الفهرس العام

بسم الله الرحمن الرحيم


المجلس التاسع  : من يوم عاشوراء :
المجلس الأول : من ليلة الحادية عشر :
المجلس الثاني  : من ليلة الحادية عشر :



  ليودِّعه فإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبَّة الصبيِّ فقتله  ، فنزل عن فرسه وحفر للصبيّ بجفن سيفه  ، ورَمّلهُ بدمه ودفنه  ، ثمَّ وثب قائماً وهو يقول ...
  إلى آخر الأبيات (1).
  ثم إنّه ( عليه السلام ) دعا الناس إلى البراز  ، فلم يزل يقتل كل من دنا منه من عيون الرجال  ، حتى قتل منهم مقتلة عظيمة .
لَهُ من عليٍّ في الحُرُوبِ شجاعةٌ       ومن  أَحْمَد  عند  الخِطَابةِ  iiقيْلُ
  ثمَّ حمل ( عليه السلام ) على الميمنة  ، وقال :
الموتُ خيرٌ من رُكُوبِ العار       والعارُ أولى من دُخُولِ iiالنارِ
  ثم حمل على الميسرة وهو يقول :
أنا  الحُسَينُ  بنُ iiعلي       آليتُ   أنْ   لاَ  iiأَنْثَنِي
أحْمِي   عَيَالاَتِ   أَبِي       أَمْضِي عَلَى دينِ النبي
  قال الشيخ المفيد والسيِّد وابن نما رحمهم الله : واشتدَّ العطش بالحسين ( عليه السلام ) فركب المسناة يريد الفرات  ، والعباس ( عليه السلام ) أخوه بين يديه  ، فاعترضه خيل ابن سعد فرمى رجل من بني دارم الحسين ( عليه السلام ) بسهم فأثبته في حنكه الشريف  ، فانتزع ( عليه السلام ) السهم  ، وبسط يده تحت حنكه  ، حتى امتلأت راحتاه من الدم  ، ثمَّ رمى به  ، وقال : اللهم إنّي أشكو إليك ما يُفعل بابن بنت نبيِّك  ، ثمَّ اقتطعوا العباس عنه وأحاطوا به من كل جانب حتى قتلوه  ، وكان المتولّي لقتله زيد بن ورقاء الحنفي وحكيم بن الطفيل السنبسي  ، فبكى الحسين ( عليه السلام ) لقتله بكاءً شديداً (2) .
  قال السيِّد : ثمَّ إنَّ الحسين ( عليه السلام ) دعا الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة وهو في ذلك يقول :

---------------------------
(1) الاحتجاج  ، الطبرسي : 2/25 .
(2) اللهوف  ، ابن طاووس : 69 ـ 70  ، الإرشاد  ، المفيد : 2/109 ـ 110 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 402 _

القتل أولى من ركوب iiالعار       والعار أولى من دخول النار
  قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة : قال بعض الرواة : فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قُتل ولدُه وأهل بيته وصحبه أربطَ جأشاً منه  ، وإن كانت الرجال لتشدُّ عليه فيشدُّ عليها بسيفه  ، فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدَّ فيها الذئب  ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمَّلوا ألفاً فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر  ، ثمَّ يرجع إلى مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم (1) .
  قال ابن شهر آشوب ومحمد بن أبي طالب : ولم يزل يقاتل حتى قتل ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسين رجلا سوى المجروحين  ، فقال عمر بن سعد لقومه : الويل لكم  ، أتدرون لمن تقاتلون ؟ هذا ابن الأنزع البطين  ، هذا ابن قتّال العرب  ، فاحملوا عليه من كل جانب  ، وكانت الرماة أربعة آلاف  ، فرموه بالسهام  ، فحالوا بينه وبين رحله (2) .
  قال محمد بن أبي طالب وصاحب المناقب والسيِّد عليهم الرحمة : فصاح بهم : ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين  ، وكنتم لا تخافون المعاد  ، فكونوا أحراراً في دنياكم  ، وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعراباً  ، فناداه شمر فقال : ما تقول يا ابن فاطمة ؟ قال : أقول : أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني  ، والنساء ليس عليهنّ جناح  ، فامنعوا عتاتكم عن التعرُّض لحرمي مادمت حيّاً  ، فقال شمر : لك هذا  ، ثمَّ صاح شمر : إليكم عن حرم الرجل  ، فاقصدوه في نفسه  ، فلعمري لهو كفوٌ كريم .
  قال : فقصده القوم وهو في ذلك يطلب شربة من ماء  ، فكلَّما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتى أحلّوه عنه (3) .

---------------------------
(1) اللهوف  ، ابن طاووس : 70 ومثله في تاريخ الطبري : 4/345 .
(2) مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 4/110 .
(3) اللهوف  ، ابن طاووس : 71 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 403 _

قَالَ اقْصدُوني بنفسي وَاتْرُكُوا حُرَمِي      قَدْ  حَانَ  حَيْنِي  وَقَدْ  لاَحَتْ iiلَوَائِحُهُ

  ولله درّ الشيخ جعفر الخطي عليه الرحمة إذ يقول :
وَلَمْ  يَبْقَ  إلاَّ  وَاحِدُ  الناسِ  iiواحداً      يُكَابِدُ    مِنْ    أَعْدَائِهِ    مَا   iiيُكَابِدُ
يُحَامي   وَرَاءَ  الطاهراتِ  iiمجاهداً       بِأَهلي  وَبِي  ذاك المحامي iiالمجاهِدُ
وَلاَ  سِمِعَتْ  أُذْنِي  وَلاَ  أُذْنُ iiسَامِع       بِأَثْبَتَ   منه  في  اللِّقَا  وهو  iiوَاحِدُ
إلَى أَنْ أَسَالَ الطَّعْنُ وَالضَّرْبُ نَفْسَهُ      فَخَرَّكُمَا  يَهْوِي  إلى  الأرضِ سَاجِدُ
فَلَهْفِي   لَهُ   والخيلُ  منهنَّ  iiصَادِرٌ      خَضِيْبُ  الحَوَامي  مِنْ  دِمَاهُ وَوَارِدُ
فَأَيُّ    فَتَىً   ظَلَّت   خُيُولُ   iiأُمَيَّة       تُعَادِي    عَلَى    جُثَْمانِهِ   iiوَتُطَارِدُ
وَأَعْظَمُ  شيء  أَنَّ  شِمْرَاً  لَهُ  iiعَلَى       جَنَاجِنِ   صَدْر  ابنِ  النبيِّ  iiمَقَاعِدُ
فَشُلَّتْ   يَدَاه   حين   يَفْرِي  iiبِسَيْفِهِ      مُقَلَّدَ    مَنْ    تُلْقَى    إليه   iiالمَقَالِدُ
وَإَنَّ    قتيلا   مَيَّزَ   الشِّمْرُ   iiشِلْوَهُ      لأَكْرَمُ      مفقود     يُبَكِّيهِ     iiفَاقِدُ (1)
  قال محمد بن شهر آشوب : روى أبو مخنف عن الجلودي أن الحسين ( عليه السلام ) حمل على الأعور السلمي وعمرو بن الحجاج الزبيدي  ، وكانا في أربعة آلاف رجل على الشريعة  ، وأقحم الفرس على الفرات  ، فلمّا أولغ الفرس برأسه ليشرب قال ( عليه السلام ) : أنت عطشان وأنا عطشان  ، والله لاذقت الماء حتى تشرب  ، فلمّا سمع الفرس كلام الحسين ( عليه السلام ) شال رأسه ولم يشرب كأنّه فهم الكلام  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : فأنا أشرب  ، فمدَّ الحسين ( عليه السلام ) يده فغرف من الماء  ، فقال فارس : يا أبا عبدالله! تتلذَّذ بشرب الماء وقد هُتكت حُرمك ؟ فنفض الماء من يده  ، وحمل على القوم  ، فكشفهم فإذا الخيمة سالمة (2) .
مَنَعُوه  من  مَاءِ الفُرَاتِ iiوَوِرْدِهِ       وأبوه ساقي الحوضِ يَوْمَ جَزَاءِ

