الفهرس العام

أبو عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام)


معرفة ولادته
رجع الحديث
قبره (عليه السلام)
نسبه وتسميته (عليه السلام)
نقش خاتمه (عليه السلام)
معجزاته (عليه السلام)
أبو محمد علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)
معرفة ولادته :
نسبه (عليه السلام) :
لقبه (عليه السلام) :
خبر أمه والسبب في تزويجها

معرفة ولادته

  قال أبو محمد الحسن بن علي الثاني (عليه السلام) : ولد بالمدينة يوم الثلاثاء لخمس خلون من جمادى الأولى سنة ثلاث من الهجرة (1) ، وعلقت به أمه في سنة ثلاث ، بعد ما ولدت الحسن أخوه بخمسين ليلة ، وحملت به ستة أشهر فولدته ، ولم يولد مولود لستة أشهر غير الحسين وعيسى بن مريم ، وقيل : يحيى بن زكريا (2).
  وكان مقامه مع جده ست سنين وأربعة أشهر ، وبعد جده مع أبيه تسعا وعشرين سنة وأربعة أشهر ، ومع أخيه بعد أبيه عشر سنين وعشرة أشهر ، وبعد أخيه أيام إمامته بقية ملك معاوية ومن أيام يزيد وهي عشر سنين وستة أشهر ، وصار إلى كرامة الله (عز وجل) وقد كمل عمره سبعا وخمسين سنة في عام الستين من الهجرة ، في المحرم يوم عاشوراء ، وهو يوم الاثنين.

---------------------------
(1) في إعلام الورى : 215 ، قال : وقيل ولد آخر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة ، والذي عليه سائر المصادر أنه (عليه السلام) ولد لثلاث أو خمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، وهو الموافق لما تقدم في تاريخ ميلاد الإمام الحسن (عليه السلام) ، انظر : الارشاد : 198 ، إعلام الورى : 214 ـ 215 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 76 ، سير أعلام النبلاء 3 : 280.
(2) مثير الأحزان : 16 ، الكافي 1 : 386 / 4 وليس فيه يحيى بن زكريا.

دلائل الإمامة _ 178 _

  وكان بينه وبين أخيه ستة أشهر (1).
  وكان أشبه الناس بالنبي (صلى الله عليه وآله) ما بين الصدر إلى الرجلين (2).
  وقتل بكربلاء غربي الفرات ، قتله عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن بأمر يزيد بن معاوية ، أتوه ومعهم اثنان وثلاثون أميرا ، وأربعة عشر ألف فارس وراجل ، وأصحاب الحسين (عليه السلام) يومئذ اثنان وثلاثون فارسا ، وأربعون راجلا ، منهم ثمانية وعشرون من رهط بني عبد المطلب ، والباقون من سائر الناس.
  وقال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) : وجد بالحسين ثلاث وثلاثون طعنة ، وأربع وأربعون ضربة ووجد في جبة خز دكناء كانت عليه مائة خرق وبضعة عشر خرقا ، وما بين طعنة وضربة ورمية (3).
  وروي : مائة وعشرون.

رجع الحديث

  وإن الله (عز وجل) أهبط إليه أربعة آلاف ملك ، وهم الذين هبطوا عل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر ، وخير بين النصر وبين (4) لقاء رسول الله ، فاختار لقاء رسول الله ، فأمرهم الله (تعالى) بالمقام عند قبره ، فهم شعث غبر ينتظرون قيام القائم (عليه السلام).
  وروي أنه ما رفع حجر في ذلك اليوم إلا ووجد تحته دما عبيطا (5).

---------------------------
(1) إعلام الورى : 215 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 76.
(2) سنن الترمذي 5 : 660 / 3779 ، مسند أحمد بن حنبل : 1 : 99 ، الذرية الطاهرة : 104 / 101 ، الارشاد : 198.
(3) مثير الأحزان : 76.
(4) في ( ع ، م ) : خير بالنصر على أعدائه أو.
(5) نحوه في كامل الزيارات : 77 / 3 ، ومناقب ابن شهرآشوب 4 : 61 ، وإعلام الورى : 220 ، وتذكرة الخواص : 274 ، وكفاية الطالب : 444 ، والصواعق المحرقة : 194 ، وينابيع المودة : 357.

دلائل الإمامة _ 179 _

  وقال يزيد بن أبي زياد : كنت ابن أربع عشرة سنة حين قتل الحسين (عليه السلام) ، فقطرت السماء دما ، وصار على رؤوس الناس الدم ، وأصبح كل شئ (1) ملآن دما (2).
  رجع الحديث
  قال : إن الله (عز وجل) هنأ نبيه بحمل الحسين وولادته ، وعزاه بمصابه وقتله ، فعرف ذلك لفاطمة (عليها السلام) ، فكرهت حمله وولادته حزنا عليه للمصيبة ، فأنزل الله (جل اسمه) : * ( حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) * (3) وليس هذا في سائر الناس لأن حمل النساء تسعة أشهر ، والرضاع حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ، وهي أربعة وعشرون شهرا ، ومن النساء من تلد لسبعة أشهر ، فيكون مع حولي الرضاع أحدا وثلاثين شهرا ، وإن المولد لا يعيش لست ولا لثمان ، وإن مولد الحسين (عليه السلام) كان لستة أشهر ، ورضاعه أربعة وعشرون شهرا (4).
  وقالت أم الفضل بنت الحارث : دخلت على رسول الله فقلت : يا رسول الله ، إني رأيت حلما منكرا الليلة ، قال : وما هو ؟
  قلت : إنه شديد ، قال : وما هو ؟
  قلت : رأيت كان قطعة من جسدك انقطعت ووضعت في حجري.
  فقال : خيرا رأيت ، تلد فاطمة غلاما فيكون في حجرك.
  فولدت فاطمة الحسين ، فكان في حجري كما قال : فدخلت به يوما عليه ، فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاتة إليه (صلى الله عليه وآله) ، فإذا عيناه تهرقان بالدموع ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، مالك ؟
  قال : هذا جبرئيل أخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا ، فقلت : هذا ؟

---------------------------
(1) في ( ط ) : وعاء.
(2) البحار 45 : 216 ، الصواعق المحرقة : 194 نحوه.
(3) الأحقاف 46 : 15.
(4) الهداية الكبرى : 202 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 50 ( قطعة منه ).

دلائل الإمامة _ 180 _

  قال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء (1).
  وقال : إن أم سلمة أخرجت يوم قتل الحسين بكربلاء ، وهي بالمدينة قارورة فيها دم (2) ، فقالت : قتل ـ والله ـ الحسين. فقيل لها : من أين علمت (3) ؟ قالت : دفع إلي رسول الله من تربته ، وقال لي : إذا صار هذا دما فاعلمي أن ابني قد قتل ، فكان كما قالت (4).

قبره (عليه السلام)

  وقبره في البقعة المباركة ، والربوة التي هي (5) ذات قرار ومعين ، بطف كربلاء ، بين نينوى والغاضرية ، من قرى النهرين.

نسبه وتسميته (عليه السلام)

  هو الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، وسماه في التوراة شبيرا ، وهارون بن عمران لما سمع في التوراة (6) أن الله سمى الحسن والحسين سبطي محمد : شبرا وشبيرا سمى ابنيه بهذين الاسمين.
  ويكنى : أبا عبد الله.

---------------------------
(1) الارشاد : 250.
(2) في ( ط ) : قارورة فإذا هي دم عبيط.
(3) في ( ط ) : انى علمت.
(4) إرشاد المفيد : 251 والبحار 45 : 231 / 3 نحوه.
(5) (التي هي) ليس في ( ع ، م ).
(6) (في التوراة) ليس في ( ط ، ع ).

دلائل الإمامة _ 181 _

  ولقبه : السبط وهو (1) الشهيد ، والرشيد ، والطيب ، والوفي ، والتابع لمرضاة الله ، والدليل على ذات الله ، والمطهر ، والسيد ، والمبارك ، والبر ، وسبط رسول الله ، وأحد سيدي شباب أهل الجنة ، وأحد الكاظمين (2).

نقش خاتمه (عليه السلام)

  وكان له خاتمان ، فص أحدهما عقيق نقشه : إن الله بالغ أمره.
  وعلى الخاتم الذي أخذ من يده يوم قتل : لا إله إلا الله عدة لقاء الله (3).
  من تختم بمثلهما كانا له حرزا من الشيطان.
  وبوابه : رشيد الهجري (رضي الله عنه) (4).
  ذكر ولده (عليه السلام) : علي الأكبر قتل معه ، وعلي الإمام زين العابدين ، وعلي الأصغر ، ومحمد ، وعبد الله الشهيد ، وجعفر ، وله من البنات : زينب وسكينة وفاطمة (5).

معجزاته (عليه السلام)

  96 / 1 ـ قال أبو جعفر : حدثنا محروز بن منصور ، عن أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي قال : حدثنا عباس بن عبد الله ، عن عبد الله بن عباس ، قال : لقيت (6) الحسين بن علي وهو يخرج إلى العراق ، فقلت له : يا بن رسول الله ، لا تخرج.
  قال : فقال لي : يا بن عباس ، أما علمت أن منيتي من هناك ، وأن مصارع

---------------------------
(1) في ( ط ) : السبط الثاني و.
(2) مناقب ابن شهرآشوب 4 : 78 ، تذكرة الخواص : 232 ، كشف الغمة 2 : 4.
(3) الكافي 6 : 474 / 8 ، أمالي الصدوق 113 / 7.
(4) تاريخ الأئمة : 32 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 77.
(5) تاريخ الأئمة : 18 ، الارشاد : 253 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 77.
(6) في ( ط ) : أتيت.

