الفهرس العام

على أعتاب المعاد

الرجعة
يوم المعاد
مراحل القيامة
(1) ـ الموت
(2) ـ البرزخ



  عرفت في أوّل الكتاب أنّ من تمام التوحيد وأصل الإعتقاد ، التصديق بكلّ ما جاء به رسول الله وآله الطاهرون صلوات الله عليهم أجمعين ، الناطقون عنه في جميع ما أخبروا به عن الله تعالى من الاُصول والفروع ، والتصديق بجميع ما جاءوا به من اُمور الدنيا والآخرة ، والتصديق بكلّ ما اُخبروا به عن الله تعالى من حقائق النشأتين الاُولى والاُخرى ، فإنّ من دعائم الإسلام الإقرار بما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو أصل أساسي في المقام ثبت بالأحاديث المتظافرة التالية :
  1 ـ حديث عجلان أبي صالح قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) :
  ( أوقفني على حدود الإيمان .
  فقال : شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، وصلوات الخمس ، وأداء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت ، وولاية وليّنا ، وعداوة عدوّنا ، والدخول مع الصادقين ) (1).
  2 ـ حديث عيسى بن السريّ أبي اليسع المتقدّم قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحد التقصير عن معرفة شيء منها ، الذي من قصّر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه ، ولم يقبل [ الله ] منه

---------------------------
(1) اُصول الكافي : (ج2 ص18 باب دعائم الإسلام ح2) .

العقائد الحقّة _ 377 _

  عمله ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه عمله ولم يضق به ممّا هو فيه (1) لجهل شيء من الاُمور جهله ؟ فقال :
  ( شهادة أن لا إله إلاّ الله والإيمان بأنّ محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، وحقّ في الأموال الزكاة ، والولاية التي أمر الله عزّ وجلّ بها : ولاية آل محمّد (صلى الله عليه وآله) ... ) (2).
  3 ـ حديث عيسى بن السري الآخر قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : حدّثني عمّا بنيت عليه دعائم الإسلام إذا أنا أخذت بها زكى عملي ولم يضرّني جهل ما جهلت بعده ، فقال :
  ( شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإقرار بما جاء به من عند الله وحقّ في الأموال من الزكاة ، والولاية التي أمر الله عزّ وجلّ بها ولاية آل محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، قال الله عزّ وجلّ : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ ) (3) فكان علي (عليه السلام) ، ثمّ صار من بعده حسن ، ثمّ من بعده الحسين ، ثمّ من بعده علي بن الحسين ، ثمّ من بعده محمّد بن علي ، ثمّ هكذا يكون الأمر ، إنّ الأرض لا تصلح إلاّ بإمام ، ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، وأحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه هاهنا ـ قال : وأهوى بيده إلى صدره ـ يقول حينئذ :

---------------------------
(1) أي لم يضق عليه شيء ممّا هو فيه .
(2) اُصول الكافي : (ج2 ص19 باب دعائم الإسلام ح6) .
(3) سورة النساء : (الآية 59) .

العقائد الحقّة _ 378 _

  لقد كنت على أمر حسن (1).
  4 ـ حديث أبي الجارود المتقدّم قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : يا بن رسول الله ! هل تعرف مودّتي لكم وإنقطاعي إليكم وموالاتي إيّاكم ؟ قال : فقال :
  ( نعم ، قال : فقلت : فإنّي أسألك مسألة تجيبني فيها فإنّي مكفوف البصر قليل المشي ولا أستطيع زيارتكم كلّ حين ، قال : هات حاجتك .
  قلت : أخبرني بدينك الذي تدين الله عزّ وجلّ به أنت وأهل بيتك لاُدين الله عزّ وجلّ به .
  قال : إن كنت أقصرت الخطبة فقد أعظمت المسألة ، والله لاُعطينّك ديني ودين آبائي الذي ندين الله عزّ وجلّ به : شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، والولاية لوليّنا ، والبراءة من عدوّنا ، والتسليم لأمرنا ، وانتظار قائمنا ، والإجتهاد والورع ) (2).
  5 ـ حديث إسماعيل الجعفي قال : دخل رجل على أبي جعفر [ الباقر ] (عليه السلام) ومعه صحيفة فقال له أبو جعفر (عليه السلام) :
  ( هذه صحيفة مخاصم يسأل عن الدين الذي يقبل فيه العمل فقال : رحمك الله ! هذا الذي اُريد ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : شهادة أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله وتقرّ بما جاء من عند الله والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدوّنا والتسليم لأمرنا والورع

---------------------------
(1) اُصول الكافي : (ج2 ص21 باب دعائم الإسلام ح9) .
(2) اُصول الكافي : (ج2 ص21 ـ 22 باب دعائم الإسلام ح10) .

العقائد الحقّة _ 379 _

  والتواضع وانتظار قائمنا ، فإنّ لنا دولة إذا شاء الله جاء بها ) (1).
  فتلاحظ أنّ هذه الأحاديث الشريفة التي كرّرناها لمزيد الإستفادة صريحة في لزوم الإقرار بما جاء به النبي من دعائم الإسلام .
  واعلم أنّ ممّا جاؤوا به صلوات الله عليهم ـ وأثبتوا حقّانيته في الدنيا فيلزم الإقرار به ـ رجعتهم صلوات الله عليهم .
  فلنبدأ بذكر مبحث الرجعة ثمّ مباحث المعاد ، ومن الله تعالى التوفيق والسداد .

---------------------------
(1) اُصول الكافي : (ج2 ص22 ـ 23 باب دعائم الإسلام ح13) .

العقائد الحقّة _ 380 _

الرجعة
  الرجعة هي الرجوع إلى الدنيا بعد الموت ، والحياة قبل يوم القيامة ... عند ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) ، ويطلق عليها الكرّة أيضاً من الكرّ بمعنى الرجوع ، كما يستفاد من كتاب العين (1) ، ومجمع البحرين (2) ، والقاموس المحيط (3).
  وهي من الحقائق الثابتة بالأدلّة ، والمحقّقة بالبراهين ، كما سيأتي ذكرها .
  قال الشيخ الصدوق : ( إعتقادنا في الرجعة انّها حقّ ) (4).
  وقال الشيخ المفيد : ( وأمّا قوله (عليه السلام) : من لم يقل برجعتنا فليس منّا ، فإنّما أراد بذلك ما يختصّه من القول به في أنّ الله تعالى يحيي قوماً من اُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله) بعد موتهم قبل يوم القيامة ، وهذا مذهب يختصّ به آل محمّد صلّى الله عليه وعليهم ... والرجعة عندنا تختصّ بمن محض الإيمان ومحض الكفر دون ما سوى هذين الفريقين ) (5).
  وقال السيّد المرتضى : ( إعلم أنّ الذي تذهب الشيعة الإمامية إليه أنّ الله

---------------------------
(1) كتاب العين للخليل : (ج1 ص658) .
(2) مجمع البحرين للطريحي : (ص378) .
(3) القاموس المحيط : (ج3 ص28) .
(4) كتاب الإعتقادات للصدوق : (ص60) .
(5) المسائل السرويّة : (ص32) .

العقائد الحقّة _ 381 _

  تعالى يعيد عند ظهور إمام الزمان المهدي (عليه السلام) قوماً ممّن كان قد تقدّم موته من شيعته ، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ومشاهدة دولته ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم ، فيلتذّوا بما يشاهدون من ظهور الحقّ وعلوّ كلمة أهله ) (1).
  وقال العلاّمة المجلسي : ( الإعتقاد بالرجعة واجب وهو من الإعتقادات الخاصّة بالشيعة وثبوتها من الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام) مشهور بين الشيعة والسنّة ) (2).
  وقال السيّد الشبّر : ( إنّ ثبوت الرجعة ممّا إجتمعت عليه الشيعة الحقّة والفرقة المحقّة ، بل هي من ضروريات مذهبهم ) (3).
  هذا ، وقد ثبتت الرجعة بالأدلّة القطعيّة والبراهين البيّنة من الكتاب العزيز والسنّة المتواترة والإجماع المحقّق .
  فلا يُصغى إلى ما زعمه ابن الأثير في النهاية (4) ، وتبعه ابن منظور في اللسان (5) ، من نسبة الرجعة إلى قوم من عرب الجاهلية وفرقة من اُولي البدع والأهواء .
  وزوّر الإستدلال لدعواه بقوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِي * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ) (6).
  ويردّه أنّ الرجعة لم تكن في عرب الجاهلية ولم يقل بها أهل الأهواء والبدع ، بل هي قول الطائفة الحقّة ومستندة إلى الأدلّة .

---------------------------
(1) كتاب الرسائل للسيّد المرتضى : (ج1 ص125) .
(2) كتاب الإعتقادات للمجلسي : (ص40) .
(3) حقّ اليقين : (ج2 ص2) .
(4) النهاية لابن الأثير : (ج2 ص202) .
(5) لسان العرب : (ج8 ص114) .
(6) سورة المؤمنون : (الآيتان 99 و100) .