---------------------------
(1) شعراء القطيف  ، الشيخ علي المرهون : 1/14  ، رياض المدح والرثاء : 28 .
(2) مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 4/5 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 404 _

حَتَّى قَضَى عطشاً كما اشتهت العِدَى       بِأَكُفِّ    لاَ    صِيْد    وَلاَ    iiأَكْفَاءِ

  ولله درّ السيِّد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :
وَعَادَ   أَبيُّ   الضَّيْمِ   بينَ  iiعِدَاتِهِ      وَنَاصِرُهُ   الْبَتَّارُ   وَالأَرنُ   iiالْمُهْرُ
فَتَىً تَرْجُفُ السَّبْعُ الطِّبَاقُ إذَا رَمَتْ       بِصَاعِقَةِ   الأقْدَارِ   أَنْمُلُهُ   iiالْعَشْرُ
إِذَا   جَنَّ   لَيْلُ  النَّقْعِ  جَرَّدَ  iiسَيْفَهُ       فَيَنْشَقُّ   فيه  مِنْ  سَنَا  بَرْقِهِ  فَجْرُ
وَيُوْرِدُهُ    مِثْلَ    اللُّجَيْنِ   iiبِهَامِهِمْ      فَيَصْدُرُ  عَنْهَا  وَهُوَ  مِنْ عَلَق iiتِبْرُ
إِذَا   نَظَمَتْ   حَبَّ  القُلُوبِ  iiقَنَاتُهُ       فللسيفِ   في  أَعْنَاقِ  أَعْدَائِهِ  iiنَثْرُ
فَلاَ  الوِتْرُ  وِتْرٌ  حينَ تَقْتَرِعُ iiالظُّبا      وَلاَ  الشَّفْعُ شَفْعٌ حين تَشْتَبِكُ السُّمْرُ (1)
  قال أبو الفرج الإصبهاني : قال حميد بن مسلم : وجعل الحسين ( عليه السلام ) يطلب الماء وشمر يقول له : والله لا ترده أو ترد النار  ، فقال له رجل : ألا ترى إلى الفرات ـ يا حسين ـ كأنه بطون الحيتان  ، والله لا تذوقه أو تموت عطشاً  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : اللهم أمته عطشاً  ، قال : والله لقد كان هذا الرجل يقول : اسقوني ماء  ، فيؤتى بماء فيشرب حتى يخرج من فيه  ، ثم يقول : اسقوني  ، قتلني العطش  ، فلم يزل كذلك حتى مات لعنه الله (2) .
  قالوا : ثمَّ رماه رجل من القوم ـ يكنّى أبا الحتوف الجعفي ـ بسهم  ، فوقع السهم في جبهته  ، فنزعه من جبهته فسالت الدماء على وجهه ولحيته  ، فقال ( عليه السلام ) : اللهم إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة  ، اللهم أحصهم عدداً  ، واقتلهم بدداً  ، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً  ، ولا تغفر لهم أبداً .
  ثمَّ حمل عليه كالليث المغضب  ، فجعل لا يلحق منهم أحداً إلاَّ بعجه بسيفه فقتله  ، والسهام تأخذه من كل ناحية  ، وهو يتّقيها بنحره وصدره  ، ويقول : يا أمَّة

---------------------------
(1) مثير الأحزان  ، الجواهري : 115 .
(2) مقاتل الطالبيين  ، أبو الفرج الإصفهاني : 78 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 405 _

  السوء! بئسما خلفتم محمداً في عترته  ، أما إنكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله فتهابوا قتله  ، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي  ، وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة بهوانكم  ، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون .
  قال : فصاح به الحصين بن مالك السكوني  ، فقال : يا ابن فاطمة وبماذا ينتقم لك منّا ؟ قال : يلقي بأسكم بينكم  ، ويسفك دماءكم  ، ثم يصبُّ عليكم العذاب الأليم  ، ثم لم يزل يقاتل حتى أصابته جراحات عظيمة .
  وقال صاحب المناقب والسيِّد : حتّى أصابته اثنتان وسبعون جراحة (1)   ، وقال ابن شهر آشوب : قال أبو مخنف : عن جعفر بن محمد بن علي ( عليهم السلام ) قال : وجدنا بالحسين ثلاثاً وثلاثين طعنة وأربعاً وثلاثين ضربة  ، وقال الباقر ( عليه السلام ) : أصيب الحسين ( عليه السلام ) ووجد به ثلاث مائة وبضعة وعشرون طعنة برمح  ، وضربة بسيف  ، أورمية بسهم (2)   ، وروي : ثلاثمائة وستون جراحة  ، وقيل : ثلاث وثلاثون ضربة سوى السهام  ، وقيل : ألف وتسعمائة جراحة  ، وكانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ  ، وروي أنها كانت كلها في مقدمه ( عليه السلام ) (3) .
  قال ابن العرندس عليه الرحمة :
فَفَرَّقَ   جَمْعَ   القومِ   حتّى   iiكأنَّهم      طُيُورُ   بُغاث  شَتَّ  شَمْلَهُمُ  الصَّقْرُ
فَأَذْكَرَهُمْ    ليلَ    الهريرِ    iiفَأَجْمَعَ      الكلابُ على اللَّيْثِ الْهِزَبْرِ وَقَدْ هَرُّوا
هُنَاكَ    فَدَتْهُ    الصَّالِحونَ   بِأنْفُس      يُضَاعَفُ في يومِ الحِسَابِ لها iiالأَجْرُ
وَحادُوا  عَنِ  الكُفَّارِ  طَوْعاً  لِنَصْرِهِ       وَجَادَ  لَهُ  بالنفسِ  مِنْ  سعدِهِ  iiالحُرُّ
وَمَدُّوا     إليه     ذُبَّلا     iiسَمْهَرِيَّةً      لِطُولِ  حَيَاةِ  السِّبْطِ  في مَدِّها iiجَزْرُ

---------------------------
(1) اللهوف ، السيد ابن طاووس : 71.
(2) الأمالي ، الصدوق : 228 ح1.
(3) راجع : مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/258 و114.

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 406 _

فَغَادَرَهُ   في  مَارِقِ  الْحرْبِ  مَارِقٌ       بِسَهْم  لِنَحْرِ  السِّبْطِ  مِنْ وَقْعِهِ iiنَحْرُ
فَمَالَ عن الطرفِ الجَوَادِ أخو iiالنَّدَى      الجَوَادُ  قتيلا  حَوْلَهُ  يَصْهَلُ  iiالمُهْرُ
سِنَانُ  سِنَان  خَارِقٌ  منه في iiالحَشَا      وَصَارِمُ  شِمْر  في  الوريدِ له iiشمرُ
تجرُّ    عليه    العاصفاتُ   iiذُيُولَها      وَمِنْ  نَسْجِ أيدي الصَّافِنَاتِ له iiطِمْرُ
فَرُجَّت  له  السبعُ الطِّبَاقُ iiوزُلزلت      رَوَاسِي جِبَالِ الأرضِ والتطمَ البَحْرُ
فَيَا   لَكَ   مقتولا  بكته  السَّمَا  iiدَمَاً       فَمُغْبَرُّ  وَجْهِ  الأرضِ  بالدمِ  iiمُحْمَرُّ
مَلاَبِسُهُ  في  الحربِ حُمْرٌ من iiالدِّما       وَهُنَّ غَدَاةَ الحشرِ من سُنْدُس iiخُضْرُ(1)
  قالوا : فوقف ( عليه السلام ) يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال  ، فبينما هو واقف إذ أتاه حَجر فوقع في جبهته  ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه  ، فأتاه سهم محدَّد مسموم له ثلاث شعب  ، فوقع السهم في صدره ـ وفي بعض الروايات على قلبه ـ فقال الحسين ( عليه السلام ) : بسم الله وبالله  ، وعلى ملّة رسول الله  ، ورفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي! إنّك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبيٍّ غيره  ، ثمَّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه  ، فانبعث الدم كالميزاب  ، فوضع يده على الجرح  ، فلمَّا امتلأت رمى به إلى السماء  ، فما رجع من ذلك الدم قطرة  ، وما عُرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين ( عليه السلام ) بدمه إلى السماء  ، ثمَّ وضع يده ثانياً  ، فلمَّا امتلأت لطَّخ بها رأسه ولحيته  ، وقال : هكذا أكون حتى ألقى جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنا مخضوب بدمي  ، وأقول : يا رسول الله! قتلني فلان وفلان .
   ثمَّ ضعف عن القتال فوقف  ، فكلَّما أتاه رجل وانتهى إليه انصرف عنه  ، حتّى جاءه رجل من كندة يقال له : مالك بن النسر  ، فشتم الحسين ( عليه السلام ) وضربه بالسيف على رأسه  ، وعليه برنس فامتلأ دماً  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : لا أكلت بها ولا شربت  ، وحشرك الله مع الظالمين  ، ثمَّ ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتمَّ عليها  ،

