الفهرس العام

بسم الله الرحمن الرحيم


المجلس التاسع والعشرون :
المجلس الثلاثون :
المجلس الحادي والثلاثون :
الخاتمة :
المجلس الأول رجوع الإمام زين العابدين ( عليه السلام )مع عمَّاته و أخواته إلى كربلاء :


  هم ـ يا رسول الله ـ الذين هم أعلى من الملائكة ؟ فقال رسول الله : أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين  ، كنّا في سرادق العرش نسبِّح الله  ، وتسبِّح الملائكة بتسبيحنا  ، قبل أن يخلق الله عزَّ وجلَّ آدم بألفي عام  ، فلمَّا خلق الله عزَّ وجلَّ آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له  ، ولم يأمرنا بالسجود  ، فسجدت الملائكة كلُّهم إلاَّ إبليس  ، فإنه أبى أن يسجد  ، فقال الله تبارك وتعالى : ( أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ ) أي من هؤلاء الخمس  ، المكتوب أسماؤهم في سرادق العرش  ، فنحن باب الله الذي يؤتى منه  ، بنا يهتدي المهتدون  ، فمن أحبَّنا أحبَّه الله وأسكنه جنَّته  ، ومن أبغضنا أبغضه الله وأسكنه ناره  ، ولا يحبُّنا إلاَّ من طاب مولده (1) .
  وعن سيف بن عميرة  ، عن الصادق ( عليه السلام ) قال : إن لولد الزنا علامات : أحدها : بغضنا أهل البيت  ، وثانيها : أن يحنَّ إلى الحرام الذي خُلق منه  ، وثالثها : الاستخفاف بالدين  ، ورابعها : سوء المحضر للناس  ، ولا يسيء محضر إخوانه إلاَّ من ولد على غير فراش أبيه  ، أو من حملت به أمه في حيضها (2) .
  وروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً  ، ولو أن عبداً عبد الله بين الركن والمقام ألف سنة  ، ثمَّ لقي الله بغير ولايتنا أكبَّه الله على منخريه في النار  ، ومن مات لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية  ، والله ما ترك الله الأرض منذ قبض آدم إلاَّ وفيها إمام يهتدى به  ، حجّة على العباد  ، من تركه هلك  ، ومن لزمه نجا ... (3) .
  وعن ابن عباس قال : قلت للنبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) : أوصني  ، قال : عليك بمودَّة عليِّ بن أبي طالب ( عليه السلام )   ، والذي بعثني بالحق نبيّاً  ، لا يقبل الله من عبد حسنة حتى يسأله

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 25/2 .
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 27/152 عن معاني الأخبار .
(3) بحار الأنوار  ، المجلسي : 27/201 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 652 _

  عن حبِّ علي بن أبي طالب ( عليه السلام )   ، وهو تعالى أعلم  ، فإن جاءه بولايته قبل عمله على ما كان منه  ، وإن لم يأت بولايته لم يسأله عن شيء  ، ثمَّ أمر به إلى النار  ، يابن عباس! والذي بعثني بالحق نبيّاً  ، إن النار لأشدُّ غضباً على مبغض علي ( عليه السلام ) منها على من زعم أن لله ولداً  ، يابن عباس! لو أن الملائكة المقرَّبين  ، والأنبياء المرسلين اجتمعوا على بغضه ـ ولن يفعلوا ـ لعذَّبهم الله بالنار  ، قلت : يا رسول الله! وهل يبغضه أحد ؟ قال : يا بن عباس! نعم  ، يبغضه قوم يذكرون أنهم من أمتي  ، لم يجعل الله لهم في الإسلام نصيباً  ، يابن عباس! إن من علامة بغضهم له تفضيلهم من هو دونه عليه  ، والذي بعثني بالحق  ، ما بعث نبياً أكرم عليه منّي  ، ولا أوصياء أكرم عليه من وصيّي علي  ، قال ابن عباس : فلم أزل له كما أمرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأوصاني بمودّته  ، وإنه لأكبر عملي عندي ... (1) .
  وعن أبي نعيم : قال عمر : وما آية حبِّكم يا رسول الله ؟ قال : حبُّ هذا  ، ووضع يده على كتف علي ( عليه السلام ) وقال : من أحبَّه فقد أحبَّنا  ، ومن أبغضه فقد أبغضنا (2) .
  وقال الفرزدق رحمه الله تعالى في حبِّ أهل البيت ( عليهم السلام ) والتمسُّك بهم :
مِنْ   مَعْشَر   حُبُّهم   دينٌ  iiوبغضُهُمُ      كفرٌ    وقُرْبُهُمُ    مَنْجىً    iiومُعْتَصَمُ
يُسْتَدْفَعُ    السُّوءُ   والبلوى   iiبِحُبِّهِمُ      ويُستَزَادُ    به    الإحسانُ    iiوالنِّعَمُ
مُقَدَّمٌ    بَعْدَ    ذِكْرِ    اللهِ    iiذِكْرُهُمُ       في   كُلِّ   بَدْء   ومختومٌ   به  الكَلِمُ
إنْ   عُدَّ   أَهْلُ  التُّقَى  كانوا  iiأَئِمَّتَهُمْ      أو قيل مَنْ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ قيل هُمُ
لا    يستطيعُ   جَوَادٌ   بُعْدَ   iiغَايَتِهِمْ       وَلاَ    يُدَانِيهِمُ    قومٌ   وَإِنْ   iiكَرُمُوا
هُمُ   الْغُيُوثُ   إذا  ما  أَزْمَةٌ  iiأَزِمَتْ      وَالأُسْدُ  أُسْدُ  الشَّرَى وبالبأسُ iiمُحْتَدِمُ
يأبى   لهم   أن  يَحُلَّ  الذَّمُّ  iiسَاحَتَهُمْ      خيرٌ   كريمٌ   وأيد   بالنَّدَى   iiهُضُمُ

---------------------------
(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 27/219 عن أمالي المفيد .
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 27/311 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 653 _

لا يقبضُ الْعُسْرُ بَسْطاً من أَكُفِّهِمُ       سَيَّانَ ذلك إِنْ أَثْرَوا وإِنْ iiعَدِمُوا
أيُّ  الخلائِقِ  ليست في iiرِقَابِهِمُ       لأَوْلَوِيَّةِ     هذا     أَوْلَهُ    نِعَمُ
مَنْ  يَعْرِفِ  اللهَ يَعْرِفْ أَوَّلِيَّةَ iiذَا       فالدينُ  من  بيت هذا نَالَهُ iiالأُمَمُ (1)

المجلس التاسع والعشرون :

   عداوة بني أمية للإسلام ولعترة رسول الله( صلى الله عليه وآله ) :
  جاء في بعض زيارات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) : يا مواليَّ  ، فلو عاينكم المصطفى  ، وسهام الأمّة معرقة في أكبادكم  ، ورماحهم مشرعة في نحوركم  ، وسيوفها مولغة في دمائكم  ، يشفي أبناء العواهر غليل الفسق من ورعكم  ، وغيظ الكفر من إيمانكم  ، وأنتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته  ، وشهيد فوق الجنازة قد شُكَّت بالسهام أكفانه  ، وقتيل بالعراء قد رُفع فوق القناة رأسه  ، ومكبَّل في السجن رُضَّت بالحديد أعضاؤه  ، ومسموم قد قُطِّعت بجرع السمِّ أمعاؤه (2)   ، فإنَّا لله وإنّا إليه راجعون  ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم .
  روي عن الشعبي  ، قال : لمَّا دخل عثمان رحله ـ بعد ما بويع له بالخلافة ـ دخل إليه بنو أميَّة حتى امتلأت بهم الدار  ، ثمَّ أغلقوها عليهم  ، فقال أبو سفيان بن حرب : أعندكم أحد من غيركم ؟ قالوا : لا  ، قال : يا بني أمية! تلقَّفوها تلقُّف الكرة  ، فوالذي يحلف به أبو سفيان  ، ما من عذاب ولا حساب  ، ولا جنَّة ولا نار  ، ولا بعث ولا قيامة  ، قال : فانتهره عثمان  ، وساءه بما قال  ، وأمر بإخراجه (3) .

