عدم كفاية غيرها مهما يتمكن المصلي من السجود عليها ولو بالعلاج ورفع العذر.
وكذلك حديث افتراشه صلى الله عليه وآله تحت يديه اللباس عند حرارة الحصاة وبرودتها والسكوت عن الافتراش على المسجد والسجود عليه يؤيد ايجاب السجدة
على التراب فحسب ليس الا.
وأما حين عدم تيسر السجود عليها والتمكن منه لحرارة قارصة أو لايجاب عذر آخر فلا وازع عندئذ من السجود على غيرها ، اذ الضرورات تبيح المحظورات.
والاحاديث الواردة في الصلاة على الحصير والفحل (1) والخمرة وامثالها تسوغ جواز السجدة على ما ينبت من الأرض غير المأكول والملبوس.
والأنسب بالسجدة التي ان هي الا التصاغر والتذلل تجاه عظمة المولى سبحانه ، ووجاه كبريائه ، ان تتخذ الأرض لديها مسجداً يعفر المصلي بها خده ويرغم
أنفه ، لتذكر
**************************************************************
(1) الفحل بمعنى الخمرة.
السجود على التربة الحسينية ـ 31 ـ
الساجد لله طينته الوضيعة الخسيسة التي خلق منها ، واليها يعود ، ومنها يعاد تارة أخرى ، حتى يتعظ بها ، ويكون على ذكر من وضاعة أصله ، ليتأتى له خضوع
روحي ، وذل في الباطن ، وانحطاط في النفس ، واندفاع في الجوارح الى العبودية ، وتقاعس عن الترفع والأنانية ، ويكون على بصيرة من أن المخلوق من التراب
حقيق وخليق بالذل والمسكنة ليس الا.
ولا توجد هذه الأسرار قط وقط في المنسوج من الصوف والديباح والحرير ، وامثاله من وسائل الدعة والراحة ، مما يري للانسان عظمة في نفسه ، وحرمة وكرامة
ومقاماً لديه ، ويكون له ترفعاً وتجبراً واستعلاءاً وينسلخ عند ذلك من الخضوع والخشوع.
وها نحن نقدم الى القارئ جميع ما جاء في الصحاح الست ، وغيرها من امهات المسانيد والسنن ، من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله الواردة فيما يصح
السجود عليه ، ونمضي على ضوئها ونتخذها سنة متبعة ، وطريقة حقه لا محيد عنها ، وهي على ثلاثة أقسام.
السجود على التربة الحسينية ـ 32 ـ
القسم الاول : ما يدل على السجود على الأرض :
1 ـ جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً.
وفي لفظ مسلم : جعلت لنا الأرض كلها مسجداً ، وجعلت تربتها لنا طهوراً اذا لم نجد الماء.
وفي لفظ الترمذي : جعلت لي الارض كلها مسجداً وطهوراً ، عن علي ، وعبد الله بن عمر ، وأبي هريرة ، وجابر ، وابن عباس ، وحذيفة ، وأنس ، وابي امامة
، وأبي ذر.
وفي لفظ البيهقي : جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً.
وفي لفظ له أيضاً : جعلت لي الأرض طيبة ومسجداً وأيما أدركته الصلاة صلى حيث كان (1) .
************************************************************** (1) صحيح البخاري : 1/86 ، 113 ، صحيح مسلم : 2 ، 64 ، صحيح النسائي : 2/32 ، صحيح ابي داود : 1/79 ، صحيح الترمذي : 2/114 ، السنن الكبرى : 2/433 ، 435.
السجود على التربة الحسينية ـ 33 ـ
2 ـ الأرض لك مسجداً حيثما أدركت الصلاة فصل قاله صلى الله عليه وآله لابي ذر (1) .
3 ـ ابن عباس : ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد على الحجر ، أخرجه الحاكم في المستدرك : 3/473 وصححه هو والذهبي.
4 ـ ابو سعيد الخدري قال : أبصرت عيناي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعلى أنفه أثر الماء والطين (2) .
5 ـ رفاعة بن رافع مرفوعاً : ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته حتى تطمئن مفاصلة وتستوي.
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى : 2/102.
