المؤلف :
  السيد المرتضى العسكرى
على مائدة الكتاب والسنة (8)


(يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (الرعد / 39)

بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة على محمد و آله الطاهرين ، و السلام على أصحابه البررة الميامين .
  و بعد : تنازعنا معاشر المسلمين على مسائل الخلاف في الداخل ففرق أعداء الإسلام من الخارج كلمتنا من حيث لا نشعر ، و ضعفنا عن الدفاع عن بلادنا ، و سيطر الأعداء علينا ، و قد قال سبحانه و تعالى : ( َأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) ( الأنفال / 46 ) .
  و ينبغي لنا اليوم و في كل يوم أن نرجع إلى الكتاب و السنة في ما اختلفنا فيه و نوحد كلمتنا حولهما ، كما قال تعالى : ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ) ( النساء / 59 ) .
  و في هذه السلسلة من البحوث نرجع إلى الكتاب و السنة و نستنبط منها ما ينير لنا السبيل في مسائل الخلاف ، فتكون بإذنه تعالى وسيلة لتوحيد كلمتنا .


 البداء  ـ 2 ـ

  راجين من العلماء أن يشاركونا في هذا المجال ، و يبعثوا إلينا بوجهات نظرهم على عنوان :
  بيروت ـ ص ، ب 124 / 24 العسكري
  البداء في اللغة و الإصطلاح
  البداء في اللغة
  للبداء في اللغة معنيان :

 البداء  ـ 3 ـ

  أ ـ بدا الأمر بدوا و بداء : ظهر ظهورا بينا .
  بـبداله في الأمر كذا : جد له فيه رأي ، نشأ له فيه رأي .
  البداء في مصطلح علماء العقائد الإسلامية بدا لله في أمر بداء ، أي : ظهر له في ذلك الأمر ما كان خافيا على العباد .

 البداء  ـ 5 ـ

  وأخطأ من ظن أن المقصود من بدا لله في أمر بداء جد له في ذلك الأمر غير الأمر الذي كان له قبل البداء ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .

البداء في القرآن الكريم
  أ ـ قال الله تعالى في سورة الرعد:
  ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ) ( الآيتان 7 و 27 ) .
  ثم قال تعالى :
  ( أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ * وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ * أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ ) ( الآيات 38 ـ 40 ) .

 البداء  ـ 6 ـ

  شرح الكلمات
  1 ـ آية :
  الآية في اللغة : العلامة الظاهرة كما قال الشاعر :
  و في كل شي‏ء له آية تدل على أنه واحد و سميت معجزات الأنبياء آية لأنها علامة على صدقهم و على قدرة الله ، الذي مكنهم من الإتيان بتلك المعجزة ، مثل عصا موسى و ناقة صالح ، كما جاءت في الآية (67) من سورة الشعراء و الآية (73) من سورة الأعراف .
  وكذلك سمى القرآن أنواع العذاب الذي أنزله الله على الأمم الكافرة بالآية و الآيات ، كقوله تعالى في سورة الشعراء عن قوم نوح : ( ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً ) ( الآيتان / 120 ـ 121 ) .

 البداء  ـ 7 ـ

  و عن قوم هود :
  ( فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً ) ( الآية / 139 ) .
  وعن قوم فرعون في سورة الأعراف :
  ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ ) ( الآية / 133 ) .

 البداء  ـ 8 ـ

  2 ـ أجل :
  الأجل : مدة الشي‏ء و الوقت الذي يحدد لحلول أمر و انتهائه ، يقال : جاء أجله اذا حان موته ، و ضربت له أجلا : أي‏وقتا محددا لعمله .
  3 ـ كتاب :
  للكتاب معان متعددة ، و المقصود منها هنا : مقدار مكتوب أو مقدر ، و يكون معنى (لكل أجل كتاب) : لوقت إتيان الرسول بآية زمان مقدر معين .

 البداء  ـ 9 ـ

  4 ـ يمحو :
  محاه في اللغة : أزاله و أبطله ، أو أزال أثره ، مثل قوله تعالى :
  أ ـ في سورة الإسراء:
  ( فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَة ) ( الآية / 12 ) .
  و آية الليل هي الليل ، و محو الليل : إزالته .