---------------------------
(1) روضة الواعظين  ، الفتال النيسابوري : 200 ـ 201  ، الاختصاص  ، المفيد : 193 .
(2) المزار  ، المشهدي : 298 .
(3) السقيفة وفدك  ، الجوهري : 87  ، الاستيعاب  ، ابن عبد البر : 4/1679  ، الأغاني  ، الإصفهاني : 6/356  ، مروج الذهب  ، المسعودي : 2/343  ، شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 9/53 / 54 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 654 _

  وأخرج ابن عساكر عن أنس : أن أبا سفيان دخل على عثمان بعدما عُمي  ، فقال : هل هنا أحد  ، فقالوا : لا  ، فقال : اللهم اجعل الأمر أمر جاهليَّة  ، والمُلك مُلك غاصبيَّة  ، واجعل أوتاد الأرض لبني أميَّة  ، فقال له علي ( عليه السلام ) : ما زلت عدوّاً للإسلام وأهله (1) .
  ومن طريق ابن المبارك  ، عن الحسن : إن أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت الخلافة إليه فقال : صارت إليك بعد تيم وعديٍّ  ، فأدرها كالكرة  ، واجعل أوتادها بني أمية  ، فإنما هو المُلك  ، ولا أدري ما جنَّة ولا نار  ، فصاح به عثمان : قم عني  ، فعل الله بك وفعل (2) .
  وفي رواية المسعودي قال أبو سفيان : يا بني أمية! تلقَّفوها تلقُّف الكرة  ، فوالذي يحلف به أبو سفيان  ، ما زلت أرجوها لكم  ، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة (3) .
  وقال الطبري في تأريخه : ومنه ما يرويه الرواة من قوله : يا بني عبد مناف! تلقَّفوها تلقُّف الكرة  ، فما هناك جنة ولا نار  ، وهذا كفر صراح  ، يلحقه به اللعنة من الله  ، كما لحقت الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم (4) .
  قال ابن أبي الحديد : ومنه ما يروى من وقوفه على ثنيَّة أحد من بعد ذهاب بصره  ، وقوله لقائده : هاهنا رمينا محمَّداً وقتلنا أصحابه .
  و من ذلك أيضاً قوله للعباس بن عبد المطلب قبل الفتح ـ وقد عُرِضت عليه الجنود ـ : لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً  ، فقال له العباس : ويحك! إنه ليس بملك  ، إنّها النبوّة .

---------------------------
(1) تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 6/407 و 409  ، الأغاني  ، الإصفهاني : 6/355 .
(2) الاستيعاب  ، ابن عبد البر : 2/690 .
(3) مروج الذهب  ، المسعودي : 1/440 .
(4) تايخ الطبري : 8/185 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 655 _

 ومنه قوله يوم الفتح ـ وقد رأى بلالا على ظهر الكعبة يؤذِّن  ، ويقول : أشهد أن محمَّداً رسول الله : لقد أسعد الله عتبة بن ربيعة إذ لم يشهد هذا المشهد (1) .
  وأبو سفيان هو الذي رفس قبر الحمزة ( عليه السلام ) وضربه برجله  ، وقال : يا أبا عمارة! إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف صار في يد غلماننا  ، يتلعبون به (2) .
  وقال ابن حجر : كان أبو سفيان رأس المشركين يوم أحد ويوم الأحزاب  ، وقال ابن سعد : لمَّا رأى الناس يطؤون عقب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حسده  ، فقال في نفسه : لو عاودت الجمع لهذا الرجل  ، فضرب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في صدره  ، ثمَّ قال : إذا يخزيك الله  ، وفي رواية : قال في نفسه : ما أدري لم يغلبنا محمَّد ؟ فضرب في ظهره وقال : بالله يغلبك (3) .
  وروي أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال في حديث له عن أبي سفيان ومعاوية : معاوية طليق ابن طليق  ، حزب من هذه الأحزاب  ، لم يزل لله عزَّ وجلَّ ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) وللمسلمين عدوّاً هو وأبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين (4) .
  وأمَّا معاوية ابنه : فقد ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج من كتاب للإمام علي ( عليه السلام ) كتبه إلى معاوية قوله ( عليه السلام ) له : فلقد سلكت طرائق أبي سفيان أبيك  ، وعتبة جدِّك  ، وأمثالهما من أهلك ذوي الكفر والشقاق والأباطيل (5) .
  هذا وقد أظهر معاوية للمغيرة بن شعبة ما كان يخفيه في نفسه من الحقد والكراهية والضغينة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فقد روى ابن بكار في الموفقيات  ، عن مطرف بن المغيرة بن شعبة الثقفي  ، قال ابن بكار : سمعت المدائني يقول : قال مطرف

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 15/175  ، تأريخ الطبري : 8/185 بتفاوت .
(2) شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 16/136  ، وراجع : 4/51 .
(3) الإصابة  ، ابن حجر : 2/179 .
(4) تاريخ الطبري : 4/4  ، الإمامة والسياسة  ، ابن قتيبة : 1/113 .
(5) شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 4/220 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 656 _

  بن المغيرة : وفدت مع أبي المغيرة إلى معاوية  ، فكان أبي يأتيه فيتحدَّث معه ثمَّ ينصرف إليَّ فيذكر معاوية  ، ويذكر عقله  ، ويعجب مما يرى منه  ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء  ، فرأيته مغتمّاً  ، فانتطرته ساعة  ، وظننت أنه لشيء حدث فينا  ، أو في عملنا  ، فقلت له : مالي أراك مغتمّاً منذ الليلة ؟
  قال : يا بني! إني جئت من عند أخبث الناس  ، قلت له : وما ذاك ؟ قال : قلت له وقد خلوت به : إنك قد بلغت سنّاً يا أمير المؤمنين ! فلو أظهرت عدلا  ، وبسطت خيراً  ، فإنك قد كَبُرت  ، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم  ، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه ؟
  فقال لي : هيهات هيهات  ، ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل  ، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلاَّ أن يقول قائل : أبو بكر  ، ثمَّ ملك أخو عديٍّ فاجتهد وشمَّر عشر سنين  ، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلاَّ أن يقول قائل : عمر  ، ثمَّ ملك أخونا عثمان  ، فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه  ، فعَمِل ما عَمِل وعُمل به ما عُمل  ، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره  ، وذكر ما فُعل به  ، وإن أخا هاشم يُصرخ به في كل يوم خمس مرات : أشهد أن محمّداً رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فأيُّ عمل يبقى مع هذا لا أم لك ؟ والله إلاَّ دفناً دفناً (1) .
  وقال معاوية لمَّا سمع المؤذِّن يقول : أشهد أن محمّداً رسول الله : لله أبوك يا ابن عبدالله! لقد كنت عالي الهمّة  ، ما رضيت لنفسك الاَّ أن تقرن اسمك باسم ربِّ العالمين (2) .
  ومن حقد معاوية  ، أنَّه مكث في أيام خلافته أربعين جمعة لا يصلّي على

---------------------------
(1) مروج الذهب  ، المسعودي : 3/454  ، الأخبار الموفقيات  ، الزبير بن بكار : 576 / 577  ، النصائح الكافية  ، محمد بن عقيل : 116  ، شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 9/238 .
(2) شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 10/101 .
>

