الفهرس العام

بسم الله الرحمن الرحيم



المجلس الخامس : من اليوم الثاني :
المجلس الأول : من اليوم الثالث :
المجلس الثاني : من اليوم الثالث :
المجلس الثالث : من اليوم الثالث :
المجلس الرابع : من اليوم الثالث :


  يوماً إلى الحسن ( عليه السلام ) ، فلمَّا نظر إليه بكى ، فقال له : ما يبكيك يا أبا عبدالله ؟
  قال : أبكي لما يصنع بك ، فقال له الحسن ( عليه السلام ) : إن الذي يؤتى إليَّ سم يُدس إليَّ فأُقتل به ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل ، يدّعون أنهم من أمة جدِّنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وينتحلون دين الإسلام ، فيجتمعون على قتلك ، وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء رماداً ودماً ، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار (1) .
  وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن ثابت بن أبي صفية ، قال : نظر سيد العابدين علي بن الحسين ( عليهما السلام ) إلى عبيدالله بن العباس بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فاستعبر ، ثم قال : ما من يوم أشدّ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من يوم أحد ، قتل فيه عمّه حمزة بن عبدالمطلب أسد الله وأسد رسوله ، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمِّه جعفر بن أبي طالب ، ثم قال ( عليه السلام ) : ولا يوم كيوم الحسين ( عليه السلام ) ، ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل ، يزعمون أنهم من هذه الأمة ، كل يتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ بدمه ، وهو بالله يذكِّرهم فلا يتعظون ، حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً ... (2) .
  وروي عن زرارة ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : يا زرارة ، إن السماء بكت على الحسين ( عليه السلام ) أربعين صباحاً بالدم ، وإن الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد ، وإن الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة ، وإن الجبال تقطَّعت وانتثرت ، وإن البحار تفجَّرت ، وإن الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين ، وما اختضبت منا امرأة ولا ادّهنت ولا اكتحلت ولا رجَّلت حتى أتانا رأس عبيدالله بن زياد لعنه الله ، وما زلنا في عبرة بعده ، وكان جدّي إذا ذكره بكى حتى

---------------------------
(1) الأمالي ، الشيخ الصدوق : 177 ـ 178 ح 3 ، مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3 / 238 .
(2) الأمالي ، الشيخ الصدوق : 547 ح 10 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 74 _

  تملأ عيناه لحيته ، وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه ، وإن الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء والسماء من الملائكة (1) .
  وعن ابن خارجة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : كنا عنده فذكرنا الحسين بن علي ( عليه السلام ) وعلى قاتله لعنة الله ، فبكى أبو عبدالله ( عليه السلام ) وبكينا ، قال : ثم رفع رأسه فقال : قال الحسين بن علي ( عليه السلام ) : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلاَّ بكى ، وذكر الحديث (2) .
  وعن أبي عمارة المنشد قال : ما ذكر الحسين بن علي ( عليه السلام ) عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) في يوم قط فرئي أبو عبدالله ( عليه السلام ) متبسِّماً في ذلك اليوم إلى الليل ، وكان أبو عبدالله ( عليه السلام ) يقول : الحسين عبرة كل مؤمن (3) .
  وروى داود الرقي ، قال : كنت عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) إذا استسقى الماء ، فلمَّا شربه رأيته قد استعبر ، واغرورقت عيناه بدموعه ، ثمَّ قال لي : يا داود ، لعن الله قاتل الحسين ( عليه السلام ) ، فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين ولعن قاتله إلاَّ كتب الله له مائة ألف حسنة ، وحطَّ عنه مائة ألف سيئة ، ورفع له مائة ألف درجة ، وكأنما أعتق مائة ألف نسمة ، وحشره الله يوم القيامة ثلج الفؤاد (4) .
  وروي أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال لعبدالله بن حمّاد البصري في مصيبة الحسين ( عليه السلام ) : فإنه غريب بأرض غربة ، يبكيه من زراره ، ويحزن له من لم يزره ، ويحترق له من لم يشهده ، ويرحمه من نظر إلى قبر ابنه عند رجله ، في أرض فلاة ، لا حميم قربه ولا قريب ، ثمَّ مُنع الحق ، وتوازر عليه أهل الردّة ، حتى قتلوه وضيَّعوه وعرَّضوه للسباع ، ومنعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب ، وضيَّعوا حقَّ

---------------------------
(1) كامل الزيارات ، ابن قولويه : 167 ـ 168 ح 58 بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 45 / 206 ح 13 .
(2) بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 44 / 279 ح 5 .
(3) بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 44 / 280 ح 11 .
(4) كامل الزيارات ، ابن قولويه : 212 ح 1 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 75 _

  رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ووصيّته به وبأهل بيته ، فأمسى مجفَّواً في حفرته ، صريعاً بين قرابته وشيعته ، بين أطباق التراب ، قد أوحش قربه في الوحدة والبعد عن جدّه ، والمنزل الذي لا يأتيه إلاَّ من امتحن الله قلبه للإيمان وعرَّفه حقَّنا ، إلى أن قال ( عليه السلام ) : ولقد حدَّثني أبي أنه لم يخلُ مكانه منذ قُتل من مصلٍّ يصلّي عليه من الملائكة ، أو من الجن ، أو من الإنس ، أو من الوحش ، وما من شيء إلاَّ وهو يغبط زائره ويتمسَّح به ، ويرجو في النظر إليه الخير لنظره إلى قبره .
  ثمَّ قال : بلغني أن قوماً يأتونه من نواحي الكوفة وناساً من غيرهم ، ونساء يندبنه ، وذلك في النصف من شعبان ، فمن بين قارىء يقرأ ، وقاص يقصّ ، ونادب يندب ، وقائل يقول المراثي ، فقلت له : نعم جعلت فداك ، قد شهدت بعض ما تصف ، فقال : الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا ، وجعل عدوَّنا من يطعن عليهم من قرابتنا وغيرهم ، يهدرونهم ويقبِّحون ما يصنعون (1) .
  وعن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : إن المحرَّم شهر كان أهل الجاهلية يحرِّمون فيه القتال ، فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حرمة في أمرنا ، إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلَّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام ، ثم قال ( عليه السلام ) : كان أبي إذا دخل شهر المحرَّم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته

---------------------------
(1) كامل الزيارات ، ابن قولويه : 537 ـ 539 ح 1 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 76 _

  وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلَّى الله عليه (1) .
  وفي زيارة الناحية يقول الحجّة عجَّل الله تعالى فرجه الشريف : فلئن أخَّرتني الدهور ، وعاقني عن نصرك المقدور ، ولم أكن لمن حاربك محارباً ، ولمن نصب لك العداوة مناصباً ، فلأندبنّك صباحاً ومساء ، ولأبكينَّ عليك بدل الدموع دماً ، حسرةً عليك ، وتأسُّفاً على ما دهاك وتلهفاً ، حتى أموت بلوعة المصاب وغصّة الاكتئاب ... (2) .
  ولله درّ السيد حيدر الحلي عليه الرحمة إذ يقول في استنهاض الإمام الحجّة عجَّل الله تعالى فرجه الشريف :
مَنْ    حاملٌ    لوليِّ    الأمرِ   iiمألكةً      تطوى    على   نفثات   كلُّها   iiضَرَمُ
يا ابنَ الأُلى يُقْعِدُون الموتَ إن نهضت      بهم  لدى  الروعِ  في وَجْهِ الظبا iiالهِمَمُ
الخيلُ     عندَكَ     ملَّتها    iiمَرَابِطُها      والبيضُ   منها   عرا  أغمادَها  iiالسأمُ
لا تَطْهُرُ الأرضُ من رِجْسِ العدى iiأبداً      ما  لم  يَسِلْ  فوقها  سَيْلُ  الدمِ  iiالعرمُ
أُعيذُ    سيفَك   أَنْ   تصدى   iiحديدتُهُ      ولم   تكن   فيه   تُجْلَى   هذه   iiالغممُ
نَهْضاً    فَمَنْ   بظباكم   هامُهُ   iiفُلِقَتْ      ضرباً  على  الدينِ  فيه  اليومَ  iiيحتكمُ

