الفهرس العام

  عن علي ، عن الحسن بن علي ، عن علي بن أبي حمزة ، قال : أرسلني أبو الحسن (عليه السلام) إلى رجل من أهل الوازارين ، قلت : ليس يعرف الوازارين.
  قال : الوازارين الذي يشتري غدد اللحم ، قلت : قد عرفته.
  قال : أتعرف فيه زقاقا يباع فيه الجواري ؟ قلت : نعم.
  قال : فإن على باب الزقاق شيخ يقعد على ظهر الطريق ، بين يديه طبق فيه نبع (1) ، يبيعه بنفسه للصبيان بفلس فلس ، فائته واقرئه مني السلام ، وأعطه هذه الثمانية عشر درهما ، وقل له : يقول لك أبو الحسن : انتفع بهذه الدراهم ، فإنها تكفيك حتى تموت.
  قال : فأتيت الموضع ، فطلبت الرجل فلم أجده في موضعه ، فسألت عنه ، فقالوا : هذه الساعة يجئ ، فلم ألبث أن جاء فقلت : فلان يقرئك السلام ، وهذه الدنانير خذها ، فإنها تكفيك حتى تموت ، فبكى الشيخ ، فقلت له : ما يبكيك ؟ قال : ولم لا أبكي وقد نعيت إلي نفسي ؟!
  فقلت : ما عند الله خير لك مما أنت فيه.
  قال : من أنت ؟ قلت : أنا علي بن أبي حمزة.
  قال : والله ، ما كذبني ، قال لي سيدي ومولاي : أنا باعث إليك مع علي بن أبي حمزة برسالتي.
  فقلت : ومن أنت ، لا أعرفك من إخواني ؟
  قال : أنا عبد الله بن صالح ، قلت : وأين المنزل ؟
  قال : في سكة البربر (2) ، عند دار أبي داود ، وأنا معروف في منزلي ، إذا سألت عني هناك.
  قال : فلبثت عشرين ليلة وسألت عنه ، فخبرت أنه شاك منذ أيام ، فأتيت

---------------------------
(1) النبع : شجر ينبت في قلة الجبل تتخذ منه القسي والسهام.
(2) في ( ع ، م ) : للبربر.

دلائل الإمامة _ 332 _

  الموضع الذي وصف ، فإذا الرجل في حد الموت ، فسلمت عليه فأثبتني (1) ، فقلت له : أوصني بما أحببت ، أنفذه من مالي.
  قال : يا علي ، لست أخلف إلا ابنتي ، وهذه الدويرة ، فإذا أنا مت فزوج ابنتي ممن أحببت من إخوانك ، ولا تزوجها إلا من رجل يدين الله بدينك ، فإذا فعلت ، فبع داري واحمل ثمنها إلى أبي الحسن (عليه السلام) ، ولتشهد لي بالوصية ، ولا يلي أحد غسلي غيرك حتى تدخلني قبري.
  ففعلت جميع ما أوصاني به ، وزوجت ابنته رجال من أصحابنا له دين ، وبعت داره ، وحملت الثمن إلى أبي الحسن (عليه السلام) ، وأخبرته بجميع ما أوصاني به.
  فقال أبو الحسن (عليه السلام) : رحمه الله ، قد كان من شيعتنا ، وكان لا يعرف (2).
  290 / 33 ـ وروى الحسن ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن علي ، عن شعيب العقرقوفي ، قال : بعثت مولاي إلى أبي الحسن (عليه السلام) ومعه مائتي دينار ، وكتبت معه كتابا ، وكان من الدنانير خمسين دينارا من دنانير أختي فاطمة ، وأخذتها سرا لتمام المائتي دينار ، وكنت سألتها ذلك فلم تعطني ، وقالت : إني أريد أن أشتري بها قراح (3) فلان بن فلان.
  فذكر مولاي أنه قدم فسأل عن أبي الحسن (عليه السلام) فقيل له : إنه قد خرج ، فأسرع في السير ، فقال : والله ، إني لأسير من المدينة إلى مكة في ليلة مظلمة ، وإذا الهاتف يهتف بي : يا مبارك ، يا مبارك (4) مولى شعيب العقرقوفي! قلت : من أنت ؟
  قال : أنا معتب يقول لك أبو الحسن (عليه السلام) : هات الكتاب الذي معك ، ووافني بما معك إلى منى.
  قال : فنزلت من محملي ، فدفعت إليه الكتاب ، وصرت إلى منى ، فدخلت عليه

---------------------------
(1) أي عرفني حق المعرفة ( لسان العرب ـ ثبت ـ 2 : 20 ).
(2) مدينة المعاجز : 433 / 27.
(3) القراح : المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر ( الصحاح ـ قرح ـ 1 : 396 ).
(4) (يا مبارك) ليس في ( ع ).