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 657 _

  النبي ( صلى الله عليه وآله )   ، وسأله بعض أصحابه عن ذلك فقال : لا يمنعني عن ذكره إلاَّ أن تشمخ رجال بآنافها (1)   ، وهو القائل لمَّا دخل الكوفة : إني والله ما قاتلتكم لتصلّوا  ، ولا لتصوموا  ، ولا لتحجّوا  ، ولا لتزكّوا  ، إنكم لتفعلون ذلك  ، وإنما قاتلتكم لأتمرَّ عليكم  ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون (2) .
  وقال الحسن البصري : أربع خصال كنَّ في معاوية لو لم يكن فيه منهنَّ إلاَّ واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الأمّة بالسفهاء حتَّى ابتزَّها أمرها بغير مشورة منهم  ، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة  ، واستخلافه ابنه بعده سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير  ، وادّعاؤه زياداً  ، وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الولد للفراش وللعاهر الحجر  ، وقتله حجراً ـ ويلا له من حجر ـ وأصحاب حجر مرَّتين .
  وقالت الكندية ترثي حجراً ـ ويقال : بل قائلها هذه الأنصارية ـ :
دُمُوعُ  عيني  دِيْمَةً  iiتَقْطُرُ      تبكي  على حُجْر وَمَا iiتَفْتُرُ
لو كانت القوسُ على أَسْرِه      مَا حَمَلَ السيفَ له iiالأعورُ(3)

المجلس الثلاثون :

  من تأريخ يزيد بن معاوية وأحقاده البدريّة :
آل  حرب  أوقدتموا نارَ iiحرب      ليس  يخبو  لها  الزمان  iiوقودُ
عبد شمس قد أضرمت لبني ها      شمَ   ناراً  يشيبُ  منها  iiالوليدُ

---------------------------
(1) النصائح الكافية  ، محمد بن عقيل : 97 .
(2) مقاتل الطالبيين  ، الإصفهاني : 70  ، البداية والنهاية  ، ابن كثير : 8/134  ، شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 16/46 .
(3) تاريخ الطبري : 4/209 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 658 _

فابن حرب للمصطفى وابنُ هند       لعلي       وللحسينِ       يزيدُ
  وأمَّا يزيد بن معاوية فقد ورث الكراهية والبغضاء لأهل البيت ( عليهم السلام ) من أبيه وجده  ، ويزيد عادى الحسين ( عليه السلام ) حتى سفك دمه الشريف  ، وأبوه معاوية عادى علياً ( عليه السلام ) وحاربه وألبّ الناس عليه وحملهم على بغضه وكراهيته  ، وشتمه على المنابر  ، وجده أبو سفيان حارب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وألبّ الناس على قتاله  ، ويزيد واحد من هؤلاء الذين عناهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقوله كما روي : هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء قريش (1) .
  ومما ورد فيه : الرؤيا التي رآها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فوجم لها وقالوا : فما رُئى بعدها ضاحكاً  ، حيث رأى نفراً من بني أمية ينزون على منبره نزوة القرد (2)   ، ويزيد واحد منهم بلا شك. وقد أظهر كفره بقوله :
لعبت   هاشم   بالملك   iiفلا      خبر جاء ولا وحي نزل  (3)
  وهل ينسى أحد فعلة يزيد مع الحسين ( عليه السلام )   ، وسبيه لنسائه وأهل بيته ( عليهم السلام ) ... وهدمه للكعبة ... وإباحته للمدينة ثلاثة أيام  ، وتسميتها بالخبيثة بدل الطيِّبة مراغمة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) ؟! (4) وقال المسعودي : جلس ـ يزيد ـ ذات يوم على شرابه  ، وعن يمينه ابن زياد وذلك بعد قتل الحسين ( عليه السلام )   ، فأقبل على ساقيه  ، فقال :

اسقني  شَرْبةً تُرَوِّي عِظَامي       ثُمَّ  مِلْ فَاسْقِ مِثْلَها ابنَ iiزيادِ
صَاحِبَ السرِّ والأَمَانَةِ عندي      وَلِتَسْدِيدِ   مَغْنَمِي   iiوَجِهَادِي

---------------------------
(1) المعجم الصغير  ، الطبراني : 200 .
(2) شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 15/175 .
(3) تأريخ الطبري : 8/188 .
(4) انظر : شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 9/238 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 659 _

  ثمَّ أمر المغنّين فغنّوا به (1) .
  وهذه كلّها أحقاد بدريّة وحنينيّة  ، فاستأصلوا ذرّيّة النبي ( صلى الله عليه وآله )   ، جاء في دعاء الندبة في حقّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ولا تأخذه في الله لومة لائم  ، قد وتر فيه صناديد العرب  ، وقتل أبطالهم  ، وناوش ذؤبانهم  ، فأودع قلوبهم أحقاداً بدريّة  ، وخيبريّة وحنينيّة وغيرهنَّ  ، فأضبَّت على عداوته  ، وأكبَّت على منابذته  ، حتى قتل الناكثين والقاسطين والمارقين  ، ولمَّا قضى نحبه  ، وقتله أشقى الآخرين  ، يتبع أشقى الأولين لم يُمتثل أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الهادين بعد الهادين  ، والأمَّة مصرَّة على مقته  ، مجتمعة على قطيعة رحمه  ، وإقصاء ولده إلاَّ القليل ممن وفى لرعاية الحقّ فيهم  ، فقُتل من قُتل  ، وسُبي من سُبي  ، وأُقصي من أُقصي .
  وقد أشار إلى ذلك أيضاً أمير المؤمنين صلوات الله عليه  ، في كلامه في أسباب حقد قريش عليه  ، فقد روي أنه قال ( عليه السلام ) : اللهمَّ إني أستعديك على قريش  ، فإنّهم أضمروا لرسولك ( صلى الله عليه وآله ) ضروباً من الشرِّ والغدر  ، فعجزوا عنها  ، وحلت بينهم وبينها  ، فكانت الوجبة بي  ، والدائرة عليَّ  ، اللهمَّ احفظ حسناً وحسيناً  ، ولا تُمكِّن فجرة قريش منهما ما دمت حيّاً  ، فإذا توفَّيتني فأنت الرقيب عليهم  ، وأنت على كل شيء شهيد (2) .
  وروي أنه قال ( عليه السلام ) أيضاً : كل حقد حقدته قريش على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أظهرته فيَّ  ، وستُظهره في ولدي من بعدي  ، مالي ولقريش ؟! إنما وترتهم بأمر الله وأمر رسوله ( صلى الله عليه وآله ) أفهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين ؟ (3) .
  وكذلك حرب صفين هي الأخرى كانت لأحقاد بدريّة  ، كما قالت أمّ الخير

---------------------------
(1) مروج الذهب  ، المسعودي : 3/67 .
(2) شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 20/298  ، من حكمه المنسوبة إليه ( عليه السلام ) رقم : 413 .
(3) شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 2/328  ، من حكمه المنسوبة إليه ( عليه السلام ) رقم : 764 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 660 _