---------------------------
(1) الغدير  ، الأميني : 7/16 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 407 _

  وقد أعيى  ، وجاء الكندي وأخذ البرنس وكان من خزٍّ  ، فلمَّا قدم بعد الوقعة على امرأته فجعل يغسل الدم عنه  ، فقالت له امرأته : أتدخل بيتي بسلب ابن رسول الله ؟ اخرج عنّي  ، حشى الله قبرك ناراً  ، فلم يزل بعد ذلك فقيراً بأسوأ حال  ، ويبُست يداه  ، وكانتا في الشتاء تنضحان دماً  ، وفي الصيف تصيران يابستين كأنهما عودان .
  وقال الشيخ المفيد والسيِّد ابن طاووس عليهما الرحمة : فلبثوا هنيئة  ، ثمَّ عادوا إليه وأحاطوا به  ، فخرج عبدالله بن الحسن بن علي ( عليهم السلام ) ـ وهو غلام لم يراهق ـ من عند النساء يشتدُّ حتى وقف إلى جنب الحسين ( عليه السلام )   ، فلحقته زينب بنت علي ( عليه السلام ) لتحبسه  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : احبسيه يا أختي! فأبى وامتنع امتناعاً شديداً  ، وقال : لا والله لا أفارق عمّي  ، وأهوى أبجر بن كعب ـ وقيل : حرملة بن كأهل ـ إلى الحسين ( عليه السلام ) بالسيف  ، فقال له الغلام : ويلك يا ابن الخبيثة! أتقتل عمّي ؟ فضربه بالسيف  ، فاتّقاه الغلام بيده فأطنَّها إلى الجلد فإذا هي معلَّقة  ، فنادى الغلام : يا أمّاه  ، فأخذه الحسين ( عليه السلام ) فضمَّه إليه  ، وقال : يابن أخي! اصبر على ما نزل بك  ، واحتسب في ذلك الخير  ، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين  ، قال السيِّد : فرماه حرملة بن كأهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمِّه الحسين ( عليه السلام ) (1) .
  قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة : ثم إن شمر بن ذي الجوشن حمل على فسطاط الحسين ( عليه السلام ) فطعنه بالرمح  ، ثم قال : عليَّ بالنار أحرقه على مَنْ فيه  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : يا ابن ذي الجوشن! أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلي  ، أحرقك الله بالنار  ، وجاء شبث فوبَّخه فاستحيى وانصرف .
  قال الراوي : ولما أُثخن ( عليه السلام ) بالجراح وبقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة  ، فسقط ( عليه السلام ) عن فرسه إلى الأرض على خدِّه الأيمن  ، ثم

---------------------------
(1) الإرشاد  ، المفيد : 2/110  ، اللهوف  ، ابن طاووس : 72 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 408 _

  قام صلوات الله عليه .
  ولله درّ السيد حيدر الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
فَتَلَقَّى    الجُمُوعَ   فَرْداً   iiولكنْ      كُلُّ عُضْو في الرَّوْعِ منه iiجُمُوعُ
رُمْحُهُ   مِنْ   بَنَانِهِ   وَكَأنْ  مِنْ      عَزْمِهِ    حَدُّ    سَيْفِهِ   iiمطبوعُ
زَوَّجَ   السَّيْفَ  بالنُّفُوسِ  iiولكنْ      مَهْرُها الموتُ وَالخِضَابُ النَّجِيعُ
  ويقول في رائعة أخرى :
رَكِينٌ  وَلِلأَرْضِ تَحْتَ الْكُمَاةِ      رَجِيفٌ    يُزَلْزِلُ    iiثَهْلاَنَها
أَقَرُّ على الأرضِ مِنْ ظَهْرِهَا      إِذَا   مَلْمَلَ  الرُّعْبُ  iiأَقْرَانَها
تَزِيدُ   الطَّلاَقَةُ   في  iiوَجْهِهِ       إِذَا   غَيَّرَ   الْخَوْفُ  iiأَلْوَانَها
عَفِيراً   مَتَى  عَايَنَتْهُ  iiالكُمَاةُ      يَخْتَطِفِ    الرُّعْبُ   iiألْوَانَها
فَمَا  أَجْلَت  الحربُ عَنْ مِثْلِهِ       صَرِيعاً    يُجَبِّنُ    iiشُجْعَانَها
  قال : وخرجت زينب من الفسطاط وهي تنادي : واأخاه! واسيِّداه! وا أهل بيتاه! ليت السماء أطبقت على الأرض  ، وليت الجبال تدكدكت على السهل .
  قال : وصاح الشمر : ما تنتظرون بالرجل ؟ فحملوا عليه من كل جانب  ، فضربه زرعة بن شريك على كتفه  ، وضرب الحسين زرعة فصرعه  ، وضربه آخر على عاتقه المقدَّس بالسيف ضربة كبا ( عليه السلام ) بها لوجهه  ، وكان قد أعيى  ، وجعل ( عليه السلام ) ينوء ويكبو  ، فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته  ، ثمَّ انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره  ، ثمَّ رماه سنان أيضاً بسهم فوقع السهم في نحره  ، فسقط ( عليه السلام ) وجلس قاعداً  ، فنزع السهم من نحره  ، وقرن كفّيه جميعاً  ، وكلَّما امتلأتا من دمائه خضّب بهما رأسه ولحيته  ، وهو يقول : هكذا حتى ألقى الله مخضَّباً بدمي  ، مغصوباً عليَّ حقّي (1)

---------------------------
(1) اللهوف  ، ابن طاووس : 72 / 74 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 409 _