دلائل الإمامة _ 333 _

  وطرحت الدنانير عنده ، فجر بعضها إليه ، ودفع بعضها بيده ، ثم قال لي : يا مبارك ، ادفع هذه الدنانير إلى شعيب ، وقل له : يقول لك أبو الحسن : ردها إلى موضعها الذي أخذتها منه ، فإن صاحبتها تحتاج إليها.
  قال : فخرجت من عنده ، وقدمت على شعيب ، فقلت له : قد رد عليك من الدنانير التي بعثت بها خمسين دينارا ، وهو يقول لك : ردها إلى موضعها الذي أخذتها منه ، فما قصة هذه الدنانير ، فقد دخلني من أمرها ما الله به عليم.
  فقال : يا مبارك ، إني طلبت من فاطمة أختي خمسين دينارا لتمام هذه الدنانير ، فامتنعت ، وقالت : أريد أن أشتري بها قراح فلان بن فلان ، فأخذتها سرا ، ولم ألتفت إلى كلامها ، قال شعيب : فدعوت بالميزان فوزنتها ، فإذا هي خمسون دينارا ، لا تزيد ولا تنقص.
  قال : فوالله ، لو حلفت عليها أنها دنانير فاطمة لكنت صادقا.
  قال شعيب : فقلت لمبارك : هو والله إمام فرض الله طاعته ، وهكذا صنع بي (1) أبو عبد الله (عليه السلام) الإمام من الإمام (2).
  291 / 34 ـ وروى الحسن ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن علي ، عن الحسن ، عن أبيه علي بن أبي حمزة ، قال : قال لي أبو الحسن (عليه السلام) مبتدئا من غير أن أسأله عن شئ : يا علي ، يلقاك غدا رجل من أهل المغرب ، يسألك عني ، فقل له : هو والله الإمام الذي قال لنا أبو عبد الله (عليه السلام) ، وإذا سأل عن الحلال والحرام فأجبه عني.
  قلت : ما علامته ؟
  قال : رجل طوال ، جسيم ، اسمه يعقوب ، وهو رائد قومه ، وإذا (3) أحب أن تدخله علي فأدخله.

---------------------------
(1) (بي) ليس في ( ط ).
(2) مناقب ابن شهرآشوب 4 : 293 ، مدينة المعاجز : 434 / 28.
(3) في ( م ) : إن.

دلائل الإمامة _ 334 _

  قال : فوالله ، إني لفي الطواف ، إذ أقبل إلي رجل طوال جسيم ، فقال : إني أريد أن أسألك عن صاحبك ، قلت : عن أي أصحابي ؟ قال : عن فلان بن فلان ، قلت : ما اسمك ؟ قال : يعقوب ، قلت : من أين أنت ؟ قال : من المغرب ، قلت : من أين عرفتني ؟   قال : أتاني آت في منامي ، فقال لي : الق عليا فاسأله عن جميع ما تحتاج إليه ، فسألت عنك حتى دللت عليك ، فقلت : اقعد في هذا الموضع حتى أفرغ من طوافي ، وآتيك إن شاء الله ، فطفت ، ثم أتيته ، فكلمت رجلا عاقلا ، وطلب إلي أن أدخله على أبي الحسن (عليه السلام) ، فأخذت بيده ، واستأذنت ، فأذن لي ، فلما رآه أبو الحسن (عليه السلام) قال : يا يعقوب : قدمت أمس ، ووقع بينك وبين أخيك شر في موضع كذا وكذا ، حتى شتم بعضكم بعضا ، وليس هذا من ديني ولا دين آبائي ، ولا نأمر بهذا أحدا ، فاتق الله وحده ، فإنكما ستعاقبان بموت ، أما أخوك فيموت في سفره قبل أن يصل إلى أهله ، و ستندم أنت على ما كان ، ذلك أنكما تقاطعتما فبتر الله أعماركما.
  قال الرجل : جعلت فداك ، فأنا متى أجلي ؟
  قال : كان حضر أجلك ، فوصلت عمتك بما وصلتها في منزلك كذا وكذا فأنسأ (1) الله به أجلك عشرين سنة ، قال : فلقيت الرجل قابل بمكة ، فأخبرني أن أخاه توفي في ذلك الوجه ، ودفنه قبل أن يصل إلى أهله (2).
  292 / 35 ـ وروى الحسن ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن علي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، قال : دخلت المدينة وأنا شديد المرض ، وكان أصحابنا يدخلون علي ، فلم أعقل بهم ، وذلك أنه أصابني حصر (3) ، فذهب عقلي ، فأخبرني إسحاق بن عمار أنه أقام علي بالمدينة ثلاثة أيام لا يشك أنه لا يخرج منها حتى يدفنني ويصلي علي ، فخرج وأفقت بعد خروج إسحاق ، فقلت لأصحابي : افتحوا كيسي وأخرجوا منه مائة درهم ، واقسموها في أصحابي ، ففعلوا.