دلائل الإمامة _ 182 _

  أصحابي هناك ؟!
  فقلت له : فأنى لك ذلك ؟ قال : بسر سر لي ، وعلم أعطيته (1).
  97 / 2 ـ قال أبو جعفر : حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد البلوى ، قال : حدثنا عمارة بن زيد ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد قال : أخبرني أنه كان مع زهير بن القين حين صحب الحسين (عليه السلام) ، فقال له : يا زهير ، إعلم أن ها هنا مشهدي ، ويحمل هذا من جسدي ـ يعني رأسه ـ زحر بن قيس ، فيدخل به على يزيد يرجو نواله (2) ، فلا يعطيه شيئا (3).
  98 / 3 ـ قال أبو جعفر : حدثنا أبو محمد سفيان بن وكيع ، عن أبيه وكيع ، عن الأعمش ، قال : قال لي أبو محمد الواقدي وزرارة بن جلح : لقينا الحسين بن علي (عليهما السلام) قبل أن يخرج إلى العراق بثلاث ليال ، فأخبرناه بضعف الناس في الكوفة ، وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه ، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء ونزل من الملائكة عدد لا يحصيهم إلا الله ، وقال : لولا تقارب الأشياء وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكن أعلم علما أن من هناك مصعدي وهناك مصارع أصحابي ، لا ينجو منهم إلا ولدي علي (4).
  99 / 4 ـ قال أبو جعفر : حدثنا محمد بن جنيد عن أبيه جنيد بن سالم بن جنيد ، عن راشد بن مزيد ، قال : شهدت الحسين بن علي (عليه السلام) وصحبته من مكة حتى أتينا القطقطانة (5) ، ثم استأذنته في الرجوع ، فأذن لي ، فرأيته وقد استقبله سبع عقور فكلمه ، فوقف له فقال : ما حال الناس بالكوفة ؟
  قال : قلوبهم معك وسيوفهم عليك.

---------------------------
(1) إثبات الهداة 5 : 205 / 66 ، مدينة المعاجز : 238 / 12.
(2) في ( ع ، م ) : ويرجو نائله ، وكلاهما بمعنى.
(3) إثبات الهداة 5 : 206 / 67 ، مدينة المعاجز : 238 / 14.
(4) نوادر المعجزات : 107 / 1 ، اللهوف في قتلى الطفوف : 26 ، إثبات الهداة 5 : 206 / 68 ، مدينة المعاجز : 238.
(5) القطقطانة : موضع في الطف ، انظر ( معجم البلدان 4 : 374 ).

دلائل الإمامة _ 183 _

  قال : ومن خلفت بها ؟
  قال : ابن زياد ، وقد قتل مسلم بن عقيل.
  قال : وأين تريد ؟ قال : عدن.
  قال له : أيها السبع ، هل عرفت (1) ماء الكوفة ؟ قال : ما علمنا من علمك إلا ما (2) زودتنا.
  ثم انصرف وهو يقول : وما ربك بظلام للعبيد ، قال : كرامة من ولي وابن ولي (3).
  100 / 5 ـ قال أبو جعفر : حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا سعيد ابن شرفي بن القطان (4) ، عن زفر بن يحيى ، عن كثير بن شاذان ، قال : شهدت الحسين بن علي (عليهما السلام) وقد اشتهى عليه ابنه علي الأكبر عنبا في غير أوانه ، فضرب يده إلى سارية المسجد فأخرج له عنبا وموزا فأطعمه ، وقال : ما عند الله لأوليائه أكثر (5).
  101 / 6 ـ قال أبو جعفر : وحدثنا سفيان بن وكيع ، عن أبيه ، عن الأعمش ، قال : سمعت أبا صالح السمان (6) يقول : سمعت حذيفة يقول : سمعت الحسين بن علي (عليهما السلام) يقول : والله ليجتمعن على قتلي طغاة بني أمية ، ويقدمهم عمر بن سعد ، وذلك في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) ، فقلت له : أنبأك بهذا رسول الله ؟ فقال لا ، فأتيت النبي فأخبرته ،

---------------------------
(1) في ( ع ) : أحرت ، وفي ( م ) : أحرت من ، حار : رجع ( المعجم الوسيط ـ حور ـ 1 : 205 ).
(2) في ( ع ، م ) : وبما.
(3) في النوادر : أشهد الله أنك ولي وابن ولي.
نوادر المعجزات : 107 / 2 ، إثبات الهداة 5 : 206 / 69 ، مدينة المعاجز : 238 / 15 .
(4) في ( ع ، ط ) : القطامي.
(5) الحديث ليس في ( ع ).
نوادر المعجزات : 108 / 3 ، إثبات الهداة 5 : 206 / 70 ، مدينة المعاجز : 238 / 16.
(6) في ( ع ، ط ) : التمار ، وفي ( م ) : السماد ، وكلاهما تصحيف ، وهو ذكوان أبو صالح السمان الزيات ، كان يجلب السمن والزيت إلى الكوفة ، روى عن جماعة من الصحابة ، وروى عنه سليمان الأعمش ، راجع تهذيب الكمال 8 : 513.

دلائل الإمامة _ 184 _

  فقال : علمي علمه ، وعلمه علمي ، وإنا لنعلم (1) بالكائن قبل كينونته (2).
  102 / 7 ـ قال أبو جعفر : حدثنا يزيد بن مسروق ، قال : حدثنا عبد الله بن مكحول ، عن الأوزاعي ، قال : بلغني خروج الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) إلى العراق ، فقصدت مكة فصادفته بها ، فلما رآني رحب بي وقال : مرحبا بك يا أوزاعي ، جئت تنهاني عن المسير ، وأبى الله (عز وجل) إلا ذلك ، إن من ها هنا إلى يوم الاثنين منيتي (3) فسهدت في عد الأيام ، فكان كما قال (4).
  103 / 8 ـ قال أبو جعفر : حدثنا عيسى بن (5) ماهان بن معدان ، قال : حدثنا أبو جابر كيسان بن جرير ، عن أبي النباخ (6) محمد بن يعلى ، قال : لقيت الحسين بن علي (عليه السلام) على ظهر الكوفة وهو راحل مع الحسن يريد معاوية ، فقلت : يا أبا عبد الله أرضيت ؟
  فقال : شقشقة هدرت ، وفورة ثارت ، وعربي منحى ، وسم ذعاف (7) ، وقيعان بالكوفة وكربلاء ، إني والله لصاحبها ، وصاحب ضحيتها ، والعصفور في سنابلها (8) ، إذا تضعضع نواحي الجبل بالعراق ، وهجهج كوفان الوهل (9) ، ومنع البر جانبه ، وعطل

---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : لأنه لا علم.
(2) نوادر المعجزات : 109 / 5 ، فرج المهموم : 227 عن الدلائل ، إثبات الهداة 5 : 207 / 71.
(3) في ( ع ، م ) : مبعثي.
(4) نوادر المعجزات : 108 / 4 ، إثبات الهداة 5 : 207 / 72 ، مدينة المعاجز : 238 / 18.
(5) في ( ط ) زيادة : معاذ.
(6) في ( ع ، م ) : أبو جابر كيسان بن حريز ، عن أبي التفاح.
(7) الذعاف : السم يقتل من ساعته ( المعجم الوسيط 1 : 312 ).
(8) في ( ع ، م ) : أسبالها.
(9) الظاهر أن المراد : زجر كوفان ورد أهلها الفزع والخوف ، انظر ( النهاية ـ وهل ـ 5 : 233 ، لسان العرب ـ هجج ـ 2 : 386 ).

دلائل الإمامة _ 185 _

  بيت الله الحرام ، وأزحف (1) الوقيذ (2) ، وقدح (3) الهبيذ (4) ، فيالها من زمر أنا صاحبها ، إيه إيه أنى وكيف ! ولو شئت لقلت أين أنزل ، وأين أقيم.
  فقلنا : يا بن رسول الله ، ما تقول ؟
  قال : مقامي بين أرض وسماء ، ونزولي حيث حلت الشيعة الأصلاب ، والأكباد الصلاب ، لا يتضعضعون للضيم ، ولا يأنفون من الآخرة معضلا يحتافهم (5) أهل ميراث علي وورثة بيته (6).
  104 / 9 ـ وروى هارون بن خارجة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال الحسين (عليه السلام) لغلمانه : لا تخرجوا يوم كذا وكذا ، اليوم قد سماه ، واخرجوا يوم الخميس ، فإنكم إن خالفتموني قطع عليكم الطريق ، فقتلتم ، وذهب ما معكم.
  وكان قد أرسلهم إلى ضيعة له ، فخالفوه وأخذوا طريق الحرة فاستقبلهم خصوص فقتلوهم كلهم ، فدخل على الحسين (عليه السلام) والي المدينة (7) من ساعته ، فقال له : قد بلغني قتل غلمانك ومواليك ، فآجرك الله فيهم.
  فقال : أما إني أدلك على من قتلهم ، فاشدد يدك بهم.
  قال : وتعرفهم ؟!
  قال : نعم ، كما أعرفك ، وهذا منهم ، لرجل جاء معه (8) ، فقال الرجل : يا بن

---------------------------
(1) أزحف : أعيا ، وانتهى إلى غاية ما طلب ( أقرب الموارد ـ زحف ـ 1 : 458 ، وفي ( ط ) : أرجف ، أي خفق واضطرب اضطرابا شديدا ( لسان العرب ـ رجف ـ 9 : 112 ).
(2) الوقيذ : البطئ الثقيل ، أو الذي غلبه النعاس ، أو الذي يغشى عليه لا يدرى أميت أم لا ( لسان العرب ـ وقذ ـ 3 : 519 ).
(3) في ( ع ، م ) : الرقاد واقدح.
(4) الهبيذ : المسرع ( لسان العرب ـ هبذ ـ 3 : 517 ).
(5) يحتافهم : من الحتف وهو الهلاك ( المعجم الوسيط ـ حتف ـ 1 : 154 ).
(6) إثبات الهداة 5 : 207 / 73 ، مدينة المعاجز : 238 / 19.
(7) ( ع ، م ) : ثم دخل إلى الوالي بالمدينة.
(8) (لرجل جاء معه) ليس في ( ع ، م ).