  قال حميد بن مسلم : وخرجت زينب بنت علي ( عليه السلام ) وهي تقول : ليت السماء انطبقت على الأرض  ، يا عمر بن سعد! أيقتل أبو عبدالله وأنت تنظر إليه ؟ ودموع عمر تسيل على خدّيه ولحيته  ، وهو يصرف وجهه عنها  ، والحسين ( عليه السلام ) جالس  ، وعليه جبّة خزٍّ  ، وقد تحاماه الناس  ، فنادى شمر : ويلكم  ، ما تنتظرون به ؟ قد أثخنته الجراح والسهام اقتلوه ثكلتكم أمّهاتكم  ، فحملوا عليه من كل جانب قال الراوي : وهو يكبو مرّة ويقوم أخرى  ، فحمل عليه سنان في تلك الحال فطعنه بالرمح فصرعه وفي رواية فوقع ( عليه السلام ) على خده الأيمن  ، وقال لخولي بن يزيد : اجتزَّ رأسه ! فضعف وارتعدت يده  ، فقال له سنان : فتَّ الله عضدك  ، وأبان يدك  ، فنزل إليه شمر لعنه الله  ، وكان اللعين أبرص  ، فضربه برجله فألقاه على قفاه  ، ثمَّ أخذ بلحيته  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : أنت الأبقع الذي رأيتك في منامي  ، فقال : أتشبِّهني بالكلاب ؟ ثمَّ جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين ( عليه السلام ) .
  وروى في المناقب بإسناده عن محمد بن عمرو بن الحسن قال : كنّا مع الحسين بنهر كربلا  ، ونظر إلى شمر بن ذي الجوشن وكان أبرص فقال : الله أكبر ! الله أكبر ! صدق الله ورسوله  ، قال رسول الله : كأنّي أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دم أهل بيتي .
  وقيل : جاء إليه شمر وسنان بن أنس  ، والحسين ( عليه السلام ) بآخر رمق  ، يلوك لسانه من العطش  ، ويطلب الماء  ، فرفسه شمر ـ لعنه الله ـ برجله  ، وقال : يا ابن أبي تراب! ألست تزعم أنّ أباك على حوض النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) يسقي مَنْ أحبَّه  ، فاصبر حتى تأخذ الماء من يده  ، ثم قال لسنان : اجتزَّ رأسه قفاء  ، فقال سنان : والله لا أفعل  ، فيكون جدُّه محمد ( صلى الله عليه وآله ) خصمي .
  فغضب شمر لعنه الله  ، وجلس على صدر الحسين  ، وقبض على لحيته  ، وهمَّ بقتله  ، فضحك الحسين ( عليه السلام )   ، فقال له : أتقتلني ولا تعلم من أنا ؟ فقال : أعرفك حقَّ

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 410 _

  المعرفة : أمُّك فاطمة الزهراء  ، وأبوك عليُّ المرتضى  ، وجدُّك محمد المصطفى أقتلك ولا أبالي  ، فضربه بسيفه اثنتا عشرة ضربة  ، ثم جزَّ رأسه صلوات الله وسلامه عليه  ، ولعن الله قاتله ومقاتله والسائرين إليه بجموعهم .
فتك    العصفور   بالصقر   iiفياللعجب      ذبح  الشمر  حسيناً  غيرة الله iiاغضبي
حيدر    آجرك    الله   بعالي   iiالرتب      أدرك   الأعداء  منه  ثار  بدر  وحنين
ذبح   الشمرُ  حسيناً  ليتني  كنتُ  iiفداه      وغدا  الأملاك  تنعاه  خصوصاً  iiعتقاه
مادرى الملعون شمرٌ أيَّ صدر قد رقاهii      صدر من داس فخاراً فوق هام الفرقدين
  قال ابن شهر آشوب عليه الرحمة : روى أبو مخنف عن الجلودي أنه لمَّا صُرع الحسين ( عليه السلام ) جعل فرسه يحامي عنه  ، ويثب على الفارس فيخبطه عن سرجه ويدوسه  ، حتى قتل الفرس أربعين رجلا  ، ثم تمرَّغ في دم الحسين ( عليه السلام )   ، وقصد نحو الخيمة وله صهيل عال  ، ويضرب بيده الأرض .
  وقال السيِّد رضي الله عنه : فلمَّا قتل صلوات الله عليه ارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة  ، فيها ريح حمراء  ، لا ترى فيها عين ولا أثر  ، حتّى ظنَّ القوم أنَّ العذاب قد جاءهم  ، فلبثوا كذلك ساعة ثمَّ انجلت عنهم .
  وروى هلال بن نافع  ، قال : إنّي لواقف مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخ : أبشر أيُّها الأمير  ، فهذا شمر قد قتل الحسين  ، قال : فخرجت بين الصفّين فوقفت عليه  ، وإنه ليجود بنفسه  ، فوالله ما رأيت قط قتيلا مضمَّخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً  ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيبته عن الفكرة في قتله  ، فاستسقى في تلك الحالة ماء  ، فسمعت رجلا يقول : لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها  ، فسمعته يقول : أنا أرد الحامية فأشرب من حميمها ؟ بل أرد على جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وأسكن معه في داره  ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر  ، وأشرب من ماء غير آسن  ، وأشكوا إليه ما ركبتم منّي وفعلتم بي  ، قال :

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 411 _

  فغضبوا بأجمعهم حتّى كأنّ الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئاً  ، فاجتزّوا رأسه  ، وإنه ليكلِّمهم  ، فتعجَّبت من قلّة رحمتهم  ، وقلت : والله لا أجامعكم على أمر أبداً (1) .
   وجاء في الزيارة الناحية الشريفة : حتّى نكّسوك عن جوادك  ، فهويت إلى الأض جريحاً  ، تطؤك الخيول بحوافرها  ، وتعلوك الطغاة ببواترها  ، قد رشح للموت جبينك  ، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك  ، تدير طرفاً خفيّاً إلى رحلك وبيتك  ، وقد شُغلت بنفسك عن ولدك وأهلك  ، وأسرع فرسك شارداً  ، وإلى خيامك قاصداً  ، محمحماً باكياً  ، فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّاً  ، ونظرن سرجك عليه ملويّاً  ، برزن من الخدور  ، ناشرات الشعور على الخدود  ، لاطمات الوجوه  ، سافرات  ، وبالعويل داعيات  ، وبعد العزِّ مذلَّلات  ، وإلى مصرعك مبادرات  ، والشمر جالس على صدرك  ، مولغ سيفه على نحرك  ، قابض على شيبتك بيده  ، ذابح لك بمهنَّده  ، قد سكنت حواسك  ، وخفيت أنفاسك  ، ورُفع على القنا رأسك .
  وروى محمد بن إسماعيل الرازي  ، عن أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) قال : قلت له : جُعلت فداك  ، ما تقول في الصوم فإنه قد روي أنهم لا يوفَّقون لصوم ؟ فقال : أما إنّه قد أجيبت دعوة المَلَك فيهم  ، قال : فقلت : وكيف ذلك جعلت فداك ؟ قال : إن الناس لما قتلوا الحسين صلوات الله عليه أمر الله تبارك وتعالى مَلكاً ينادي : أيَّتها الأمَّة الظالمة القاتلة عترة نبيِّها! لاوفَّقكم الله لصوم ولا لفطر (2) .
  وروي عن رزين  ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : لما ضُرب الحسين بن علي ( عليهما السلام ) بالسيف فسقط رأسه ثمَّ ابتدر ليقطع رأسه نادى مناد من بطنان العرش :

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/47 / 57 .
(2) الكافي  ، الكليني : 4/169 ح 1 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 412 _

  ألا أيَّتها الأمَّة المتحيِّرة الضالّة بعد نبيِّها! لا وفَّقكم الله لأضحى ولا لفطر  ، قال : ثمَّ قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : فلا جرم والله ما وفِّقوا ولا يُوفَّقون حتى يثأر ثائر الحسين ( عليه السلام ) (1) ولله درّ الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة إذ يقول :
لاَ  عِيْدَ  لِلإسْلاَمِ  بَعْدَ  كَرْبَلا       إِذْ  ظَفَرَ الشِّرْكُ بِأَرْبَابِ iiالْوِلاَ
فَأَطْعَمَتْ جُسُومَها بِيْضَ الظُّبَا       وَتَوَّجَتْ  بِالرُّوْسِ مِنْهُ iiالأَسَلاَ
  ويقول أيضاً :
لَمْ يُبْقِ يومُ السِّبْطِ في الأعْيادِ مِنْ       يوم   لِمَنْ   وَالاَهُ   فيه   سُرُورُ
مَلأَ  الزَّمَان شَجَاً بِخَطْب لَمْ iiيَكُنْ       أبداً   له   في  الحَادِثَاتِ  iiنظيرُ (2)

المجلس التاسع  : من يوم عاشوراء :

  نهي أهل البيت ( عليهم السلام ) عن الصيام في يوم عاشوراءوإظهار بني أمية فيه الفرح والسرور :
  جاء في زيارة عاشوراء : اللهم! إن هذا يوم تبركت به بنو أمية وابن آكلة الأكباد اللعين ابن اللعين على لسانك ولسان نبيك ( صلى الله عليه وآله ) في كل موطن وموقف وقف فيه نبيك  ، وجاء فيها أيضا : وهذا يوم فرحت به آل زياد وآل مروان بقتلهم الحسين صلوات الله عليهم  ، اللهم! فضاعف عليهم اللعن والعذاب  ، اللهم! إني أتقرب إليك في هذا اليوم وفي موقفي هذا وأيام حياتي بالبراءة منهم واللعنة عليهم وبالموالاة لنبيك وآل نبيك عليه وعليهم السلام (3) .