---------------------------
(1) انسأ : أي أخر ( لسان العرب ـ نسأ ـ 1 : 166 ).
(2) رجال الكشي : 442 / 831 ، الخرائج والجرائح 1 : 307 / 1 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 294 ، كشف الغمة 2 : 245 ، الصراط المستقيم 2 : 189 / 1.
(3) الحصر : احتباس البطن ( لسان العرب ـ حصر ـ 4 : 194 ).

دلائل الإمامة _ 335 _

  وأرسل إلي أبو الحسن (عليه السلام) بقدح فيه ماء ، فقال الرسول : يقول لك أبو الحسن (عليه السلام) : تشرب هذا الماء ، فإن فيه شفاءك إن شاء الله (تعالى).
  ففعلت ، فأسهل بطني وأخرج الله ما كنت أجده في بطني من الأذى.
  فدخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فقال : يا علي ، كيف تجد نفسك ؟
  قلت : جعلت فداك ، قد ذهب عني ما كنت أجده في بطني.
  فقال : يا علي ، أما إن أجلك كان قد حضر مرة بعد أخرى ، ولكنك رجل وصول لقرابتك وإخوانك ، فأنسأ الله في أجلك مرة بعد أخرى.
  قال : وخرجت إلى مكة فلحقني إسحاق بن عمار ، فقال : والله ، لقد أقمت بالمدينة ثلاثة أيام ، فأخبرني بقصتك. فأخبرته بما صنعت ، وما قال لي أبو الحسن (عليه السلام).
  فقال لي إسحاق بن عمار : هكذا قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) مرة بعد أخرى ، وأصابني مثل الذي أصابك (1).
  293 / 36 ـ وروى الحسن ، قال : أخبرني أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن علي ، عن الحسن ، عن أبي خالد الزبالي ، قال : مر بي أبو الحسن (عليه السلام) يريد بغداد زمن المهدي ، أيام كان أخذ محمد بن عبد الله ، فنزل في هاتين القبتين ، في يوم شديد البرد ، في سنة مجدبة ، لا يقدر على عود يستوقد به تلك السنة ، وأنا يومئذ أرى رأي الزيدية ، أدين الله بذلك ، فقال لي : يا أبا خالد ، إئتنا بحطب نستوقد.
  قلت : والله ، ما أعرف في المنزل عودا واحدا.
  فقال : كلا ، خذ (2) في هذا الفج (3) فإنك تلقى أعرابيا ، معه حملين ، فاشترهما منه ، ولا تماكسه (4).

---------------------------
(1) رجال الكشي : 445 / 838.
(2) في ( ع ) : جد.
(3) أي الطريق الواسع بين جبلين.
(4) ماكسه : أي طلب منه أن ينقص الثمن.