العقائد الحقّة _ 382 _

  وأمّا هذه الآية الشريفة فهي تحكي قول الكفّار المكذّبين بالبعث حين موتهم وعندما يشرفون على الموت ، كما جاء في التفسير ، وفسّره بهذا من العامّة ابن جريح .
  كما فسّرت أيضاً في أحاديثنا الشريفة بمانع الزكاة حين موته .
  وتلاحظ بيانه في مجمع البيان (1) ، ممّا يستفاد منه أنّ الرجعة الواردة في هذه الآية الشريفة هي تمنّي رجعة الكافر والفاسق ، لا رجعة المؤمن إلى الدنيا في الدولة المحقّة التي وعدها الله سبحانه بقوله : ( ... لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (2).
  وفيما يلي نذكر الأدلّة الثلاثة : الكتاب والسنّة والإجماع لإثبات الرجعة بالبيان التالي ، بل يمكن إثباتها بالحكم العقلي أيضاً بالتقرير الآتي في هذه الأدلّة ثمّ الحكومة العقلية :
  1 ـ دليل الكتاب :
  دلّ الكتاب الكريم في آيات عديدة على الرجعة ، ومنها :
  1 ـ قوله تعالى : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّة فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ) (3).
  حيث دلّت الآية على أنّ الحشر خاصّ ببعض دون بعض وهو غير الحشر الأكبر يوم القيامة الذي هو عام للجميع حيث قال الله تعالى فيه : ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ

---------------------------
(1) مجمع البيان : (ج7 ص117) .
(2) سورة التوبة : (الآية 33) ، وسورة الصفّ : (الآية 9) .
(3) سورة النمل : (الآية 83) .

العقائد الحقّة _ 383 _

  نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (1).
  2 ـ قوله تعالى : ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الاَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (2) ، وقد فُسّرت هذه الآية في أحاديث كثيرة بالرجعة الحقّة بل هي ظاهرة فيها .
  3 ـ قوله تعالى : ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (3).
  فقد فُسّرت في الأخبار الآتية بالرجعة بل لا مصداق كامل تامّ لها سوى الرجعة .
  4 ـ قوله تعالى : ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) (4).
  فقد وردت الأحاديث في تفسير إحدى الحياتين والموتين ، بالحياة والموت في الرجعة ، بل لا تنطبق الموتتان لشخص واحد إلاّ مع الرجعة .
  5 ـ قوله تعالى : ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الاَْرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ ) (5).
  وقد تظافر النقل في أخبارنا بتفسيرها بمورد رجعتهم سلام الله عليهم في

---------------------------
(1) سورة الكهف : (الآية 47) .
(2) سورة النور : (الآية 55) .
(3) سورة القصص : (الآية 5) .
(4) سورة غافر : (الآية 11) .
(5) سورة النمل : (الآية 82) .

العقائد الحقّة _ 384 _

  هذه الدنيا .
  ... إلى غير ذلك من الآيات الشريفة التي فسّرت بالرجعة وتلاحظها بالتفصيل في كتاب الإيقاظ من الهجعة للمحدّث الحرّ العاملي (قدس سره) .
  2 ـ دليل السنّة :
  أفاد شيخ الإسلام المجلسي (قدس سره) (1) أنّه تواترت أحاديث الرجعة بما يقرب من مائتي حديث صريح رواه نيف وأربعون من الثقات العظام وكبار العلماء الأعلام في أزيد من خمسين كتاباً من تصانيفهم مثل : سليم بن قيس الهلالي ، والحسن بن محبوب ، والفضل بن شاذان ، ومحمّد بن الحسن الصفّار ، وسعد بن عبدالله الأشعري ، وشاذان بن جبرئيل ، وعلي بن إبراهيم القمّي ، وفرات بن إبراهيم الكوفي ، ومحمّد بن مسعود العياشي ، وثقة الإسلام الكليني ، والشيخ الصدوق محمّد بن بابويه ، والشيخ ابن قولويه ، والشيخ المفيد ، والسيّد المرتضى ، والشيخ الطوسي ، والشيخ النعماني ، وإبراهيم بن محمّد الثقفي ، والشيخ الكراجكي ، والسيّد ابن طاووس ، والشيخ الطبرسي ، والعلاّمة الحلّي ، والقطب الراوندي ، والشيخ ابن شهر آشوب المازندراني ، والشهيد الأوّل ، وغيرهم من الأعاظم .
  بل صُنّفت الكتب الخاصّة في إثباتها لعظماء الأصحاب وأكابر المحدّثين الأطياب ممّن ليس في جلالتهم شكّ ولا إرتياب .
  بحيث قال العلاّمة المجلسي : ( وظنّي أنّ من يشكّ في أمثالها فهو شاكّ في

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج53 ص122) .

العقائد الحقّة _ 385 _

  أئمّة الدين ) (1).
  هذا والأحاديث الشريفة في المقام كثيرة وفيرة تلاحظ احصاءها مجموعةً في البحار منها :
  1 ـ حديث محمّد بن مسلم قال : سمعت حمران بن أعين وأبا الخطاب يحدّثان جميعاً قبل أن يُحدث أبو الخطّاب ما أحدث أنّهما سمعا أبا عبدالله (عليه السلام) يقول :
  ( أوّل من تنشقّ الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا ، الحسين بن علي (عليه السلام) وإنّ الرجعة ليست بعامّة ، وهي خاصّة لا يرجع إلاّ من محض الإيمان محضاً أو محض الشرك محضاً ) (2).
  2 ـ حديث أبي بصير قال : قال لي أبو جعفر [ الباقر ] (عليه السلام) : ( ينكر أهل العراق الرجعة ؟ قلت : نعم ، قال : أما يقرؤون القرآن : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّة فَوْجاً ) (3) ) (4).
  3 ـ حديث سليمان الديلمي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ : ( إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً ) (5) ؟ فقال :
  ( الأنبياء رسول الله وإبراهيم وإسماعيل وذرّيته ، والملوك الأئمّة (عليهم السلام) ... قال : فقلت : وأي مُلك اُعطيتم ؟ فقال : ملك الجنّة وملك

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج53 ص123) .
(2) بحار الأنوار : (ج53 ص39 ب29 ح1) .
(3) سورة النمل : (الآية 83) .
(4) بحار الأنوار : (ج53 ص40 ب29 ح6) .
(5) سورة المائدة : (الآية 20) .

العقائد الحقّة _ 386 _

  الكرّة ) (1).
  4 ـ حديث يونس بن ظبيان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
  ( إنّ الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي (عليهما السلام) ، فأمّا يوم القيامة فإنّما هو بعث إلى الجنّة وبعث إلى النار ) (2).
  5 ـ حديث حمران ، عن أبي جعفر [ الباقر ] (عليه السلام) قال :
  ( إنّ أوّل من يرجع لجاركم الحسين (عليه السلام) فيملك حتّى تقع حاجباه على عينيه من الكِبَر ) (3).
  6 ـ حديث تفسير علي بن إبراهيم : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ) (4) فإنّه روى أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا رجع آمن به الناس كلّهم .
  قال : وحدّثني أبي ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن أبي حمزة ، عن شهر بن حوشب قال : قال لي الحجّاج : ياشهر ! آية في كتاب الله قد أعيتني ، فقلت : أيّها الأمير ! أيّة آية هي ؟ فقال : قوله : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) والله لأنّي لآمر باليهودي والنصراني فتضرب عنقه ، ثمّ أرمقه بعيني فما أراه يحرّك شفتيه حتّى يحمل ، فقلت : أصلح الله الأمير ! ليس على ما تأوّلت ، قال : كيف هو ؟ قلت : إنّ عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملّة يهودي ولا غيره إلاّ آمن به قبل موته ، ويصلّي

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج53 ص45 ب29 ح18) .
(2) بحار الأنوار : (ج53 ص43 ب29 ح13) .
(3) بحار الأنوار : (ج53 ص43 ب29 ح14) .
(4) سورة النساء : (الآية 159) .

العقائد الحقّة _ 387 _

  خلف المهدي . قال : ويحك ! أنّى لك هذا ؟ ومن أين جئت به ؟ فقلت : حدّثني به محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، فقال : جئت والله بها من عين صافية (1).
  7 ـ حديث معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : قول الله : ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ) (2) ؟ قال :
  ( هي والله للنُصّاب ، قال : جعلت فداك ! قد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتّى ماتوا ؟ قال : ذاك والله في الرجعة ، يأكلون العذرة ) (3).
  8 ـ حديث الحسن بن الجهم ، قال : قال المأمون للرضا (عليه السلام) : يا أبا الحسن ! ما تقول في الرجعة ؟
  فقال (عليه السلام) :
  ( إنّها الحقّ ، قد كانت في الاُمم السالفة ونطق بها القرآن (4) ، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يكون في هذه الاُمّة كلّ ما كان في الاُمم السالفة حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة ، وقال (صلى الله عليه وآله) : إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم (عليهما السلام) فصلّى خلفه ، وقال (صلى الله عليه وآله) : إنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء ، قيل : يا رسول الله ثمّ ماذا

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج53 ص50 ب29 ح24) .
(2) سورة طه : (الآية 124) .
(3) بحار الأنوار : (ج53 ص51 ب29 ح28) .
(4) كما تلاحظه فيما اقتصّه الله تعالى في سورة البقرة : (الآيتان 55 و56) من خبر قوم موسى (عليه السلام) : ( فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .

العقائد الحقّة _ 388 _

  يكون ؟ قال : ثمّ يرجع الحقّ إلى أهله ... ) (1).
  9 ـ ما جاء في الزيارة الجامعة المباركة التي رواها الشيخ الصدوق بسنده المعتبر عن موسى بن عبدالله النخعي ، عن أبي الحسن الثالث الإمام الهادي (عليه السلام) :
  ( وجعلني ممّن يقتصّ آثاركم ، ويسلك سبيلكم ، ويهتدي بهداكم ، ويحشر في زمرتكم ، ويكرّ في رجعتكم ، ويملّك في دولتكم ، ويشرّف في عافيتكم ، ويمكّن في أيّامكم ، وتقرّ عينه غداً برؤيتكم ) .

  وفي زيارة الوداع :
  ( ومكّنني في دولتكم وأحياني في رجعتكم ) (2).
  10 ـ حديث أحمد بن عقبة ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، سئل عن الرجعة أحقّ هي ؟ قال :
  ( نعم ، فقيل له : من أوّل من يخرج ؟ قال : الحسين (عليه السلام) يخرج على أثر القائم (عليه السلام) ، قلت : ومعه الناس كلّهم ؟ قال : لا بل كما ذكر الله تعالى في كتابه : ( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً ) (3) قوم بعد قوم ) .
  وعنه (عليه السلام) :
  ( ويقبل الحسين (عليه السلام) في أصحابه الذين قتلوا معه ، ومعه سبعون نبيّاً كما بعثوا مع موسى بن عمران ، فيدفع إليه القائم (عليه السلام) الخاتم ، فيكون الحسين (عليه السلام) هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ، ويواريه في

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج53 ص59 ب29 ح45) .
(2) بحار الأنوار : (ج53 ص92 ب29 ح99) .
(3) سورة النبأ : (الآية 18) .

العقائد الحقّة _ 389 _

  حفرته ) (1).
  ... إلى غير ذلك من الأحاديث الشريفة الفائقة على حدّ التواتر ، والموجبة للقطع واليقين بذلك الرجوع الزاهر ، فيلزم الإعتقاد به ، والتديّن بحقّانيته .
  وقد ورد في زيارة صاحب الأمر أرواحنا فداه : ( اللهمّ إنّي أدين لك بالرجعة بين يدي صاحب هذه البقعة ) (2).
  3 ـ دليل الإجماع :
  قد تظافر نقل الإجماع من الإماميّة الحقّة على الرجعة بل صُرّح بكونها من ضروريات مذهبهم كما تلاحظه فيما أفاده الأعلام العظام .
  فقد أفاد الشيخ المفيد : ( قد قالت الإماميّة إنّ الله تعالى ينجز الوعد بالنصر للأولياء قبل الآخرة عند قيام القائم ، والكرّة التي وعد بها المؤمنين ) (3).
  وقال السيّد المرتضى في المسائل الرازيّة : ( اعلم أنّ الذي تذهب الشيعة الإمامية إليه أنّ الله تعالى يعيد عند ظهور إمام الزمان المهدي (عليه السلام) قوماً ممّن كان قد تقدّم موته من شيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ومشاهدة دولته ... ) (4).
  وقال أمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان : ( المعوّل في ذلك ـ الرجعة ـ على إجماع الشيعة الإماميّة ) (5).
  وقال العلاّمة المجلسي : ( أجمعت الشيعة عليها ـ الرجعة ـ في جميع

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج53 ص103 ب29 ح130) .
(2) مفاتيح الجنان المعرّب : (ص529) .
(3) المسائل العكبرية : (ص74) .
(4) المسائل الرازيّة : (ج1 ص125) .
(5) مجمع البيان : (ج7 ص235) .

العقائد الحقّة _ 390 _

  الأعصار وإشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار ) (1).
  وقال المحدّث الحرّ العاملي : ( الرجعة من ضروريات مذهب الإمامية عند جميع العلماء المعروفين والمصنّفين المشهورين ) (2).
  وقال السيّد الشبّر : ( إنّ أصل الرجعة حقّ لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه ، ومنكرها خارج عن ربقة المؤمنين ، فإنّها من ضروريات مذهب الأئمّة الطاهرين ) (3).
  فالأدلّة الثلاثة المعتبرة إذاً متطابقة ، والأقوال متوافقة ، والآراء متّفقة على كون الرجعة من العقائد الحقّة والوقائع الصادقة .
  هذا ، مضافاً إلى إمكان الرجعة عقلا لوقوعها في الاُمم سابقاً ، والوقوع دليل الإمكان ...
  ولا شكّ أنّ من المحاسن العقليّة تَحقّق حكومة العدل الإلهي والدولة الكريمة وإنتشار الدين في رجعة الأئمّة المعصومين مع إحياء الصفوة الذين تقرّ عيونهم بها ، والطائفة من الكافرين الذين ترغم اُنوفهم بمشاهدتها ، وهو من إستمرار العدل ومحو الظلم الذي يحكم العقل بحسنه ...
  والرجعة تحقّق هذا المعنى فتكون مورداً للحسن العقلي مضافاً إلى الإمكان الوقوعي ...
  أنعم الله تعالى علينا وأقرّ عيوننا بفيض سرور تلك الرجعة الحقّة والدولة المحقّة إن شاء الله تعالى .

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج53 ص123) .
(2) إيقاظ الهجعة : (ص60) .
(3) حقّ اليقين : (ج2 ص35) .

العقائد الحقّة _ 391 _

يوم المعاد
  المعاد بمعنى المصير والمرجع ، وهو في الأصل اللغوي مَفْعَل أي مَعْوَد ... مأخوذ من العَود ، ويطلق لغة على المعنى المصدري يعني العَود والرجوع ، وعلى زمان العود فيكون إسم زمان ، كما يطلق على مكان العود فيكون إسم مكان .
  هذا إشتقاقاً وإطلاقاً ، وأمّا تعريفاً فقد عرّفه الشيخ الطريحي بأنّه هو : ( بعث الأجسام البشرية وتعلّق أنفسها بها للنفع والإنتصاف والجزاء ) (1).
  وعرّفه الفاضل المقداد بأنّه هو : ( الوجود الثاني للأشخاص الإنسانية بعد موتها لأخذ الحقّ منها أو إيفائه ) (2).
  فالمعاد إذاً هو إعادة جسد الإنسان بروحه وبعثه في القيامة ـ ذلك اليوم الرهيب ـ يوم الحساب العدل والخلود الفصل .
  والإعتقاد بهذا اليوم الأعظم من العقائد الحقّة الأصيلة المهذِّبة للنفوس البشرية ، قال شيخنا الصدوق : ( إعتقادنا في البعث أنّه حقّ ) (3).
  وقال العلاّمة الحلّي في محكي كتاب أنوار الملكوت الذي هو شرح كتاب الياقوت لأبي إسحاق إبراهيم النوبختي الذي هو من قدماء المتكلّمين ، كما حكاه

---------------------------
(1) مجمع البحرين : (ص319) .
(2) الإرشاد : (ص385) .
(3) إعتقادات الصدوق : (ص64) .

العقائد الحقّة _ 392 _

  في حقّ اليقين : ( اتّفق المسلمون على إعادة الأجساد خلافاً للفلاسفة ) (1).
  وقال المحقّق الدواني في محكي شرح العقائد العضدية كما حكاه في حقّ اليقين : ( والمعاد ـ أي المعاد الجسماني ـ فإنّه المتبادر من إطلاق أهل الشرع إذ هو الذي يجب الإعتقاد به ويكفر من أنكره ... حقّ بإجماع أهل الملل الثلاثة ) (2).
  وقال شيخ الإسلام المجلسي رضوان الله تعالى عليه :
  ( اعلم أنّ القول بالمعاد الجسماني ممّا اتّفق عليه جميع الملّيين وهو من ضروريات الدين ، ومنكره خارج عن عداد المسلمين ، والآيات الكريمة في ذلك ناصّة لا يعقل تأويلها ، والأخبار فيه متواترة لا يمكن ردّها ولا الطعن فيها ، وقد نفاه أكثر ملاحدة الفلاسفة تمسّكاً بامتناع إعادة المعدوم ، ولم يقيموا دليلا عليه ، بل تمسّكوا تارةً بادّعاء البداهة ، واُخرى بشبهات واهية لا يخفى ضعفها على من نظر فيها بعين البصيرة واليقين وترك تقليد الملحدين من المتفلسفين ) (3).
  وقال السيّد الشبّر : ( القول بالمعاد الجسماني والروحاني معاً أقوى المذاهب ، وهو الذي دلّت عليه الآيات القرآنية والأحاديث المعصومية وأيّدته المؤيّدات العقلية حيث إنّ الكاسب للطاعات والمعاصي البدن والروح معاً فينبغي عودهما معاً ) (4).
  هذا ، والأدلّة القطعيّة والبراهين الجليّة متّفقة في إثبات هذا الأصل الأصيل والأمر الجليل بالكتاب والسنّة والإجماع والعقل ممّا يوجب العلم واليقين لكلّ

---------------------------
(1) حقّ اليقين : (ج2 ص36) .
(2) حقّ اليقين : (ج2 ص37) .
(3) بحار الأنوار : (ج7 ص47) .
(4) حقّ اليقين : (ج2 ص38) .