دلائل الإمامة _ 186 _

  رسول الله ، كيف عرفتني وما كنت فيهم (1) ؟!
  قال : إن صدقتك تصدق (2) ؟ قال : نعم ، والله لأفعلن (3).
  قال : أخرجت معك فلانا وفلانا ، فسماهم بأسمائهم كلهم ، وفيهم أربعة من موالي الوالي ، والبقية من حبشان (4) أهل المدينة ، قال الوالي : ورب القبر والمنبر ، لتصدقني أو لأنشرن لحمك بالسياط ، قال : والله ما كذب الحسين ، كأنه كان معنا.
  قال : فجمعهم الوالي فأقروا جميعا (5) ، فأمر بهم فضربت أعناقهم (6).
  105 / 10 ـ وروى الهيثم النهدي ، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمد الكناني ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : خرج الحسين بن علي (عليه السلام) في بعض أسفاره ومعه رجل من ولد الزبير بن العوام يقول بإمامته ، فنزلوا في طريقهم بمنزل (7) تحت نخلة يابسة ، قد يبست من العطش ، ففرش الحسين (عليه السلام) تحتها ، وبإزائه نخلة أخرى عليها رطب ، فرفع يده ودعا بكلام لم أفهمه ، فاخضرت النخلة وعادت (8) إلى حالها ، وأورقت وحملت رطبا ، فقال الجمال الذي اكترى منه : هذا سحر والله ، فقال الحسين (عليه السلام) : ويلك ، إنه ليس بسحر ، ولكن (9) دعوة ابن نبي مستجابة.
  قال : ثم صعدوا النخلة فجنوا منها ما كفاهم جميعا (10).
  106 / 11 ـ وروى محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن

---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : ما أنا منهم.
(2) في ( ط ) : أتصدق.
(3) في ( ط ) : لأصدقن.
(4) الحبش والحبشان : جنس من السودان ( لسان العرب ـ حبش ـ 6 : 278 ) ، في ( ط ) : سائر.
(5) في ( ع ) : أجمعين.
(6) الهداية الكبرى : 205 ، الخرائج والجرائح 1 : 247 / 3 ، الصراط المستقيم 2 : 178 / 3.
(7) في ( ع ، م ) : من تلك المنازل.
(8) في ( ع ، م ) : وصارت.
(9) في ( ط ) : ولكنها.
(10) في ( ع ، م ) : فصعدوا إلى النخلة حتى حووا منها كلهم فكفاهم ، عيون المعجزات : 62 ، إثبات الهداة 5 : 207 / 74 ، مدينة المعاجز : 239 / 22.

دلائل الإمامة _ 187 _

  القاسم ، عن صباح المزني ، عن صالح بن ميثم الأسدي ، قال : دخلت أنا وعباية بن الربعي على امرأة من بني والبة ، قد احترق وجهها من السجود ، فقال لها عباية : يا حبابة ، هذا ابن أخيك.
  قالت : وأي أخ ؟ قال : صالح بن ميثم.
  فقالت : ابن أخي والله حقا ، يا بن أخي ألا أحدثك بحديث سمعته من الحسين ابن علي (عليهما السلام) ؟
  قال : قلت : بلى يا عمة.
  قالت : كنت زوارة الحسين بن علي (عليهما السلام) ، فحدث بين عيني وضح ، فشق ذلك علي واحتبست عنه أياما ، فسأل عني : ما فعلت حبابة الوالبية ؟ فقالوا : إنها حدث بها حدث بين عينيها ، فقال لأصحابه : قوموا حتى ندخل عليها ، فدخل علي في مسجدي هذا ، وقال : يا حبابة ، ما بطأ بك علي ؟
  قلت : يا بن رسول الله ما ذلك الذي منعني إن لم أكن اضطررت إلى المجئ إليك اضطرارا ، لكن حدث هذا بي. وكشفت القناع فتفل عليه الحسين بن علي (عليهما السلام) وقال : يا حبابة ، أحدثي لله شكرا ، فإن الله قد ذاده (1) عنك.
  قالت : فخررت ساجدة ، فقال : يا حبابة ارفعي رأسك وانظري في مرآتك.
  قالت : فرفعت رأسي فلم أجد منه شيئا.
  قالت : فحمدت الله وقال لي : يا حبابة نحن وشيعتنا على الفطرة ، وسائر الناس منها براء (2).
  107 / 12 ـ وروى أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي إسماعيل (3) ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : ذكرنا (4) خروج الحسين (عليه السلام) وتخلف ابن الحنفية عنه ، فقال : يا حمزة ، إني سأحدثك من هذا الحديث بما لا تشك

---------------------------
(1) ذاده عنه : طرده ودفعه ( المعجم الوسيط 1 : 317 ) ، وفي ( ع ) : ذواه.
(2) بصائر الدرجات : 291 / 6 ، الثاقب في المناقب : 324 / 267 ، مدينة المعاجز : 239 / 21.
(3) في بصائر الدرجات واللهوف : عن مروان بن إسماعيل.
(4) في ( ط ) : ذكرت.

دلائل الإمامة _ 188 _

  فيه بعد مجلسنا هذا ، إن الحسين (صلوات الله عليه) لما فصل متوجها إلى العراق دعا بقرطاس وكتب فيه : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى بني هاشم ، أما بعد ، فإنه من لحق بي استشهد ، ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح والسلام ) (1).
  108 / 13 ـ وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبي علي محمد ابن همام ، قال : أخبرنا جعفر بن محمد بن مالك ، قال : حدثنا أحمد بن الحسين الهاشمي قدم علينا من مصر ، قال : حدثني القاسم بن منصور الهمداني بدمشق ، عن عبد الله بن محمد التميمي ، عن سعد بن أبي طيران (2) ، عن الحارث بن وكيدة ، قال : كنت فيمن حمل رأس الحسين ، فسمعته يقرأ سورة الكهف ، فجعلت أشك في نفسي وأنا أسمع نغمة أبي عبد الله ، فقال لي : يا بن وكيدة ، أما علمت أنا معشر الأئمة أحياء عند ربنا نرزق ؟
  قال : فقلت في نفسي : أسرق رأسه ، فنادى : يا بن وكيدة ، ليس لك إلى ذاك سبيل ، سفكهم دمي أعظم عند الله من تسييرهم رأسي (3) ، فذرهم فسوف يعلمون ، إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون (4).
  109 / 14 ـ وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبي علي محمد ابن همام ، عن أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم ، عن أبيه ، عن الحسن بن علي ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) لما منع الحسين (صلوات الله عليه) وأصحابه الماء نادى فيهم : من كان ظمآن فليجئ ، فأتاه أصحابه رجلا رجلا فجعل إبهامه في راحة واحدهم (5) فلم يزل يشرب الرجل بعد الرجل حتى

---------------------------
(1) بصائر الدرجات : 501 / 5 ، كامل الزيارات : 75 / 15 ( نحوه ) ، نوادر المعجزات : 109 / 6 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 76 ، اللهوف في قتلى الطفوف : 28 عن كتاب الرسائل للكليني ، مختصر بصائر الدرجات : 6.
(2) في ( ط ) : خيران.
(3) في ( ع ، م ) : إياي.
(4) تضمين من سورة غافر 40 : 71 ، نوادر المعجزات : 110 / 7 ، مدينة المعاجز : 239 / 24.
(5) في ( ط ) : في فم واحد.

دلائل الإمامة _ 189 _

  ارتووا كلهم (1) ، فقال بعضهم لبعض : والله ، لقد شربت شرابا ما شربه أحد من العالمين في دار الدنيا.
  فلما قاتلوا الحسين ، وكان في اليوم الثالث عند المغرب ، أقعد الحسين رجلا رجلا منهم فيسميهم بأسماء آبائهم ، فيجيبه الرجل بعد الرجل ، فيقعدون حوله ، ثم يدعو بالمائدة فيطعمهم ويأكل معهم من طعام الجنة ، ويسقيهم من شرابها.
  ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) : والله ، لقد رآهم عدة من الكوفيين ولقد كرر عليهم لو عقلوا.
  قال : ثم أرسلهم فعاد كل واحد منهم إلى بلاده ، ثم أتى جبل (2) رضوي ، فلا يبقى أحد من المؤمنين إلا أتاه ، وهو (3) على سرير من نور ، قد حف به إبراهيم وموسى وعيسى وجميع الأنبياء ، ومن ورائهم المؤمنون ، ومن ورائهم الملائكة ينظرون ما يقول الحسين (صلوات الله عليه).
  قال : فهم بهذه الحال إلى أن يقوم القائم (عليه السلام) ، فإذا قام القائم وافوا فيما بينهم الحسين (عليه السلام) حتى يأتي كربلاء ، فلا يبقى أحد سماوي ولا أرضي من المؤمنين إلا حف به ، يزوره (4) ويصافحه ويقعد معه على السرير.
  يا مفضل ، هذه والله الرفعة التي ليس فوقها شئ ولا دونها شئ (5) ، ولا وراءها لطالب مطلب (6).
  110 / 15 ـ وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدثني أبو النجم بدر ابن الطبرستاني (7) ، قال حدثني أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني ، عمن حدثه عن

---------------------------
(1) (كلهم) ليس في ( ع ، م ).
(2) في ( ع ، م ) : بجبال.
(3) في ( ط ) : وسيقيم هنالك.
(4) في ( ع ، م ) : إلا حفوا بالحسين (عليه السلام).
(5) (ولا دونها شئ) ليس في ( ع ، م ).
(6) نوادر المعجزات : 111 / 8 ، مدينة المعاجز : 239 / 25.
(7) في ( م ) : الطوستاني.

دلائل الإمامة _ 190 _

  أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : لما ولد الحسين (عليه السلام) هبط جبرئيل في ألف ملك يهنون النبي بولادته ، وكان ملك يقال له (فطرس) في جزيرة من جزائر البحر بعثه الله في أمر من أموره فأبطأ عليه ، فكسر جناحه وأزاله (1) عن مقامه ، وأهبطه (2) إلى تلك الجزيرة ، فمكث فيها خمسمائة عام ، وكان صديقا لجبرئيل ، فلما مضى قال له : أين تريد ؟ قال له : ولد للنبي مولود في هذه الليلة ، فبعثني الله في ألف ملك لأهنئه.
  قال : احملني إليه لعله يدعو لي.
  فلما أدى جبرئيل الرسالة ونظر النبي إلى فطرس ، قال له : يا جبرئيل ، من هذا ؟ فأخبره بقصته فالتفت إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : امسح جناحك على المولود ، يعني الحسين (عليه السلام) ، فمسح جناحه فعاد إلى حالته ، فلما نهض قال له النبي (صلى الله عليه وآله) : الزم أرض كربلاء وأخبرني بكل مؤمن رأيته زائرا إلى يوم القيامة.
  قال : فذلك الملك يسمى (عتيق الحسين (عليه السلام)) (3).
  والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما.

---------------------------
(1) في ( م ) : أزيل.
(2) في ( م ) : وأهبط.
(3) عيون المعجزات : 68 ، ونحوه في روضة الواعظين : 155 وأمالي الصدوق : 118 / 8 وبشارة المصطفى : 219 والخرائج والجرائح 1 : 252 / 6 ، والثاقب في المناقب : 338 / 284.

