تأليف
الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم أبي عبد الله
العكبري ، البغدادي ( 336 ـ 413 ه‍ )


بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة
  مهما يكن ما ورد في ( المنام ) من أحاديث ، تدل على أن منها ما هو صحيح وصادق ، بل ـ كما ورد في بعض الاخبار ـ منها ما هو جزء من أجزاء النبوة ، فإن المنامات ليست في أنفسها حجة معتمدة في شئ من العلوم .
  إلا أن المضامين التي تحتويها الاحلام قد تكون مفصلة واضحة ومتقنة دقيقة ، بحيث تشكل بنفسها دليلا مقنعا ، وقد تكون الاحلام ناشئة من انعكاس الجهود التي يزاولها الانسان في اليقظة ، أو الافكار التي يرتبها ، فتكون الاحلام متشكلة من تلك الافكار بشكل منظم ومرتب وجامع ، لا يشذ منها شئ ، فمن الواضح ـ حينئذ ـ أن مثل هذه المنامات لا يمكن رده ولا دفعه لمجرد كونه مناما ، بل لا بد من اعتبار محتواه على أساس كماله وصحته أو عدم وضوحه وترابطه ، بقطع النظر عن حصوله في المنام .
  ولا يرتاب قارئ هذا الكتاب ، في أن ما رأه الشيخ المفيد في المنام ، من هذا القبيل ، حيث نجد فيه بحثا علميا شيقا ، متكامل المقدمات ، حكاه الشيخ على انه

 شرح المنام  ـ 4 ـ

  وقع له حالة المنام .
  والمسألة تبحث عن دلالة ( آية الغار ) على ما يدعيه العامة من فضل أبي بكر ابن ابي قحافة ، حيث كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغار ، عند نزول تلك الآية .
  وقد فصل الشيخ المفيد أوجه الاستدلال الذي ذكروها على مرادهم ، ثم بدأ يردها واحدا واحدا .
  وهذا المنام يدل على اختزان محتواه في ذهن الشيخ المفيد ، وتركزه فيه بحيث لم يفارقه في يقظه ولا منام كما انه يحتوى على ما هو لازم من عناصر القوة في الاستدلال ، و ضرورات إكمال البحث من النقوض والاجوبة ، والشواهد القرآنية والحديثية و حتى الاستشهاد بالشعر على إثبات المعاني اللغوية ، بما يقضي بالعجب ، ولا تبقى معه حاجة إلى البحث عن حجية الرؤيا ! ونحمد الله على توفيقه .
  وكتب السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

 شرح المنام  ـ 5 ـ

  رب يسر ، روى الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن بنان (1) ، أن الشيخ المفيد

**************************************************************
(1) وروى الشيخ أبو منصور أحمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج 2 : 499 الحديث عن الشيخ أبي علي الحسن بن محمد الرقي ، اخبر به بالرملة في شوال من سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة عن الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله أنه قال : رأيت في المنام سنة من السنن كأني قد أجتزت ، الى آخره وسوف نرمز الى موارد اختلاف روايته بالحرف ( ج ) .
  وعنوان ابو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي في كنزه 2 : 48 الخبر المذكور قائلا : منام ذكر أن الشيخ المفيد أبا عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه رآه وأملاه على أصحابه ) ، بلغ ان شيخنا المفيد رضوان الله عليه قال : رأيت في النوم ، إلى آخره .
  وسوف نرمز إلى موارد الاختلاف أيضا بالحرف ( ك ) ، وذكر ابن عبد ربه الاندلسي في العقد الفريد 5 : 355 ـ 356 نحو ما سيأتي في احتجاج المأمون على الفقهاء في فضل علي عليه السلام فلاحظ . (*)

 شرح المنام  ـ 6 ـ

  رضي الله عنه قال : رأيت في النوم (1) كأني قد اجتزت في بعض الطرق ، فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا (2) : هذه حلقة فيها رجل يقص ، فقلت : من هو ؟ قالوا : عمر بن الخطاب ، ففرقت (3) الناس ، ودخلت الحلقة ، فإذا برجل يتكلم على الناس بشئ لم احصله ، فقطعت عليه الكلام (4) ، وقلت : أيها الشيخ أخبرني (5) ، ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر (6) عتيق بن أبي قحافة في قول الله تعالى : ( ثاني اثنين إذ هما في الغار ) (7) ؟ .
  فقال : وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه (8) في ستة مواضع :
  الاول : أن الله تعالى ذكر النبي (9) صلى الله عليه وآله ، وذكر

**************************************************************
(1) في ( ج ) المنام سنة من السنين .
(2) في ( ك ) فقيل لي .
(3) في ( ك ) فتقدمت ففرقت .
(4) زيادة من ( ج ) .
(5) زيادة من ( ك وج ) .
(6) ما بين المعقوفين ليس في ( ك ) .
(7) التوبة : 41 .
(8) في ( ج ) هذه الآية .
(9) في ( ك ) نبيه . (*)