 البداء  ـ 10 ـ

  ب ـ في سورة الشورى :
  ( وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ) ( الآية / 24 ) .
  أي يذهب بآثار الباطل .

 البداء  ـ 11 ـ

تفسير الآيات :
  أخبر الله سبحانه و تعالى في هذه الآيات أن كفار قريش طلبوا من رسول الله صلى الله عليه و آله أن يأتيهم بآيات ، كما بين طلبهم ذلك ‏في قوله تعالى في سورة الإسراء : ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا * ... أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا ) ( الآيتان /90 و 92 ) .
  وقال في الآية (38) من سورة الرعد: ( وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ ) مقترحة عليه ( بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ) و أن لكل أمر وقتا محددا سجل في كتاب .

 البداء  ـ 12 ـ

  و استثنى منه في الآية بعدها و قال : (يمحو الله ما يشاء) من ذلك الكتاب ما كان مكتوبا فيه من رزق و أجل و سعادة و شقاء و غيرها (و يثبت) ما يشاء مما لم يكن مكتوبا في ذلك الكتاب ( وعنده أم الكتاب ) ، أي : أصل الكتاب و هو اللوح المحفوظ ، الذي لا يتغير ما فيه و لا يبدل .
  و بناء على ذلك قال بعدها : (و إن ما نرينك بعض الذي نعدهم) من العذاب في حياتك ( أو نتوفينك ) قبل ذلك ( فإنما عليك البلاغ ) فحسب ...
  و يدل على ما ذكرناه ما رواه الطبري و القرطبي و ابن كثير في تفسير الآية وقالوا ما موجزه :
  إن عمر بن الخطاب كان يطوف بالبيت و يقول : اللهم إن‏كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها ، و إن كنت كتبتني في أهل الشقاوة و الذنب فامحني و أثبتني في أهل السعادة و المغفرة ، فإنك تمحو ما تشاء و تثبت ، و عندك أم الكتاب .

 البداء  ـ 13 ـ

  وروي عن ابن مسعود أنه كان يقول :
  اللهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم ، و إن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء و اكتبني في السعداء ، فإنك تمحو ما تشاء و تثبت ، و عندك أم الكتاب .
  وروي عن أبي وائل أنه كان يكثر أن يدعو : اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامح و اكتبنا سعداء ، و إن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ، فإنك تمحو ما تشاء و تثبت و عندك أم الكتاب (1) .
  وفي البحار : و إن كنت من الأشقياء فامحني من الأشقياء و اكتبني من السعداء،فإنك قلت في كتابك المنزل على نبيك صلواتك عليه و آله : ( يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أم‏الكتاب ) (2) .

**************************************************************
(1) أخرج الأحاديث الثلاثة الطبري بتفسير الآية و أبو وائل شفيق بن سلمة الأسدي الكوفي ، قال في ترجمته بتهذيب التهذيب : ثقة مخضرم ، أدرك عهد الصحابة و التابعين ، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز ، و له مائة سنة ، أخرج له جميع أصحاب الصحاح و السنن (10 : 354 ) .
(2) البحار 98 : 162 .

 البداء  ـ 14 ـ

  و استدل القرطبي ـ أيضا ـ على هذا التأويل بما روى عن صحيحي البخاري و مسلم أن رسول الله (ص) قال :
  ( من سره أن يبسط له في رزقه و ينسأ له في أثرهـأ جله ـ فليصل رحمه ) .
  و في رواية: ( من أحب أن يمد الله في عمره و يبسط له رزقه فليتق الله و ليصل رحمه ) (1) .
  و نقل عن ابن عباس أنه قال في جواب من سأله و قال : كيف يزاد في العمر و الأجل ؟

**************************************************************
(1) صحيح البخاري 3 : 34 كتاب الأدب ، باب 12 و 13 ، و صحيح مسلم : 1982 ، ح 20 و 21 من باب صلة الرحم ، و مسند أحمد 3 : 156 و 247 و 266 و 5 : 76 .


