ثم راجعته نفسه ، فقال : اسمع مني وصدِّق مقالتي ، فوالله ما كذبت ، والله ما دعوته إلى منزلي ، ولا علمت بشيء من أمره حتى جاءني يسألني النزول ، فاستحييت من ردّه ، وداخلني من ذلك ذمام فضيَّفته وآويته ، وقد كان من أمره ما بلغك ، فإن شئت أن أعطيك الآن موثقاً مغلَّظاً أن لا أبغيك سوءاً ولا غائلة ، ولآتينّك حتى أضع يدي في يدك ، وإن شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتى آتيك ، وأنطلق إليه فآمره أن يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض ، فأخرج من ذمامه وجواره . فقال له ابن زياد : والله لا تفارقني أبداً حتى تأتيني به ، قال : لا والله لا أجيئك به أبداً ، أجيئك بضيفي تقتله ؟ قال : والله لتأتيني به ، قال : والله لا آتيك به ، فلمّا كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي ـ وليس بالكوفة شاميٌّ ولا بصريّ غيره ـ فقال : أصلح الله الأمير ، خلّني وإياه حتى أكلِّمه ، فقام فخلا به المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة
ناحية من ابن زياد ، وهما منه بحيث يراهما ، فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان . |
يَا وَاقِفاً في الدارِ إِنْ تُمْسِ مكتئباً لِبَيْنِهِمُ فعقيبَ كُلِّ كآبة وِْرُز هلاَّ صَبَرْتَ على المصابِ بهم وعلى المصيبةِ يُحْمَدُ الصبرُ وجعلتَ رُزْءَكَ في الحسينِ ففي رُزْءِ ابنِ فاطمة لكَ الأجرُ مكروا به أَهْلُ النفاقِ وهل لمنافق يُسْتَبْعَدُ المَكْرُ بصحائف كوجوهِهِمْ وَرَدَتْ سُوداً وَفَحْوُ كَلاَمِهِم هَجْرُ حتى أناخ بِعقرِ سَاحَتِهِم ثِقَةً تَأَكَّدَ منهُمُ الْغَدْرُ وتسارعوا لقتالِهِ زُمَرَاً مَا لا يحيطُ بعدِّهِ حَصْرُ طافوا بأَرْوَعَ في عَرينتِهِ يُحْمَى النزيلُ وَيَأْمَنُ الثَّغْرُ | مفتكراً مهلا فقد أودى بك الفِكْرُ
جيشٌ لَهَامٌ يومَ فكأنَّهم سِرْبٌ قد اجتمعت ألفاً فبدَّدَ شَمْلَها صَقْرُ حتى إذا قَرُبَ المدى وبه طَافَ العدى وَتَقَاصَرَ العمرُ أردوه منعفراً تمجُّ دماً منه الظُّبا والذُّبَّلُ السُّمْرُ تَطَأُ الخيولُ إِهَابَه وعلى ال خدِّ التريبِ لوطيِهَا أَثْرُ ظَام يبلُّ أَوامَ غُلَّتِهِ ريّاً بفيضِ نجيعِهِ النَّحْرُ تأباها إجلالا فتزجُرُها فئةٌ يقودُ عُصَاتَها شِمْرُ فتجولُ في صَدْر أَحَاطَ على عِلْمِ النبوَّةِ ذلك الصَّدْرُ بأبي القتيلَ وَمَنْ بمصرعِهِ ضَعُفَ الهدى وَتَضَاعَفَ الكُفْرُ بأبي الذي أَكْفَانُهُ نُسِجَتْ من عِثْيَر وَحَنُوطُهُ عَفْرُ(1) | معركة وليومِ سِلْم وَاحِدٌ وترُ
هو الموتُ فاصنع وَيْكَ ما أنت صَانِعُ فأنتَ لكأسِ الموتِ لا شكَّ فصبراً لأمرِ اللهِ جَلَّ جلالُهُ فَحُكْمُ قَضَاءِ اللهِ في الخلقِ ذائعُ | جَارِعُ
أقسمتُ لا أُقتلُ إلاّ ويُخْلَطُ الباردُ سُخْناً مرّا رَدَّ شُعَاعَ الشمس فاستقرّا كلُّ امرىء يوماً ملاق شراً أخافُ أن أُكْذَبَ أو أُغرَّا | حرّا وإنْ رأيتُ الموتَ شيئاً نُكْرا
فللهِ من مُفْرَد وآثَرَ وهو وليدُ الأُبَاةِ بأَنْ يَرْكَبَ الأخطرَ الأعظما ولمَّا رأوا بَأْسَه في الوغى شديداً يُجَلُّ بأَنْ يُرْغَما أطلُّوا على شُرُفَاتِ السُّطُوحِ ويَرْمُونَهُ الْحَطَبَ المُضْرَما ولولا خديعتُهُمْ بالأمانِ لَمَا أوثقوا الأَسَدَ الضَّيْغَما (3) | أسلموه لحكم الدعيِّ فما استسلما