---------------------------
(1) الكافي  ، الكليني : 4/170 ح 3 .
(2) الشواهد المنبرية ، الشيخ علي الجشي : 53 .
(3) مصباح المتهجد  ، الشيخ الطوسي : 775 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 413 _

  فلقد سن بنو أمية للناس الفرح يوم عاشوراء وأمروا الناس بصيامه  ، واتخذوه يوم فرح وسرور  ، وفي ذلك يقول بعض الشعراء :
كانت مآتم بالعراق iiتعدها       أمية في الشام من أعيادها
  فالصوم لا يكون إلا عن شكر  ، ولا صوم في يوم عاشوراء لأنه يوم مصيبة  ، وهو يوم يتشأم به آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) كما جاء في الرواية  ، لكن بنو أمية أمروا الناس بصيام عاشوراء فرحا بمقتل الحسين ( عليه السلام )   ، وقد نص على ذلك أهل البيت ( عليهم السلام ) في كلماتهم ووصاياهم الشريفة  ، ونبهوا أصحابهم وشيعتهم على ذلك .
  ومن ذلك ما روي عن جعفر بن عيسى قال : سألت الرضا ( عليه السلام ) عن صوم عاشورا وما يقول الناس فيه  ، فقال : عن صوم ابن مرجانة (1) تسألني  ، ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين ( عليه السلام ) وهو يوم يتشأم به آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ويتشأم به أهل الإسلام واليوم الذي يتشأم به أهل الإسلام لا يُصام ولا يتبرك به  ، ويوم الإثنين يوم نحس قبض الله عز وجل فيه نبيه وما أصيب آل محمد إلا في يوم الإثنين فتشأمنا به  ، وتبرك به عدونا  ، ويوم عاشورا قتل الحسين صلوات الله عليه وتبرك به ابن مرجانة  ، وتشأم به آل محمد صلى الله عليهم  ، فمن صامهما أو تبرك بهما لقي الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب وكان حشره مع الذين سنوا صومهما و التبرك بهما (2) .
   وروي عن زيد النرسي قال : سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن صوم يوم عاشورا فقال : من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد  ، قال : قلت : وما كان حظهم من ذلك اليوم ؟ قال : النار أعاذنا الله (1) يعني به عبيد الله بن زياد حاكم الكوفة من قبل يزيد بن معاوية زاد الله في النار عذابهما. والأدعياء : جمع دعي وهو المتهم في نسبه أي ولد الزنا .

---------------------------
(1) يعني به عبيد الله بن زياد حاكم الكوفة من قبل يزيد بن معاوية زاد الله في النار عذابهما ، والأدعياء : جمع دعي وهو المتهم في نسبه أي ولد الزنا.
(2) الكافي  ، الكليني : 4/146 ح 5 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 414 _

  من النار ومن عمل يُقرِّب من النار (1) .
  وروي عن عبد الملك قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن صوم تاسوعا وعاشورا من شهر المحرم فقال : تاسوعا يوم حوصر فيه الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه رضي الله عنهم بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه  ، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها  ، واستضعفوا فيه الحسين صلوات الله عليه وأصحابه رضي الله عنهم  ، وأيقنوا أن لا يأتي الحسين ( عليه السلام ) ناصر ولا يمده أهل العراق ـ بأبي المستضعف الغريب ـ ثم قال : وأما يوم عاشورا فيومٌ أصيب فيه الحسين ( عليه السلام ) صريعا بين أصحابه وأصحابه صرعى حوله ( عراة ) أفصومٌ يكون في ذلك اليوم ؟! لا ورب البيت الحرام ما هو يوم صوم وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين  ، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم  ، وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام  ، فمن صامه أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوط عليه ... (2) .
  وروي عن الحسين بن أبي غندر  ، عن أبيه  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سألته عن صوم يوم عرفة ؟ فقال : عيد من أعياد المسلمين ويوم دعاء ومسألة  ، قلت : فصوم يوم عاشوراء ؟ قال : ذاك يوم قُتل فيه الحسين ( عليه السلام )   ، فإن كنت شامتا فصم  ، ثم قال : إن آل أمية نذرواً نذرا إن قتل الحسين ( عليه السلام ) أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصومون فيه شكرا  ، ويُفرِّحون أولادَهم  ، فصارت في آل أبي سفيان سنة إلى اليوم  ، فلذلك يصومونه ويدخلون على أهاليهم وعيالاتهم الفرح ذلك اليوم  ، ثم قال : إن الصوم لا يكون للمصيبة  ، ولا يكون إلا شكرا للسلامة  ، وإن الحسين ( عليه السلام )

---------------------------
(1) الكافي  ، الكليني : 4/147 .
(2) الكافي  ، الكليني : 4/147 ح 7 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 415 _

  أصيب يوم عاشوراء إن كنت فيمن أُصيب به فلا تصم  ، وإن كنت شامتا ممن سره سلامة بني أمية فصم شكراً لله تعالى (1) .
  ويقول أبو الريحان البيروني في الآثار الباقية  ، بعد ذكر ما جرى على الحسين ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء : فأما بنو أمية  ، فقد لبسوا فيه ما تجدد  ، وتزينوا واكتحلوا وعيّدوا  ، وأقاموا الولائم والضيافات  ، وأطعموا الحلاوات والطيبات  ، وجرى الرسم في العامة على ذلك أيام ملكهم  ، وبقي فيهم بعد زواله عنهم  ، وأما الشيعة  ، فإنهم ينوحون  ، ويبكون  ، أسفا لقتل سيد الشهداء ( عليه السلام ) فيه (2) .
  ويقول المقريزي بعد أن ذكر أن العلويين المصريين كانوا يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن  ، تتعطل فيه الأسواق  ، قال : فلما زالت الدولة اتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور  ، يوسعون فيه على عيالهم  ، وينبسطون في المطاعم  ، ويتخذون الأواني الجديدة  ، ويكتحلون  ، ويدخلون الحمام جريا على عادة أهل الشام  ، التي سنها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان  ، ليرغموا به آناف شيعة علي بن أبي طالب ( عليه السلام )   ، الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي ( عليه السلام )   ، لأنه قتل فيه  ، قال : وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيوب من اتخاذ عاشوراء يوم سرور وتبسط (3) .
  وقال الزرندي : ـ في معرض كلامه عن النواصب والجهلة الذين اتخذوا يوم عاشوراء يوم عيد وفرح  ، قال : فاتخذوا هذا اليوم عيدا  ، وأخذوا في إظهار الفرح والسرور  ، إما لكونهم من النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، وإما من الجهال ... فأظهروا الزينة كالخضاب  ، ولبس الجديد من الثياب  ، والاغتسال  ،

---------------------------
(1) وسائل الشيعة ( آل البيت ) ( عليهم السلام ) الحر العاملي : 10/462 ح 7 .
(2) الكنى والألقاب  ، الشيخ عباس القمي : 1/431  ، وراجع : عجائب المخلوقات  ، مطبوع بهامش حياة الحيوان 1/115 .
(3) الخطط والآثار للمقريزي : 1/490 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 416 _

