والان ، لا بأس أن أذكر لكم بعض النصوص في الثناء الجميل على هذا الشيخ العظيم من كتب القوم.
  لاحظوا عبارة ابن كثير يقول : النصير الطوسي محمّد بن عبدالله [ لكن والده محمّد فهو محمّد بن محمّد ] كان يقال له المولى نصير الدين ، ويقال الخواجة نصير الدين ، اشتغل في شبيبته ، وحصّل علم الاوائل جيّداً ، وصنّف في ذلك في علم الكلام ، وشرح الاشارات لابن سينا ، ووزر لاصحاب قلاع الالموت من الاسماعيليّة ، ثمّ وزر لهولاكو ، وكان معهم في واقعة بغداد ، ومن الناس من يزعم أنّه أشار على هولاكو بقتل الخليفة ، فالله أعلم ، وعندي أنّ هذا لا يصدر من عاقل ولا فاضل ... إلى آخر ما قرأناه سابقاً .
  قال : وهو الذي كان قد بنى الرصد في مراغة ، ورتّب فيه الحكماء من الفلاسفة والمتكلّمين والفقهاء والمحدّثين والاطبّاء ،

الشيخ نصير الدين الطوسي وسقوط بغداد _ 32 _

  وغيرهم من الفضلاء ، وبنى له فيه قبّة عظيمة ، وجعل فيه كتباً كثيرةً جدّاً ، توفي في بغداد في الثاني عشر من ذي الحجة من هذه السنة ، وله خمس وسبعون سنة ، وله شعر جيّد قويّ ، وأصل اشتغاله على المعين سالم بن بدران بن علي المصري المعتزلي المتشيّع ، فنزع فيه حروب كثيرة منه حتّى أفسد اعتقاده.
  هذا كلّه ذكره في ترجمة نصيرالدين الطوسي ، وفيه الثناء الجميل على علمه ، إلاّ أنّه يعرّض به لاجل مذهبه (1).
  وقال الذهبي في وفيات سنة 672 : كبير الفلاسفة خواجة نصير الدين محمّد بن محمّد بن حسن الطوسي صاحب الرصد.
  وقال أيضاً : خواجه نصير الدين الطوسي أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن الحسن ، مات في ذي الحجّة ببغداد ، وقد نيّف على الثمانين ، وكان رأساً في علم الاوائل ، ذا منزلة من هولاكو (2).
  وقال أبوالفداء : وفيها ـ أي في السنة المذكورة ـ في يوم الاثنين ( 18 ) ذي الحجة ، توفي الشيخ العلاّمة نصير الدين الطوسي ، واسمه محمّد بن محمّد الامام المشهور ، وكان يخدم صاحب الالموت ، ثمّ خدم هولاكو ، وحظي عنده ، وعمل لهولاكو

---------------------------
(1) البداية والنهاية 13 / 276.
(2) العبر في خبر من غبر 3 / 326 ، دول الاسلام.

الشيخ نصير الدين الطوسي وسقوط بغداد _ 33 _

  رصداً بمراغة وزيجاً وله مصنفات عديدة كلّها نفيسة ، منها أقليدس يتضمّن اختلاط الاوضاع ، وكتاب المجسطي ، والتذكرة في الهيئة لم يصنّف في فنّها مثلها ، وشرح الاشارات ، وأجاب عن غالب إيرادات فخرالدين الرازي ، وكانت ولادته في الحادي عشر جمادى الاُولى سنة سبع وتسعين وخمسمائة ، وكانت وفاته ببغداد ، ودفن في مشهد موسى الجواد (1).
  [ يعني موسى والجواد ( الواو ) هذه لابدّ منها ].
  وقال الصفدي : نصيرالدين الطوسي محمّد بن محمّد بن الحسن نصير الدين الطوسي ، الفيلسوف ، صاحب علم الرياضي ، كان رأساً في علم الاوائل ، لاسيّما في الارصاد والمجسطي ، فإنّه فاق الكبار ، قرأ على المعين سالم بن بدران المعتزلي الرافضي وغيره ، وكان ذا حرمة وافرة ومنزلة عالية عند هولاكو ، وكان يطيع على ما يشير عليه ، والاموال في تصريفه ، وابتنى بمراغة قبّة ورصداً عظيماً ، واتخذ في ذلك خزانة عظيمة ، فسيحة الارجاء وملاها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة ، حتّى تجمّع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلّد [ فأين تلك الكتب ] وأقرّ

---------------------------
(1) المختصر في أخبار البشر 4 / 8.