دلائل الإمامة _ 191 _

أبو محمد علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)
معرفة ولادته :

  قال أبو محمد الحسن بن علي الثاني (عليه السلام) : ولد (1) في المدينة ، في المسجد ، في بيت فاطمة (عليها السلام) سنة ثمان وثلاثين من الهجرة ، قبل وفاة جده أمير المؤمنين (2) ، فأقام مع جده سنتين ، ومع عمه الحسن عشر سنين ، وبعد وفاة عمه مع أبيه عشر سنين ، وبعدما استشهد أبوه خمسا وثلاثين سنة (3).
  فكانت أيام إمامته ملك يزيد بن معاوية ، وملك معاوية بن يزيد ، وملك مروان ابن الحكم ، وملك عبد الملك بن مروان ، وملك الوليد بن عبد الملك (4).
  وقبض بالمدينة في المحرم في عام خمس وتسعين من الهجرة ، وقد كمل عمره سبعا وخمسين سنة (5).

---------------------------
(1) زاد في ( ط ) : علي.
(2) تاريخ الأئمة : 9 ، مسار الشيعة : 112 ، الارشاد : 253 ، روضة الواعظين 201.
(3) وروي غير ذلك في هذه التواريخ ، انظر : روضة الواعظين : 201 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 175.
(4) إعلام الورى : 257.
(5) روضة الواعظين 201 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 175 ، إعلام الورى : 256.

دلائل الإمامة _ 192 _


  وكان سبب وفاته أن الوليد بن عبد الملك سمه (1).
  ودفن بالبقيع مع عمه الحسن بن علي (عليه السلام) (2).

نسبه (عليه السلام) :

  علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (3) بن عبد الملك بن هاشم بن عبد مناف.
  ويكنى : أبا محمد ، وأبا الحسن ، وأبا بكر ، والأول أشهر وأثبت (4).

لقبه (عليه السلام) :

  ذو الثفنات لأنه كان من طول سجوده وشدة عبادته ونحافة جسمه أثر السجود في جبهته ، وهرأ جلدها ، فكان يقصه حتى صار كثفنة البعير من جهات الجبهة (5) ، والمتهجد ، والرهباني ، وزين العابدين ، وسيد العابدين (6) ، والسجاد (7).

---------------------------
(1) مناقب ابن شهرآشوب 4 : 176 ، الصواعق المحرقة : 201.
(2) تاريخ الأئمة : 31 ، مسار الشيعة : 114 ، الارشاد : 254 ، تاريخ مواليد الأئمة : 180.
(3) في ( ط ) : بن عبد مناف.
(4) تاريخ الأئمة : 29 ، مسار الشيعة : 111 ، الارشاد : 253.
(5) في ( ع ، م ) : عبادته نحف جبهته فيقصها.
(6) في ( ط ) : وسيد العباد.
(7) مسار الشيعة : 112 ، تاريخ مواليد الأئمة : 180 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 175.

دلائل الإمامة _ 193 _


  نقش خاتمه (عليه السلام)
  وكان له خاتم نقشه : شقي وخزي قاتل الحسين (1).
  وبوابه (عليه السلام) :
  يحيى بن أم الطويل المدفون بواسط ، قتله الحجاج (لعنه الله) ، ويروى أنه أبو خالد الكابلي والله أعلم ، ولما دفن ضربت امرأته على قبره فسطاطا (2).
  ويروى أن ناقة تدعى ذرة وكانت ترعى فجاءت حتى ضربت بجرانها (3) الفسطاط ، وجعلت تحن ، فجاء غلام له (4) فأخذ بمشفرها (5) فاقتادها ، وكانت ناقته ، فلما كان عشية دفن خرجت حتى صارت إلى القبر.
  فأخبر أبو جعفر (عليه السلام) ، فقال : خذوها لا يراها الناس ، فخرج أبو جعفر (عليه السلام) فردها إلى موضعها ، ففعلت ذلك مرارا ، ثم إنهم أقاموها فلم تقم ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : دعوها فإنها مودعة ، فلم تلبث إلا هنيهة حتى نفقت (6) ، فأمر أبو جعفر (عليه السلام) فحفر لها ودفنت (7).
  ذكر ولده (عليه السلام) :
  محمد الباقر الإمام (عليه السلام) ، وزيد الشهيد بالكوفة ، و عبد الله ، وعبيد الله ،

---------------------------
(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 : 56 ، الكافي 6 : 473 / 6.
(2) تاريخ الأئمة : 32 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 176.
(3) الجران : باطن العنق من البعير وغيره ( المعجم الوسيط 1 : 119 ).
(4) في ( ع ، م ) لهم.
(5) المشفر : شفة البعير الغليظة ( المعجم الوسيط 1 : 487 ).
(6) في ( ط ) : حتى ماتت ، وكلاهما بمعنى.
(7) بصائر الدرجات : 503 / 11 ، الكافي 1 : 389 / 3 نحوه ، الاختصاص : 301.

دلائل الإمامة _ 194 _


  والحسن ، والحسين ، وعلي ، وعمر ، ولم يكن له بنت (1).

خبر أمه والسبب في تزويجها

  111 / 1 ـ أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن مخزوم المقرئ (2) مولى بني هاشم قال : حدثنا أبو سعيد (3) عبيد بن كثير بن عبد الواحد العامري التمار بالكوفة ، قال : حدثنا يحيى بن الحسن بن الفرات ، قال : حدثنا عمرو بن أبي المقدام ، عن سلمة بن كهيل ، عن المسيب بن نجبة ، قال : لما ورد سبي الفرس إلى المدينة أراد عمر بن الخطاب بيع النساء ، وأن يجعل الرجال عبيدا للعرب ، وأن يرسم عليهم ، أن يحملوا العليل والضعيف والشيخ الكبير في الطواف على ظهورهم حول الكعبة ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : أكرموا كريم كل قوم.
  فقال عمر : قد سمعته يقول : إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وإن خالفكم.
  فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : فمن أين لك أن (4) تفعل بقوم كرماء ما ذكرت ، إن (5) هؤلاء قوم قد ألقوا إليكم السلم ، ورغبوا في الاسلام والسلام (6) ، ولا بد من أن يكون لي منهم ذرية ، وأنا أشهد الله وأشهدكم أني قد أعتقت نصيبي منهم لوجه الله.

---------------------------
(1) تاريخ الأئمة : 19 ، مسار الشيعة : 114 ، تاريخ مواليد الأئمة : 180.
(2) في ( م ، ط ) : المسفري ، وهو تصحيف ، انظر تاريخ بغداد 1 : 362.
(3) (أبو سعيد) ليس في ( ط ).
(4) في ( ع ) : فمن تفعل ذلك ، وفي ( م ) : فمن ذلك.
(5) في ( ع ) : كرماء حكما ما ذكرته يا هذا ، وفي ( م ) : كرماء حكما ذكرته يا هذا.
(6) (والسلام) ليس في ( ط ).

دلائل الإمامة _ 195 _

  فقال جميع بني هاشم : قد وهبنا حقنا (1) أيضا لك ، فقال : اللهم اشهد أني قد أعتقت جميع ما وهبونيه من نصيبهم (2) لوجه الله.
  فقال المهاجرون والأنصار : قد وهبنا حقنا لك يا أخا رسول الله.
  فقال : اللهم اشهد أنهم قد وهبوا حقهم وقبلته ، واشهد لي بأني قد أعتقتهم لوجهك.
  فقال عمر : لم نقضت علي عزمي في الأعاجم ؟ وما الذي رغبك عن رأيي فيهم ؟
  فأعاد عليه ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في إكرام الكرماء ، وما هم عليه من الرغبة في الاسلام ، فقال عمر : قد وهبت لله ولك ـ يا أبا الحسن ـ ما يخصني وسائر ما لم يوهب لك.
  فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : اللهم اشهد على ما قالوه ، وعلى عتقي إياهم.
  فرغبت جماعة من قريش في أن يستنكحوا النساء ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : هؤلاء لا يكرهن على ذلك ولكن يخيرن ، فما اخترنه عمل به.
  فأشار جماعة الناس إلى شهربانويه بنت كسرى فخيرت وخوطبت من وراء حجاب ، والجمع حضور ، فقيل لها : من تختارين من خطابك ؟ وهل أنت ممن تريدين بعلا ؟ فسكتت .
  فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : قد أرادت وبقي الاختيار.
  فقال عمر : وما علمك بإرادتها البعل ؟
  فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا أتته كريمة قوم لا ولي لها وقد خطبت ، أمر أن يقال لها : أنت راضية بالبعل ؟ فإن استحيت وسكتت جعل إذنها صماتها (3) وأمر بتزويجها ، وإن قالت : لا ، لم تكره على ما لا تختاره.
  وإن شهربانويه أريت الخطاب وأومأت بيدها ، وأشارت إلى الحسين بن علي ،

---------------------------
(1) في ( م ) : حصثنا.
(2) في ( ع ، م ) : عتقت ما وهبتمونيه.
(3) في ( ط ) : رضاها سكوتها.

دلائل الإمامة _ 196 _

  فأعيد القول عليها في التخيير فأشارت بيدها وقالت بلغتها : هذا إن كنت مخيرة.
  وجعلت أمير المؤمنين (عليه السلام) وليها ، وتكلم (1) حذيفة بالخطبة ، فقال : أمير المؤمنين (عليه السلام) : ما اسمك ؟
  قالت : شاه زنان (2).
  قال : نه شاه زنان نيست ، مگر دختر (3) محمد (صلى الله عليه وآله) وهي سيدة نساء ، أنت شهربانويه وأختك مرواريد بنت كسرى.
  قالت : آريه (4).
  وروي أن شهربانويه وأختها مرواريد خيرتا ، فاختارت شهربانويه الحسين (عليه السلام) ، ومرواريد الحسن (عليه السلام).
  وقال علي الرافعي : كان لعلي بن الحسين (عليهما السلام) ناقة حج عليها ثلاثين حجة ، أو أربعا وعشرين حجة ، ما قرعها قرعة قط (5).
  وقيل له ـ وقد كان بين الفضل ـ : ما بالك إذا سافرت كتمت نسبك أهل الرفقة ؟
  فقال : أكره أن آخذ برسول الله ما لا أعطي مثله (6).
  رجع الحديث
  قال : وقال إبليس (لعنه الله) يا رب ، إني قد رأيت العابدين لك من عبادك من أول الدهر إلى عهد علي بن الحسين فلم أر فيهم أعبد لك ولا أخشع منه ، فأذن لي ـ يا إلهي ـ أن أكيده لأعلم صبره ، فنهاه الله عن ذلك فلم ينته ، فتصور لعلي بن

---------------------------
(1) في ( ط ) : فخطب.
(2) معناها : سيدة النساء.
(3) معناها : لا ، ليس سيدة النساء إلا ابنة.
(4) معناها : نعم ، العدد القوية : 57 / 74.
(5) نحوه في الكافي 1 : 389 / 1 ، ومناقب ابن شهرآشوب 4 : 155 ، وألقاب الرسول وعترته : 253.
(6) الكامل للمبرد 2 : 138 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 161 ، كشف الغمة 2 : 108.