دلائل الإمامة _ 336 _

  فركبت حماري ، وانطلقت نحو الفج الذي وصف لي ، فإذا أعرابي معه حملين حطب ، فاشتريتهما منه ، وأتيته ، فاستوقدوا منه يومهم ، وأتيته بظرف مما عندنا ، يطعم منه.
  ثم قال : يا أبا خالد ، انظر خفاف الغلمان ونعالهم ، فأصلحها حتى نقدم عليك يوم كذا وكذا ، من شهر كذا وكذا.
  قال أبو خالد : وكتبت تاريخ اليوم ، وليس همي غير هذه الأيام ، فلما كان يوم الميعاد ركبت حماري ، وسرت أميالا ، ونزلت ، فقعدت عند الجبل أفكر في نفسي ، وأقول : والله ، إن وافاني هذا اليوم الذي قال لي ، فإنه الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه ، لا يسع الناس جهله.
  فقعدت حتى أمسيت ، وأردت الانصراف ، فإذا أنا براكب مقبل ، فأشرت إليه فأقبل إلي فسلم ، فرددت عليه السلام ، فقلت : وراءك أحد ؟
  قال : نعم ، قطار فيه نحو من عشرين ، يشبهون أهل المدينة.
  قال : فما لبثت أن ارتفع القطار ، فركبت حماري وتوجهت نحو القطار ، فإذا هو يهتف بي : يا أبا خالد ، هل وفينا لك بما وعدناك ؟
  قلت : قد والله ، كنت أيست من قدومك ، حتى أخبرني راكب ، فحمدت الله على ذلك ، وعلمت أنك هو.
  قال : ما فعلت القبتان اللتان كنا نزلنا فيهما ؟ قلت : جعلت فداك ، تذهب إليهما ، وانطلقت معه حتى نزل القبتين ، فأتيناه بغذاء فتغذى ، وقال : ما حال خفاف الغلمان ونعالهم ؟ قلت : أصلحتها ، فأتيته بها ، فسر بذلك ، فقال : يا أبا خالد ، زودنا من هذه الفسقارات (1) التي بالمدينة ، فإنا لا نقدر فيها على هذه الأشياء التي تجدونها عندكم.
  قال : فلم يبق شئ إلا زودته منه ، ففرح وقال : سلني حاجتك ، وكان معه محمد أخوه ، قلت : جعلت فداك ، أخبرك بما كنت فيه ، وأدين الله به ، إلى أن وقعت عليك ، وقدمت علي ، فسألتني الحطب ، فأخبرتك بما أخبرتك ، فأخبرتني بالأعرابي ، ثم قلت لي

---------------------------
(1) في ( ط ) : الفسقادات ولم نجد لها معنى مناسبا في كتب اللغة التي بين أيدينا.

دلائل الإمامة _ 337 _

  إني موافيك يوم كذا وكذا ، من شهر كذا وكذا ، كما قلت ، لم ينقص ، ولم يزد يوما واحدا ، فعلمت أنك الإمام الذي فرض الله طاعته ، لا يسع الناس جهلك ، فحمدت الله لذلك ، فقال : يا أبا خالد ، من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، وحوسب بما عمل في الاسلام (1).
  294 / 37 ـ وروى الحسن ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي الصيرفي ، عن علي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) ، فقلت : جعلت فداك ، بم يعرف (2) الإمام ؟
  قال : بخصال ، أما أولهن فبشئ تقدم من أبيه فيه ، وعرفه الناس ، ونصبه لهم علما حتى يكون عليهم حجة ، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصب أمير المؤمنين (عليه السلام) علما ، وعرفه الناس ، وكذلك الأئمة ، يعرفونهم الناس ، وينصبونهم لهم حتى يعرفوهم ، ويسأل فيجيب ، ويسكت عنه فيبتدئ ، ويخبر الناس بما في غد ، ويكلم الناس بكل لسان.
  قلت : بكل لسان ؟
  قال : نعم ، قلت : فأعطني علامة.
  قال : نعم الساعة قبل أن تقوم أعطيك علامة تطمئن إليها.
  قال : (3) ثم إنه مر علينا رجل من أهل خراسان ، فكلمه الخراساني بالعربية ، فأجابه بالفارسية ، قال الخراساني : والله ، ما منعني أن أكلمك بكلامي إلا أني ظننت أنك لا تحسن أن تجيبني.
  قال : سبحان الله! إذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك ؟! ثم قال : يا أبا محمد ، إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ، ولا طير ، ولا بهيمة ، ولا شئ

---------------------------
(1) مناقب ابن شهرآشوب 4 : 294 ، مدينة المعاجز : 435 / 31 ، ونحوه في قرب الإسناد : 140 ، وإثبات الوصية : 165 ، وإعلام الورى : 305 ، والخرائج والجرائح 1 : 315 / 8.
(2) في ( ع ، م ) : نعرف.
(3) في ( ط ) : قلت : نعم.