  وتوسع النفقات  ، وطبخ الأطعمة والحبوب الخارجة عن العادات  ، ويفعلون فيه ما يُفعل بالأعياد  ، ويزعمون أن ذلك من السنة والمعتاد  ، والسنة ترك ذلك كله  ، فإنه لم يرد في ذلك شيء يعتمد عليه  ، ولا أثر صحيح يعول ويرجع إليه ؟
  وقد سئل بعض العلماء الأعيان المشار إليه في علم الحديث وعلم الأديان عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الإكتحال والإغتسال والحناء ولبس الثياب الجدد  ، وإظهار السرور وغير ذلك ؟ فقال : لم يرد في ذلك حديث صحيح عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من الأئمة المسلمين  ، والأئمة الأربعة ولا غيرهم  ، ولم يروي أهل الكتب المعتمدة من ذلك شيئا عن النبي ( صلى الله عليه وآله ).. لا صحيحا ولا ضعيفا ؟
  وما روي عن بعض المتأخرين في ذلك أن من اكتحل في يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام  ، ومن اغتسل فيه لم يمرض ذلك العام  ، ومن وسع على عياله فيه وسع الله عليه سائر سنته  ، وأمثال ذلك ... كله كذب موضوع (1) .
  أقول : فيا أيها الموالي لأهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حق لك البكاء والحزن في هذا اليوم على مصاب ورزء ريحانة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقرة عين الزهراء البتول ( عليها السلام )   ، فياله من مصاب جلل  ، ورزء تتصدع له الجبال الرواسي  ، فهذا المصاب الجلل قد أحزن وأبكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأمير المؤمنين وفاطمة سيدة النساء والحسن المجتبى وسائر أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
  جاء في الزيارة الناحية الشريفة المروية عن الإمام الحجة أرواحنا له الفداء يُخاطب الحسين سيد الشهداء ( عليه السلام ) : كنت للرسول ( صلى الله عليه وآله ) ولدا  ، وللقرآن منقذا  ، وللأمة عضدا  ، وفي الطاعة مجتهدا  ، حافظاً للعهد والميثاق  ، ناكباً عن سبل الفساق  ، باذلا للمجهود  ، طويلَ الركوع والسجود  ، زاهداً في الدنيا زُهدَ الراحل عنها  ،

---------------------------
(1) نظم درر السمطين  ، الزرندي الحنفي : 229 ـ 230 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 417 _

  ناظراً إليها بعين المستوحشين منها  ، آمالُك عنها مكفوفة  ، وهمتُك عن زينتها مصروفة  ، والحِاظك عن بهجتِها مطروفة  ، ورغبتُك في الآخرة معروفة  ، حتى إذا الجور مدَّ باعَه  ، وأسفَر الظُلم قناعه  ، ودعا الغي أتباعه  ، وأنت في حرم جدك قاطن  ، وللظالمين مباين  ، جليس البيت والمحراب معتزل عن اللذات والشهوات  ، تُنكرُ المنكرَ بقلبك ولسانك  ، على قدر طاقتك وإمكانك .
  ثم اقتضاك العلم للإنكار  ، ولزمك أن تجاهد الفجار  ، فسرت في أولادك وأهاليك  ، وشيعتك ومواليك  ، وصدعت بالحق والبينة  ، ودعوت إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة  ، وأمرت بإقامة الحدود  ، والطاعة للمعبود  ، ونهيت عن الخبائث والطغيان  ، وواجهوك بالظلم والعدوان  ، فجاهدتهم بعد الايعاظ لهم  ، وتأكيد الحجة عليهم  ، فنكثوا ذِمامك وبيعتك  ، وأسخطوا ربك وجدك  ، وبدؤوك بالحرب  ، فَثبتَّ للطعن والضرب  ، وطحنت جنود الفجار  ، واقتحمت قسطل الغبار  ، مجالدا بذي الفقار  ، كأنك علي المختار  ، فلما رأوك ثابت الجأش  ، غير خائف ولا خاش  ، نصبوا لك غوائل مكرهم  ، وقاتلوك بكيدهم وشرهم  ، وأمر اللعين جنوده  ، فمنعوك الماء ووروده  ، وناجزوك القتال  ، وعاجلوك النزال  ، ورشقوك بالسهام والنبال  ، وبسطوا إليك أكف الاصطلام  ، ولم يرعوا لك ذماما  ، ولا راقبوا فيك آثاما  ، في قتلهم أولياءك  ، ونهبهم رحالك  ، أنت مقدم في الهبوات  ، ومحتمل للأذيات  ، وقد عجبت من صبرك ملائكة السماوات  ، وأحدقوا بك من كل الجهات  ، وأثخنوك بالجراح  ، وحالوا بينك وبين الرواح  ، ولم يبق لك ناصر  ، وأنت محتسب صابر  ، تذب عن نسوتك وأولادك .
  حتى نكسوك عن جوادك  ، فهويت إلى الأرض جريحا  ، تطؤك الخيول بحوافرها  ، وتعلوك الطغاة ببواترها  ، قد رشح للموت جبينك  ، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك  ، تُدير طرفا خفيا إلى رحلك وبيتك  ، وقد

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 418 _

  شُغلت بنفسك عن ولدك وأهلك  ، وأسرع فرسك شاردا  ، وإلى خيامك قاصدا  ، محمحماً باكيا  ، فلما رأين النساءُ جوادَك مخزيا  ، ونظرن سرجك عليه ملويا  ، برزن من الخدور  ، ناشرات الشعور على الخدود  ، لاطمات الوجوه  ، سافرات وبالعويل داعيات  ، وبعد العز مذللات  ، وإلى مصرعك مبادرات والشمر جالس على صدرك  ، مولغ سيفه على نحرك  ، قابض على شيبتك بيده  ، ذابح لك بمهنده  ، قد سكنت حواسك  ، وخفيت أنفاسك  ، ورُفع على القنا رأسك (1) .
والشمرُ         مشتغلٌ        في        iiذبحه      عِجلٌ    والسبطُ    منجدلٌ    يدعو    iiويبتهلُ
عجِبتُ      من     فَتكِ     شمر     iiبالحسينِ      وقد   رقى   على  الصدرِ  ظُلماً  وهو  iiمُنتعِلُ
كيفَ   استطاع  لصدرِ  الصدرِ  مُرتقياً  ودونَ      أدنى         سُراقي         كَعبه        iiزُحلُ
أفدي    الحسينَ    طريحاً    لا   ضريحَ   له      ومالَهُ      غيرُ      قاني      نحرهِ     iiغُسُلُ
دِماؤُه     هَطلت     للشيبِ     مِنه     iiطَلت      والجسمُ    قد    حَجلتَ   من   فوقهِ   iiالحُجلُ
والرأسُ     مُرتفعٌ     مِن    فوقِ    iiمُنتَصب      يبكي   على   حَملهِ   المريخُ     والحملُ   (2)ii
ذَبح    الشمرُ    حسيناً    ليتني   كنتُ   iiوقاه      جعل    الأملاكَ    تبكيه    خصوصاً    عُتقاه
مادرى     المعلونُ     شمرٌ     أيَّ     iiصدر      قد رقاه صدر من سادَ فَخاراً فوقَ هامِ الشرطين
بينها   زينبُ   قرحى   الجفنِ  ولهى  iiوثكول      تَلطمُ   الخدَ   وفي   أحشائِها   الحزنُ   يجول
تندبُ    السبطَ    بقلب   واجد   وهي   تقول      قد   أصابتني   بنور   العينِ   حسادي   iiبعين