  بنت الحريش : كانت لإحن بدريّة  ، وأحقاد جاهليّة  ، وضغائن أحديّة  ، وثب بها معاوية حين الغفلة  ، ليُدرك بها ثارات بني عبد شمس (1) .
  قال القاضي النعمان المغربي : وهذه العداوة المحضة الأصيلة  ، وطلب القديم من ثأر الجاهليّة  ، لم يستطع مروان اللعين أن يخفيه  ، وبعثه السرور بقتل الحسين صلوات الله عليه  ، على أن أخذه بيده  ، وقال ما قاله. وقد كان علي ( عليه السلام ) أسره يوم الجمل  ، فمنَّ عليه وأطلقه  ، فما راعى ذلك ولا حفظه  ، بل قد شاور مروان معاوية اللعين في نبش قبر علي صلوات الله عليه لمَّا غلب على الأمر  ، فتمثَّل بقول الأول :
أَجْنَوا أَخَاهم في الحَفِيرِ وَوَسَّدُوا       أخاهم  وألقوا  عامراً  لم iiيُوسدِ
  يُحرِّضه بذلك على نبش قبر علي ( عليه السلام )   ، ويُذكِّره قتلى بدر من بني عبد الشمس  ، ومن قتل منهم على الكفر غير موسَّد ولا مدفون .
  ثمَّ استشار معاوية ـ في نبش قبر علي ( عليه السلام ) ـ عبدالله بن عامر بن كريز  ، فقال : ما أحبُّ أن تعلم مكان قبره  ، ولا أن تسأل عنه  ، ولا أحبُّ أن تكون هذه العقوبة بيننا وبين قومنا .
  فقبل معاوية من عبدالله ما أشار به عليه  ، وأعرض عن رأي مروان اللعين فيما أشار به من نبش قبر علي ( عليه السلام ) الذي استحباه ومنَّ عليه  ، وأطلقه من الأسر  ، ولكن غلب على اللعين الحقد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ; لما قتل من أهل بيته على الكفر بالله والشرك به ولعنه إياه  ، ولأن علياً ( عليه السلام ) أتى به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لمَّا أراد نفيه يقوده بإذنه (2) .
  وقال محمد بن حميد الرازي : لمَّا جيء برأس الحسين ( عليه السلام ) فوضع بين يدي

---------------------------
(1) بلاغات النساء  ، ابن طيفور : 38  ، تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 70/235 .
(2) شرح الأخبار  ، القاضي النعمان المغربي : 3/161 / 162 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 661 _

  يزيد تمثَّل بهذه الأبيات :
ليت   أشياخي  ببدر  iiشَهِدُوا      جَزَعَ الْخَزْرَجِ من وَقْعِ الأَسَلْ
  قال مجاهد : نافق فيها  ، والله ثمَّ والله ما بقي في جيشه أحد إلاّ تركه; أي ذَمَّه وعابه (1) .
  وفي رواية الطبري أنه قال :
ليت   أشياخي  ببدر  iiشَهِدُوا       جَزَعَ الْخَزْرَجِ من وَقْعِ الأَسَلْ
قد  قَتَلْنا  القَرْمَ  من  iiسَادَاتِكُمْ      وَعَدَلْنَا   مَيْلَ   بدر   فَاعْتَدَلْ
فأَهَلُّوا     واستهلُّوا     iiفَرَحاً      ثمَّ   قالوا  يا  يزيدُ  لاَ  iiتُشَلْ
لَسْتُ  من  خندفَ إِنْ لم iiأَنْتَقِمْ       من  بني  أَحْمَدَ  مَا  كَانَ فَعَلْ
لَعِبَتْ    هاشمُ   بالملكِ   iiفلا       خبرٌ  جاء  ولا  وَحْىٌ  نَزَلْ ii
  قال الطبري : هذا هو المروق من الدين  ، وقول من لا يرجع إلى الله  ، ولا إلى دينه  ، ولا إلى كتابه  ، ولا إلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ولا يؤمن بالله  ، ولا بما جاء من عند الله... (2) .
  وروى سبط ابن الجوزي  ، عن الزهري  ، قال : لمَّا جاءت الرؤوس كان يزيد في منظرة على رُبى جيرون فأنشد لنفسه :
لمَّا  بَدَتْ  تلك  الحُمُولُ  iiوأشرقت      تلك  الشُّمُوسُ  على  رُبَا  iiجَيْرُونِ
نَعَبَ الْغُرَابُ فَقُلْتُ صِحْ أَوْلاَ تَصِحْ      فلقد   قَضَيْتُ  مِنَ  الغريمِ  iiدُيُوني(3)
  ونقل ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر أنه قال : وأمّا مروان فأخبث عقيدة  ، وأعظم إلحاداً وكفراً  ، وهو الذي خطب يوم وصل إليه رأس الحسين ( عليه السلام ) إلى المدينة  ، وهو يومئذ أميرها  ، وقد حمل الرأس على يديه  ، فقال :

---------------------------
(1) البداية والنهاية  ، ابن كثير : 8/209 .
(2) تاريخ الطبري : 8/187 / 188  ، مقتل الحسين ( عليه السلام )   ، الخوارزمي : 2/58  ، الفتوح ابن الأعثم : 5/241  ، مقاتل الطالبيين  ، أبو الفرج الأصفهاني : 120 .
(3) تذكرة الخواص  ، سبط ابن الجوزي : 235 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 662 _

يا  حَبَّذا  بردُكَ  في اليدينِ      وَحُمْرَةٌ تجري على الْخَدَّيْنِ
   كأنَّما   بِتَّ   iiبِمَسْجِدَينِ
  ثمَّ رمى بالرأس نحو قبر النبي ( صلى الله عليه وآله )   ، وقال : يا محمد! يوم بيوم بدر  ، وهذا القول مشتقٌّ من الشعر الذي تمثَّل به يزيد بن معاوية ـ وهو شعر ابن الزبعرى ـ يوم وصل الرأس إليه  ، والخبر مشهور (1) .
  وقد صرَّح بذلك أيضاً عمرو بن سعيد  ، وقد كان على المدينة يوم قُتل الإمام السبط ( عليه السلام )   ، قال عوانة بن الحكم : لمَّا قُتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) دعا عبيدالله بن زياد عبد الملك بن أبي الحرث السلمي  ، وبعثه إلى المدينة ليبشِّر عمرو بن سعيد  ، فدخل السلمي على عمرو  ، فقال : ما وراءك ؟ فقال : ما سرَّ الأمير  ، قُتل الحسين ابن علي ( عليه السلام )   ، فقال : نادِ بقتله  ، فناديت بقتله  ، فلم أسمع والله واعية قط مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الحسين ( عليه السلام )   ، فقال عمرو وضحك :
عَجَّتْ  نساءُ بني زياد iiعَجَّةً       كعيجيجِ نِسْوَتِنَا غَدَاةَ الأَرْنَبِ(2)
  ثمَّ قال عمرو : هذه واعية بواعية عثمان بن عفان  ، ثمَّ صعد المنبر فأعلم الناس قتله (3) .
  وفي كتاب المثالب لأبي عبيدة قال : ثمَّ أومأ إلى القبر الشريف وقال : يا محمد! يوم بيوم بدر  ، فأنكر عليه قوم من الأنصار (4)   ، وقد تمثَّل مروان بن الحكم بهذا المثل لمَّا بلغه خبر مقتل الحسين ( عليه السلام ) فقال : يوم بيوم الحفض المجور (5)   ، يعني

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة  ، ابن ابي الحديد : 4/71 / 72 .
(2) وقعة الأرنب كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب من رهط عبد المدان  ، والبيت المذكور لعمرو بن معد يكرب .
(3) تاريخ الطبري : 4/356 / 357  ، حوادث سنة 61 هـ .
(4) شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 4/72 .
(5) الحفض : الخباء  ، المجور : الساقط .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 663 _