الشيخ نصير الدين الطوسي وسقوط بغداد _ 34 _

  بالرصد المنجّمين والفلاسفة ، وجعل لهم الاوقاف ، وكان حسن الصورة ، سمحاً كريماً جواداً حليماً حسن العشرة غزير الفضل.
  حكي أنّه لمّا أراد العمل بالرصد رأى هولاكو ما يقدم عليه ، فقال له : هذا العلم المتعلق بالنجوم ما فائدته ، أيدفع ما قدّر أن يكون ؟ فقال : أنا أضرب لك مثلاً ، يأمر القان من يطلع إلى هذا المكان ، ويرمي من أعلاه طشتاً نحاساً كبيراً من غير أن يعلم به أحد ، ففعل ذلك ، ولمّا وقع كان له وقعة عظيمة هائلة روّعت كلّ من هناك ، وكاد بعضهم يصعق ، فأمّا هو وهولاكو فإنّهما ما حصل لهما شيء لعلمهما بأنّ ذلك يقع ، فقال له : هذا العلم النجومي له هذه الفائدة ، يعلم المتحدّث فيه ما يحدث ، فلا يحصل له من الروعة ما يحصل للذاهل الغافل عنه ، فقال له : لا بأس بهذا ، وأمره بالشروع فيه ، إلى آخره.
  ومن دهائه ما حكي : أنّه حصل لهولاكو غضب على علاء الدين الجويني صاحب الديوان ، فأمر بقتله ، فجاء أخوه إلى النصير وذكر له ، فقال النصير ... إلى آخره فسعى في خلاص هذا الشخص.
  وممّا وقف له عليه أن ورقة حضرت إليه عن شخص من جملة ما فيها : يا كلب يابن الكلب ، فكان الجواب منه أمّا قوله : يا كلب ،

الشيخ نصير الدين الطوسي وسقوط بغداد _ 35 _

  فليس بصحيح ، لانّ الكلب من ذوات الاربع وهو نابح طويل الاظفار ، وأمّا أنا فمنتصب القائمة بادي البشرة عريض الاظْفار ناطق ضاحك ، فهذه الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص ، وأطال في نقض كل ما قاله ذلك القائل.
  هكذا ردّ عليه بحسن طوية وتأن غير منزعج ، ولم يقل في الجواب كلمة قبيحة .
  ثمّ ذكر تصانيفه ، ثمّ ذكر بعض القضايا الاُخرى (1).
  ولا أُريد أن أُطيل عليكم بقراءة كلّ ما في كتاب الوافي بالوفيات .
  ولاحظوا هذه العبارة من كلامه ، أقرؤها عليكم ، يقول : وكان للمسلمين به نفع خصوصاً الشيعة والعلويين والحكماء وغيرهم ، وكان يبرّهم ويقضي أشغالهم ويحمي أوقاتهم ، وكان مع هذا كلّه فيه تواضع وحسن ملتقى ، وكان نصير قدم من مراغة إلى بغداد ، ومعه كثير من تلامذته وأصحابه ، فأقام بها مدّة أشهر ومات ، ومولد النصير بطوس سنة كذا ووفاته سنة كذا ، وشيّعه صاحب الديوان والكبار ، وكانت جنازته حفلة ، ودفن في مشهد الكاظم.

---------------------------
(1) الوافي بالوفيات 1 / 179.

الشيخ نصير الدين الطوسي وسقوط بغداد _ 36 _

  وهل في هذا النص على طوله من نقص ، من طعن ؟! والوافي بالوفيات كتاب معتبر ، ومؤلّفه من أهل السنّة المعروفين المشهورين المعتمدين.
  وأقرأ لكم ما جاء في فوات الوفيات يقول : الخواجة نصير الدين الطوسي محمّد بن محمّد بن الحسن نصير الدين ، كان رأساً في علم الاوائل ، لاسيّما في الارصاد والمجسطي ، وكان يطيعه هولاكو فيما يشير عليه ، والاموال في تصريفه .
  [ هذه تقريباً عبارات الوافي بالوفيات وإلى أنْ يقول ] : وكان حسن الصورة سمحاً كريماً جواداً حليماً حسن العشرة غزير الفضائل جليل القدر داهية .
  إلى أنْ ذكر تصانيفه وهي كثيرة جدّاً ، وذكر كلمات بعض العلماء في حقّه قال : ودفن في مشهد الكاظم رحمه الله.
  وكذا تجدون الثناء عليه في النجوم الزاهرة (1).
  وكذا غير هؤلاء من المؤلفين والمؤرخين .
  فأين ما ذكره ابن تيميّة أو ما زاد عليه تلميذه ابن قيّم الجوزيّة ؟
  والعمدة ما ذكرته لكم .

---------------------------
(1) النجوم الزاهرة في ملوك نصر والقاهرة 7 / 245.

الشيخ نصير الدين الطوسي وسقوط بغداد _ 37 _

خاتمة البحث

  والعجيب أنّكم لو قرأتم كتب علمائنا في التراجم وسير العلماء وفي التواريخ ، لن تجدوا لفظة واحدة من هذه الالفاظ التي تصدر من بعض هؤلاء في حقّ علماء الشيعة ، لن تجدوا لفظةً منها فى حقّ علماء السنة ، فإن ذكروا شيئاً عن بعض علماء أهل السنّة ، فإنّما يذكرونه بأدب ومتانة ، فكيف وأن ينسبوا إلى أحد منهم ما ليس فيه ، وما لا يجوز نسبته إليه ، لاحظوا الكتب ، قارنوا بين كتبنا وكتبهم ، قارنوا بين أساليب علمائنا وأساليب شيخ إسلامهم ، لتعرفوا الحقّ وتكونوا من أتباع الحق .
  إذا عرفتم الحقّ تعرفون أهله ، وإذا عرفتم الحق تتّبعونه بلا تردّد .
  إذن ، عرفنا في هذا البحث أموراً ، وكان لهذا البحث فوائد عديدة ، ولا حاجة إلى الاطالة بأكثر ممّا ذكرته لكم .
  وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.