الخوف في مراحل العمر :
  لاشك ان الخوف لايتخذ طابعاً واحداً في جميع مراحل العمر ، بل له صورة وشكل في كل مرحلة من المراحل وهذا ماسنبحثه في الفصلين التاليين :
  يختص الفصل الأول بتعريف الخوف في المراحل المختلفة وبحثه خلال تلك المراحل إذ أننا سندخل بعد ذكر المقدمة في بحث الخوف عند الأطفال حتى سن الثالثة ، ثم في السن المحصورة مابين ( 4 ـ 7 ) سنوات ، ثم في فترة ( 7 ـ 12 ) عاما ، ومن بعد ذلك في مرحلة المراهقة ، ومن بعده في مرحلة البلوغ ، ثم الشباب ، واخيرا في مرحلة النضوج ، لننتهي الى تقديم خلاصة للموضوع .
  وسنحاول في الفصل الثاني تبيان السمات البارزة لخوف الاطفال ، حيث سنخصص قسما منه لدراسة المخاوف المنتشرة بين الاطفال ، والقسم الآخر يتحدث عن اكثرها شيوعا وتأثيرا ، وسنتطرق فيه ايضا الى شرح الخصائص التي يتميز بها خوف الاطفال ، ثم نختتم الفصل بطرح الخلاصة الاجمالية في ذلك .

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 28 ـ

الفصل الرابع : الخوف في مختلف مراحل العمر :
  المقدمة :
  قلنا بوجود مخاوف يكتسبها الانسان من الصغر ، وتبقى عالقة به الى آخر حياته ، ولهذه المخاوف طابع فطري ، من أمثال الخوف من الجوع والفقر والمرض والفشل : وكل واحدة منها تعترض طريق الانسان بشكل من الاشكال وتعيقه عن النشاط والحركة ، وتحول بينه وبين بلوغ غاياته المنشودة ، وتختلف هذه المخاوف من حيث الكيفية والنوعية بين مرحلة واخرى من مراحل العمر ، فلها في سنوات الطفولة شكل بينما تتخذ في سنوات الشباب و النضوج شكلا آخر ، وسنحاول في ما يلي تتبع مسار الخوف منذ نشوئه عند الطفل وحتى غلبته واستفحاله في المراحل المتقدمة من العمر .
  1 ـ الخوف حتى سن الثالثة :
  متى يبدأ الخوف عند الانسان ؟ والجواب هو منذ حصول أي محفز شديد يثير الخوف في نفس الطفل، وهو مايلاحظ على الطفل منذ سن الثلاثة أشهر

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 29 ـ

  وعلى شكل استجابة عكسية ، ومنذ سن الستة اشهر تظهر على الطفل علائم الخوف من الاشخاص الغرباء .
  وعندما يبلغ العام الاول من العمر تظهر عليه معالم الخوف من الحيوانات، وبما ان هذه المخاوف لاتتسم بالطابع الغريزي فإنها تضمحل تدريجيا في ظل التجربة واللمس والمعاينة ، الا ان هناك انواعاً اخرى تبقى مترسبة في شخصيته من امثال الخوف من الاشخاص الغرباء ، ومن الشعور بالوحدة وافتقاد الملاذ الذي يأويه .
  وفي سن الثانية من عمره يبدأ الطفل يخاف من كل شيء ومن كل حيوان مثل الكلب والسيارة والمرافق الصحية والظلام ، كما وينشأ لديه في هذا العمر خوف من السقوط والضجيج والحركات الفجائية والوحدة والألم والأذى والحيوانات ومن الاشخاص المشلولين والعجزة .
  اما في سن الثالثة فتظهر لدى الطفل مخاوف عجيبة وغريبة وحادة ، الا انها مرحلة سريعة وعابرة ، والمخاوف التي نشأ فيها جديدة وغير واضحة المصدر فلا يدرى ان كانت غريزية ام تلقينية وبصورة عامة يمكن تلخيص انواع الخوف الرئيسية التي يعاني منها الطفل حتى هذه السن في الانواع التالية :
   الخوف من الظلام ، الخوف من الانفصال عن اهله وخاصة الام وهو ما يثير الخوف هلعه ، الخوف من تأخر الام في الوصول الى البيت ، الخوف من الألم ، الخوف من الصراع والتناحر ، الخوف من الشعور بالقضايا المريرة ، الخوف من الظلام ويستمر مع الطفل حتى سن العاشرة : الا انه يبدأ بالاضمحلال اعتباراً من سن الخامسة فصاعداً ، الخوف من الاشكال غير المألوفة ، الخوف من الناس الغرباء ، الخوف من فقدان المكان الذي يشعر فيه بالأمن ، الخوف من صوت الرعد ، الخوف من اصوات الاطلاقات النارية والخوف حتى من صوت المكنسة