العقائد الحقّة _ 393 _

  عاقل مستبين ... بل وضوح معناه العرفي وتطابق الأدلّة على عود الروح والبدن يقتضي ضروريته ، والأدلّة هي :
  1 ـ دليل الكتاب :
  ما أكثر الآيات القرآنية والحكم الربّانية في بيان يوم القيامة وشؤون يوم الطامّة حتّى قال بعض أهل المعرفة : إنّها تقارب ألف آية كريمة وإشارة قيّمة .
  وقد أحصاها العلاّمة المجلسي (قدس سره) في أبواب متعدّدة من كتاب العدل والمعاد في المجلّد السابع من بحار الأنوار ، فلاحظ .
  ويكفيك تصديقاً وتأكيداً وتهويلا من الآيات الشريفة المبيّنة للمعاد الآيتان الأوّلتان من سورة الحجّ المباركة ، قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَة عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْل حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ ) (1).
  وتلاحظ لمزيد البيان تفسير القرآن بالنسبة إلى هاتين الآيتين في البرهان (2) ، والصافي (3) ، وكنز الدقائق (4).
  وحسبك دليلا من القرآن الكريم على المعاد بالجسم بالإضافة إلى الروح :
  1 ـ قوله تعالى : ( وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي

---------------------------
(1) سورة الحجّ : (الآيتان 1 و2) .
(2) تفسير البرهان : (ج2 ص698) .
(3) تفسير الصافي : (ج3 ص361) .
(4) تفسير كنز الدقائق : (ج9 ص41) .

العقائد الحقّة _ 394 _

  أَنطَقَ كُلَّ شَيْء )
(1) ، والآية صريحة في بعثة الجلود .
  2 ـ قوله عزّ إسمه : ( قَالَ مَنْ يُحْىِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيمٌ ) (2) ، وهي صريحة في إحياء العظام .
  3 ـ قوله جلّ وعلا : ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (3) ، وهي صريحة في بعثة الأبدان بألسنتهم والأيدي والأرجل .
  4 ـ قوله جلّ شأنه : ( أَيَحْسَبُ الاِْنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّىَ بَنَانَهُ ) (4) حيث يستفاد إعادة جزئيات الإنسان كالبنان ، وهي الأنامل .
  فليس المعاد بالروح فقط بل بالروح والجسد .
  2 ـ دليل السنّة :
  السنّة المحمّدية غنيّة بالأخبار المعصومية ومتواترة بالأحاديث العلمية التي تفيد اليقين بيوم الدين وتبيّن تفاصيل حشر العالمين ، بل تبيّن مصير الإنسان من يوم موته إلى غاية عاقبته من الجنّة أو النار .
  كما تلاحظ ذلك في الإحتجاج (5) ، والبحار (6) ، ومعالم الزلفى (7).
  وتلاحظ دراسة نموذج من تلك الدرر الغوالي في أحاديث النبي وأهل

---------------------------
(1) سورة فصلت : (الآية 21) .
(2) سورة يس : (الآيتان 78 و79) .
(3) سورة النور : (الآية 24) .
(4) سورة القيامة : (الآية 3 و4) .
(5) الإحتجاج : (ج2 ص97) .
(6) بحار الأنوار : (ج7 أبواب المعاد) .
(7) معالم الزلفى : (ص134 الجملة الرابعة) .

العقائد الحقّة _ 395 _

  البيت (عليهم السلام) فيما يلي :
  1 ـ خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) المعروفة بالغرّاء وقد ورد فيها :
  ( حتّى إذا تصرّمت الاُمور ، وتقضّت الدهور ، وأزف النشور أخرجهم من ضرائح القبور ، وأوكار الطيور ، وأوجرة السباع ، ومطارح المهالك سراعاً إلى أمره ، مهطعين إلى معاده ) (1).
  2 ـ حديث الإحتجاج عن الإمام الصادق (عليه السلام) في جواب المسائل :
  ( ... قال : أفتتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق ؟
  قال (عليه السلام) : بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور ، فعند ذلك تبطل الأشياء ، وتفنى فلا حسّ ولا محسوس ، ثمّ اُعيدت الأشياء ، كما بدأها مدبّرها ، وذلك أربعمائة سنة يسبُت (2) فيها الخلق ، وذلك بين النفختين .
  قال : وأنّى له بالبعث والبدن قد بلى ، والأعضاء قد تفرّقت ! فعضو ببلدة يأكلها سباعها ، وعضو باُخرى تمزّقه هوامها ، وعضو قد صار تراباً بُني به مع الطين حائط ؟
  قال (عليه السلام) : إنّ الذي أنشأه من غير شيء ، وصوّره على غير مثال كان سبق إليه ، قادر أن يعيده كما بدأه .
  قال : أوضح لي ذلك ?
  قال (عليه السلام) : إنّ الروح مقيمة في مكانها ، روح المحسن في ضياء وفسحة ، وروح المسيء في ضيق وظلمة ، والبدن يصير تراباً كما منه خُلق ،

---------------------------
(1) نهج البلاغة : (الخطبة 83) .
(2) من السُبات ، وهو النوم .

العقائد الحقّة _ 396 _

  وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها ، ممّا أكلته ومزّقته ، كلّ ذلك في التراب ، محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في ظلمات الأرض ، ويعلم عدد الأشياء ووزنها ، وإنّ تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب ، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور ، فتربو الأرض ثمّ تمخّضوا مخض السقاء ، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ، والزبد من اللبن إذا مخض ، فيجتمع تراب كلّ قالب إلى قالبه ، فينتقل بإذن الله القادر إلى حيث الروح ، فتعود الصور بإذن المصوّر كهيئتها ، وتلج الروح فيها ، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئاً ... ) (1).
  3 ـ حديث جامع الأخبار : إنّ فاطمة صلوات الله عليها قالت لأبيها : يا أبت أخبرني كيف يكون الناس يوم القيامة ؟
  قال (صلى الله عليه وآله وسلم) :
  ( يا فاطمة ! يشغلون فلا ينظر أحد إلى أحد ، ولا والد إلى الولد ولا ولد إلى اُمّه ، قالت : هل يكون عليهم أكفان إذا خرجوا من القبور ؟
  قال : يا فاطمة ؟ تبلى الأكفان وتبقى الأبدان ، تستر عورة المؤمن ، وتبدى عورة الكافرين .
  قالت : يا أبت ! ما يستر المؤمنين ؟
  قال : نور يتلألأ لا يبصرون أجسادهم من النور ، قالت : يا أبت ! فأين ألقاك يوم القيامة ، قال : انظري عند الميزان وأنا اُنادي : ربّ أرجح من شهد أن لا إله إلاّ الله ، وانظري عند الدواوين إذا نشرت الصحف وأنا

---------------------------
(1) الإحتجاج : (ج2 ص97 ـ 98) .

العقائد الحقّة _ 397 _

  اُنادي : ربّ ! حاسب اُمّتي حساباً يسيراً ، وانظري عند مقام شفاعتي على جسر جهنّم ، كلّ إنسان يشتغل بنفسه وأنا مشتغل باُمّتي اُنادي : يا ربّ ! سلّم اُمّتي ، والنبيّون (عليهم السلام) حولي ينادون : ربّ ! سلّم اُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله) .
  وقال (عليه السلام) : إنّ الله يحاسب كلّ خلق إلاّ من أشرك بالله فإنّه لا يحاسب ويؤمر به إلى النار ) (1).
  4 ـ حديث ابن مسعود قال : كنت جالساً عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال :
  ( إنّ في القيامة لخمسين موقفاً كلّ موقف ألف سنة ، فأوّل موقف خرج (2) من قبره حبسوا ألف سنة عراة حفاة جياعاً عطاشاً ، فمن خرج من قبره مؤمناً بربّه ومؤمناً بجنّته وناره ومؤمناً بالبعث والحساب والقيامة مقرّاً بالله مصدّقاً بنبيّه (صلى الله عليه وآله) وبما جاء من عند الله عزّ وجلّ نجا من الجوع والعطش ، قال الله تعالى : ( فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً ) (3) من القبور إلى الموقف اُمماً ، كلّ اُمّة مع إمامهم ) إلى آخر الحديث الشريف (4).
  5 ـ حديث حفص بن غياث قال : قال أبو عبدالله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) :
  ( ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا ، فإنّ في القيامة خمسين

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج7 ص110 ب5 ح41) .
(2) هكذا ورد في البحار وفي مصدر الحديث وهو جامع الأخبار ولعلّ الأصل خرجوا من قبورهم .
(3) سورة النبأ : (الآية 18) .
(4) بحار الأنوار : (ج7 ص111 ب5 ح42) .