---------------------------
(1) الأمالي ، الصدوق : 190 ـ 191 ح 2 ، بحار الأنوار ، المجلسي 44/283 .
(2) المزار ، المشهدي : 501 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 77 _

وتلك   أنفالُكُم  في  الغاصبين  iiلكم      مقسومةٌ     وبعينِ    اللهِ    iiتُقْتَسَمُ
وإنَّ   أعجبَ   شيء   أَنْ  iiأَبُثَّكها      كأنَّ   قَلْبَكَ   خال   وهو   iiمحتدِمُ
ما  خِلْتُ  تقعُدُ  حتى  تستثارَ  iiلهم      وأنت  أنت  وهم  فيما  جنوه  iiهُمُ
لم  تُبْقِ أسيافُهُم منكم على ابنِ iiتقىً      فكيف   تبقي   عليهم  لا  أباً  iiلَهُمُ
فلا  وصفحِكَ  إن القومَ ما iiصفحوا      ولا  وحلمِك  إن  القومَ  ما  iiحَلِمُوا
فَحَمْلَ   أمِّك   قِدْماً  أسقطوا  iiحَنَقاً      وطفلَ  جدِّك في سَهْم الرِدى فطموا
لا صبَر أو تَضَعَ الهيجاءُ ما حَمَلَتْ      بطلقة   معها   مَاءُ   المخاض  iiدَمُ
هذا   المحرَّمُ  قد  وافتك  iiصارخةً      مما   استحلّوا   به   أيامُهُ  iiالحُرُمُ
يملأن  سَمْعَكَ  من  أصواتِ iiناعية      في  مَسْمَعِ الدهر من إعوالِها iiصَمَمُ
تنعى   إليك  دِمَاءً  غاب  نَاصِرُها      حتى  أريقت  ولم  يُرْفَعْ  لكم  عَلَمُ

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 78 _

المجلس الخامس : من اليوم الثاني :

  دخول الشعراء على الأئمة ( عليهم السلام ) وبكاؤهم على الإمام الحسين ( عليه السلام ) وتشييدهم المأتم :
  روي عن أبي حمزة محمد بن يعقوب ، عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) ، قال : سئل علي بن الحسين ( عليه السلام ) عن كثرة بكائه فقال : لا تلوموني ، فإن يعقوب ( عليه السلام ) فقد سبطاً من ولده فبكى حتى ابيضَّت عيناه من الحزن ولم يعلم أنه مات ، وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلا من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة ، فترون حزنهم يذهب من قلبي أبداً (1) ؟ .
  وقد عرف عنه ( عليه السلام ) أنه ما فتر عن البكاء على قتلى الطف ، وقد أخذ البكاء منه مأخذه ، فما كان يتهنَّى بطعام أو شراب لتذكّره عطش الإمام الحسين ( عليه السلام ) وغربته .
  وقال اليعقوبي في تاريخه : وروى بعضهم أن علي بن الحسين ( عليه السلام ) لم ير ضاحكاً قط منذ قتل أبوه ( عليه السلام ) ، إلاَّ في ذلك اليوم ـ أي اليوم الذي جيء فيه برأس الشقيّ عبيدالله بن زياد لعنه الله ـ وأنه كان له إبل تحمل الفاكهة من الشام ، فلمَّا أتي برأس عبيدالله بن زياد أمر بتلك الفاكهة ففرِّقت بين أهل المدينة ، وامتشطت نساء آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) واختضبن ، وما امتشطت امرأة ولا اختضبت منذ قتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) (2) .
  قال المسعودي : قدم الكميت رحمه الله تعالى المدينة فأتى أبا جعفر محمد بن

---------------------------
(1) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 41/386 ، تهذيب الكمال ، المزي : 13/247 .
(2) تاريخ اليعقوبي : 2/259 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 79 _

  علي بن الحسين بن علي ( عليهم السلام ) فأذن له ليلا وأنشده ، فلمَّا بلغ الميمية قوله :
وقتيلٌ بالطفِّ غودر منهم      بين  غوغاءِ  أُمَّة iiوَطَغَامِ
  بكى أبو جعفر ( عليه السلام ) ، ثم قال : يا كميت ، لو كان عندنا مال لأعطيناك ، ولكن لك ما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لحسَّان بن ثابت : لا زلت مؤيَّداً بروح القدس ما ذببت عنا أهل البيت (1) .
  وروى أبو الفرج ، عن علي بن إسماعيل التميمي ، عن أبيه ، قال : كنت عند أبي عبدالله جعفر بن محمد ( عليه السلام ) إذ استأذن آذنه للسيّد فأمره بإيصاله ، وأقعد حرمه خلف ستر ، ودخل فسلَّم وجلس ، فاستنشده فأنشد قوله :
امْرُرْ على جَدَثِ الحسينِ      فَقُلْ    لأعظمِه   iiالزكيَّه
يا  أعظماً  لا  زلت iiمِنْ      وطفاءَ    ساكبة   iiرويَّه
فإذا     مررتَ    iiبقبرِهِ      فأَطِلْ  به  وَقْفَ  iiالمطيَّه
وابكِ   المطهَّر  iiللمطهَّر      والمطهَّرةِ          النقيَّه
كبُكاءِ     معولة    iiأتت      يوماً    لواحدِهَا   iiالمنيَّه
  قال : فرأيت دموع جعفر بن محمد تتحدَّر على خديه ، وارتفع الصراخ والبكاء من داره ، حتى أمره بالإمساك فأمسك (2) .
  وروي عن فضيل الرسَّان قال : دخلت على جعفر بن محمد ( عليه السلام ) أُعزّيه عن عمِّه زيد ، ثمَّ قلت : ألا أنشدك شعر السيِّد ؟ فقال : أنشد ، فأنشدته قصيدة يقول فيها :
فالناسُ يومَ البعثِ رياتُهم      خمسٌ  فمنها هالكٌ iiأربعُ
قائدُها  العِجْلُ iiوفرعونُهم      وسامريُّ  الأُمَّةِ  iiالمفظعُ

---------------------------
(1) مروج الذهب ، المسعودي : 3 / 229 .
(2) الأغاني ، الأصفهاني : 7 / 240 ، الجوهرة في نسب الإمام علي وآله ( عليهم السلام ) ، البري : 48 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 80 _

ومارقٌ من دينِهِ مخرجٌ      أسودُ  عبدٌ  لكَّعٌ  iiأوكعُ
ورايةٌ   قائدُها   وجهُهُ      كأنه  الشمسُ إذا iiتطلعُ
  فسمعت نحيباً من وراء الستور ، فقال : من قائل هذا الشعر ؟ فقلت : السيد ، فقال : رحمه الله (1) .
  وروى الحافظ المرزباني في ( أخبار السيِّد الحميري ) عن فضيل قال : دخلت على أبي عبدالله ( عليه السلام ) بعد قتل زيد ، فجعل يبكي ويقول : رحم الله زيداً ، إنه للعالم الصدوق ، ولو ملك أمراً لعرف أين يضعه ، فقلت : أنشدك شعر السيد ؟ فقال : أمهل قليلا ، وأمر بستور فسدُلت ، وفتحت أبواب غير الأولى ، ثم قال : هات ما عندك ، فأنشدته : لأم عمرو باللوى مربع ، وذكر ثلاثة عشر بيتاً ، قال : فسمعت نحيباً من وراء الستور ونساء تبكين ، فجعل يقول : شكراً لك يا إسماعيل قولك (2) .
  وروى أبو الفرج ، عن زيد بن موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) أنه قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في النوم ، وقدَّامه رجل جالس ، عليه ثياب بيض ، فنظرت إليه فلم أعرفه ، إذ التفت إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا سيد ، أنشدني قولك : لأم عمرو باللوى مربع ... فأنشده إياها كلها ما غادر منها بيتاً واحداً ، فحفظتها عنه كلها في النوم .
  قال أبو إسماعيل : وكان زيد بن موسى لحَّانة رديء الإنشاد ، فكان إذا أنشد هذه القصيدة لم يتتعتع فيها ولم يُلحن ، وهذا الحديث رواه الحافظ المرزباني في أخبار السيد (3) .
  وروى أبو الفرج الإصفهاني ، عن أبي داود المسترق ، عن السيد أنه رأى