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 30 ـ

  الكهربائية ، الخوف من الالوان المعتمة ، الخوف من الاجسام الكبيرة ، الخوف من استبدال الموضع الذي هو فيه ، الخوف من الريح والمطر ، الخوف من البحر وامواجه ...
   الخوف من الظلام وهو اكثر انواع الخوف شيوعاً واكثرها تأثيراً .
  2 ـ بين سن ( 4 ـ 7 ) سنوات :
  يختلف الخوف في هذه المرحلة من العمرعما كان موجوداً في المرحلة السابقة وعما هو موجود في المرحلة اللاحقة ، فالخوف من الكلب والماء والحيوانات يبقى قائماً الا انه يأخذ بالتلاشي التدريجي في ظل القوة التي يشعر الطفل بأنه يمتلكها ويسعى بواسطتها الى التغلب على كل هذه المخاوف ، كأن يهش الكلاب بعصا او اية وسيلة اخرى ، فيما لو حاولت الاقتراب منه .
   لكن الخوف من بعض الحيوانات الاخرى يبقى ، بل قد يتضاعف لديه كالخوف من الحية مثلاً .
  في سن الخامسة يصبح الطفل على درجة شديدة من الخوف حتى يمكن القول ان الخوف يتغلب عليه ، ونلاحظ في سن السادسة انه يخشى الجرح والكسر والدم رغم كل مايتكون لديه من جرأة وإقدام .
  وتظهر لديه في هذه السن بوادر الخوف من الأوهام والخرافات كالخوف من احتمال اختفاء شخص تحت سريره ، وهذا بحد ذاته يثير لديه الكثير من عوامل القلق والاضطرابات .
  ولاتفوتنا الاشارة هنا الى قوة ملكة التخيل عند الطفل في سن ( 3 ـ 5 ) سنوات ، وهذا هو الذي يجعله يتوهم وجود كائنات وهمية ويخشاها ، ويظل حتى سن السابعة يخشى الوجوه المقنعة ، والاشخاص الكريهي المنظر والعفريت ، ومن الشخص الاعمى او الاعرج ومن الشرطي وماء البحر وخاصة

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 31 ـ

  حينما تتهادر امواجه وقد بين من دراسة استطلاعية جرت في الغرب بأن ما يقارب ( 70 % ) من الاطفال بين سن الخامسة والسادسة يصيبهم الهلع الشديد من حيوان اوعدة حيوانات كالحية والاسد والدب وحتى انهم لايجرأون على الاقتراب من اقفاصها .
  3 ـ سن ( 7 ـ 12 ) عاماً :
  الخوف الذي ينتاب الطفل في سن ( 7 ـ 12 ) عاماً يختلف تماماً عن نوع الخوف الذي كان يشعر به قبل ذلك ، فقد اضيف الآن عامل المدرسة الى كل العوامل السابقة ( وهي العائلة والاقارب ) اضافة الى عامل التخيلات والأوهام ، فيشعر الطفل نتيجة ذلك بنوع جديد من الخوف ، وأما أنواع الخوف في هذه المرحلة فيمكن تلخيصها في المظاهر التالية :
  الخوف من الذهاب الى المدرسة وهو ما تلحظ اعراضه على صورة تقيؤ وألم في القلب عند الاطفال الذين يتسمون بالحساسية المفرطة ، وخاصة في الأيام الاولى من الاسبوع ، والخوف من عدم النجاح والفشل في الدراسة ، والانتقاص من شخصيته وكرامته ، والخوف من اللوم والتوبيخ ، والخوف من تدخل الأبوين والمربين في مسائله الخاصة ، والخوف من افتضاح ما يعانيه من ألم وخوف ، والخوف من المرض والموت وخاصة في سن الثامنة ، والخوف من النار والماء وخاصة في العاشرة من عمره ، والخوف من اعادة الدروس والاسئلة الدراسية ، والخوف من تعرضه للضرب أمام الآخرين .
  أغلب ما تلاحظ هذه المظاهر على الأطفال النحيفين وضعفاء البنية وأولئك الذين لا يعيشون حياة عائلية طبيعية ، والكثير منها ناتج عن التفكير في العواقب ، والقلق من المستقبل ، وان كان بعضها موجوداً في سنوات الشباب او في جميع