6 ـ ابن عباس ، وانس ، وبريدة باسناد صحيح مرفوعاً : ثلاثة من الجفاء : يمسح جبهته قبل ان يفرغ من
**************************************************************
(1) صحيح النسائي : 2/32.
(2) صحيح البخاري : 1/173 ، 198 ، 2/253 ، 254 ، 256 ، 258 ، 259 ، سنن ابي داود : 1/143 ، 144 ، السنن الكبرى : 2/104.
السجود على التربة الحسينية ـ 34 ـ
صلاته وفي لفظ واثلة بن الأسقع : لا يمسح الرجل جبهته من التراب حتى يفرغ من الصلاة (1) .
7 ـ جابر بن عبد الله قال : كنت أصلي مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صلاة الظهر ، فآخذ بيدي قبضة من حصى في كفي تبرد حتى أسجد عليها من شدة الحر.
وفي لفظ لأحمد : كنا نصلي مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صلاة الظهر ، وآخذ بيدي قبضة من حصى فأجعلها في يدي الاخرى حتى تبرد ثم أسجد عليها من شدة الحر.
وفي لفظ البيهقي : كنت أصلي مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صلاة الظهر فآخذ قبضة من الحصى في كفي حتى تبرد ، وأضعها بجبهتي اذ سجدت من شدة الحر.
فقال البيهقي : قال الشيخ : ولو جاز السجود على ثوب متصل به لكان ذلك اسهل من تبريد الحصى في الكف ووضعها للسجود عليها ، وبالله التوفيق.
مسند احمد : 1/327 ، السنن الكبرى : 2/105.
8 ـ انس بن مالك : كنا نصلي مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في شدة الحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فاذا برد وضعه وسجد عليه ، السنن الكبرى : 2/106.
9 ـ خباب بن الأرت قال : شكونا الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا.
السنن الكبرى : 2/105 ، 107 ، نيل الأوطار : 2/268.
10 ـ عمر بن الخطاب : مطرنا من الليل فخرجنا لصلاة الغداة فجعل الرجل يمرّ على البطحاء فيجعل في ثوبه من الحصباء فيصلي عليه ، فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذاك قال : ما أحسن للذا البساط ، فكان ذلك أول بدء الحصباء ، واخرج ابو داود عن ابن عمر : مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة فجعل الرجل يأتي بالحصى في ثوبه في فيبسطه تحته ، الحديث.
ابو دواد : 1/75 ، السنن الكبرى : 2/440.
11 ـ عياض بن عبدالله القرشي : رأى رسول الله
السجود على التربة الحسينية ـ 36 ـ
(صلى الله عليه وسلم) رجلا يسجد على كور عمامته فأومأ بيده : ارفع عمامتك ، وأومأ الى جبهته.
( السنن الكبرى : 2/105 ).
12 ـ علي أمير المؤمنين : اذا كان أحدكم يصلي فليحسر العمامة عن جبهته.
( السنن الكبرى : 2/105 ).
13 ـ نافع : ان عبد الله بن عمر كان اذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتى يضع جبهته بالارض.
( السنن الكبرى : 2/105 ) .
14 ـ عبادة بن الصامت انه كان اذا قام الى الصلاة حسر العمامة عن جبهته.
( السنن الكبرى : 2/105 ).
15 ـ أبو عبيدة : ان ابن مسعود كان لا يصلي أو لا يسجد الا على الأرض.
أخرجه الطبراني في الكبير وعنه في المجمع : 2/57.
السجود على التربة الحسينية ـ 37 ـ
16 ـ ابراهيم انه كان يقوم على البردي ويسجد على الأرض ، قلنا : ما البردي ؟ قال : الحصير.
أخرجه الطبراني في الكبير ، وعنه في المجمع : 2/57.
17 ـ صالح بن حيوان السبائي : ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رأى رجلا يسجد بجنبه وقد اعتمّ على جبهته فحسر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن جبهته.
السنن الكبرى : 2/105 ، نصب الراية للزيلعي :1/386.
السجود على التربة الحسينية ـ 38 ـ
القسم الثاني :
فيما ورد من السجود على غير الأرض من دون أي عذر :
1 ـ انس بن مالك : أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى عليه وسلم لطعام صنعته له فأكل منه ثم قال : قوموا فلاصلي لكم ، قال أنس : فقمت الى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس ، فنضحته بماء فقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وصففت ، واليتيم وراءه ، والعجوز من ورائنا ، الحديث.
