493 / 97 ـ حدثني أبو المفضل (1) محمد بن عبد الله ، قال : أخبرنا أبو بكر محمد ابن جعفر بن محمد المقرئ ، قال : حدثنا أبو العباس محمد بن سابور (2) ، قال : حدثني الحسن بن محمد بن حيوان السراج القاسم ، قال : حدثني أحمد بن الدينوري السراج ، المكنى بأبي العباس ، الملقب بآستاره ، قال : انصرفت من أردبيل (3) إلى الدينور (4) أريد
---------------------------
(1) في ( م ) : الفضل.
(2) في ( ط ) : شابور.
(3) في ( ط ) : إربيل : وهي مدينة في شمال العراق وهي ( إربل ) القديمة ، ورد ذكرها في الكتابات السومرية ، والعامة تنطقها بفتح أولها (أربيل) ، المنجد في الأعلام : 31.
وأردبيل : من أشهر مدن أذربيجان في إيران ، معجم البلدان 1 : 145.
(4) الدينور : مدينة من أمهات مدن الجبال في كردستان إيران ، المنجد في الأعلام : 296.
دلائل الإمامة _ 520 _
الحج ، وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) بسنة ، أو سنتين ، وكان الناس في حيرة ، فاستبشروا أهل الدينور بموافاتي ، واجتمع الشيعة عندي ، فقالوا : قد اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي ، ونحتاج أن تحملها معك ، وتسلمها بحيث يجب تسليمها.
قال : فقلت : يا قوم ، هذه حيرة ، ولا نعرف الباب في هذا الوقت.
قال : فقالوا : إنما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك ، فاحمله (1) على ألا تخرجه من يديك إلا بحجة.
قال : فحمل إلي ذلك المال في صرر باسم رجل رجل ، فحملت ذلك المال وخرجت ، فلما وافيت قرميسين (2) ، وكان أحمد بن الحسن مقيما بها ، فصرت إليه مسلما ، فلما لقيني استبشر بي ، ثم أعطاني ألف دينار في كيس ، وتخوت ثياب من ألوان معتمة (3) ، لم أعرف ما فيها ، ثم قال لي أحمد : احمل هذا معك ، ولا تخرجه عن يدك إلا بحجة.
قال : فقبضت منه المال ، والتخوت بما فيها من الثياب.
فلما وردت بغداد لم يكن لي همة غير البحث عمن أشير إليه بالنيابة (4) ، فقيل لي : إن ها هنا رجلا يعرف بالباقطاني يدعي بالنيابة ، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدعي بالنيابة ، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدعي بالنيابة.
قال : فبدأت بالباقطاني ، فصرت إليه ، فوجدته شيخا بهيا ، له مروءة ظاهرة ، وفرس (5) عربي ، وغلمان كثير ، ويجتمع عنده الناس يتناظرون ، قال : فدخلت إليه ، وسلمت عليه ، فرحب ، وقرب ، وبر ، وسر ، قال : فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس ، قال : فسألني عن حاجتي ، فعرفته أني رجل من أهل الدينور ، ومعي شئ من المال ، أحتاج أن أسلمه.
---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : فاعمل.
(2) قرميسين : بلد معروف قرب الدينور ، بين همذان وحلوان ، على جادة العراق ، مراصد الاطلاع 3 : 1081.
(3) في ( ع ، م ) : معكمة.
(4) في ( ط ) : بالبابية ، وكذا في المواضع الآتية.
(5) في ( ط ) : فرش ، وكذا في المواضع الآتية.
دلائل الإمامة _ 521 _
قال : فقال لي : أحمله.
قال : فقلت : أريد حجة.
قال : تعود إلي في غد ، قال : فعدت إليه من الغد ، فلم يأت بحجة ، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأت بحجة.
قال : فصرت إلى إسحاق الأحمر ، فوجدته شابا نظيفا ، منزله أكبر من منزل الباقطاني ، وفرسه ولباسه ومروءته أسرى (1) ، وغلمانه أكثر من غلمانه ، ويجتمع عنده من الناس أكثر مما يجتمعون عند الباقطاني.
قال : فدخلت وسلمت ، فرحب وقرب ، قال : فصبرت إلى أن خف الناس ، قال : فسألني عن حاجتي ، فقلت له كما قلت للباقطاني ، وعدت إليه بعد ثلاثة أيام ، فلم يأت بحجة.
قال : فصرت إلى أبي جعفر العمري ، فوجدته شيخا متواضعا ، عليه مبطنة (2) بيضاء ، قاعد على لبد (3) ، في بيت صغير ، ليس له غلمان ، ولا له من المروة والفرس ما وجدت لغيره ، قال : فسلمت ، فرد جوابي ، وأدناني ، وبسط مني (4) ، ثم سألني عن حالي ، فعرفته أني وافيت من الجبل ، وحملت مالا ، قال : فقال : إن أحببت أن تصل هذا الشئ إلى من يجب أن يصل إليه يجب أن تخرج إلى سر من رأى ، وتسأل دار ابن الرضا ، وعن فلان بن فلان الوكيل ـ وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها ـ فإنك تجد هناك ما تريد.
قال : فخرجت من عنده ، ومضيت نحو سر من رأى ، وصرت إلى دار ابن الرضا ، وسألت عن الوكيل ، فذكر البواب أنه مشتغل في الدار ، وأنه يخرج آنفا ، فقعدت على الباب أنتظر خروجه ، فخرج بعد ساعة ، فقمت وسلمت عليه ، وأخذ بيدي إلى بيت كان له ، وسألني عن حالي ، وعما وردت له ، فعرفته أني حملت شيئا من
---------------------------
(1) سرا سروا : شرف ، وسخا في مروءة ، وأسرى : أي أكثر وأرفع شرفا وسخاء ومروءة.
(2) المبطنة : ما ينتطق به ، وهي إزار له حجزة.
(3) اللبد : ضرب من البسط.
(4) بسط فلان من فلان : أزال من الاحتشام وعوامل الخجل.
دلائل الإمامة _ 522 _
المال من ناحية الجبل ، وأحتاج أن أسلمه بحجة. قال : فقال : نعم ، ثم قدم إلي طعاما ، وقال لي : تغدى بهذا واسترح ، فإنك تعب ، وإن بيننا وبين صلاة الأولى ساعة ، فإني أحمل إليك ما تريد ، قال : فأكلت ونمت ، فلما كان وقت الصلاة نهضت وصليت ، وذهبت إلى المشرعة ، فاغتسلت وانصرفت إلى بيت الرجل ، ومكثت إلى أن مضى من الليل ربعة ، فجاءني (1) ومعه درج (2) ، فيه : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، وافى أحمد بن محمد الدينوري ، وحمل ستة عشر ألف دينار ، وفي كذا وكذا صرة ، فيها صرة فلان بن فلان كذا وكذا دينارا ، وصرة فلان بن فلان كذا وكذا دينارا ـ إلى أن عد الصرر كلها ـ وصرة فلان بن فلان الذراع ستة عشر دينارا.
قال : فوسوس لي الشيطان أن سيدي أعلم بهذا مني ، فما زلت أقرأ ذكر صرة صرة وذكر صاحبها ، حتى أتيت عليها عند آخرها ، ثم ذكر : ( قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن المادرائي أخي الصواف (3) كيسا فيه ألف دينار وكذا وكذا تختا ثيابا ، منها ثوب فلأني ، وثوب لونه كذا ) حتى نسب الثياب إلى آخرها بأنسابها وألوانها.
قال : فحمدت الله وشكرته على ما من به علي من إزالة الشك عن قلبي ، وأمر بتسليم جميع ما حملته إلى حيث ما يأمرني أبو جعفر العمري.
قال : فانصرفت إلى بغداد وصرت إلى أبي جعفر العمري ، قال : وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيام ، قال : فلما بصر بي أبو جعفر العمري قال لي : لم لم تخرج ؟
فقلت : يا سيدي ، من سر من رأى انصرفت.
قال : فأنا أحدث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة على أبي جعفر العمري من مولانا (صلوات الله عليه) ، ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي ، فيه ذكر المال والثياب ،
---------------------------
(1) في ( ع ، م ) زيادة : بعد أن مضى من الليل ربعه.
(2) الدرج : الورق الذي يكتب فيه.
(3) في ( ط ) : البادراني أخي الصراف.
دلائل الإمامة _ 523 _
وأمر أن يسلم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي ، فلبس أبو جعفر العمري ثيابه ، وقال لي : احمل ما معك إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي.
قال : فحملت المال والثياب إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان ، وسلمتها ، وخرجت إلى الحج.
فلما انصرفت إلى الدينور اجتمع عندي الناس ، فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا (صلوات الله عليه) إلي ، وقرأته على القوم ، فلما سمع ذكر الصرة باسم الذراع سقط مغشيا عليه ، فما زلنا نعلله حتى أفاق ، فلما أفاق سجد شكرا لله (عز وجل) ، وقال : الحمد لله الذي من علينا بالهداية ، الآن علمت أن الأرض لا تخلو من حجة ، هذه الصرة دفعها ـ والله ـ إلي هذا الذراع ، ولم يقف على ذلك إلا الله (عز وجل).