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 32 ـ

  مراحل الحياة ، ومن الطبيعي أن الاشخاص المصابين باختلالات نفسية أكثر عرضة من غيرهم في مكابدة الأهوال الوهمية من الاصابة بمرض او ارتكاب جريمة اوغير ذلك .
  4 ـ في سنوات المراهقة :
  يتخذ الخوف في هذه المرحلة طابعاً آخر ، ويتركز على جوانب اخرى أقرب الى الشخصية : فمن المعروف أن الخوف ، ومنذ سن الحادية عشر ، يبدأ بأتخاذ منحىً تعميمياً أولاً ، وثانياً ان الخوف في هذه المرحلة يكون مصحوباً بالاضطراب والقلق .
  تتلاشى في هذه المرحلة مخاوف مرحلة الطفولة ، لأن الطفل يبدأ باكتشاف الحقائق من خلال الاستدلال والمنطق ويتغلب عليها ، إلا في بعض الحالات الضئيلة التي لا تتاح له فيها عوامل الغلبة عليها ، فهناك أنواع من الخوف لازالت مؤثرة في شل نشاطه كالخوف من الاعاصير ، والوحدة ، والألم ، والخشية على كرامته ، اوعدم القدرة على اكتساب المحبوبية .
  وفي هذه المرحلة أيضاً تبرز له انواع جديدة من الخوف ، كالخوف من خطأ معتقده والخوف من عدم النجاح في اكتشاف الحقائق التي يروم اكتشافها من تعرضه للاتهام بارتكاب الذنوب والمخالفات وينتهي به الى الانطواء احياناً أو الإعراض عن المجتمع .
  ولوحظ في بعض الحالات ان الاشخاص الذين لم يفلحوا في التغلب على خوفهم يضطرون الى الفرار او الموت ، اي انهم يفضلون البقاء فارين متسكعين او الموت انتحاراً على مجابهة آلام المخاوف .

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 33 ـ

  5 ـ في سنوات البلوغ :
  يبقى بعض انواع الخوف قائماً حتى سنوات البلوغ ، والى ما بعدها أيضاً ، كالخوف من الموت والخوف من انعدام مصدر الرزق ، والخوف من القيود ، والاشفاق من الحوادث ، وكذلك الخوف من حساب الله والنار والعذاب ، وحتى خشية الظلام ، او الفرق على الوالدين من العجز والحرمان .
  ومن خصائص الخوف الذي يطبع مرحلة البلوغ خوف الشاب من الاصابة بالجنون او فشل طموحاته ، او الخشية من ارتكاب خطأ فاحش .
  وهنالك أيضاً انواع اخرى من الخوف الذي ينتشر في هذا المقطع الزمني من عمر الانسان من قبيل الخوف من أشياء وهمية ، وتوجسه من تعرضه للاخطار او مواجهة المواقف الخطيرة او الوقوع في مأزق عصيب ، وكذلك الخوف من الحيوانات والرهبة في المواقف المؤلمة ، والفزع من اذى الآخرين ، والاشفاق من الجوع والتعب والمرض . . . الخ .
   وامثال هذه المخاوف تثير في نفسه الاضطراب ، وقد تجعله يعيش في حالة دائمة من الاضطراب .
  6 ـ الخوف في مرحلة الشباب والنضوج :
  واخيراً يجب الاشارة الى انواع الخوف الموجودة في السنين اللاحقة ، وهي أنواع مختلفة جداً ويمكن تقسيمها الى ما يلي :
  1 ـ الخوف من الحياة والموت ، ومن المرض والابتلاء بأمراض صعبة العلاج ، ومن فقدان التوازن الروحي بالشكل الذي يصبح بحاجة الى الآخرين ولا يستطيع المحافظة على مكانته .
  2 ـ الخوف من فقدان العمل والمهنة والخوف من رب العمل ومن فقدان