العقائد الحقّة _ 398 _

  موقفاً كلّ موقف مثل ألف سنة ممّا تعدّون ، ثمّ تلا هذه الآية : ( فِي يَوْم كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة ) (1) ) (2).
  6 ـ حديث ثوير بن أبي فاخته ، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال : سئل عن النفختين : كم بينهما ؟ قال : ما شاء الله ، فقيل له : فأخبرني يا بن رسول الله كيف ينفخ فيه ؟ فقال :
  ( أمّا النفخة الاُولى فإنّ الله يأمر اسرافيل فيهبط إلى الدنيا ومعه الصور ، والصور رأس واحد وطرفان وبين طرف كلّ رأس منهما ما بين السماء والأرض ، فإذا رأت الملائكة إسرافيل هبط إلى الدنيا ومعه الصور ، قالت : قد أذن الله في موت أهل الأرض وفي موت أهل السماء ، قال : فيهبط إسرافيل بحظيرة بيت المقدس ويستقبل الكعبة فإذا رأوه أهل الأرض قالوا : قد أذن الله في موت أهل الأرض ، قال : فينفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الأرض فلا يبقى في الأرض ذو روح إلاّ صعق ومات ، ويخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماء فلا يبقى ذو روح في السماوات إلاّ صعق ومات إلاّ إسرافيل ، قال : فيقول الله لإسرافيل : يا إسرافيل ! مُت ، فيموت إسرافيل ، فيمكثون في ذلك ما شاء الله ، ثمّ يأمر الله السماوات أن تمور ويأمر الجبال فتسير وهو قوله : ( يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً ) (3) يعني تنبسط وتبدّل الأرض غير الأرض يعني

---------------------------
(1) سورة المعارج : (الآية 4) .
(2) بحار الأنوار : (ج7 ص126 ب6 ح3) .
(3) سورة الطور : (الآيتان 9 و10) .

العقائد الحقّة _ 399 _

  بأرض لم تكتسب عليها الذنوب ، بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها أوّل مرّة ، ويعيد عرشه على الماء كما كان أوّل مرّة ، مستقلا بعظمته وقدرته .
  قال : فعند ذلك ينادي الجبّار جلّ جلاله بصوت من قبله جهوري يُسمع أقطار السماوات والأرضين : ( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ) (1) فلا يجيبه مجيب فعند ذلك يجيب الجبّار ـ وفي نسخة : يقول الجبّار ـ لنفسه ( للهِِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) (2) وأنا قهرت الخلائق كلّهم إنّى أنا الله لا إله إلاّ أنا وحدي لا شريك لي ولا وزير وأنا خلقت خلقي بيدي وأنا أمتّهم بمشيتي وأنا اُحييهم بقدرتي ، قال : فينفخ الجبّار نفخة في الصور فيخرج الصوت من أحد طرفيه الذي يلي السماوات فلا يبقى أحد في السماوات إلاّ حَيي وقام كما كان ، ويعود حملة العرش وتحضر الجنّة والنار وتحشر الخلائق للحساب . قال : فرأيت علي ابن الحسين (عليهما السلام) يبكي عند ذلك بكاءاً شديداً ) (3).
  3 ـ دليل الإجماع : مضافاً إلى دليل الكتاب القطعي والحديث العلمي دلّت الإجماعات الجليّة بل إجماع جميع الفرق المِليّة على تحقّق يوم المعاد وجزاء جميع العباد .
  بل هو ضروري من ضروريات الدين وبديهيات الشرع المبين بحيث

---------------------------
(1) سورة غافر : (الآية 16) .
(2) سورة غافر : (الآية 16) .
(3) معالم الزلفى : (ص135 ب6 ح1) ، عن تفسير القمّي : (ج2 ص252) .

العقائد الحقّة _ 400 _

  يوجب العلم واليقين كما عرفت ذلك من كلمات العلاّمة الحلّي في محكي أنوار الملكوت ، وشيخ الإسلام المجلسي في سابع البحار ، والمحقّق الدواني في شرح العقائد .
  4 ـ دليل العقل :
  بالإضافة إلى الأدلّة المتقدّمة يحكم العقل السليم والنظر المستقيم بتحقّق يوم المعاد لحساب العباد ، وذلك لوجوه عديدة :
  أوّلا : أنّ الكون كما نراه ونجده مبني على أساس العدل ونظام العدالة ، وبالعدل قامت السماوات والأرض ، وما من خلل يخالف العدل إذا وقع في الكون إلاّ وظهرت مساويه وبدت مفاسده .
  على هذا النظام يُلزم العقل باستقرار العدل بمعاقبة المجرم ، وإثابة المحسن .
  ولا تحصل هذه الحقيقة ولا يتحقّق هذا الحقّ في هذا العالم بالبداهة ... فلابدّ وأن يتشكّل عالم يُقضى فيه بالعدل ويُحكم فيه بالإنصاف ، فينتصف من الظالم وينتصر للمظلوم ، ولولاه لذهبت حقوق العباد ولضاعت الدماء بالفساد ، وهو ظلم لا يقبله العقل في جزء حقير وزمان يسير في هذا الكون ـ فكيف بمرّ الأجيال في الأزمنة الطوال ـ على ظهر جميع الأرض البسيطة وبالنسبة إلى جميع الخلق والخليقة .
  لذلك يحكم العقل على أساس العدل بتحقّق يوم الفصل .
  ثانياً : إنّ الحكمة الإلهية البالغة تقضي بيوم المعاد ومجازاة العباد ، وإلاّ لكان التكليف عبثاً وكان إرسال الأنبياء لغواً وكان الوعد والوعيد باطلا .

العقائد الحقّة _ 401 _

  وحاشا الحكيم العليم العادل عن ذلك أبداً !
  فلابدّ وأن يتحقّق الرجوع هنالك بإقتضاء الحكمة حتّى لا يلزم العبث واللغو والبطلان .
  فيحكم العقل على أساس حكمة الله الحكيم بتحقّق ذلك اليوم العظيم .
  ثالثاً : إنّه لو لم يكن ذلك اليوم الخالد ولم يظهر الفرق بين العاصي والمطيع لتساوى الأنبياء النبلاء مع أشقى العصاة الأشقياء ، وتعادل جبابرة الكافرين مع كبار المؤمنين ، وتساوى البرّ والفاجر ، وتوازن الظلم والعدل والحقّ مع الباطل والنور مع الظلمة .
  وهذا شيء قبيح مخالف للحقّ الصريح ، فيحكم العقل بإستحالته على الله تعالى .
  وعليه ، فالعقل حاكم على أساس الحسن وعدم القبح بضرورية يوم الحشر للإنسان ، وقيام يوم المعاد والميزان ، لتمييز الحقّ وإبطال الباطل .
  على أنّ الفطرة بنفسها تقضي بمجازاة الظالم ومؤاخذة الجاني ... حتّى فطرة الملحدين والمنكرين للربوبية ، لذلك تراهم يعاقبون السارق ويؤاخذون المتجاوز .
  فحقّانية يوم القيامة ثابتة بوحي الفطرة ، مضافاً إلى ما تقدّم من الأدلّة .

العقائد الحقّة _ 402 _

مراحل القيامة
  المراحل التي يمرّ عليها الإنسان من حين موته إلى آخر موطنه ومصيره كثيرة نعنون منها أربعة عشر مرحلة وهي :
  1 ـ الموت .
  2 ـ البرزخ .
  3 ـ القبر .
  4 ـ أشراط الساعة .
  5 ـ نفخ الصور وفناء الدنيا .
  6 ـ المحشر .
  7 ـ الميزان .
  8 ـ محاسبة العباد .
  9 ـ الأعمال .
  10 ـ الوسيلة .
  11 ـ الحوض .
  12 ـ الشفاعة .
  13 ـ الصراط .
  14 ـ الجنّة والنار .