قال : فخرجت ولقيت بعد ذلك بدهر أبا الحسن المادرائي ، وعرفته الخبر ، وقرأت عليه الدرج ، قال : يا سبحان الله! ما شككت في شئ ، فلا تشكن في أن الله (عز وجل) لا يخلي أرضه من حجة.
إعلم أنه لما غزا أذكوتكين يزيد بن عبد (1) الله بسهرورد (2) ، وظفر ببلاده ، واحتوى على خزانته صار إلي رجل ، وذكر أن يزيد بن عبد الله جعل الفرس الفلاني والسيف الفلاني في باب مولانا (عليه السلام).
قال : فجعلت أنقل خزائن يزيد بن عبد الله إلى أذكوتكين أولا فأولا ، وكنت أدافع بالفرس والسيف ، إلى أن لم يبق شئ غيرهما ، وكنت أرجو أن أخلص ذلك لمولانا (عليه السلام) ، فلما اشتد مطالبة اذكوتكين إياي ولم يمكنني مدافعته ، جعلت في السيف والفرس في نفسي ألف دينار ووزنتها ودفعتها إلى الخازن ، وقلت له : ادفع (3) هذه الدنانير في أوثق مكان ، ولا تخرجن إلي في حال من الأحوال ولو اشتدت الحاجة
---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : عبيد ، وكذا في المواضع الآتية.
(2) سهرورد : بلدة قريبة من زنجان بالجبال ، معجم البلدان 3 : 289.
(3) في ( م ) : أرفع.
دلائل الإمامة _ 524 _
إليها ، وسلمت الفرس والنصل.
قال : فأنا قاعد في مجلسي بالري أبرم الأمور ، وأوفي القصص ، وآمر وأنهى ، إذ دخل أبو الحسن الأسدي ، وكان يتعاهدني الوقت بعد الوقت ، وكنت أقضي حوائجه ، فلما طال جلوسه وعلي بؤس كثير قلت له : ما حاجتك ؟ قال : أحتاج منك إلى خلوة.
فأمرت الخازن أن يهيئ لنا مكانا من الخزانة ، فدخلنا الخزانة ، فأخرج إلي رقعة صغيرة من مولانا (عليه السلام) ، فيها : ( يا أحمد بن الحسن ، الألف دينار التي لنا عندك ، ثمن النصل والفرس ، سلمها إلى أبي الحسن الأسدي ).
قال : فخررت لله (عز وجل) ساجدا شاكرا لما من به علي ، وعرفت أنه خليفة الله حقا ، لأنه لم يقف على هذا أحد غيري ، فأضفت إلى ذلك المال ثلاثة آلاف دينار أخرى سرورا بما من الله علي بهذا الأمر (1).
494 / 98 ـ وحدثني أبو المفضل (2) قال : حدثني محمد بن يعقوب ، قال : كتب علي بن محمد السمري (3) يسأل الصاحب (عليه السلام) كفنا يتبين ما يكون من عنده ، فورد : ( إنك تحتاج إليه سنة إحدى وثمانين ) فمات في الوقت الذي حده ، وبعث إليه بالكفن قبل أن يموت بشهر (4).
495 / 99 ـ وقال علي بن محمد السمري (5) : كتبت إليه أسأله عما عندك من العلوم ، فوقع (عليه السلام) : ( علمنا على ثلاثة أوجه : ماض ، وغابر ، وحادث ، أما الماضي فتفسير ، وأما الغابر فموقوف ، وأما الحادث فقذف في القلوب ، ونقر في الاسماع ، وهو أفضل علمنا ، ولا نبي بعد نبينا (صلى الله عليه وآله) ) (6).
496 / 100 ـ أخبرني أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : أخبرني محمد بن
---------------------------
(1) فرج المهموم : 239 ، مدينة المعاجز : 603 / 54 ، إلزام الناصب 1 : 405.
(2) في ( م ) : الفضل.
(3) في ( ع ) : الصيمري.
(4) فرج المهموم : 247 ، مدينة المعاجز : 604 / 55.
(5) في ( ع ) : الصيمري.
(6) مدينة المعاجز : 605.
دلائل الإمامة _ 525 _
يعقوب ، قال : قال القاسم بن العلاء : كتبت إلى صاحب الزمان (عليه السلام) ثلاثة كتب في حوائج لي ، وأعلمته أنني رجل قد كبر سني ، وأنه لا ولد لي ، فأجابني عن الحوائج ، ولم يجبني عن الولد بشئ.
فكتبت إليه في الرابعة كتابا وسألته أن يدعو الله لي أن يرزقني ولدا ، فأجابني وكتب بحوائجي ، فكتب : ( اللهم ارزقه ولدا ذكرا ، تقر به عينيه ، واجعل هذا الحمل الذي له وارثا ) فورد الكتاب وأنا لا أعلم أن لي حملا ، فدخلت إلى جاريتي فسألتها عن ذلك ، فأخبرتني أن علتها قد ارتفعت ، فولدت غلاما (1).
497 / 101 ـ وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدثني علي بن محمد المعروف بعلان الكليني ، قال : حدثني محمد بن شاذان بن نعيم بنيشابور ، قال : اجتمع عندي للغريم (2) ـ أطال الله بقاءه وعجل نصره ـ خمسمائة درهم ، فنقصت عشرون درهما ، وأنفت أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار ، قال : فأتممتها من عندي ، وبعثت بها إلى محمد بن جعفر ، ولم أكتب بما لي منها ، فأنفذ إلي محمد بن جعفر القبض (3) ، وفيه :
( وصلت خمسمائة درهم ، ولك فيها عشرون درهما ) (4).
498 / 102 ـ وعنه ، قال : أخبرني محمد بن يعقوب ، قال : حدثني إسحاق بن يعقوب ، قال : سمعت الشيخ العمري محمد بن عثمان يقول : صحبت رجلا من أهل السواد ، ومعه مال للغريم (عليه السلام) فأنفذه ، فرد عليه ، وقيل له : أخرج حق ولد عمك منه ، وهو أربعمائة درهم ، قال : فبقي الرجل باهتا متعجبا ، فنظر في حساب المال ، وكانت في يده ضيعة لولد عمه ، قد كان رد عليهم بعضها ، فإذا الذي فضل لهم من ذلك أربعمائة درهم ، كما قال (عليه السلام) ، فأخرجها وأنفذ الباقي ، فقبل (5).
---------------------------
(1) مدينة المعاجز : 605 / 56.
(2) المراد بالغريم هنا الصاحب (عليه السلام) لكونه طالبا للحق.
(3) في ( ط ) : الفضل.
(4) كمال الدين وتمام النعمة : 485 / 5 ، مدينة المعاجز : 605 / 57.
(5) في ( ع ، م ) : فقسم.
دلائل الإمامة _ 526 _
وعنه ، قال : حدثنا علي بن محمد ، قال : حدثني إسحاق بن جبرئيل الأهوازي ، قال : وكتب من نفس التوقيع (1).
499 / 103 ـ وحدثني علي بن السويقاني وإبراهيم بن محمد بن الفرج الرخجي ، عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار : أنه ورد العراق شاكا مرتابا (2) ، فخرج إليه : ( قل للمهزياري : قد فهمنا ما حكيته عن موالينا بناحيتكم ، فقل لهم : أما سمعتم الله (عز وجل) يقول : * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * (3) ؟! هل أمروا إلا بما هو كائن إلى يوم القيامة ؟! أو لم تروا الله (جل ذكره) جعل لكم معاقل تأوون إليها ، وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن ظهر الماضي (صلوات الله عليه) ، كلما غاب علم بدا علم ، وإذا أفل نجم بدا نجم ، فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله (عز وجل) قد قطع السبب بينه وبين خلقه ، كلا ما كان ذلك ، ولا يكون إلى أن تقوم الساعة ، ويظهر أمر الله وهم كارهون.
يا محمد بن إبراهيم ، لا يدخلك الشك فيما قدمت له ، فإن الله (عز وجل) لا يخلي أرضه من حجة ، أليس قال لك الشيخ قبل وفاته : أحضر الساعة من يعير هذه الدنانير التي عندي ، فلما أبطئ عليه ذلك ، وخاف الشيخ على نفسه الوحا (4) ، قال لك : عيرها على نفسك ، فأخرج إليك كيسا كبيرا ، وعندك بالحضرة ثلاثة أكياس وصرة فيها دنانير مختلفة النقد ، فعيرتها ، وختم الشيخ عليها بخاتمه ، وقال لك : اختم مع خاتمي ، فإن أعيش فأنا أحق بها ، وإن أمت فاتق الله في نفسك أولا وفي ، وكن عند ظني بك ، أخرج يرحمك الله الدنانير التي (5) نقصتها من بين النقدين من حسابه ، وهي بضعة عشر دينارا ) (6).
---------------------------
(1) الإمامة والتبصرة : 140 / 162 ، كمال الدين وتمام النعمة : 486 / 6 ، الثاقب في المناقب : 597 / 540 ، مدينة المعاجز : 605 / 58.