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 34 ـ

  العمل ، والعجز والبقاء محتاجاً مما يعرض كرامته للهوان .
  3 ـ الخوف على الكرامة ، والشخصية ، الناتج عن الفشل في بعض الامور حيث تزول مكانته واحترامه ، او الخوف من عدم قدرته على المحافظة على سلطته ، والخوف من الاحتقار وظهور الضعف النفسي وعدم تمكنه من الاعتماد على نفسه في النتيجة .
  4 ـ الخوف من النشاطات الخاصة كالسياقة والتعامل مع الانسان والحيوان وحصول صدمة له أو للآخرين ، والخوف على العمر بسبب اداء غرامة .
  5 ـ الخوف من العلاقات والمتاعب الناتجة عن ذلك ، والخوف من انقطاع العلاقات الحسنة وحصول ما يوجب استياء الآخرين بصورة متعمدة اوغير متعمدة ، وما يجب ان يدفعه من قيمة باهضة في تلك الحالة .
  6 ـ الخوف من الحكم الخاطئ ، والحكم الذي يسلب حق شخص ويكون خلافاً للحقائق ، وفي تلك الحالة يحتمل ان يعيش العمر في اذى وانزعاج .
  7 ـ الخوف من العذاب وتأنيب الضمير ، والذنب وانقطاع علاقته مع الله وعدم رعايته له .
  حصيلة البحث :
  تقسيم المخاوف على أساس الموضوع :
  يمكن تقسيم المخاوف الى عدة اشكال من حيث الموضوع ، وفي ما يلي بعضها :
  1 ـ المخاوف الفطرية التي مر بحثها في الفصول السابقة .
  2 ـ المخاوف المدرسية مثل الخوف من الامتحان والمعلم والمدرسة والمنهج الدراسي والكتاب .

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 35 ـ

  3 ـ المخاوف الصحية والحياتية كالخوف من المرض والموت والألم والدواء والغذاء الملوث والمسموم .
  4 ـ المخاوف العائلية كالخوف من الانضباط والامر والنهي ، وانواع الطرد واللوم والمصائب وترك البيت والانفصال .
  5 ـ المخاوف الاقتصادية مثل الخوف من الفقر والحرمان ...
  6 ـ المخاوف الاجتماعية كالخوف من الاشخاص الذين لم يألفهم والناس والضغوط الاجتماعية .
  7 ـ المخاوف الاخلاقية كالخوف من الذنب والانحراف الجنسي وعدم مرافقة الاشخاص الملتزمين و ...
  8 ـ المخاوف النفسية والعاطفية مثل الخوف من الاحتقار وعدم الثقة بالنفس والاضطراب والقلق و ...

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 37 ـ

الفصل الخامس : خصائص خوف الاطفال :
  المقدمة :
  ان الخوف موجود لدى جميع الاطفال بمستويات واشكال مختلفة ويؤثر عامل التربية والبيت والمدرسة في ذلك كثيراً ، وهناك تبريرات لخوف الطفل ، الا ان اياً منها لايمكن ان يكون مقنعاً تماماً ، لأن التعرف على الطفل أمر صعب جدا وشبه مستحيل .
  الطفل لديه نمط فكري عجيب ، ولايمكن فهم مخاوفه بسبب عدم امكانية فهم لغة الطفل وما لديه من تصور وتخيل ، ولدى بعض علماء النفس آراء حول اساس ذلك سنبحثها في فصول اخرى .
  وتوجد نقاط مجهولة في حياته ، ومن المهم بالنسبة لنا ان نعرف كيف يعمم الطفل خوفه من الطبيب ليخاف من كل شخص يرتدي بدلة بيضاء .
  الغرض ، هو ان هناك كثيراً من الاطفال ينتابهم الخوف خلال فترة النمو وهم في حالة طبيعية ، وقد يحرمون انفسهم والاخرين بعض اللذات احياناً ، ومن الطبيعي انه يجب معرفة تلك المخاوف واتخاذ التصميم بشأنها بصورة جيدة .