دلائل الإمامة _ 197 _

  الحسين (عليه السلام) وهو قائم في صلاته في صورة أفعى له عشرة أرؤس ، محددة الأنياب ، منقلبة الأعين بالحمرة ، طلع عليه من جوف الأرض من مكان سجوده ثم تطول فلم يرعد لذلك ولا نظر بطرفه إليه ، فانخفض إلى الأرض في صورة الأفعى ، وقبض على عشرة أصابع علي بن الحسين وأقبل يكدمها (1) بأنيابه ، وينفخ عليها من نار جوفه ، وهو لا ينكسر طرفه إليه ، ولا يحرك قدميه عن مكانها ، ولا يختلجه شك ولا وهم في صلاته.
  فلم يلبث إبليس حتى انقض عليه شهاب محرق من السماء ، فلما أحس به إبليس صرخ وقام إلى جانب علي بن الحسين (عليهما السلام) في صورته الأولى ، وقال : يا علي ، أنت سيد العابدين كما سميت ، وأنا إبليس ، والله لقد شاهدت من عبادة النبيين والمرسلين من لدن آدم إلى زمنك (2) ، فما رأيت مثل عبادتك ، ولوددت أنك استغفرت لي ، فإن الله كان يغفر لي ، ثم تركه وولى ، وهو في صلاته لا يشغله كلامه حتى قضى صلاته على تمامها (3).
  وروي أنه كان قائما في صلاته حتى زحف ابنه محمد ، وهو طفل ، إلى بئر كانت في داره (4) بعيدة القعر ، فسقط فيها ، فنظرت إليه أمه فصرخت ، وأقبلت تضرب نفسها من حوالي البئر ، وتستغيث به وتقول له : يا بن رسول الله ، غرق والله ابنك محمد ، وكل ذلك لا يسمع قولها ، ولا ينثني عن صلاته ، وهي تسمع اضطراب ابنها في قعر البئر في الماء.
  فلما طال عليها ذلك قالت له جزعا على ابنها ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت النبوة ! فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلا بعد كمالها وتمامها ، ثم أقبل عليها فجلس على رأس البئر ، ومد يده إلى قعرها ، وكانت لا تنال إلا برشاء (5) طويل فأخرج ابنه محمدا بيده وهو يناغيه ويضحك ، ولم يبل له ثوب ولا جسد بالماء.

---------------------------
(1) أي يعضها ( لسان العرب ـ كدم ـ 12 : 509 ).
(2) في ( ع ، م ) : آدم أبوك وإليك.
(3) نوادر المعجزات : 112 / 1 ، حلية الأبرار 2 : 9 ، مدينة المعاجز : 293 / 1.
(4) في ( ع ، م ) : فازة.
(5) الرشاء : حبل الدلو ( المعجم الوسيط ـ رشا ـ 1 : 348 ).

دلائل الإمامة _ 198 _

  فقال لها : هاك هو يا قليلة اليقين بالله ، فضحكت لسلامة ابنها ، وبكت لقولها ، فقال لها (1) : لا تثريب عليك ، لو علمت أنني كنت بين يدي جبار ، لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني ، فمن ترين أرحم بعبده منه ؟! (2)
  وقال : كان علي بن الحسين (عليه السلام) حسن الصلاة يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة (3) سوى الفريضة ، فقيل له : أين هذا العمل من عمل علي أمير المؤمنين جدك ؟
  فقال (4) : مه إنني نظرت في عمل علي يوما واحدا ، فما استطعت أن أعدله (5) من الحول إلى الحول (6).
  ذكر (7) معجزاته (عليه السلام)
  112 / 2 ـ قال أبو جعفر : حدثنا عبد الله بن محمد البلوي ، قال : سمعت عمارة ابن زيد ، قال : حدثني إبراهيم بن سعد ، قال : لما كانت واقعة الحرة وأغار الجيش على المدينة وأباحها (8) ثلاثا ، وجه بردعة الحمار صاحب يزيد بن معاوية (لعنه الله) في طلب علي بن الحسين (عليهما السلام) ليقتله ، أو

---------------------------
(1) في ( ط ) : فبكت لما نالت منه في جزعها فقال.
(2) الهداية الكبرى : 215 ، عيون المعجزات : 73 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 135 ، مدينة المعاجز : 293.
(3) الارشاد : 256 ، عيون المعجزات : 71 ، روضة الواعظين : 197 ، ألقاب الرسول وعترته : 253 ، إعلام الورى : 260 ، تهذيب التهذيب 7 : 306 ، إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار : 237 ، تذكرة الحفاظ 1 : 75 ، الفصول المهمة : 201 ، الصواعق المحرقة : 200 ، نور الأبصار : 281.
(4) زاد في ( ط ) : للمتكلم.
(5) في ( ع ، م ) : واحدا فعدلت.
(6) حلية الأبرار 1 : 321 ، مدينة المعاجز : 293.
(7) في ( ط ) زيادة : شئ من.
(8) في ( ع ، م ) الحرة وأغير على المدينة.

دلائل الإمامة _ 199 _

  يسمه ، فوجدوه في منزله ، فلما دخلوا ركب السحاب ، وجاء حتى وقف فوق رأسه (1) ، وقال : أيما أحب إليك : تكف ، أو آمر الأرض أن تبلعك (2) ؟ قال : ما أردت إلا إكرامك والاحسان إليك ، ثم نزل عن السحاب ، فجلس بين يديه ، فقرب إليه أقداحا فيها ماء ولبن وعسل ، فاختار علي بن الحسين لبنا وعسلا ، ثم غاب من بين يديه حيث لا يعلم (3).
  113 / 3 ـ قال أبو جعفر : حدثنا أبو محمد سفيان بن وكيع ، عن أبيه ، عن الأعمش ، عن قدامة بن عاصم ، قال : كان علي بن الحسين (عليهما السلام) رجلا أسمر ضخما من الرجال ، وكان ينظر إلى صريمة فيها ظباء فيسبق أوائلها ويردها على أواخرها (4).
  114 / 4 ـ قال أبو جعفر : حدثنا عبد الله بن محمد ، عن عمارة بن زيد ، عن أبي إسحاق إبراهيم بن غندر ، قال : جاء مال من خراسان إلى مكة ، فقال محمد بن الحنفية : هذا المال لي وأنا أحق به ، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام) : بيني وبينك الصخرة ، فأتيا الصخرة ، فكلم محمد ابن الحنفية الصخرة فلم تنطق ، فكلمها علي بن الحسين فنطقت وقالت : المال لك ، المال لك ، وأنت الوصي وابن الوصي ، والإمام وابن الإمام ، فبكى محمد وقال : يا بن أخي ، لقد ظلمتك إذ غصبتك حقك (5).
  115 / 5 ـ قال أبو جعفر : حدثنا أبو محمد عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن سعيد ، عن سالم بن قبيصة ، قال : شهدت علي بن الحسين (عليه السلام) وهو يقول : أنا أول من خلق الأرض ، وأنا آخر من يهلكها.
  فقلت له : يا بن رسول الله ، وما آية ذلك ؟
  قال : آية ذلك أن أرد الشمس من مغربها إلى مشرقها ، ومن مشرقها إلى مغربها.

---------------------------
(1) في ( ط ) : دخلوا عليه جاءه سحاب فوقف على رأسه فنزل منه ملك فقام بين يديه.
(2) في ( ط ) : تبتلعهم فقال : ماكل هذا.
(3) نوادر المعجزات : 113 / 2 ، إثبات الهداة 5 : 254 / 55 ، مدينة المعاجز : 293.
(4) إثبات الهداة 5 : 255 / 56 ، مدينة المعاجز : 293 / 4.
(5) نوادر المعجزات : 114 / 3 ، إثبات الهداة 5 : 255 / 57 ، مدينة المعاجز : 293 / 5.

دلائل الإمامة _ 200 _

  فقيل له : أفعل ذلك ، ففعل.
  وقال علي بن الحسين (صلوات الله عليه) : سألت ربي ثلاثا فأعطاني ، سألته أن يحل في ما حل في سميي من قبل ففعل ، وأن يرزقني العبادة ففعل ، وأن يلهمني التقوى ففعل (1).
  116 / 6 ـ قال أبو جعفر : حدثنا سفيان بن وكيع ، عن أبيه وكيع ، عن الأعمش ، قال : قال إبراهيم بن الأسود التيمي (2) : رأيت علي بن الحسين (عليه السلام) وقد أوتي بطفل مكفوف ، فمسح عينيه فاستوى بصره ، وجاءوا إليه بأبكم فكلمه فأجابه ، وجاءوا إليه بمقعد فمسح عليه (3) فسعى ومشى (4).
  117 / 7 ـ قال أبو جعفر : حدثنا أحمد بن سليمان بن أيوب الهاشمي ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، قال : أخبرنا سليمان بن عيسى ، قال : لقيت علي بن الحسين (عليه السلام) فقلت له : يا بن رسول الله ، إني معدم ، فأعطاني درهما ورغيفا ، فأكلت أنا وعيالي من الرغيف والدرهم أربعين سنة (5).
  118 / 8 ـ قال أبو جعفر : حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح ، عن محمد بن إسحاق ، قال : لقيت علي بن الحسين (عليه السلام) وقد انبثق شق في نهر سورا وبريه (6) وتر بنا حتى ذهب بغلتيهما ـ خمسمائة (7) ألف درهم ـ وكان ذلك دأبه في كل سنة ، فسألته فأعطاني خاتم رصاص ، فألقيته في ذلك النهر ، فوقف الماء بصيفه وشتائه ومده ونقصه فلم يضر الغلة (8).