 البداء  ـ 15 ـ

  قال الله عز و جل : (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا و أجل مسمى عنده) ، فالأجل الأول أجل العبد من حين ولادته الى حين موته ، و الأجل الثاني ـ يعني المسمى عنده ـ من حين وفاته الى يوم يلقاه في البرزخ لا يعلمه إلا الله ، فإذا اتقى العبد ربه و وصل رحمه ، زاده الله في أجل عمره الأول ‏من أجل البرزخ ما شاء ، و اذا عصى و قطع رحمه ، نقصه الله من أجل عمره في الدنيا ما شاء ، فيزيده من أجل البرزخ ... الحديث (1) .
  و أضاف ابن كثير على هذا الإستدلال و قال ما موجزه : و قد يستأنس لهذا القول ما رواه أحمد و النسائي و ابن ماجة عن النبي (ص) أنه قال : ( إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه و لا يرد القدر إلا الدعاء و لا يزيد في العمر إلا البر ) (2) .
  و قال : و في حديث آخر :
  ( إن الدعاء و القضاء ليعت لجان بين السماء و الأرض) (3) .

**************************************************************
(1) تفسير القرطبي 9 : 329 ـ 331 .
(2) و الرواية في سنن ابن ماجة ، المقدمة ، باب 10 ، الحديث 90 .
(3) تفسير ابن كثير 2 : 519 .

 البداء  ـ 16 ـ

  كان ما ذكرناه وجها واحدا مما ذكروه في تأويل هذه الآية ، و ذكروا معها وجوها أخر في تأويل الآية مثل قولهم : إن المراد محو حكم و إثبات آخر ، أي نسخ الأحكام ، و الصواب في القول : إنه يعم الجميع ، و هذا ما اختاره القرطبي ـ أيضا ـ و قال :
  ... الآية عامة في جميع الأشياء و هو الأظهر و الله أعلم (1) .
  وروى الطبري و السيوطي عن ابن عباس في قوله تعالى : ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) ، قال : يقدر الله أمر السنة في ليلة القدر إلا السعادة و الشقاء (2) .
  ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ ) قال : من أحد الكتابين هما كتابان يمحو الله من أحدهما و يثبت ، ( وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) أي حملة الكتاب (3) .

**************************************************************
(1) تفسير القرطبي 9 : 329 .
(2) تفسير الطبري 13 : 111 و السيوطي و اللفظ للطبري .
(3) تفسير السيوطي 4 : 65 عن ابن جرير الطبري و الحاكم قال : و صححه .

 البداء  ـ 18 ـ

  ب ـ قال سبحانه و تعالى في سورة يونس :
  ( فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ) ( الآية / 98 ) .
  شرح الكلمات
  1 ـ كشفنا :
  كشف عنه الغم : أزاله ، و كشف العذاب : أزاله .

 البداء  ـ 19 ـ

  2 ـ الخزي :
  خزي خزيا : هان و افتضح .
  3 ـ حين :
  الحين : الوقت و المدة من غير تحديد في معناه بقلة أو كثرة .