  يوم بيوم عثمان (1)   ، وروي أيضاً أن هذا المثل قاله سعيد بن العاص حين سمع صراح النساء لمقتل الحسين ( عليه السلام ) (2) .
  وفي بعض الروايات ثمَّ خرج عمرو بن سعيد إلى المنبر فخطب الناس  ، ثمَّ ذكر حسيناً وما كان من أمره  ، فقام ابن أبي حبيش ـ أحد بني أسد بن عبد العزى بن قصي ـ فقال : أما لو كانت فاطمة ( عليها السلام ) حيَّةً لأحزنها ما ترى! (3) .
  فقال عمرو : اسكت لا سكتَّ ... (4) .
  ولله درّ السيد جعفر الحلي رحمه الله إذ يقول :
اللهُ    أيُّ   دَم   في   كربلا   iiسُفِكا      لم يَجْرِ في الأرضِ حتَّى أَوْقَفَ الفَلَكا
وأيُّ  خيلِ  ضلال  بالطفوفِ  عَدَتْ      على   حريمِ   رسولِ   اللهِ  iiفانْتُهِكَا
يومٌ   بحاميةِ   الإسلامِ  قد  iiنَهَضَتْ      له    حَمِيَّةُ    دينِ   اللهِ   إِذْ   iiتُرِكا
رأى    بأنَّ    سبيل    الغَيِّ   مُتَّبَعٌ      والرُّشْدُ   لم   يَدْرِ   قومٌ   أيَّةً  iiسَلَكا
والناسُ    عَادَتْ   إليهم   iiجَاهِلِيَّتُهُمْ      كأنَّ   مَنْ   شَرَعَ  الإسلامَ  قَدْ  iiأَفِكَا
وقد     تَحَكَّمَ     بالإسلامِ    iiطَاغِيةٌ      يُمْسِي   ويُصْبِحُ   بالْفَحْشَاءِ  iiمُنْهَمِكَا
لم  أَدْرِ  أينَ  رجالُ المسلمينَ iiمَضَوا      وكيف   صار   يزيدٌ   بينَهُمْ   iiمَلِكَا
العاصِرُ   الخَمْرِ  من  لُؤْم  iiبعُنْصُرِهِ      ومن   خَسَاسَةِ  طَبْع  يَعْصُرُ  iiالْوَدَكا
لَئِنْ  جَرَتْ  لَفْظَةُ  التوحيدِ  في  فَمِهِ      فسيفُهُ   بسوى   التوحيدِ   مَا   iiفَتَكا
قد  أصبح  الدينُ  منه  يشتكي iiسَقَماً      وَمَا   إلى  أَحَد  غيرِ  الحسينِ  iiشَكَا
فَمَا  رأى  السِّبْطُ  للدينِ الحنيفِ iiشِفَاً      إلاَّ   إذا   دَمُهُ   في   كربلا   iiسُفِكَا

---------------------------
(1) لاحظ : نثر الدرّ  ، الآبي : 6/170  ، رقم : 774 وص 221  ، رقم 1451 .
(2) نثر الدرّ : 6/221 ( الهامش ) .
(3) وفي بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 45/122  ، قال : فقام عبدالله بن السائب فقال : لو كانت فاطمة ( عليها السلام ) حيَّةً فرأت رأس الحسين ( عليه السلام ) لبكت عليه  ، فجبهه عمرو بن سعيد .
(4) ترجمة الإمام الحسين  ، ابن عساكر : 339 ، ( في الهامش ) تحقيق العلامة المحمودي رحمه الله تعالى .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 664 _

وَمَا سَمِعْنا عليلا لا علاجَ له      إلاَّ  بِنَفْسِ  مُدَاويهِ  إِذَا iiهَلَكَا
بِقَتْلِهِ فَاحَ للإسلامِ نَشْرُ iiهُدَىً      فكلَّما  ذَكَرَتْه  المسلمون iiذَكَا (1)

المجلس الحادي والثلاثون :

مقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) وفداحتهفي كلمات الصحابة وغيرهم :
  روى الشيخ المفيد عليه الرحمة عن عبدالله بن سنان  ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) أنه قال في مصرع سيد الشهداء ( عليه السلام ) وأهل بيته : يعزّ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مصرعهم  ، ولو كان في الدنيا يومئذ حيّاً لكان ( صلى الله عليه وآله ) هو المعزَّى بهم (2) .
  وروي عن محمد بن عمرو بن حسن  ، قال : كنّا مع الحسين ( عليه السلام ) بنهري كربلاء  ، فنظر إلى شمر بن ذي الجوشن فقال : صدق الله ورسوله  ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كأنّي أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي  ، وكان شمر قبَّحه الله أبرص (3) .
  وروي عن أبي ضمرة أنس بن عياض  ، قال : قيل للإمام جعفر صلوات الله عليه : كم تتأخَّر الرؤيا ؟ فقال ( عليه السلام ) : رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كأن كلباً أبقع يلغ في دمه  ، فكان شمر بن ذي الجوشن لعنه الله قاتل الحسين ( عليه السلام )   ، وكان أبرص  ، فكان تأويل الرؤيا بعد خمسين سنة (4) .

---------------------------
(1) رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 230 .
(2) المزار  ، محمد بن المشهدي : 473 / 474  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 45/63 ح 3 .
(3) البداية والنهاية  ، ابن كثير : 8/205 .
(4) بهجة المجالس وأنس المجالس : 3/149  ، حياة الحيوان  ، الدميري : 1/87 و 2 / 255  ، نثر الدرّ  ، الآبي : 7/253 : تاريخ الخميس : 2/334 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 665 _

  فدم الحسين ( عليه السلام ) هو من دم رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وهو منه  ، وقد استفاض الخبر أنه قال في حقّه : حسين مني وأنا من حسين  ، فكيف لا يكون مفجوعاً به ؟ وكيف لا يكون أعظمَ الناس حسرةً وتفجُّعاً وحزناً عليه ؟ ورحم الله منصور النمري إذ يقول في حزن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على سبطه وريحانته الحسين ( عليه السلام ) :
وَيْلَكَ   يَا   قَاتِلَ  الحسينِ  iiلَقَدْ       بُؤْتَ   بحَمْل   يَنُوءُ  iiبالحاملِ
أيَّ   حِباً   حَبَوْتَ   أحمدَ  iiفي       حُفْرَتِهِ   من   حرارةِ   iiالثَّاكِلِ
تَعَالَ   فاطْلُبْ   غداً   iiشَفَاعَتَهُ      وانْهَضْ فَرِدْ حَوْضَه مع الناهلِ(1)
  فمما لا شك فيه أن أول من يُعزَّى بالحسين ( عليه السلام ) هو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جدّه  ، الذي طالما كان يفدّيه بنفسه الشريفة  ، وقد كان يحمله وأخاه على منكبيه  ، وهو سبطه وفرخه وثمرة فؤاده  ، والحسين ( عليه السلام ) هو المذكِّر برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومحيي سنّته  ، وحافظ شريعته  ، وكان الناس إذا رأوا الحسين ( عليه السلام ) يرون في وجهه رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ويتذكَّرون مكانه منه  ، وكيف كانت منزلته عنده  ، قال زهير بن القين رضي الله تعالى عنه ـ لعذرة بن قيس لما عاتبه على اتباعه للحسين ( عليه السلام ) ـ : فلمَّا رأيته ذكرت به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومكانه منه  ، وعرفت ما يقدم عليه من عدوِّه  ، فرأيت أن أنصره  ، وأن أكون في حزبه  ، وأن أجعل نفسي دون نفسه  ، حفظاً لما ضيَّعتم من حق الله وحقَّ رسوله ( صلى الله عليه وآله ) (2) .
  فإنّا لله وإنا إليه راجعون  ، فقد انتهكوا حرمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقتلهم الحسين وأهل بيته وأولاده  ، ومن يشكّ في ذلك ؟ فقد روي عن سيّد شباب أهل الجنة صلوات الله عليه أنه قال لما قُتل علي الأكبر ( عليه السلام ) : قتل الله قوماً قتلوك  ، يا بنيّ ما أجرأهم على الله  ، وعلى انتهاك حرمة الرسول ( صلى الله عليه وآله )   ، ثمَّ قال : على الدنيا بعدك

---------------------------
(1) أسد الغابة  ، ابن الأثير : 2/21 / 22 .
(2) تاريخ الطبري : 3/314 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 666 _