---------------------------
(1) نوادر المعجزات : 114 / 4 ، قطعة منه ، مدينة المعاجز : 293 / 6.
(2) في ( ط ) : التميمي.
(3) في ( ع ، م ) : فمسحه.
(4) نوادر المعجزات : 115 / 5 ، إثبات الهداة 5 : 255 / 58 ، مدينة المعاجز : 293 / 7.
(5) نوادر المعجزات : 115 / 6 ، إثبات الهداة 5 : 255 / 59 ، مدينة المعاجز : 293 / 8.
(6) نهر سورا ويقال سوراء : من نواحي الكوفة ، ونهر بريه : بالبصرة شرق دجلة.
(7) في ( ع ، م ) : شقا في نهر متورا ونرية وترينا حتى ذهب غلاتها بخمسمائة.
(8) إثبات الهداة 5 : 256 / 60.

دلائل الإمامة _ 201 _

  119 / 9 ـ قال أبو جعفر : حدثني خليفة بن هلال ، قال : حدثنا أبو النمير علي ابن يزيد ، قال : كنت مع علي بن الحسين (عليه السلام) عندما انصرف من الشام إلى المدينة ، فكنت أحسن إلى نسائه وأتوارى عنهم عند قضاء حوائجهم (1) ، فلما نزلوا المدينة بعثوا إلي بشئ من حليهن فلم آخذه ، وقلت : فعلت هذا لله (عز وجل) (2).
  فأخذ علي بن الحسين (عليه السلام) حجرا أسود صما فطبعه بخاتمه ، ثم قال : خذه وسل كل حاجة لك منه.
  فوالله الذي بعث محمدا بالحق ، لقد كنت أسأله الضوء في البيت فينسرج في الظلماء ، وأضعه على الأقفال فتفتح لي ، وآخذه بيدي وأقف بين يدي السلاطين فلا أرى إلا ما أحب (3).
  120 / 10 ـ قال أبو جعفر : حدثنا عبد الله بن منير قال : أخبرنا محمد بن إسحاق الصاعدي (4) وأبو محمد ثابت بن ثابت ، قالا : حدثنا جمهور بن حكيم ، قال : رأيت علي بن الحسين (عليه السلام) وقد نبت له أجنحة وريش ، فطار ثم نزل ، فقال : رأيت الساعة جعفر بن أبي طالب في أعلى عليين.
  فقلت : وهل تستطيع أن تصعد ؟
  فقال : نحن صنعناها فكيف لا نقدر أن نصعد إلى ما صنعناه ؟! نحن حملة العرش ، ونحن على العرش ، والعرش والكرسي لنا.
  ثم أعطاني طلعا في غير أوانه (5).
  121 / 11 ـ قال أبو جعفر : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا عمارة بن زيد ، قال : حدثنا ثابت ، عن أنس بن مالك.

---------------------------
(1) في ( ط ) : عنهم إذا نزلوا وأبعد عنهم إذا رحلوا ، وفي النوادر : وأقضي حوائجه.
(2) في ( ط ) : ولرسوله.
(3) نوادر المعجزات : 116 / 7 ، إثبات الهداة 5 : 256 / 61 ، مدينة المعاجز : 294 / 9.
(4) في ( ع ) : الساعدي.
(5) نوادر المعجزات : 116 / 8 ، إثبات الهداة 5 : 256 / 62 ، مدينة المعاجز : 294 / 10.

دلائل الإمامة _ 202 _

  قال : لقيت علي بن الحسين (عليهما السلام) وهو خارج إلى ينبع (1) ماشيا (2) فقلت : يا بن رسول الله ، لو (3) ركبت ، فقال : ها هنا ما هو أيسر ، فانظر ، فحملته الريح ، وحفت بن الطير من كل جانب ، فما رأيت مرأى (4) أحسن من ذلك كانت الطير (5) لتناغيه ، والريح تكلمه (6).
  122 / 12 ـ وروى عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : بينا علي بن الحسين (عليه السلام) جالس مع أصحابه إذ أقبلت ظبية من الصحراء حتى قامت بين يديه ، فضربت بذنبها وهمهمت ، فقال بعض القوم : يا بن رسول الله ما تقول الظبية ؟ قال : تذكر أن فلان بن فلان القرشي أخذ خشفها بالأمس ولم ترضعه منذ أمس.
  قال : فوقع في قلب الرجل ما شاء الله.
  قال : فأرسل إلى القرشي وقال له : هذه الظبية تشكوك.
  قال : وما تقول ؟
  قال : تزعم أنك أخذت خشفها أمس في وقت كذا وكذا ، وأنه لم يرضع منذ أمس شيئا ، وقد سألتني أن أسألك أن تبعث به إليها حتى ترضعه وترده إليك.
  قال : والذي بعث محمدا بالرسالة ، لقد صدقت علي ، فقال له : أرسل إلي بالخشف.
  فلما رأته همهمت وضربت بذنبها ، فرضع منها فقال : بحقي عليك ـ يا فلان ـ إلا وهبته لي ، فوهبه لعلي بن الحسين (عليه السلام) ، ووهبه علي بن الحسين لها ، وكلمها بمثل كلامها ، فهمهمت وضربت بذنبها وانطلقت مع الخشف ، فقالوا : يا بن رسول الله ، ما قالت ؟

---------------------------
(1) ينبع قرية غناء على يمين رضوي لمن كان منحدرا من أهل المدينة إلى البحر. مراصد الاطلاع 3 : 1485.
(2) (ماشيا) ليس في ( ع ، م ).
(3) في ( ع ، م ) : إن.
(4) في ( ع ، م ) : مرقوما.
(5) في ( ع ، م ) أحسن منه يرفد إلى الطير.
(6) نوادر المعجزات : 117 / 9 ، إثبات الهداة 5 : 256 / 63 ، مدينة المعاجز : 294 / 11.

دلائل الإمامة _ 203 _

  قال : دعت لكم (1) وجزتكم خيرا (2) .
  123 / 13 ـ وروى الحسين بن أبي العلاء وأبو المغرا وحميد بن المثنى جميعا ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : جاء محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال : يا علي ، ألست تقر بأني إمام عليك ؟
  قال : يا عم ، لو علمت ذلك ما خالفتك ، و (3) إن طاعتي عليك وعلى الخلائق مفروضة ، وقال : يا عم ، أما علمت أني وصي وابن وصي ، وأنبه فتشاجرا ساعة ، فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : بمن ترضى يكون بيننا حكما ؟
  فقال محمد : من شئت.
  قال : أترتضي أن يكون بيننا الحجر الأسود ؟
  فقال محمد : سبحان الله! أدعوك إلى الناس وتدعوني إلى حجر لا يتكلم!
  فقال علي (عليه السلام) : يتكلم ، أما علمت ـ يا عم ـ أنه يأتي يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان ، فيشهد لمن وافاه بالموافاة ، فندنو أنا وأنت منه ، فندعو الله أن ينطقه لنا أينا حجة الله على خلقه.
  فانطلقا وصليا عند مقام إبراهيم (عليه السلام) ودنوا من الحجر الأسود ، وقد كان ابن الحنفية قال : لئن لم أجبك إلى ما دعوتني إليه ، إني إذن لمن الظالمين.
  فقال علي (عليه السلام) لمحمد : تقدم يا عم إليه ، فإنك أسن مني ، فقال محمد للحجر : أسألك بحرمة الله ، وبحرمة رسوله ، وبحرمة كل مؤمن إن كنت تعلم أني حجة الله على علي ابن الحسين إلا نطقت بالحق ، وبينت ذلك لنا ، فلم يجبه.
  ثم قال محمد لعلي (عليه السلام) : تقدم فاسأله ، فتقدم علي (عليه السلام) فتكلم بكلام خفي لا يفهم ، ثم قال : أسألك بحرمة الله ، وبحرمة رسوله ، وبحرمة علي أمير المؤمنين ، وبحرمة فاطمة ،

---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : لله.
(2) بصائر الدرجات : 370 / 10 ، الهداية الكبرى : 216 ، الاختصاص : 299 ، الخرائج والجرائح 1 : 259 / 4 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 140 ، الثاقب في المناقب : 359 / 297 ، كشف الغمة 2 : 109 ، الصراط المستقيم 2 : 180 / 4
(3) في ( ط ) زيادة : لكني أعلم.

دلائل الإمامة _ 204 _

  وبحرمة الحسن والحسين إن كنت تعلم أني حجة الله على عمي إلا نطقت بذلك ، وبينت لنا حتى يرجع عن رأيه.
  فقال الحجر بلسان عربي مبين : يا محمد بن علي ، اسمع وأطع لعلي بن الحسين ، فإنه حجة الله على خلقه.
  فقال ابن الحنفية بعد ذلك : سمعت وأطعت وسلمت (1).
  124 / 14 ـ وروى الحسين بن سعيد ، عن القاسم ، (عن سليمان) (2) بن محمد ابن دينار ، عن عبد الله بن عطاء التميمي ، قال : كنت مع علي بن الحسين (عليه السلام) في المسجد فمر عمر بن عبد العزيز وعليه نعلان شراكهما فضة ، وكان من أمجن الناس ، وهو شاب ، فنظر إليه علي بن الحسين (عليه السلام) فقال : يا عبد الله بن عطاء ، ترى هذا المترف ، إنه لا يموت حتى يلي الناس.
  قلت : إنا لله ، هذا الفاسق!
  قال : نعم ، ولا يلبث عليهم إلا يسيرا حتى يموت ، فإذا مات لعنه أهل السماء ، وبكى ، عليه أهل الأرض (3).
  125 / 15 ـ وروى الحسين بن سعيد والبرقي ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي (4) ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : أتي بعلي بن الحسين (عليهما السلام) إلى يزيد بن معاوية ومن معه من النساء أسرى فجعلوهم في بيت ، ووكلوا بهم قوما من العجم لا يفهمون العربية.
  فقال بعض لبعض : إنما جعلنا في هذا البيت ليهدم علينا فيقتلنا فيه.
  فقال علي بن الحسين (عليه السلام) للحرس بالرطانة : تدرون ما يقول هؤلاء

---------------------------
(1) الهداية الكبرى : 220 ، الخرائج والجرائح 1 : 257 نحوه ، الثاقب في المناقب : 349 / 291 ، وقطعة منه في عيون المعجزات : 71 ، وألقاب الرسول وعترته : 254.
(2) أضفناه من بصائر الدرجات ، وانظر معجم رجال الحديث 10 : 256.
(3) بصائر الدرجات : 190 / 1 ، الخرائج والجرائح 2 : 584 / 4 ، الثاقب في المناقب : 360 / 298.
(4) زاد في البصائر : عن محمد بن علي الحلبي ، وكلاهما معدود في أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) والرواة عنه ، انظر رجال النجاشي : 444 / 1199 ومعجم رجال الحديث 16 : 303.