 شرح المنام  ـ 7 ـ

  أبا بكر (1) ، فجعله ثانيه ، فقال : ( ثاني اثنين ) .
  الثاني : أنه وصفهما بالاجتماع في مكان واحد لتأليفه (2) بينهما ، فقال : ( إذ هما في الغار ) .
  الثالث : أنه أضافه إليه بذكر الصحبة ، ليجمع بينهما فيما يقتضي الرتبة ، فقال : ( إذ يقول لصاحبه ) .
  الرابع : أنه أخبر عن شفقة النبي صلى الله عليه وآله عليه (3) ، ورفقه ، به ، لموضعه عنده ، فقال : ( لا تحزن ) .
  الخامس : أنه (4) أخبره أن الله معهما على حد سواء ، ناصرا لهما ، ودافعا عنهما ، فقال : ( ان الله معنا ) .
  السادس : أنه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر ، لان الرسول لم تفارقه السكينة تط ، فقال : ( فانزل الله سكينته عليه ) .
  فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار ، لا يمكنك ولا لغيرك الطعن فيها ، فقلت له : لقد ( حررت كلامك ) (5) ( هذا ، واستقصيت البيان فيه ، وأتيت بما لا يقدر أحد أن يزيد عليه ) (6) في الاحتجاج (7) ، غير أني بعون الله وتوفيقه ، سأجعل ما أتيت به كرماد إشتدت به الريح في يوم

**************************************************************
(1) في ( ك ) أبا بكر معه .
(2) في ( ك ) تأليفا .
(3) زيادة من ( ك وج ) .
(4) في ( ك ) اعلامه أنه .
(5) في ( ج ) حبرت بكلامك .
(6) ما بين المعقوفين ساقط من ( ج ) .
(7) في ( ك وج ) الاحتجاج لصاحبك عليه . (*)

 شرح المنام  ـ 8 ـ

  عاصف .
  أما قولك : أن الله تعالى ذكره وذكر النبي صلى الله عليه وآله وجعل أبا بكر ثانيه (1) ، فهو اخبار عن العدد ، ولعمري لقد كانا إثنين ، ( فما في ذلك من الفضل ؟ ) ، (2) ، ونحن نعلم ضرورة أن مؤمنا وكافرا إثنان ، ( كما نعلم أن مؤمنا ومؤمنا اثنان ) (3) ، فما أرى لك في ذكر العدد طائلا ( تعتد به ) (4) .
  وأما قولك : أنه وصفهما بالاجتماع في المكان ، فانه كالاول ، لان المكان ( يجمع المؤمنين والكفار ) (5) ، وأيضا فان مسجد النبي صلى الله عليه وآله أشرف من الغار ، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار ، وفي ذلك قول الله تعالى : ( فما للذين كفررا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين ) (6) .
  وأيضا فان سفينة نوح قد جمعت النبي ، والشيطان ، والبهيمة ، ( والانسان (7) ، فالمكان ) (8) لا يدل على ما ادعيت (9) من الفضيلة (10) فبطل فضلان .

**************************************************************
(1) في ( ك ) ثانيه فليس في ذلك فضيلة .
(2) ليس في ( ك ) .
(3) زيادة من ( ك وج ) .
(4) في ( ك وج ) تعتمده .
(5) في ( ك ) يجتمع فيه المؤمنون والكفار ، كما يجتمع العدد للمؤمنين والكفار .
وفي ( ج ) يجمع المؤمن والكافر كما يجمع العدد المؤمنين والكفار .
(6) المعارج : 37 .
(7) في ( ج ) الكلب .
(8) في ( ك ) فبان لك أن الاجتماع بالمكان .
(9) في ( ج ) أوجبت .
(10) في ( ك ) الفضل . ( * )

 شرح المنام  ـ 9 ـ

  وأما قولك : أنه أضافه إليه بذكر الصحبة ، فانه أضعف من الفضلين الاولين ، لان الصحبة تجمع المؤمن والكافر ، والدليل على ذلك قول الله عزوجل : ( إذ قال لصاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ، ثم من نطفة ، ثم سواك رجلا ) (1) .
  وأيضا فان اسم الصحبة يقع (2) بين العاقل ولين البهيمة ، والدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم ، فقال الله تعالى : ( وما ارسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) (3) وقد سموا الحمار صاحبا فقالوا :
ان  الـحـمـار مــع الـحـمار مـطـية      فــإذا خـلوت بـه فـبئس الـصاحب (4)
  وأيضا فقد سموا السيف (5) صاحبا ، ( فقالوا في ذلك ) (6) جاورت هندا وذاك اجتنابي (7) ومعي صاحب كتوم اللسان

**************************************************************
(1) الكهف : 35 .
(2) في ( ك ) تكون ، وفي ( ج ) تطلق .
(3) ابراهيم : 4 .
(4) البيت من قصيدة قالها ، هكذا في ( الاصل ) .
(5) في ( ك وج ) الجماد مع الحي .
(6) في ( ك ) قال الشاعر ، وفي ( ج ) قالو ذلك في السيف شعرا .
(7) في ( ك وج ) زرت . (*)