قد خاض بَحْرَ الموتِ في وتراه طَلاَّعَ الثنايا في الوَغَى تبكي العدى والثغرُ منه باسمُ قد آمنته وَلاَ أَمَانَ لِغَدْرِها فَبَدَتْ له مما تُجِنُّ عَلاَئِمُ سلبته لاَمَةَ حَرْبِهِ ثمَّ اغتدى متأمِّراً فيه ظلُومٌ غاشمُ أسرته ملتهبَ الفؤادِ من الظما وله على الْوَجَناتِ دَمْعٌ سَاجِمُ لم يبكِ من خوف على نفس لكنَّه أبكاه رَكْبٌ قَادِمُ يبكي حسيناً أن يُلاَقيَ مالقي من غَدْرِهِم فَتُبَاحَ منه مَحَارِمُ (1) | حَمَلاتِهِ وعُبَابُهُ بِصِفَاحِهِم مُتَلاطِمُ
عينُ جودي لمسلمِ بنِ عقيلِ لرسولِ الحسينِ سبطِ الرسولِ |
لغريب بَيْنَ الأعادي وابكِ مَنْ قد بكاه أحمدُ شجواً قَبْلَ ميلادِهِ بعهد طويلِ وبكاه الحسينُ والآلُ لمَّا جاءهم نَعْيُه بدمع هَمُولِ تركوه لدى الهِيَاجِ وحيداً لعدوٍّ مُطالب بذُحُولِ ثمَّ ساقوه بينهم يتهادى للدعيِّ الرذيلِ وابنِ الرذيلِ ظامياً طاوياً عليلا جريحاً طالباً منهُمُ رُوَاءَ الغليلِ (1) | وحيد وقتيل لنَصْرِ خيرِ قتيلِ
وجاؤوا به مُثْقَلا غَريبَ الدِّيَارِ فَدَتْكَ النفوسُ تُكَابِدُ وَحْدَكَ ما استُعظما أَتُوْقَفُ بين يَدَيْ فاجر ويسقيك من كَأْسِهِ العلقما ويشتمُ أُسْرَتَك الطيِّبين وقد كان أولى بأَنْ يُشْتََما وَتُقْتَلُ صبراً ولا ناصرٌ وَلاَ مَنْ يقيمُ لك المأتما | بالجراحِ ظمآن أعياهُ نَزْفُ الدِّمَا
فإن كنتِ لا تدرين ما الموتُ فانظري إلى هانىء في السوقِ وابنِ عقيلِ إلى بَطَل قد هشَّمَ السيفُ وَجْهَه وآخَرَ يهوي من طِمَارِ قتيلِ أصابهما أمرُ اللعينِ فأصبحا أحاديثَ مَنْ يسري بكلِّ سبيلِ ترى جسداً قد غيَّر الموتُ لَوْنَهُ وَنَضْحَ دم قد سال كلَّ مَسِيلِ فتىً كان أحيى من فتاة حيّية وَأقْطَعَ من ذي شفرتينِ صقيلِ أيركبُ أسماءُ الهماليجَ آمناً وقد طالبته مَذْحجٌ بذُحُولِ تُطِيفُ حواليه مُرَادٌ وكلُّهم على رقبة من سائل ومسولِ (1) |
فإنْ تكن الدنيا تُعَدُّ وإن تكن الأبدانُ للموتِ أُنشئت فَقَتْلُ امرء بالسيفِ في اللهِ أفضلُ وإن تكن الأرزاقُ قسماً مقدَّراً فَقِلَّةُ حِرْصِ المرءِ في الرزقِ أجملُ وإن تكن الأموالُ للتركِ جَمْعُها فما بالُ متروك به المرءُ يبخلُ(1) | نفسيةً فَدَارُ ثوابِ اللهِ أعلى وأنبلُ
لم يُبْكِهَا عَدَمُ الوثوقِ بعمِّها كلا ولا الوجدُ المبرِّحُ لكنَّها تبكي مَخَافَةَ أنها تمسي يتيمةَ عمِّها وأبيها | فيها
أتقضي ولم تَبْكِكَ الباكياتُ أمَا لك في المِصْرِ مِنْ نَائِحَه وكم طفلة لك قد أعولت وَجَمْرَتُها في الحَشَا قَادِحَه يُعَزِّزُها السبطُ في حِجْرِهِ لتغدوَ في قُرْبِهِ فَارِحَه تقولُ مَضَى عمُّ منّي أبي فَمَنْ ليتيمتِهِ النائحه |
أفدي يتيمي مسلم إذا أُسِرَا ظلماً وفي سجنِ الدعيِّ عُذِّبا قد ضُيِّقَ السجنُ عليهما وَلاَ ذَاقَا طعاماً طَيِّبا أو مشربا حتى إذا ضاقا بما نالهما ذرعاً وأمرُ اللهِ جَلَّ اقتربا فخاطبا السجَّانَ في أمرِهما وبالنبيِّ المصطفى تقرَّبا هناك خلَّى عنهما فانطلقا لا يَعْرِفانِ مَسْلَكاً ومَذْهَبا سَارا بليل وَهُما لم يدريا أين الطريقُ يَطْلُبَانِ مَهْرَبا(1) |