  العفا (1) .
  وقال ( عليه السلام ) أيضاً ـ وهو قائم على رأس القاسم ( عليه السلام ) بعد أن ضُرب بالسيف على رأسه وسقط إلى الأرض وصار يفحص برجليه في التراب : بعداً لقوم قتلوك  ، ومَنْ خَصمُهم يوم القيامة فيك جدُّك ( صلى الله عليه وآله ) (2) .
  وممن احتجَّ على القوم وذكّرهم بحقّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حفظ عترته وأهل بيته ( عليهم السلام ) زهير بن القين رضي الله عنه  ، إذ أقبل على القوم حينما رآهم مصرّين على قتل الحسين ( عليه السلام ) وسفك دمه ودماء أهل بيته فرفع صوته قائلا : عباد الله  ، لا يغرّنّكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه ـ يعني عمر بن سعد ـ فوالله لا تنال شفاعة محمد ( صلى الله عليه وآله ) قوماً أراقوا دماء ذرّيّته وأهل بيته  ، وقتلوا من نصرهم وذبَّ عن حريمهم (3) .
  هذا وقد ذكَّر جماعة من الصحابة بحبِّ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) للحسين ( عليه السلام ) وبإكثاره من تقبيله  ، روي عن أنس بن مالك قال : لمَّا قُتل الحسين أُتي برأسه إلى عبيدالله بن زياد  ، فجعل ينكت بقضيبه على ثناياه  ، وقال : إنه كان لحسن الثغر  ، فقلت : أما والله لأسوأنَّك  ، فقال : لقد رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقبِّل موضع قضيبك من فيه (4) .
   وفي رواية قال : إنه كان أشبههم برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (5) .
  ولله درّ بعض الشعراء إذ يقول :
كان  النبيُّ  يُحِبُّ يَلْثُمُ iiثَغْرَهُ      قَعَدَ  اللعينُ  يَدُقُّ  أَكْرَمَ مَلْثَمِ
وغدا  يُعَفِّرُ خَدَّه فَوْقَ iiالثَّرَى      ظُلْماً وَضَرَّجَ عَارِضَيْهِ بالدَّمِ

---------------------------
(1) مقاتل الطالبيين  ، أبو الفرج الإصفهاني : 76  ، تاريخ الطبري : 3/331 .
(2) تاريخ الطبري : 3/331 .
(3) تاريخ الطبري : 3/320 .
(4) مسند أبي يعلى : 7/61 ح 3981  ، سير أعلام النبلاء  ، الذهبي : 3/314 .
(5) البداية والنهاية  ، ابن كثير : 8/206 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 667 _

قُتِلَ   الحسينُ  فَيَا  سَمَاءُ  iiتَفَطَّري      حُزْناً    وَيَادَارَ   السُّرُورِ   تَهَدَّمي
يَا أَعْيُنَ السُّحْبِ اقتدي بي في البُكَا      يَا  وِرْقُ  مِنْ  نَوْحي  عليه iiتعلَّمي(1)
  وروي عن أبي داود السبيعي  ، عن زيد بن أرقم قال : كنت عند عبيد الله فأتي برأس الحسين ( عليه السلام )   ، فأخذ قضيباً فجعل يفترّ به عن شفتيه  ، فلم أر ثغراً كان أحسن منه كأنَّه الدرّ  ، فلم أملك أن رفعت صوتي بالبكاء  ، فقال : ما يبكيك أيُّها الشيخ ؟ قلت : يبكيني ما رأيت من رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، رأيته يمصُّ موضع هذا القضيب ويلثمه  ، ويقول : اللهم إني أحبُّه فأحبَّه (2) .
  وروى ابن الأثير  ، قال : ولمّا قُتل الحسين ( عليه السلام ) أرسل عمر رأسه ورؤوس أصحابه إلى ابن زياد  ، فجمع الناس وأحضر الرؤوس  ، وجعل ينكت بقضيب بين شفتي الحسين  ، فلمَّا رآه زيد بن أرقم لا يرفع قضيبه قال له : اعل بهذا القضيب  ، فوالذي لا إله غيره  ، لقد رأيت شفتي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على هاتين الشفتين يقبِّلهما  ، ثمَّ بكى  ، فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك  ، فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت لضربت عنقك  ، فخرج وهو يقول : أنتم ـ يا معشر العرب ـ العبيد بعد اليوم  ، قتلتم الحسين بن فاطمة ( عليها السلام ) وأمَّرتم ابن مرجانة  ، فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم (3) .
  وقال أبو مخنف : عن سليمان بن أبي راشد  ، عن حميد بن مسلم قال : دعاني عمر بن سعد فسرَّحني إلى أهله لأبشِّرهم بما فتح الله عليه وبعافيته  ، فأجد ابن زياد قد جلس للناس  ، وقد دخل عليه الوفد الذين قدموا عليه  ، فدخلت فيمن دخل  ، فإذا رأس الحسين ( عليه السلام ) موضوع بين يديه  ، وإذا هو ينكت فيه بقضيب بين ثناياه ساعة  ، فقال له زيد بن أرقم : ارفع هذا القضيب عن هاتين الثنيتين  ، فوالله

---------------------------
(1) المنتخب  ، الطريحي : 187 .
(2) سير أعلام النبلاء  ، الذهبي : 3/314 .
(3) أسد الغابة  ، ابن الأثير : 2/21  ، تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 41/365 / 366 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 668 _

  الذي لا إله إلاّ هو  ، لقد رأيت شفتي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على هاتين الثنيتين يقبِّلهما  ، ثم انفضح الشيخ يبكي  ، فقال له ابن زياد : أبكى الله عينك  ، فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك .
  قال : فنهج فخرج  ، فلمّا خرج قال الناس : والله لقد قال زيد بن أرقم كلاماً لو سمعه ابن زياد لقتله  ، قال : فقلت : ما قال ؟ قالوا : مرّ بنا وهو يقول : مَلَكَ عبدٌ عبيداً فاتَّخَذَهُمْ تليداً  ، أنتم ـ يا معشر العرب ـ العبيد بعد اليوم  ، قتلتم ابن فاطمة  ، وأمَّرتم ابن مرجانة  ، فهو يقتل خياركم  ، ويستعبد شراركم  ، فبعداً لمن رضي بالذلّ (1) .
  وعن حبيب بن يسار قال : لما أصيب الحسين بن علي ( عليه السلام ) قام زيد بن أرقم على باب المسجد فقال : أفعلتموها ؟ أشهد لسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : اللهم إني أستودعكهما وصالح المؤمنين  ، فقيل لعبيدالله بن زياد : إن زيد بن أرقم قال كذا وكذا  ، قال : ذاك شيخ قد ذهب عقله (2) .
  وقال الطبري في دخول أهل البيت ( عليهم السلام ) على يزيد : ثم أذن للناس فدخلوا والرأس بين يديه  ، ومع يزيد قضيب فهو ينكت به في ثغره  ، ثمَّ قال : إن هذا وإيانا كما قال الحصين بن الحمام المري :
يفلِّقْنَ  هَاماً من رِجَال iiأَحِبَّة      إلينا وَهُمْ كانوا أَعَقَّ وَأَظْلمَا
  قال : فقال رجل من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقال له أبو برزة الأسلمي : أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين ؟ أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً لربما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يرشفه  ، أما إنك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك  ،

---------------------------
(1) البداية والنهاية  ، ابن كثير : 8/207 .
(2) مجمع الزوائد  ، الهيثمي : 9/194 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 669 _