دلائل الإمامة _ 338 _

  فيه روح ، بهذا يعرف الإمام ، فمن لم يكن فيه هذه الخصال ، فليس بإمام (1).
  295 / 38 ـ وروى الحسن ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن علي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، قال : كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) إذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبش ، قد اشتروهم له ، فكلم غلاما منهم ، وكان جميلا من الحبش ، ثم خرجوا ، فقلت : جعلت فداك ، لقد رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية فبماذا أمرته ؟
  قال : أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا ، ويعطيهم في كل هلال ثلاثين درهما ، وذلك لما نظرت إليه علمت أنه غلام عاقل من أبناء ملوكهم ، وأوصيته بجميع ما أحتاج ، فقبل وصيتي ، ومع هذا فهو غلام صدوق.
  ثم قال : لعلك عجبت من كلامي بالحبشية! لا تعجب ، فما يخفى عليك من أمر الحجة أكثر من ذلك وأعجب ، وما هذا من الحجة في علمه إلا كطائر أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء ، أفترى الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئا ؟! إن الإمام بمنزلة البحر ، لا ينفد ما عنده ، وعجائبه أكثر من ذلك (2).
  296 / 39 ـ وروى الحسن ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن علي ، عن الحسن ، عن الحسين بن أبي العلاء ، قال : كنت عنده ذات يوم وقد اشتريت له جارية نوبية ، فقال لها : ما اسمك ؟ قالت : مؤنسة.
  قال لها : اسمك فلانة ، وإنك كما سميت.
  ثم قال : يا حسين ، أما إنها ستلد غلاما لا يكون في ولدي أسخى منه ، ولا أرق وجها ، ولا أقضى للحاجة منه.
  قلت : فما اسمه ؟
  قال : إبراهيم.
  قال علي بن أبي حمزة : والله ، إني أتيته بمنى مع أصحابي ، إذ أتاني رسوله فقال

---------------------------
(1) قرب الإسناد : 146 ، الكافي 1 : 225 / 7 ، إثبات الوصية : 167 ، عيون المعجزات : 99 ، روضة الواعظين : 213 ، إعلام الورى : 304 ، الخرائج والجرائح 1 : 333 / 24 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 299.
(2) قرب الإسناد : 144 ، الخرائج والجرائح 1 : 312 / 5 ، الصراط المستقيم 2 : 190 / 5.

دلائل الإمامة _ 339 _

  لي : يا علي ، لا تنم الليلة حتى يأتيك رسولي ، فبقيت تلك الليلة لا أنام ، وأصحابي يساهدونني (1) الليل ، فلما أصبحت إذا هو مقبل علي ، ومعه أبناؤه جميعا ، ونقل عياله وحشمه ومن معه ، حتى نزل قرين الثعالب (2) ثم أتى مع الفجر على حمار له أسود ، ومعه عمران خادمه ، فسلم ، فرددنا عليه السلام ، وكأني أنظر إلى قوائم حماره من أطناب خيامنا ، فقال : يا علي ، أيما أحب إليك : أن تأتيني هاهنا ، أو بمكة ؟
  قلت : أحبهما إليك.
  قال : مكة خير لك ، وانصرف ، فقال لي عمران : تدري أين نزلنا العام ؟
  قلت : منزل أبي عبد الله (عليه السلام).
  قال : لا ، نزلنا العام في ذي طوى (3).
  قلت : لا أعرف منزلكم.
  قال : تعرف المسجد الصغير الذي على ظهر الطريق ، الذي تصلي فيه المارة ؟
  قلت : نعم.
  قال : اقعد لي ثم حتى آتيك.
  فلما انصرفنا من منى أخذت طريقي إلى الموعد ، فما استويت قاعدا حتى جاءني عمران ، فقال : أجب ، فأتيته ، فوجدته في ظهر داره ، في مسجد ، قاعد ، قد صلى المغرب ، فلما دنوت منه ، قال : اخلع نعليك فإنك بالواد المقدس طوى ، فخلعت نعلي ، وتخطيت المسجد ، فقعدت معه ، وأوتيت بخوان من خبيص مجفف بتمر ، فأكلنا أنا وهو ، وهو يقول لي : يا علي ، كل تمرا ، فأكلت ، ثم رفع الخوان ، فقال : يا علي ، هلم الحديث ، فوالله ما أنا بناعس ولا كسلان ، وكنت أحدثه ثم غشيني النعاس (4) ، فقال لي : قد

---------------------------
(1) في ( م ، ط ) : يشاهدوني.
(2) صحف في ( م ، ط ، ع ) : قرير المعالب ، وفي مدينة المعاجز : قريش المقالب ، وكذا في الموضع الآتي والظاهر صحة ما في المتن ، وهو جبل قرب منى ، بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة وثلاثون ذراعا ، راجع أخبار مكة للأزرقي 2 : 185 ، الأعلاق النفيسة لابن رسته : 60.
(3) ذو طوى : موضع عند مكة ، معجم البلدان 4 : 45.
(4) في ( ط ) : ولا كسلان ، فسألته سالبة من الليل ثم غشيني النعاس.