(2) في ( ط ) : مرتادا.
(3) النساء 4 : 59.
(4) أي السرعة ، والمراد أنه خاف على نفسه سرعة الموت.
(5) في ( ع ) زيادة : أنت.
(6) كمال الدين وتمام النعمة : 486 / 8 ، الخرائج والجرائح 3 : 1116.
دلائل الإمامة _ 527 _
500 / 104 ـ وعنه ، قال : حدثنا علي بن محمد ، قال : حدثني نصر بن الصباح ، قال : أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلى الصاحب (عليه السلام) ، وكتب معها رقعة غير فيها اسمه ، فأوصلها إلى الصاحب (عليه السلام) ، فخرج الوصول باسمه ونسبه والدعاء له (1).
501 / 105 ـ وعنه ، قال : وحدثني أبو حامد المراغي ، عن محمد بن شاذان بن نعيم ، قال : بعث رجل من أهل بلخ مالا ورقعة ليس فيها كتابة ، قد خط بإصبعه كما يدور من غير كتابة ، وقال للرسول : احمل هذا المال ، فمن أعلمك بقصته وأجابك عن الرقعة ، فاحمل إليه هذا المال.
فصار الرجل إلى العسكر ، وقصد جعفرا ، وأخبره الخبر ، فقال له جعفر : تقر بالبداء ؟ فقال الرجل : نعم.
فقال له : إن صاحبك قد بدا له ، وقد أمرك أن تعطيني المال.
فقال له الرسول : لا يقنعني هذا الجواب ، فخرج من عنده ، وجعل يدور على أصحابنا ، فخرجت إليه رقعة : ( هذا مال قد كان عثر به ، وكان فوق صندوق ، (فدخل اللصوص البيت وأخذوا ما في الصندوق) (2) ، وسلم المال ) وردت عليه الرقعة وقد كتب فيه : ( كما يدور ، سألت الدعاء فعل الله بك ، وفعل ) (3).
502 / 106 ـ وقال : حدثني أبو جعفر : قال : ولد لي مولود ، فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع ، فورد : ( لا ) فمات المولود يوم السابع.
ثم كتبت أخبره بموته ، فورد : ( سيخلف الله عليك غيره ، وغيره ، فسمه أحمد ، ومن بعد أحمد جعفر ) ، فجاء ما قال (عليه السلام) (4).
503 / 107 ـ وعنه ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني (قدس سره) ، قال : حدثني
---------------------------
(1) مدينة المعاجز : 605 / 60.
(2) أخذناه من كمال الدين وتمام النعمة ، والخرائج والجرائح.
(3) كمال الدين النعمة : 488 / 11 ، الخرائج والجرائح 3 : 1129 / 47 ، الثاقب في المناقب : 599 / 544.
(4) مدينة المعاجز : 605 / 62.
دلائل الإمامة _ 528 _
أبو حامد المراغي ، عن محمد بن شاذان بن نعيم ، قال : قال رجل من أهل بلخ : تزوجت امرأة سرا ، فلما وطأتها علقت ، وجاءت بابنة ، فاغتممت وضاق صدري ، فكتبت أشكو ذلك فورد : ( ستكفاها ) فعاشت أربع سنين ثم ماتت ، فورد : ( الله ذو أناة ، وأنتم مستعجلون (1) ) والحمد لله رب العالمين.
---------------------------
(1) مدينة المعاجز : 606 / 63.
504 / 108 ـ أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبي علي محمد بن همام ، عن عبد الله بن جعفر ، عن الحسن بن علي الزبيري ، عن عبد الله بن محمد بن خالد (1) الكوفي ، عن منذر بن محمد بن قابوس ، عن نصر بن السندي (2) ، عن أبي داود ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن مالك الجهني ، عن الحارث بن المغيرة ، عن الأصبغ بن نباتة ،
قال : أتيت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فوجدته مفكرا ، ينكت في الأرض (3) ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما لي أراك مفكرا ، تنكت في الأرض ؟ أرغبة منك فيها ؟
---------------------------
(1) في النسخ : خلف ، والصحيح ما أثبتناه ، انظر رجال الكشي : 566 / 1070 ، التحرير الطاوسي : 284 / 426.
(2) في ( ط ) : نضر بن السندي ، والظاهر صحة (منصور بن السندي) على ما في الكافي وغيبة النعماني ، إذ يروي عنه منذر بن محمد بن قابوس ، ويروي عن منذر عبد الله بن محمد بن خالد الكوفي ، الكافي 1 : 273 / 7 ، وانظر معجم رجال الحديث 18 : 348.
(3) نكت الأرض بقضيب ونحوه : ضربها به فأثر فيها ، يفعلون ذلك حال التفكر.
دلائل الإمامة _ 530 _
فقال : لا والله ، ما رغبت في الدنيا قط ، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر ، هو المهدي ، يملأها عدلا كما ملئت جورا وظلما ، تكون له حيرة وغيبة ، يضل فيها قوم ، ويهتدي بها آخرون.
فقلت : يا أمير المؤمنين ، وكم تكون تلك الحيرة ، وتلك الغيبة ؟ قال (عليه السلام) : وأني لك ذلك ، وكيف لك العلم بهذا الأمر يا أصبغ ! أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة (1).
505 / 109 ـ وعنه ، عن أبيه ، عن أبي علي محمد بن همام ، قال : حدثنا محمد ابن عبد الله الحميري ، قال : حدثنا هارون بن مسلم البصري ، عن مسعدة بن صدقة الربعي ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم أجمعين) أنه قال في خطبة له بالكوفة : ( اللهم لا بد لأرضك من حجة لك على خلقك يهديهم إلى دينك ويعلمهم علمك ، لئلا تبطل حجتك ، ولا يضل أتباع أوليائك ، بعد إذ هديتهم به ، إما ظاهر ليس بالمطاع ، أو مكتتم ليس له دفاع ، يترقبه أولياؤك ، وينكره أعداؤك ، إن غاب شخصه عن الناس لم يغب علمه في أوليائك من علمائهم ) (2).
506 / 110 ـ حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدثنا جعفر بن عبد الله العلوي المحمدي ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن زرارة بن أعين ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : للقائم غيبتان ، إحداهما أطول من الأخرى (3).
507 / 111 ـ أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبي علي محمد بن همام ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن حسان ، عن داود الرقي ، قال :
سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر ، فقال : هو الطريد ، الشريد ،
---------------------------
(1) كمال الدين وتمام النعمة : 288 / 1 ، غيبة النعماني : 60 / 4 ، الاختصاص : 209 ، غيبة الطوسي : 164 / 127.
(2) كمال الدين وتمام النعمة : 302 / 11.
(3) الفصول العشرة في الغيبة : 18.
دلائل الإمامة _ 531 _
الفريد ، الوحيد ، المنفرد عن أهله ، المكنى بعمه ، الموتور بأبيه (1).
508 / 112 ـ وروي عن محمد بن عبد الحميد و عبد الصمد بن محمد جميعا ، عن حنان بن سدير ، عن علي بن الحزور ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : سمعت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول : صاحب هذا الأمر الشريد ، الطريد ، الوحيد (2).
509 / 113 ـ وروى الحسن بن محمد بن سماعة الصيرفي ، قال : حدثنا الحسين ابن مثنى الحناط (3) ، عن عبيد الله بن زرارة ، (4) ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : يفقد الناس إمامهم ، يشهد الموسم يراهم ولا يرونه (5).
510 / 114 ـ أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن خالد البرقي ، عن أبيه ، عن فضالة بن أيوب ، عن سدير ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إن في القائم سنة من يوسف.
قلت : كأنك تذكر خبره (6) وغيبته.
قال : وما تنكر من ذلك ، هذه الأمة أشباه الخنازير ، إن إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء ، تاجروا يوسف وبايعوه ، وخاطبوه وهم إخوته وهو أخوهم فلم يعرفوه ، حتى قال لهم : أنا يوسف ، فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يكون الله في الأوقات يريد أن يستر عنهم حجته.
لقد كان يوسف (عليه السلام) إليه ملك مصر ، وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوما ، فلو أراد أن يعلم مكانه لقدر على ذلك ، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر ، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته
---------------------------
(1) تقدمت تخريجاته في الحديث (88).
(2) كمال الدين وتمام النعمة : 303 / 13.
(3) في ( ط ) : العطار.
(4) عده البرقي في رجاله : 23 من أصحاب الصادق (عليه السلام) ، وتقدم في الحديث (81) بعنوان عبيد بن زرارة.
(5) تقدمت تخريجاته في الحديث (81).
(6) في ( ط ) حياته.
دلائل الإمامة _ 532 _
ما فعل بيوسف (عليه السلام) ، أن يكون يمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه ، حتى يأذن الله (عز وجل) له أن يعرفهم نفسه ، كما أذن ليوسف (عليه السلام) حين قال لهم : أنا يوسف ، فقالوا : أنت يوسف! (1)
511 / 115 ـ وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن زيد الكناسي ، قال : سمعت أبا جعفر (عليه
السلام) يقول : صاحب هذا الأمر فيه سنة من يوسف ، وسنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من محمد (صلى الله عليه وآله).