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 38 ـ

المخاوف الشائعة بين الاطفال :
  توجد لدى الاطفال مخاوف يمكن تقسيمها كما يلي :
  1 ـ الخوف من الاشياء والحيوانات كالنار والحية وكل شيء متحرك مثل الكلب والقطة خاصة اذا أوذي من قبلها اوسمع قصة مرعبة عنها .
  2 ـ الخوف من المظاهر الطبيعية كالعواصف والرعد والبرق والأصوات القوية ، والخوف احياناً من الظلام والازدحام و البحر و المكان المرتفع والاماكن المغلقة والاماكن الجديدة وموج البحر .
  3 ـ الخوف من العلاقات الاجتماعية مثل الناس مكفوفي البصر والعرجان والمشلولين والاشخاص والغرباء والممازحين والذين يتكلمون بكناية ، والخوف من الطبيب والمعلم وكثرة الناس واختلاطهم و ...
  4 ـ الخوف من الظروف القائمة مثل الوحدة والمرض والنقص والأصوات العالية وتغير التنفس والانهيار والانفجار الذي يؤدي الى رجفة في شفاه الطفل الصغير أحياناً وبكائه .
  5 ـ الخوف من بعض المسائل كالموت والجراثيم والضرب والطرد والحرمان من الطعام والماء والإبعاد عن القضايا الاجتماعية واللعب و ... الخ .
  أهمها :
  يصعب الى حد ما معرفة اكثر الموضوعات إثارة للخوف لدى الطفل ولكن يمكن القول ان خوف الطفل من الكائنات الخرافية والظلام والوحدة واللص والحلم والكابوس والموت هو اشد انواع الخوف ، والطفل يخاف من كل شيء

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 39 ـ

  يهدد امنه ومن كل شيء يجهله .
  وقد أثبتت التحقيقات التي قام بها الدكتور ( واتسن ) ان الطفل اكثر ما يخاف هو من الصوت العالي ومن الإلقاء حيث يشعر في تلك الحالة انه فقد الموضوع أحياناً ويأخذ بالتأوه والبكاء .
  وعندما يسمع بعض الاطفال صوت تحليق الطائرة ينهارون ولا يهدأون الا بعد الملاطفة والتسكين من روعهم ، ومن المسائل الاخرى المؤثرة هي الرعد والبرق والظلام ، واذا لم يروا الام الى جانبهم فقد يبكون ويصرخون .
  وهناك أراء كثيرة حول اسباب هذا النوع من الخوف اهمها الشعور بعدم توازنهم البدني وحتى النفسي والعاطفي يختل نتيجة ذلك ، ويحصل لدى الطفل شعور بخطر مفاجئ وعميق .

خصائص الخوف لدى الاطفال :
  يمتاز خوف الاطفال بخصائص كثيرة يفيد ذكرها في اتساع رؤية الآباء والمربين والاطلاع على اوضاع ابنائهم واتخاذ القرارات اللازمة في الحالات الضرورية :
  1 ـ يتميز الخوف لدى الاطفال الصغار على الأخص بأنه فطري ويتعلق بالحالات التي ذكرناها في الفصل الثاني من هذا الكتاب كالخوف من الصوت العالي .
  2 ـ تأخذ بعض مخاوف الاطفال شكلا اكتسابياً منذ الشهور الاولى ، ويجب ان يكون الآباء اسوة لابنائهم في الشجاعة اذا ارادوا ان لا يصبحوا جبناء .
  3 ـ يمكن توقع مخاوف الاطفال ، ويستطيع كل شخص معرفة المخاوف التي تنتاب الاطفال في كل مرحلة من مراحل العمر .

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 40 ـ

  4 ـ مخاوف الأطفال غير مستمرة وثابتة ، فقد تحصل مبكراً وتزول مبكرا أيضاً .
  5 ـ يمكن ان يسري الخوف لدى الاطفال بسرعة من شخص الى آخر ، فعندما يخاف احد الاطفال ينتاب الخوف طفلاً آخر ولا يتمالك نفسه .
  6 ـ لايتمكن الاطفال من تحمل الضرر الناتج عن الخوف ولا يستطيعون إيقاع انفسهم في خطر من اجل معرفة ماذا سيحصل .
  7 ـ مخاوف الاطفال الانانيين ، اي انهم يخافون من شدة حبهم لأنفسهم ، فهم لايقلقون من موت الام حباً لها بل لفقدان الشخص الذي يلاطفهم ويعطيهم الطعام .
  8 ـ الخوف لدى الاطفـال له ـ في الغالب ـ صورة تخيلية خاصـة في ( سنين 3 ـ 5 ) حيث ان قدرة التخيل لديهم قوية فيضخمون في أذهانهم مسألة صغيرة ويخافون منها .
  9 ـ المخاوف احياناً لاتستند الى حقيقة ، فقد يخافون من ظلال الحيوانات التي تظهر على الجدار .
  10 ـ هناك علاقة بين المخاوف وطبقة الاشخاص وسلامتهم ومرضهم ، إذ ان اطفال الطبقة الفقيرة اشجع في ما يتعلق بالطبيعة ، وأطفال الطبقة المرفهة أشجع في ما يتعلق بأفراد المجتمع وفقاً للتحقيقات ، كما ان اطفال الطبقة الفقيرة يخافون من الحيوان واللص والكلام السيء والانفصال والتخلي عنهم : في حين يخاف اطفال الطبقات المرفهة من الايذاء ومن الظلام ومن الأخطار البدنية ، وذلك على اساس ما جاء في تحقيقات ( آنينو ) و ( ليز ) و ( مج ) عام 1965 .
  11 ـ المخاوف في فترة الطفولة آنية وملموسة لان قابلية ادراك الطفل ضعيفة ولايفهم جميع المسائل .
  12 ـ ان المخاوف التي تحصل في البيئة غير المألوفة وفي اوقات نوم الاطفال هي أشد من المخاوف التي تحصل في البيئة المألوفة وفي أثناء النهار ،