أخرجه البخاري في صحيحه :1/101 ، وفي صحيح النسائي : 2/57 بلفظ :
انّ أم سلمة سألت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يأتيها فيصلي في بيتها فتتخذه مصلى فأتاها فعمدت الى حصير فنضحته بماء فصلى عليه وصلوا معه.
وفي لفظ ابن ماجة في سننه : 1/255 قال : صنع بعض عمومتي للنبي طعاماً فقال للنبي (صلى الله عليه وسلم) : اني
السجود على التربة الحسينية ـ 39 ـ
احب أن تاكل في بيتي وتصلي فيه قال : فأتاه وفي البيت فحل من هذه الفحول فأمر بناحية منه فكنس ورش فصلى وصلينا معه.
فقال : قال ابو عبدالله ابن ماجة : الفحل هو الحصير الذي قد اسودّ.
وفي سنن البيهقي : 2/421 : كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقيل (1) عند ام سليم فتبسط له نطعاً فتأخذ من عرقه فتجعله في طيبها ، وتبسط له الخمرة ويصلي عليها.
وفي السنن : 2/436 بلفظ :
كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) احسن الناس خلقاً فربما تحضره الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ثم يقوم فنقوم خلفه فيصلي بنا ، قال : وكان بساطهم من جريد النخل.
**************************************************************
(1) من قال يقيل قيلولة ، نام في القائلة : أي منتصف النهار.
السجود على التربة الحسينية ـ 40 ـ
وفيه أيضاً بلفظ :
انّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دخل بيتاً فيه فحل فكسح ناحية منه ورش فصلى عليه.
قال في هامش السنن : الفحل : حصير معمول من سعف فحال النخل.
وأخرجه الترمذي في الصحيح : 2/128 ملخصاً : عن انس قال : نضح بساط لنا فصلى عليه.
2 ـ ابن عباس : كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصلّي على الخمرة.
صحيح الترمذي : 2/126 قال الامام ابن العربي المالكي : الخمرة حصير الصلاة.
3 ـ أبو سعيد الخدري : انه دخل على النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فرأيته يصلي على حصير يسجد عليه.
صحيح مسلم : 2/62 ، 128 (1) .
4 ـ ميمونة ام المؤمنين : كان رسول الله صلى الله
**************************************************************
(1) واخرجه ابن ماجة في السنن : 1/321 ، والترمذي في جامعه : 2/127 وليس فيها : يسجد عليه.
السجود على التربة الحسينية ـ 41 ـ
عليه وسلم وأنا حذائه وربما أصابني ثوبه اذا سجد ، وكان يصلي على خمرة.
البخاري : 1/101 ، مسلم : 2/128 ، ابن ماجة : 1/320 ، النسائي : 2/57 ، البيهقي : 2/421.
واخرج مسلم : 1/168 عن عائشة قالت : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ناوليني الخمرة من المسجد قالت : اني حائض فقال : ان حيضتك ليست في يدك.
5 ـ ابن عمر : كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصلي على الخمرة ويسجد عليها.
أخرجه الطبراني في الكبير والاوسط.
6 ـ ام سلمة ام المؤمنين : كان لرسول الله حصير وخمرة يصلي عليها ، اخرجه ابو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط ، ورجال ابي يعلى رجال الصحيح ، وعن ام حبيبة مثله صحيحاً كما في المجمع : 2/57.
السجود على التربة الحسينية ـ 42 ـ
7 ـ انس : كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصلي على الخمرة ويسجد عليها.
أخرجه الطبراني في الاوسط والصغير بأسانيد بعضها صحيح ، رجاله ثقات كما في المجمع : 2/57.
السجود على التربة الحسينية ـ 43 ـ
القسم الثالث :
فيما ورد من السجود على غير الأرض لعذر.
1 ـ انس بن مالك : كنا اذا صلينا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) فلم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض من شدة الحر طرح ثوبه ثم سجد
عليه.
وفي لفظ البخاري : كنا نصلي مع النبي (صلى الله عليه وسلم) فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود .
وفي لفظ مسلم : كنا نصلي مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في شدة الحر فاذا لم يستطع (1) أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه.