 البداء  ـ 20 ـ

  تفسير الآية :
  قصة يونس بإيجاز كما في تفسير الآية بتفسير الطبري و القرطبي و مجمع البيان: (1) أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل و كانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله اليهم يونس عليه السلام يدعوهم الى الإسلام و ترك ما هم عليه فأبوا ، و تبعه منهم عابد و شيخ من بقية علمائهم ، و كان العابد يشير على‏يونس بالدعاء عليهم و العالم ينهاه و يقول له : لا تدع عليهم فان الله يستجيب لك و لا يحب هلاك عباده ، فقبل يونس قول العابد فأخبر الله تعالى أنه يأتيهم العذاب في شهر كذا في يوم كذا ، فأخبرهم يونس بذلك ، فلما قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد و بقي العالم فيهم ، و قال قومه : لم نجربـيونسـعليه كذبا ، فانظروا فإن بات فيكم الليلة فليس بشي‏ء ، و إن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم ، فلما كان في جوف الليل خرج يونس من بين أظهرهم ، و لما علموا ذلك و رأوا آثار العذاب و أيقنوا بالهلاك ذهبوا الى العالم فقال لهم : افزعوا الى الله فإنه يرحمكم و يرد العذاب عنكم ، فاخرجوا الى المفازة و فرقوا بين النساء و الأولاد و بين سائر الحيوان و أولادها ثم ابكوا و ادعوا ، ففعلوا : خرجوا الى الصعيد بأنفسهم و نسائهم و صبيانهم و دوابهم ، و لبسوا المسوح ، و أظهروا الإيمان و التوبة ، و أخلصوا النية ، و فرقوا بين كل والدة و ولدها من الناس و الأنعام ، فحن بعضها الى بعض ، و علت أصواتها ، و اختلطت أصواتها بأصواتهم ، و تضرعوا الى الله عز و جل و قالوا : آمنا بما جاء به يونس ، فرحمهم ربهم و استجاب دعاءهم و كشف عنهم العذاب بعد ما أظلهم ، بعد أن بلغ من توبتهم الى الله ، و ردوا المظالم بينهم ، حتى أن كان الرجل ليأتي الحجر و قد وضع عليه أساس بنيانه فيقتلعه و يرده ، و كذلك محا الله العذاب عن قوم يونس بعد أن تابوا ، و كذلك يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب .

**************************************************************
(1) مجمع البيان 3 : 135 ، القرطبي 8 : 384 ، الطبري 11 : 118 ،و الدر المنثور 3 : 317 .

 البداء  ـ 21 ـ

  ج ـ قال سبحانه و تعالى في سورة الأعراف :
  ( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) ( الآية / 142 ) .
  وقال في سورة البقرة :
  ( وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ ) ( الآية / 51 ) .
  البداء في روايات مدرسة الخلفاء روى الطيالسي و أحمد و ابن سعد و الترمذي و اللفظ للطيالسي بايجاز ، قال : قال رسول الله (ص) :
  ( إن الله أرى آدم ذريته فرأى رجلا أزهرا ساطعا نوره .
  قال : يا رب من هذا ؟ قال : هذا ابنك داود !

 البداء  ـ 22 ـ

  قال : يا رب فما عمره ؟
  قال : ستون سنة !
  قال : يا رب زد في عمره !
  قال : لا إلا أن تزيده من عمرك ! قال : و ما عمري ؟
  قال : ألف سنة ! قال آدم : فقد وهبت له أربعين سنة من عمري .
  . . . فلما حضره الموت و جاءته الملائكة قال : قد بقي من عمري أربعون سنة .
  قالوا : إنك قد وهبتها لداود . . . ) (1) .

**************************************************************
(1) الطيالسي : 350 ح 2692 . و مسند أحمد 1 : 251 و 298 و 371 ، و طبقات ابن سعد 1 : 7 ـ 9 ق 1 ط أوربا ، و سنن الترمذي 11 : 196 ـ 197 بتفسير سورة الأعراف ، و في البحار 4 : 102 ـ 103 عن الإمام الباقر عليه السلام باختلاف يسير في اللفظ .

 البداء  ـ 23 ـ

  هذه الرواية بالإضافة إلى ما سبق إيراده من أخبار آثار صلة الرحم و نظائرها بمدرسة الخلفاء من مصاديق ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) .
  و قد سمى أئمة أهل البيت عليهم السلام المحو و الاثبات بالبداء ، كما سندرسه إن شاء الله تعالى في ما يأتي .
  البداء في روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام في البحار عن أبي عبد الله (الإمام الصادق) عليه السلام قال : ( ما بعث الله عز و جل نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال : الإقرار بالعبودية ، و خلع الأنداد ، و أن الله يقدم ما يشاء و يؤخر ما يشاء ) (1) .

**************************************************************
(1) البحار 4 : 108 نقلا عن توحيد الصدوق .

 البداء  ـ 24 ـ

  و في رواية أخرى وصف الإمام الصادق عليه السلام هذا الأمر بالمحو و الاثبات و قال : ( ما بعث نبيا قط حتى يأخذ عليه ثلاثا : الإقرار لله بالعبودية و خلع الأنداد ، و أن الله يمحو ما يشاء و يثبت ما يشاء ) (1) .
  و في رواية ثالثة سمى المحو و الإثبات بالبداء ، و قال ما موجزه : (ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله تعالى ... بالبداء ) الحديث (2).
  و عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال : ( ما بعث نبيا قط إلا بتحريم الخمر ، و أن يقر له بالبداء ) (3) .