العقائد الحقّة _ 403 _

(1) ـ الموت
  آخر يوم من أيّام الدنيا وأوّل من يوم من أيّام الآخرة لكلّ فرد من أفراد الإنسان هو يوم موته ، فإنّه إذا مات ابن آدم قامت قيامته وابتدأت آخرته .
  والموت : هي الحقيقة الثابتة التي دلّت عليها الأدلّة البرهانية ، بل وصلت إليها الإدراكات الوجدانية وكلّ منّا يعلم بالموت ويراه عن يقين وعيان ، ويدركه عن حسّ يغني عن البيان والبرهان ، فيلزم الإعتقاد بحقّانيّته والإقرار بأنّ كلّ حي سوى الله ميّت ، وكلّ نفس ذائقة الموت ، التزاماً بما قاله الله وجاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
  وقد خلقه الله تعالى كما خلق الحياة ، فقال عزّ إسمه : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) (1).
  وقد بيّنته الأحاديث الكثيرة وشرحته الروايات الوفيرة ، وبيّنت أنّ الموت للمؤمن كأطيب ريح يشمّه فينعس (2) ، وللكافر أعظم ألم يحسّه الشخص فيجهد كلسع الأفاعي ولدغ العقارب أو أشدّ كما تلاحظ ذلك في الأحاديث التالية :
  1 ـ حديث أحمد بن الحسن الحسيني ، عن الإمام أبي محمّد العسكري ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قيل للصادق (عليه السلام) : صف لنا الموت .
  قال (عليه السلام) :

---------------------------
(1) سورة الملك : (الآية 2) .
(2) من النعاس وهي فترة الحواس عند قرب النوم .

العقائد الحقّة _ 404 _

  ( للمؤمن كأطيب ريح يشمّه فينعس لطيبه وينقطع التعب والألم كلّه عنه ، وللكافر كلسع الأفاعي ولدغ العقارب أو أشدّ .
  قيل : فإنّ قوماً يقولون : إنّه أشدّ من نشر بالمناشير وقرض بالمقاريض ! ورضخ بالأحجار ! وتدوير قطب الأرحية على الأحداق (1).
  قال : كذلك هو على بعض الكافرين والفاجرين ، ألا ترون منهم من يعاين تلك الشدائد ؟ فذلكم الذي هو أشدّ من هذا لا من عذاب الآخرة فإنّه أشدّ من عذاب الدنيا .
  قيل : فما بالنا نرى كافراً يسهل عليه النزع فينطفئ وهو يحدّث ويضحك ويتكلّم ، وفي المؤمنين أيضاً من يكون كذلك ، وفي المؤمنين والكافرين من يقاسي عند سكرات الموت هذه الشدائد ؟
  فقال : ما كان من راحة للمؤمن هناك فهو عاجل ثوابه ، وما كان من شديدة فتمحيصه من ذنوبه ليرد الآخرة نقيّاً ، نظيفاً ، مستحقّاً لثواب الأبد ، لا مانع له دونه ، وما كان من سهولة هناك على الكافر فيوفّى أجر حسناته في الدنيا ليرد الآخرة وليس له إلاّ ما يوجب عليه العذاب ، وما كان من شدّة على الكافر هناك فهو ابتداء عذاب الله له بعد نفاد حسناته ذلكم بأنّ الله عدل لا يجور ) (2).
  2 ـ ما في أحاديث جامع الأخبار مثل حديث الحسن بن علي الناصري ، عن أبيه ، عن الإمام أبي جعفر الجواد ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قيل لأمير

---------------------------
(1) جمع حَدَقة وهي السواد الأعظم للعين أو خصوص ناظرها .
(2) بحار الأنوار : (ج6 ص152 ب1 ح6) .

العقائد الحقّة _ 405 _

  المؤمنين (عليه السلام) : صف لنا الموت .
  فقال :
  ( على الخبير سقطتم ، هو أحد ثلاثة اُمور يرد عليه : إمّا بشارة بنعيم الأبد ، وإمّا بشارة بعذاب الأبد ، وإمّا تحزين (1) وتهويل وأمره مبهم ، لا تدري من أيّ الفرق هو ، فأمّا وليّنا المطيع لأمرنا فهو المبشَّر بنعيم الأبد ، وأمّا عدوّنا المخالف علينا فهو المبشَّر بعذاب الأبد ، وأمّا المبهم أمره الذي لا يدري ما حاله فهو المؤمن المسرف على نفسه لا يدري ما يؤول إليه حاله ، يأتيه الخبر مبهماً مخوفاً ، ثمّ لن يسوّيه الله عزّ وجلّ بأعدائنا لكن يخرجه من النار بشفاعتنا ، فاعملوا وأطيعوا ولا تتّكلوا ولا تستصغروا عقوبة الله عزّ وجلّ فإنّ من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلاّ بعد عذاب ثلاثمائة ألف سنة .
  وسئل الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) : ما الموت الذي جهلوه ؟
  قال : أعظم سرور يرد على المؤمنين إذا نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد ، وأعظم ثبور (2) يرد على الكافرين إذا نقلوا عن جنّتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد .
  وقال علي بن الحسين (عليهما السلام) : لمّا اشتدّ الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم لأنّهم كلّما اشتدّ الأمر تغيّرت ألوانهم وارتعدت فرائصهم ووجلت قلوبهم ، وكان الحسين صلوات الله عليه وبعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم ،

---------------------------
(1) في المصدر ـ يعني جامع الأخبار ـ : تخويف .
(2) الثبور هو الهلاك والخسران .

العقائد الحقّة _ 406 _

  وتهدئ جوارحهم ، وتسكن نفوسهم .
  فقال بعضهم لبعض : انظروا لا يبالي بالموت !
  فقال لهم الحسين (عليه السلام) : صبراً بني الكرام ! فما الموت إلاّ قنطرة يعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسطة والنعيم الدائمة ، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر ؟ وما هو لأعدائكم إلاّ كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب .
  إنّ أبي حدّثني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر ، والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم ، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم ، ما كَذبت ولا كُذّبت .
  وقال محمّد بن علي (عليهما السلام) : قيل لعلي بن الحسين (عليهما السلام) : ما الموت ؟
  قال : للمؤمن كنزع ثياب وسخة قَمِلة ، وفكّ قيود وأغلال ثقيلة ، والإستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح ، وأوطئ المراكب ، وآنس المنازل ، وللكافر كخلع ثياب فاخرة ، والنقل عن منازل أنيسة ، والإستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها ، وأوحش المنازل وأعظم العذاب .
  وقيل لمحمّد بن علي (عليهما السلام) ما الموت ؟
  قال : هو النوم الذي يأتيكم كلّ ليلة ، إلاّ أنّه طويل مدّته ، لا ينتبه منه إلاّ يوم القيامة ، فمن رأى في نومه من أصناف الفرح ما لا يقادر (1) قدره ومن أصناف الأهوال ما لا يقادر قدره فكيف حال فرح في النوم

---------------------------
(1) كذا ورد في البحار وفي مصدره معاني الأخبار ولعلّ الأصل يُقدَّر .

العقائد الحقّة _ 407 _

  ووجل فيه ؟ هذا هو الموت فاستعدّوا له ) (1).
  3 ـ حديث أحمد بن الحسن الحسيني ، عن الإمام أبي محمّد العسكري ، عن آبائه (عليهم السلام) قال :
  ( دخل موسى بن جعفر (عليه السلام) على رجل قد غرق في سكرات الموت وهو لا يجيب داعياً ، فقالوا له : يا بن رسول الله ! وددنا لو عرفنا كيف الموت وكيف حال صاحبنا ؟
  فقال : الموت هو المصفاة تصفّي المؤمنين من ذنوبهم فيكون آخر ألم يصيبهم كفّارة آخر وزر بقي عليهم ; وتصفّي الكافرين من حسناتهم فيكون آخر لذّة أو راحة تلحقهم هو آخر ثواب حسنة تكون لهم ، وأمّا صاحبكم هذا فقد نخل (2) من الذنوب نخلا وصفّي من الآثام تصفيةً ، وخُلّص حتّى نقي كما ينقى الثوب من الوسخ ، وصلح لمعاشرتنا أهل البيت في دارنا دار الأبد ) (3).
  وغيرها من الأخبار التي تبيّن كيفية الموت وحقيقته .
  قال شيخنا المفيد أعلى الله مقامه في تصحيح الإعتقادات : ( الموت هو يضادّ الحياة ، يبطل معه النموّ ويستحيل معه الإحساس ، وهو يحلّ محلّ الحياة فينفيها ، وهو من فعل الله تعالى وليس لأحد فيه صنع ولا يقدر عليه أحد إلاّ الله تعالى ) (4).

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج6 ص153 ـ 155 ب1 ح9) .
(2) نخل الدقيق غربلته وإزالة نخالته ، ويقال : نخل الشيء أي صفّاه .
(3) بحار الأنوار : (ج6 ص155 ب1 ح10) .
(4) تصحيح الإعتقاد : (ص94) .

العقائد الحقّة _ 408 _

   فالموت حقيقة يلزم الإعتراف به والإنتقال بواسطته إلى عالم الآخرة ... البرزخ والقيامة وهو يتحقّق بأمر الله القاهر فوق عباده فانّه يتوفّى الأنفس حين موتها .
  ويتنفّذ بواسطة ملك الموت وأعوانه كما في قوله تعالى : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) (1) ويكون ذلك بأمر الله تعالى كما تراه في أحاديث البحار التالية :
  1 ـ حديث زيد الشحّام قال : سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن ملك الموت يقال :
  ( الأرض بين يديه كالقصعة (2) يمدّ يده حيث يشاء ؟
  قال : نعم ) (3).
  2 ـ حديث أسباط بن سالم مولى أبان قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : جعلت فداك ! يعلم ملك الموت بقبض من يقبض ؟
  قال : ( لا إنّما هي صكاك (4) تتنزّل من السماء : اقبض نفس فلان بن فلان ) (5).
  واعلم أنّه يطيب به المؤمن ويُبشّر به ولا يكون إكراهاً عليه ، ويرهق به الفاجر ويكون مستحقّاً له كما في الأحاديث التالية :

---------------------------
(1) سورة السجدة : (الآية 11) .
(2) القصعة : الجفنة .
(3) بحار الأنوار : (ج6 ص144 ب5 ح12) .
(4) صكاك جمع صكّ وهو الكتاب الذي يكون كالسجل .
(5) بحار الأنوار : (ج6 ص145 ب5 ح16) .