---------------------------
(1) الأغاني ، الإصفهاني : 7 / 241 و 272 .
(2) أخبار السيِّد الحميري ، المرزباني : 159 .
(3) الأغاني ، الإصفهاني : 7 / 251 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 81 _

  النبي ( صلى الله عليه وآله ) في النوم فاستنشده فأنشد قوله :
لأمِّ عمرو باللوى مَرْبَعُ      طامسةٌ   أعلامُها  بَلْقَعُ
  حتى انتهى إلى قوله : قالوا له :
لو    شئتَ    iiأعلمتَنا      إلى مَنِ الغايةُ والمفزعُ
  فقال : حسبك. ثم نفض يده وقال : قد والله أعلمتهم (1) .
  وروى أبو الفرج عن محمد بن سهل صاحب الكميت قال : دخلت مع الكميت على أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) ، فقال له : جعلت فداك ، ألا أنشدك ؟ قال : إنها أيام عظام قال : إنها فيكم ، قال : هات ، وبعث أبو عبدالله ( عليه السلام ) إلى بعض أهله فقرب ، فأنشده فكثر البكاء حتى أتى على هذا البيت :
يصيبُ به الرامون عن قَوْسِ غيرِهم      فيا   آخراً   أسدى   له   الغيَّ   iiأوّ
َلُ   فرفع أبو عبدالله ( عليه السلام ) يديه فقال : اللهم اغفر للكميت ما قدَّم وما أخَّر ، وما أسرَّ وما أعلن ، وأعطه حتى يرضى (2) .
  ورواه البغدادي أيضاً ، قال : وحدَّث محمد بن سهل قال : دخلت مع الكميت على أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) في أيام التشريق ، فقال : جعلت فداك ، ألا أنشدك ؟ قال : إنها أيام عظام ، قال : إنها فيكم ، قال ( عليه السلام ) : هات ، فأنشده قصيدته التي أولها :
ألا   هل   عَم   في   رَأْيه  iiمتأمِّلُ      وهل   مُدْبِرٌ   بعد   الإساءةِ  iiمُقْبِلُ
وهل    أمَّةٌ    مستيقظون   iiلدينِهم      فيكشفُ    عنه   النعسةَ   iiالمتزمِّلُ
فقد طال هذا النومُ واستخرج الكرى      مَساوِيَهُمْ   لو  أن  ذا  الميلَ  iiيعدلُ
وعطِّلت    الأحكامُ    حتى   iiكأننا      على    ملَّة    غيرِ   التي   نتنحَّلُ

---------------------------
(1) الأغاني ، الإصفهاني : 7/279 .
(2) الأغاني ، الإصفهاني : 17/26 و 33 ، معاهد التنصيص العباسي : 3 / 96 ، رقم 148 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 82 _

كلامُ  النبيِّينَ  الهداةِ  iiكلامُنا      وأفعالَ  أهلِ  الجاهليَّةِ iiنفعلُ
رضينا  بدنياً لا نريدُ iiفراقَها      على  أنَّنا فيها نموتُ iiونُقْتَلُ
ونحن بها المستمسكونَ كأنَّها      لنا  جنَّةٌ  مما  نخافُ ومَعْقِلُ
  فكثر البكاء ، وارتفعت الأصوات ، فلمَّا مرَّ على قوله في الحسين ( عليه السلام ) :
كأن     حسيناً    والبهاليلُ    iiحولَه      لأسيافِهِمْ     ما    يختلي    iiالمتبقِّلُ
يَخُضْنَ  بهم من آلِ أحمدَ في iiالوغى      دماً   ظل   منهم   كالبهيمِ  iiالمحجَّلُ
فلم    أر   مخذولا   أجلَّ   iiمصيبة      وأوجبَ   منه   نصرةً  حين  iiيُخْذَلُ
يصيبُ به الرامون عن قوسِ غيرِهم      فيا   آخراً   أسدى   له  الغيَّ  iiأوَّلُ
  رفع أبو عبدالله ( عليه السلام ) يديه وقال : اللهم اغفر للكميت ما قدَّم وأخَّر ، وما أسَّر وأعلن ، وأعطه حتى يرضى ، ثم أعطاه ألف دينار وكسوة ، فقال له الكميت : والله ما أحببتكم للدنيا ، ولو أردتها لأتيت من هو في يديه ، ولكنني أحببتكم للآخرة ، فأمَّا الثياب التي أصابت أجسادكم فإني أقبلها لبركتها ، وأما المال فلا أقبله (1) .
  وروي أن فضيلا أقام مأتماً للحسين ( عليه السلام ) ولم يخبر به إمامنا الصادق ( عليه السلام ) فلما كان اليوم الثاني أقبل إلى الإمام روحي فداه ، فقال له : يا فضيل ، أين كنت البارحة ؟ قال : سيدي شغل عاقني ، فقال : يا فضيل ، لا تُخفي عليَّ ، أما صنعت مأتماً ، وأقمت بدارك عزاء في مصاب جدي الحسين ( عليه السلام ) ؟ فقال : بلى سيدي ، فقال ( عليه السلام ) : وأنا كنت حاضراً ، قال : سيدي ، ما رأيتك ، أين كنت جالساً ؟ فقال ( عليه السلام ) : لما أردت الخروج من البيت أما عثرت بثوب أبيض ؟ قال : بلى سيدي ، قال ( عليه السلام ) : أنا كنت جالساً هناك ، فقال له : سيدي ، لم جلست بباب البيت ولم لا تصدَّرت في المجلس ؟ فقال الصادق ( عليه السلام ) : كانت جدتي فاطمة ( عليها السلام ) بصدر المجلس

---------------------------
(1) خزانة الأدب ، البغدادي : 1 / 145 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 83 _

  جالسة ، لذا ما تصدَّرت إجلالا لها (1) ، ولله درّ الحجة الشيخ فرج العمران عليه الرحمة إذ يقول :
هلَّ    المحرَّمُ   فالسرورُ   iiمحرَّمُ      ونُعي   حسينٌ   حين  هلَّ  iiمحرَّمُ
هلَّ   المحرَّمُ   والنبيُّ  iiالمصطفى      أمسى   كئيباً   والوصيُّ   الأعظمُ
هلَّ   المحرَّمُ   والبتولةُ  iiأصبحت      ثكلى  تنوحُ  على  الحسينِ iiوتلطمُ
هلَّ   المحرَّمُ   والزكيُّ   iiالمجتبى      يبكي     الحسينَ    وقلبُهُ    متألِّمُ
هلَّ   المحرَّمُ   ليته   لا   هلَّ  iiإذ      فيه    لسبطِ   محمَّد   سُفِكَ   iiالدَّمُ
مولىً    بكاه    آدمٌ    وبكت   iiله      حوَّا     ونوحٌ     والكليمُ    iiمُكَلَّمُ
  وبكى  الخليلُ  عليه حزناً iiوابنُهُ      وله   أسىً   ناح  المسيحُ  iiومريمُ
   وبكته   كلُّ  الأنبيا  وله  iiجمي      عُ   الأوصيا  ناحت  ومدمعُها  iiدَم
  وبكت  له  الأملاكُ  في  iiأفلاكِها      وبكى   له   قَمَرُ   السما  iiوالأنجمُ
  وبكت  عليه  الحورُ  في iiجَنَّاتِها      وله  أقيم  بكلِّ  أرض مأتمُ iiماعيلُ
 وبكى له البيتُ الحرامُ وحجر إس      ُحُزْناً        والمقامُ        iiوزمزمُ(2)