---------------------------
(1) المزار  ، المشهدي : 502 / 505 .
(2) رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 629  ، الأبيات وما بعدها لشاعر أهل البيت ( عليهم السلام ) الشيخ حسن الدمستاني عليه الرحمة .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 419 _


المجلس الأول من : ليلة الحادية عشر :

  مصيبة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحزنه بمقتل الحسين ( عليه السلام ) جاء في الزيارة الناحية الشريفة : لقد قتلوا بقتلك الإسلام  ، وعطلوا الصلاة والصيام  ، ونقضوا السُنَنَ والأحكام  ، وهدموا قواعد الإيمان  ، وحرفوا آيات القرآن  ، وهملجوا في البغي والعدوان  ، لقد أصبح رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) موتورا  ، وعاد كتابُ الله عزّوجل مهجورا  ، وغودر الحق إذ قُهرت مقهورا  ، وفُقد بفقدِك التكبير والتهليل  ، والتحريم والتحليل  ، والتنزيل والتأويل  ، وظهر بعدك التغيير والتبديل  ، والإلحاد والتعطيل  ، والأهواء والأضاليل  ، والفتن والأباطيل .
  فقام ناعيك عند قبر جدك الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )   ، فنعاك إليه بالدمع الهطول  ، قائلا : يا رسول الله قُتل سبطُك وفتاك  ، واستُبيح أهلُك وحماك  ، وسُبيت بعدك ذراريك  ، ووقع المحذورُ بعترتك وذويك  ، فانزعج الرسولُ وبكى قلبُه المهول  ، وعزاه بك الملائكةُ والأنبياءُ  ، وفُجعت بك أمُك الزهراء  ، واختلفت جنودُ الملائكة المقربين  ، تُعزي أباك أميرالمؤمنين  ، وأُقيمت لك المآتم في أعلا عليين  ، ولطمت عليك الحور العين  ، وبكت السماء وسُكانها  ، والجنانُ وخُزانها  ، والهضابُ وأقطارُها  ، والأرضُ وأقطارُها  ، والبحارُ وحيتانُها  ، ومكةُ وبنيانُها  ، والجنانُ وولدانُها  ، والبيتُ والمقامُ  ، والمشعرُ الحرام  ، والحلُ والإحرام (1) .
  روى الشيخ الطوسي عليه الرحمة بالإسناد عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ) قال : أصبحت يوماً أم سلمة رضي الله عنها تبكي فقيل لها : مم بكاؤكِ  ؟ فقالت : لقد قُتل ابني الحسين الليلة  ، وذلك أنني ما رأيت رسول الله مُنذ

---------------------------
(1) المزار  ، المشهدي : 505 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 420 _

  مضى إلا الليلة فرأيته شاحباً كئيباً فقالت : قلت : ما لي أراك يا رسول الله شاحباً كئيباً  ؟ قال : ما زلتُ الليلةَ أحفرُ القبورَ للحسينِ وأصحابهِ عليه وعليهم السلام (1) .
  وروي أن سلمى المدنية  ، قالت : دفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى أم سلمة قارورة فيها رمل من الطف  ، وقال لها : إذا تحول هذا دماً عبيطاً فعند ذلك يُقتل الحسين  ، قالت سلمى : فارتفعت واعيةٌ من حجرة أم سلمة  ، فَكنتُ أولَ من أتاها  ، فقلت : ما دهاكِ يا أمَّ المؤمنينِ  ؟ قالت : رأيتُ رسولَ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المنام والترابُ على رأسه  ، فقلت : ما لكَ  ؟ فقال : وثبَ الناسُ على ابني فقتلوه  ، وقد شهدتُه قتيلا الساعة  ، فاقشعر جلدي فوثبتُ إلى القارورة فوجدتُها تفورُ دماً  ، قالت سلمى : فرأيتُها موضوعةً بين يديها .
  وروى زر بن حبيش  ، عن سلمى قالت : دخلت على أم سلمة وهي تبكي  ، فقلت لها : ما يُبكيك  ؟ قالت : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المنام وعلى رأسه ولحيته أثرُ التراب  ، فقلت : ما لك يا رسول الله مغبراً  ؟ قال : شهدت قتلَ الحسينِ آنفاً (2) .
  وروى الشيخ الطوسي عليه الرحمة عن ابن عباس قال : بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صُراخاً عظيماً عالياً من بيت أم سلمة زوج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )فخرجتُ يتوجه بي قائدي إلى منزلها وأقبلَ أهلُ المدينةِ إليها الرجالُ والنساءُ  ، فلما انتهيت إليها قلت : يا أمَّ المؤمنينِ مالكِ تَصرخينَ وتغوثينَ  ؟ فلَمْ تُجبني وأقبلت على النسوة الهاشميات  ، وقالت : يا بنات عبد المطلب اسعديني وابكين معي فقد قُتل واللهِ سيدكُنَّ وسيدُ شبابِ أهلِ الجنة  ، قد واللهِ قُتلَ سبطُ رسولِ اللهِ وريحانتهِ الحسين  ، فقلت : يا أمَّ المؤمنين  ، ومن أينَ عَلمتِ ذلك  ؟ قالت : رأيتُ رسولَ اللهِ في المنام

---------------------------
(1) الأمالي  ، الطوسي : 90 ح 49  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/230 .
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/232 ح 3  ، سنن الترمذي : 5/323  ، المستدرك  ، الحاكم : 4/19 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 421 _

  الساعة شعثاً مذعوراً فسألته عن شأنه ذلك  ، فقال : قُتل ابني الحسين ( عليه السلام ) وأهل بيتهِ اليوم  ، فدفنتُهم  ، والساعة فرغت من دفنهم .
  قالت : فقمت حتى دخلت البيت وأنا لا أكاد أن أعقل  ، فنظرت فإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلا فقال : إذا صارت هذه التربة دماً فقد قُتل ابنك  ، وأعطانيها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : اجعلي هذه التربة في زجاجة أو قال في قارورة ولتكن عندك  ، فإذا صارت دماً عبيطاً فقد قُتل الحسين  ، فرأيتُ القارورةَ الآن وقد صارت دماً عبيطاً تفور .
  قال : فأخذت أم سلمة من ذلك الدم فلطخت به وجهها  ، وجعلت ذلك اليومَ مأتماً ومناحةً على الحسين ( عليه السلام ) فجاءت الركبانُ بخبرهِ وأنه قُتل في ذلك اليوم .
  قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير عنه قال : فلما كانت الليلة القابلة رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في منامي أغبرَ أشعث  ، فذكرت له ذلك  ، وسألته عن شأنه فقال لي : ألم تعلم أني فرغت من دفن الحسين وأصحابه (1) .
  وذكر العلامة المجلسي عليه الرحمة : عن بعض كتب المناقب عن أحمد بن جعفر القطيفي بالإسناد عن عمار أن ابن عباس رأى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في منامه يوماً بنصف النهار  ، وهو أشعث أغبر  ، في يده قارورةٌ فيها دم فقال : يا رسول الله ما هذا الدم  ؟ قال : دمُ الحسينِ لم أزل التقطه مُنذُ اليوم  ، فأُحصي ذلك اليوم  ، فوُجد أنه قُتل في ذلك اليوم (2) .
  قال الشريف الرضي عليه الرحمة :
كربلا  لا  زلت كرباً وبلا       مالقي عندك آل المصطفى

---------------------------
(1) الأمالي  ، الطوسي : 314 / 315 ح 87 .
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/231 ح 3  ، المستدرك  ، الحاكم : 4/398  ، المعجم الكبير  ، الطبراني : 3/110 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 422 _