دلائل الإمامة _ 340 _

  نعست يا علي ؟
  قلت : جعلت فداك ، ما غمضت البارحة.
  قال : إن أم ولد لي من أكرم أمهات أولادي ، ضربها الطلق ، فحملتها إلى قرين الثعالب ، مخافة أن يسمع الناس صوته ، فرزقني الله في ليلتي هذه غلاما ـ كما بشرني ـ وقد سميته إبراهيم.
  فلم يكن في ولد أبيه أحسن وأسخى منه ، ولا أرق وجها ، ولا أشجع منه (1).
  297 / 40 ـ وروى الحسن ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن علي ، عن الحسن ، عن عاصم الحناط (2) ، عن إسحاق بن عمار (3) ، قال : كنت عنده إذ دخل عليه رجل من أهل خراسان ، فكلمه بكلام لم أسمع قط كلاما كان أعجب منه ، كأنه كلام الطير ، فلما خرج قلت : جعلت فداك ، أي لسان هذا ؟
  قال : هذا كلام أهل الصين (4).
  ثم قال : يا إسحاق ، ما أوتي العالم من العجب أعجب وأكثر مما أوتي من هذا الكلام.
  قلت : أيعرف الإمام منطق الطير ؟
  قال : نعم ، ومنطق كل شئ ، ومنطق كل ذي روح ، وما سقط عليه شئ من الكلام (5).
  298 / 41 ـ وروى أحمد بن الحسن ، عن الحسن بن برة ، عن عثمان بن

---------------------------
(1) الخرائج والجرائح 1 : 310 / 4 ، الصراط المستقيم 2 : 190 / 4 ، إثبات الهداة 5 : 569 / 130.
(2) في ( ع ، م ) : الخياط ، تصحيف ، صوابه ما في المتن راجع رجال النجاشي : 301 ، معجم رجال الحديث 9 : 180.
(3) صحف في النسخ : عمران ، وما في المتن هو الصواب ، وهو إسحاق بن عمار الصيرفي ، من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) ، راجع رجال النجاشي : 71 ، معجم رجال الحديث 3 : 52 و 61.
(4) في ( م ، ط ) : الطير.
(5) الخرائج والجرائح 1 : 313 / 6 ، الثاقب في المناقب 462 / 391 ، كشف الغمة 2 : 247 ، الصراط المستقيم 2 : 190 / 6.

دلائل الإمامة _ 341 _

  عيسى (1) ، قال : دخلت علي أبي الحسن (عليه السلام) سنة الموت بمكة ، وهي سنة أربع وسبعين ومائة (2) ، فقال لي : من هاهنا من أصحابكم مريض ؟
  فقلت : عثمان بن عيسى من أوجع الناس ، فقال : قل له يخرج.
  ثم قال : من هاهنا ؟ فعددت عليه ثمانية ، فأمر بإخراج أربعة ، وكف عن أربعة ، فما أمسينا من غد حتى دفنا الأربعة الذين كف عن إخراجهم.
  فقال عثمان بن عيسى : وخرجت أنا فأصبحت معافى (3).
  299 / 42 ـ وروى محمد بن الحسين ، عن عبد الله بن سعيد (4) الدغشي ، عن الحسن بن موسى ، قال : اشتكى عمي محمد بن جعفر ، حتى خفت عليه الموت.
  قال : فكنا مجتمعين عنده إذ دخل أبو الحسن (عليه السلام) فقعد إلى ناحية (5) ، وإسحاق عمي عند رأسه يبكي ، فقعد قليلا ثم قام ، فتبعته فقلت : جعلت فداك ، يلومك إخوتك وأهل بيتك ، ويقولون دخلت على عمك وهو في الموت ، ثم خرجت.
  فقال : ادن مني أخي ، أرأيت هذا الباكي ؟ سيموت وسيبكي عليه هذا.
  قال : فبرأ محمد بن جعفر ، واشتكى إسحاق فبكى عليه محمد (6).
  300 / 43 ـ وروى أبو حمزة ، عن أبيه (7) ، قال : كنت في مسجد الكوفة معتكفا

---------------------------
(1) زاد في البحار والعوالم الناقلين عن البصائر : عن الحارث بن المغيرة النضري ، والظاهر صحته كما يبدو ذلك من سياق الكلام ، والسؤال والجواب ، وفي سند البصائر : 284 / 11 : عن خالد.
(2) ذكر الطبري في تاريخه 10 : 53 في حوادث هذه السنة وقوع الوباء بمكة ، فراجعه.
(3) بصائر الدرجات : 284 / 11 و : 285 / 16 ، الخرائج والجرائح 2 : 714 / 12 ، مدينة المعاجز : 439 / 39 ، البحار 48 : 55 / 61 ، عوالم الإمام الكاظم (عليه السلام) : 105 / 14.
(4) في ( ع ، م ) : سعد ، راجع معجم رجال الحديث 10 : 197.
(5) في ( ع ) : ناحيته.
(6) فرج المهموم : 231.
(7) في المناقب : علي بن أبي حمزة ، والظاهر الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه.

