير العمل ) ... (1)
  وقال الحلبي : إنّ ابن عمر والاِمام زين العابدين عليّ بن الحسين (عليهما السلام) كانا يقولان في الاَذان بعد ( حيّ على الفلاح ) : ( حيّ على خير العمل ) (2)

---------------------------
(1) أبو الفرج الاصفهاني (284 هـ ـ 356 هـ) : مقاتل الطالبيين : 297.
(2) برهان الدين الحلبي : السيرة : 2| 295.