وفي لفظ : كنا اذا صلينا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود (2)
**************************************************************
(1) في لفظ ابن ماجة : لم يقدر.
(2) البخاري : 1/101 ، مسلم : 2/109 ، ابن ماجة : 1/321 ، ابو داود : 1/106 ، سنن الدارمي : 1/308 ، مسند احمد : 1/100 ، السنن الكبرى : 2/10 ونيل الأوطار :2/268.
السجود على التربة الحسينية ـ 44 ـ
قال الشوكاني في النيل : الحديث يدل على جواز السجود على الثياب لاتقاء حر الأرض ، وفيه اشارة الى أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل ، لتعليق
بسط ثوب بعدم الاستطاعة ، وقد استدل بالحديث على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي ، قال النووي : وبه قال ابو حنيفة والجمهور أهـ.
2 ـ انس بن مالك : كنا اذا صلينا خلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر.
أخرجه ابن ماجة في صحيحه : 2/216 وقال الامام السندي في شرحه : الظهائر جمع ظهيرة وهي شدة الحر نصف النهار ( سجدنا على ثيابنا ) الظاهر انها الثياب التي هم لابسوها ضرورة ان الثياب في ذلك الوقت قليلة ، فمن أين لهم ثياب فاضلة ؟ فهذا يدل على جواز أن يسجد المصلي على ثوب هو لابسه كما عليه الجمهور أهـ ، وعلى هذه الصورة يحمل ما جاء عن ابن عباس : رأيت
السجود على التربة الحسينية ـ 45 ـ
رسول الله يصلي يسجد على ثوبه (1) .
وأخرج التخاري في الصحيح : 1/101 في باب السجود على الثوب في شدة الحر : وقال الحسن : كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه.
لفت نظر :
هناك حديث حمله الفقهاء على هذه الصورة أيضاً مع انه ليس فيه ذكر عن السجدة على الثوب ، ألا وهو :
عن ابن عباس : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في كساء ابيض في غداة باردة يتقي بالكساء برد الأرض بيده ورجله.
وفي لفظ احمد : لقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في يوم مطير وهو يتقي الطين اذا سجد بكساء عليه يجعله دون يديه الى الأرض اذا سجد.
وعن ثابت بن صامت : ان رسول الله صلى الله عليه
**************************************************************
(1) أخرجه ابو يعلى. والطبراني في الكبير.
السجود على التربة الحسينية ـ 46 ـ
وسلم قام يصلي في مسجد بني عبدالأشهل وعليه كساء ملتفّ به يضع يده عليه يقيه برد الحصا.
وفي لفظ : رأيته واضعاً يديه في ثوبه اذا سجد.
في لفظ ابن ماجة : فرأيته واضعاً يديه على ثوبه اذا سجد (1) .
قال الشوكاني في نيل الأوطار : الحديث يدل على جواز الاتقاء بطرف الثوب الذي على المصلي ولكن للعذر ، اما عذر المطر كما في الحديث ، أو الحر والبرد كما في رواية ابن ابي شيبة وهذا الحديث مصرح بأن الكساء الذي سجد عليه كان متصلا به أ هـ.
ونحن لم نر هذا الحمل في محله اذ الحديث لا يدل بظاهره الا على اتقاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالكساء برد الأرض بيده ورجله فحسب ، وليس فيه ايعاز قط الى السجدة والجبهة ، وسبيله سبيل حديث السيدة عائشة : كان
رسول الله اذا صلى لا يضع تحت قدمية شيئاً الا انّا مطرنا يوماً فوضع تحت قدمية نطعاً (1) .
وهناك مرفوعة أخرجها احمد في المسند : 4/254 عن محمد بن ربيعة عن يونس بن الحرث الطائفي عن أبي عون عن ابيه عن المغيرة بن شعبة قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصلي أو يستحب أن يصلي على فروة مدبوغة (2) .
والاسناد ضعيف بالمرة وبمثله يستدل في الأحكام ، فيه يونس بن الحرث ، قال احمد : أحاديثه مضطربة ، وقال عبدالله بن احمد : سألته عنه مرة اخرى فضعفه ، وعن ابن معين : لا شيء ، وقال ابو حاتم : ليس بقوي ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال مرة : ليس بالقوي ، وقال ابن ابي شيبة : سألت ابن معين عنه فقال : كنا نضعفه ضعفاً شديداً ، وقال الساجي : ضعيف الا انه لا يتهم بالكذب.