وأما شبهه من يوسف ، فإن إخوته يبايعونه ويخاطبونه وهم لا يعرفونه ، وأما شبهه من موسى ، فخائف ، وأما شبهه من عيسى ، فالسياحة ، وأما شبهه من محمد ، فالسيف (2).
512 / 116 ـ وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبي علي محمد بن همام ، عن عبد الله بن جعفر ، عن عبد الله بن عامر ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عمرو بن مساور ، عن مفضل الجعفي ، قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إياكم والتنويه ، ثم قال : أما والله ، ليغيبن سنينا من دهركم ، ولتمخضن (3) ، حتى يقال : مات ، وأي واد سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيده بروح منه ، ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة ، لا يدرى أي من أي.
قال : فبكيت ، ثم قلت : كيف نصنع ؟
قال : فقال : يا أبا عبد الله ، ثم نظر إلى الشمس داخلة في الصفة (4) فقال : يا أبا
---------------------------
(1) كمال الدين وتمام النعمة : 144 / 11.
(2) تقدمت تخريجاته في الحديث (64).
(3) أي إن الله (تعالى) يتدبر عواقبكم بابتلائكم بأنواع الفتن ، وفي غيبة النعماني ، وليخملن ، والظاهر صوابه.
(4) اسم يطلق على البيت الصيفي ، وما له ثلاث حوائط ، والموضع المظلل من المسجد.
دلائل الإمامة _ 533 _
عبد الله ، ترى هذه الشمس ؟ قلت : نعم.
قال : فقال : والله لأمرنا أبين من هذه الشمس (1).
513 / 117 ـ وروى محمد بن عيسى والحسن بن طريف جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن معروف بن خربوذ (2) ، عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أنه قال : نحن بني (3) هاشم كنجوم السماء ، كلما غاب نجم بدا نجم ، حتى إذا أشرتم إليه بأيديكم ، وأومأتم بحواجبكم ، ومددتم إليه رقابكم جاء ملك الموت ، فيغيب من بين أظهركم ، فلبثتم سنين من
دهركم لا تدرون أيا من أي ، واستوت بنو عبد المطلب ، وكانوا كأسنان المشط ، فإذا أطلع الله لكم نوركم فاحمدوا الله واشكروه (4).
514 / 188 ـ أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد العلوي ، عن عبد الله بن أحمد بن نهيك ـ أبو العباس النخعي ، الشيخ الصالح ـ عن محمد بن أبي عمير ، عن الحسين بن موسى ، عن يعقوب بن شعيب ، قال :
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إن الناس ما يمدون أعناقهم إلى أحد من ولد عبد المطلب إلا هلك ، حتى يستوي ولد عبد المطلب ، لا يدرون أيا من أي ، فيمكثون بذلك سنين من دهرهم ، ثم يبعث لهم صاحب هذا الأمر (5).
515 / 119 ـ وروى يعقوب بن يزيد ، عن سليمان بن الحسن ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أخبرني عنكم.
قال : نحن بمنزلة هذه النجوم ، إذا خفي (6) نجم بدا نجم منا ، بأمن وإيمان ،
---------------------------
(1) إثبات الوصية : 224 ، كمال الدين وتمام النعمة : 347 / 35 ، غيبة النعماني : 152 / 10 ، غيبة الطوسي : 337 / 285.
(2) كذا ، وفي سند الحديث سقط أو إرسال ، لأن ابن خربوذ لا يروي عن أمير المؤمنين ، بل يروي عن علي بن الحسين والباقر والصادق (عليهم السلام) وفي المصدر : معروف بن خربوذ ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سمعته يقول : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، الحديث.
(3) منصوب على الاختصاص.
(4) غيبة النعماني : 155 / 15 و 16 و 156 / 17 ( نحوه ).
(5) رسالة في الغيبة للمفيد : 400 ( نحوه ).
(6) في ( ط ) : أخفي.
دلائل الإمامة _ 534 _
وسلام وإسلام ، وفاتح ومفتاح ، حتى إذا كان الذي تمدون إليه أعناقكم ، وترمقونه بأبصاركم ، جاء ملك الموت فذهب به ، ويستوي بنو عبد المطلب ، لا يدرى أي من أي ، فعند ذلك يبدو لكم صاحبكم ، فإذا ظهر لكم صاحبكم فاحمدوا الله عليه ،
وهو الذي يخير الصعبة والذلة.
قلت : جعلت فداك فأيهما يختار ؟
قال : الصعبة على الذلة (1).
516 / 120 ـ وروى أبو محمد الحسن بن عيسى ، عن أبيه عيسى بن محمد ابن علي ، عن أبيه محمد بن علي بن جعفر (2) ، قال : قال : يا بني ، إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة (عليه السلام) ، فالله الله في أديانكم ، فإنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة يغيبها ، حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به.
يا بني ، إنما هي محنة من الله (عز وجل) يمتحن بها خلقه ، ولو علم آباؤكم أصح من هذا الدين لاتبعوه.
قال أبو الحسن : فقلت له : يا سيدي ، من الخامس من ولد السابع ؟
فقال : يا بني ، عقولكم تصغر عن هذا ، وأحلامكم تضيق عن حمله ، ولكن إياكم أن تفشوا بذكره (3).
517 / 121 ـ أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبي علي محمد بن همام ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الحميري ، قال : حدثنا إسحاق بن محمد ابن سميع المعروف بابن أبي بيان ، عن عبيد بن خارجة ، عن علي بن عثمان بن جرير ، قال : حدثني أبو هاشم ، عن فرات بن أحنف ، قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وذكر
---------------------------
(1) كمال الدين وتمام النعمة : 329 / 13.
(2) في المصادر بزيادة : عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام).
(3) إثبات الوصية : 224 ، كمال الدين وتمام النعمة : 359 / 1 ، كفاية الأثر : 264 ، غيبة الطوسي : 166 / 128 ، إعلام الورى : 433 ، إثبات الهداة 6 : 416 / 164.
دلائل الإمامة _ 535 _
القائم (عليه السلام) فقال : أما ليغيبن عنهم تمييزا لأهل الضلالة ، حتى يقول الجاهل : مالله في آل محمد من حاجة (1).
518 / 122 ـ وحدثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي ، قال : حدثنا أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد ، قال : حدثنا أبو علي محمد بن همام ، قال : حدثنا جعفر ابن محمد بن مالك ، قال : حدثني إسحاق بن محمد ، عن أيوب بن
نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : للقائم غيبة قبل قيامه.
قلت : ولم ذاك ؟
قال : يخاف على نفسه ، يعني الذبح (2).
519 / 123 ـ وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لصاحب هذا الأمر غيبتان ، إحداهما أطول من الأخرى :
الأولى أربعين يوما ، والأخرى ستة أشهر ، ونحو ذلك.
520 / 124 ـ وأخبرني أبو الحسن محمد بن هارون ، قال : حدثني أبي ، قال :
حدثنا أبو علي الحسن بن محمد النهاوندي ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد القاساني ، عن زيد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن إبراهيم بن الحارث ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول : لقائم آل محمد غيبتان ، إحداهما أطول من الأخرى قال (عليه السلام) : نعم (3).
521 / 125 ـ روى عبد الله بن علي (1) المطلبي ، قال : حدثني أبو الحسن محمد ابن علي السمري ، قال : حدثني أبو الحسن المحمودي ، قال : حدثني أبو علي محمد بن أحمد المحمودي ، قال : حججت نيفا وعشرين سنة ، كنت في جميعها أتعلق بأستار الكعبة ، وأقف على الحطيم ، والحجر الأسود ، ومقام إبراهيم ، وأديم الدعاء في هذه المواضع ، وأقف بالموقف ، وأجعل جل دعائي أن يريني مولاي صاحب الزمان (صلوات الله عليه).
فإنني في بعض السنين قد وقفت بمكة على أن ابتاع حاجة ، ومعي غلام في يده مشربة حليج (2) ملمعة ، فدفعت إلى الغلام الثمن ، وأخذت المشربة من يده ، وتشاغل
---------------------------
(1) في ( م ، ط ) زيادة : بن.
(2) المشربة : الإناء يشرب فيه والحليج : اللبن الذي ينقع فيه التمر ثم يماث ، وفي ( ط ) : الحلج.
دلائل الإمامة _ 538 _
الغلام بمماكسة البيع (1) ، وأنا واقف أترقب ، إذ جذب ردائي جاذب ، فحولت وجهي إليه فرأيت رجلا أذعرت حين نظرت
إليه ، هيبة له ، فقال لي : تبيع المشربة ؟ فلم أستطع رد الجواب ، وغاب عن عيني ، فلم يلحقه بصري ، فظننته مولاي.
فإنني يوم من الأيام أصلي بباب الصفا بمكة ، فسجدت وجعلت مرفقي في صدري ، فحركني محرك برجله ، فرفعت رأسي ، فقال لي : افتح منكبك عن صدرك.