  ويجيء هذا يوم القيامة ومحمد ( صلى الله عليه وآله ) شفيعه  ، ثمَّ قام فولَّى (1) .
  وعن عمَّار الدهني  ، عن جعفر قال : لمَّا وضع رأس الحسين بين يدي يزيد وعنده أبو برزة وجعل ينكت بالقضيب فقال له : ارفع قضيبك  ، فلقد رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يلثمه (39) .
  وقال البُري : وأتي يزيد برأس الحسين ( عليه السلام )   ، فلمّا وضع بين يديه جعل ينكت أسنانه بقضيب كان في يده  ، ويقول : كان أبو عبدالله صبيحاً  ، فقال له النعمان بن بشير : ارفع يدك ـ يا يزيد ـ عن فم طالماً رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقبِّله  ، قال : فاستحيى يزيد  ، وأمر برفع الرأس (2) .
  قال بعض الرواة : واستشار يزيد أهل الشام فيمن بقي من ولد الحسين ( عليه السلام ) وولد أخيه الصغار  ، فقال له النعمان بن بشير : اصنع بهم.. ما كان يصنع بهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لو رآهم على هذه الحال  ، فأمر بإنزالهم (3) .
  ولله درّ السيد الشريف الرضي عليه الرحمة إذ يقول :
يَا  رَسُولَ  اللهِ لو iiعَايَنْتَهُمْ       وَهُمُ   ما  بين  قَتْل  iiوَسِبَا
لَرَأَتْ  عَيْنَاكَ منهم iiمَنْظَراً        لِلْحَشَى شَجْواً وللعينِ قَذَى
  ولمَّا جيء برأس الحسين ( عليه السلام ) أمر ابن زياد فنودي : الصلاة الجامعة  ، فاجتمع الناس  ، فصعد المنبر فذكر ما ذكر من بذيء القول  ، فقام إليه عبدالله بن عفيف الأزدي فقال : ويحك يا بن زياد!! تقتلون أولاد النبيين وتتكلَّمون بكلام الصديقين! فأمر به ابن زياد فقتل وصلب (4) .

---------------------------
(1) تاريخ الطبري : 3/298 و 341  ، أسد الغابة  ، ابن الأثير : 5/20 .
(2) البداية والنهاية  ، ابن كثير : 8/209 .
(3) الجوهرة في نسب الإمام علي وآله  ، البري : 45 / 46 .
(4) الجوهرة في نسب الإمام علي وآله  ، البري : 44 / 45  ، البداية والنهاية  ، 8/213 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 670 _

  وعن ابن أبي نعم قال : جاء رجل إلى ابن عمر وأنا جالس  ، فسأله عن دم البعوض  ، قال له : ممن أنت ؟ قال : من أهل العراق  ، قال : ها انظروا إلى هذا  ، يسأل عن دم البعوض  ، قد قتلوا ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : هما ريحانتي من الدنيا (1) .
  وروي أنه لمَّا بلغ قتل الحسين ( عليه السلام ) إلى الحسن البصري بكى حتى اختلج منكباه  ، وقال : واذلاّه لأمه قتل ابنُ دعيِّها ابنَ نبيها ( صلى الله عليه وآله ) (2) .
  وقال الزهري : لمّا بلغ الحسن البصري خبر قتل الحسين ( عليه السلام ) بكى حتى اختلج صدغاه  ، ثم قال : أذلَّ الله أمة قتلت ابن نبيها  ، والله ليردَّنَّ رأس الحسين إلى جسده  ، ثم لينتقمن له جدّه وأبوه من ابن مرجانة (3) .
  وروى شريك  ، عن مغيرة قال : قالت مرجانة لابنها عبيدالله : يا خبيث  ، قتلت ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والله لا ترى الجنة أبداً (4) .
  وعن القاسم بن بخيت قال : لما أقبل وفد الكوفة برأس الحسين ( عليه السلام ) دخلوا به مسجد دمشق  ، فقال لهم مروان بن الحكم : كيف صنعتم ؟ قالوا : ورد علينا منهم ثمانية عشر رجلا فأتينا والله على آخرهم  ، وهذه الرؤوس والسبايا  ، فوثب مروان وانصرف  ، وأتاه أخوه يحيى بن الحكم فقال : ما صنعتم ؟ فقالوا له مثل ما قالوا لأخيه  ، فقال لهم : حُجبتم عن محمد ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة  ، لن أجامعكم على أمر أبداً  ، ثم قام فانصرف (5).
  وعن إبراهيم النخعي قال : لو كنت فيمن قتل الحسين  ، ثم غُفر لي ثم أُدخلت

---------------------------
(1) مسند أحمد : 2/93 و 114  ، المعجم الكبير  ، الطبراني : 3/127 ح 2884 .
(2) الرد على المتعصب العنيد  ، ابن الجوزي : 45 .
(3) ينابيع المودة  ، القندوزي : 3/48 .
(4) تهذيب التهذيب  ، ابن حجر : 2/308  ، تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 37/451 .
(5) البداية والنهاية  ، ابن كثير : 8/213  ، تاريخ الطبري : 3/341 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 671 _

  الجنة استحييت أن أمرَّ على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فينظر في وجهي (1) .
  وروي عن عمر بن عبدالعزيز أنه قال : لو كنت من قتلة الحسين ( عليه السلام ) وغُفر لي وأدخلني الجنة لما دخلتها حياءً من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (2) .
   وفي رواية أخرى قال : لو كنت في قتلة الحسين ( عليه السلام )   ، وقيل لي إدخل الجنة لما فعلت  ، حياءً أن تقع عليَّ عين محمد ( صلى الله عليه وآله ) (3) .
  وقيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد : ويحك! أقتلتم ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ! فقال : عضضت بالجندل  ، إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا  ، ثارت علينا عصابة  ، أيديها في مقابض سيوفها  ، كالأسود الضارية  ، تحطّم الفرسان يميناً وشمالا  ، وتلقي أنفسها على الموت  ، لا تقبل الأمان  ، ولا ترغب في المال  ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية  ، أو الاستيلاء على الملك  ، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها  ، فما كنّا فاعلين لا أم لك! (4) وقال الربيع بن خثيم لما بلغه قتل الحسين ( عليه السلام ) : لقد قتلوا صبية لو جاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من سفر لضمَّهم إليه (5) .
  وقال ابن سعد : كان أبو عثمان النهدي من ساكني الكوفة  ، ولم يكن له بها دار لبني نهد  ، فلمّا قُتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) تحوَّل فنزل البصرة  ، وقال : لا أسكن بلداً قُتل فيه ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وكان قد أدرك النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) ولم يره (6) .

---------------------------
(1) المعجم الكبير  ، الطبراني : 3/112 ح 2829  ، مجمع الزوائد  ، الهيثمي : 9/195  ، قال : رواه الطبراني ورجاله ثقات  ، تهذيب الكمال  ، المزي : 25/153  ، رقم : 5184  ، الإصابة  ، ابن حجر :  2/81 .
(2) وفيات الأعيان  ، ابن خلكان : 6/353  ، نثرّ الدر  ، الآبي : 5/209  ، العقد الفريد  ، الأندلسي : 2/175 .
(3) ربيع الأبرار  ، الزمخشري : 3/344  ، نثر الدرّ  ، الآبي : 2/117 .
(4) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 3/263 .
(5) كتاب الرد على المتعصب العنيد  ، ابن الجوزي : 45 .
(6) الطبقات الكبرى  ، ابن سعد : 7/98  ، المنتخب من ذيل المذيل  ، الطبري : 121 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 672 _