تهذيب التهذيب : 11/437.
**************************************************************
(1) اخرجه الطبراني في الاوسط ، والبيهقي :2/436 ، وضعفه الهيثمي في المجمع : 2/57 ، لمكان ابراهيم بن اسحاق الضبي في اسناده.
(2) واخرجه ابو داود : 1/106 ، والبيهقي في السنن : 2/420 بالاسناد المذكور.
السجود على التربة الحسينية ـ 48 ـ
وفيه أبو عون عبيدالله بن سعيد الثقفي الكوفي قال ابو حاتم كما في الجرح والتعديل لابنه : هو مجهول ، وقال ابن حجر : حديثه عن المغيرة مرسل.
على ان متن المرفوعة ساكت عن االسجدة وحكمها ، والملازمة بين الصلاة على الفروة والسجدة عليها منتفية.
القول الفصل :
هذا تمام ما ورد في الصحاح ، والمسانيد مرفوعاً وموقوفاً فيما يجوز السجود عليه برمته ، ولم يبق هناك حديث لم ندكره ، وهي تدل بنصها على أن الأصل في ذلك
لدى القدرة والامكان الأرض كلها ، ويتبعها المصنوع مما ينبت منها أخذاً بأحاديث الخمرة عنه والفحل والحصير والبساط ، ولا مندوحة عنها عند فقدان العذر ، وأما في
حال العذر وعدم التمكن منها فيجوز السجود على الثوب المتصل دون المنفصل لعدم ذكره في السنة.
وأما السجدة على الفراش والسجاد والبسط المنسوجة من الصوف والوبر والحرير ، وأمثالها والثوب المنفصل فلا دليل يسوغها قط ، ولم يرد في السنة أي مستند
لجوازها ،
السجود على التربة الحسينية ـ 49 ـ
وهذه الصحاح الست وهي تتكفل بيان احكام الدين ولا سيما الصلاة التي هي عماده ، لم يوجد فيها ولا حديث واحد ، ولا كلمة ايماء وايعاز الى جواز ذلك.
وكذلك بقية اصول الحديث من المسانيد والسنن المؤلفة في القرون الاولى الثلاثة ليس فيها أي أثر يمكننا الاستدلال به على جواز ذلك من مرفوع أو موقوف ، من
مسند أو مرسل.
فالقول بجواز السجود على الفرش والسجاد والالتزام بذلك ، وافتراش المساجد بها للسجود عليها كما تداورل عند الناس بدعة محضة ، وأمر محدث غير مشروع ، يخالف سنة الله وسنة رسوله ، ولن تجد لسنة الله تحويلا ، وقد اخرج الحافظ الكبير الثقة ابو بكر ابن ابي شيبة باسناده في المصنف في المجلد الثاني عن سعيد بن المسيب وعن محمد بن سيرين : ان الصلاة على الطنفسة محدث ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله : شر الامور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وأما :
واتخاذها مسجداً فان الغاية المتوخاة منها للشيعة انما هي تستند الى أصلين قويمين ، وتتوقف على امرين قيمين ، أولهما :
استحسان اتخاذ المصلي لنفسه تربة طاهرة يتيقن بطهارتها ، من أي أرض أخذت ، ومن أي صقع من أرجاء العالم كانت ، وهي كلها في ذلك شرع سواء سواسية ،
لا امتياز لا حديهن على الاخرى في جواز السجود عليها ، وان هو الا كرعاية المصلي طهارة جسده وملبسه ومصلاه ، يتخذ المسلم لنفسه صعيداً طيباً يسجد عليه في
حله وترحاله ، وفي حضره وسفره ، ولا سيما في السفر ، اذ الثقة بطهارة كل ارض يحل بها ، ويتخذها مسجداً لا تتأتى له في كل موضع من المدن والرساتيق والفنادق والخانات وباحات النزل والساحات ، ومحال المسافرين ، ومحطات وسائل السير والسفر ، ومهابط فئات الركاب ، ومنازل الغرباء ، انى له بذلك وقد يحل بها كل انسان من الفئة المسلمة وغيرها ، ومن اخلاط الناس الذين لا يبالون ولا يكترثون لأمر الدين في موضوع الطهارة والنجاسة.