**************************************************************
(1) المصدر نفسه ، نقلا عن المحاسن .
(2) البحار 4 : 108 نقلا عن توحيد الصدوق .
(3) المصدر نفسه .

 البداء  ـ 25 ـ

  وفي رواية أخرى أخبر الإمام الصادق عليه السلام عن زمان المحو و الاثبات و قال : ( اذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة و الروح و الكتبة الى سماء الدنيا فيكتبون ما يكون من قضاء الله تعالى في تلك السنة ، فإذا أراد الله ان يقدم شيئا أو يؤخره أو ينقص شيئا أمر الملك أن يمحو ما يشاء ثم أثبت الذي أراد ) (1) .
  و أخبر الإمام الباقر عليه السلام عن ذلك و قال ما موجزه : ( تنزل فيها الملائكة و الكتبة الى سماء الدنيا فيكتبون ما هو كائن في أمر السنة و ما يصيب العباد فيها ) .
قال : ( و أمر موقوف لله تعالى فيه المشيئة يقدم منه ما يشاء و يؤخر ما يشاء ، و هو قوله تعالى : ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) ) (2) .
   و في حديث آخر له قال : في قول الله: ( وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا ) :
  ( إن عند الله كتبا موقوتة يقدم منها ما يشاء و يؤخر ، فإذا كان ليلة القدر أنزل الله فيها كل شي‏ء يكون الى ليلة مثلها ، و ذلك قوله : ( وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا ) إذا أنزل ، و كتبه كتاب السماوات و هو الذي لا يؤخره ) (3) .

**************************************************************
(1) البحار 4 : 99 عن تفسير علي بن ابراهيم .
(2) البحار 4 : 102 نقلا عن أمالي الشيخ المفيد .
(3) البحار 4 : 102 نقلا عن تفسير علي بن إبراهيم .

 البداء  ـ 26 ـ

  و روى المجلسي في هذا الباب خبر هبة آدم عليه السلام أربعين سنة من عمره لداود عليه السلام الذي أوردناه آنفا في روايات مدرسة الخلفاء (1) .
  هذا هو البداء في أخبار أئمة أهل البيت عليهم السلام .
  و أما البداء بمعنى أن الله جد له رأي في الأمر لم يكن يعلمه ـ معاذ الله ـ فقد قال أئمة أهل البيت عليهم السلام فيه ما رواه المجلسي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : ( من زعم أن الله عز و جل يبدو له في شي‏ء لم يعلمه أمس فابرأوا منه ) (2) .

**************************************************************
(1) المصدر نفسه ، عن علل الشرائع .
(2) البحار 4 : 111 ، نقلا عن اكمال الدين .

 البداء  ـ 27 ـ

أثر الاعتقاد بالبداء :
  لو اعتقد الإنسان أن من الناس من كتب في السعداء فلن تتبدل حاله و لن يكتب في الأشقياء ، و منهم من كتب في الأشقياء فلن تتبدل حاله و لن يكتب في السعداء ، و جف القلم بما جرى لكل إنسان ، عندئذ لا يتوب العاصي من معصيته ، بل يستمر في ما هو عليه ، لاعتقاده بأن الشقاء قد كتب عليه و لن تتغير حاله ، و من الجائز أن يوسوس الشيطان الى العبد المنيب أنه من السعداء و لن يكتب في الأشقياء و تؤدي به الوسوسة الى التساهل في الطاعة و العبادة ، و عدم استيعاب بعض المسلمين معاني الآيات و الروايات المذكورة في المشيئة ، اعتقد بعضهم أن الإنسان مجبور على ما يصدر منه ، و آخرون على أن الأمر كله مفوض للإنسان ، كما سندرسه في البحث الآتي لنعرف الحق في ذلك بإذنه تعالى .