 شرح المنام  ـ 10 ـ

  يعني السيف ، فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر ، وبين العاقل وبين (1) البهيمة ، وبين الحيوان والجماد ، فأي حجة لصاحبك ؟ !
  وأما قولك : أنه قال ( لا تحزن ) فانه (2) وبال عليه ، ومنقصة (3) ودليل على خطئه ، لان قوله : ( لا تحزن ) نهي ، وصورة النهي قول القائل : ( لا تفعل ) ، فلا يخلو ( أن يكون ) (4) الحزن وقع (5) من أبى بكر ( على أحد وجهين : إما ) (6) طاعة أو معصية ، فان كان طاعة فالنبي لا ينهى ( عنها ، فدل على أنه ) (7) معصية ، ( فان انتهى وإلا فقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنه نهاه ) (8) .
  وأما قولك أنه قال له : ( ان الله معنا ) فان النبي صلى الله عليه وآله أخبر (9) أن الله معه خاصة ، وعبر عن نفسه بلفظ الجبع ( فقال : ( معنا ) كما عبر الله تعالى عن نفسه بلفظ الجمع ) (10) فقال : ( إنا نحن نزلنا الذكر

**************************************************************
(1) ليس في ( ك وج ) .
(2) في ( ك ) فان ذلك .
(3) في ( ك وج ) منقصة له .
(4) ما بين المعقوفين ليس في ( ك ) .
(5) في ( ك ) الواقع .
(6) في ( ك ) من ان يكون .
(7) في ( ك وج ) عن الطاعات ، بل يأمر بها ويدعو إليها ، وإن كان .
(8) في ( ك ) فقد صح وقوعها منه ، وتوجه النهي عنها وشهدت الآيات أنه ولم يرد دليلا على امتثاله للنهي وانزجاره ، وفي ( ج ) فقد نهاه النبي صلى الله عليه وآله عنها ، وقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنه نهاه .
(9) في ( ك ) اعلمه .
(10) ما بين المعقوفين ليس في ( ك وج ) . (*)

 شرح المنام  ـ 11 ـ

  وانا له لحافظون ) (1) ، وقد قيل ( أيضا في هذا ) (2) : أن أبا بكر قال : يارسول الله حزني على اخيك علي بن أبي طالب ما كان منه ، فقال له النبي : ( لا تحزن ان الله معنا ) ، أي : معي ومع أخي علي ابن أبي طالب .
  وأما قولك أن السكينة نزلت على أبي بكر فانه ( كفر بحت ) (3) ، لان الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيده بالجنود كذا يشهد ظاهر القرآن في قوله تعالى : ( فانزل سكينته عليه وايده بجنود لم تروها ) (4) فان (5) كان ابو بكر هو صاحب السكينه فهو (6) صاحب الجنود ، وهذا (7) إخراج النبي عليه السلام من النبوة ، على أن هذا الموضع لو كتمته على صاحبك كان خيرا له ، لان الله تعالى أنزل السكينة على النبي عليه السلام في موضعين ، وكان معه قوم مؤمنون ، فشركهم فيها ، فقال في موضع (8) : ( ثم أنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها ) (9) .
  ( وفي موضع آخر ) (10) : ( فانزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى ) (11) .

**************************************************************
(1) الحجر : 9 .
(2) ليس في ( ك ) .
(3) في ( ج ) فانه ترك للظاهر .
وفي ( ك ) كفر .
(4) التوبة : 41 .
(5) في ( ك ) فلو .
(6) في ( ك ) لكان هو .
(7) في ( ك وج ) وفي هذا .
(8) في ( ك ) أحدهما ، وفي ( ج ) أحد الموضعين .
(9) التوبة : 27 .
(10) في ( ك وج ) وقال في الموضع الآخر .
(11) الفتح : 26 . (*)

 شرح المنام   ـ 12 ـ

  ولما كان في ( هذا اليوم ) (1) خصه وحده بالسكينة ، فقال : ( فانزل سكينته عليه ) ، فلو كان معه في الموضع مؤمن لشركه معه في السكينة ، كما شركه من قبله (2) من المؤمنين ، فدل باخراجه (3) من السكينة على خروجه من الايمان.
  ( قال الشيخ المفيد رحمه الله ) (4) فلم يحر ( عمر بن الخطاب ) (5) جوابا ، وتفرق الناس ، واستيقظت (6) .
  تم المنام ولله الحمد والمنة ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله .

**************************************************************
(1) في ( ك ) يوم الغار ، وفي ( ج ) هذا الموضع .
(2) في ( ك ) كان معه ، وفي ( ج ) كما شرك من ذكرنا قبل هذا .
(3) في ( ك وج ) اخراجه .
(4) ما بين المعقوفين زيادة من ( ك ) .
(5) ما بين المعقوفين زيادة من ( ك ) .
(6) في ( ج ) واستيقظت من نومي . (*)