السجود على التربة الحسينية ـ 54 ـ
فأي وازع من أن يستحيط المسلم في دينه ، ويتخذ معه تربة طاهرة يطمئن بها وبطهارتها يسجد عليها لدى صلاته ، حذراً من السجدة على الرجاسة والنجاسة والأوساخ التي لا يتقرب بها الى الله قط ، ولا تجوز السنة السجود عليها ، ولا يقبله العقل السليم ، بعد ذلك التأكيد التام البالغ في طهارة اعضاء المصلي ولباسه ، والنهي
عن الصلاة في مواطن منها : المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، والحمام ، ومعاطن الابل (1) والامر بتطهير المساجد وتطييبها (2) .
وكأن هذه النظرة الصائبة القيمة الدينية كانت متخذة لدى رجال الورع من فقهاء السلف في القرون الاولى ، وأخذاً بهذه الحيطة المتحسنة جداً كان التابعي الفقيه
الكبير
**************************************************************
(1) سنن ابن ماجة : 1/252 ، ومسانيد وسنن اخرى.
(2) سنن ابن ماجة : 1/256 ومصادر أخرى.
السجود على التربة الحسينية ـ 55 ـ
الثقة العظيم المتفق عليه مسروق بن الأجدع (1) يأخذ في أسافره لبنة يسجد عليها كما أخرجه شيخ المشايخ الحافظ الثقة امام السنة ومسندها في وقته أبو بكر ابن أبي شيبة في كتابه ( المصنف ) في المجلد الثاني في باب : من كان يحمل في السفينة شيئاً يسجد عليه ، فأخرج باسنادين : ان مسروقاً كان اذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها.
هذا هو الأصل الأول لدى الشيعة وله سابقة قدم منه يؤم الصحابة الاولين والتابعين لهم باحسان ، وأما الاصل الثاني :
فان قاعدة الاعتبار المطردة تقتضي التفاضل بين الأراضي
**************************************************************
(1) مسروق بن الأجدع عبدالرحمن بن مالك الهمداني أبو عائشة المتوفي 62 تابعي عظيم من رجال الصحاح الست ، يروي عن ابي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، كان فقيهاً عابدا ثقة صالحاً ، كان في أصحاب ابن مسعود الذين كانوا يعلمون الناس السنة ، وقال حين حضره الموت كما جاء في طبقات ابن سعد : اللهم لا أموت على امر لم يسنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا أبو بكر ولا عمر.
راجع تاريخ البخاري الكبير : 4 ق2 : 35 ، طبقات ابن سعد : 6/565 ، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم : 4 ق1 : 396 ، تهذيب التهذيب : 10 : 109 ـ 111.
السجود على التربة الحسينية ـ 56 ـ
بعضها على بعض ، وتستدعي اختلاف الآثار والشؤون والنظرات فيها ، وهذا أمر طبيعي عقلي متسالم عليه ، مطرد بين الامم طراً ، لدى الحكومات والسلطات والملوك العالمية برمتهم ، إذ بالاضافات والنسب تقبل الأراضي والاماكن والبقاع خاصة ومزيّة ، بها تجري عليها مقررات وتنتزع منها أحكام لا يجوز التعدي والصفح عنها.
الا ترى أن المستقلات والساحات والقاعات والدور والدوائر الرسمية المضافة إلى الحكومات ، وبالأخص ما ينسب منها الى البلاط الملكي ، ويعرف باسم عاهل البلاد وشخصه ، لها شأن خاص ، وحكم ينفرد بها ، يجب للشعب رعايته ، والجري على ما صدر فيها من قانون.
فكذلك الأمر بالنسبة الى الأرضي والأبنية والديار المضافة المنسوبة الى الله تعالى فان لها شؤوناً خاصة ، واحكاماً وطقوساً ، ولوازم وروابط لا مناص ولابد لمن اسلم وجهه لله من أن يراعيها ، ويراقبها ، ولا مندوحة لمن عاش تحت راية التوحيد والاسلام من القيام بواجبها والتحفظ عليها ، والاخذ بها.