المجلس الأول : من اليوم الثالث :

  خروج الإمام الحسين ( عليه السلام ) من مكة المكرمة :
  فعلى الأطائب من أهل بيت محمَّد وعلي صلى الله عليهما وآلهما ، فليبك الباكون ، وإيَّاهم فليندب النادبون ، ولمثلهم فلتذرف الدموع ، وليصرخ الصارخون ، ويضجَّ الضجون ، ويعجَّ العاجون ، أين الحسن وأين الحسين ، أين

---------------------------
(1) ثمرات الأعواد ، السيد علي الهاشمي : 31 / 32 .
(2) شعراء القطيف ، الشيخ علي المرهون : 2/31 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 84 _

  أبناء الحسين ، صالح بعد صالح ، وصادق بعد صادق ، أين السبيل بعد السبيل ، أين الخيرة بعد الخيرة ، أين الشموس الطالعة ، أين الأقمار المنيرة ، أين الأنجم الزاهرة ، أين أعلام الدين وقواعد العلم (1) .
  روى ابن شهر آشوب عليه الرحمة في كتاب المناقب عن كتاب الإبانة ، قال بشر بن عاصم : سمعت ابن الزبير يقول : قلت للحسين بن علي ( عليهما السلام ) : إنك تذهب إلى قوم قتلوا أباك وخذلوا أخاك ، فقال : لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبُّ إلي من أن يستحلَّ بي مكة ، عرَّض به ( عليه السلام ) .
  وعن كتاب التخريج ، عن العامري ، بالإسناد عن هبيرة بن مريم ، عن ابن عباس قال : رأيت الحسين ( عليه السلام ) قبل أن يتوجَّه إلى العراق على باب الكعبة وكفّ جبرئيل في كفّه ، وجبرئيل ينادي : هلمّوا إلى بيعة الله عزّ وجلَّ .
  وعُنِّف ابن عباس على تركه الحسين ( عليه السلام ) فقال : إن أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا ولم يزيدوا رجلا ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم .
  وقال محمد بن الحنفية : وإن أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم (2) .
  قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : فسار الحسين ( عليه السلام ) إلى مكة وهو يقرأ : ( فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (3) ولزم الطريق الأعظم ، فقال له أهل بيته ( عليهم السلام ) : لو تنكَّبت عن الطريق كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب ، فقال : لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض ، ولمَّا دخل الحسين ( عليه السلام ) مكة ، كان دخوله إياها يوم الجمعة ، لثلاث مضين من شعبان دخلها

---------------------------
(1) المزار ، محمد بن المشهدي : 578 .
(2) مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/211 ، بحار الأنوار : 44/185 ح 12 .
(3) سورة القصص ، الآية : 18 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 85 _

  وهو يقرأ : ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) (1) .
  ثمَّ نزلها وأقبل أهلها يختلفون إليه ، ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق ، وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة وهو قائم يصلّي عندها ويطوف ، ويأتي الحسين ( عليه السلام ) فيمن يأتيه ، فيأتيه اليومين المتواليين ، ويأتيه بين كل يومين مرة وهو ( عليه السلام ) أثقل خلق الله على ابن الزبير ، لأنه قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه مادام الحسين ( عليه السلام ) في البلد ، وأن الحسين أطوع في الناس منه وأجلّ (2) .
  قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : وكان خروج مسلم بن عقيل ـ رحمه الله ـ بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين ، وقتْلَه ـ رحمه الله ـ يوم الأربعاء لتسع خلون منه يوم عرفة ، وكان توجُّه الحسين ( عليه السلام ) من مكة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة وهو يوم التروية ، بعد مقامه بمكة بقية شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة وثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين ، وكان قد اجتمع إلى الحسين ( عليه السلام ) مدّة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز ، ونفر من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بيته ومواليه .
  ولما أراد الحسين ( عليه السلام ) التوجُّه إلى العراق طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة وأحلَّ من إحرامه وجعلها عمرة ، لأنه لم يتمكَّن من تمام الحج مخافة أن يُقبض عليه بمكة فَيُنفذ إلى يزيد بن معاوية ، فخرج ( عليه السلام ) مبادراً بأهله وولده ومن انضمَّ إليه من شيعته ، ولم يكن خبر مسلم بلغه بخروجه يوم خروجه على ما ذكرناه (3) .
  وقال السيّد ابن طاووس عليه الرحمة : روى أبو جعفر الطبري ، عن

---------------------------
(1) سورة القصص ، الآية : 22 .
(2) الإرشاد ، المفيد : 2/35 / 36 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/332 .
(3) الإرشاد ، المفيد : 2/66 ـ 67 بحار الأنوار ، المجلسي : 44/363 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 86 _

  الواقدي وزرارة بن صالح ، قالا : لقينا الحسين بن علي ( عليهما السلام ) قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيام فأخبرناه بهوى الناس بالكوفة ، وأن قلوبهم معه ، وسيوفهم عليه ، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء ، ونزلت الملائكة عدداً لا يحصيهم إلاّ الله تعالى ، فقال ( عليه السلام ) : لولا تقارب الأشياء ، وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكن أعلم يقيناً أن هناك مصرعي ومصرع أصحابي ، ولا ينجو منهم إلاّ ولدي علي ( عليه السلام ) (1) .
  وعن أحمد بن داود القمي ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : جاء محمد بن الحنفية إلى الحسين ( عليه السلام ) في الليلة التي أراد الحسين الخروج في صبيحتها عن مكة فقال له : يا أخي ، إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك ، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى ، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعزّ من بالحرم وأمنعه ، فقال : يا أخي ، قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم ، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت ، فقال له ابن الحنفية : فإن خفت ذلك فصر إلى اليمن ، أو بعض نواحي البر ، فإنك أمنع الناس به ، ولا يقدر عليك أحد ، فقال : أنظر فيما قلت .
  فلمّا كان السحر ارتحل الحسين ( عليه السلام ) ، فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه فأخذ بزمام ناقته ـ وقد ركبها ـ فقال : يا أخي ، ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟ قال : بلى ، قال : فما حداك على الخروج عاجلا ؟ قال : أتاني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعد ما فارقتك فقال : يا حسين ، اخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلا ، فقال محمد بن الحنفية : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال ؟ قال : فقال لي ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله قد شاء أن يراهن سبايا ، فسلَّم عليه ومضى (2) .
  فما حال بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم سبين وصرن في أيدي الأعداء ، وكيف

---------------------------
(1) اللهوف في قتلى الطفوف ، ابن طاووس : 38 ـ 39 ، عن دلائل الإمامة ، الطبري : 182 ح 3 .
(2) اللهوف ، ابن طاووس : 39 ـ 40 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/364 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 87 _

  صار حالهن بعد ذلك العزّ في ظلال أبي عبدالله وأبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين ( عليهما السلام ) فأصبحن في يدي زجر وشمر .
  ولله درّ الحاج الفاضل عبدالله الذهبة البحراني الخطي عليه الرحمة إذ يقول :
عَزَّ على الأملاكِ والرُّسْلِ iiأن      تمسي   لأبناءِ  الغوى  iiمنهبا
تودُّ   لو   أنَّ  الدجى  سرمدٌ      لِمَا   عن   الرائي  لها  iiغيَّبا
وإن بدا الصُّبْحُ دَعَتْ من حَيَاً      يا  صبحُ  لا أهلا ولا iiمرحبا
أبديتَ  يا  صُبْحُ  لنا  iiأوجهاً      لها   جَلاَلُ   اللهِ   قد  iiحجَّبا
تُرَاكَ  قد  هانت  عليك iiالتي      عن  شأنِها  القرآنُ  قد أعربا
فما  جنى  يا شمسُ جان iiكما      جنيتِ  في  حُرَّاتِ  آلِ iiالعَبَا(1)
  روى السيد ابن طاووس عليه الرحمة عن بعض الرواة قال : وجاءه عبدالله بن العباس وعبدالله بن الزبير ، فأشارا عليه بالإمساك ، فقال لهما : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد أمرني بأمر وأنا ماض فيه ، قال : فخرج ابن العباس وهو يقول : واحسيناه .
  ولله درّ الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة إذ يقول :
ولستُ أنسى ابنَ عباس غداةَ دَعَا      دَعِ  الودائعَ  في  أوطانِ  iiأهليها
إنّي لأخشى عليها الهَتْكَ بعد iiبني      عَمْروِ العُلاَ حيث لا حام iiفيحميها
فقال  هنَّ  معي  ما عشتُ iiأكفُلُها      وقد  قضى  اللهُ  ما قد خِفْتَهُ iiفيها
  وقال أيضاً عليه الرحمة :
ولستُ  أنسى  ابنَ عباس غداةَ iiدعا      دَعِ   الحرائرَ   أخشى   مَا  iiتلاقيه
ومذ وَعَت زينبٌ ذاك الخطابَ بكت      خَلْفَ   الحجابِ  ونادت  لا  iiنخلّيه
دعنا  نموتُ ونحيى والحسينُ iiوهل      أبقى   الزمانُ   إلينا   من   نرَجّيه