العقائد الحقّة _ 409 _

  1 ـ حديث جامع الأخبار : قال إبراهيم الخليل (عليه السلام) لملك الموت :
  ( هل تستطيع أن تريني صورتك التي تقبض فيها روح الفاجر ؟
  قال : لا تطيق ذلك ، قال : بلى ، قال : فأعرض عنّي ، فأعرض عنه ثمّ التفت فإذا هو برجل أسود ، قائم الشعر ، منتن الريح ، أسود الثياب ، يخرج من فيه ومناخره لهيب النار والدخان ، فغشي على إبراهيم (عليه السلام) ثمّ أفاق ، فقال : لو لم يلق الفاجر عند موته إلاّ صورة وجهك لكان حسبه ) (1).
  2 ـ ما رواه أبو طاهر المقلّد بن غالب ، عن رجاله بإسناده المتّصل إلى علي ابن أبي طالب (عليه السلام) ، أنّه رآه وهو ساجد يبكي حتّى علا نحيبه وارتفع صوته بالبكاء ، فقالوا له : يا أمير المؤمنين ! لقد أمرضنا بكاؤك وأمضّنا وشجانا (2) ، وما رأيناك قد فعلت مثل هذا الفعل قطّ .
  فقال : ( كنت ساجداً أدعو ربّي بدعاء الخيرات في سجدتي فغلبني عيني فرأيت رؤياً هالتني وأقلقتني ، رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائماً وهو يقول : يا أبا الحسن ! طالت غيبتك فقد اشتقت إلى رؤياك ، وقد أنجز لي ربّي ما وعدني فيك ، فقلت : يا رسول الله ! وما الذي أنجز لك فيّ ؟ قال : أنجز لي فيك وفي زوجتك وإبنيك وذرّيتك في الدرجات العلى في علّيين ، قلت : بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ! فشيعتنا ؟ قال : شيعتنا معنا ،

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج6 ص143 ب5 ح8) .
(2) يقال : أمضّه الأمر أي أحرقه وشقّ عليه ، وأمضّه الجرح أي أوجعه ، وشجا الرجل أي أحزنه .

العقائد الحقّة _ 410 _

  وقصورهم بحذاء قصورنا ، ومنازلهم مقابل منازلنا ; قلت : يا رسول الله ! فما لشيعتنا في الدنيا ؟ قال : الأمن والعافية ، قلت : فما لهم عند الموت ؟ قال : يحكم الرجل في نفسه ويؤمر ملك الموت بطاعته ، قلت : فما لذلك حدّ يعرف ؟ قال : بلى ، إنّ أشدّ شيعتنا لنا حبّاً يكون خروج نفسه كشرب أحدكم في يوم الصيف الماء البارد الذي ينتقع به القلوب ، وإنّ سائرهم ليموت كما يغبط أحدكم على فراشه كأقرّ ما كانت عينه بموته ) (1).
  3 ـ حديث أبي بصير قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : جعلت فداك ! يستكره المؤمن على خروج نفسه ؟ قال : فقال :
  ( لا والله ، قال : قلت : وكيف ذاك ؟ قال : إنّ المؤمن إذا حضرته الوفاة حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وجميع الأئمّة عليهم الصلاة والسلام ـ ولكن أكنّوا عن اسم فاطمة ـ ويحضره جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل (عليهم السلام) ، قال : فيقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : يا رسول الله ! إنّه كان ممّن يحبّنا ويتولاّنا فأحبّه ، قال : فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا جبرئيل ! إنّه ممّن كان يحبّ عليّاً وذرّيته فأحبّه ، وقال جبرئيل لميكائيل وإسرافيل (عليهم السلام) مثل ذلك ، ثمّ يقولون جميعاً لملك الموت : إنّه ممّن كان يحبّ محمّداً وآله ويتولّى عليّاً وذرّيته فارفق به ، قال : فيقول ملك الموت : والذي اختاركم وكرّمكم واصطفى محمّداً (صلى الله عليه وآله) بالنبوّة ، وخصّه بالرسالة لأنا أرفق به من والد رفيق ،

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج6 ص161 ب6 ح30) .

العقائد الحقّة _ 411 _

  وأشفق عليه من أخ شفيق .
  ثمّ قام إليه ملك الموت فيقول : ياعبد الله ! أخذت فكاك رقبتك ؟ أخذت رهان أمانك ؟ فيقول : نعم ، فيقول الملك : فبماذا ؟ فيقول : بحبّي محمّداً وآله ، وبولايتي علي بن أبي طالب وذرّيته ، فيقول : أمّا ما كنت تحذر فقد آمنك الله منه وأمّا ما كنت ترجو فقد أتاك الله به ، افتح عينيك فانظر إلى ما عندك .
  قال : فيفتح عينيه فينظر إليهم واحداً واحداً ، ويفتح له باب إلى الجنّة فينظر إليها ، فيقول له : هذا ما أعدّ الله لك ، وهؤلاء رفقاؤك ، أفتحبّ اللحاق بهم أو الرجوع إلى الدنيا ؟
  قال : فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : أما رأيت شخوصه (1) ورفع حاجبيه إلى فوق من قوله : لا حاجة لي إلى الدنيا ولا الرجوع إليها ؟ ويناديه مناد من بطنان العرش يسمعه ويسمع من بحضرته : ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ) إلى محمّد ووصيّه والأئمّة من بعده ( ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً ) بالولاية ، ( مَرْضِيَّةً ) بالثواب ، ( فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ) مع محمّد وأهل بيته ( وَادْخُلِي جَنَّتِي ) غير مشوبة ) (2).
  كما وأنّ بحضور النبي الأكرم والأئمّة العظام عليهم سلام الله الملك العلاّم يكون سرور المؤمن في موته وحضوره عند أوليائه كما تلاحظه في حديث وبيان العلاّمة المجلسي (قدس سره) (3).

---------------------------
(1) يقال : شَخَص بصره أي فتح عينيه ، وشخص ببصره أي رفعه .
(2) بحار الأنوار : (ج6 ص162 ـ 163 ب6 ح31) .
(3) بحار الأنوار : (ج6 ص200) .

العقائد الحقّة _ 412 _

  فيلزم على الإنسان في وفوده هذا إلى الله تعالى أن يكون متّكلا على رحمته الواسعة وآملا محبّة أهل البيت النافعة ، ومتعوّذاً بالله من وساوس الشيطان والعديلة عند الموت التي تلاحظ تفصيلها في المعالم الزلفى (1) ونحيل الذكر رعايةً للإختصار .

---------------------------
(1) المعالم الزلفى : (ص71) .

العقائد الحقّة _ 413 _

(2) ـ البرزخ
  البرزخ في اللغة هو الحاجز بين الشيئين كما في مجمع البحرين (1).
  وكلّ فصل بين شيئين برزخ كما في مجمع البيان (2).
  وأفاد في المفردات : ( البرزخ هو الحاجز والحدّ بين الشيئين ، قيل أصل برزخ : برزه ، ومنه قوله تعالى : ( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ ) (3) ) (4).
  هذا لغةً ، وعالم البرزخ في الإصطلاح هو ما بين العالَمَين الدنيا والآخرة كما أفاده في مرآة الأنوار (5).
  ويلزم الإعتقاد بعالم البرزخ الذي هو ما بين الموت لكلّ إنسان والقيامة وما فيه من الاُمور ، كما أفاده السيّد الشبّر (6).
  وقد ثبت هذا العالم بدليل الكتاب والسنّة :

---------------------------
(1) مجمع البحرين : (ص191) .
(2) مجمع البيان : (ج7 ص116) .
(3) سورة الرحمن : (الآية 20) .
(4) المفردات : (ص43) .
(5) مرآة الأنوار : (ص64) .
(6) حقّ اليقين : (ج1 ص64) .