ففتحت عيني ، فإذا الرجل الذي سألني عن المشربة ، ولحقني من هيبته ما حار بصري ، فغاب عن عيني.
وأقمت علي رجائي ويقيني ، ومضت مدة وأنا أحج ، وأديم الدعاء في الموقف.
فإنني في آخر سنة جالس في ظهر الكعبة ومعي يمان بن الفتح بن دينار ، ومحمد بن القاسم العلوي ، وعلان الكليني ، ونحن نتحدث إذا أنا برجل في الطواف ، فأشرت بالنظر إليه ، وقمت أسعى لاتبعه ، فطاف حتى إذا بلغ إلى الحجر رأى سائلا واقفا على الحجر ، ويستحلف (2) ويسأل الناس بالله (عز وجل) أن يتصدق عليه ، فإذا بالرجل قد طلع ، فلما نظر إلى السائل انكب إلى الأرض وأخذ منها شيئا ، ودفعه إلى السائل ، وجاز ، فعدلت إلى السائل فسألته عما وهب له ، فأبى أن يعلمني ، فوهبت له دينارا ، وقلت : أرني ما في يدك ، ففتح يده ، فقدرت أن فيها عشرين دينارا ، فوقع في قلبي اليقين أنه مولاي (عليه السلام) ، ورجعت إلى مجلسي الذي كنت فيه ، وعيني ممدودة إلى الطواف ، حتى إذا فرغ من طوافه عدل إلينا ، فلحقنا له رهبة شديدة ، وحارت أبصارنا جميعا ، قمنا إليه فجلس ، فقلنا له : ممن الرجل ؟
فقال : من العرب.
فقلت : من أي العرب ؟
فقال : من بني هاشم.
فقلنا : من أي بني هاشم ؟
---------------------------
(1) المماكسة في البيع : استنقاص الثمن حتى يصل البائع والمشتري إلى ما يتراضيان عليه.
(2) في ( ط ) : ويستخلف.
دلائل الإمامة _ 539 _
فقال : ليس يخفى عليكم إن شاء الله (تعالى) ، ثم التفت إلى محمد بن القاسم فقال : يا محمد ، أنت على خير إن شاء الله ، أتدرون ما كان يقول زين العابدين (عليه السلام) عند فراغه من صلاته في سجدة الشكر ؟ قلنا : لا.
قال : كان يقول ( يا كريم مسكينك بفنائك ، يا كريم فقيرك زائرك ، حقيرك ببابك يا كريم ) ثم انصرف عنا ، ووقفنا نموج ونتذكر ، ونتفكر ، ولم نتحقق.
ولما كان من الغد رأيناه في الطواف ، فامتدت عيوننا إليه ، فلما فرغ من طوافه خرج إلينا ، وجلس عندنا ، فأنس وتحدث ، ثم قال : أتدرون ما كان يقول زين العابدين (عليه السلام) في دعائه عقب الصلاة : قلنا : تعلمنا.
قال : كان (عليه السلام) يقول : ( اللهم إني أسألك باسمك الذي به تقوم السماء والأرض ، وباسمك الذي به تجمع المتفرق ، وتفرق المجتمع ، وباسمك الذي تفرق به بين الحق والباطل ، وباسمك الذي تعلم به كيل البحار ، وعدد الرمال ، ووزن الجبال ، أن تفعل بي كذا وكذا ).
وأقبل علي حتى إذا صرنا بعرفات ، وأدمت الدعاء ، فلما أفضنا منها إلى المزدلفة ، وبتنا فيها (1) ، رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لي : هل بلغت حاجتك ؟
فقلت : وما هي يا رسول الله ؟
فقال : الرجل صاحبك ، فتيقنت عندها (2).
522 / 126 ـ وروى أبو عبد الله محمد بن سهل الجلودي ، قال : حدثنا أبو الخير أحمد بن محمد بن جعفر الطائي الكوفي في مسجد أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : حدثنا محمد بن الحسن بن يحيى الحارثي ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي ، قال : خرجت في بعض السنين حاجا إذ دخلت المدينة وأقمت بها أياما ، أسأل واستبحث عن صاحب الزمان (عليه السلام) ، فما عرفت له خبرا ، ولا وقعت لي عليه عين ، فاغتممت غما شديدا وخشيت أن يفوتني ما أملته من طلب
---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : أفضنا وصرنا إلى مزدلفة وبتنا بها.
(2) مدينة المعاجز : 606 / 66 ، تبصرة الولي : 140 / 45.
دلائل الإمامة _ 540 _
صاحب الزمان (عليه السلام) ، فخرجت حتى أتيت مكة ، فقضيت حجتي واعتمرت بها أسبوعا ، كل ذلك أطلب ، فبينا (1) أنا أفكر إذ انكشف لي باب الكعبة ، فإذا أنا بانسان كأنه غصن بان ، متزر ببردة ، متشح بأخرى ، قد كشف عطف بردته على عاتقه ، فارتاح قلبي وبادرت لقصده ، فانثنى إلي ، وقال : من أين الرجل ؟
قلت : من العراق.
قال : من أي العراق ؟
قلت : من الأهواز.
فقال : أتعرف الخصيبي (2).
قلت : نعم.
قال : رحمه الله ، فما كان أطول ليله ، وأكثر نيله ، وأغزر دمعته!
قال : فابن المهزيار.
قلت : أنا هو.
قال : حياك الله بالسلام أبا الحسن ، ثم صافحني وعانقني ، وقال : يا أبا الحسن ، ما فعلت العلامة التي بينك وبين الماضي أبي محمد نضر الله وجهه ؟
قلت : معي ، وأدخلت يدي إلى جيبي (3) وأخرجت خاتما عليه ( محمد وعلي ) فلما قرأه استعبر حتى بل طمره (4) الذي كان على يده ، وقال : يرحمك الله أبا محمد ، فإنك زين الأمة ، شرفك الله بالإمامة ، وتوجك بتاج العلم والمعرفة ، فإنا إليكم صائرون ، ثم صافحني وعانقني ، ثم قال : ما الذي تريد يا أبا الحسن ؟
قلت : الإمام المحجوب عن العالم.
---------------------------
(1) في ( ط ) : فبينما.
(2) في ( ط ) الحضيني.
(3) في ( ط ) : جنبي
(4) الطمر : الكساء البالي.
دلائل الإمامة _ 541 _
قال : ما هو محجوب عنكم ولكن حجبه (1) سوء أعمالكم ، قم (2) إلى رحلك ، وكن على أهبة من لقائه ، إذا انحطت الجوزاء ، وأزهرت نجوم السماء ، فها أنا لك بين الركن والصفا.
فطابت نفسي وتيقنت أن الله فضلني ، فما زلت أرقب الوقت حتى حان ، وخرجت إلى مطيتي ، واستويت على رحلي ، واستويت على ظهرها ، فإذا أنا بصاحبي ينادي إلي : يا أبا الحسن ، فخرجت فلحقت به ، فحياني بالسلام ، وقال : سر بنا يا أخ.
فما زال يهبط واديا ويرقى ذروة جبل إلى أن علقنا على الطائف ، فقال : يا أبا الحسن انزل بنا نصلي باقي صلاة الليل. فنزلت فصلى بنا الفجر ركعتين ، قلت : فالركعتين الأوليين ؟ قال : هما من صلاة الليل ، وأوتر فيها ، والقنوت في كل صلاة جائز.
وقال : سر بنا يا أخ ، فلم يزل يهبط بي واديا ويرقى بي ذروة جبل حتى أشرفنا على واد عظيم مثل الكافور ، فأمد عيني فإذا ببيت من الشعر يتوقد نورا ، قال : المح هل ترى شيئا ؟
قلت : أرى بيتا من الشعر.
فقال : الأمل ، وانحط في الوادي واتبعت الأثر حتى إذا صرنا بوسط الوادي نزل عن راحلته وخلاها ، ونزلت عن مطيتي ، وقال لي : دعها.
قلت : فإن تاهت ؟
قال : هذا واد لا يدخله إلا مؤمن ولا يخرج منه إلا مؤمن ، ثم سبقني ودخل الخباء وخرج إلي مسرعا ، وقال : أبشر ، فقد أذن لك بالدخول ، فدخلت فإذا البيت يسطع من جانبه النور ، فسلمت عليه بالإمامة ، فقال لي : يا أبا الحسن ، قد كنا نتوقعك ليلا ونهارا ، فما الذي أبطأ بك علينا ؟
قلت : يا سيدي ، لم أجد من يدلني إلى الآن.
---------------------------
(1) في ( ط ) : جنه ، وكلاهما بمعنى.
(2) في ( م ، ط ) : زيادة : سر.
دلائل الإمامة _ 542 _
قال لي : لم (1) نجد أحدا يدلك ؟ ثم نكث بإصبعه في الأرض ، ثم قال : لا ولكنكم كثرتم الأموال ، وتجبرتم على ضعفاء المؤمنين ، وقطعتم الرحم الذي بينكم ، فأي عذر لكم الآن ؟
فقلت : التوبة التوبة ، الإقالة الإقالة.