دلائل الإمامة _ 205 _

  النساء ؟ يقلن كيت وكيت.
  فقال الحرس : قد قالوا أنكم تخرجون غدا وتقتلون ، فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : كلا ، يأبى الله ذلك ، ثم أقبل عليهم يعلمهم بلسانهم.
  والرطانة عند أهل المدينة اللغة (1) الفارسية (2).
  126 / 16 ـ وروى يعقوب بن يزيد ، عن الوشاء عمن روى (3) عن المثنى ، عن علي بن منصور (4) ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : كنت مع علي بن الحسين (عليه السلام) في داره وفيها عصافير وهي تصوت ، فقال لي : أتدري ما يقلن هؤلاء العصافير ؟
  فقلت : لا أدري.
  قال : يسبحن ربهن ويهللن ، ويسألنه قوت يومهن.
  ثم قال : يا أبا حمزة ، علمنا منطق الطير ، وأوتينا من كل شئ (5).
  127 / 17 ـ وروى العباس بن معروف ، عن أبي الحسن الكرخي ، عن الحسن [ابن محمد] بن عمران (6) ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، (عن عبد العزيز) (7) ، قال : خرجت مع علي بن الحسين (عليه السلام) إلى مكة فبلغنا الأبواء ، فإذا غنم ونعجة قد تخلفت عن القطيع ، وهي تثغو ثغاء شديدا وتنقلب إلى سخلتها تثغو وتشتد في طلبها فكلما قامت السخلة ثغت النعجة فتتبعها.
  فقال : يا عبد العزيز ، تدري ما تقول النعجة لسخلتها ؟ فقلت : لا والله ما أدري ،

---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : الدرية.
(2) بصائر الدرجات : 357 / 1 ( نحوه ) ، مدينة المعاجز : 294.
(3) في ( م ) : عمن رواه.
(4) في البصائر : الميثمي ، عن منصور ، وفي الاختصاص : علي بن إسماعيل الميثمي ، عن منصور بن يونس ، وكلاهما يرويان عن أبي حمزة الثمالي ، انظر معجم رجال الحديث 21 : 133.
(5) بصائر الدرجات : 361 / 1 ، الاختصاص : 292 ، ونحوه في الهداية الكبرى : 217 ، وحلية الأولياء 3 : 140 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 133.
(6) في النسخ : الحسن بن عمران ، وما أثبتناه من جامع الرواة 1 : 329 ، معجم رجال الحديث 7 : 258.
(7) أثبتناه من الخرائج والجرائح ومناقب ابن شهرآشوب.

دلائل الإمامة _ 206 _

  فقال : إنها تقول : الحقي بالغنم ، فإن أختك عام أول تخلفت في هذا الموضع فأكلها الذئب (1).
  128 / 18 ـ وروى محمد بن إبراهيم ، قال : حدثني بشر بن محمد (2) ، عن حمران ابن أعين ، قال : كنت قاعدا عند علي بن الحسين (عليه السلام) ومعه (3) جماعة من أصحابه ، فجاءت ظبية فتبصبصت وضربت بذنبها ، فقال : هل تدرون ما تقول هذه الظبية ؟ قلنا : ما ندري.
  فقال : تزعم أن رجلا اصطاد خشفا لها وهي تسألني أن أكلمه أن يرده عليها.
  فقام وقمنا معه حتى جاء إلى باب الرجل ، فخرج إليه والظبية معنا ، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام) : إن هذه الظبية زعمت كذا وكذا ، وأنا أسألك أن ترد عليها ، فدخل الرجل مسرعا داره ، وأخرج إليه الخشف وسيبه ، فمضت الظبية والخشف معها ، وأقبلت تحرك ذنبها ، فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : هل تدرون ما تقول ؟ فقلنا : ما ندري.
  فقال : إنها تقول : رد الله عليكم كل حق غصبتم عليه ، وكل غائب ، وكل سبب ترجونه ، وغفر لعلي بن الحسين كما رد علي ولدي (4).
  129 / 19 ـ أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، قال : حدثنا الحسين بن أحمد ، قال : حدثنا أبي ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة وزرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : لما قتل الحسين بن علي (صلوات الله عليه) أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين فجاءه ، فقال (5) له : يا بن أخي ، قد علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل الوصية

---------------------------
(1) بصائر الدرجات : 367 / 2 ، الاختصاص : 294 ، الخرائج والجرائح 2 : 833 / 48 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 139.
(2) في البصائر والاختصاص : بشر (بشير) وإبراهيم ابنا محمد ، عن أبيهما.
(3) في ( ط ) : ومعي.
(4) بصائر الدرجات : 372 / 14 ، الاختصاص : 297.
(5) في ( ع ، م ) : فجاء به وقال ، ولعلها تصحيف : فخلا به ، كما في بعض المصادر.

دلائل الإمامة _ 207 _

  والإمامة من بعده إلى علي بن أبي طالب ، ثم إلى الحسن ، ثم إلى الحسين ، وقد قتل أبوك (صلوات الله عليه) ، وأنا عمك وصنو أبيك ، وولادتي من علي بن أبي طالب مثل ولادة أبيك ، فأنا أحق بالوصية منك مع حداثتك ، فلا تنازعني الوصية والإمامة ، ولا تحاربني (1).
  فقال له علي بن الحسين (عليه السلام) : يا عم ، لا تدع ما ليس لك بحق ، إني أعظك أن تكون من الجاهلين.
  إن أبي (صلوات الله عليه) أوصى إلي قبل أن يتوجه إلى العراق ، وعهد إلي قبل أن يستشهد بساعة ، وهذا سلاح رسول الله عندي ، فلا تتعرض لهذا الأمر وتنكره ، فإني أخاف عليك ـ يا عم ـ نقص العمر وتشتت الحال.
  إن الله (تعالى) ـ لما صنع الحسن (عليه السلام) مع معاوية ما صنع ـ جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين (عليه السلام) ، فإن أردت أن تعلم حقيقة قولي فانطلق معي إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك.
  سقال أبو جعفر (عليه السلام) : وكان الكلام بينهما بمكة ، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود ، فقال علي (عليه السلام) لمحمد بن الحنفية : ابتهل إلى الله (تعالى) ، واسأله أن ينطق لك الحجر. فابتهل محمد بالدعاء ، وسأل الله ، وكلم الحجر فلم يجبه.
  فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : أما إنك ـ يا عم ـ لو كنت وصيا وإماما لأجابك.
  قال : فقال محمد : فكلمه أنت ـ يا بن أخي ـ وسله.
  فدعا الله علي بن الحسين (عليه السلام) بما أراد ، ثم قال : أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء والناس أجمعين لما أخبرتنا من الوصي والإمام بعد الحسين.
  فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه ، وأنطقه الله (عز وجل) بلسان عربي مبين ، وقال : اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي (عليه السلام) إلى علي بن الحسين بن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله).

---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : ولا تحادثني ، وفي البصائر : ولا تجانبني ، وفي الإمامة والتبصرة : ولا تخالفني.

دلائل الإمامة _ 208 _

  فانصرف محمد بن الحنفية وهو يتولى علي بن الحسين (عليه السلام) (1).
  130 / 20 ـ وروى فضالة بن أيوب ، عن أبان بن عثمان الأحمر ، عن أبي عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) ، قال : حضر علي بن الحسين (عليهما السلام) الموت ، فقال : يا محمد ، أي ليلة هذه ؟ قال : ليلة كذا وكذا.
  قال : وكم مضى من الشهر ؟ قال : كذا وكذا.
  قال : وكم بقي ؟ قال : كذا وكذا.
  قال : إنها الليلة التي وعدتها.
  قال : ودعا بوضوء فقال إن فيه لفأرة ، فقال بعض القوم (2) : إنه ليهجر ، فقال : هاتوا المصباح فنظروا فإذا فيه فأرة ، فأمر بذلك الماء فأهريق ، وأتوه بماء آخر ، ثم توضأ وصلى ، حتى إذا كان آخر الليل توفي (صلوات الله عليه) (3).
  131 / 21 ـ أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أبو علي محمد بن همام ، قال : حدثني عبد الله بن العلاء ، قال : حدثني محمد بن الحسن بن شمون ، قال : حدثنا عبد الله بن يزيد بن حماد الكاتب ، عن أبيه يزيد بن حماد ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن جبير بن الطحان ، عن يونس بن ظبيان ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إن أول ما استدل به أبو خالد الكابلي عليه من علامات علي بن الحسين (عليه السلام) أنه دق عليه بابه فخرج إليه الغلام ، فقال له : من أنت ؟ فقال : أنا أبو خالد الكابلي.
  فقال علي (عليه السلام) : قل له : ادخل يا كنكر.
  قال أبو خالد : فارتعدت فرائصي ودخلت فسلمت ، فقال لي : يا أبا خالد : أريد أن أريك الجنة وهي مسكني الذي إذا شئت دخلت فيه ، فقلت : نعم أرنيه.
  فمسح يده على عيني ، فصرت في الجنة ، فنظرت إلى قصورها وأنهارها وما شاء

---------------------------
(1) بصائر الدرجات : 522 / 3 ، الكافي 1 : 282 / 5 ، الإمامة والتبصرة : 60 / 49 ، الاحتجاج 316 ، إعلام الورى : 258 قطعة منه ، مختصر بصائر الدرجات : 14 و 170 ، وقطعة منه في مناقب ابن شهرآشوب 4 : 147.
(2) في ( ط ) : العواد.
(3) الهداية الكبرى : 224 نحوه ، فرج المهموم : 228 عن الدلائل.