العقائد الحقّة _ 414 _

  أمّا الكتاب :
  فمثل قوله تعالى : ( ... وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (1).
  وأمّا السنّة : فالأحاديث العديدة الواردة في كتب الأخبار مثل الأحاديث التالية :
  1 ـ ما في تفسير القمّي : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ) (2) إلى قوله : ( إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ) فإنّها نزلت في مانع الزكاة ، قوله : ( وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) قال : البرزخ هو أمر بين أمرين ، وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة ، وهو ردّ على من أنكر عذاب القبر والثواب والعقاب قبل يوم القيامة ، وهو قول الصادق (عليه السلام) : ( والله ما أخاف عليكم إلاّ البرزخ ، فأمّا إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم ) .
  وقال علي بن الحسين (عليهما السلام) : ( إنّ القبر روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النيران ) (3).
  2 ـ حديث أبي ولاّد الحنّاط ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : جعلت فداك ! يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش ، فقال : ( لا ، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير ، لكن في أبدان كأبدانهم ) (4).

---------------------------
(1) سورة المؤمنون : (الآية 100) .
(2) سورة المؤمنون : (الآية 99) .
(3) بحار الأنوار : (ج6 ص214 ب8 ح2) .
(4) بحار الأنوار : (ج6 ص268 ب8 ح119) .

العقائد الحقّة _ 415 _

  فبموت الإنسان يبدأ هذا العالم الأوسط ، ويجري فيه الجزاء بالثواب أو العقاب ، فإنّه وإن مات البدن إلاّ أنّ الروح حي باق حسّاس مشعر يحسّ اللذّات والآلام .
  والمعتقد الصحيح هو بقاء الأرواح كما صرّح به شيخ المحدّثين الصدوق (قدس سره) (1).
  بل المستظهر من الأدلّة كالآيات الكثيرة والأخبار المستفيضة والبراهين القطعيّة هو أنّ النفس باقية بعد الموت في عالم البرزخ ... إمّا معذّبة كمن مُحض الكفر ، أو منعمة كمن محض الإيمان ، أو يلهى عنها كمن كان من المستضعفين ، وقد يذوق شيئاً من الجهد إن كان من العاصين .
  ويدلّ على بقاء الروح ، الكتاب والسنّة بالبيان التالي :
  1 ـ دليل الكتاب على بقاء الروح :
  1 ـ قوله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) (2).
  2 ـ قوله تعالى : ( وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ ) (3).

---------------------------
(1) الإعتقادات للصدوق : (ص47) .
(2) سورة آل عمران : (الآيتان 169 و170) .
(3) سورة البقرة : (الآية 154) .

العقائد الحقّة _ 416 _

  3 ـ قوله تعالى : ( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ) (1) حيث فسّر بجنّة الدنيا بدليل قوله عزّ إسمه ( بكرةً وعشيّاً ) فالبُكرة والعشي لا تكونان في الآخرة في جنان الخُلد بل هما في الدنيا .
  فيستفاد من هذه الآيات الشريفة الحياة بعد الشهادة والموت لصراحة صفات الأحياء .
  3 ـ دليل السنّة على بقاء الروح :
  مثل أحاديث أحوال البرزخ نظير ما يلي :
  1 ـ حديث الفضل بن شاذان من كتاب صحائف الأبرار : إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اضطجع في نجف الكوفة على الحصى فقال قنبر : يا مولاي ! ألا أفرش لك ثوبي تحتك ؟
  فقال : ( لا إن هي إلاّ تربة مؤمن ، أو مزاحمته في مجلسه .
  فقال الأصبغ بن نباتة : أمّا تربة مؤمن فقد علمنا أنّها كانت أو ستكون ، فما معنى مزاحمته في مجلسه ؟
  فقال : يا بن نباتة ! إنّ في هذا الظهر أرواح كلّ مؤمن ومؤمنة في قوالب من نور على منابر من نور ) (2).
  2 ـ حديث قيس مولى علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال :
  ( إنّ عليّاً أمير المؤمنين (عليه السلام) كان قريباً من الجبل بصفّين ، فحضرت

---------------------------
(1) سورة مريم : (الآية 62) .
(2) بحار الأنوار : (ج6 ص237 ب8 ح55) .

العقائد الحقّة _ 417 _

  صلاة المغرب فأمعن (1) بعيداً ، ثمّ أذّن ، فلمّا فرغ عن أذانه إذا رجل مقبل نحو الجبل ، أبيض الرأس واللحية والوجه ، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، مرحباً بوصيّ خاتم النبيّين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، والأعزّ المأمون ، والفاضل الفائز بثواب الصدّيقين ، وسيّد الوصيّين ; فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : عليك السلام ، كيف حالك ؟ فقال : بخير أنا منتظر روح القدس ، ولا أعلم أحداً أعظم في الله عزّ وجلّ اسمه بلاءاً ولا أحسن ثواباً منك ، ولا أرفع عند الله مكاناً ، اصبر يا أخي على ما أنت فيه حتّى تلقى الحبيب ، فقد رأيت أصحابنا ما لقوا بالأمس من بني إسرائيل ، نشروهم بالمناشير ، وحملوهم على الخشب ، ولو تعلم هذه الوجوه التَرِبَة الشائهة (2) ـ وأومأ بيده إلى أهل الشام ـ ما اُعدّ لهم في قتالك من عذاب وسوء نكال لأقصروا ، ولو تعلم هذه الوجوه المبيضّة ـ وأومأ بيده إلى أهل العراق ـ ماذا لهم من الثواب في طاعتك لودّت أنّها قرضت بالمقاريض ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
  ثمّ غاب من موضعه ، فقام عمّار بن ياسر ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وأبو أيّوب الأنصاري ، وعبادة بن الصامت ، وخزيمة بن ثابت ، وهاشم المرقال في جماعة من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ وقد كانوا سمعوا كلام الرجل ـ فقالوا : يا أمير المؤمنين ! من هذا الرجل ؟ فقال

---------------------------
(1) يقال : أمعن في النظر أي بالغ في الإستقصاء ، وكذا أمعن في الطلب ، ويقال : أمعن في الأمر أي أبعد .
(2) الشائهة أي القبيحة ، والتَرِبة أي الفقيرة .

العقائد الحقّة _ 418 _

  لهم أمير المؤمنين (عليه السلام) : هذا شمعون وصي عيسى (عليه السلام) ، بعثه الله يصبّرني على قتال أعدائه ، فقالوا له : فداك آباؤنا واُمّهاتنا ، والله لننصرنّك نصرنا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولا يتخلّف عنك من المهاجرين والأنصار إلاّ شقي ; فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام) معروفاً ) (1).
  3 ـ حديث زيد الشحّام ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
  ( إنّ أرواح المؤمنين يرون آل محمّد (عليهم السلام) في جبال رضوى فتأكل من طعامهم ، وتشرب من شرابهم ، وتحدّث معهم في مجالسهم حتّى يقوم قائمنا أهل البيت (عليهم السلام) فإذا قام قائمنا بعثهم الله وأقبلوا معه يلبّون زمراً فزمراً ، فعند ذلك يرتاب المبطلون ، ويضمحلّ المنتحلون ، وينجو المقرّبون ) (2).
  4 ـ حديث إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن الأوّل [ الإمام الكاظم ] (عليه السلام) قال :
  ( سألته عن الميّت يزور أهله ؟ قال : نعم ، فقلت : في كم يزور ؟ قال : في الجمعة وفي الشهر وفي السنة على قدر منزلته ، فقلت : في أي صورة يأتيهم ؟ قال : في صورة طائر لطيف يسقط على جدرهم ويشرف عليهم ، فإن رآهم بخير فرح ، وإن رآهم بشرّ وحاجة وحزن اغتمّ ) (3).
  5 ـ حديث يونس بن ظبيان قال : كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) فقال :

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج6 ص238 ـ 239 ب8 ح58) .
(2) بحار الأنوار : (ج6 ص243 ب8 ح66) .
(3) بحار الأنوار : (ج6 ص257 ب8 ح91) .

العقائد الحقّة _ 419 _

  ( ما يقول الناس في أرواح المؤمنين ؟ فقلت : يقولون : تكون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : سبحان الله ! المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير ، يا يونس ! إذا كان ذلك أتاه محمّد (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين والملائكة المقرّبون (عليهم السلام) فإذا قبضه الله عزّ وجلّ صيّر تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا ، فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا ) (1).
  6 ـ حديث الإحتجاج (2) المتقدّم الذي صرّح فيه أنّ الروح باق إلى يوم ينفخ في الصور .
  هذا ، وقد أفاد العلاّمة المجلسي (3) أنّ عذاب البرزخ وثوابه ممّا اتّفقت عليه الاُمّة سلفاً وخلفاً وقال به أكثر أهل الملل ، ولم ينكره من المسلمين إلاّ شرذمة قليلة لا عبرة بهم ، وقد انعقد الإجماع على خلافهم سابقاً ولاحقاً ، والأحاديث الواردة فيه من طرق الخاصّة والعامّة متواترة المضمون .
  وعليه فالكتاب والسنّة والإجماع كلّها دالّة على عالم البرزخ ، رحمنا الله فيه بفضله ورحمته .

---------------------------
(1) بحار الأنوار : (ج6 ص269 ب8 ح124) .
(2) الإحتجاج : (ج2 ص97) ، وقد مرّ ذكره في (ص395) من هذا الكتاب .
(3) بحار الأنوار : (ج6 ص271) .