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 41 ـ

  وهذا الامر يسبب احياناً عدم تمكن الطفل من النوم .
  13 ـ تؤثر القوالب والاشكال والاحجام الكبيرة في الخوف ، فالاطفال يخافون من كل الاشياء الكبيرة جداً .
  14 ـ واخيراً يكون الخوف في سن الثالثة والحادية عشر اشد وان كان هناك اختلاف في النوع وفي هاتين السنتين تمتاز مسألة تعميم الخوف بأنها اكثر مما في السنين الاخرى .
  تتنوع مخاوف الاطفال المختلفين ويستمر بعضها بشكل دائم لدى الشخص ، هؤلاء يخافون اكثر لانه ليس لديهم قدرة دفاعية كافية ، وقد خبروا انفسهم مرارا واستنتجوا إنهم لايستطيعون مقاومتها .
  ومع ان قدرة تخيلهم تعد نعمة الا انها تسبب صدمة لهم لأنهم قد يتخيلون مسألة سهلة ويرسمون من كلمة مخيفة عالماً عجيباً وغريباً وتنتابهم الرجفة .
  لاشك ان كثيراً من المخاوف ليست ذات صورة عقلانية مثل الخوف من الاشياء المدهشة والألوان القبيحة وحتى النار والماء والاشياء المتحركة ، كالحيوانات والظلال ولكن قلقهم وخوفهم حقيقي واساسي ويجب ان يعالج .

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 43 ـ

الباب الثالث : اسباب الخوف :

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 45 ـ

  أسباب الخوف :
  ان المخاوف ذات بعد اكتسابي باستثناء عدة حالات ، ويعتقد بعض علماء النفس انها صورة فطرية ، وفي هذا الباب نسعى الى دراسة جذور واسباب وعوامل تقويتها .
  وفي احد الفصول سنبحث اسباب وعوامل الخوف وهي عشرة عوامل : الاكتساب ، التجارب الخاصة ، زوال العادة ، التربية الخاطئة ، المرض ، الادراك والوعي ، الجهل ، العامل النفسي ، العامل العاطفي ، والشرطية ، وسنشرحها باختصار .
  اما الفصل الثاني فهو حول جذور الخوف بنظر علماء النفس ، حيث ذكروا ان الخوف ناتج عن قضايا مرعبة حصلت اثر ألم وخوف الولادة وما يتعرض له الطفل من وحدة واحتقار في بداية حياته ويطرحون بعض الآراء في هذا الاطار .
  والفصل الثالث هو حول العوامل التي تؤدي الى شدة الخوف ، ومن الطبيعي وجود عوامل مؤثرة في هذا المجال مثل الرؤية ، السماع ، التجارب المرة ، الاحتقار والسخرية ، السلوك الساذج ، النماذج الخاطئة ، الضغوط والتهديدات ، الصداقة غير الخالصة ، الرقابات الشديدة ، ويجب ان يهتم الآباء والمربون بهذه الناحية .