  وذكر الحسين بن علي الكاتب أن عبيدالله بن سليمان تلاحى مع ابن الأشنب  ، وتشاجر معه على أي شيء كان أشدَّ ما كان في الإسلام على المسلمين ؟ فقال عبيدالله بن سليمان  ، هو قتل الحسين ( عليه السلام )   ، لأن المسلمين يئسوا بعد قتله من كل فرج يرتجونه  ، وعدل ينتظرونه  ، ولما سُئل الكاتب عن ذلك قال : إن أشدَّه على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فهو الأشدَّ على المسلمين (1) .
  ولله در السيد المرتضى عليه الرحمة إذ يقول :
ألا إن يوم الطف أدمى محاجراً      وأودى    قلوباً   مالهن   iiدواء
وان  مصيبات  الزمان  iiكثيرة      ورب  مصاب  ليس منه عزاء
أرى  طخية  فينا فأين صباحها      وداء  على  داء  فأين شفاء  ii؟
وهل  لي  سلوان  وآل  iiمحمّد      شريدهم   ما  حان  منه  iiثواء(2)

---------------------------
(1) ثمار القلوب في المضاف والمنسوب  ، الثعالبي : 688 ـ 690 .
(2) الغدير  ، الاميني : 4/292 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 673 _

الخاتمة :

في يوم الأربعين وفيه أربعة مجالس :

المجلس الأول رجوع الإمام زين العابدين ( عليه السلام )مع عمَّاته و أخواته إلى كربلاء :

  جاء في الزيارة الناحية الشريفة : السلام على الشيب الخضيب  ، السلام على الخد التريب  ، السلام على البدن السليب  ، السلام على الثغر المقروع بالقضيب  ، السلام على الودج المقطوع  ، السلام على الرأس المرفوع  ، السلام على الأجسام العارية في الفلوات  ، تنهشُها الذئابُ العاديات  ، وتختلفُ إليها السباعُ الضاريات  ، السلام عليك يا مولاي  ، وعلى الملائكة المرفرفين حول قبتك  ، الحافين بتربتك  ، الطائفين بعرصتك  ، الواردين لزيارتك  ، السلام عليك فإني قصدت إليك  ، ورجوت الفوز لديك .
  السلام عليك  ، سلامَ العارف بحرمتك  ، المخلص في ولايتك  ، المتقرب إلى الله بمحبتك  ، البريء من أعدائِك  ، سلام مَنْ قلبُه بمصابك مقروح  ، ودمعُه عندَ ذكرِك مسفوح  ، سلامَ المفجوعِ المحزون  ، الوالهِ المستكين  ، سلامَ من لو كان معك بالطفوف

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 674 _

  لو قاك بنفسهِ حدَ السيوف  ، وبذلَ حشاشَتُه دونك للحُتوف  ، وجاهدَ بين يديك  ، ونصَرك على من بغى عليك  ، وفداك بروحهِ وجسدهِ  ، ومالهِ وولدهِ  ، وروحهِ لروحِكَ فداء  ، وأهلَه لأهلِك وقاء  ، فلإن أخرتني الدهورُ  ، وعاقني عن نَصركِ المقدور  ، ولم أكن لمن حاربك محارباً  ، ولمن نصب لك العداوةَ مناصباً  ، فلأندبك صباحاً ومساء  ، ولأبكينَ عليك بدلَ الدموعِ دماً  ، حسرةً عليك وتأسُفاً على ما دهاك وتلهفاً  ، حتى أموت بلوعةِ المصاب  ، وغصةِ الاكتياب (1) .
  روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن الحارث بن كعب  ، عن فاطمة بنت علي صلوات الله عليهما : ثمَّ أن يزيد ( لعنه الله ) أمر بنساء الحسين ( عليه السلام ) فحُبسن مع علي بن الحسين ( عليهما السلام ) في محبس لا يكنُّهم من حرّ ولا قرّ  ، حتى تقشَّرت وجوههم  ، ولم يُرفع ببيت المقدس حجر عن وجه الأرض إلاَّ وجد تحته دم عبيط  ، وأبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء كأنها الملاحف المعصفرة  ، إلى أن خرج علي بن الحسين ( عليهما السلام ) بالنسوة  ، وردَّ رأس الحسين ( عليه السلام ) إلى كربلاء (2) .
  وفي كتاب لواعج الأشجان للسيد محسن الأمين عليه الرحمة قال : وكان يزيد وعد علي بن الحسين ( عليهما السلام ) يوم دخولهم عليه أن يقضي له ثلاث حاجات  ، فقال له : اذكر حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهن  ، فقال له : الأولى : أن تريني وجه سيِّدي ومولاي وأبي الحسين ( عليه السلام ) فأتزوَّد منه  ، وأنظر إليه وأودّعه  ، والثانية : أن تردَّ علينا ما أُخذ منّا  ، والثالثة : إن كنت عزمت على قتلي أن توجِّه مع هؤلاء النساء مَنْ يردُّهن إلى حرم جدِّهم ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أمّا وجه أبيك فلن تراه أبداً  ، وأمَّا قتلك فقد عفوت عنك  ، وأمَّا النساء فما يردُّهن غيرك إلى المدينة  ، وأمَّا ما أُخذ منكم فأنا أعوِّضكم عنه أضعاف قيمته .

---------------------------
(1) المزار  ، المشهدي : 500 ـ 501 .
(2) الأمالي  ، الصدوق : 231 / 232 ح 4 .

المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينيّة _ 675 _

  فقال ( عليه السلام ) : أمَّا مالك فلا نريده  ، وهو موفَّرٌ عليك  ، وإنما طلبت ما أخذ منّا لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله )   ، ومقنعتها  ، وقلادتها  ، وقميصها  ، فأمر بردِّ ذلك  ، وزاد فيه من عنده مأتي دينار  ، فأخذها زين العابدين وفرَّقها في الفقراء والمساكين .
  وفي رواية : إن يزيد قال لعلي بن الحسين ( عليهما السلام ) : إن شئت أقمت عندنا فبررناك  ، وإن شئت رددناك إلى المدينة  ، فقال : لا أريد إلاَّ المدينة.
  ثمَّ إن يزيد لعنه الله أمر بردِّ السبايا والأسارى إلى المدينة  ، وأرسل معهم النعمان بن بشير الأنصاري في جماعة  ، فلمَّا بلغوا إلى العراق قالوا للدليل : مرَّ بنا على طريق كربلاء  ، فلمَّا وصلوا إلى موضع المصرع وجدوا جابر بن عبدالله الأنصاري  ، وجماعة من بني هاشم  ، ورجالا من آل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قد وردوا لزيارة قبر الحسين ( عليه السلام )   ، فتوافوافي وقت واحد  ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم  ، وأقاموا المأتم  ، واجتمع إليهم أهل ذلك السواد  ، وأقاموا على ذلك أياماً .
 وعن كتاب بشارة المصطفى وغيره  ، بسنده عن عطية العوفي قال : خرجت مع جابر بن عبدالله الأنصاري ( رضي الله عنه ) زائراً قبر الحسين ( عليه السلام )   ، فلمَّا وردنا كربلاء دنا جابر من شاطىء الفرات فاغتسل  ، ثمّ اتّزر بإزار وارتدى بآخر  ، ثمَّ فتح صرَّة فيها سعد فنثرها على بدنه  ، ثمَّ لم يخطُ خطوة إلاَّ ذكر الله تعالى  ، حتى إذا دنا من القبر قال : ألمسنيه  ، فألمسته إيَّاه  ، فخرَّ على القبر مغشيّاً عليه  ، فرششت عليه شيئاً من الماء  ، فلمَّا أفاق قال : يا حسين ـ ثلاثاً ـ ثمَّ قال : حبيب لا يجيب حبيبه  ، ثمَّ قال : وأنَّى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على أثباجك  ، وفُرِّق بين بدنك ورأسك  ، أشهد أنّك ابن خير النبيين  ، وابن سيِّد المؤمنين  ، وابن حليف التقوى  ، وسليل الهدى  ، وخامس أصحاب الكسا  ، وابن سيِّد النقبا  ، وابن فاطمة سيِّدة النساء  ، ومالك لا تكون هكذا وقد غذَّتك كفُّ سيِّد المرسلين  ، وربيت في حجر المتقين  ،