ثم قال : يا ابن المهزيار ، لولا استغفار بعضكم لبعض لهلك من عليها إلا خواص الشيعة الذين تشبه أقوالهم أفعالهم.
ثم قال : يا ابن المهزيار ـ ومد يده ـ ألا أنبئك الخبر أنه إذا قعد الصبي ، وتحرك المغربي ، وسار العماني ، وبويع السفياني يأذن لولي الله ، فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا سواء ، فأجئ إلى الكوفة وأهدم مسجدها وأبنيه على بنائه الأول ، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة ، وأحج بالناس حجة الاسلام ، واجئ إلى يثرب فأهدم الحجرة ، وأخرج من بها وهما طريان ، فأمر بهما تجاه البقيع ، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما ، فتورق من تحتهما ، فيفتتن الناس بهما أشد من الفتنة الأولى ، فينادي مناد من السماء : ( يا سماء أبيدي ، ويا أرض خذي ) فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان.
قلت : يا سيدي ، ما يكون بعد ذلك.
قال : الكرة الكرة ، الرجعة الرجعة ، ثم تلا هذه الآية : * (ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا) * (2).
523 / 127 ـ أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، قال : حدثنا أبو علي محمد بن همام ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن جعفر بن عبد الله ، قال : حدثني إبراهيم بن محمد بن أحمد الأنصاري ، قال : كنت حاضرا عند المستجار بمكة وجماعة يطوفون ، وهم زهاء ثلاثين رجلا ، لم يكن فيهم
---------------------------
(1) في ( ط ) : ألم.
(2) مدينة المعاجز 606 / 67 ، المحجة للبحراني : 123 ، والآية من سورة الإسراء 17 : 6.
دلائل الإمامة _ 543 _
مخلص غير محمد بن القاسم العلوي ، فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجة إذ خرج علينا شاب من الطواف ، عليه إزار راجح محرم (1) فيه ، وفي يده نعلان ، فلما رأيناه قمنا هيبة له ، فلم يبق منا أحد إلا قال وسلم عليه ، وجلس منبسطا ونحن حوله ، ثم التفت يمينا وشمالا ، فقال : أتدرون ما كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول في دعاء الالحاح ؟
فقلنا : وما كان يقول ؟
قال : كان (عليه السلام) يقول ( اللهم أني أسألك باسمك الذي تقوم به السماء ، وبه تقوم الأرض ، وبه تفرق بين الحق والباطل ، وبه تجمع بين المتفرق ، وبه تفرق بين المجتمع ، وقد أحصيت به عدد الرمال وزنة الجبال وكيل البحار ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تجعل لي من أمري فرجا ) ثم نهض ودخل الطواف ، فقمنا لقيامه حتى انصرف ، وأنسينا (2) أن نذكر أمره ، وأن نقول من هو ، وأي شئ هو ؟ فلما كان من الغد في ذلك الوقت خرج علينا من الطواف ، فقمنا له كقيامنا بالأمس ، وجلس في مجلسه منبسطا ، ونظر يمينا وشمالا ، وقال : أتدرون ما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في الدعاء بعد الصلاة الفريضة ؟
قلنا : وما كان يقول ؟
قال : كان (عليه السلام) يقول : ( إليك رفعت الأصوات ، ولك عنت الوجوه ، ولك خضعت الرقاب ، وإليك التحاكم في الأعمال ، يا خير من سئل ، وخير من أعطى ، يا صادق ، يا بارئ ، يا من لا يخلف الميعاد ، يا من أمر بالدعاء ووعد الإجابة ، يا من قال : * (ادعوني أستجب لكم) * (3) ، يا من قال : * (إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) * (4) ، ويا
---------------------------
(1) في ( ع ) : وأصبح محرما.
(2) في ( ط ) : ونسينا.
(3) غافر 40 : 60.
(4) البقرة 2 : 186.
دلائل الإمامة _ 544 _
من قال : * (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) * (1) لبيك وسعديك ، ها أنا ذا بين يديك المسرف ، وأنت القائل : * (لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) * (2) ).
ثم نظر يمينا وشمالا بعد هذا الدعاء ، فقال : أتدرون ما كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول في سجدة الشكر ؟
قلنا : وما كان يقول ؟
قال : كان (عليه السلام) يقول : ( يا من لا يزيده إلحاح الملحين إلا كرما وجودا ، يا من لا يزيده كثرة الدعاء إلا سعة وعطاء ، يا من لا تنفد خزائنه ، يا من له خزائن السماوات والأرض ، يا من له ما دق وجل ، لا يمنعك إساءتي من إحسانك ، أن تفعل بي الذي أنت أهله ، فأنت أهل الجود والكرم والتجاوز ، يا رب يا الله لا تفعل بي الذي أنا أهله ، فإني أهل العقوبة ولا حجة لي ولا عذر لي عندك ، أبوء إليك بذنوبي كلها كي تعفو عني ، وأنت أعلم بها مني ، أبوء إليك بكل ذنب أذنبته ، وكك خطيئة احتملتها ، وكل سيئة عملتها ، رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت الأعز الأجل الأكرم ).
وقام فدخل الطواف ، فقمنا لقيامه ، وعاد من الغد في ذلك الوقت ، وقمنا لاستقباله كفعلنا فيما مضى ، فجلس متوسطا (3) ، ونظر يمينا وشمالا ، وقال : كان علي ابن الحسين (عليه السلام) يقول في سجوده في هذا الموضع ـ وأشار بيده إلى الحجر تحت الميزاب ـ : ( عبيدك بفنائك ، مسكينك بفنائك ، سائلك بفنائك ، يسألك ما لا يقدر عليه غيرك ).
ثم نظر يمينا وشمالا ، ونظر إلى محمد بن القاسم من بيننا ، فقال : يا محمد بن القاسم ، أنت على خير إن شاء الله (تعالى) ، وكان محمد بن القاسم يقول بهذا الأمر.
وقام فدخل الطواف ، فما بقي أحد إلا وقد الهم ما ذكر من الدعاء ، وأنسينا أن نذكره إلا في آخر يوم ، فقال : بعضنا : يا قوم ، أتعرفون هذا ؟
---------------------------
(1 و 2) الزمر 39 : 53.
(3) في ( ط ) : مستوطنا.
دلائل الإمامة _ 545 _
فقال محمد بن القاسم : هذا والله هو صاحب الزمان ، هو والله (1) صاحب زمانكم.
فقلنا : كيف يا أبا علي ؟ فذكر أنه مكث سبع سنين ، وكان يدعو ربه ، ويسأله معاينة صاحب الزمان (عليه السلام) ـ قال ـ فبينا نحن عشية عرفة فإذا أنا بالرجل بعينه يدعو بدعاء ، فجئته وسألته ممن هو ؟ فقال : من الناس.
فقلت : من أي الناس ، أمن عربها أو من مواليها ؟ قال : من عربها.
قلت من أي عربها ؟ قال : من أشرافها.
قلت : ومن هم ؟ قال : بنو هاشم.
قلت : من أي بني هاشم ؟ قال : من أعلاها ذروة وأسناها.
فقلت : ممن ؟ قال : من فلق الهام ، وأطعم الطعام ، وصلى بالليل والناس نيام.
فعلمت أنه علوي ، فأحببته على العلوية ، ثم فقدته من بين يدي ، ولم أدر كيف مضى ، فسألت القوم الذين كانوا حولي : أتعرفون هذا العلوي ؟ فقالوا : نعم ، يحج معنا كل سنة ماشيا ، فقلت : سبحان الله والله ما أرى به أثر مشي!
ثم انصرفت إلى المزدلفة كئيبا حزينا على فراقه ، نمت ليلتي فإذا أنا بسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال لي : يا محمد ، رأيت طلبتك ؟
قلت : ومن ذلك يا سيدي ؟
قال : الذي رأيته في عشيتك هو صاحب زمانك ، وذكر أنه كان نسي أمره إلى الوقت الذي حدثنا به (2).
524 / 128 ـ نقلت هذا الخبر من أصل بخط شيخنا أبي عبد الله الحسين الغضائري (رحمه الله) ، قال : حدثني أبو الحسن علي بن عبد الله القاساني ، قال : حدثنا الحسين بن محمد سنة ثمان وثمانين ومائتين بقاسان بعد منصرفه من أصبهان ، قال :
---------------------------
(1) (صاحب الزمان هو والله) ليس في ( ع ، م ).
(2) مدينة المعاجز : 607 / 68.
دلائل الإمامة _ 546 _
حدثني يعقوب بن يوسف بأصبهان ، قال : حججت سنة إحدى وثمانين ومائتين ، وكنت مع قوم مخالفين ، فلما دخلنا مكة تقدم بعضهم فاكترى لنا دارا في زقاق (1) من سوق الليل في دار خديجة تسمى دار الرضا (عليه السلام) ، وفيها عجوز سمراء ، فسألتها لما وقفت على أنها دار الرضا (عليه السلام) : ما تكونين من أصحاب هذ الدار ، ولم سميت دار الرضا ؟
فقال : أنا من مواليهم ، وهذه دار الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) ، وأسكننيها الحسن بن علي (عليهما السلام) فإني كنت خادمة له.