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 46 ـ

الفصل السادس : اسباب ودوافع الخوف :
  المقدمة :
  من النقاط المهمة للآباء والمربين ، معرفة اسباب الخوف للتمكن من اتخاذ مواقف صحيحة في الحالات الضرورية ، وباستثناء المخاوف الفطرية فانه ليس ثمة خوف بدون سبب ، وهناك اسباب مختلفة سنشير اليها ، ومالم يتم التعرف عليها لايمكن اصلاحها وعلاجها ، وهي كمايلي :

  1 ـ الاكتساب :
  ان معظم مخاوف الاشخاص ، وخاصة الاطفال ، ناتجة عن التعلم والاكتساب ، بمعنى ان الطفل تعلم من الأبوين والمربين وكذلك من اصدقائه والمحيطين به الخوف من اشياء واشخاص وزمن معين ، وكذلك من أوضاع خاصة ، الطفل يتعلم الخوف عن طرق مختلفة منها المشاهدة مثل مشاهدة خوف الأب او الآم حين مواجهة بعض القضايا وبعض الحالات

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 47 ـ

  كالرعد والبرق والعاصفة ، وهو يقلد ما يراه ويسمعه احياناً ، وهذا سبب لنمو ونشوء وظهور الخوف .
  احياناً يسمع ويشاهد الطفل شخصاً يقول انني اخاف من الشيء الفلاني ، فيتعلم ذلك ويعمل به ، ولهذا يمهد الأبوان المحافظان والخائفان للتعليم في هذا الصدد بشكل تلقائي ويربيان طفلاً شديد الخوف .

  2 ـ التجارب الخاصة :
  يحصل الخوف احياناً من تجارب سيئة مؤلمة مرت به ، فالطفل الذي يلعب مع قطة وتنهشه بمخالبها وتدمي وجهه ، من حقه ان يخاف منها ، ويخاف الطفل من الطبيب أحياناً لأن الطبيب قد حقنه بأبرة ذات مرة وأوجعه .
  وتخيفه النافذة لأنها آلمته ذات يوم حين ضغطت يده ، ويخاف من الظلام لأن شوكة وخزته ذات ليلة في غرفة مظلمة .
  وهكذا يسعى الطفل الى عدم الوقوع في حالة مشابهة ، خاصة الطفل في سن الرابعة فصاعداً ، حيث تمتاز قدرة التعميم بالقوة ، ويكون الجانب التخيلي لديه في كمال الذروة ، فيحاول تعميم اللحظات المريرة في الحياة ويراها في دائرة اوسع ، وتمهد هذه التجارب المؤلمة الطريق امام حالات مريرة وغير مطلوبة .

  3 ـ زوال العادة : يألف الطفل بسرعة اوضاعه وامكاناته ، ويصعب عليه ترك الامور المألوفة ، بل قد يؤدي ذلك الى اثارة مخاوفه ، انكم تعرفون اطفالاً يتحوكون بحرية في البيت ، ولكنهم اذا دخلوا أجواء غريبة وغير مألوفة يلتجئون الى حضن الام ولايفارقونها يخاف الطفل اذا ابتعد عن امه ، اذا كان يعتمد عليها ، ويخاف من الوجوه الغريبة اذا اعتاد مشاهدة وجه أبيه وأخيه وأخته ، والطفل الذي يرتبط بمرضعة يستحوذ عليه الهلع لو فصل عنها .

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 48 ـ

  ان الاطفال يخافون من تغيير الأوضاع والبيئة ويزعجهم الابتعاد عن الظروف المألوفة الى درجة انهم يصابون بالأرق والهواجس اذا ناموا في غير بيوتهم ليلة واحدة .

  4 ـ التربية الخاطئة :
  وقد تنجم بعض المخاوف عن التربية الخاطئة التي يمارسها الأبوان والمربون مع الاطفال ، وبميسورنا ان نذكر في هذا الصدد بعض الحالات وهي :
  1 ـ الأمر والنهي المتكرر الذي يتعب الطفل ويزعجه ، كأن يقال له : انتبه ، لا تتكلم والخ .
  2 ـ اصدار الاوامر المتناقضة والاستجوابات المتكررة من قبل أشخاص مختلفين .
  3 ـ تطبيق التعليمات الانضباطية القاسية على الطفل بحيث تموت فيه روح الجرأة .
  4 ـ التحدث عن الجن والظواهر التي يجهلها الطفل .
  5 ـ التوبيخ والصفح الشديد حتى يرى نفسه وأمنه في خطر .
  6 ـ اذا كان الأبوان شديدي الخوف يؤدي ذلك الى التعليم السيء .
  7 ـ فضح الطفل في حضور الناس وخاصة اصدقائه .
  8 ـ كثرة النزاع بين الزوجين بحيث يخاف الطفل على أمنه .
  9 ـ ممارسة اعمال مثيرة للرعب امام الطفل كالعملية الجراحية أو قلع الاسنان .
  10 ـ الايحاءات المرعبة ، مثل ان يقال له سأحبسك في دهليز حتى يقتلك الجن اذا فعلت كذا .