كم  على  تُربك لما iiصُرعوا       من  دم سالَ ومن دمع iiجرى
وضيوفٌ      لفلاةِ     iiقفرة       نزلوا  فيها  على  غير iiقِرى
لم يذوقوا الماءَ حتى iiاجتمعوا       بحدا السيفِ على ورد الردى
تَكسفُ  الشمسُ شموساً iiمنهمُ       لا    تُدانيها   علواً   iiوضيا
وتنوشُ الوحشُ من iiأجسادهِم       أرجل   السبق  وإيمان  الندا
ووجوهاً   كالمصابيح   iiفمن       قمر  غابَ  ومن  نجم iiهوى
غيرتهن     الليالي     وغدا       جائر   الحكم   عليهم  iiالبلى
يا   رسول  الله  لو  عاينتهم       وهمُ   ما   بين  قتل  iiوسبى
من  رميض يُمنع الظل iiومن       عاطش  يُسقى  أنابيبَ  iiالقنا
ومسوق   عاثر   يُسعى  iiبه       خلف محمول على غير iiوطا
جُزروا جَزرَ الأضاحي iiنَسلهَ       ثم  ساقوا  أهلهَ  سوقَ  iiالإما

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 423 _

قتلوه   بعدَ   علم   iiمنهمُ       أنه خامسُ أصحابِ الكسا
ميتٌ   تبكي   له  iiفاطمةٌ       وأبوها  وعليُ  ذو iiالعُلى (1)

المجلس الثاني  : من ليلة الحادية عشر :

  أحداث ووقائع ما بعد مقتل الحسين ( عليه السلام )سلب الحسين ( عليه السلام ) ورُض جسده الطاهر وحرق الخيام :
  قال الراوي فيما جرى بعد قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) : ثم أقبلوا على سلب الحسين ( عليه السلام )   ، فأخذ قميصه إسحاق بن حوية الحضرمي  ، فلبسه فصار أبرص  ، وامتعط شعره  ، وروي أنه وجد في قميصه مائة وبضع عشرة ما بين رمية وطعنة وضربة (2)   ، وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : وجد بالحسين ( عليه السلام ) ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وأربعون ضربة (3) .
  وفي رواية عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : وجد الحسين ( عليه السلام ) نيف وسبعون طعنة  ، ونيف وسبعون ضربة بالسيف (4) .
  وفي رواية عن الباقر ( عليه السلام ) أنه وجد به ثلاث مائة وبضعة وعشرون جراحة (5) وروي وقيل أزيد  ، وقيل ألف وتسع مائة جراحة  ، وكانت السهام في

---------------------------
(1) مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 3/267 .
(2) مدينة المعاجز  ، البحراني : 4/77 .
(3) دلائل الإمامة  ، الطبري : 178 .
(4) الآمالي  ، الطوسي : 677 ح 10  ، بحار الأنوار : 45/82 ح 8 .
(5) مناقب آل أبي طالب : 3/258  ، لواعج الأشجان  ، السيد محسن الأمين : 192 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 424 _

  درعه كالشوك في جلد القنفذ (1) .
  ويقول الحاج هاشم الكعبي عليه الرحمة :
وَمُبدَّدُ الأوصالِ ألزم iiحُزْنُهُ       شَمْلَ  الكَمَالِ فَلاَزَمَ iiالتَّبْديدَا
وَمُجَرَّحٌ مَا غَيَّرت منه القَنَا       حَسَناً وَمَا أَخْلَقْن منه iiجَدِيدا
  ويقول السيد حيدر الحلي عليه الرحمة :
عفيراً  متى  عَايَنَتْهُ iiالكُمَاةُ       يَخْتَطِفُ   الرُّعْبُ  iiأَلْوَانَها
فَمَا أَجْلَت الحَرْبُ عَنْ مِثْلِهِ       قتيلا    يُجَبِّنُ    iiشُجْعَانَها
  قال الراوي : وأخذ سراويله أبجر بن كعب التيمي  ، وروي أنه صار زَمِناً مُقعداً من رجليه  ، وأخذ عمامته أخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمي  ، وقيل : جابر بن يزيد الأودي  ، فاعتمَّ بها فصار معتوهاً  ، وفي غير رواية السيّد : فصار مجذوماً  ، وأخذ درعه مالك بن بشير الكندي فصار معتوهاً .
  قال السيِّد ابن طاووس عليه الرحمة : وأخذ نعليه الأسود بن خالد  ، وأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي  ، فقطع إصبعه ( عليه السلام ) مع الخاتم .
لهفي عَلَى تلك الأَنَامِلِ قُطِّعَتْ       ولو انَّها اتَّصَلَتْ لكانت أبحرا
  وهذا ـ يعني بجدل ـ أخذه المختار فقطع يديه ورجليه  ، وتركه يتشحَّط في دمه حتَّى هلك لعنه الله .
  وروي أن رجلا بلا أيدِ ولا أرجل وهو أعمى  ، يقول : ربِّ نجني من النار  ، فقيل له : لم تبق لك عقوبة  ، ومع ذلك تسأل النجاة من النار ؟ قال : كنت فيمن قتل الحسين ( عليه السلام ) بكربلا  ، فلمَّا قتل رأيت عليه سراويل وتّكةً حسنةً بعدما سلبه الناس  ، فأردت أن أنزع منه التكة  ، فرفع يده اليمنى ووضعها على التكة  ، فلم أقدر على دفعها  ، فقطعت يمينه  ، ثمَّ هممت أن آخذ التكة فرفع شماله فوضعها على تكته

---------------------------
(1) مناقب آل أبي طالب : 3/258 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 425 _

  فقطعت يساره  ، ثمَّ هممت بنزع التكة من السراويل  ، فسمعت زلزلة  ، فخفت وتركته  ، فألقى الله عليَّ النوم  ، فنمت بين القتلى فرأيت كأن محمداً ( صلى الله عليه وآله ) أقبل ومعه علي وفاطمة  ، فأخذوا رأس الحسين فقبَّلته فاطمة  ، ثمَّ قالت : يا ولدي  ، قتلوك قتلهم الله  ، من فعل هذا بك ؟ فكان يقول : قتلني شمر  ، وقطع يداي هذا النائم ـ وأشار إليَّ ـ فقالت فاطمة لي : قطع الله يديك ورجليك  ، وأعمى بصرك  ، وأدخلك النار  ، فانتبهت وأنا لا أبصر شيئاً  ، وسقطت مني يداي ورجلاي  ، ولم يبق من دعائها إلاّ النار (1) .
  قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة : وأخذ قطيفة له ( عليه السلام ) كانت من خزّ قيس بن الأشعث  ، وأخذ درعه البتراء عمر بن سعد  ، فلمَّا قتل عمر بن سعد وهبها المختار لأبي عمرة قاتله  ، وأخذ سيفه جميع بن الخلق الأزدي  ، ويقال : رجل من بني تميم يقال له : الأسود بن حنظلة  ، وفي رواية ابن سعد : أنه أخذ سيفه القلافس النهشلي  ، وزاد محمد بن زكريا أنه وقع بعد ذلك إلى بنت حبيب بن بديل  ، وهذا السيف المنهوب ليس بذي الفقار  ، فإنَّ ذلك مذخوراً ومصوناً مع أمثاله من ذخائر النبوة والإمامة .
  قال : وجاءت جارية من ناحية خيمة الحسين ( عليه السلام ) فقال لها رجل : يا أمة الله  ، إن سيِّدك قُتل  ، قالت الجارية : فأسرعت إلى سيدتي وأنا أصيح  ، فقمن في وجهي وصحن  ، قال : وتسابق القوم  ، على نهب بيوت آل الرسول  ، وقرَّة عين الزهراء البتول  ، حتى جعلوا ينزعون ملحفة المرأة عن ظهرها  ، وخرجن بنات الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحرمه يتساعدن على البكاء  ، ويندبن لفراق الحماة والأحباء .
  ولله در الحاج حسن القيم ( رحمه الله ) اذ يقول :
وكريمة الحسبين بابن زعيمها       هتفت  عشية  لا يُجيب زعيمُ

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/311 / 312  ، مقتل الحسين ( عليه السلام )   ، الخوارزمي : 2/102 .