---------------------------
(1) رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 564 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 88 _

لم  تستطع  زينبٌ  حيّاً  تفارقُهُ      كيف استطاعت لُقىً مَيْتاً iiتخلّيه
لو خيَّروها أقامت عند مصرعِهِ      ولو   لها   أكلت   آسادُ  واديه
فيا  لها  ساعةً سار الركابُ iiبها      تقسَّمَ  القلبُ  لمّا  صاح  iiحاديه
فالجسمُ  في كربلا قد خلَّفته لُقَىً      والرأسُ  يقدمُ  ظعناً سيِّرت فيه (1)
  قال الراوي : ثم جاء عبدالله بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال ، وحذَّره من القتل والقتال ، فقال : يا أبا عبد الرحمان ، أما علمت أن من هوان الدنيا على الله تعالى أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل ، أما تعلم أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبياً ، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئاً ، فلم يعجِّل الله عليهم ، بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام ، اتق الله يا أبا عبد الرحمن ، ولا تدع نصرتي (2) .
  وروي أنه صلوات الله عليه لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً فقال : الحمد لله ، وما شاء الله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله وصلّى الله على رسوله ( وآله ) وسلَّم ، خطَّ الموت على ولد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي يتقطَّعها عسلان الفلوات ، بين النواويس وكربلاء ، فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً ، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم ، رضى الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ، ويوفّينا أجور الصابرين ، لن تشذَّ عن رسول الله لحمته ، وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقرُّ بهم عينه ، وتنجز لهم وعده ، من كان فينا باذلا مهجته ،

---------------------------
(1) الشواهد المنبرية ، الشيخ علي الجشي : 42 / 43 .
(2) اللهوف ، ابن طاووس : 21 / 22 ، بحار الأنوار ، المجلسي 44 / 364 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 89 _

  موطِّنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحاً إن شاء الله (1) .
  وقال الشيخ المفيد عليه الرحمة : وروي عن الفرزدق أنه قال : حججت بأمي في سنة ستين ، فبينما أنا أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم إذ لقيت الحسين ( عليه السلام ) خارجاً من مكة ، معه أسيافه وتراسه ، فقلت : لمن هذا القطار ؟ فقيل : للحسين بن علي ( عليهما السلام ) ، فأتيته وسلَّمت عليه وقلت له : أعطاك الله سؤلك وأمَلَك فيما تحبّ ، بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ، ما أعجلك عن الحج ؟ قال ( عليه السلام ) : لو لم أعجل لأخذت ، ثمّ قال لي : من أنت ؟ قلت : رجل من العرب ، ولا والله ما فتّشني عن أكثر من ذلك .
   ثم قال لي : أخبرني عن الناس خلفك ، فقلت : الخبيرَ سألت ، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل ما يشاء ، قال : صدقت ، لله الأمر من قبل ومن بعد ، وكل يوم ربنا هو في شأن ، إن نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحقُّ نيَّته ، والتقوى سيرته ، فقلت له : أجل ، بلَّغك الله ما تحبّ وكفاك ما تحذر ، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها ، وحرَّك راحلته وقال : السلام عليك ، ثم افترقنا (2) .
  قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : وكان الحسين بن علي ( عليه السلام ) لمّا خرج من مكة اعترضه يحيى بن سعيد بن العاص ، ومعه جماعة أرسلهم إليه عمرو بن سعيد ، فقالوا له : انصرف ، أين تذهب ؟ فأبى عليهم ومضى ، وتدافع الفريقان واضطربوا بالسياط ، فامتنع الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه منهم امتناعاً قوياً ، وسار حتى أتى التنعيم ، فلقي عيراً قد أقبلت من اليمن فاستأجر من أهلها جمالا لرحله وأصحابه ،

---------------------------
(1) اللهوف ، السيد ابن طاووس : 37 ـ 38 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44 / 366 ـ 367 .
(2) الإرشاد ، المفيد : 2 / 67 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44 / 365 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 90 _

  وقال لأصحابها : من أحبَّ أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه وأحسنّا صحبته ، ومن أحبَّ أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه كراه على قدر ما قطع من الطريق ، فمضى معه قوم وامتنع آخرون .
  وألحقه عبدالله بن جعفر بابنيه عون ومحمد ، وكتب على أيديهما كتاباً يقول فيه : أما بعد فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي هذا ، فإني مشفق عليك من هذا التوجُّه الذي توجَّهت له ، أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، إن هلكت اليوم طفىء نور الأرض ، فإنك علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين ، ولا تعجل بالسير فإني في أثر كتابي والسلام .
  وصار عبدالله إلى عمرو بن سعيد وسأله أن يكتب إلى الحسين ( عليه السلام ) أماناً ويمنّيه ليرجع عن وجهه ، وكتب إليه عمرو بن سعيد كتاباً يمنّيه فيه الصلة ، ويؤمنه على نفسه ، وأنفذه مع يحيى بن سعيد ، فلحقه يحيى وعبدالله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه ، ودفعا إليه الكتاب وجهدا به في الرجوع ، فقال : إني رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنام وأمرني بما أنا ماض له ، فقالوا له : ما تلك الرؤيا ؟ فقال : ما حدّثت أحداً بها ، ولا أنا محدِّثٌ بها أحداً حتى ألقى ربي عزَّ وجلَّ ، فلما يئس منه عبدالله بن جعفر أمر ابنيه عوناً ومحمداً بلزومه ، والمسير معه ، والجهاد دونه ، ورجع مع يحيى ابن سعيد إلى مكة .
  وتوجَّه الحسين ( عليه السلام ) إلى العراق مغذّاً لا يلوي إلى شيء حتى نزل ذات عرق .
  وقال السيّد ابن طاووس ـ رحمه الله ـ : توجَّه الحسين ( عليه السلام ) من مكة لثلاث مضين من ذي الحجة سنة ستين قبل أن يعلم بقتل مسلم ، لأنه ( عليه السلام ) خرج من مكة في اليوم الذي قتل فيه مسلم رضوان الله عليه (1) .
  ولله درّ الشيخ محمد علي اليعقوبي عليه الرحمة إذ يقول :

---------------------------
(1) الإرشاد ، المفيد : 2 / 68 ـ 69 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44 / 365 / 366 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 91 _