فلما سمعت بذلك أنست بها ، وأسررت الأمر عن رفقائي ، وكنت إذا انصرفت من الطواف بالليل أنام مع رفقائي في رواق (2) الدار ونغلق الباب ، ونرمي خلف الباب حجرا كبيرا ، فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنا فيه شبيها بضوء المشعل ، ورأيت الباب قد فتح ، ولم أر أحدا فتحه من أهل الدار ، ورأيت رجلا ربعة (3) ، أسمر ، يميل إلى الصفرة ، في وجهه سجادة (4) ، عليه قميصان وإزار رقيق قد تقنع به ، وفي رجله نعل طاق ـ وخبرني أنه رآه في غير صورة واحدة ـ فصعد إلى الغرفة التي في الدار حيث كانت العجوز تسكن ، وكانت تقول لنا : إن لها في الغرفة بنتا ، ولا تدع أحدا يصعد إلى الغرفة.
فكنت أرى الضوء الذي رأيته قبل في الزقاق على الدرجة عند صعود الرجل في الغرفة التي يصعدها من غير أن أرى السراج بعينه ، وكان الذين معي يرون مثل ما أرى ، فتوهموا أن يكون هذا الرجل يختلف إلى بنت هذه العجوز ، وأن يكون قد تمتع بها ، فقالوا : هؤلاء علوية ، يرون هذا (5) وهو حرام لا يحل ، وكنا نراه يدخل ويخرج ونجئ إلى الباب وإذا الحجر على حالته التي تركناه عليها ، وكنا نتعهد الباب خوفا
---------------------------
(1) الزقاق : الطريق الضيق.
(2) الرواق : بيت كالفسطاط ، وقيل : سقف في مقدم البيت.
(3) الربعة : الوسيط القامة.
(4) السجادة : أثر السجود في الجبهة.
(5) أي المتعة.
دلائل الإمامة _ 547 _
على متاعنا ، وكنا لا نرى أحدا يفتحه ولا يغلقه ، والرجل يدخل ويخرج والحجر خلف الباب إلى أن حان وقت خروجنا.
فلما رأيت هذه الأسباب ضرب على قلبي ، ووقعت الهيبة فيه ، فتلطفت للمرأة ، وقلت : أحب أن أقف على خبر الرجل. فقلت لها : يا فلانة ، إني أحب أن أسألك وأفاوضك من غير حضور هؤلاء الذين معي ، فلا أقدر عليه ، فأنا أحب إذا رأيتني وحدي في الدار أن تنزلي لأسألك عن شئ.
فقالت لي مسرعة : وأنا أردت أن أسر إليك شيئا ، فلم يتهيأ ذلك من أجل أصحابك.
فقلت : ما أردت أن تقولي ؟
فقالت : يقول لك ـ ولم تذكر أحدا ـ : لا تخاشن (1) أصحابك وشركاءك ولا تلاحهم (2) فإنهم أعداؤك ، ودارهم.
فقلت لها : من يقول ؟
فقالت : أنا أقول ، فلم أجسر لما كان دخل قلبي من الهيبة أن أراجعها ، فقلت : أي الأصحاب ؟ وظننتها تعني رفقائي الذين كانوا حجاجا معي.
فقالت : لا ، ولكن شركاؤك الذين في بلدك ، وفي الدار معك ، وكان قد جرى بيني وبين الذين عنتهم أشياء في الدين فشنعوا علي (3) حتى هربت واستترت بذلك السبب ، فوقفت على أنها إنما عنت أولئك.
فقلت لها : ما تكونين من الرضا (عليه السلام).
فقالت : كنت خادمة للحسن بن علي (عليهما السلام) ، فلما قالت ذلك قلت : لأسألنها عن الغائب (عليه السلام) ، فقلت : بالله عليك رأيته بعينك (4) ؟
---------------------------
(1) خاشنه : خلاف لاينه ، أي خشن عليه في القول أو العمل.
(2) أي تنازعهم وتخاصمهم.
(3) شنع فلانا : كثر عليه الشناعة ، وشنع عليه الأمر : قبحه.
(4) في ( ع ، م ) : بعينه.
دلائل الإمامة _ 548 _
فقالت : يا أخي (1) ، لم أره بعيني ، فإني خرجت وأختي حبلى وأنا خالية ، وبشرني الحسن (عليه السلام) بأني سوف أراه آخر عمري ، وقال : تكونين له كما أنت لي ، وأنا اليوم منذ كذا وكذا سنة بمصر ، وإنما قدمت الآن بكتابه ونفقة وجه بها إلي على يد رجل من أهل خراسان ، لا يفصح بالعربية ، وهي ثلاثون دينار ، وأمرني أن أحج سنتي هذه ، فخرجت رغبة في أن أراه.
فوقع في قلبي أن الرجل الذي كنت أراه يدخل ويخرج هو هو ، فأخذت عشرة دراهم رضوية ، وكنت حملتها على أن ألقيها في مقام إبراهيم (عليه السلام) فقد كنت نذرت ذلك ونويته ، فدفعتها إليها ، وقلت ، في نفسي : أدفعها إلى قوم من ولد فاطمة (عليهما السلام) أفضل مما ألقيها في المقام وأعظم ثوابا ، وقلت لها ادفعي هذه الدارهم إلى من يستحقها من ولد فاطمة (عليهما السلام) ، وكان في نيتي أن الرجل الذي رأيته هو ، وإنما تدفعها إليه ، فأخذت الدراهم وصعدت وبقيت ساعة ثم نزلت ، وقالت : يقول لك ليس لنا فيها حق ، فاجعلها في الموضع الذي نويت ، ولكن هذه الرضوية خذ منها بدلها وألقها في الموضع الذي نويت ، ففعلت ما أمرت به عن الرجل.
ثم كانت معي نسخة توقيع خرج إلى القاسم بن العلاء بآذربيجان ، فقلت لها :
تعرضين هذه النسخة على إنسان قد رأى توقيعات الغائب و (2) يعرفها.
فقالت : ناولني فإني أعرفها ، فأريتها النسخة ، وظننت أن المرأة تحسن أن تقرأ ، فقالت : لا يمكن أن أقرأ في هذا المكان ، فصعدت به إلى السطح ، ثم أنزلته فقالت : صحيح ، وفي التوقيع : إني أبشركم ما سررت به وغيره.
ثم قالت : يقول لك : إذا صليت على نبيك (عليه السلام) ، فكيف تصلي عليه ؟
فقلت : أقول : ( اللهم صل على محمد وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد ، كأفضل ما صليت وبارك وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ).
---------------------------
(1) في ( ط ) زيادة : أني.
(2) في ( ط ) زيادة : هو.
دلائل الإمامة _ 549 _
فقالت : لا ، إذا صليت عليهم فصل عليهم كلهم وسمهم ، فقلت : نعم.
فلما كان من الغد نزلت ومعها دفتر صغير قد نسخناه فقالت : يقول لك : إذا صليت على نبيك فصل عليه وعلى أوصيائه على هذه النسخة ، فأخذتها وكنت أعمل بها.
ورأيته عدة ليال قد نزل من الغرفة وضوء السراج قائم وخرج ، فكنت أفتح الباب وأخرج على أثر الضوء وأنا أراه ـ أعني الضوء ـ ولا أرى أحدا حتى يدخل المسجد ، وأرى جماعة من الرجال من بلدان كثيرة يأتون باب هذه الدار ، قوم عليهم ثياب رثة يدفعون إلى العجوز رقاعا معهم ، ورأيت العجوز تدفع إليهم كذلك الرقاع وتكلمهم ويكلمونها ولا أفهم عنهم ، ورأيت منهم جماعة في طريقنا حتى قدمنا بغداد.
اللهم صلى على محمد سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، وحجة رب العالمين ، المنتخب (1) في الميثاق ، المصطفى في الضلال ، المطهر من كل آفة ، البرئ من كل عيب ، المؤمل للنجاة ، المرتجى للشفاعة ، المفوض إليه في دين الله.
اللهم شرف بنيانه ، وعظم برهانه ، وأفلج (2) حجته ، وارفع درجته وضوء نوره ، وبيض وجهه ، واعطه الفضل والفضيلة ، والوسيلة والدرجة الرفيعة ، وابعثه مقاما محمودا ، يغبطه به الأولون والآخرون.
وصل على أمير المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين ، وقائد الغر المحجلين ، وسيد المؤمنين ، وصل على الحسن بن علي إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
وصل على الحسين بن علي إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
---------------------------
(1) في ( م ) : المنتخب.
(2) أفلج الله حجته : أظهرها وأثبتها.
دلائل الإمامة _ 550 _
وصل على علي بن الحسين ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
وصل على محمد بن علي ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
وصل على جعفر بن محمد ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
وصل على موسى بن جعفر ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
وصل على علي بن موسى ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
وصل على محمد بن علي ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
وصل على علي بن محمد ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
وصل على الحسن بن علي ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
وصل على الخلف الهادي المهدي (1) ، إمام المؤمنين ، ووارث المرسلين ، وحجة رب العالمين.
اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته الهادين ، الأئمة العلماء والصادقين ، الأوصياء المرضيين ، دعائم دينك ، وأركان توحيدك ، وتراجمه وحيك ، وحجتك على خلقك ، وخلفائك في أرضك ، الذين اخترتهم لنفسك ، واصطفيتهم على عبيدك ، وارتضيتهم لدينك ، وخصصتهم بمعرفتك ، وجللتهم بكرامتك ، وغشيتهم برحمتك ، وغذيتهم بحكمتك ، وألبستهم من نورك ، وربيتهم بنعمتك ، رفعتهم في ملكوتك ، وحففتهم بملائكتك ، وشرفتهم بنبيك ، اللهم صل على محمد وعليهم صلاة دائمة كثيرة طيبة ، لا يحيط بها إلا أنت ، ولا يسعها إلا علمك ، ولا يحصيها أحد غيرك.
وصل على وليك المحيي سنتك ، القائم بأمرك ، الداعي إليك ، الدليل عليك ، حجتك وخليفتك في أرضك ، وشاهدك على عبادك.
اللهم أعزز نصره ، ومد في عمره ، وزين الأرض بطول بقائه ، اللهم اكفه بغي الحاسدين ، وأعذه من شر الكائدين ، وادحر (2) عنه إرادة الظالمين ، وخلصه من أيدي الجبارين.
---------------------------
(1) في ( ع ) : المهتدي.
(2) في ( ع ) : وازجر.
دلائل الإمامة _ 551 _
اللهم أره في ذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه ، وتسر به نفسه ، وبلغه أفضل أمله في الدنيا والآخرة ، إنك على كل شئ قدير.
اللهم جدد به ما محي من دينك ، وأحي به ما بدل من كتابك ، وأظهر به ما غير من حكمك حتى يعود دينك به وعلى يديه غضا جديدا خالصا محضا ، لا شك فيه ، ولا شبهة معه ، ولا باطل عنده ، ولا بدعة لديه.
اللهم نور بنوره كل ظلمة ، وهد بركنه كل بدعة ، واهدم بقوته كل ضلال ، واقصم به كل جبار ، وأخمد بسيفه كل نار ، وأهلك بعدله كل جائر ، واجر حكمه على كل حكم ، وأذل بسلطانه كل سلطان.
اللهم أذل من ناواه ، وأهلك من عاداه ، وامكر بمن كاده ، واستأصل من جحد حقه واستهزأ بأمره وسعى في إطفاء نوره وأراد إخماد ذكره.
اللهم صل على محمد المصطفى ، وعلى علي المرتضى ، وعلى فاطمة الزهراء ، وعلى الحسن الرضي ، وعلى الحسين الصفي (1) ، وعلى جميع الأوصياء مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين ، الصراط المستقيم ، وصل على وليك وعلى ولاة عهدك الأئمة من ولده القائمين بأمره ، ومد في أعمارهم ، وزد في آجالهم ، وبلغهم أفضل آمالهم (2).
525 / 129 ـ حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري ، قال :
حدثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب ، قال : تقلدت عملا من أبي منصور بن الصالحان ، وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري ، فطلبني وأخافني ، فمكثت مستترا خائفا ، ثم قصدت مقابر قريش ليلة الجمعة ، واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة ، وكانت ليلة ريح ومطر ، فسألت ابن جعفر القيم أن يغلق الأبواب وأن يجتهد في خلوة الموضع ، لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة ، وآمن من دخول إنسان مما لم آمنه ،
---------------------------
(1) في ( ط ) : المصطفى.
(2) غيبة الطوسي : 273 / 238 ، الخرائج والجرائح 1 : 461 / 6 ( قطعة منه ) ، جمال الأسبوع : 494 ، مدينة المعاجز : 608 / / 69.
دلائل الإمامة _ 552 _
وخفت من لقائي له ، ففعل وقفل الأبواب وانتصف الليل ، وورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع ، ومكثت أدعو وأزور وأصلي.
فبينما أنا كذلك إذ سمعت وطأة عند مولانا موسى (عليه السلام) ، وإذا رجل يزور ، فسلم على آدم وأولي العزم (عليهم السلام) ، ثم الأئمة واحدا واحدا إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان (عليه السلام) (فلم يذكره) ، فعجبت من ذلك وقلت : لعله نسي ، أو لم يعرف ، أو هذا مذهب لهذا الرجل.
فلما فرغ من زيارته صلى ركعتين ، وأقبل إلى عند مولانا أبي جعفر (عليه السلام) ، فزار مثل الزيارة ، وذلك السلام ، وصلى ركعتين ، وأنا خائف منه ، إذ لم أعرفه ، ورأيته شابا تاما من الرجال ، عليه ثياب بيض ، وعمامة محنك بها بذؤابة وردي على كتفه مسبل ، فقال لي : يا أبا الحسين بن أبي البغل ، أين أنت عن دعاء الفرج.
فقلت : وما هو يا سيدي.
فقال : تصلي ركعتين ، وتقول : ( يا من أظهر الجميل ، وستر القبيح ، يا من لم يؤاخذ بالجريرة ، ولم يهتك الستر ، يا عظيم المن ، يا كريم الصفح ، يا حسن التجاوز ، يا واسع المغفرة ، يا باسط اليدين بالرحمة ، يا منتهى كل نجوى ، يا غاية كل شكوى ، يا عون كل مستعين ، يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها ، يا رباه ـ عشر مرات ـ يا سيداه ـ عشرة مرات ـ يا مولياه ـ عشرة مرات ـ يا غايتاه ـ عشر مرات ـ يا منتهى رغبتاه ـ عشرة مرات ـ أسألك بحق هذه الأسماء ، وبحق محمد وآله الطاهرين (عليه السلام) إلا ما كشفت كربي ، ونفست همي ، وفرجت عني (1) ، وأصلحت حالي ) وتدعو بعد ذلك بما شئت وتسأل حاجتك.
ثم تضع خدك الأيمن على الأرض وتقول مائة مرة في سجودك : ( يا محمد يا علي ، يا علي يا محمد ، أكفياني فإنكما كافياي ، وانصراني فإنكما ناصراي ).
وتضع خدك الأيسر على الأرض ، وتقول مائة مرة ( أدركني ) وتكررها كثيرا ، وتقول : ( الغوث الغوث ) حتى ينقطع نفسك ، وترفع رأسك ، فإن الله بكرمه يقضي
---------------------------
(1) في ( م ، ط ) : غمي.
دلائل الإمامة _ 553 _
حاجتك إن شاء الله (تعالى).
فلما شغلت (1) بالصلاة والدعاء خرج ، فلما فرغت خرجت لابن جعفر لأسأله عن الرجل وكيف دخل ، فرأيت الأبواب على حالها مغلقة مقفلة ، فعجبت من ذلك ، وقلت : لعله باب هاهنا ولم أعلم ، فأنبهت ابن جعفر القيم ، فخرج إلي (2) من بيت الزيت ، فسألته عن الرجل ودخوله ، فقال : الأبواب مقفلة كما ترى ما فتحتها ، فحدثته بالحديث فقال : هذا مولانا صاحب الزمان (صلوات الله عليه) ، وقد شاهدته دفعات (3) في مثل هذه الليلة عن خلوها من الناس.
فتأسفت على ما فاتني منه ، وخرجت عند قرب الفجر ، وقصدت الكرخ (4) إلى الموضع الذي كنت مستترا فيه ، فما أضحى النهار إلا وأصحاب ابن الصالحان يلتمسون لقائي ، ويسألون عني أصدقائي ، ومعهم أمان من الوزير ، ورقعة بخطه فيها كل جميل ، فحضرت مع ثقة من أصدقائي عنده ، فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده منه وقال : انتهت بك الحال إلى أن تشكوني إلى صاحب الزمان (صلوات الله عليه).
فقلت : قد كان مني دعاء ومسألة.
فقال : ويحك ، ورأيت البارحة مولاي صاحب الزمان (صلوات الله عليه) في النوم ـ يعني ليلة الجمعة ـ وهو يأمرني بكل جميل ، ويجفو علي في ذلك جفوة خفتها.
فقلت : لا إله إلا الله ، أشهد أنهم الحق ومنتهى الصدق (5) ، رأيت البارحة مولانا (عليه السلام) في اليقظة ، وقال لي كذا وكذا ، وشرحت ما رأيته في المشهد ، فعجب من ذلك ، وجرت منه أمور عظام حسان في هذا المعنى ، وبلغت منه غاية ما لم أظنه ببركة مولانا صاحب الزمان (صلوات الله عليه) (6).
---------------------------
(1) في ( م ، ط ) : اشتغلت.
(2) في ( ع ، م ) زيادة : عندي.
(3) في ( ط ) : مرارا.
(4) في ( ع ) : الكوخ.
(5) في ( ع ، م ) : الحق.
(6) فرج المهموم : 245 ، البحار 95 : 200 / 33.