دلائل الإمامة _ 209 _

  الله أن أنظر ، فمكثت ما شاء الله ، ثم نظرت بعد فإذا أنا بين يديه (صلى الله عليه وعلى آبائه) (1).
  132 / 22 ـ وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدثني أبو النجم بدر ابن الطبرستاني ، قال : حدثني أبو جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال : روي عن أبي خالد الكابلي أنه قال : كنت أقول بمحمد بن الحنفية فلقيني يحيى بن أم الطويل فدعاني إلى علي ابن الحسين (عليه السلام) ، فامتنعت عليه ، فقال لي : ما يضرك أن تقضي حقي بأن تلقاه لقية واحدة! فصرت معه إليه ، فوجدته (عليه السلام) جالسا في بيت مفروش بالمعصفر (2) ملبس الحيطان (3) وعليه ثياب مصبغة ، فلم أطل (4) عنده ، فلما نهضت قال لي : صر إلينا في غد إن شاء الله ، فخرجت من عنده.
  فقلت ليحيى : أدخلتني إلى رجل يلبس المصبغات! وعزمت أن لا أرجع إليه ، ثم فكرت أن رجوعي غير ضائر ، فصرت إليه في الوقت فوجدت الباب مفتوحا ، ولم أر أحدا فهممت بالرجوع ، فناداني من داخل الدار : ادخل. ثلاثة أصوات فظننت أنه يريد غيري ، فصاح : يا كنكر (5) ، ادخل. وهذا الاسم كانت أمي سمتني به ، ولم يسمعه منها أحد غيري ، فدخلت إليه فوجدته جالسا في بيت مطين ، على حصير بردي ، وعليه قميص كرابيس (6) ، فقال لي : يا أبا خالد ، إني قريب عهد بعرس ، وإن الذي رأيت بالأمس من آلة المرأة ، ولم أحب خلافها.
  فما برحت ذلك اليوم من عنده حتى أراني الأعاجيب ، فقلت بإمامته ، وهداني الله به وعلى يديه (7).

---------------------------
(1) مدينة المعاجز : 299 / 23.
(2) أي المصبوغ بالعصفر ، وهو صبغ أحمر غالبا ما يصبغ به الحرير يتخذ من زهر نبات العصفر ، انظر ( المعجم الوسيط 2 : 605 ).
(3) في ( ط ) : قد لبس الحيطان بذلك ، وفي العيون : مكلس الحيطان.
(4) في ( ع ، م ) : آكل.
(5) في ( ع ) : يا كنفر ، وفي ( م ) : يا كنص.
(6) الكرابيس ، جمع كرباس : وهو القطن ( مجمع البحرين 4 : 100 ).
(7) عيون المعجزات : مدينة المعاجز : 299 / 24.

دلائل الإمامة _ 210 _

  133 / 23 ـ وبإسناده قال أبو خالد الكابلي : إن رجلا أتى علي بن الحسين (عليه السلام) وعنده أصحابه ، فقال له : من أنت ؟ فقال : أنا منجم وأبي عراف ، فنظر إليه ثم قال له : هل أدلك على رجل قد مر منذ دخلت علينا في أربعة آلاف (1) عالم ؟
  فقال : من هو.
  فقال له : إن شئت أنبأتك بما أكلت وما ادخرت في بيتك.
  فقال له : أنبئني.
  فقال له : أكلت في هذا اليوم حيسا (2) ، وأما ما في بيتك فعشرون دينارا ، منها ثلاثة دنانير دارية.
  فقال له الرجل : أشهد أنك الحجة العظمى ، والمثل الأعلى ، وكلمة التقوى.
  فقال له : أنت صديق امتحن الله قلبك (3).
  134 / 24 ـ أخبرني أخي (رضي الله عنه) ، قال : حدثني أبو الحسن أحمد بن علي ، المعروف بابن البغدادي ، ومولده بسوراء (4) ، في يوم الجمعة لخمس بقين من جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وثلاثمائة ، قال : وجدت في الكتاب الملقب ب (كتاب المعضلات) رواية أبي طالب محمد بن الحسين بن زيد ، قال : حدث أبوه ، عن ابن رياح ، يرفعه عن رجاله ، عن محمد بن ثابت ، قال : كنت جالسا في مجلس سيدنا أبي الحسن علي بن الحسين زين العابدين (صلوات الله عليه) إذ وقف به (5) عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال له يا علي بن

---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : أربعة عشر ألف.
(2) الحيس : هو الطعام المتخذ من التمر والأقط ـ أي اللبن المحمض المجمد ـ والسمن ( لسان العرب ـ حيس ـ 6 : 61 ).
(3) بصائر الدرجات : 420 / 13 ، الاختصاص : 320 نحوه ، فرج المهموم : 111 ، مدينة المعاجز 299 / 25 وإثبات الهداة 5 : 257 / 66 قطعة منه.
(4) في ( ط ) : بسوري ، سوراء : موضع يقال هو إلى جنب بغداد ، وقيل : هو بغداد نفسها ، وسورا بالألف المقصورة : موضع بالعراق قرب بابل ( معجم البلدان 3 : 278 ).
(5) في ( ط ) : عليه.

دلائل الإمامة _ 211 _

  الحسين ، بلغني أنك تدعي أن يونس بن متى عرضت عليه ولاية أبيك فلم يقبلها (1) ، فحبس في بطن الحوت.
  قال له علي بن الحسين (عليه السلام) يا عبد الله بن عمر ، وما أنكرت من ذلك ؟
  قال : إني لا أقبله.
  فقال : أتريد أن يصح لك ذلك ؟
  قال له : نعم ، قال له : اجلس.
  ثم دعا غلامه فقال له : جئنا بعصابتين ، وقال لي : يا محمد بن ثابت ، شد عين عبد الله بإحدى العصابتين واشدد عينك بالأخرى ، فشددنا أعيننا فتكلم بكلام ، ثم قال : حلوا أعينكم ، فحللناها فوجدنا أنفسنا على بساط ونحن على ساحل البحر.
  ثم تكلم (2) بكلام فاستجاب له حيتان البحر إذ ظهرت بينهن حوتة عظيمة فقال لها : ما اسمك ؟ فقالت : اسمي نون.
  فقال لها : لم حبس يونس في بطنك ؟
  فقالت : عرضت عليه ولاية أبيك فأنكرها ، فحبس في بطني ، فلما أقر بها وأذعن أمرت فقذفته ، وكذلك من أنكر ولايتكم أهل البيت يخلد في نار الجحيم : فقال له : يا عبد الله (3) أسمعت وشهدت ؟ فقال له : نعم ، فقال : شدوا أعينكم.
  فشددناها فتكلم بكلام ثم قال : حلوها ، فحللناها ، فإذا نحن على البساط في مجلسه ، فودعه عبد الله وانصرف.
  فقلت له : يا سيدي ، لقد رأيت في يومي عجبا ، فآمنت به ، فترى عبد الله بن عمر يؤمن بما آمنت به ؟
  فقال لي : لا ، أتحب أن تعرف ذلك ؟ فقلت : نعم ، قال : قم فاتبعه وماشيه واسمع ما يقول لك.

---------------------------
(1) في ( ط ) : يقبل.
(2) في ( ع ، م ) : فتكلم.
(3) في ( ط ) : الجحيم ، فالتفت إلى عبد الله وقال له.

دلائل الإمامة _ 212 _

  فتبعته في الطريق ومشيت معه ، فقال لي : إنك لو عرفت سحر عبد المطلب لما كان هذا بشئ (1) في نفسك ، هؤلاء قوم يتوارثون السحر كابرا عن كابر ، فعند ذلك علمت (2) أن الإمام لا يقول إلا حقا (3).
  135 / 25 ـ وحدثني أبو طاهر عبد الله بن أحمد الخازن ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عمر بن سلم (4) التميمي ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا إبراهيم بن أحمد بن جبرويه (5) ، قال : حدثنا محمد بن أبي البهلول ، قال : حدثنا صالح بن أبي الأسود ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) ، قال : خرج أبو محمد علي بن الحسين (عليه السلام) إلى مكة في جماعة من مواليه وناس من سواهم ، فلما بلغ عسفان ضرب مواليه فسطاطه في موضع منها ، فلما دنا علي بن الحسين (عليه السلام) من ذلك الموضع قال لمواليه : كيف ضربتم في هذا الموضع ؟ هذا موضع قوم من الجن هم لنا أولياء ولنا شيعة ، وذلك يضر بهم ويضيق عليهم ؟! فقالوا : ما علمنا ذلك ، وعزموا (6) على قلع الفساطيط ، وإذا هاتف يسمع صوته ، ولا يرى شخصه ، وهو يقول : يا بن رسول الله ، لا تحول فسطاطك من موضعه ، فإنا نحتمل ذلك لك ، وهذا الطبق قد أهديناه إليك ، نحب أن تنال منه لنتشرف بذلك.
  فنظرنا فإذا بجانب الفسطاط طبق عظيم ، وأطباق معه ، فيها عنب ورمان وموز وفاكهة كثيرة ، فدعا أبو محمد (عليه السلام) من كان معه فأكل ، وأكلوا معه من تلك الفاكهة (7).

---------------------------
(1) (بشئ) ليس في ( ع ، م ).
(2) في ( ط ) : فرجعت وأنا عالم.
(3) نوادر المعجزات : 117 / 10 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 138 نحوه ، إثبات الهداة 5 : 258 / 67 ، مدينة المعاجز : 299 / 26.
(4) في ( ط ) : سالم ، وقد ورد في المعاجم الرجالية بهذين الضبطين ، راجع سير أعلام النبلاء 16 : 88 ومعجم رجال الحديث 17 : 66.
(5) في ( م ) : جيرويه.
(6) في ( ع ، م ) : وعملوا.
(7) الأمان من الأخطار : 135 ، مدينة المعاجز : 300 / 27.

دلائل الإمامة _ 213 _

  136 / 26 ـ وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، قال : حدثنا أبي (رضي الله عنه) ، قال : حدثنا أبو علي محمد بن همام ، عن محمد بن مثنى ، عن أبيه ، عن عثمان بن زيد (1) ، عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : دخلت حبابة الوالبية ذات يوم على علي بن الحسين (عليه السلام) وهي تبكي ، فقال لها : ما يبكيك ؟
  قالت : جعلني الله فداك يا بن رسول الله ، أهل الكوفة يقولون : لو كان علي ابن الحسين إمام عدل من الله (2) كما تقولين لدعا الله أن يذهب هذا الذي في وجهك.
  قال : فقال لها : يا حبابة ، ادني مني ، فدنت منه ، فمسح يده على وجهها ثلاث مرات ، ثم تكلم بكلام خفي ، ثم قال : يا حبابة ، قومي وادخلي إلى النساء فسلمي عليهن ، وانظري في المرآة ، هل ترين بوجهك شيئا.
  قالت : فدخلت على النساء ، فسلمت عليهن ، ثم نظرت في المرآة فكأن الله لم يخلق في وجهي شيئا مما كان. وكان بوجهها برص (3).
  والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما.

---------------------------
(1) في ( ط ) : يزيد ، راجع معجم رجال الحديث 11 : 109 و 129.
(2) في ( ط ) : إمام حق.
(3) نوادر المعجزات : 119 / 11 ، إثبات الهداة 5 : 258 / 68 ، مدينة المعاجز : 300 / 28.