أبا    الشهداءِ    الآخرين    iiبوقعة      سما    الشهداءَ    الأوَّلين   iiشهيدُها
وَيَامَنْ   به   في   الطفِّ  ملَّةُ  جدِّه      استقامت  وفيه  قد  أقيمت  iiحدودُها
وَمَنْ  في  سبيلِ  الحقِّ بين شبا ظُّبا      قضى وهو مشكورُ المساعي حميدُها
تأسَّى   أُبَاةُ   الضيمِ  فيك  فلم  تكن      تَحَكَّمُ    بالأحرارِ    منها    عبيدُها
بنى   جدُّك  الهادي  قَوَاعِدَ  iiشِرْعَة      بسيفِكَ   يومَ  الطفِّ  قُمْتَ  iiتُشِيدُها
لك   الدينُ  يشكو  من  عُتاة  تألَّبَتْ      على   حَرْبِهِ  مِن  كُلِّ  فجٍّ  جنودُها
كأنَّ  لها  حقداً  على الناسِ iiفاشتفت      بما   اقترفت   أضغانُها   iiوحقودُها
أبت أن يسودَ الشعبَ في الحكمِ iiأهلُهُ      وقد   رَضِيَتْ   بالأجنبيَّ   iiيسودُها
  إلى  أن  أبادَ  اللهُ  حِزْبَ iiضَلاَلِها      كما   قد   أبيدت   عادُها  iiوثمودُها(1)

المجلس الثاني : من اليوم الثالث :

  رعاية النبي ( صلى الله عليه وآله ) للإمام الحسين ( عليه السلام ) ومحبته له جاء في الزيارة الناحية الشريفة : لقد قَتلوا بقَتلِكَ الإسلامَ ، وعطَّلوا الصلاةَ والصيامَ ، ونقضوا السُّنَنَ والأحكامَ ، وهَدَموا قواعِدَ الإيمانِ ، وَحرَّفوا آياتِ القرآنِ ، وهملجوا في البغيِ والعُدوانِ ، لقد أصبحَ رسولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) موتوراً ، وعاد كتابُ اللهِ عزَّ وجلَّ مهجوراً ، وغودر الحقُّ إذ قُهِرَت مقهوراً ، وَفُقِدَ بفَقْدِك التكبيرُ والتهليلُ ، والتحريمُ والتحليلُ ، والتنزيلُ والتأويلُ ، وظهَر بعدَك التغييرُ والتبديلُ ، والإلحادُ والتعطيلُ ، والأَهواءُ والأضَاليلُ ، والفتنُ والأباطيل .
  فقامَ ناعيكَ عندَ قبرِ جَدِّك الرسولِ ( صلى الله عليه وآله ) ، فَنَعاكَ إليه بالدّمع الهطُول ، قائلاً : يا رسولَ اللهِ قُتل سبطُك وفتَاكَ ، واسْتُبيحَ أهلُك وَحِمَاك ، وسُبيت بَعدَك ذَراريكَ ،

---------------------------
(1) الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره ، الدكتور عبدالصاحب الموسوي : 342 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 92 _

  وَوَقعَ المحذورُ بعترتِكَ وذويكِ ، فانزعجَ الرسولُ وبكى قلبُه المهولُ ، وعزَّاه بك الملائكةُ والأنبياءُ ، وفُجِعَت بكَ أمُك الزهراءُ ، واختلفَتْ جنودُ الملائكةِ المقربين ، تُعزِّي أباكَ أميرَ المؤمنين ، وأُقيمَتْ لَكَ المآتمُ في أعلى عليّيين ، وَلطَمَتْ عليك الحُورُ العِينُ ، وَبكتِ السَّماءُ وسُكانُها ، والجِنانُ وخُزَّانُها ، والهِضابُ وأقطارُها ، والأرضُ وأقطارُها ، والبِحارُ وحِيتانُها ، ومكةُ وبُنيانُها ، والجِنانُ وولدانُها ، والبيتُ والمقامُ ، والمشعرُ الحرامُ ، والحلُّ والإحرام (1) .
  وروي عن سيّد العابدين علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : ولا يوم كيوم الحسين ( عليه السلام ) ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل ، يزعمون أنهم من هذه الأمة ، كلٌّ يتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ بدمه ، وهو بالله يذكِّرهم فلا يتّعظون ، حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً ... (2) .
قَضَى نَحْبَه ظامي الحشا بعد ما قضى      بِرَغْمِ   العدى  حقَّ  العلى  iiوالمكارمِ
بوجه     يلاقي    السمهريَّةَ    iiأبلج      وثغر     يُحَيِّي     المشرفيَّةَ    iiبَاسِمِ
ولولا     قَضَاءُ    اللهِ    قاد    iiأميَّةً      وأشياعَها     قَوْدَ    الذليلِ    المُسَالِمِ(3)
  قال بعض الرواة : وكان الحسين ( عليه السلام ) يجيء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو ساجد ، فيتخطَّى الصفوف حتى يأتي النبيَّ فيركب ظهره ، فيقوم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد وضع يده على ظهر الحسين ويده الأخرى على ركبته حتى يفرغ من صلاته ، وكان الحسن ( عليه السلام ) يأتيه وهو على المنبر يخطب ، فيصعد إليه فيركب على عاتق النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ويدلي رجليه على صدره حتى يرى بريق خلخاله ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يخطب ، فيمسكه كذلك حتى يفرغ من خطبته (4) .

---------------------------
(1) المزار ، المشهدي : 505 .
(2) الأمالي ، الشيخ الصدوق : 547 ح 10 .
(3) مثير الأحزان ، الجواهري : 155 والأبيات للسيّد صالح القزويني عليه الرحمة .
(4) بحار الأنوار ، المجلسي : 37/87 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 93 _

  وروي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، قال : لم يرضع الحسين ( عليه السلام ) من فاطمة ( عليها السلام ) ولا من أنثى ، كان يؤتى به النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين والثلاث ، فنبت لحم الحسين ( عليه السلام ) من لحم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ودمه ، ولم يولد لستة أشهر إلاّ عيسى بن مريم ، والحسين بن علي ( عليه السلام ) (1) .
  وعن سلمان الفارسي قال : دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعنده الحسن والحسين يتغذيان ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يضع اللقمة تارة في فم الحسن وتارة في فم الحسين ( عليهما السلام ) فلمَّا فرغا من الطعام أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الحسن على عاتقه والحسين على فخذه ، ثم قال لي : يا سلمان أتحبّهم ؟ قلت : يا رسول الله ، كيف لا أحبهم ومكانهم منك مكانهم ؟ قال : يا سلمان ، من أحبَّهم فقد أحبَّني ومن أحبني فقد أحبَّ الله ، ثم وضع يده على كتف الحسين فقال : إنه الإمام ابن الإمام ، تسعة من صلبه أئمة أبرار أمناء معصومون ، والتاسع قائمهم (2) .
  وجاء في بعض الروايات كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يأتيه في كل يوم ، فيضع لسانه في فم الحسين فيمصّه حتى يروى ، فأنبت الله عزَّ وجلَّ لحمه من لحم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (3) .
  فلعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من ظلم أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفجعه في ولده وقرَّة عينه ، قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي : لما أُسر العباس يوم بدر سمع النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنينه فما نام تلك الليلة ، فكيف لو سمع أنين الحسين ( عليه السلام ) ؟
وقال : لمّا أسلم وحشي قاتل حمزة قال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : غيِّب وجهك عني فإني لا أحبُّ من قتل الأحبة ، قال : وهذا والإسلام يجبّ ما قبله ، فكيف يقدر

---------------------------
(1) بحار الأنوار ، المجلسي : 44 / 198 عن الكافي .
(2) بحار الأنوار ، المجلسي : 36 / 304 ح 143 .
(3) بحار الأنوار ، المجلسي : 43 / 245 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 94 _

  الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أن يرى من ذبح الحسين ، أو أمر بقتله وحمل أهله على أقتاب الجمال ؟ (1) فما تقول هذه الأمة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة وقد سفكت دم سبطه الحسين وعترته ؟ ولهذا أنكرت عليهم حتى النصارى وسائر الأديان الأخرى لما انتهكوه من حرمة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) .
ليس   هذا  لرسولِ  الله  iiيا      أمَّةَ   الطُّغْيَانِ  والبغيِ  جَزَا
جَزَروا جَزْرَ الأضاحي نَسْلَهُ      ثمَّ  ساقوا  أَهْلَه  سَوْقَ iiالإِمَا
  روي عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) أنه قال : لما أتي برأس أبي ليزيد كان يتّخذ في مجلسه الخمر ، والرأس بين يديه في طشت من الذهب مغطاة بمنديل حرير ، فبينما هو جالس ذات يوم وحوله أكابر دولته وهم يشربون الخمر والرأس بين أيديهم إذ دخل عليهم رسول ملك الروم ، وكان من أشرف الروم وأعظمها ، وكان يأتي ليزيد بالكتب من عند ملكهم ، فسلَّم على يزيد ومن حوله وأعطاه كتاباً كان معه ، ثمَّ جلس وتحدَّث معهم وهم على تلك الحالة ، ورأس الحسين ( عليه السلام ) بينهم في الطشت ، فاستعظم ذلك فقال ليزيد : لم تشربون الخمر وهذا الرأس بينكم ؟ فلمن هي ؟ فقال : لا تسل عمّا لا يعنيك ، فقال : أريد أن أخبر ملكنا بما أنتم عليه; لأنه يسألني عن كل شيء رأيته ، فلهذا أريد أن تخبرني بقضية هذه الرأس حتى أشاركك في الفرح والسرور ، فقال له يزيد ، هذه رأس خارجي خرج على عاملي بالبصرة والعراق ، فقال له : ومن يكون هذا الخارجي ؟ قال : الحسين بن علي ، فقال : أمه من ؟ قال : فاطمة الزهراء بنت محمد ، فقال : أف لك ولتدينك يا يزيد ، الآن ديني أحسن من دينك ، فقال : لماذا ؟ قال له : أبي كان من حواري داود النبي ، وبيني وبينه أكثر من أربعين جدّاً ، فمن ذلك النصارى يعظِّمونني ويأخذون من

---------------------------
(1) الصواعق المحرقة ، ابن حجر : 295 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 95 _

  تراب أقدامي تبركاً بي ، وأنتم تفعلون بابن بنت نبيكم هذه الفعال وما بينه وبينه جد ؟ !
   فأيُّ دين دينكم ؟ ثمَّ قال : يا يزيد هل سمعتم حديث كنيسة الحافر ؟ قال : لا فقال : اعلم أن بين كمان والصين بحر مسيرة سنة ، ليس فيه عمران إلاَّ بلدة واحدة في وسط الماء ثمانين فرسخاً في ثمانين ، ما على وجه الأرض أكبر منها ، ومنها يحمل الياقوت والكافور ، وأشجارها العود والعنبر ، وهي في أيدي النصارى ، وفي تلك البلدة كنائس كثيرة ، وأعظمها كنيسة الحافر ، محرابها حلقة ذهب معلّقة ، وفيها حافر مرصَّع بالدّر والياقوت ، ومن حوله الذهب والفضة ، وليس بائنا منه شيئا من كثرة الذهب والفضة والحلي إلى أسفله ، وتعظيم هذا الحافر يكون بسبب زعمهم أنه حافر حمار كان يركبه عيسى ( عليه السلام ) ، وكثير منهم يقصدون زيارته في كل عام ويطوفون حوله ويقبِّلونه ويرفعون حوائجهم إلى الله عنده ، فهذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار يزعمون أن نبيِّهم كان يركبه .
  وهذا نبيكم حقاً لا شك فيه ، وقد هداكم من الضلالة إلى الهدى ، ومن ظلمة الكفر إلى نور الإسلام ، وأبو المقتول هو الساقي على الحوض يوم القيامة ، فلا بارك الله فيك ولا في فعلك ، فغضب يزيد غضباً شديداً وقال : اقتلوه لئلا يفضحنا ، فلما سمع ذلك قال : أتريد قتلي ؟ قال : نعم ، فقال : اعلم أني رأيت نبيِّكم في المنام ، وقد ضمن لي الجنة ، فتعجَّب يزيد من كلامه ، ثم قال : تقتل ابن نبيكم وتزعم أنك على دين الإسلام ، فأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمداً رسول الله ، ثمَّ تقدَّم إلى الرأس وضمَّه وقبَّله وبكى ، ثم قتل رحمه الله وهو يقول :
وَاخَجْلَةَ الإسلامِ من أضداد ظفروا به      وقوم  المسيح  يعظمون حافر iiحماره (1)
  ورحم الله الشيخ عبد الحسين الأعسم إذ يقول في البكاء على الحسين ( عليه السلام ) ومصيبته :

---------------------------
(1) نور العين في مشهد الحسين ( عليه السلام ) ، أبو إسحاق الإسفرايني : 80 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 96 _

يابن  النبي  المصطفى  iiووصيه      وأخا  الزكي  ابن البتول iiالزاكيه
تبكيك   عيني  لا  لأجلِ  iiمثوبة      لكنّما    عيني    لأجلِكَ    iiباكيه
تبتلُّ    منكم   كربلا   بدم   ولا      تبتلُّ    مني   بالدموعِ   الجاريه
أنست    رزيَّتُكُمْ   رَزَيَانَا   iiالتي      سَلَفَتْ   وهوَّنت   الرزايا  الآتيه
وَفَجَائِعُ  الأَيَّامِ  تبقى  مدّةً  iiوتزو      لُ   وهي   إلى   القيامةِ   iiباقيه
لهفي  لِرَكْب  صُرِّعوا في iiكربلا      كانت    بها    آجالُها    iiمتدانيه
تعدو  على  الأعداءِ ظاميةَ الحشا      وسيوفُهُمْ   لدم   الأعادي  iiظاميه
نصروا ابنَ بنتِ نبيِّهم طوبى لهم      نَالُوا   بنصرتِهِ   مَرَاتِبَ  iiساميه

المجلس الثالث : من اليوم الثالث :

  إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة ( عليها السلام ) بمقتل الحسين ( عليه السلام ) جاء في بعض زيارات الأئمة ( عليهم السلام ) : يا مواليَّ ، فلو عاينكم المصطفى ، وسهام الأمة معرقة في أكبادكم ، ورماحهم مشرعة في نحوركم ، وسيوفها مولغة في دمائكم ، يشفي أبناء العواهر غليل الفسق من ورعكم ، وغيظ الكفر من إيمانكم ، وأنتم بين صريع في المحراب قد فلق السيفُ هامتَه ، وشهيد فوق الجنازة قد شُكَّت بالسهام أكفانُه ، وقتيل بالعراء قد رُفع فوق القناة رأسُه ، ومكبَّل في السجن رُضَّت بالحديد أعضاؤه ، ومسموم قد قُطِّعت بجرع السمِّ أمعاؤه (1) ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم ، ولله درّ الشيخ عبد الحسين الحياوي عليه الرحمة إذ يقول مستنهضاً الإمام الحجة عجَّل الله فرجه الشريف :
فَيَا  ناصرَ  الدينِ  الحنيفِ  عَلِمْتَ iiإذ      لجدِّكَ جَدَّ الْخَطْبُ واعصوصبَ الأَمْرُ

---------------------------
(1) المزار ، المشهدي : 298 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 97 _