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 49 ـ

  11 ـ طرد الطفل بالشكل الذي يشعر بالحرمان واليأس .
  12 ـ الانتقادات الحادة والبحث عن العيوب بالشكل الذي يشعر الطفل بضياع جرأته .
  13 ـ حرمان الطفل من الاشياء التي يحبها كثيرا كالطعام والحلويات و . . . الخ .

  5 ـ المرض :
  وقد تكون المخاوف مرضية ، وللتخيل والأعصاب جذر فيها : فالخلل العصبي بأنواعه وعدم التوازن في البدن أو في الجهاز العصبي والالتزام بأوهامه وخيالاته يمكن ان تكون من عوامل الخوف ، ويرى علماء النفس ان هناك مخاوف عصبية ناتجة عن الخيالات والتصورات كالخوف من الميت والمقبرة ، حيث يتصور ان الميت قد ينهض ويأخذ بردائه او يخرج من القبر ويمسك بردائه مع انه يعلم ان ذلك لايحصل .
  الخوف من الظلام يولد احياناً من تصورات عجيبة وغريبة ، هذه التصورات تتجه تارة نحو المستقبل وتحصل تصورات سيئة لدى الشخص كأن يتصور وقوع الحالة الفلانية له في السنوات القادمة وهي عدم النجاح في الامتحانات او الزواج ، وهكذا يجسد في ذهنه حادثة ما ويتصورها أنها حقيقة .

  6 ـ الادراك والوعي :
  تنجم المخاوف في بعض الحالات من الادراك والوعي ، كالخوف من حيوان وحشي والخوف من شخص ثمل يحمل سكيناً بيده وهو عاجز عن المواجهة والمقابلة وعدم قدرته على انقاذ نفسه اذا هاجمه .
  ان العوامل المثيرة للرعب كثيرة في الطبيعة ، والخوف منها ضروري للمحافظة على وجوده ، وينجم الخوف من الذنب عن الادراك والعقل لأنه يعلم ان هناك حساباً وكتاباً وان الله لايرضى له ارتكاب المحرمات ، والخوف من سقف على وشك السقوط ناتج عن الادراك وهو معقول وينبغي ان يكون : لهذا مجد الاشخاص الاكثر ذكاء اكثر تحفظاً ولديهم خوف صحيح أكثر .

  الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 50 ـ

  7 ـ الجهل :
  وبالعكس يخاف بعض الاشخاص لأنهم لايعرفون ماهية ومقدار وكيفية القضية ، فمثلاً يرى الطفل شخصاً غريباً ويظن انه يريد إلحاق الضرر به ، ويرى جهازاً ويخشى ان يقترب منه لئلا ينفجر في وجهه .
  ان الجهل والخوف يترافقان ويثيران في الطفل مشاعر الغربة والاضطراب والقلق ، ويقول أحد العلماء ان الجهل هو من حلفاء الخوف ، كما ان الامور غير المجربة هي من عوامل الخوف ، فالانسان لايقترب من الشيء الفلاني عندما لا يعلم كيف يجب استعماله مع الجهاز الفلاني ، ويخاف من الشيء الذي يتحرك ولا يعلم لماذا يتحرك فيبعد نفسه عنه .

  8 ـ العامل النفسي :
  للمخاوف احياناً سبب نفسي كالخوف من الذنب والخوف من الانتقام والمحاسبة ، والخوف من عقوبة الأمر الفلاني والاحساس بوطأة الجريمة .
  وقد تكون الاضطرابات والانزعاجات النفسية والخلل النفسي والخشية من زوال فضائله وكذا من انواع الاحتقار والحرمان والشعور بعدم الاحترام له وبالحقارة والطرد من عوامل الخوف .
  وقد اعتقد بعض علماء النفس نتيجة للسذاجة انه يجب البحث عن السبب الاساسي للخوف في النظام النفسي للاشخاص ، كيف ظهر وكيف انتقل اليهم، ولايوجد مبرر لاغلب المخاوف النفسية وهي تعتبر نوعاً من التغطية لآلام لا يمكن تحملها ويسعى الاشخاص الى الهرب منها .
  ويمكن الاشارة الى انواع الخوف الناتجة عن التخيل والوهم والتي لها أساس طبي في كل الاحوال كأمثلة على المخاوف النفسية .