دلائل الإمامة _ 342 _

  في شهر رمضان ، في العشر الأواخر ، إذ جاءني حبيب الأحوال بكتاب مختوم من أبي الحسن (عليه السلام) قدر أربع أصابع ، فقرأته ، فكان في كتابه : ( إذا قرأت الكتاب الصغير المختوم ، الذي في جوف كتابك ، فأحرزه حتى أطلبه منك ).
  قال : فأخذت الكتاب وأدخلته بيت بزي (1) ، فجعلته في جوف صندوق مقفل ، في جوف قمطر (2) مقفل ، وبيت البز مقفل ، ومفاتيح هذه الأقفال في حجرتي ، فإذا كان الليل فهي تحت رأسي ، وليس يدخل بيت بزي أحد غيري.
  فلما حضر الموسم خرجت إلى مكة ومعي جميع ما كتب لي من حوائجه ، فلما دخلت عليه قال : يا علي ، ما فعل الكتاب الصغير الذي كتبت إليك ، وقلت احتفظ به ؟
  قلت : جعلت فداك ، عندي.
  قال : أين ؟ قلت : في بيت بزي ، قد أحرزته ، والبيت لا يدخله غيري.
  قال : يا علي ، إذا نظرت إليه أليس تعرفه ؟
  قلت : بلى ، والله ، لو كان بين ألف كتاب لأخرجته ، فرفع مصلى تحته فأخرجه إلي ، فقال : قلت : إن في البيت صندوق ، في جوف قمطر مقفل ، وفي جوف القمطر حق مقفل ، وهذه المفاتيح معي في حجرتي بالنهار ، وتحت رأسي بالليل ؟
  ثم قال : يا علي ، احتفظ به ، فلو تعلم ما فيه لضاق ذرعك.
  قلت : قد وصفت لك ، فما أغنى إحرازي.
  قال علي : فرجعت إلى الكوفة والكتاب معي محتفظ به في (3) جبتي ، فكان الكتاب مدة حياة علي في جبته ، فلما مات جئت أنا ومحمد (4) ، فلم يكن لنا هم إلا الكتاب ، ففتقنا الجبة موقع الكتاب ، فلم نجده ، فعلمنا بعقولنا أن الكتاب قد صار إليه كما صار في المرة الأولى (5).

---------------------------
(1) أي ثيابي ( لسان العرب ـ بزز ـ 5 : 311 ).
(2) هو ما تصان فيه الكتب ( لسان العرب ـ قمطر ـ 5 : 117 ).
(3) في ( ع ، م ) زيادة : يد.
(4) هما محمد والحسن ابنا علي بن أبي حمزة ، كما في المناقب.
(5) الهداية الكبرى : 267 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 304 ( نحوه ) ، إثبات الهداة : 5 : 569 / 131 ، مدينة المعاجز : 439 / 41.

دلائل الإمامة _ 343 _

  301 / 44 ـ وروى أحمد بن محمد المعروف بغزال ، قال : كنت جالسا مع أبي الحسن (عليه السلام) في حائط له ، إذ جاء عصفور فوقع بين يديه ، وأخذ يصيح ، ويكثر الصياح ، ويضطرب ، فقال لي : تدري ما يقول هذا العصفور ؟
  قلت : الله ورسوله ووليه أعلم.
  فقال : يقول : يا مولاي ، إن حية تريد أن تأكل فراخي في البيت ، فقم بنا ندفعها عنه ، وعن فراخه.
  فقمنا ودخلنا البيت ، فإذا حية تجول في البيت ، فقتلناها (1).
  302 / 45 ـ وحدثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الحرمي ، قال : حدثني أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري ، قال : حدثني أبو علي محمد بن همام ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري ، عن أبي عقيلة ، عن أحمد التبان ، قال : كنت نائما على فراشي ، فما أحسست إلا ورجل قد رفسني برجله ، فقال لي : يا هذا ، ينام شيعة آل محمد ؟ فقمت فزعا ، فلما رآني فزعا ضمني إلى صدره ، فالتفت فإذا إنا بأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ، فقال : يا أحمد ، توضأ للصلاة.
  فتوضأت ، وأخذني بيدي ، فأخرجني من باب داري ، وكان باب الدار مغلقا ، ما أدري من أين أخرجني ! فإذا أنا بناقة معقلة له ، فحل عقالها وأردفني خلفه ، وسار بي غير بعيد ، فأنزلني موضعا فصلى بي أربعا وعشرين ركعة ، ثم قال : يا أحمد ، تدري في أي موضع أنت ؟
  قلت : الله ، ورسوله ، ووليه ، (2) وابن رسوله ، أعلم.
  قال : هذا قبر جدي الحسين بن علي (عليه السلام).
  ثم سار غير بعيد حتى أتى الكوفة ، وإن الكلاب والحرس لقيام ، ما من كلب ولا حارس يبصر شيئا ، فأدخلني المسجد ، وإني لأعرفه وأنكره ، فصلى بي سبع عشرة