لقد  كَسَرَتْ  بالطفِّ  حربٌ iiقَنَاتَكم      فهلاّ  نرى  منها  القَنَا  وبها  كَسْرُ
فما لي أراك اليومَ عن طَلَبِ العدى      صَبَرْتَ  وللمتورِ  لا يُحْمَدُ iiالصبرُ
أتقعُدُ   يا   عينَ   الوجودِ   توانياً      وقد  نشبت  للبغي في مَجْدِكم iiظفرُ
أتنسى  يتامى  بالهجيرِ  iiتراكضت      وصاليةُ  الرمضاءِ  يَغْلي  لها iiقِدْرُ
وَرَبَّاتِ  خِدْر  بعدما  انتهبوا iiالخبا      بَرَزْنَ  ولا  خِدْرٌ  يواري وَلاَ سِتْرُ(1)
  روى ابن قولويه عليه الرحمة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أن جبرئيل نزل على محمد ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد ، إن الله يقرأ عليك السلام ، ويبشِّرك بمولود يولد من فاطمة ( عليها السلام ) تقتله أمتك من بعدك ، فقال : يا جبرئيل ، وعلى ربي السلام ، لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أمتي من بعدي ، قال : فعرج جبرئيل ثم هبط فقال له مثل ذلك ، فقال : يا جبرئيل ، وعلى ربي السلام ، لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي ، فعرج جبرئيل إلى السماء ثمَّ هبط فقال له : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ، ويبشِّرك أنه جاعل في ذرّيّته الإمامة والولاية والوصيَّة ، فقال : قد رضيت ، أرسل إلى فاطمة : أن الله يبشِّرني بمولود يولد منك تقتله أمتي من بعدي ، فأرسلت إليه : أن لا حاجة لي في مولود يولد مني تقتله أمتك من بعدك ، فأرسل إليها أن الله جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية ، فأرسلت إليه أني قد رضيت ( فحملته كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشدَّه وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي ) فلو أنه قال : أصلح لي ذريتي لكانت ذريته كلهم أئمة (2) .
  وروي عن ابن بكير ، عن بعض الأصحاب رضي الله عنهم ، عن أبي

---------------------------
(1) مثير الأحزان ، الجواهري : 146 .
(2) كامل الزيارات ، ابن قولويه : 123 / 124 ح 6 ، بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 44 / 232 ح 17 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 98 _

  عبدالله ( عليه السلام ) قال : دخلت فاطمة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعيناه تدمع ، فسألته مالك ؟ فقال : إن جبرئيل أخبرني أن أمتي تقتل حسيناً ، فجزعت وشقَّ عليها ، فأخبرها بمن يملك من ولدها فطابت نفسها وسكنت (1) .
  وعن فرات الكوفي عليه الرحمة في التفسير قال : روي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : كان الحسين مع أمّه تحمله ، فأخذه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) وقال : لعن الله قاتلك ، ولعن الله سالبك ، وأهلك الله المتوازرين عليك ، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك ، فقالت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : يا أبت ، أيِّ شيء تقول ؟ قال : يا بنتاه ، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي ، وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء ، ويتهادون إلى القتل ، وكأني أنظر إلى معسكرهم ، وإلى موضع رحالهم وتربتهم ، فقالت : يا أبه ، وأين هذا الموضع الذي تصف ؟ قال : موضع يقال له كربلاء ، وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة ، يخرج عليهم شرار أمتي ، ولو أن أحدهم شفع له من في السماوات والأرضين ما شفِّعوا فيه ، وهم المخلَّدون في النار .
  قالت : يا أبه ، فيقتل ؟ قال : نعم يا بنتاه ، وما قُتل قَتلتَه أحدٌ كان قبله ، ويبكيه السماوات والأرضون ، والملائكة ، والوحش ، والنباتات ، والبحار ، والجبال ، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض متنفِّس ، ويأتيه قوم من محبينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقّنا منهم ، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم ، أولئك مصابيح في ظلمات الجور ، وهم الشفعاء ، وهم واردون حوضي غداً أعرفهم إذا وردوا عليَّ بسيماهم ، وكل أهل دين يطلبون أئمتهم ، وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا ، وهم قوام الأرض ، وبهم ينزل الغيث .
  فقالت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : يا أبه ، إنّا لله ، وبكت فقال لها : يا بنتاه !
  إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا ، بذلوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ، يقاتلون

---------------------------
(1) بحار الأنوار ، المجلسي : 44/233 ح 19 عن كامل الزيارات : 125 ح 8 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 99 _

في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً ، فما عند الله خير من الدنيا وما فيها ، قتلة أهون من ميتة ، ومن كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه ، ومن لم يقتل فسوف يموت ، يا فاطمة بنت محمد ، أما تحبين أن تأمرين غداً بأمر فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب ؟
  أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش ؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة ؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه ؟ أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار : يأمر النار فتطيعه ، يُخرج منها من يشاء ويترك من يشاء ؟
  أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وإلى ما تأمرين به ، وينظرون إلى بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله ؟ فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك وقاتل بعلك إذا أفلجت حجّته على الخلائق ، وأمرت النار أن تطيعه ؟ أما ترضين أن يكون الملائكة تبكي لابنك ، ويأسف عليه كل شيء ؟ أما ترضين أن يكون من أتاه زائراً في ضمان الله ويكون من أتاه بمنزلة حجّ إلى بيت الله واعتمر ، ولم يخل من الرحمة طرفة عين ، وإذا مات مات شهيداً ، وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي ، ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتى يفارق الدنيا ؟ قالت : يا أبه ، سلَّمت ورضيت ، وتوكَّلت على الله ، فمسح على قلبها ومسح عينيها ، وقال : إني وبعلك وأنت وابنيك في مكان تقرّ عيناك ، ويفرح قلبك (1) .
  فيعزّ على فاطمة الزهراء ـ أيها المؤمنون ـ ما جرى على قرَّة عينها الحسين سبط الرسول ( صلى الله عليه وآله ) الذي ذبح عطشاناً ومعه من أهل بيته سبعة عشر ليس على وجه الأرض لهم شبيه ، ويعزّ على فاطمة ( عليها السلام ) أيضاً ما جرى على بناتها الفاطميات بعد مقتل الحسين ( عليه السلام ) وذلك حينما هجم العدوّ عليهنَّ وهنَّ بلا محام ولا كفيل ،

---------------------------
(1) بحار الأنوار ، المجلسي : 44/264 ح 22 عن تفسير فرات الكوفي : 171 / 172 ح 18 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 100 _

  فخرجن من الخيام مذعورات صارخات مسلوبات ، ولله درّ الشيخ جعفر الخطي عليه الرحمة إذ يقول :
وإن  أنس  لا  أنس  النساءَ iiكأنَّها      قطاً  رِيْعَ  من  أَوْكَارِهِ وهو هَاجِدُ
خوارجُ  من  أبياتِها  وهي iiبَعْدَهَا      لأرجاسِ  حرب  بالحريقِ  iiمَوَاقِدُ
سوافرُ  بعد  الصونِ  ما لوجوهِها      بَرَاقِعُ     إلاَّ    أذرعٌ    وسواعدُ
إذا   هُنَّ   سُلِّبْنَ   القلائدَ  جدِّدت      من   الأسرِ   في  أعناقِهِنَّ  iiقَلاَئِدُ
وتُلْوَى  على  أعضادِهِنَّ  iiمعاضدٌ      من الضربِ إذ تُبتزُّ منها المعاضدُ
نوادبُ   لو  أنَّ  الجبالَ  iiسمعنها      تداعت   أعاليهنَّ   فهي   iiسواجدُ
إذا  هنَّ  أبصرنَ  الجسومَ  iiكأنَّها      نجومٌ   على  ظَهْرِ  الفَلاَةِ  iiرَوَاكِدُ
تداعين   يلطمْنَ   الخدودَ  iiبعولة      تَصَدَّعُ   منها  القاسياتُ  iiالجلامدُ
فيا  وقعةً  ما  أحدث  الدَّهْرُ مِثْلَها      يبيدُ   الليالي  ذِكْرُها  وهو  iiخَالِدُ(1)

المجلس الرابع : من اليوم الثالث :

  نياحة مولاتنا فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) على الإمام الحسين ( عليه السلام ):
  أحسن الله لكم العزاء أيها الموالون للعترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين ، فأيُّ مصيبة أعظم من مصيبة سيّد الشهداء ( عليه السلام ) التي بكت وناحت لها الزهراء البتول ( عليها السلام ) وحقّ لها أن تبكي ليلا ونهاراً على الغريب العطشان ، ومن قتل من أهل بيته ( عليهم السلام ) فيا لها من وقعة قُتلت فيها الرجال ، وذُبحت فيها الأطفال ، وهُتكت فيها النساء ، وحُملت حريم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على الأقتاب بغير غطاء ولا

---------------------------
(1) شعراء القطيف ، الشيخ علي المرهون : 1/14 / 15 .