---------------------------
(1) بصائر الدرجات : 365 / 19 ، الخرائج والجرائح 1 : 359 / 13 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 334 ، كشف الغمة 2 : 305 ، الصراط المستقيم 2 : 197 / 10.
(2) (ووليه) ليس في ( م ).

دلائل الإمامة _ 344 _

  ركعة ، ثم قال : يا أحمد ، تدري أين أنت ؟
  قلت : الله ، ورسوله ، وابن رسوله ، أعلم.
  قال : هذا مسجد الكوفة ، وهذه الطست.
  ثم سار غير بعيد وأنزلني ، فصلى بي أربعا وعشرين ركعة ، ثم قال : يا أحمد ، أتدري أين أنت ؟
  قلت : الله ، ورسوله ، وابن رسوله ، أعلم.
  قال : هذا قبر جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام).
  ثم سار بي غير بعيد ، فأنزلني ، فقال لي : أين أنت ؟
  قلت : الله ، ورسوله ، وابن رسوله ، أعلم.
  قال : هذا الخليل إبراهيم.
  ثم سار بي غير بعيد ، فأدخلني مكة ، وإني لأعرف البيت وبئر زمزم وبيت الشراب ، فقال لي : يا أحمد ، أتدري أين أنت ؟
  قلت : الله ، ورسوله ، وابن رسوله ، أعلم.
  قال : هذه مكة ، وهذا البيت ، وهذه زمزم ، وهذا بيت الشراب.
  ثم سار بي غير بعيد ، فأدخلني مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) وقبره ، فصلى بي أربعا وعشرين ركعة ، ثم قال لي : أتدري أين أنت ؟
  قلت : الله ، ورسوله ، وابن رسوله ، أعلم.
  قال : هذا مسجد جدي رسول الله وقبره.
  ثم سار بي غير بعيد ، فأتى بي الشعب ، شعب أبي جبير ، فقال : يا أحمد ، تريد أريك من دلالات الإمام ؟ قلت : نعم.
  قال : يا ليل ، أدبر ، فأدبر الليل عنا ، ثم قال : يا نهار ، أقبل ، فأقبل النهار إلينا بالنور العظيم ، وبالشمس حتى رجعت بيضاء نقية ، فصلينا الزوال ، ثم قال : يا نهار أدبر ، يا ليل أقبل. فأقبل علينا الليل حتى صلينا المغرب ، قال : يا أحمد ، أرأيت ؟ قلت : حسبي هذا يا بن رسول الله.

دلائل الإمامة _ 345 _

  فسار حتى أتى بي جبلا محيطا بالدنيا ، ما الدنيا عنده إلا مثل سكرجة (1) ، فقال : أتدري أين أنت ؟
  قلت الله ، ورسوله ، وابن رسوله ، أعلم.
  قال : هذا جبل محيط بالدنيا ، وإذا أنا بقوم عليهم ثياب بيض ، فقال : يا أحمد ، هؤلاء قوم موسى ، فسلم عليهم ، فسلمت عليهم فردوا علينا السلام.
  قلت : يا بن رسول الله ، قد نعست.
  قال : تريد أن تنام على فراشك ؟ قلت : نعم.
  فركض برجله ركضة ، ثم قال : نم (2) فإذا أنا في منزلي نائم ، وتوضأت وصليت الغداة في منزلي (3).
  والحمد لله أولا وآخرا.

---------------------------
(1) السكرجة : إناء صغير يؤكل فيه الشئ القليل من الأدم ( مجمع البحرين ـ سكرج ـ 2 : 310 ).
(2) في ( ع ، م ) : قم.
(3) نوادر المعجزات : 160 / 3 ، مدينة المعاجز : 440 / 44.